وكيف خالفوه في تحريمه متعة الحج، وقبلوا منه تحريم متعة النساء؟! مع أنه قد حرمهما معاً! فكان ينبغي الموافقة فيهما معاً، أو المخالفة فيهما معاً، حتى لا يكون ثمة إيمان ببعض القول، وكفر ببعض..
خامساً:
وإذا كان نهيه عن متعة الحج اجتهاداً منه، حتى لا يعرسوا بهن في الأراك، ثم يهلوا بالحج ورؤوسهم تقطر كما يقول(2) فليكن تحريمه لمتعة النساء أيضاً، اجتهاداً منه، كما اعترف به هو نفسه في رواية الطبري المتقدمة، حيث قال فيها: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحلها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة».
____________
(1) جواهر الكلام ج 30 ص 146.
(2) وذلك معروف ومشهور، فراجع: مسند أحمد ج1 ص49 و50 وسنن النسائي ج5 ص153 وعن صحيح مسلم ج4 ص45 وغير ذلك. وراجع: الغدير ج 6 ص 204 و 205، فإنه قد ذكر روايات تفيد: أن عمر بن الخطاب نفسه قد اعترف بأنه قد حرم متعة الحج لذلك، اجتهاداً منه، وقد اعترف بذلك ابنه عبد الله أيضاً.
ثم هو يوضح أيضاً: عدم صحة قولهم إن العمرة في الحج كانت خاصة لأصحاب محمد لكي يخالفوا ما عليه أهل الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أمر الصحابة بالإحرام بالحج ثم أمرهم بفسخه إلى العمرة ليبطل ما كان عليه أهل الجاهلية.
ولسوف نشير إلى أعذار أخرى: اعتذروا بها لعمر في تحريمه لهذا الزواج، ولسوف نرى: أن نسبة ذلك إليه ـ على بعض تلك الوجوه ـ لا تستلزم تكفيراً له..
على أن الحديث عن لوازم كهذه لا يبطل الاستدلال، ولا يوجب رفع اليد عن التشريع الثابت بالدلالة القطعية.
الفصل الثالث
المتعة رخصة للمضطر..
لابد من القول:
قد خصصنا هذا الفصل للحديث عن مقولة: «إن تشريع المتعة إنما كان للمضطر» ثم نسخ هذا التشريع. وقد كان من الممكن تلخيص كلماتهم، والإجابة عنها مرة واحدة.. ولكننا وجدنا في الصياغات المختلفة لهذه المقولات حيثيات تختلف وتتفاوت، ولربما يحسب بعض القراء أننا لم نلتفت إليها ولم نراعها في مقام المناقشة، الأمر الذي يترك نوعاً من التشويش والقلق فيما يرتبط بدقة المناقشات أو باستيفائها للشروط الموضوعية.
فكان هذا الأمر: حافزاً لنا إلى أن نتركها على حالها ونوجه مناقشتنا إليها مباشرة من دون أي تصرف أو إخلال بحرفية نصوصها.. الأمر الذي نشأ عنه الإحساس بأن ثمة تكراراً ـ لو يسيراً ـ في بعض الأحيان. مما قد يعتبره البعض
ولأجل ذلك كان لابدّ من: تقديم العذر عن هذا الأمر، وإعلام القارئ الكريم بأن ثمة تعمداً دعت إليه ضرورة والتزام أدبيّ تجاه القارئ الكريم..
وبناءً على ما تقدم فإننا نستهل حديثنا:
مع المقبلي في تأويلاته وتوجيهاته:
فنقول:
لقد حاول المقبلي الخروج من المأزق الذي نشأ من تحريم عمر للمتعة، فقال ما ملخصه:
إنك إذا رميت هيبة الناس، واقتصرت على المتيقن تجد:
1 ـ إن الأصل هو المنع، لأنه رخصة خلاف النكاح المعروف في الشرع، وهو الدائم.
2 ـ إنهم لم يروا حلية المتعة على الإطلاق، بل لم يروا وقوعها إلا لمضطر، وذلك هو السبب في تحليلها وتحريمها، فهي تحل عند الحاجة وتمنع عند انقضائها.
