الصفحة 96

فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها. فقال علي عليه السلام احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع. فقال أبو بكر: مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك فقال أبو عبيدة إلى علي عليه السلام فقال: يا بن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك، ولكنك حدث السن - وكان لعلي عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة - وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له، فإن عمرك الله يسلموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس.

فوالله معاشر الجمع إن الله قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون بأنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية، والله إنه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.

فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان. فقال علي عليه السلام: يا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه، والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وخذل من خذله " أن يشهد الآن بما سمع.


الصفحة 97
قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله صلى الله عليه وآله فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا علي علي فذهب بصري.

قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليه السلام، ففسح المجلس وقال: إن الله يقلب القلوب، ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك.

وعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام:

جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنى عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومن الأنصار أبو الهشيم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري.

قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (1) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين عليه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه.

فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى به من غيرك، لأنا سمعنا رسول الله يقول " علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال " ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟

فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلا بد

____________

(1) البقرة: 195

الصفحة 98
لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوعز إلي قبل وفاته وقال لي: " يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وإنك مني بمنزلة هارون من موسى وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه " فقلت: يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك؟ فقال: إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي، فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة (1) صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وردوا عليه.

فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا وتكلموا فقال الأنصار للمهاجرين: بل تكلموا وتقدموا أنتم، فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب إذ قال الله عز وجل: " لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة " (2).

قال أبان: قلت له يا بن رسول الله إن العامة لا تقرأ كما عندك. قال: وكيف تقرأ؟ قال: قلت إنها تقرأ " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار " فقال ويلهم فأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى تاب الله عليه عنه، إنما تاب الله به على أمته فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم بعدهم الأنصار.

____________

(1) الوغر: الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيض.

(2) التوبة: 117

الصفحة 99
وروى أنهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فقدموا وقد تولى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال:

اتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ونحن محتوشوه (1) يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب عليه السلام يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها وموعدكم أمرا فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربي، ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم، ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدي اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض.

فقال له عمر بن الخطاب: اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه. فقال له خالد: بل اسكت أنت يا بن الخطاب فإنك تنطق على لسان غيرك، وأيم الله لقد علمت قريش إنك من ألأمها حسبا وأدناها منصبا وأخسها قدرا وأخملها ذكرا وأقلهم عناءا عن الله ورسوله، وإنك لجبان في الحروب بخيل بالمال لئيم العنصر، مالك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان " إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين " (2) فأبلس (3) عمر وجلس خالد بن سعيد. ثم قام سلمان الفارسي وقال " كرديد ونكرديد " أي فعلتم ولم تفعلوا، وقد كان امتنع من البيعة قبل

____________

(1) احتوشوه واحتوشوا به: أحاطوا به.

(2) الحشر: 16 - 17

(3) أبلس: سكت على مضض أو خوف.

الصفحة 100
ذلك حتى وجئ (1) عنقه، فقال: يا أبا بكر إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه، وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه، وما عذرك في تقدمك على من هو أعلم منك وأقرب إلى رسول الله وأعلم بتأويل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ومن قدمه النبي صلى الله عليه وآله في حياته وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذرا من مثل ما أتيتموه وتنبيها للأمة على عظيم ما احترمتموه ومن مخالفة أمره فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك، فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عما أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولاحظ للدين ولا المسلمين في قيامك به، فالله الله في نفسك، فقد أعذر من أنذر ولا تكن كمن أدبر واستكبر.

ثم قام أبو ذر الغفاري فقال: يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة، والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين، ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان، والله لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها، وليسفكن في طلبها دماء كثيرة - فكان كما قال أبو ذر - ثم قال: لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال " الأمر بعدي لعلي ثم لابني الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي " فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم، فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل، فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها (2) وغيرت وبدلت

____________

(1) وجئ عنقه: لوي وضرب.

(2) نكصت على أعقابها: رجعت إلى القهقري.

الصفحة 101
واختلفت، فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وعما قليل تذوقون وبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم. وما الله بظلام للعبيد.

ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا أبا بكر ارجع عن ظلمك، وتب إلى ربك والزم بيتك، وابك على خطيئتك، وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول الله صلى الله عليه وآله في عنقك من بيعته، وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه، ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله فيه على نبيه صلى الله عليه وآله " إن شانئك هو الأبتر " (1) فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو، وهو كان أميرا عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله في غزاة ذات السلاسل، وأن عمرا قلد كما حرس عسكره، فأين الحرس إلى الخلافة، اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت وتيقنت أن علي ابن أبي طالب عليه السلام هو صاحب الأمر بعد رسول الله، فسلمه إليه بما جعله الله له فإنه أتم لسترك واخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي وإلى الله ترجع الأمور.

ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا لقي الحق من الباطل، يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله من تسمية علي عليه السلام بإمرة المؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله بين أظهرنا، وقوله له في عدة أوقات " هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين "، اتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها وانقذها مما يهلكها واردد الأمر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وراجع وأنت

____________

(1) الكوثر: 3

الصفحة 102
تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة، فلا تكونن ظهيرا للمجرين.

ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم، وعلي [ أقرب منكم إلى نبيكم وهو ] من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلى الله عليه وآله أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله صلى الله عليه وآله " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها " وإنكم جميعا مضطرون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون عليا حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلا، أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين.

ثم قام أبي بن كعب فقال: يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وصفيه وصدف عن أمره، أردد الحق إلى أهله تسلم، ولا تتماد في غيك فتندم، وبادر الإنابة يخف وزرك، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك، فيسألك عما جنيت وما ربك بظلام للعبيد.

ثم قام خزيمة بن ثابت فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى. قال: فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول " أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين

الصفحة 103
يقتدى بهم " وقد قلت ما علمت، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

ثم قام أبو الهشيم بن التيهان فقال: وأنا أشهد على نبينا صلى الله عليه وآله أنه أقام عليا - يعني في يوم غدير خم - فقالت الأنصار: ما أقامه للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه، وكثر الخوض في ذلك فبعثنا رجالا منا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن ذلك فقال: قولوا لهم علي ولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي، وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إن يوم الفصل كان ميقاتا.

ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد وآله ثم قال:

يا معاشر قريش إشهدوا علي أني أشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان - يعني الروضة - وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول: أيها الناس هذا على إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ومنجز وعدي وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمن تخلف عنه وخذله.

وقام معه أخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله وأي أهل بيتك؟ فقال، علي والطاهرون من ولده. وقد بين صلى الله عليه وآله فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.

ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال، اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم، وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله ومجلس بعد مجلس يقول: " أهل بيتي أئمتكم بعدي " ويؤمى إلى علي ويقول " هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره " فتوبوا إلى الله من ظلمكم إياه إن الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين.


الصفحة 104
قال الصادق عليه السلام: فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا، ثم قال: وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني، فقال له عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع (1) إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك واجعلها في سالم مولي أبي حذيفة.

قال: فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال عمر: والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال، يا بن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا، والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وأنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا، والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري.

فقام أمير المؤمنين: اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس وقام إليه سلمان الفارسي فقال، الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله بهاتين الأذنين وإلا صمتا يقول " بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك إلا وأنكم هم " فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يا بن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتك أينا أضعف ناصرا وأقل عددا.

ثم التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلا

____________

(1) للكع اللئيم والعبد والأحمق.

الصفحة 105
كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هيهنا قاعدون " (1) والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله أو لقضية أقضيها فإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله صلى الله عليه وآله أن يترك الناس في حيرة.

وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم إن عمر احتزم بأزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال (2) الناس يبايعون، فعرف أن جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له: إن فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله، فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك إنما أردت التهويل، فراسلهم على أن ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.

قال وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت:

لا عهد لي بقوم أسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة.

وفي رواية سليم بن قيس الهلالي (3) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه

____________

(1) المائدة: 24.

(2) انثال الناس: انصبوا واجتمعوا.

(3) أبو صادق سليم بن قيس الهلالي، كان من أصحاب علي عليه السلام، وكان هاربا من الحجاج لأنه طلبه ليقتله فجلا إلى أبان بن عياش، فآواه فلما حضرته الوفاة قال لأبان " إن لك علي حقا وقد حضرتني الوفاة يا بن أخي إنه كان من أمر رسول الله كيت وكيت " وأعطاه كتابا وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور ورواه عنه

=>


الصفحة 106
قال: أتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد كان أوصى أن لا يغسله غير علي عليه السلام، وأخبر أنه لا يريد أن يقلب منه عضوا إلا قلب له، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله: من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال جبرئيل.

فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون، حتى لم يبق من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه، وقلت لعلي عليه السلام حين يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله: إن القوم فعلوا كذا وكذا وإن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وما يرضى الناس أن يبايعوا له بيد واحدة إنهم ليبايعون بيديه جميعا يمينا وشمالا.

فقال علي عليه السلام: يا سلمان فهل تدري من أول من يبايعه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقلت: لا إلا أني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة [ ومعاذ بن جبل ].

