الصفحة 159
وآله) ليقول للجيش كله في فتح مكة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أذن لكم أن تستمتعوا، فاستمتعوا؟! كما ذكرته الروايات التي ذكرناها في سياق أحاديث التحريم؟!

3 ـ إنه لو صح القول بجواز تعدد التحليل والنسخ، وقد ذكرنا الإشكال في ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب، فإننا نقول: إن من يراجع الروايات.. يجد أن عمر قد نسب التحريم إلى نفسه في مقابل نسبته الحلية إلى عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)..

كما أن الكثيرين من الصحابة، وكذلك أهل مكة والمدينة واليمن وغيرهم ممن ذكرناهم في فصل مستقل يصرون على مخالفة ما جاء به عمر.. ولا يقبلون ذلك منه..

لا حاجة إلى النسخ بل لا معنى له:

وقد حاول البعض أن يدّعي: أن تشريع المتعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما كان لقوم مخصوصين، وهم الصحابة دون غيرهم، لعذر مخصوص، في مدة مخصوصة، وهو ثلاثة أيام.


الصفحة 160
والقائلون بالإباحة يقولون بالإباحة على كل حال وفي كل زمان، ولكل أحد.. ولاتدل أخبار التحليل في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك(1).

ونقول:

أولاً:

لو كان الأمر كما يقول، فلا معنى للنسخ من الأساس، لأن الحكم بنفسه مضيق ومقيد. فإذا انتهى زمانه، وزالت قيوده انتفى بصورة تلقائية، ولا يحتاج إلى النسخ، لأن أخبار الإباحة قاصرة عن الشمول. فلا معنى لرفع ما هو مرتفع، ولا لدفع ما هو مندفع من تلقاء نفسه.

ثانياً:

إن هذا المعترض قد استفاد هذه القيود من نفس أخبار النسخ التي يدعي تماميتها. مع أنها هي محل النزاع، فالاستدلال بما هو محل النزاع مصادرة على المطلوب. وليس فيها ما يثبت هذه القيود المدعاة بل نجد فيها وفي غيرها مما ذكرناه في فصل النصوص والآثار ما يثبت خلاف ذلك بصورة قاطعة.

____________

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 186.


الصفحة 161

ثالثاً:

إن بعض الأخبار المذكورة قد دلت على التحديد بثلاثة أيام ولكنها أخبار آحاد تتخالف وتتعارض فيما بينها، ومع غيرها، بالإضافة، إلى إشكالات أخرى كثيرة تزيدها ضعفاً ووهناً ولا تقوم بها حجة.

أحكام زواج المتعة:

قال ابن عبد البر: «وأجمعوا أن المتعة نكاح لا إشهاد فيه، ولا وليّ، وأنه نكاح إلى أجل تقع فيه الفرقة بلا طلاق، ولا ميراث بينهما، وهذا ليس حكم الزوجات في كتاب الله ولا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).

ونقول:

إن جميع ما ذكره من أحكام للمتعة أعني الزواج المؤقت صحيح. لكن قوله: وهذا ليس حكم الزوجات إلخ.. غير مقبول، فإنه وإن كان ليس هو حكم الزوجات في النكاح الدائم، لكنه حكم الزوجات في زواج المتعة، فلماذا يطلق حكمه بهذه الطريقة

____________

(1) التمهيد ج 9 ص 116، وراجع: الاستذكار ج 16 ص 296.


الصفحة 162
غير السليمة.

التشويه غير المقبول:

ويحاول البعض: أن يوحي بأن ما يذكر للزواج المؤقت من أحكام، فإنما ذكره الشيعة.. وكأن هذه الأحكام ليست ثابتة في أصل التشريع، والشيعة هم الذين ابتكروها؟!، فنجده يقول: «.. قد ذكر الشيعة لزواج المتعة أحكاماً ترتبط به، أو تنشأ عنه..» ثم ذكر أنه «لا طلاق ولا توارث بين الزوجين فيه، ولكن فيه العدة، والتوارث بين الوالدين والولد..»(1).