وذلك ليس من باب النسخ ليقال: أحلت، ثم نسخت، ثم
3 ـ ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم ثبتوا عليها، يراد منه ثباتهم على تحليلها للمضطر.. ولأجل ذلك لم يرو عن أحد أنه فعلها في غير هذه الحال. كما أنه لم يرو عن أحد أنه قال: إنها تفعل حال الرفاهية، بل غاية ما روي هو الإطلاق، والواقع.
مع أن ما كان يجري على أرض الواقع وقول ابن عباس يمنعان هذا الإطلاق.
4 ـ.. قال: والذين عدهم ابن حزم في جملة القائلين بحلية المتعة لم يرو عنهم ما يدل على اعتقادهم إطلاق التحليل وتعميمه لغير المضطر.
بل غاية ما روي عنهم أنهم فعلوها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كقول أسماء: فعلناها، على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لم تزد على ذلك.
وأشدها إيهاماً قول جابر: تمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلخ.. وهو الذي حمل ابن حزم على قوله: رواه جابر عن الصحابة، اغتر بضمير الجمع في قوله: «فعلناها» ولعل جابراً لم
ولا بد من الحمل على هذا، وإلا لكان فعل عمر تشريعاً، لأن النسخ تشريع ليس بالرأي، ولو كان كذلك فكيف يوافقه جميع الصحابة والتابعين.
فعمر والجمهور قد علموا بالنسخ، ولم يعلمه أقوام، فاتفق من بعضهم التمتع، فأشاع عمر بيان النسخ، فتوهم من لم يعلم بالنسخ أن الناس جميعاً إنما وافقوا عمر(1).
ونقول:
أولاً:
قد عرفت أن الروايات التي تحدثت عن تحليل المتعة مطلقة غير مقيدة، والذين قيدوا التحليل بالاضطرار ـ كما نسب إلى ابن عباس ـ لو صح النقل عنهم، لا يكون رأيهم هذا حجة على غيرهم، فإن سائر الصحابة قد أطلقوا القول بالحلية، وكذلك فإن ما ورد من نصوص عنهم، وعن النبي (صلى الله عليه وآله)، وكذلك الآية القرآنية ـ قد جاء مطلقا غير
____________
(1) راجع: المنار في المختار من جواهر البحر الزخار ج 1 ص 46 و 464.
ثانياً:
قال: إن سبب تحليلها وتحريمها هو وجود الاضطرار وارتفاعه، فلو صحّ ذلك، فلماذا تحرم على المضطر في زماننا هذا، فإن الاضطرار إذا كان سبباً في التحليل، فليكن سبباً في التحليل مطلقاً وفي كل زمان.
ثالثاً:
إن قوله: إن الأصل هو المنع، لأنه رخصة على خلاف النكاح المعروف، المشرّع، وهو الدائم..
ما هو إلا كلام شاعري لا يرجع إلى قاعدة مقبولة أو معقولة، فإن هذا النكاح مشرّع، وذاك أيضاً نكاح مشرّع، وهذا معروف، وذاك أيضاً معروف، فلماذا كان هذا أصلاً، وذاك على خلاف الأصل، وهل مجرد عادة الناس، على أمر تجعل هذا الأمر أصلاً، وتجعل غيره فرعاً؟!.
رابعاً:
قوله: إن الذين عدهم ابن حزم في جملة القائلين بحلية المتعة لم يرو عنهم ما يدل على اعتقادهم إطلاق التحليل
مثير للدهشة حقاً، فهل روي عنهم أنهم خصّوا التحليل بالمضطر؟! سوى ما نسب إلى ابن عباس مما قد عرفت عدم صحته أكثر من مرة، وستعرف المزيد من ذلك أيضاً في هذا الفصل بالذات.
خامساً:
قوله: ولعل جابراً لم يبلغه النسخ..
يجاب عنه: أنه هو نفسه قد ادعى في بداية كلامه: أن هذا ليس من قبيل النسخ، ليقال: أحلت ثم نسخت.. أي أن التحليل للمضطر، إنما هو ترخيص، ثم منع منه بعد ارتفاع الضرورة. وذلك يعني: أن الاضطرار يرفع المنع كلما وجد، كما هو الحال في أكل الميتة لحفظ النفس من الهلاك، فإن التزم بهذا فعليه أن يفتي بحلية المتعة للضرورة في كل عصر ومصر، وإن التزم بالنسخ وقع في محذور التهافت بين كلاميه.
