الصفحة 309
ثم تصبح خلية يمكن لأي إنسان أن يخطبها، فتقبله أو ترده..

7 ـ أما قول الدهلوي: إن ضبط العدة في النكاح الذي بناؤه على التأبيد في غاية العسر، فكيف بالمتعة..

فهو مردود عليه، وذلك لما يلي:

أ: إنه ليس ثمة أي عسر في ضبط العدة، فإنها محددة بمرور ثلاث حيضات في أحدهما، وحيضتين في الآخر. وهو أمر ظاهر يدركه الأمي والمتعلم، والكبير والصغير، من يعرف الأشهر ومن يجهلها و.. و..

ب: إن هذا الضبط إذا كان ميسوراً ولو مرة واحدة، فهو ميسور دائماً. فإنها كلما تزوجت وطلقت تستطيع أن تعرف من نفسها أنها حاضت، وتستطيع أن تدرك أنه قد مر عليها ثلاث حيضات..

ج: إن العسر إذا كان موجوداً وكان سبباً في تحريم المتعة، فلماذا لم يقتض تحريم الزواج الدائم، فإن ضبط العدة فيه أيضاً في غاية العسر أيضاً..

د: إن تعدد الزواج في المتعة ليس أمراً مفروضاً ولا بد منه، فقد لا تتمتع المرأة أكثر من مرة واحدة في مدة عمرها..


الصفحة 310
وأكثر النساء لا يتمتعن أصلاً.. فإن كان ثمة عسر في صورة التعدد، فمع القلة وحدوث المتعة مرة أو مرتين في العمر لا يوجد هذا العسر.. فإن ذلك يجعله كالنكاح الدائم.. فليشترط هؤلاء المتفلسفون في حلية المتعة أن لا تتكرر بحيث يصعب معه ضبط العدة، لو صدقوا فيما يدعون.

هـ: إن ذلك لو صح بالنسبة للمرأة فهو لا يصح بالنسبة للرجل. فإن كان ولا بد، فليحرموا على المرأة أن تتمتع أكثر من مرة أو مرتين. وليبيحوا للرجل أن يتمتع بما شاء إن وجد من تجمع الشروط التي تبيح لها الدخول في عقد كهذا..

و: إنه كما يمكن أن يتعدد زواج المتعة حتى يعد بالعشرات فإن النكاح الدائم أيضاً يمكن أن يتكرر حتى يعد بالعشرات حيث يتكرر الطلاق والزواج بصورة مستمرة، ولو بالاتفاق بين الزوجين. فإنهم هم أنفسهم قائلون بصحة هذا الزواج، لكنهم يقولون: إنه ليس من أخلاق الناس، ولا هو مما يليق. فلماذا يصححون هذا الزواج، ولا يصححون زواج المتعة.

8 ـ إن كلام صاحب كتاب: «جولة في ربوع الشرق الأدنى» حول الأطفال الكثيرين الذين رآهم في النجف يلبسون في آذانهم حلقات خاصة هي علامة أنهم من زواج المتعة.


الصفحة 311

كلام عار عن الصحة..

وتلك هي النجف وكل بلاد الشيعة في العراق، وفي إيران، والهند، والبحرين، ولبنان، والباكستان، وسائر دول العالم.. مفتوحة لكل زائر ووافد، فليذهب إليها الناس كلهم، وليبحثوا في كل خباياها وزواياها، فإن عثروا على ولد واحد يعرف بأنه من زواج المتعة، ويتميز بلبس هذه الحلقات، فليأتونا به أو فليدلونا عليه، لنجعله في أي متحف في العالم ليتفرج الناس عليه، وليروا بعض آثار زواج المتعة.

9 ـ وأما سائر ما ذكره صاحب الكتاب الذي أشار إليه.. فإنه لا يستحق الاهتمام ما دام أن علماء السنة أنفسهم، يقرون بأنها أكاذيب وافتراءات.. والفقه الشيعي الإمامي صريح بما يخالفها.

ولم نجد على مدى التاريخ أي فقيه يقول: إنه لا عدة على المتمتع بها، وأنها تتزوج بعد يوم واحد من مفارقتها لزوجها الأول.. أو أن لها أن تتزوج عدة مرات في الليلة الواحدة وما إلى ذلك..

