أضف إلى ذلك: أنه قد ورد ما يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد فعلها، وقد تقدم ذلك فصول سبقت خصصناها لذكر الروايات، ونعود فنشير إلى ذلك هنا.
فنقول:
قد روي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج بالحرة متعة، فاطلع عليه بعض نسائه، فاتهمته بالفاحشة، فقال: «إنه لي حلال، إنه نكاح بأجل، فاكتميه. فاطلعت عليه بعض نسائه. فنزلت آية: (وإذ أسر النبي)»(2).
وفي نص آخر: عن الصادق عليه السلام فقد سئل: «فهل تمتع رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: نعم. وقرأ هذه الآية: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً.. إلى قوله تعالى: ثيبات وأبكاراً)(3).
____________
(1) راجع: زواج المتعة حلال ص 122.
(2) خلاصة الإيجاز في المتعة ص 24 و 25 وعن الوسائل ج14 ص 240.
(3) من لا يحضره الفقيه ج2 ص151 وجواهر الكلام ج3 ص151 و152 وعن الوسائل ج14 ص442.
أما قول بعضهم:
إن التعصب البغيض هو الذي حمل على نسبة هذا الأمر القبيح إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولو فعل ذلك أبوه أو جده لعابه عليه ووبخه(1).
فيرده:
1 ـ إنه لو كان قبيحاً لما أحله الله ورسوله في صدر الإسلام.
2 ـ إن هؤلاء يقولون: إن الحسن هو ما حسنه الشارع، والقبيح هو ما قبحه الشارع ففعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الأمر يكون آية حسنه.
3 ـ إن هناك أموراً قد تكون مستساغة في زمان غير مستساغة في زمان آخر، مثل ركوب الجمل والبغلة والحمار، فإن ذلك لم يعد مستساغاً لأهل الرياسة والجاه في هذه الأيام. وقد كان مستساغاً في عصور مضت.. فليس هذا النوع من القبول والرد صالحاً لأن تدور مداره الأحكام الإلهية الثابتة للموضوعات بعناوينها الأولية..
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 154.
التوقيت خلاف مقتضى النكاح:
ويقول البعض: «نكاح المتعة باطل، لأن التوقيت خلاف مقتضى النكاح، وهو خلاف الزوجية»(1).
ونقول:
نعم، هو خلاف مقتضى النكاح الدائم، إذ إن للنكاح المشروع فردين:
أحدهما: الدائم.
والآخر: المنقطع.
فالتوقيت ليس خلاف النكاح المنقطع، بل هو داخل في صميم مضمونه، ولأجل ذلك احله الشارع المقدس وشرّعه في صدر الاسلام، وثبت على القول بتحليله كثير من فقهاء الامة في تلك الحقبة وبعدها.
الإجماع بسبب نهي عمر، لا بسبب النسخ:
ويلفت نظرنا هنا: ابن حجر العسقلاني، وهو يعلق على ما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، حيث نجده يقول: وهو يرد على ابن حزم الذي قال: إن جابراً روى حلية
____________
(1) غاية المأمول، شرح التاج الجامع للأصول ج2 ص 334.
إلى أن قال: «وقد ثبت عن جابر ـ عند مسلم ـ: فعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم نهانا عمر، فلم نعد لها، فهذا يردّ عدّه [أي ابن حزم] جابراً في من ثبت على تحليلها»(1).
ونقول:
1 ـ إن كلام جابر صريح بأنهم إنما لم يعودوا للمتعة بسبب نهي عمر لهم، لا بسبب ورود النهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فامتناعهم هذا لا يدل على إجماعهم على التحريم، بل هو دليل مقهوريتهم بمنع عمر.
2 ـ وماذا ينفع إجماع يحصل بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانقطاع الوحي، فهل نزل عليهم جبرئيل
____________
(1) فتح الباري ج 9 ص 151.
إلا على قاعدة «الإجماع نبوة بعد نبوة» حسبما أشرنا إليه في موضع آخر من هذا الكتاب. أو على قاعدة: أن الإجماع بعد الخلاف يرفع ذلك الخلاف ويزيله.
وقد أسلفنا: في القسم الأول من هذا الكتاب أن هذه القاعدة غير مسلمة، ولا مقبولة، بل هي مرفوضة على نطاق واسع.