سادساً:
لماذا لا يكون نهي عمر هو الناشئ عن عدم معرفته بتأخر الإجازة، والتحليل.. لا سيما إذا علمنا أن الصحابة لم يقبلوا منه هذا المنع والذين قبلوه إنما قبلوه مرغمين خوفاً من بطشه، وحذراً من تنفيذ تهديداته برجم
ولأجل ذلك: استمر أهل مكة وغيرهم في زمن الصحابة والتابعين، وتابعيهم على استعمال هذا الزواج.
سابعاً:
بل إن ثمة نصوصاً تقدمت عن عمر، يصرح هو فيها: أن المتعة كانت حلالاً في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي عهد أبي بكر.
ثامناً:
قوله: لا بد من الحمل على عدم معرفة الناس بالنسخ والمنع حتى أعلمهم عمر به، وإلا لكان فعل عمر تشريعاً.. غير مقبول، لأننا رأينا عمر يقوم بالتشريع والأمر في أكثر من مناسبة، ولا يتمكن أحد من الاعتراض عليه، كما في صلاة التراويح وغيرها.
وهناك إيرادات أخرى على كلام المقبلي تعرف مما ذكرناه في ثنايا هذا الكتاب، وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية.
المتعة رخصة في سفر:
وقد تحدث المدّعون للتحريم عن أن المتعة كانت رخصة في
ونقول:
1 ـ إن النصوص الكثيرة والمتضافرة، وكذلك الآية الشريفة، قد اثبتت حلية المتعة مطلقاً، ومن دون تقييد، فتقييدها بالضرورة، في خصوص السفر هو الذي يحتاج إلى إثبات..
2 ـ إن قول علي (عليه السلام) وابن عباس، لولا تحريم عمر للمتعة ما زنا إلا شفا، أو إلا شقي، وكذلك قول عمران بن الحصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ثم لم تنزل آية تحرمها إلخ.. واستمتاع معاوية وابناء خلف. وابن أم أراكة، وسعيد بن جبير، بل واستمتاع ابن جريج بسبعين امرأة، وذهاب فقهاء مكة والمدينة واليمن.. وعشرات من الصحابة وغيرهم إلى التحليل المطلق لهذا الزواج، وغير ذلك مما ذكرناه في فصل النصوص
____________
(1) الاعتبار ص 176.
3 ـ لو سلمنا: فإن الضرورة لم ترتفع فاللازم الحكم ببقاء التشريع، خصوصاً في حالات السفر حسبما يدعيه هؤلاء. فهل يقبل هؤلاء بذلك؟! فإنهم ينكرون حليتها مطلقاً في السفر وفي الحضر، وفي الضرورة وغيرها!!.
4 ـ على أن الضرورة قد تكون في الحضر أشد منها في السفر، وليس في السفر خصوصية في صنع حالات الضرورة، فإن بين عنواني الضرورة والسفر عموماً وخصوصاً من وجه. فإن كان الملاك هو الضرورة، فإنها قد تحقق في الحضر أيضاً، وإن كان الملاك هو السفر، فقد لا يكون فيه ضرورة للنساء أيضاً، وإن كان الميزان الضرورة، والسفر معاً أي الضرورة في خصوص السفر فهو يحتاج إلى إثبات وهو دعوى عهدتها على مدعيها..
الرخصة المنسوخة:
وقد زعم الشوكاني: أن النكاح الذي جاءت به الشريعة هو
وعلى هذا فالمتعة: ليست بنكاح شرعي، وإنما هي رخصة للمسافر مع الضرورة، ثم لا خلاف في ثبوت الحديث المتضمن للنهي عن هذا النكاح إلى يوم القيامة، وليس بعد هذا شيء، ولا يصلح معارضته بشيء مما زعموه.
وما ذكروه من: أن بعض الصحابة قد استمتع بعد موته (صلى الله عليه وآله) لا يجدي؛ إذ قد يخفى الحكم على بعض الصحابة إلخ..(1) انتهى ملخصاً..
وقد تقدم في فصل النصوص والآثار: في رواية عمران بن سوادة: أن عمر قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة».