10 ـ ولو فرضنا: أن ذلك قد حصل، فإنه لا يوجب تحريم

الصفحة 312
الحلال. فليفت العلماء بحلية زواج المتعة بشرط أن تعتد بحيضتين، وبشرط أن لا تنتقل من رجل إلى رجل في ليلة واحدة عدة مرات، وبغير ذلك من شرائط كانت ثابتة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

11 ـ أما قولهم: إن تحليل زواج المتعة باب لتعطيل النكاح الصحيح، فجوابه.

أولاً:

إن هذا الزواج منذ وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يزل حلالاً عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يوجب ذلك تعطيل الزواج الدائم، ولا التقليل من الإقبال عليه.

ثانياً:

إذا كان هذا الزواج يوجب ذلك التحرر الشهواني وتعطيل الزواج الدائم، والتهرب من المسؤوليات، فلماذا حلله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام؟!

فإن قيل: إنما حلله لأجل الضرورة.

فإنه يقال: فلماذا لا يحله هؤلاء لنفس هذا السبب أيضاً، فإن الضرورة قائمة؟!.

12 ـ قولهم: إنه يوجب قطع العلاقات الأسرية.. غير

الصفحة 313
صحيح.

أولاً:

إنهم يعترفون بأن الله قد شرعه في صدر الإسلام. فلو كان يوجب ذلك لما شرعه تعالى..

ثانياً:

أضف إلى ذلك أن الرابط الأسري عند الشيعة الذين يقولون ببقاء هذا التشريع، أشد وأوثق مما هو عليه عند القائلين بتحريم هذا الزواج. أو هو على الأقل ليس بأقل في وثاقته عندهم وشدته مما هو عند غيرهم.

ثالثاً:

إن التعبير عن الزواج الدائم بـ «النكاح الصحيح» يراد به الإيحاء بصورة غير منصفة ـ في سياق البحث والمناقشة العلمية ـ إلى فساد نكاح المتعة..

رابعاً:

إن العلاقة الأسرية لا ينحصر إنشاؤها بالزواج الدائم. فإن زواج المتعة أيضاً ينشىء علاقة أسرية صحيحة ووثيقة.

الزواج معناه الضم والجمع:

وذكر البعض: أن الزواج في اللغة معناه الضم والجمع.. ولا يتحقق ذلك في المؤقت.. لعدم توفر عنصر البقاء والاستمرار فيه.


الصفحة 314

ونقول:

أولاً:

الديمومة ليست داخلة في مفهوم الضم والجمع فإن ذلك يتحقق ولو إلى أجل محدود، ثم يحصل الافتراق..

ثانياً:

لو كان ذلك يمنع من صحة زواج المتعة، لمنع من أصل تشريعه في زمن الرسول.

ثالثاً:

لو كان التوقيت مانعاً من صحة هذا الزواج، بسبب عدم توفر عنصر البقاء والاستمرار فيه لمنع من تشريع الطلاق في الزواج الدائم أيضاً، لأن الطلاق يعني التفريق، ويقطع الاستمرار.

خسائر المرأة في زواج المتعة:

ويدعي البعض:

1 ـ أن المرأة تخسر معنوياً من خلال هذا الزواج ـ خصوصاً إذا كان قد دخل بها، وهي حين تتحول إلى ثيب تكون قد فقدت أغلى ما تملك.

2 ـ كما أنها تخسر مادياً إن لم تشترط النفقة، كما أنها لا إرث لها.


الصفحة 315
3 ـ وتخسر نفسياً أيضاً لإمكان أن يجمع الرجل عدداً لا يحصى من النساء.

4 ـ وعدا عن ذلك كله هي مهددة في أي لحظة بأن يقال لها: فسخت.

ونقول:

إن ما ذكره هذا البعض لا يصلح للاستدلال به على عدم تشريع هذا الزواج وذلك لما يلي:

الخسائر المعنوية:

أما بالنسبة للخسائر المعنوية:

1 ـ فإن بإمكان المرأة أن تشترط عدم الدخول، والاكتفاء بسائر الاستمتاعات.

