يا أمير المؤمنين من البيوت في قول الله عز وجل: " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها (1) "؟
قال علي عليه السلام نحن البيوت التي أمر الله بها أن تؤتى من أبوابها، نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منه، فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها فقال: يا أمير المؤمنين وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم؟
فقال علي عليه السلام: نحن أصحاب الأعراف: نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن الأعراف يوم القيامة بين الجنة والنار، ولا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه، وذلك بأن الله عز وجل لو شاء عرف للناس نفسه حتى يعرفوه وحده ويأتوه من بابه، ولكنه جعلنا أبوابه وصراطه وبابه الذي يؤتى منه، فقال - فيمن عدل عن ولايتنا وفضل علينا غيرنا -: " فإنهم عن الصراط لناكبون " (2).
وعن الأصبغ بن نباتة أيضا قال أتى ابن الكوا أمير المؤمنين فقال:
والله إن في كتاب الله آية اشتدت على قلبي، ولقد شككت في ديني.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ثكلتك أمك وعدمتك، ما هي؟
قال: قول الله تبارك وتعالى: " والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه " (3) فما هذا الصف؟ وما هذه الطيور؟ وما هذه الصلاة؟ وما هذا التسبيح؟
فقال علي عليه السلام: ويحك يا بن الكوا إن الله خلق الملائكة على صور شتى ألا وإن لله ملكا في صورة ديك، أبح، أشهب، براثنه في الأرضين السفلى، وعرفه
____________
<=
عملك ولتكونن من الخاسرين " وكان علي عليه السلام يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة،
فسكت عليه السلام حتى سكت ابن الكواء، ثم عاد في قراءته فعاد حتى فعل ذلك ثلاثا
فلما كان في الثالثة قرأ أمير المؤمنين عليه السلام: " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك
الذين لا يوقنون ".
(1) البقرة - 189.
(2) المؤمنون - 74.
(3) النور - 41.
أخبرني عن بصير بالليل وبصير بالنهار؟ وعن أعمى بالليل وأعمى بالنهار؟
وعن أعمى بالليل بصير بالنهار؟ وعن أعمى بالنهار بصير بالليل؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك سل عما يعنيك، ولا تسأل عما لا يعنيك ويلك أما بصير بالليل وبصير بالنهار فهو: رجل آمن بالرسل والأوصياء الذين مضوا، وبالكتب والنبيين، وآمن بالله ونبيه محمد صلى الله عليه وآله، وأقر لي بالولاية فأبصر في ليله ونهاره.
وأما أعمى بالليل أعمى بالنهار فرجل: جحد الأنبياء والأوصياء، والكتب التي مضت، وأدرك النبي فلم يؤمن به، ولم يقر بولايتي، فجحد الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وآله فعمي بالليل وعمي بالنهار.
وأم بصير بالليل أعمى بالنهار فرجل: آمن بالأنبياء والكتب، وجحد النبي صلى الله عليه وآله وأنكرني حقي، فأبصر بالليل وعمي بالنهار.
وأما أعمى بالليل وبصير بالنهار فرجل: جحد الأنبياء الذين مضوا، والأوصياء والكتب، وأدرك محمدا صلى الله عليه وآله، فآمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله، وآمن بإمامتي وقبل ولايتي، فعمي بالليل وأبصر بالنهار.
ويلك يا بن الكوا، فنحن بنو أبي طالب بنا فتح الله الإسلام وبنا يختمه.
قال الأصبغ فلما نزل أمير المؤمنين عليه السلام من المنبر تبعته فقلت: يا سيدي
وعن الأصبغ أيضا قال: قام ابن الكوا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وهو على المنبر فقال:
يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟ وأخبرني عن قرنيه أمن ذهب كان أم من فضة؟
فقال: لم يكن نبيا، ولا ملكا، ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضة، ولكنه كان عبدا أحب الله فأحبه الله، ونصح لله فنصح الله له، وإنما سمي " ذا القرنين " لأنه دعا قومه إلى الله عز وجل فضربوه على قرنه، فغاب عنهم حينا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخرة وفيكم مثله (1).