قال: لست أسألك عن هذا، ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد منبر رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير وهو يبكي ويقول: الحمد لله الذي لم يمتني ولم يخرجني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان أبسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد.

فقال لي علي عليه السلام: يا سلمان وهل تدري من هو؟ قلت: لا ولكني ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه وآله، قال علي إن ذلك إبليس لعنه الله، أخبرني رسول الله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله إياي بغدير خم بأمر الله تعالى، فأخبرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فأتاه أبالسة ومردة أصحابه فقالوا: إن هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل، قد

____________

<=

أبان بن عياش: الفهرست للطوسي 81.

الصفحة 107
علموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم، فانطلق إبليس كئيبا حزينا، فاخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن لو قد قبض إن الناس سيبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقك وحجتك، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا، ثم تجتمع شياطينه وأبالسته فيخر ويكسع (1) ثم يقول كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم الله بطاعته وأمرهم رسوله.

فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلا أربعة وأربعون رجلا، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة. قلت لسلمان: من الأربعة؟

قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم أتاهم من الليلة الثانية فناشدهم الله فقالوا: نصحبك بكرة، فما منهم أحد وفى غيرنا، ثم الليلة الثالثة فما وفى أحد غيرنا، فلما رأى علي عليه السلام عذرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع، فبعث إليه أني مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلوات حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى عليه السلام بأعلى صوته:

أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثواب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى عليه وآله وعلمني تأويلها.

فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله. ثم دخل بيته فقال عمر لأبي بكر: أرسل

____________

(1) يكسع: يضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.

الصفحة 108
إلى علي فليبايع فإنا لسنا في شئ حتى يبايع ولو قد بايع أمناه وغائلته. فأرسل أبو بكر رسولا أن أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، فأتاه الرسول فأخبره بذلك، فقال علي عليه السلام: ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري، فذهب الرسول فأخبره بما قاله فقال: اذهب فقل أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بذلك فقال علي عليه السلام: سبحان الله والله ما طال العهد بالنبي مني وإنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين، فاستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أمر من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

قال: فانطلق الرسول إلى أبي بكر فأخبره بما قال، فكفوا عنه يومئذ، فلما كان الليل حمل فاطمة عليها السلام على حمار ثم دعاها إلى نصرته فما استجاب له رجل غيرنا أربعة، فإنا حلقنا رؤسنا وبذلنا نفوسنا ونصرتنا وكان علي بن أبي طالب عليه السلام لما رأى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته، فقال عمر لأبي بكر:

ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة معه. وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفظهما وأغلظهما وأخشنهما وأجفاهما. فقال: من نرسل إليه؟ فقال عمر:

أرسل إليه قنفذا - وكان رجلا فظا غليظا جافيا من الطلقاء أحد بني تيم - فأرسله وأرسل معه أعوانا، فانطلق فاستأذن فأبي علي عليه السلام أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام أحرج عليكم (1) أن تدخلوا بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة

____________

(1) التحرج: التضيق وعدم الإذن والالجاء.

الصفحة 109
قالت كذا وكذا فحرجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها، فغضب عمر وقال:

ما لنا وللنساء. ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا عليه السلام: والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك نارا، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. ثم قال لقنفذ: أن خرج وإلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا.

فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فظبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود، وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج (1) من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فالجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها.

ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلي، هذا جزاء مني وبالله لا ألوم نفسي في جهد ولو كنت في أربعين رجلا لفرقت جماعتكم، فلعن الله قوما بايعوني ثم خذلوني، فانتهره عمر فقال: بايع. فقال: وإن لم أفعل؟

قال: إذا نقتلك ذلا وضعارا. قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم [ كلنا عبيد الله ] وأما أخو رسوله فلا نقر لك به.

قال عليه السلام: أتجحدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين نفسه وبيني، فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات ثم أقبل علي عليه السلام فقال:

____________

(1) الدملوج: حلي يلبس في المعصم.

الصفحة 110
يا معاشر المهاجرين والأنصار أنشدكم بالله أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا، وفي غزاة تبوك كذا وكذا، فلم يدع شيئا قاله فيه عليه السلام علانية للعامة إلا ذكره؟ فقالوا: اللهم نعم. فلما خاف أبو بكر أن ينصروه ويمنعوه بادرهم فقال: كل ما قتله قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد هذا: إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن لجيمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة.

فقال علي عليه السلام: أما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد هذا معك؟ قال عمر: صدق خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله قد سمعنا منه هذا كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال لهم: لشد ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة:

إن قتل الله محمدا أو أماته أن تزووا هذا الأمر عنا أهل البيت. فقال أبو بكر: وما علمك بذلك اطلعناك عليها؟ قال علي يا زبير ويا سلمان وأنت يا مقداد أذكركم بالله وبالاسلام أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك إن فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟ قالوا: اللهم نعم قد سمعناه يقول ذلك لك، فقلت له بأبي أنت وأمي يا نبي الله فما تأمرني أن أفعل إذا كان ذلك؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجد أعوانا فبايعهم واحقن دمك.