2 ـ ولو فرض صيرورتها ثيباً بإذن منها، فإن ذلك لا يمنع من إستمرار هذا التشريع، كما لم يمنع من حدوثه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) باعتراف هذا البعض بالذات.


الصفحة 316
3 ـ ولو منع ذلك من تشريع الزواج المؤقت لمنع من تشريع الزواج الدائم حين يتعقبه الطلاق..

ولمنع من تشريع إشتراط التزوج برجل آخر لتحل لزوجها الأول الذي طلقها ثلاث مرات، خصوصاً عند من يقول بإمضاء الطلاق الثلاث بصيغة واحدة، وفي مجلس واحد.. بل وكذا إذا طلقت ثم تزوجت، ثم طلقت ثم تزوجت برجال متعددين، واستمرت على ذلك الحال.

فإن الخسارة المعنوية حاصلة في كل ذلك أيضاً.

الخسائر المادية:

وعن الخسارة المادية بسبب عدم الإرث، وعدم النفقة، بدون اشتراطها

نقول:

1 ـ إذا لم تشترط ذلك فإنها تكون هي التي قصرت في حق نفسها.

2 ـ لو منع ذلك من بقاء هذا التشريع لمنع من نشوئه، كما قلنا أكثر من مرة..

والاعتذار عن ذلك بأن التشريع كان لإقتضاء الضرورة،

الصفحة 317
مرفوض، لأنه مجرد اجتهاد من البعض في مقابل النص المطلق والصريح.

ولو فرضنا صحة هذا الاعتراض، فليفت هؤلاء، بجواز ممارسة هذا الزواج في صورة الضرورة أيضاً..

الخسارة النفسية:

أما بالنسبة لإمكان أن يجمع الرجل أعداداً لا تحصى من النساء.

فنقول:

1 ـ لقد شرع الله في الزواج الدائم الجمع بين أربع نساء، فإذا كان في الجمع بين النساء خسارة نفسية للمرأة فلماذا شرّع الله ذلك في الدائم، ولا فرق في الضرر النفسي بين الجمع بين اثنتين أو أربعة وبين غيره..

2 ـ على أن الإضرار النفسي غير متحقق لأنها تتأذى من أمر لاحق لها فيه، وتريد أن تفرض على غيرها أمراً لا تملك فرضه عليه، لأن الله أباح له ذلك، وهي تريد أن تمنعه من ممارسة حقه.

3 ـ على أن بإمكان هذا القائل أن يشترط في الزيادة على

الصفحة 318
الأربع أن لا يلزم من ذلك إلحاق الضرر بها، أو أن يقتصر على إباحة خصوص الأربع، فهل يقبل بالزواج المؤقت في هذه الصورة؟!.

4 ـ على أن هذا الزواج شرّع في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو؛ فهل لم يكن ثمة إضرار بالمرأة بسبب التعدد؟! والآن صار في التعدد إضرار بها؟!.

الزوجة في المتعة ليست صاحبة:

ويقول البعض: إن الزوجة في المتعة ليست صاحبة، لأن الصحبة تحتاج إلى استمرار، وطول مدة، وليست المتعة كذلك، ولأن الصحبة تقتضي السكون والأنس، ولا يحصل ذلك في المتعة.

ونقول:

أولاً:

لو طالت المدة إلى عشر سنوات مثلاً، أي إلى حد صحّ معه إطلاق الصحبة فهل يصبح الزواج المؤقت مشروعاً.

ثانياً:

إذا طلقت الدائمة بعد ساعات من عقد الزواج فهل يكون العقد باطلاً، ولا تستحق المهر مع الدخول، ونصفه بدونه، إذ لا تكون مصداقاً للصاحبة في هذه الحال؟! أم أنه يحكم بعدم

الصفحة 319
صحّة الطلاق في الدائم.

ثالثاً:

لو أن الزواج الدائم قد واجه مشاكل منعت من السكون والأنس فهل يكون عقد الزواج باطلاً؟.

رابعاً:

إن إطلاق كلمة الصاحبة على المرأة ناظرة إلى صدق هذا العنوان في حال التلبس بالزوجية، ويراد به الإشارة إلى اقترانهما ببعضهما، ووجود رابط بينهما، ولا يراد به إفهام لزوم الاستمرار في هذه الصحبة، ولأجل ذلك فإن الصاحب قد يفارق صاحبه لبعض الأسباب، ولا يعني ذلك انتفاء وصف الصحبة عنهما حين تلبسهما بها.