والأدهى من ذلك قول بعض آخر: «.. ولا يثبت عندهم في نكاح المتعة شيء من أحكام النكاح، لا مهر ولا نفقة، ولا توارث، ولا عدة إلا بالاستبراء»(2).

وقال ابن المرتضى: «قيل: ولا يعتبر في المتعة من أجازها

____________

(1) مجلة الهلال اللمصرية العدد 13 جمادى الأولى سنة 1397 هـ. ق. أول مايو سنة 1977م.

(2) شرح الأزهار ج 2 ص 238.


الصفحة 163
من أحكام النكاح إلا الاستبراء.. بل يعتبر الولي والشهود. قلنا: أدلتهم وفعلهم يقتضي عدم اعتبارها»(1).

وأغرب من ذلك كله: أن نجد بعض الناس يقول: إن نكاح المتعة ليس نكاحاً أصلاً، وإليك عبارته بعينها: «إنا لا نسلّم أن نكاح المتعة يسمى نكاحاً، لأن النكاح في اللغة هو الوطء، وهو في الشريعة عبارة عن العقد اللازم المؤبد بدليل ما تقدم بيانه. فلم يدخل موضع الخلاف تحت الآية.

وعلى أنه عام في نكاح المتعة وغيره، فنخصه بما ذكرنا.

وجواب آخر: وهو أن الله تعالى علّق بالنكاح أحكاماً لكل واحد من الزوجين على صاحبه، فكان ذكر هذا النكاح وإباحته راجعاً إلى ما اجتمعت فيه تلك الأحكام، وليس في نكاح المتعة شيء من تلك الأحكام، فلم يكن مراداً بالآية(2).

قلت: واقرب دليل على بطلان زعمهم وفساد مسلكهم، أن في الآية دليلاً على الاقتصار على أربع في النكاح المؤبد، كما هو

____________

(1) البحر الزخار ج 4 ص 23.

(2) عن تحريم نكاح المتعة لأبي الفتح المقدسي ص 133.


الصفحة 164
مذهب المخالف أيضاً.

فلو كانت المتعة يعدّونها نكاحاً للزمهم أن يحدّوا النصاب الذي يتمتع به بأربع. فلما أجازوا الاستمتاع بأي عدد اتفق؟!، ولو زاد على الأربع، تبين منه أنهم لم يجروا التمتع مجرى النكاح.

إذاً فهو ليس بنكاح عندهم، إذ لو كان التمتع نكاحاً لأعطوه حكمه.

وعليه فاستدلالهم بهذه الآية يوجب تناقضهم، ويلزمهم ألا يُسمّوه نكاحاً، ولا يُدلّلوا عليه بهذه الآية»(1).

ونقول:

إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:

أولاً:

قد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب: أن المتعة تسمى نكاحاً، وقد ورد ذلك في حديث سبرة وغيره: أن الاستمتاع كان عندهم هو التزويج.

ثانياً:

إن تعريفه للنكاح في الشريعة بأنه العقد اللازم المؤبد، ما هو إلا اختراع منه، وليس لديه ولا لدى غيره أي دليل

____________

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 310.


الصفحة 165
على ذلك سوى الادعاء، وما تقدم بيانه عنده لا يزيد على هذا الادعاء. وقد ألمحنا غير مرة إلى أنه غير مقبول إلا بشاهد ودليل.. وأين وأنى لهم به.

ثالثاً:

إن القرائن ومنها قراءة «إلى أجل مسمى» قد دلت على أن المراد بالآية خصوص النكاح المؤقت «المتعة».

ومن القرائن أيضاً تعبير الآية نفسها الدال على أن أي مقدار من الاستمتاع حصل، فلا بد من إعطاء ما يقابله من الأجر، وهذا إنما يتصور في زواج المتعة فقط، حيث إنها تستحق من المهر بمقدار ما وفت به من المدة..

رابعاً:

بالنسبة للأحكام التي علقها الله بالنكاح، مثل عدم الزيادة على الأربع، والقسم والليلة والعدة وما إلى ذلك.

نقول:

إنها إنما تعلقت في خصوص النكاح الدائم لا في مطلق النكاح، فلماذا يفرض هؤلاء أن تعطى أحكام هذا النوع من الزواج إلى ذاك؟!.