وعن الشفاء بنت عبد الله: أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة، فأغلظ فيها القول: ثم قال: إنما كانت المتعة ضرورة(2).
____________
(1) راجع: السيل الجرار ج 2 ص 267 و 268.
(2) كنز العمال ج 22 ص 94 عن ابن جرير.
ونقول:
1 ـ قد عرفت أنه لا معنى لنفي كون المتعة نكاحاً شرعياً، وحصرها بكونها رخصة، للمسافر عند الضرورة!! لأن ذلك يختزن القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد رخص بالزنا في حالات الضرورة!!.
2 ـ أما بالنسبة لإشتراط إذن الولي، وكذلك الإشهاد، وثبوت النسب، وثبوت العدة، فقد ذكرنا غير مرّة: أنها أحكام لا يفرق فيها بين الزواج الدائم، والمنقطع.
3 ـ أما الطلاق فهو حكم ثابت للدائم فقط، لأن نفس الدوام هو الذي اقتضى الطلاق.
أما زواج المتعة فإن طبيعة التوقيت، ترفع موضوع الطلاق.
4 ـ أما الإرث: فقد اقتضاه الدوام في الزواج الدائم أيضاً، الأمر الذي يفرض هذا التكافل المتبادل، وليس الأمر كذلك في الزواج المؤقت.
5 ـ قد تقدم أنه لا توارث في نكاح الإماء حتى ولو كان دائماً، وحدوث القتل أيضاً، يمنع من التوارث في الدائم، كما أن
6 ـ قد تقدم أن حكم الضرورة غير قابل للنسخ..
7 ـ على أن الضرورة إذا اقتضت الترخيص في السابق، فلماذا لا تقتضيه في اللاحق، وإلى يومنا هذا..
8 ـ وأما بالنسبة إلى أنه قد يخفى الحكم على بعض الصحابة، فبينه عمر لهم.
فنقول:
أ ـ إن عمر نسب التحريم إلى نفسه.
ب ـ إن عمران بن الحصين قد اعتبر ذلك رأياً لعمر.
ج ـ إنه حتى بعد نهي عمر فإن كثيراً من الصحابة، والتابعين، وأهل مكة، واليمن، وأكثر أهل الكوفة، وغيرهم، قد استمروا مصرّين على موقفهم.
تشريع المتعة كتشريع أكل الميتة:
وقد نسب إلى ابن عباس، أنه إنما أفتى بها من باب أكل
ومن الواضح: أن الزنا قد حرم منذ بدء الإسلام وقد ورد تحريمه في السور المكية قبل سورة المؤمنون، والإسراء، والمعارج، والفرقان وغيرها، وقد قال تعالى: (إن الله لا يأمر بالفحشاء). ولا يحل نسبة التحليل إلى الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، لأجل العجز عن توجيه التحريم الصادر من عمر بن الخطاب.
بعض المتشيعين يخص الحلية بالضرورة:
وقد يحاول البعض أن يستشهد بقول بعض المنسوبين إلى مذهب التشيّع، وأنه يقول: إن حلية زواج المتعة تختص بحالات الضرورة، وهذا يمثل تراجعاً، أو فقل: إعترافاً بصوابية القول بالتحريم..
ونقول:
1 ـ إنه لا قيمة لقول هذا البعض، بعد أن حكم مراجع الشيعة، وأكابر علماء المذهب بأن أقاويله تمثل خروجاً على
2 ـ إن هذا البعض لم يعترف له أحد من العلماء ذوي الشأن بأنه في مستوى يؤهله للفتوى، بل لم يعترفوا له بالعلمية، ولا بالاجتهاد، فضلاً عما سوى ذلك من مراتب ومقامات، وإنما هو ادعى لنفسه هذه المراتب، وسوقها بين العامة، بأساليبه الخاصة، والغريبة والعجيبة..
3 ـ إن الاحتجاج بأقوال الأشخاص لا مبرر له، بل لا بد من الرجوع أولاً إلى مصادر التشريع لمعرفة ما قرره الشرع الحنيف أولاً، ثم تقاس أقوال الناس عليها، ليعرف من خلال ذلك المحق من المبطل، والمتبع من المبتدع.