خامساً:

إنهم يقولون: إن المراد بالصحابي: «كل من رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان مميزاً ولو من بعيد»، ويجرون عليه أحكام الصحابي من الحكم بعدالته وما إلى ذلك..

فلماذا اكتفوا بذلك هناك، ويفترضون دوام الصحبة، حتى الموت هنا(1). ما عشت أراك الدهر عجباً..

____________

(1) أشار بعض الإخوة إلى هذه الملاحظة الأخيرة فجزاه الله خيراً.


الصفحة 320

السكون في بيت الزوجية والمتعة:

وقد ادعى البعض أيضاً: أن زواج المتعة لا يحقق السكون الذي أشارت إليه الآية الكريمة: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحممة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)(1).

ولو كان زواج المتعة يحقق السكون لما شرع الزواج الدائم..

ونقول:

1 ـ من الذي قال إن زواج المتعة لا يحقق هذا السكون..

2 ـ لماذا شرّع هذا الزواج في أول الإسلام إذن، فهل كان يحقق السكون آنذاك أم لا؟.

3 ـ ثم ما المراد بالسكون الذي تتحدث عنه الآية، هل هو الاستقرار النفسي بمعنى راحة الضمير من حيث ممارسة الحلال. فهذا متحقق في زواج المتعة كما هو الحال في الزواج الدائم..

____________

(1) سورة الروم / الآية 21.


الصفحة 321
وإن كان المراد به الاستقرار في بيت الزوجية إلى الأبد، فهو لو صح لاقتضى تحريم الطلاق في الزواج الدائم. مع أنه يصح ولو بعد العقد بدقائق، فضلاً عن الأيام والشهور والسنين..

4 ـ ولو صح ذلك أيضاً لم يصح الوطء بملك اليمين حين تتعرض الأمة للبيع والهبة من قبل مالكها، إلا إذا حملت، فإن لهذه الحالة أحكاماً خاصة بها.

ونحرم زواج الصبي، والصبية؟.

وكذلك الزواج الدائم للولود، حين يستعمل الزوجان وسائل منع الحمل بقصد عدم الإنجاب، أو طريقة العزل؟.

ونحرم أيضاً وطء الحامل، حيث لا يمكن التوالد، ولا يقصد حينئذ إلا سفح الماء، وقضاء الشهوة.

ثم نحرم الزواج بالمرأة التي استؤصل رحمها.. إلى غير ذلك من الحالات.

4 ـ من الذي قال: إن تشريع الزواج المنقطع «المتعة» لا يستند إلى علة أخرى، هي غير العلة التي استند إليها تشريع

الصفحة 322
الزواج الدائم؟.

5 ـ أضف إلى ما تقدم: أن التناسل، وبقاء النوع، إنما هو حكمة من حكم الزواج الدائم، وليس هو علّة التشريع. والحكمة لا يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، بخلاف العلّة، وقد خلط هؤلاء بين الحكمة والعلة: فتخيلوا هذه تلك، وما أكثر ما يقع الناس في هذا الأمر.

6 ـ على أن آية المتعة تدحض هذا الزعم الباطل وكفى بها دليلاً ومعتمداً.


الصفحة 323


الفصل الرابع
اللمسات الأخيرة..





الصفحة 324

الصفحة 325

لا عدد في المتعة:

ومما أخذ على زواج المتعة أنه ليس فيه عدد معين، فيمكن للرجل أن يتزوج بأي عدد شاء منهن، حتى بعد زواجه بالأربع، ولو كان التمتع نكاحاً لم يكن لصاحب الأربع أن يتمتع(1).

قال محمد البهي: «والمرأة فيه ذات درجة دنيا، فليس هناك عدد لمن يجوز للرجل أن يستمتع بهن في وقت واحد، وليس هناك حرمة لبنت الأخ والأخت في الجمع، وبين أي منهما وبين عمتها أو خالتها إذا أذنت، وليس هناك حاجة إلى إذنهما في العزل عنهما»(2).