خامساً:

إن هذا الزواج قد كان مشروعاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا ريب، فعدم جواز الزيادة على

الصفحة 166
الأربع، هل كان ثابتاً له أم لم يكن ثابتاً؟.

فإن قالوا: بأنه كان ثابتاً له، فقد أبطلوا، وإن قالوا: لم يكن ثابتاً له فلماذا الاعتراض..

وعلى فرض: عدم ثبوت تلك الأحكام في هذا الزواج على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فالسؤال هو: هل إن عدم ثبوتها أوجب عدم مشروعية هذا النكاح؟! وهل أصبح المتمتعون في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) زناة؟! وهل يصح تشريع الزنا من الله ورسوله؟!

وأي دليل دل على أن تسمية عقد المتعة بالنكاح كان مشروطاً بثبوت جميع أحكام الزواج الدائم فيه؟!

سادساً:

ـ بالنسبة للعدة والزواج الموقت بالأمهات والأخوات ونحو ذلك لا بد لنا من أن نسأل هذا الكاتب: هل كانت هذه الأحكام ثابتة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ـ قبل النسخ الذي يدّعيه ـ أم لا؟!.

أي هل: كانت المرأة المتزوج بها متعة، تعتد بعد انتهاء المدة أم لا؟

وهل كان: يحرم الزواج المؤقت بالأخوات، والأمهات،

الصفحة 167
وغيرهن من المحارم، أم لا؟!

وهل كانوا: يجرون صيغة العقد للزواج المؤقت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعده، أم لا؟!

وهل كانوا: يلحقون الابناء بآبائهم في هذا الزواج، أم لا؟!

إلى غير ذلك: من الأسئلة الكثيرة التي تفرض نفسها، ولا مجال لأحد أن يتهرب منها.

سابعاً:

إن نسبة ذلك، أعني تلك الأحكام، إلى الشيعة دون غيرهم، لا مبرر لها، إذ إن ذلك ثابت عند غيرهم أيضاً.. ولعل الكاتب لم يراجع شيئاً من كتب غير الشيعة هنا.. وقد تقدم منا نقل كلام القرطبي في ذلك.

لا نكاح إلا بولي وشاهدين:

وفي مقام الإشكال على زواج المتعة، قالوا: «أجمعوا على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين»(1).

____________

(1) الاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202.


الصفحة 168
وفي بعض كتب الشافعية: «عند ابن عباس هو الخالي عن الولي والشهود» وتسميته نكاح المتعة على هذا: «لأن شأن الصادر بلا ولي وشهود أن يكون الغرض منه مجرد اللذة»(1).

وتحدثوا عن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نهى عن نكاح السر، وأنه: مرّ بدار من دور الانصار، فسمع بها صوتاً فقال: ما هذا؟ فقيل: يا رسول الله، فلان تزوج فقال (صلى الله عليه وآله): الحمد لله، هذا النكاح لا السفاح(2).

ونقول:

أولاً:

لا يوجد إجماع على لزوم الإشهاد، وإذن الولي حتى في النكاح الدائم.

ثانياً:

إذا ثبت ذلك في الدائم، فليس بالضرورة أن تتفق أحكامه مع أحكام المنقطع.

ثالثاً:

إذا كان السبب في لزوم ذلك هو كون الدائم نكاحاً مشروعاً، فالمنقطع نكاح مشروع أيضاً فليشترطوا ذلك فيه

____________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 92 و 93.

(2) الاعتصام بحبل الله المتين ج3 ص201 و202، وكتاب العلوم لأحمد بن عيسى ص10.


الصفحة 169
أيضاً، وليس ثمة ما يمنع من ذلك.

رابعاً:

لا يشترط في النكاح حتى الدائم، لا إسرار ولا إعلان، وإن كان الإعلان مستحباً، كما لم يشترط أحد أن تكون المتعة سرية، فما يقال في الدائم من هذه الجهة هو نفسه يقال في المنقطع.

زواج المتعة بلا ولي ولا مهر:

ومن غريب ما رأيناه تعريفهم لزواج المتعة بأنه: «هو النكاح إلى أجل خاص بغير ولي، وبغير شهود، وبغير صداق. قاله ابن عبد البر»(1).