عن الصادق (2) عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين كان ذات يوم جالسا في
____________
(1) يعني بذلك نفسه سلام الله عليه، فقد ضربه عمرو بن عبد ود الضربة الأولى والضربة الثانية هي ضرية ابن ملجم لعنه الله، التي كانت شهادته عليه السلام فيها.
(2) ذكر هذا الحديث العلامة المجلسي في ج 9 من بحار الأنوار ص 15 وذكر له مصدرين هما: الاحتجاج وهو الكتاب الذي بين يديك، والثاني أمالي ابن الشيخ بهذا السند: عن الحسين بن عبيد الله عن هارون بن موسى عن محمد بن همام عن علي بن الحسين الهمداني عن محمد بن البرقي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام.. الخ.
وذكره الإمام شمس الدين أبي علي فخار بن معد الموسوي في كتابه الجليل: " الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب فقال:
وبالإسناد عن الشيخ أبي الفتح الكراجكى - رحمه الله - قال: حدثنا الشيخ الفقيه
=>
يا أمير المؤمنين أنت بالمكان الذي أنزلك الله به وأبوك معذب في النار؟
فقال له علي بن أبي طالب: مه فض الله فاك، والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم، أبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟! والذي بعث محمدا بالحق نبيا إن نور أبي يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلايق كلهم إلا خمسة أنوار: نور محمد صلى الله عليه وآله، ونوري، ونور الحسن، ونور الحسين، ونور تسعة من ولد الحسين، فإن نوره من نورنا خلقه الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السلام بألفي عام (1).
____________
<=
أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي - رضي الله عنه - قال: حدثني
القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان بن عبد الله النصيبي في داره، قال: حدثنا جعفر بن محمد
العلوي، قال: حدثنا عبيد الله أحمد، قال: حدثنا محمد ين زياد، قال حدثنا مفضل بن
عمر عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام.. الخ.
وذكره الحجة الأميني في ج 7 ص 387 من كتاب الغدير وذكر له عدة مصادر فراجع
(1) شيخ البطحاء، ورئيس مكة، وشيخ قريش، أبو طالب بن عبد المطلب
ابن هاشم بن عبد مناف، عم الرسول وكافله، وأبو الأئمة سلام الله عليهم أجمعين.
اسمه الشريف عبد مناف، وقيل: " عمران " وقيل اسمه: " كنيته " والأول
أصح لقول عبد المطلب وهو يوصيه برسول الله " ص " بعده:
وقوله أيضا:
وأمه فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم، وهي أم عبد الله والد النبي وأم الزبير بن عبد المطلب وقد انقرض.
وأولد أبو طالب أربعة بنين: طالبا، وعقيلا، وجعفرا، وعليا أمير المؤمنين
=>
إحتجاجه (ع) على من قال بزوال الأدواء بمداوات الأطباء دون الله سبحانه وعلى من قال بأحكام النجوم من المنجمين وغيرهم من الكهنة والسحرة.
وبالإسناد المقدم ذكره عن أبي محمد العسكري عن علي بن الحسن زين العابدين عليهم السلام أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام قاعدا ذات يوم، فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب، فقال له:
____________
<=
عليه السلام، وكان كل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين، وأمهم جميعا فاطمة
بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي.
كان أبو طالب عليه السلام: شيخا، وسيما، جسيما، عليه بهاء الملوك، ووقار
الحكماء، وكانت قريش تسميه: " الشيخ "، وكانوا يهابونه، ويخافون سطوته، وكانوا
يتجنبون أذية رسول الله " ص " في أيامه، فلما توفي سلام الله عليه، اجترأوا عليه
واضطر إلى الهجرة؟؟ من وطنه مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
قيل لأكثم بن صيفي حكيم العرب ممن تعلمت الحكمة والرياسة، والحلم والسيادة؟
قال: من حليف الحلم والأدب، سيد العجم والعرب، أبو طالب بن عبد المطلب.
