قال له اليهودي: فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى عليه السلام عند الله قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد صلى الله عليه وآله بأن أوصل إليها اسمه، حتى قالت: أشهد والعالمون: أن محمدا رسول الله منتظر وشهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من الله ساقه إليها، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده، حتى رأت في المنام أنه قيل لها: إن ما في بطنك سيد، فإذا ولدته فسميه محمدا، فاشتق الله له اسما من أسمائه، فالله المحمود وهذا محمد قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد أرسل إلى فراعنة شتى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحرث، وأبي بن خلف، ومنبه ونبيه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه ألحق.
قال له اليهودي: لقد انتقم الله عز وجل لموسى من فرعون؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد صلى الله عليه وآله من الفراعنة، فأما المستهزؤون فقال الله: " إنا كفيناك المستهزئين " (1) فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فأما الوليد بن المغيرة:
فمر بنبل لرجل من جزاعة قد راشه (2) ووضعه في الطريق فأصابه شظية (3) منه
____________
(1) الحجر - 95.
(2) راش السهم: الزق عليه الريش.
(3) الشظية: الفلقة من العصا ونحوها.
وروي أن الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه، فمات وهو يقول: " قتلني رب محمد " (3) كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل النبي صلى الله عليه وآله منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيل عن الله من ساعته فقال: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك: " اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " (4) يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادعهم إلى الإيمان، قال، يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ قال له: " إنا كفيناك المستهزئين " قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال: كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك، وأما بقية الفراعنة: قتلوا يوم
____________
(1) الأكحل: عرق في اليد يفصد.
(2) تدهده: تدحرج.
(3) الظاهر أن هذا الكلام للمؤلف رحمه الله أدخله في الخبر.
(4) الحجر - 94.
قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أعطي العصا فكان تحول ثعبانا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا، إن رجلا كان يطالب أبا جهل بدين ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه، فقال له بعض المستهزئين: من تطلب؟
فقال: عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - لي عليه دين، قال، فأدلك على من يستخرج منه الحقوق؟ قال: نعم. فدله على النبي صلى الله عليه وآله وكان أبو جهل يقول:
ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد بلغني أن بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة، وأنا أستشفع بك إليه، فقام معه رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى بابه، فقال له، قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه، وإنما كناه بأبي جهل ذلك اليوم، فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقا من محمد (2) قال: ويحكم أعذروني، إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم (3) حراب تتلألأ، وعن يساره ثعبانين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني (4) وتقضمني الثعبانان، هذا أكبر مما أعطي موسى، وزاد الله محمدا ثعبانا
____________
(1) روي عن ابن مسعود قال:
كنا مع النبي " ص " فصلى في ظل الكعبة، وناس من قريش وأبو جهل نحروا جزورا في ناحية مكة، فبعثوا وجاءوا بسلاه فطرحوه بين كتفيه، فجاءت فاطمة عليها السلام فطرحته عنه، فلما انصرف قال:
" اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بأبي جهل، وبعتبة، وشيبة، ووليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وبعقبة بن أبي معيط " قال عبد الله ولقد رأيتهم قتلى في قليب بدر
(2) فرقا: فزعا.
(3) في بعض النسخ: " بأيديهم ".
(4) يبعجوا - بفتح العين - يشقوا.
قال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه أعطي ما هو أفضل من هذا، إن نورا كان يضئ عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره حيثما جلس، وكان يراه الناس كلهم.
قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمد شئ من هذا؟
فقال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد أعطي ما هو أفضل هذا، خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة، فقالوا: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى:
" إنا لمدركون " فنزل رسول الله ثم قال: " اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة، فأرني قدرتك " وركب صلوات الله عليه، فعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل
____________
(1) الشدخ: كسر الشئ الأجوف.
قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد أعطي الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك: إن أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل، فذكروا له صلى الله عليه وآله، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كل مزادة وسقاء، ولقد كنا معه بالحديبية فإذا ثم قليب جافة، فأخرج صلى الله عليه وآله سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب وقال له! اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت الماء وارتفع، حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا.
قال اليهودي: فإن موسى عليه السلام أعطي المن والسلوى فهل أعطي لمحمد نظير هذا قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، أن الله عز وجل أحل له الغنائم ولأمته، ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من المن والسلوى، ثم زاده أن جعل النية له ولأمته بلا عمل عملا صالحا ولم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله، فإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر.