3 ـ إن كلام جابر: فعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نهانا عمر فلم نعد لها، يدل على أن جابراً استمر على القول بالتحليل منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى عهد عمر، وحتى بعد عمر أيضاً، لأن عدم عودته لها خوفاً من تهديدات عمر بالرجم، لا يدل على أنه: أصبح يقول بحرمة هذا الزواج.
زواج المتعة على عردٍ أو عردين:
المراد بالعرد الواحد والعردين، المواقعة مرة واحدة، أو مرتين، وقد حاول البعض أن يقول:
قال: ولا نعرف الفرق بين الزنا وهذه الحالة.. إلا أن يقال: إن الفرق هو أنه مع إشتراط العرد.. مثلاً ـ فإنه يجب عليه فور فراغه من المواقعة أن يحول وجهه، ولا ينظر إليها ـ كما قالوا ـ أفلا نكون معذورين بهذا الجهل..
ثم قال: لو كانت المتعة على عرد أو عردين جائزة لكان المناسب أن يقول علي (عليه السلام): «لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب ما زنى أحد» فإن كل متعة ستكون زنا على هذا الرأي، لأن الزنا هو مواقعة رجل لامرأة برضاها، والمتعة على عرد أو عردين كذلك إلا أن يقال: إن الزنا خاص بصورة الاغتصاب ولا يتعداه، وليس الأمر كذلك.
ونقول:
أولاً:
إن الشيعة لا يفتون بجواز تزوج المرأة متعة على عرد أو عردين، إلا ما نسب إلى الشيخ الطوسي رحمه الله من أنه
ثانياً:
بل إننا حين راجعنا كلام الشيخ في الإستبصار وجدنا أنه لم يفت حتى بجواز التمتع على عرد أو عردين، بل قال: «والأولى أن يكون المراد بالدفعة والدفعتين في الخبرين إنما يجوز مطلقاً مضافاً إلى يوم بعينه أو بأيام بأعيانها. فأما إذا ذكر الدفعة مبهمة، ولم يضفها إلى يوم بعينه كان ذلك عقداً دائماً لا ينحل إلا بالطلاق.
يدل على ذلك: ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن هشام الجواليقي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة، قال: فقال: ذاك أشد عليك، ترثها وترثك، فلا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين.
قلت: أصلحك الله فكيف أتزوجها؟.
فإن استدلاله بهذا الحديث ظاهر في أن الأولوية إلزامية تعيينية.
ثالثاً:
بالنسبة للفرق بين الزنا وبين المتعة على عرد أو عردين.. لو فرض صحته.. أن الزنا محرم في الشريعة، وأن هذا الزواج قد حلله الشارع، واعتبرهما زوجين، ورتب على ذلك آثاراً، وشرع لهما أحكاماً، والمواقعة حاصلة بسبب مشروع، ومقبول.
ولا ينحصر الفرق بينهما بتحويل الوجه بعد الفراغ أو عدم تحويله.
رابعاً:
لو صح أن الفرق هو مجرد لزوم تحويل الوجه لكان طلاق اليائس بعد المواقعة مباشرة داخلاً في الزنا. ولكانت المواقعة في المتعة في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر لحظات الوقت المتفق عليه يجعل المتعة زنا.
خامساً:
إن المنقول عن علي (عليه السلام) هو: «لولا أن
____________
(1) الإستبصار ج 3 ص 152
نعم، قد نقل عنه (عليه السلام) أنه قال: «لولا ما سبق من رأي عمر ابن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنى إلا شقي»(1) وهذا موافق للروايات الثابتة عنه (عليه السلام) في تحليل المتعة والاعتراض على من حرمها، ولا يمكن تفسيرها بأنه لولا ما فعله عمر لانتشر الزنا، بل هي مناقضة لذلك بصورة ظاهرة..
ليس للشيعة رواية في حلية المتعة:
ومن الغريب: أن بعضهم بعد أن ذكر روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يؤكدون فيها حلية المتعة، نجده يقول: «.. هذه الآثار المعلقة هي كل ما عثرت عليه من مصادرهم التي تحت يدي، وهي ترشدنا إلى أنه ليس للشيعة
____________
(1) تقدمت مصادر هذا الحديث في فصل: النصوص والآثار.