نحن نقول:
قال الله (عز وجل) ورسوله (صلى الله عليه وآله) فهم الحجة، وقولهم الفصل، وحكمهم العدل؛ فلا معنى للقول في مقابل ذلك: قال فلان من الناس: هذا، وقال فلان الآخر: ذاك.
لا اختصاص للمتعة بالمضطر:
لقد ادعى البعض: أن زواج المتعة إنما شرّع للمضطر فقط، على سبيل الرخصة، ثم نسخت هذه الرخصة إلى الأبد.
ولتوضيح ذلك نقول:
لقد رووا عن أبي ذر رحمه الله، أنه قال: «إن كانت المتعة لخوفنا وحربنا»(1).
وقالوا أيضاً: نسب لزيد بن علي قوله: «المتعة مثل الميتة، والدم، ولحم الخنزير».
وسئل عنها فقال: «رخصة نزل بها القرآن وحرمها لما نزلت العدة والمواريث، وهذا إجماع أهل البيت، فقيل: يا ابن رسول الله، وما الآي التي نسختها؟
فقال: قوله: (والذين هم لفروجهم حافظون ـ إلى قوله ـ العادون).
____________
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 207، وفتح الباري ج9 ص148، ونيل الأوطار ج6 ص270.
ونسب ذلك لعلي (عليه السلام) أيضاً(2) وقال: إنها كانت رخصة لمن لم يجد، فلما أنزل الله تعالى النكاح والطلاق والميراث بين المرأة وزوجها نسخت(3).
وقالوا: إنها كانت في أول الإسلام رخصة لمن اضطر إليها، وعلى حد تعبير البعض، أنها كالميتة والدم، ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين بعد.. نقل ذلك عن أبي عمرة(4).
وتقدم قول ابن كثير وغيره: «روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها
____________
(1) راجع: مسند زيد ص304/305 هامش.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 207، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص130، وكتاب العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 13، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265 عن الطبراني في الأوسط وتحريم نكاح المتعة ص 55.
(3) تحريم نكاح المتعة ص 56 و 55 وسنن الدارقطني ج 3 ص 359.
(4) صحيح مسلم ج 4 ص 134 وسنن البيهقي ج 7 ص 205، ونصب الراية ج 3 ص 177، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 502، وكتاب العلوم لاحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 13، وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 45، وراجع مرقاة المفاتيح ج 3 ص 423، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180، وتحريم نكاح المتعة ص 115 و 116.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «لا تحل المتعة إلا لمضطر»(2).
وقال ابن كثير أيضاً عن ابن عباس: «.. وأما المتعة فإنما كان يبيحها عند الضرورة في الأسفار. وحمل النهي على ذلك في حال الرفاهية، والوجدان.
وقد تبعه على ذلك: طائفة من أصحابه، وأتباعهم. ولم يزل ذلك مشهوراً عن علماء الحجاز الى زمن ابن جريج، وبعده.
وقد حكي عن الإمام أحمد رواية كمذهب ابن عباس. وهي ضعيفة، وحاول بعض من صنف في الحلال نقل رواية عن الامام بمثل ذلك. ولا يصح أيضاً»(3).
بل نسب ذلك: إلى ابن عباس أيضاً، وإلى طائفة من
____________
(1) تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 474.
(2) الاعتبار للحازمي ص180 وتحريم نكاح المتعة للأهدل ص255 عنه وعن المقدسي في رسالة تحريم نكاح المتعة ص113.
(3) البداية والنهاية ج4 ص 194.
قد قلت للشيخ لما طال مجلســه | يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس |
في بضّةٍ رخصة الأطراف ناعمة | تكون مثواك حتى مرجع النـــاس |
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. لا والله، ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة، والدم،
____________
(1) راجع صحيح البخاري ج 3 ص 158، وفتح الباري ج 9 ص 148 عن الخطابي والفاكهي والبيهقي، ووكيع في الغرر، ونيل الأوطار ج 6 ص 268 و 270، وراجع البناية في شرح الهداية ج 4 ص 98، وراجع البحر المحيط ج 3 ص 218، وراجع الدر المنثور ج 2 ص 140، والبداية والنهاية ج 4 ص 194، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 26 و 27، والتمهيد ج 9 ص 121، وسنن البيهقي ج 7 ص 205، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 1 ص474، وعون المعبود ج 6 ص 84، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180، والتفسير الكبير للرازي ج 10 ص 49، وغاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، وذكره عن ابن عباس في مرقاة المفاتيح ج 3 ص 322.