____________

(1) راجع الوشيعة ص 168. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 11.

(2) الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر ص 203.


الصفحة 326

ونقول:

1 ـ إن هذا الأمر أيضاً ثابت في النكاح بملك اليمين، فإنه ليس فيه عدد معين أيضاً، فهل يمنعون منه وقد أقره الإسلام؟.

وإذا كان لا بد من الإلغاء، فملك اليمين أولى به لأن ملك اليمين مفروض على المرأة وخارج نطاق إرادتها، أما زواج المتعة، فهي التي تختاره أو تقدم عليه، وتلزم نفسها به.

2 ـ إنها في ملك اليمين لا تعامل معاملة الزوجة فلا قسم لها ولا ليلة، ولا ميراث، ولا غير ذلك.

3 ـ ولماذا لم يفترض أهل السنة أن نـكاح المتعة ـ وهو مدني ـ قد نسخ ملك اليمين الذي هو مكي كما يدعون أن الدائم قد نسخ الزواج المنقطع؟.

4 ـ على أن عدد النساء إذا كان مساوياً لعدد الرجال فإن اختصاص كل امرأة برجل معين يستلزم اختصاص كل رجل بامرأة معينة إذا زاد عدد النساء على عدد الرجال، كما هي العادة بسبب تعرض الرجال للكوارث، والويلات والحروب وما إلى ذلك..


الصفحة 327
ولو فرض العكس بأن زاد عدد الرجال على عدد النساء، فلا مجال للسماح للمرأة بمعاشرة أكثر من رجل، لأن الله سبحانه قد حظّر علينا ذلك لأمور استأثر علينا بعلمها، ولم يشأ أن يطلعنا عليها.

5 ـ إذا كان زواج المتعة قد شرّع لاسباب عديدة ومنها حلّ مشكلة طغيان الغريزة أو الحاجة، فالباب مفتوح إلى أن تنحل المشكلة، وتندفع الحاجة أياً كانت الحاجة وأياً كان العدد، وذلك لا ينافي كرامة المرأة ولا يوجب إمتهانها.

ولأجل ذلك شرّع الله في الدائم الزواج من أربعة نساء، ولم يوجب ذلك أي تحقير للمرأة، ولا ادعى ذلك مسلم مؤمن بربه.

6 ـ إن قوله: «ألا يقتضي منطق نظام تعدد الزوجات أن يتعدّد أزواج المرأة في وقت واحد»(1).

يرد عليه:

أ ـ إن هذا لو صحّ فهو رد على الزواج الدائم.

____________

(1) الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر: مشكلات الأسرة والتكافل ص 204.


الصفحة 328
وقد أجاب: عن هذا الإشكال حين أورد على الزواج الدائم بقوله: «ليس هناك من حرج إطلاقاً في ممارسته من مسلم، ولو كان من أجل المعاشرة والمتعة الجنسية وحدها، لأن هذا المبدأ هو إقرار لشأن من شؤون الطبيعة البشرية، وهو شأن الغريزة»(1).

فما أجاب به عن الزواج الدائم هو بعينه الجواب عن الزواج المنقطع.

ب ـ إن هذا السؤال يوجه إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، لأن هذا الزواج كان مشرعاً في صدر الإسلام، فالأحكام التي كانت ثابتة للزواج المؤقت آنئذٍ لا تزال ثابتة له.

ج ـ إن الإسلام إنما يعالج في الزواج الدائم والمنقطع مشكلة حياتية، فإذا كان علاجها يتم بالتعدد، فلماذا لا يشرعه فيهما للرجل.

أما المرأة فقد عالج مشكلتها الجنسية بإلزام الزوج برفع ضرورتها الجنسية، أو بطلاقها ان عجز عن ذلك، ولكنه لم يشرّع تعدد الأزواج لها، لنشوء مفاسد خطيرة عن ذلك هو

____________

(1) المصدر السابق.


الصفحة 329
سبحانه وتعالى يعلم بها.