وقال: «إني فيما اطلعت عليه من كتبهم لم أجد لهم ولا رواية واحدة مسندة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سوى ما يذكرونه من الأحاديث التي في كتب أهل السنة تحكي الترخيص، ويرفضون أحاديث النهي، حتى وإن كان الترخيص والنهي في حديث واحد».
وصدق الشيخ محمد عبده إذ يقول: «وليس للشيعة رواية واحدة عن أهل البيت في الموضوع»(2).
ونقول:
أولاً:
إن ما ذكره من روايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، لا يتجاوز الأربع عشرة رواية حسب ترقيمه.. وقد أوردنا في هذا الكتاب في فصل متقدم أربعين رواية في المتعة
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص331.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص226 وكلام الشيخ محمد عبده نقله عن المنار ج5 ص16.
ثانياً:
ما معنى قول الشيخ محمد عبده: ليس للشيعة رواية واحدة عن أهل البيت في الموضوع؟!
فإن كان يقصد: الرواية التي تنتهي إليهم هم (عليهم السلام) وحسب.. فهذا هو الواقع الراهن ينادي بأعلى صوته بخلاف ذلك..
وإن كان يقصد: أنه ليس للشيعة رواية واحدة تنتهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنحو متصل، وتتشكل حلقاتها الأخيرة من أهل البيت (عليه السلام).
فهو أيضاً لا يمكن قبوله: فإن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) أنفسهم قد صرحوا بسلسلة سندهم التي تصلهم برسول الله (صلى الله عليه وآله).. فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله لأحدهم: «مه، ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسنا من:
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل(2).
ثالثاً:
قوله: حاشا أن يصدر من المشرع الكريم الترخيص في المتعة بعد تصريحه بالتحريم إلى يوم القيامة. غير سديد. فإنه مبني على صحة دعواه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد حرمها. وأنى له بإثبات ذلك.. بل إن ما يدعيه من روايات لا يخرج عن كونه أخبار آحاد متناقضة، فيها الكثير من العلل والعاهات..
رابعاً:
إن ما يحتج به شيعة أهل البيت عليهم السلام على أهل السنة في موضوع استمرار تشريع زواج المتعة لا يتوقف على
____________
(1) الكافي ج1 ص58.
(2) الكافي ج1 ص53.
هذا بالإضافة إلى وجود سيل كبير من الدلائل والشواهد التي يذكرها أهل السنة في مصادرهم، وتدل على بقاء هذا التشريع وفي هذا الكتاب طائفة من ذلك.
لا حجية للروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام):
وقال بعضهم: في مقام نفي حجية قول أئمة أهل البيت (عليهم السلام): «لا حجية في كلام بشر بعد القرآن الكريم، إلا في كلام معصوم من الخطأ، ولا عصمة إلا لمن يتلقى الأمور وحياً، ولا
وقد ثبت: عن هذا المعصوم تحريم متعة النكاح تحريماً أبدياً، رويناه عن الثقات من لدن المؤلفين إلى صاحب المقام السامي عليه الصلاة والسلام».
ثم يذكر: «إن لهم معصوماً واحداً والشيعة يضيفون إليه ثلاثة عشر معصوماً..» إلخ..(1).
ونقول:
أولاً:
إن نفيه الحجية عن قول البشر إلا قول معصوم عن الخطأ.. وهو الذي يتلقى الوحي.. لا يستقيم على مذهب نفس هذا القائل، إذ إنهم يدعون عصمة الأمة أيضاً(2)، وأن ظنونها
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص332/333.
(2) راجع: تهذيب الأسماء ج1 ص42 والإلمام ج6 ص123 والباعث الحثيث ص35 وشرح صحيح مسلم للنووي مطبوع وبهامش إرشاد الساري ج1 ص28 ونهاية السؤل ج3 ص325 وسلم الوصول ج3 ص326 وعلوم الحديث لابن الصلاح ص24 وإرشاد الفحول ص80 و82 والأحكام للآمدي ج4 ص188/189.
ثانياً:
ما معنى أن يقول: إن المعصوم منحصر فيمن يتلقى الوحي عن الله سبحانه، فإن هذا الذي يتلقى الوحي إذا أخبر عن عصمة شخص آخر غيره، فلا بد أن يقبل منه..
وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) يقولون: إن لديهم أدلة تثبت عصمة الأئمة الاثني عشر، بالإضافة إلى السيدة الزهراء (عليها السلام). وهم ليسوا من الأنبياء..
ثالثاً:
إن من يلتزم بمقولة التصويب ويقول عن المجتهدين: كلهم ذو اجتهاد صواب(3). وما إلى ذلك.. لا يحق له أن يعترض على الشيعة إذا قالوا بعصمة الأئمة الاثني عشر، استناداً إلى أدلة قاطعة للعذر مأخوذة من الكتاب والسنة، ومن أحكام العقل الفطرية والصريحة..
____________
(1) راجع علوم الحديث لابن الصلاح ص24 وشرح صحيح مسلم للنووي [مطبوع بهامش إرشاد الساري] ج1 ص28 والباعث الحثيث ص35.
(2) الإلمام ج6 ص123 والمنتظم ج9 ص210 والإحكام في أصول الأحكام ج1 ص204 و205.
(3) راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص366 وراجع ص364 و365 وإرشاد الفحول ص78 و259 و261 وراجع: الأحكام للآمدي ج4 ص159 ونهاية السؤل ج4 ص560 وراجع ص558.
رابعاً:
أما بالنسبة للعصمة عن الذنوب فإن من الواضح: أنها لا مجال للنقاش فيها، إذ لا ريب في أن الله سبحانه قد أوجب على البشر كلهم تحصيل مقام العصمة، من حيث إنه لا يرضى منهم بارتكاب ولو مخالفة واحدة، مهما كانت صغيرة طيلة حياتهم، من حين البلوغ إلى يوم الممات بل هو قد أوعدهم بالعقاب، وامتن عليهم بالعفو عن كثير، ولا يكون عفو إلا بعد ثبوت العقوبة.. وليست العصمة أكثر من ذلك..
فإذا كان قد كلفهم بذلك، فهو إذن مقدور لهم، إذ لا يجوز ـ عقلاً التكليف بغير المقدور ـ ولا يلتفت إلى قول من يخالف ذلك.
غير أن الفرق هو أننا بالنسبة للأنبياء والأوصياء نعلم ونتيقن عصمتهم، أما بالنسبة لسائر الناس فنحن لا نعلم تحقق ذلك فيهم. فقد يكون هذا أو ذاك من الناس معصوماً ونحن لا ندري. فإذا أخبرنا المعصوم بعصمته قبلنا منه..
خامساً:
قوله قد يثبت عن المعصوم تحريم متعة النكاح تحريماً أبدياً.. غير مقبول، بل هو أول الكلام وهو الدعوى التي تحتاج إلى إثبات، وقد ظهر في هذا الكتاب: أن ضدها هو الثابت..
التشبث بالطحلب:
وهناك حديث رواه: «محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث عن المتعة، قال: قلت: أرايت إن حبلت؟
فقال: هو ولده»(1) قال الأهدل: «إن هذا الأثر نسب تارة إلى علي، وأخرى إلى ابن عباس، وفي هذه الرواية إلى جعفر الصادق.
وهذه الظاهرة تكفي دليلاً قوياً على إبطاله»(2).
ونقول:
إن من الواضح: أن السؤال عن الأحكام قد يتكرر، خصوصاً بالنسبة لولد المتعة، فهل إذا سئل هذا السؤال ثلاث مرات خلال مائة سنة مثلاً، وهو أمر يقع موضع ابتلاء الناس ـ يكون ذلك مستهجناً؟ أو أنه يصلح دليلاً على إبطاله، كما يدعي هذا البعض..
____________
(1) الوسائل، كتاب النكاح أبواب المتعة، باب 33.
(2) نكاح المتعة للأهدل هامش ص329.
وتلك هي كتب الحديث التي تحكي لنا أسئلة الناس عن أحكامهم، فما أكثر ما تورده مما هو من هذا القبيل.
القسم الخامس
إن دين الله لا يصاب بالعقول..
الفصل الأول: إفراط يدعو للغثيان
الفصل الثاني: الدعارة الحلال
الفصل الثالث: محاذير أسرية
الفصل الرابع: اللمسات الأخيرة
الفصل الأول
إفراط يدعو للغثيان..