ونقول:

لا ندري من أين جاء هذا التعريف لهذا الزواج الذي شرعه الله بإجماع الأمة، فابتدع لنا مقولة: انه بغير صداق.

____________

(1) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني ج2 ص47.


الصفحة 170
وقد صرحت الروايات المتقدمة في فصل: النصوص والآثار وغيره بلزوم المهر فيه فراجع ما تقدمت روايته عن الصحابة وعن عمر نفسه حسبما ذكرناه في هذا الكتاب، وسبق أيضاً قول جابر: كنا نستمتع بالقبضة من التمر الخ. راجع فصل النصوص والآثار، الحديث الثاني.

أما الإشهاد فنحن لا ننكر أنه لا يشترط الإشهاد في زواج المتعة، لكننا نقول: إن هذا يشمل الزواج الدائم أيضاً..

وأما بالنسبة للولي: فإنه لا يفترق عن الزواج الدائم في ذلك وكذا الحال بالنسبة للشهود. وقد صرّح ابن رشد بقوله عن نكاح المتعة: «هو النكاح بصداق وشهود وولي» وإنما فسد من ضرب الأجل»(1).

وقال ابن جزي في تفسير آية: (فما استمتعتم به منهن): «وكان جائزاً في أول الإسلام، فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه»(2).

____________

(1) المصدر السابق.

(2) التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137.


الصفحة 171
على أننا نقول: إن الحلال هو ما احله الله ورسوله، وقد احل الله ورسوله هذا الزواج، فلنقبل ذلك وفق الشروط التي كانت معتبرة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن كان بولي وشهود فهو اليوم كذلك وإن كان بدونهما فهو اليوم أيضاً كذلك.

أقاويل وأباطيل:

قال النحاس: «وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوماً وما أشبه ذلك، على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك. وهذا هو الزنا بعينه، ولم يبح قط في الإسلام إلخ..»(1).

وقال البعض أيضاً: «لا يعتبر في المتعة من أجازها من أحكام النكاح إلا الاستبراء»(2).

ونقول:

إن هذا النكاح شرعي، وليس من أقسام الزنا،

____________

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.

(2) جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج 4 ص 23.


الصفحة 172
ويكفي في رد كلام هؤلاء أنه: قد شرّع في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإجماع الأمة.

أما ما زعموه من أنه لا يعتبر في المتعة من أحكام النكاح إلا الاستبراء، فقد علق عليه المقبلي بقوله: «هذا خلاف ما في كتبهم، فإن فيها يشترط ما يشترط في النكاح الدائم، وفي التبصرة من مختصرات فقههم: لا يقع بها طلاق ولا لعان، ولا ظهار، ولا ميراث لها وإن شرط، وتعتد بعد الأجل بحيضتين أو بخمسة وأربعين يوماً، وفي الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام، ويلحق به الولد»(1).

ثبوت النسب في زواج المتعة:

أضاف المقبلي قوله: «وسألت بعضهم هل يثبت به النسب، فقال لي في ذلك ثلاث مذاهب، إطلاقان، وتفصيل: تثبت ولا تثبت مع الشرط.. إلخ»(2).

____________

(1) المنار في المختار من البحر الزخار ج 1 ص 464.

(2) المصدر السابق.


الصفحة 173

ونقول:

إن كلامه الأخير لا صحة له، فإن النسب يثبت في المتعة كالدائم، وأما الإشهاد فلا يعتبر في النكاح عند الإمامية، نعم هو معتبر في الطلاق، وفقاً لما جاء في الآيات القرآنية الكريمة.

وأما ما عليه أهل السنة من لزوم الإشهاد في عقد النكاح وعدم لزومه في الطلاق فمخالف للقرآن، قال تعالى في سورة الطلاق: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله إلخ..)(1).

فالسورة كلها مسوقة لبيان الطلاق وأحكامه، وقد ذكر منها الإشهاد، ولم يشترط القرآن الإشهاد في النكاح، لا في الدائم منه ولا في المنقطع.