6 ـ إن ذلك كله كان له هدف حياتي، ويراد منه حلّ مشكلة واقعية، فليس فيه أي مهانة، أو احتقار لأي من الطرفين 7 ـ إذا كان تجويز تعدد الزوجات فيه مهانة للمرأة فلماذا لا يقال: إن فيه مهانة للرجل، لما فيه من إعطاء انطباع عنه بأنه إنسان حيواني شهواني، لا يهتم بعواطف ولا بإنسانية غيره مثلاً. بل في ذلك مهانة للشرع الشريف إذا كان يشرع أموراً تسيئ إلى كرامة أي من الطرفين، أو كليهما..

ومهما يكن من أمر: فإن الحقيقة هي أن الوحدة والتعدد ليس لها ربط بموضوع الإكرام أو الاحترام، بل هما مرتبطان بالحاجة، وبالمشكلة التي يراد معالجتها من خلالها.

دور القيم والالتزام الديني:

وعلى أي حال.. إن زواج المتعة لا يمكن التعاطي معه بصورة جافة وبعيدة عن الضوابط الأخلاقية، والقيم الإنسانية، والالتزام بالأحكام الشرعية.

كما أن الأمر في الزواج الدائم أيضاً كذلك.


الصفحة 330
وبدون الالتزام بالقيم والضوابط الأخلاقية لا يمكن ضبط مسيرة الحياة الزوجية لتكون في الاتجاه الصحيح، ولا يمكن ضمان أن لا ينحرف الزوج أو الزوجة عن قواعد الزواج وأحكامه..

فقد تتزوج المرأة قبل انقضاء عدتها في الزواج الدائم، وكذا في المنقطع، بل قد تتستر على وقوع الطلاق في حال الحيض لمآرب غير مشروعة.

إن الأخلاق، والقيم، والوازع الديني هو الذي يضمن أن تكون الأمور في خطها الصحيح.. أما القانون.. فلا يكفي وحده كأداة لتحقيق الوئام، والاستقرار، والسكون في الحياة الزوجية، بل قد يستخدمه هذا الطرف أو ذاك كوسيلة هدّامة.

الزواج الدائم هو المرجح دائماً:

ومن الواضح: أن ما يواجهه الزواج المنقطع من هجمات، ومن تهجين، وتشويه في أذهان الناس من جهة.. ثم الرغبة الملحة في الحصول على حياة مستقرة وثابتة، تجعل الفتيات يملن إلى ترجيح الزواج الدائم على المنقطع، ويكون هو موضع طموحهن، ورغبتهن مع توفر الظروف الملائمة له، ولسوف لا

الصفحة 331
يلتفتن إلى الزواج المنقطع إلا في مواقع الحاجة والضرورة، وحيث تفقد فرص الحصول على زواج دائم، أو يصعب الحصول عليها.

ومما يزيد من قوة الإحجام عن الزواج المؤقت ذلك الإعلام المسموم والقوي الذي يصور الزواج المؤقت على أنه تخلف ورجعية، وامتهان لكرامة المرأة، واحتقار لها، وسلب لحريتها، بل وعدّه من أبشع أنواع الزنا، والفواحش، وفي مقابل ذلك تجد التشجيع على المخادنة، وتزيين الفواحش، وحتى تبرير أعمال اللواط، والسحاق، والقول بالإباحية المطلقة، واعتبار ذلك كله تقدمية وحضارة، وإنصافاً للمرأة، وتحريراً لها..

التهديد بفسخ الزواج:

وأخيراً.. إن ما ذكروه من أن المرأة مهددة بفسخ الزواج في زواج المتعة في كل لحظة:

يقابله: أنها مهددة بالطلاق في الزواج الدائم أيضاً في كل لحظة، فهل يمنع ذلك من تشريع الزواج الدائم..

ونضيف: أن هذا التهديد كان موجوداً في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) فلِمَ شرعه الله في زمنه (صلى الله عليه وآله)؟.


الصفحة 332

الانقطاع لا يتلاءم مع فلسفة الزواج:

وقد قالوا: إن تقييد الزواج بمدة معينة لا يتلاءم مع فلسفة الزواج، ولا ينسجم مع ما له من قداسة.. ولا يتلاءم مع أهداف الشارع المقدس.

ونقول:

إن مما لا شك فيه: أن الزواج الدائم هو الطريقة الفضلى والمثلى، والهدف الذي يسعى الإسلام إلى هداية وإيصال الإنسان إليه..