لوط (عليه السلام) يعرض بناته للزنا!:
وأغرب ما قرأته في هذا المجال: ما قاله موسى جار الله في كتابه: «الوشيعة» حيث زعم أن لوطاً (عليه السلام) عرض بناته على قومه ليتمتعوا بهن [أي التمتع المحرم]. وإنما استحل لوط هذه المتعة لأنه كان في غاية الضرورة، فاكتفى في الضرورة بعرض بناته، وما اعتدى بعرض بنات الأمة، وكان هذا منه (عليه السلام) غاية الأدب..»
وقال: «قصة لوط (عليه السلام) تدل دلالة أدبية على تحريم المتعة مثل الزنا، فإن قول القائل الكريم: أحمل عار بناتي أهون علي من أن أحمل عاراً في ضيوفي، معناه أن كلا العارين لا يتحملهما الإنسان، وعار الضيوف أشد وأقبح وأخزى.
والكريم إذا اضطر إلى أحد هذين العارين يختار عار بناته على عار ضيوفه..
ونقول:
إن هذا الكلام لا يستحق الذكر، ولا معنى للتوقف عنده، ولكن بما أنه يتضمن جرأة عظيمة على مقام الأنبياء (عليهم السلام) إلى درجة يصعب معها الاطمئنان إلى إسلام من صدرت عنه، وبما أنه قد يسبب تشويشاً في أذهان بعض المؤمنين، فقد رأينا أن نلمح إلى بعض ما يختزنه من هنات.
فنقول:
أولاً:
إن هذه الإهانة الشنيعة للنبي لوط (عليه السلام)، واتهامه بقبوله الزنا ببناته، أمر بالغ الخطورة، كل ذلك من أجل أنه يصر على الجزم بحرمة المتعة في زمان النبي لوط (عليه السلام) راضياً بنسبة هذا المنكر الشنيع إلى هذا النبي، ولا يرضى حتى باحتمال أن يكون تشريع المتعة حلالاً في زمان ذلك النبي (عليه السلام)، مع أنه لا مبرر لهذا الإصرار، (وما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس).
ثانياً:
لو سلمنا: أن المتعة كانت حراماً في زمان نبي الله
ثالثاً:
إن الحجة التي ساقها هذا النبي الكريم (عليه السلام) لقومه ليقنعهم بها هي قوله لهم: (إن هؤلاء ضيفي فلا
____________
(1) لنا تحفّظ على كون زينب رحمها الله من بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما كانت ربيبته، فراجع كتابنا: بنات النبي (صلى الله عليه وآله) أم ربائبه.
(2) مجمع البيان ج 5 ص 184.
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي:
ماذا لو أتوا بناته حسب فرض هذا الرجل بصورة الزنا والمتعة المحرمة؟!، أيكون في ذلك تقوى منهم لله سبحانه: (واتقوا الله).
وألا يكون: في ارتكابهم لهذا العمل الشنيع في حق بناته خزي له (عليه السلام): (ولا تخزون).
وألا يكون: في عملهم الشنيع هذا، فضيحة له (عليه السلام): (فلا تفضحون).
رابعاً:
هل مجرد كون هذا ضيفه، وتعرض هذا الضيف لمشكلة، هل يبرر له ذلك أن يتصرف بمصير أفراد آخرين، ويلحق بهم ـ حتى لو كانوا بناته ـ جريمة إنسانية دينية وأخلاقية، دون أن يرتكبوا أدنى مخالفة؟!..
وهل أن مجرد عنوان: «الضيف» يجعل له حصانة، ومجرد عنوان كون هذا الآخر إبناً أو بنتاً يسقط عنه هذه الحصانة؟!.
إن الضيف إذا تعرض لإشكال، فعليه هو أن يدافع عن نفسه، وصاحب البيت أيضاً قد يدافع عنه تكرماً وتفضلاً، لكن الدفاع عنه شيء وتعريض غيره لخطر مماثل شيء آخر.
خامساً:
إن هذا الرجل يتحدث هنا عن موضوع العار، وأن حمله (عليه السلام) عار بناته أهون عليه من حمل عار ضيوفه، لأن عار الضيوف أشد، وأقبح، وأخزى، والكريم إذا اضطر يختار عار بناته على عار ضيوفه وهذا أدب قديم.. وقد نسي هذا الرجل: أن الأمر كذلك ما لم يبلغ الأعراض، فإذا بلغ العرض، فإنه لا يرضى أحد بتحمله، وهو مما تأباه نفوس الكرام، الذين يبذلون كل شيء ويسخون حتى بأنفسهم في سبيل العرض والشرف..