وقال القرطبي: «إختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة، هل يحد ولا يلحق به الولد، أو يدفع الحد للشبهة، ويلحق به الولد على قولين. ولكن يعزّر ويعاقب. وإذا ألحق اليوم الولد في

____________

(1) سورة الطلاق/الآية 2.


الصفحة 174
نكاح المتعة في قول بعض العلماء مع القول بتحريمه، فكيف لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح؟.

فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح، ويفارقه في الأجل والميراث، وحكى المهدوي عن ابن عباس: أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعف لما ذكرنا»(1).

وقال أيضاً: «قال أبو عمر: لم يختلف العلماء من السلف والخلف: أن المتعة نكاح إلى أجل، لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند إنقضاء الأجل، من غير طلاق».

وقال ابن عطية: «وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى أن لا ميراث بينهما، ويعطيها ما اتفقا عليه، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، ويستبرئ رحمها: لأن الولد لاحق فيه بلا شك فإن لم تحمل حلّت لغيره»(2).

____________

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.

(2) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224.


الصفحة 175

الشوكاني ليس من الشيعة:

ويقول البعض: في سياق حديثه حول المتعة، وردّه لأدلتها الصحيحة والثابتة: ان الشوكاني كان من أئمة الشيعة، وذلك من أجل أن يضعف حجة الشيعة ـ بزعمه ـ بآراء الشوكاني.

وهذا أيضاً غير صحيح، فإن من الواضح: أن الشوكاني كان أولاً من الزيدية.. ثم رجع عن ذلك، وصار سنياً، غير مقلد لأي من أئمة المذاهب الأربعة، والمراجع لكتب الشوكاني لا يخامره شك في تسننه القوي والراسخ.

لا معنى للأمر بالاستعفاف إذا حلّت المتعة:

ويقول البعض أيضاً: لو كانت المتعة بكف من بر حلالاً، لم يكن معنى لقوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) لأن وجوب الاستعفاف عند العجز عن النكاح يناقض حلية المتعة، فإنه إذا عجز عن النكاح فبإمكانه التمتع، فما معنى أمره بأن يستعفف.. ولا سيما مع سهولة المتعة، ولو

الصفحة 176
بكف من برّ..(1).

وجواب هذا الكلام واضح:

فأولاً:

إن المراد في الآية ليس خصوص العجز عن النكاح الدائم، بل الأعم منه ومن المنقطع، فإن الإنسان قد يتعسر عليه أمر الزواج بقسميه، فكما أن الدائم نكاح، فإن المنقطع أيضاً نكاح، فما عليه والحالة هذه إلا أن يستعفف بمقتضى الآية الشريفة.. ولا يجوز له أن يرتكب المحرمات، كالزنا، وغيره.

ثانياً:

إن الله سبحانه وتعالى لم يقل: لا يجدون مالاً، بل قال: (لا يجدون نكاحاً) وقد يكون عدم وجدان النكاح لأسباب مختلفة.

فقد يكون السبب: هو عدم وجود نساء يقبلن به كزوج دائم أو كزوج في المنقطع.

وقد يكون السبب: هو عدم المال لديه، مثل ذلك الرجل الذي زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما معه من القرآن.

وقد يكون السبب: هو وجود موانع له هو تمنعه من الزواج،

____________

(1) الوشيعة لموسى جار الله.


الصفحة 177
كالسفر إلى بلاد لا يعرف فيها من يساعده في أمر كهذا، أو وجود مانع اجتماعي، كوفاة قريب لا يستسيغ له الناس الزواج في فترة معينة، أو ما إلى ذلك..

ففي مثل هذه الحالات يطلب منه أن يستعفف، ولا يبادر إلى المحرمات.

وثالثاً:

إن الزواج المنقطع كما أنه قد يكون المهر فيه كفاً من بر ـ أي قمح ـ كذلك الزواج الدائم ـ ونجد كثيرين يجعلون المهر مصحفاً، أو تعليم سورة من القرآن، أو ما إلى ذلك..