ولا يريد الشارع: أن يمنع الإنسان من الوصول إلى الزواج الدائم أبداً. ولا يريد أن يستبدله بزواج المتعة.. بل هو لا يريد أن يجعله في موازاته أيضاً.

وإنما أراد فقط: أن يحل به مشكلة يعجز الزواج الدائم عن حلها. ما دام أن حاجات المجتمع تختلف وتتنوع ولا بد من تلبيتها، وابعاد شبح الفساد والإفساد عنه، حسبما أوضحناه أكثر من مرة.

وإن تشريع زواج المتعة في صدر الإسلام لخير دليل على ما نقول، وعلى أنه لا يضر بقداسة الزواج الدائم، كما أنه هو نفسه

الصفحة 333
زواج مشروع ومقدس فرضته حاجات مشروعة لا بد من التعامل معها بواقعية وبمسؤولية.

وإذا كان للزواج الدائم فلسفته فليس بالضرورة أن تكون هي بعينها فلسفة الزواج المؤقت، ولا يضر أحدهما بالآخر.. ولو كان يضر به لم يبادر الشارع إلى تشريع المؤقت من الأساس في صدر الإسلام بإعتراف الجميع.

العدل الإلهي يقتضي تحريم المتعة:

ويرى البعض: أن العدل الإلهي من أجل أن لا تظلم المرأة جنسياً اقتضى أن يستقر الأمر على التحريم..

ونقول:

1 ـ هل كان تشريع هذا الزواج في أول الإسلام على خلاف ما يقتضيه العدل الالهي؟!.

2 ـ لا ندري كيف تظلم المرأة جنسياً في زواج المتعة، فإنها والرجل على حد سواء من حيث الاستفادة الجنسية، لكل منهما كأي زوجين في الزواج الدائم.

بل إن المرأة أكثر حرية من الناحية الجنسية في زواج المتعة

الصفحة 334
منها في الزواج الدائم، لأنها تملك حق الرفض والقبول في الأول أكثر مما لها في الثاني..

قبح المتعة ناشىء عن النهي:

وقد حاول بعضهم الاستدلال والتأكيد على قبح زواج المتعة، كما يلي:

أولاً:

إنه تحدث عن الشيعة وعما طفحت به كتبهم من تقبيحه، واستهجانه، والترفع عنه، على الرغم من الإشادة به، فهذا كاشف الغطاء يقول: «أما تحاشي أشراف الشيعة وسراتهم من تعاطيها، فهو عفة، وترفع، واستغناء، واكتفاء بما أحل الله من تعدد الزوجات»(1).

فأشراف الناس، وسراتهم هم أهل المروءات الذين ينأون عما يقبح بهم، فلما كان فيه جهة قبح، ونوع نقص، وذلك بعد تحريم الله تعالى له، تحاشوا عنه، كما اعترف به إمامهم.

____________

(1) عن أصل الشيعة وأصولها ص188/189.


الصفحة 335
ولا يرد على ذلك: تمتع بعض الصحابة، لأنه كان آنذاك بترخيص شرعي، وبذلك كانت جهة القبح منفية عنه. ولأن باعث التقبيح النهي الشرعي منه.

وأيضاً، فالترخيص لم يدم، إذ في الموطن الثاني مقيد بثلاثة أيام.

ثانياً:

أن عقد المتعة من باب استئجار بضع المرأة، وهو شناعة يمجها الذوق السليم ويجر المرأة إلى الاستهتار، ويعرضها للخطر لذا ضج بالشكوى منه عقلاء فارس(1).

ثالثاً:

«إنه لما حرمه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام كان قبيحاً، ولما استعمله فئة إسلامية، وشاع في دورها، ونظرنا إلى آثاره السيئة قوي عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من تعاطيه»(2).

ونقول:

أولاً:

إن الترفع عن أمر، وكونه يناسب هذا ولا يناسب

____________

(1) عن ضحى الإسلام ج4 ص259.

(2) راجع: تحريم المتعة للأهدل ص324.