(2) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص253.
وقد أضاف أمين محمود خطاب قوله: «كان ابن عباس يتأول إباحته للمضطر إليه، بطول العزبة، وقلة اليسار، والجدة، ثم توقف عنه، أو أمسك عن الفتوى به»(2).
ويقول عبد الرحمن الجزيري:
أما أصل مشروعية نكاح المتعة، فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في قلة تقضي عليهم بمناضلة أعدائهم باستمرار، وهذه حالة لا يستطيعون معها القيام بتكاليف الزوجية وتربية الأسرة، خصوصاً أن حالتهم المالية كانت سيئة إلى أقصى مدى،
____________
(1) فتح القدير ج 1 ص 455، وراجع: التمهيد ج 9 ص 121، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 226 و 227، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265عن ابن جرير في تهذيبه وابن المنذر، والطبراني، والبيهقي، والاستذكار ج 16 ص 300، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 179، وسنن البيهقي ج 7 ص 205، وفتح الباري ج 9 ص 148، وتحريم نكاح المتعة ص 116 و 117 و 91 و 92، وفيه أنه خرج يوم عرفة فقال للناس إلخ..، وعن معالم السنن للخطابي ج 3 ص 191، وراجع: لباب التأويل ج 1 ص 343، وزاد المعاد ج 2 ص 204، وعون المعبود ج 6 ص83 و84، والمنار في المختار ج1 ص461 و462، والمرأة في القرآن والسنة ص179، والتفسير الحديث ج9 ص53، والمنتقى للفقي ج2 هامش صفحة518 و520 و521، وفقه السنة ج2ص43، وجواهر الأخبار ج4 ص23، وإرواء الغليل ج 6 ص 319، ونكاح المتعة للأهدل ص252 و253 عن فتح الباري ج9 ص171 وعن التلخيص الحبير 2/1/158.
(2) فتح الملك المعبود ج 3 ص 225.
وإلى جانب هذا: إنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربوا عليها قبل الإسلام، وهي فوضى الشهوات في النساء. حتى كان الواحد منهم يجمع تحته ما شاء من النساء. فيقرب من يحب، ويقصي من يشاء، فإذا كان هؤلاء في حالة حرب فماذا يكون حالهم؟
إلا أن الطبيعة البشرية. لها حكمها، والحالة المادية لها حكمها كذلك. فيجب أن يكون لهذه الحالة تشريع مؤقت يرفع عنهم العنت، ويحول بينهم وبين تكاليف الزوجية.
وذلك هو نكاح المتعة، أو النكاح المؤقت، فهو يشبه الحكم العرفي المؤقت بضرورة الحرب. وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم، ولا يستطيعون الزواج الدائم، كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية. وليس من المعقول في هذه الحالة مطالبتهم بإضعاف شهواتهم بالصيام، كما ورد في حديث آخر، لأن المحارب لا يصح إضعافه بأي وجه، وعلى أي حال. فهذه الحالة هي الأصل في تشريع نكاح المتعة، يدل على ذلك ما رواه مسلم عن سبرة، قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمتعة عام
وروى ابن ماجة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «يا أيها الناس إني كنت أذنت في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة».. إلى أن قال: «أما ما روي من أن ابن عباس قال: إنه جائز.. فالصحيح أنه قال ذلك قبل أن يبلغه نسخه. وقد وقعت بينه وبين ابن الزبير مشادة في ذلك، فقد روي أن ابن الزبير قال: ما بال أناس أعمى الله بصائرهم كما أعمى أبصارهم يقولون بحل نكاح المتعة ـ يعرض بابن عباس، لأنه كف بصره ـ فقال ابن عباس: إنك جلف جاف، لقد رأيت إمام المتقين رسول الله يجيزه، فقال له ابن الزبير، والله إن فعلته لأرجمنك.
فظاهر هذا: أن ابن عباس لم يبلغه النسخ، فلما بلغه عدل عن رأيه، فقد روى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس قام خطيباً، فقال: إن المتعة كالميتة، والدم ولحم الخنزير، وذلك مبالغة في التحريم.