قال له اليهودي: إن موسى عليه السلام قد ضلل عليه الغمام؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وقد فعل ذلك بموسى في التيه، وأعطي محمد صلى الله عليه وآله أفضل من هذا، إن الغمامة كانت تظله من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره وأسفاره، فهذا أفضل مما أعطي موسى.
قال له اليهودي: فهذا داود عليه السلام قد لين الله له الحديد، فعمل منه الدروع؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قد أعطي ما هو أفضل
قال له اليهودي: هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبل معه لخوفه قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز كأريز المرجل على الأثافي من شدة البكاء، (3) وقد آمنه الله عز وجل من عقابه، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه فيكون إماما لمن اقتدى به، ولقد قام صلى الله عليه وآله عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " (4) بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: بلى أفلا أكون عبدا شكورا؟ ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل بمحمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا: إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: " قر فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق شهيد " فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلى طاعته، ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " ما يبكيك يا جبل؟ فقال: يا رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس من نار وقودها الناس والحجارة، وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال له: " لا تخف تلك الحجارة الكبريت " فقر الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله صلى الله عليه وآله.
____________
(1) يظهر من هذا الكلام أن الغار أحدث لرسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن من قبل.
(2) وذلك ليلة المعراج.
(3) الأريز: هو أن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء. والمرجل - كمنبر -: القدر.
والأثافي: الأحجار التي يوضع عليها القدر.
(4) طه - 1.
فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله، وهو: ميكائيل فقال له: يا محمد عش ملكا منعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك، ويسير معك جبالها ذهبا وفضة، ولا ينقص لك مما ادخر لك في الآخرة شئ، فأومى إلى جبرئيل - وكان خليله من الملائكة - فأشار عليه، أن تواضع فقال له: بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما ولا آكل يومين، والحق بإخواني من الأنبياء فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر، وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله عز وجل على العرش، فهذا أفضل مما أعطي سليمان.
قال له اليهودي: فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح، فسارت به في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا: إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام، في أقل من ثلث ليلة، حتى انتهى إلى ساق العرش، فدنى بالعلم فتدلى من الجنة رفرف أخضر، وغشى النور بصره فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده، ولم يرها بعينه، فكان كقاب قوسين بينه وبينها أو أدنى، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، وكان فيما أوحى إليه: الآية التي في سورة البقرة قوله: " لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير " (1) وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمدا، وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول الله وعرضها على أمته فقبلوها، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها،
____________
(1) البقرة - 284.
سل، قال: " ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا " (4) يعني بالأصر: الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا، فأجابه الله عز وجل إلى ذلك، وقال تبارك اسمه: قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا وطهورا، فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك، وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء لأمتك طهورا، فهذا من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا، ومن لم
____________
(1) البقرة - 85.
(2، 3، 4) البقرة - 286.
____________
(1) المثبور: الخائب
قال اليهودي: فإن هذا سليمان سخرت له الشياطين، يعملون له ما يشاء:
من محاريب، وتماثيل؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أعطي محمد صلى الله عليه وآله أفضل من هذا إن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، ولقد سخرت لنبوة محمد صلى الله عليه وآله الشياطين بالإيمان، فأقبل إليه من الجنة التسعة من أشرافهم، واحد من جن نصيبين، والثمان من بني عمرو بن عامر من الأحجة (4) منهم شضاه، ومضاه (5) والهملكان، والمرزبان، والمازمان، ونضاه، وهاضب، وهضب، وعمرو، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم: " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " (6) وهم التسعة، فأقبل إليه الجن والنبي صلى الله عليه وآله ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم فبايعوه على:
____________
(1، 2، 3) البقرة - 286.
(4) الأحجة - جمع حجيج - أي الذين يقيمون الحج. وفي بعض النسخ:
" الأجنحة " أي: الرؤساء.
(5) وفي بعض النسخ: " شضاة ومضاة ".
(6) الأحقاف - 29.
قال له اليهودي: هذا يحيى بن زكريا عليه السلام يقال: إنه أوتي الحكم صبيا، والحلم، والفهم، وإنه كان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا: إن يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية، ومحمد صلى الله عليه وآله أوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قط، ولم ينشط لأعيادهم، ولم ير منه كذب قط، وكان أمينا، صدوقا، حليما، وكان يواصل الصوم الأسبوع والأقل والأكثر فيقال له في ذلك فيقول:
إني لست كأحدهم، إني أظل عند ربي، فيطعمني، ويسقيني، وكان يبكي صلى الله عليه وآله حتى تبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم.