فقال علي عليه السلام: أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني ووفوا لجاهدتكم في الله ولله، لا أما والله لا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة.

ثم نادى قبل أن يبايع: " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " (1) ثم تناول يد أبي بكر فبايعه، فقيل للزبير بايع الآن، فأبى فوثب عليه عمر وخالد ابن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسر، فقال الزبير وعمر على صدوه: يا بن صهاك أما والله لو أن سيفي في

____________

(1) الأعراف: 15.

الصفحة 111
يدي لحدت عني، ثم بايع.

قال: سلمان: ثم أخذوني فوجأوا عنقي حتى تركوها مثل السلعة (1) ثم فتلوا يدي، فبايعت مكرها، ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما من الأمة أحد بايع مكرها غير علي وأربعتنا.

ولم يكن أحد منا أشد قولا من الزبير، فلما بايع قال: يا بن صهاك أما والله لولا هؤلاء الطلقاء الذين أعانوك ما كنت لتقدم علي ومعي السيف لما قد علمت من جبنك ولؤمك، ولكنك وجدت من تقوى بهم وتصول بهم، فغضب عمر فقال، أتذكر صهاك؟ فقال الزبير: ومن صهاك وما يمنعني من ذلك، وإنما كانت صهاك أمة حبشية لجدي عبد المطلب فزنا بها نفيل فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب له بعد ما ولدته، فإنه لعبد جدي فولد زنى، فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل منهما عن صاحبه.

فقال سليم: فقلت يا سلمان بايعت أبا بكر ولم تقل شيئا؟ قال: قد قلت بعد ما بايعت: تبا لكم سائر الدهر، أو تدرون ماذا صنعتم بأناسكم، أصبتم وأخطأتم:

أصبتم سنة الأولين، وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها. فقال لي عمر: أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له.

قال: قلت فإني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم. وقال: قل ما شئت أليس قد بايع ولم يقر الله عينك بأن يليها صاحبك. قال، قلت فإني أشهد أني قرأت في بعض كتب الله المنزلة آية باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم.

قال: قل ما شئت أليس قد عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا.

قال: قلت فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وقد سألته عن هذه الآية " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد. ولا يوثق وثاقه أحد " (2) فقال: إنك أنت هو.

____________

(1) السلعة: خراج كهيئة الغدة.

(2) الفجر: 25 - 26.

الصفحة 112
فقال عمر اسكت: قال: قلت أسكت الله نأمتك (1) أيها العبد يا بن اللخناء (2).

فقال لي علي عليه السلام اسكت يا سلمان، فسكت فوالله لولا أنه أمرني بالسكوت لأخبرته بكل شئ نزل فيه وفي صاحبه، فلما رأى ذلك عمر أنه قد سكت قال: إنك له مطيع مسلم وإذا لم يقل أبو ذر والمقداد شيئا كما قال سلمان.

قال عمر: يا سلمان ألا تكف عنا كما كف صاحباك، فوالله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لهم ولحقهم، فقد كفا كما ترق وبايعا.

فقال أبو ذر أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد وتعظيمهم، لعن الله من أبغضهم وابتز عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد الناس على أدبارهم القهقري وقد فعل ذلك بهم.

فقال عمر آمين فلعن الله من ظلمهم حقهم، لا والله ما لهم فيها حق وما هم وعرض الناس في هذا الأمر إلا سواء. قال أبو ذر: فلم خاصمتم بحقهم وحجتهم؟

فقال علي عليه السلام: يا بن صهاك فليس لنا حق وهو لك ولابن آكلة الذباب.

فقال عمر: كف الآن يا أبا الحسن إذا بايعت، فإن العامة رضوا بصحابتي ولم يرضوا بك فما ذنبي. قال علي عليه السلام لكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فابشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما وآزركما بسخط من الله وعذابه وخزيه، ويلك يا بن الخطاب أو تدري مما خرجت وفيم دخلت وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك، فقال أبو بكر:

يا عمر أما إذا بايع وأمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء.

فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شئ واحد، أذكركم بالله أيها الأربعة - يعنيني والزبير وأبا ذر والمقداد - أسمعتم رسول الله يقول إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر نار جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجب، فسألناه عنهم وأنتم شهود؟ فقال صلى الله عليه وآله:

____________

(1) النأمة: الصوت، يقال " أسكت الله نأمته " أي نغمته وصوته.

(2) للخناء: المرأة المنتنة الفرج.