المتعة لم تبح في الإسلام، ولم يتمتع صحابي:
وقد أصر بعضهم إصراراً شديداً على أن زواج المتعة لم يشرع في الإسلام أصلاً، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعي، وإنما نسخ أمر جاهلي تحريم أبد، والنسخ لم يتكرر، بل تكرر تبليغه..
وقول مريم: (لم أك بغياً..) أي لم أكن ممن يتمتع كما كان الحال في نساء عصرها. وقد سمى القرآن المتعة بغاء في قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً)، انتهى بتصرف وتلخيص(1).
وتقدم قول النحاس: لم يبح قط في الإسلام(2).
وقال بدران أبو العينين بدران: «إن المتعة بقية من بقايا الجاهلية، ونوع من أزواجهم، ولعل الرسول عليه السلام تركها من غير نص على تحريمها ـ كما ترك القرآن الخمر والميسر من غير نصٍ على تحريمهما قاطعاً في أول الأمر، حتى فقدت العادات الجاهلية قوتها، وضعف شدة تمسك العرب بها، بعد أن
____________
(1) راجع الوشيعة لموسى جار الله ص 130 و 132 وصفحات أخرى.
(2) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
ونقول:
أولاً:
إننا لسنا بحاجة إلى التعليق على كلام هذا الرجل، ولكننا نذكر القارئ الكريم بالأكاذيب التالية:
1 ـ قوله: إن زواج المتعة لم يشرع في الإسلام أصلاً، مخالف لإجماع الأمة، وما هو ثابت بالضرورة والبداهة..
2 ـ قوله: ليس بيد أحد دليل على إباحتها في صدر الإسلام.. يظهر مما أوردناه في هذا الكتاب عدم صحته، وهو بهذا الادعاء يرد على أعاظم فقهاء، وعلماء أهل السنة، وهو تكذيب للصحابة، ونقض للإجماع الذي قرره الكثيرون من
____________
(1) الفقه المقارن للأحوال الشخصية ص 59.
3 ـ جعله المتعة من قسم البغاء لا يصح، لأن البغاء هو مجرد سفح الماء بأجرة. ويلزم في المتعة العقد والمهر، ولها عدة، ويثبت بها النسب إلى غير ذلك من أحكام.. فالزواج الدائم أو المتعة من باب واحد.. فهل يوجد في أنكحة الجاهلية نكاح له هذه الخصوصيات، ولو كان موجوداً فلماذا لم يذكر لنا عنه المؤرخون شيئاً.
ثانياً:
إنه هو نفسه قد ناقض نفسه حيث قال في مورد آخر، ونحن اليوم وإن كنا لا نعلم تفصيل ما كان في الجاهلية من الأنكحة التي أبطلها الشارع، إلا أنا نعلم أن متعة الجاهلية لم تكن زنى يستحلها الجاهلي، بل كان لها ميزة، بها تمتاز عن البغاء(1).
فكلامه هذا ينافي قوله المذكور فيما سبق فلاحظ.
____________
(1) راجع: الوشيعة لموسى جار الله..
ابن أكثم يثبت أن المتعة زنا:
وحين أمر المأمون فنودي ـ وهو في طريق الشام ـ بتحليل المتعة جاءه يحيى بن أكثم في اليوم الثاني، وادعى أن المتعة زنا.
فسأله عن دليله: فاستدل بآية: (.. والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآيات..
وبأن المتمتع بها لا ترث..
وبرواية الزهري عن عبد الله والحسن ابني الحنفية، عن أبيهما، عن علي عليه السلام أنه قال: «أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها، بعد أن كان أمر بها».
فلما علم المأمون: بأن هذا الحديث محفوظ، وقد رواه جماعة قال: «أستغفر الله، نادوا بتحريم المتعة، فنادوا بها»
قال إسماعيل بن إسحاق بن حماد الأزدي، وقد ذكر يحيى بن أكثم، فعظّم أمره، وقال: «كان له يوم في الإسلام لم