قال له اليهودي فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه: تكلم في المهد صبيا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض، ورافعا يده اليمنى إلى السماء، يحرك شفتيه بالتوحيد وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه: قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اسطخر وما يليها، ولقد أضائت الدنيا ليلة ولد النبي صلى الله عليه وآله حتى فزعت الجن والإنس والشياطين، وقالوا حدث في الأرض حدث، ولقد رأي الملائكة ليلة ولد تصعد، وتنزل، وتسبح، وتقدس، وتضطرب النجوم وتتساقط، علامة لميلاده، ولقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة، والشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع، فإذا هم
قال له اليهودي: فإن عيسى عليه السلام يزعمون أنه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله؟
فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من ذلك: أبرأ ذا العاهة من عاهته، بينما هو جالس صلى الله عليه وآله إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا: يا رسول الله إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ الذي لا ريش عليه، فأتاه صلى الله عليه وآله فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء، فقال له: قد كنت تدعو في صحتك دعاء؟ قال: نعم كنت أقول: " يا رب أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا " فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ألا قلت: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فقالها الرجل فكأنما نشط من عقال، وقام صحيحا وخرج معنا، ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه صلى الله عليه وآله، فأخذ قدحا من ماء فتفل عليه، ثم قال: امسح به جسدك ففعل فبرأ حتى لم يوجد عليه شئ، ولقد أتي النبي بأعرابي أبرص فتفل صلى الله عليه وآله من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا، ولئن زعمت أن عيسى أبرأ ذا العاهات من عاهاتهم، فإن محمدا صلى الله عليه وآله بينما هو في أصحابه إذ هو بامرأة فقالت: يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب، فقام النبي صلى الله عليه وآله وقمنا معه فلما أتيناه قال له: جانب يا عدو الله ولي الله، فأنا رسول الله، فجانبه الشيطان فقام صحيحا وهو معنا في عسكرنا، ولئن زعمت أن عيسى أبرأ العميان، فإن محمدا قد فعل ما هو أكبر من ذلك: إن قتادة بن ربيع كان رجلا صحيحا، فلما أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته، (2) فأخذها بيده ثم أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول الله من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها
____________
(1) في بعض النسخ: " جلالة ".
(2) الحدقة: سواد العين الأعظم.
قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون: أنه أحيى الموتى بإذن الله؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها، ولا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولقد كلمه الموتى من بعد موتهم، واستغاثوه مما خافوا تبعته، ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال: ما هاهنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي، وكان شهيدا، ولئن زعمت أن عيسى كلم الموتى فلقد كان لمحمد ما هو أعجب من هذا: إن النبي لما نزل بالطايف وحاصر أهلها، بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله على المنكرين لنبوته، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي (2)! ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلمه البهيمة، وتكلمه السباع، وتشهد له بالنبوة، وتحذرهم عصيانه، فهذا أكثر مما أعطي عيسى عليه السلام.
قال له اليهودي: إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد كان له أكثر من هذا: إن عيسى أنبأ قومه بما كان من وراء الحايط ومحمد أنبأ عن مؤتة (3) وهو عنها غائب ووصف
____________
(1) في بعض النسخ: " بن عتيك ".
(2) أي: من بعدك ما صار مشويا مطبوخا.
(3) مؤتة - بضم الميم وسكون الهمزة وفتح التاء - اسم موضع قتل فيه جعفر
=>
جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته، ولقد كان صلى الله عليه وآله يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا، منها: ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب، إذ أتاه عمير فقال: جئت في فكاك ابني فقال له: كذبت بل قلت لصفوان بن أمية وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: والله للموت أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمد بنا، وهل حياة بعد أهل القليب، فقلت أنت: لولا عيالي، ودين علي لأرحتك من محمد، فقال صفوان: علي أن أقضي دينك، وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر، فقلت أنت:
فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله، فجئت لقتلي، فقال: صدقت يا رسول الله فأنا أشهد: أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأشباه هذا مما لا يحصى.
قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون: أنه خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طيرا بإذن الله؟
فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قد فعل ما هو شبيه لهذا إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا، ثم قال للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق، يسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للأخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته، ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها: انشقي، فانشقت نصفين، ثم قال لها: التزقي، فالتزقت، ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة فشهدت، ثم قال لها ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وكان موضعها حيث الجزارين بمكة.
قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد كانت سياحته في الجهاد، واستنفر
____________
<=
ابن أبي طالب (ع) والنبي " ص " في المدينة فأخبر أصحابه بقتله وهو من على المنبر
وقد مر ذكره في هامش ص 172.
قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون: أنه كان زاهدا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، محمد صلى الله عليه وآله أزهد الأنبياء عليهم السلام: كان له ثلاثة عشر زوجة سوى من يطيف به من الإماء، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام، ولا أكل خبز برقط، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط، توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد، (3) ومكن له من غنائم العباد، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد الثلثمائة ألف وأربعمائة ألف ويأتيه السائل بالعشي فيقول:
والذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير، ولا صاع من بر، ولا درهم، ولا دينار.
قال له اليهودي: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله، وزاد محمدا على الأنبياء أضعاف درجات.
فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أشهد يا أبا الحسن إنك من الراسخين في العلم.
فقال ويحك وما لي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله عز وجل في عظمته فقال: " وإنك لعلى خلق عظيم " (4).
____________
(1) الفئام - بالكسر مهموزا -: الجماعة الكثيرة وقد فسر في بعض الأخبار بمائة ألف. (2) في بعض النسخ: " لا يبالي ".
(3) وطئ له: مهد وذلل ويسر.
(4) القلم - 4.
إحتجاجه (ع) على بعض اليهود وغيره في أنواع شتى من العلوم (1).
عن صالح عن عقبة (2) عن الصادق عليه السلام قال: لما هلك أبو بكر واستخلف عمر، خرج عمر إلى المسجد فقعد، فدخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني رجل من اليهود، وأنا علامتهم، قد أردت أن أسئلك عن مسائل إن أخبرتني بها أسلمت قال: وما هي؟ قال: ثلاث، وثلاث وواحدة، فإن شئت سئلتك، وإن كان في القوم أحد أعلم منك فارشدني، قال: عليك بذاك الشاب يعني علي بن أبي طالب عليه السلام فأتى عليا عليه السلام فسأل فقال له: قلت: ثلاثا وثلاثا وواحدة ألا قلت سبعا؟ قال إني إذا لجاهل، إن لم تجبني في الثلاث اكتفيت. قال: فإن أجبتك تسلم؟
قال: نعم.
قال: سل.
قال: أسألك عن أول حجر وضع على وجه الأرض، وأول عين نبعت، وأول شجرة نبتت؟
قال: يا يهودي أنتم تقولون: أول حجر وضع على وجه الأرض الحجر الذي في بيت المقدس، وكذبتم، هو: " الحجر الأسود " الذي نزل مع آدم عليه السلام من الجنة قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى عليه السلام.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: وأما العين فأنتم تقولون، إن أول عين نبعت على
____________
(1) في ج 4 من بحار الأنوار ص 94 عن عيون أخبار الرضا والخصال للصدوق أبي عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين الثقفي عن صالح بن عقبة عن جعفر ابن محمد " ص " قال: لما هلك أبو بكر.. الخ ثم قال قال الصدوق في الخصال وقد أخرجت هذا الحديث من طرق في كتاب: " الأوايل ". أيضا عن كمال الدين وتمام النعمة: أبي وابن الوليد معا عن سعد مثله.
(2) صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان مولى رسول الله " ص " عده الشيخ في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وذكره العلامة في القسم الثاني من الخلاصة.
قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.
قال علي عليه السلام وأما الشجرة فأنتم تقولون، إن أول شجرة نبتت على وجه الأرض الزيتون وكذبتم، وهي: " العجوة " نزل بها آدم عليه السلام من الجنة.
قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى عليهما السلام.
قال: والثلاث الأخرى كم لهذه الأمة من إمام هدى لا يضرهم من خذلهم؟
قال، اثني عشر إماما.
قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.
قال: وأين يسكن نبيكم من الجنة؟
قال: أعلاها درجة، وأشرفها مكانا: في جنات عدن.
قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.
قال، فمن ينزل معه في منزله؟
قال: اثني عشر إماما.
قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.
قال: قد بقيت السابعة.
قال، كم يعيش وصيه بعده؟ قال ثلاثين سنة.
قال: ثم هو يموت أو يقتل؟
قال: يضرب على قرنه فتخضب لحيته.
قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى ثم أسلم وحسن إسلامه.
وعن أصبغ بن نباته قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلام فجاء ابن الكوا (1) فقال:
____________
(1) ابن الكواء اسمه عبد الله، وهو خارجي ملعون، قرأ خلف أمير المؤمنين
عليه السلام جهرا: " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن
=>