وبهذا كله يتضح: أن نكاح المتعة أو النكاح المؤقت باطل
وقال السيد سابق: «أما ابن عباس فإنه سلك هذا المسلك في إباحتها عند الحاجة والضرورة، ولم يبحها مطلقاً، فلما بلغه إكثار الناس منها رجع، وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها»(2).
والقول بأنها إنما أحلت للمضطر تجده في العديد من المصادر(3).
ويرى البعض: أن ابن عباس «لم يقل بحلها مطلقاً، بل في صدر الإسلام» وذلك إستناداً لما رواه الترمذي عنه أنه قال: «إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة، ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم،
____________
(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 90 و 91 وراجع ص 93.
(2) فقه السنة ج 2 ص 23، والمنتقى ج 2 هامش ص 521.
(3) راجع تحفة المحتاج شرح المنهاج للهيثمي ج 7 ص 224، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180.
قال العسقلاني عن هذا الحديث: «إسناده ضعيف، وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها»(2) أي أن هذا مخالف لقولهم إنها أبيحت في السفر لاشتداد العزوبة عليهم.
وقال في غاية المأمول عن زواج المتعة: «كان جائزاً في صدر الإسلام للضرورة، ثم نسخ»(3).
وراجع أيضاً ما عن القاضي عياض(4).
____________
(1) الجامع الصحيح للترمذي مطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 269 وعن الحازمي في الاعتبار ص 178، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والمنار في المختار ج 1 ص 461، ونيل الأوطار ج 6 ص 268 و 269، وفتح الباري ج 9 ص 148.
(2) فتح الباري ج 9 ص 148.
(3) غاية المأمول شرح التاج الجامع للاصول ج2 ص 334، وراجع: الفواكه الدواني، لابن مهنا النفراوي المالكي شرح رسالة أبي زيد القيرواني ج 5 ص 33.
(4) مرقاة المفاتيح ج 3 ص 423.
وقال الحازمي: «إنما كان ذلك يكون في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أباحه لهم، وهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة، حتى حرّمه عليهم في آخر أيامه (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت»(2).
وعن الطحاوي: ما يقرب من هذا فراجع(3).
وقال آخر: «.. وقيل لم يحرمها (صلى الله عليه وآله) مطلقاً، بل عند الاستغناء عنها، وأباحها عند الحاجة إليها، أي خوف الزنا،
____________
(1) تعليقات محمد الفقي على بلوغ المرام ص 207.
(2) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 176، وتحفة الأحوذي ج 4 ص 268، عن الاعتبار ومرقاة المفاتيح ج 30 ص 423، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 225، ونيل الأوطار ج 6 ص 270 و 272.
(3) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131.
وقال الحازمي: «أما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته للمضطرين إليه، بطول العزبة، وقلة اليسار، والجدة، ثم توقف عنه، وأمسك عن الفتوى به، ويوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول علي رضي الله عنه، وإنكاره عليه إلخ..»(2).
وقال الألباني: «إن ابن عباس (رض) روى في المتعة ثلاثة أقوال: الأول: الإباحة مطلقاً. الثاني: الإباحة عند الضرورة. والآخر [الحرمة ظ] مطلقاً، وهذا مما لم يثبت عنه صراحة بخلاف القولين الأولين»(3).
____________
(1) بجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336.
(2) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178 و 179.
(3) إرواء الغليل ج 6 ص 319.
وقيد البعض: التحليل بالغزو(2)، أو لعزبة كانت في الناس(3).
وقالوا: إنما كان ذلك في الجهاد [أو في الحال الشديد]، والنساء قليل، كما عن مولى لابن عباس، وصدّقه ابن عباس نفسه كما يدّعون(4).
____________
(1) المنار في المختار ج 1 ص 461.
(2) راجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والمنتقى ج 2 هامش ص 519.
(3) الاستذكار ج16 ص293، ونيل الأوطار ج6 ص270، وفتح الباري ج9 ص147 و148.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 204 و 205، والبخاري في الصحيح ج 3 ص 158، وراجع فتح الباري ج 9 ص 147 و 148، ونيل الأوطار ج 6 ص 268 و 269، والمنار في المختار ج 1 ص 461.