ومن الجهة الأخرى: فإن المهر في المتعة كما أنه قد يكون كفاً من برّ كذلك هو قد يصل إلى مقادير كبيرة من الذهب، تماماً كما هو الحال في الزواج الدائم الذي قد يكون نصف درهم، وقد يكون قنطاراً من الذهب، وذلك وفقاً لما يتراضيان عليه.. وكما أشار إليه قوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً)(1).

____________

(1) سورة النساء، الآية 20.


الصفحة 178

الزيدية يحرمون المتعة:

ومن الأمور الغريبة: أن البعض يتخذ من ذهاب فرقة الزيدية إلى التحريم ذريعة للطعن فيما يقوله الإمامية من بقاء حلية هذا التشريع، على اعتبار أن الزيدية أيضاً يتشيعون لأهل البيت (عليهم السلام)، فلو أن التحليل هو مذهب علي وأهل بيته (عليهم السلام) لوجب أن يلتزم الزيدية بذلك أيضاً.

ونقول:

أولاً:

لا ندري لماذا خصّ الزيدية بهذه المقالة ولم يعطف عليهم كل فرقة تعظم أهل البيت (عليهم السلام)، وتهتم بمتابعتهم.. كالمعتزلة البغداديين الذين كانوا يرون: أن علياً (عليه السلام) أفضل الصحابة.

بل لماذا يستثني أهل السنة أيضاً فإنهم أيضاً يلتزمون أهل البيت (عليهم السلام)، ويعظمونهم، ويعظمون علياً (عليه السلام)، ويلتزمون إمامته، وخطه، ولا تكاد تجد أحداً من أهل السنة يجرؤ على رفض الالتزام بما ثبت عنه (عليه السلام) من أحكام إلا أن يخالفه إلى غيره من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).


الصفحة 179

ثانياً:

إن من الواضح: أن الزيدية يأخذون كثيراً من فقههم وأحكامهم من مجاميع الحديث عند أهل السنة، وهناك انسجام واضح في هذا المجال ـ نتيجة لذلك ـ فيما بين الفريقين، فلا مجال للاحتجاج بهم لمجرد إطلاق اسم الشيعة عليهم.

ثالثاً:

إن المعيار يجب أن يكون هو الدليل والحجة من القرآن والسنة، وما سوى ذلك لا عبرة به.

الشيعة تركوا قول علي (عليه السلام) واخذوا بغيره:

ويقول البعض: سلمنا أن ابن عباس قال: هي حلال.. لكن عمر، وعلياً (عليه السلام) وابن الزبير وابن عمر قالوا: هي حرام، وأنكر ابن الزبير على ابن عباس بما تقدم بيانه.

فكيف ترك الشيعة قول علي (عليه السلام)، مع الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) في نسخها، وتمسكوا بقول ابن عباس؟!(1).

____________

(1) تحريم نكاح المتعة ص 117.


الصفحة 180

أقول:

1 ـ إن نهي عمر بن الخطاب لا يصح الاحتجاج به، فإنه موضع الأخذ والرد.

وأما نهي علي (عليه السلام) لابن عباس، وروايته النسخ عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فنحن نشك في صحته، لأن المروي عن علي (عليه السلام) خلافه.. وقد ناقش ـ حتى علماء أهل السنة برواية النسخ في يوم خيبر، وشككوا فيها، وردّوها وذهب أكثرهم إلى أن النسخ إنما كان يوم الفتح. ورووا هم أيضاً عن علي (عليه السلام) قوله: «لولا أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة، ما زنى إلا شقي، أو نحو ذلك».

فالشيعة يستندون: إلى قول ابن عباس، وعلي (عليه السلام)، وجابر، وابن مسعود، وعمران بن الحصين، و.. و.. إلى آخر القائمة الطويلة التي لم تقبل من عمر نهيه عن هذا الزواج المشروع.. بل وأهل مكة، واليمن، وأكثر أهل الكوفة وثلاثة من الأئمة الأربعة.. بالإضافة إلى كثيرين آخرين قد أفتوا بحلية هذا الزواج.