الصفحة 336
ذاك لا يعني قبحه وشناعته بصورة مطلقة، إلى حد المنع من تشريعه، حتى بالنسبة لمن يناسبهم، أو بالنسبة لمن يحتاجون إليه..

فإن كثيراً من الأعمال والحرف لا تناسب شريحة من الناس، ويترفعون عنها، مع أنها حرف تمارسها شرائح اجتماعية أخرى، والمجتمع بحاجة إليها ولا يمكنه الاستغناء عنها..

فالوزير مثلاً: يترفع عن ممارسة مهنة تعليم الصبيان، ولا يناسبه أن يكون عاملاً، أو حمالاً، أو إسكافياً، أو عامل تنظيفات، أو حداداً وما إلى ذلك.. لكنها حرف غير محرمة، وتمثل حاجة للمجتمع، فإذا كان هناك من لا يناسبه العمل بها فلا يعني ذلك حرمتها على غيره ممن يحتاجها..

ثانياً:

إن كان ثمة جهة قبح في شيء تجعل فريقاً من الناس ينأون بأنفسهم عنه، فإن ذلك لا يمنع من وجود جهات حسن أخرى تجعل أناساً آخرين يرغبون به، ويسعون إليه، وتنتفي جهات القبح فيه بالنسبة لهم وترتفع بسبب عدم تلبسهم بما يوجبها. وكذا لو كانت جهات القبح فيه أعظم بكثير من جهات الحسن ـ إن صح التعبير ـ بحيث لا تكاد تذكر إلى جانبها، فإن ذلك يسوغ تجويزه لمن أحبه.


الصفحة 337

وبعبارة أخرى:

إنه قد يكون هناك صفة في شريحة من الناس وذلك ككونهم في موقع اجتماعي معين، توجب أن تصبح بعض الأعمال قبيحة بالنسبة إليهم إلى درجة أنهم يفضلون تركها، والتخلي عن كل ما فيها من جهات الحسن.

وقد يجازفون ويتحملون بعض السلبيات فيه بسبب حاجتهم الشديدة إليه، تماماً كما يقدم المريض على شرب الدواء المّر الذي لولا حاجته إليه لما أقدم عليه.

ولكن هذه الصفة لا توجد بالنسبة لشرائح أخرى، فلا يكون في ذلك الفعل أي قبح من الأساس، وذلك لعدم وجود الصفة الموجبة له فيهم.. فيبقى ذلك الشيء متمحضاً في الخيرية وخالص الحسن وليس فيه ذرة قبح بالنسبة إليهم..

ثالثاً:

إن الأوامر والنواهي الشرعية تابعة ـ على ما هو الحق ـ للمصالح والمفاسد النفس الأمرية، وليست بلا جهة أصلاً.. فلا يصح قولهم، إنه حين الأمر كان حسناً، فلما جاء النهي صار قبيحاً، بحيث كان الحسن والقبح تابعاً لنفس الأمر وناشئاً عنه فقط..


الصفحة 338

رابعاً:

إن ما زعمه مفسدة لعقد المتعة، وجعله سبباً للتحريم لا يقتصر على صورة ما بعد ورود النهي، فإن عقد المتعة إن كان من باب استئجار بضع المرأة، ويجر المرأة إلى الاستهتار، ويعرضها للخطر.. فإن ذلك موجود قبل نهي الشارع وبعده، فإن اقتضى تحريم المتعة الآن، فلماذا لم يقتض ذلك في صدر الإسلام؟

وإن كانت الحاجة في صدر الإسلام هي التي سوغت تشريعه، فإن هذه الحاجة لم ترتفع اليوم، فلابد أن تقضي ذلك أيضاً.

خامساً:

لا ندري مدى صحة قوله: ضج بالشكوى منه عقلاء فارس. فهل ضجوا من الخطأ في الممارسة، أم ضجوا من أصل تشريع عقد المتعة؟!

كما إننا: لا ندري متى ضج عقلاء فارس؟! ومن الذي أطلعه على هذا التاريخ الذي لم يصل إلى أحد سواه.. وهل ضجيج عقلاء فارس ـ لو صح ـ يرفع الحسن في الحسن، ويحوله إلى بشع وقبيح؟!

سادساً:

أما قوله أخيراً: إنه لما حرمه (صلى الله عليه وآله)