الصفحة 181
2 ـ لقد تحيرنا مع هؤلاء القوم، فهم تارة يقولون لنا: إن علينا أن نأخذ بقول علي (عليه السلام)، وأخرى يقولون لنا: إن من قواعدنا(!!) أنه لا يرجع في المختلفات إلى علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام)(1) وهي مقولة حاقدة ناقشناها في موضع آخر من هذا الكتاب.

الاجماع على أنه (صلى الله عليه وآله) لم يتمتع:

وقد رفض بعضهم القبول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد تزوج متعة، كما ذكره الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وذلك إستناداً إلى الأمور التالية:

أولاً:

إنه «خرق لإجماع الأمة الإسلامية المعقود من عصر انعقاد الإجماع إلى العصر الحالي؛ إذ هم كلهم متفقون على أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يباشر النكاح المؤقت إطلاقاً. مع اتفاقهم على أنه رخص فيه في أول الإسلام.

____________

(1) راجع فتح الباري ج 9 ص 150، وأوجز المسالك ج 9 ص 404ن وراجع: فتح الملك المعبود ج 3 ص 227، وعون المعبود ج 6 ص 84، وفقه السنة ج 2 ص 42 و 43.


الصفحة 182
ولكن ترخيصه هذا شيء، والمباشرة شيء آخر، إذ لا يلزم من ترخيصه فيه مباشرته لذلك، فاتبع في قوله هذا غير سبيل المؤمنين.

وقد قال سبحانه: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيراً)»(1).

ثانياً:

قوله على الرسول عليه الصلاة والسلام: إنه فعل ما لم يفعله، ينطبق عليه قول المشرع الكريم: «من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار»(2) إلخ..(3).

ونقول:

أولاً:

هل يستطيع هذا البعض أن يذكر لنا كلمات ـ ولو عشرة ـ من علماء الإسلام التي وقف عليها خلال تحصيله لهذا

____________

(1) سورة النساء، الآية 15.

(2) هذا الحديث متواتر معنى ومبنى عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال ابن الجوزي رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفساً.. إلخ.

(3) نكاح المتعة للأهدل ص319.


الصفحة 183
الإجماع الذي يدعيه؟! يصرحون فيها بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يتزوج متعة، فإذا كان الشاذ منهم هو الذي ادعى هذه الدعوى، فهل يصح إطلاق القول بوجود إجماع؟!

ثانياً:

إننا نسأل الذي ادعى أنه (صلى الله عليه وآله) لم يتمتع: ما هو مستنده، ومعتمده فيما ادعاه؟! وهل تقبل الدعاوي التي تطلق جزافاً ومن دون أي مستند؟!

ثالثاً:

إن مجرد سكوت العلماء عن أمر لا يعني موافقتهم عليه، فقد يكون السكوت لأكثر من سبب، فكيف إذا كان السكوت نتيجة لعدم الالتفات إلى هذا الأمر أصلاً، وليس لأجل التفاتهم، ثم سكوتهم عنه. فإذا كان هناك مجال لتوهم الموافقة في الثاني، فلا مجال لتوهم ذلك في الأول.

رابعاً:

إننا نجد هناك روايات تثبت أنه (صلى الله عليه وآله) قد مارس هذا الزواج. فهل يستطيع هذا القائل أن يأتي برواية واحدة تنفي عن النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك؟!

كما أنه سيأتي من كلام المفيد ما يفيد أنه لا يقر بمقولة: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفعل ذلك. فما معنى

الصفحة 184
ادعاء إجماع علماء الإسلام على أمر ينكره أمثال المفيد رحمه الله تعالى؟!.

وبعدما تقدم نقول: كيف صح لهذا الشخص أن ينفي صدور ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا المستوى من الشدة والحدة، وليس لديه اية أدلة تدعم دعواه، ثم يحكم على من يملك أدلة الإثبات بأنه يكذب على رسول الله متعمداً، وبأنه يتولى غير سبيل المؤمنين، وسيصلى جهنم ويتبوأ مقعده فيها وساءت مصيرا؟!

لو كان في المتعة خير لفعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله):

وقد أجاب الشيخ المفيد رحمه الله على قولهم: لو كان في المتعة خير لما تركها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ليس كل ما لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان محرماً، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام) كافة لم يتزوجوا