وجرى ذات يوم كلام خشن بين معاوية بن أبي سفيان وصعصعة وابن الكواء،
فقال معاوية: لولا إني أرجع إلى قول أبي طالب لقتلتكم وهو:
وكان سلام الله عليه مستودعا للوصايا فدفعها إلى رسول الله " ص "، وهو الذي كفله وحماه من قريش ودافع عنه.
روى عن فاطمة بنت أسد: أنه لما ظهر أمارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده: من يكفل محمدا؟ قالوا: هو أكيس منا، فقل له يختار لنفسه، فقال عبد المطلب: يا محمد جدك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعماتك تريد أن يكفلك؟ فنظر في وجوههم ثم زحف إلى عند أبي طالب، فقال له عبد المطلب: يا أبا طالب إني قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن له كما كنت له.
وروي: أنه قال له: يا بني قد علمت شدة حبي لمحمد ووجدي به، أنظر كيف
=>
____________
<=
تحفظني فيه، قال أبو طالب: يا أبه لا توصني بمحمد فإنه ابني وابن أخي، فلما توفي
عبد المطلب، كان أبو طالب يؤثره؟؟ بالنفقة والكسوة على نفسه، وعلى جميع أهله.
فلما بعث النبي " ص " وصدع بالأمر امتثالا لقوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر "
ونزل قوله تعالى: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " أجمعت قريش على خلافه
فحدب عليه أبو طالب عليه السلام ومنعه وقال:
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا
وروى عن زين العابدين عليه السلام: أنه اجتمعت قريش إلى أبي طالب ورسول الله " ص " عنده فقالوا: نسألك من ابن أخيك النصف. قال: وما النصف منه؟ قالوا:
يكف عنا ونكف عنه، فلا يكلمنا ولا نكلمه، ولا يقاتلنا ولا نقاتله، إلا أن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب، وزرعت الشحناء، وأنبتت البغضاء. فقال: يا بن أخي أسمعت؟ قال: يا عم لو أنصفني بنوا عمي لأجابوا دعوتي، وقبلوا نصيحتي، إن الله تعالى أمرني أن ادعوا إلى دينه الحنيفية ملة إبراهيم، فمن أجابني فله عند الله: الرضوان والخلود في الجنان، ومن عصاني قاتلته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فقالوا:
قل له يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكرها بسوء، فنزل: " قل أفغير الله تأمروني أعبد " قالوا: إن كان صادقا فليخبرنا من يؤمن منا، ومن يكفر، فإن وجدناه صادقا آمنا به فنزل: وما كان الله ليذر المؤمنين " قالوا: والله لنشتمنك وإلهك فنزل: " وانطلق الملأ منهم " قالوا: قل له: فليعبد ما نعبد، ونعبد ما يعبد، فنزلت سورة الكافرين.
فقالوا: قل له أرسله الله إلينا خاصة، أم إلى الناس كافة؟ قال بل إلى الناس أرسلت كافة:
إلى الأبيض والأسود، ومن على رؤس الجبال، ومن في لجج البحار، ولأدعون ألسنة فارس والروم، يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " فتجبرت قريش واستكبرت وقالت: والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا، ولقلعت الكعبة حجرا حجرا، فنزلت: " وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " وقوله تعالى: " ألم
=>
____________
<=
تر كيف فعل ربك " فقال المطعم بن عدي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك،
وجهدوا على أن يتخلصوا مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا.
فقال أبو طالب: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت على خذلاني، ومظاهرة
القوم على، فاصنع ما بدا لك، فوثب كل قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم،
ويفتنونهم عن دينهم، ويستهزؤون بالنبي " ص " ومنع الله رسوله بعمه أبي طلب منهم
وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم، فدعاهم إلى ما هو عليه
من منع رسول الله " ص " والقيام دونه إلا أبا لهب.
وله في الدفاع عن رسول الله " ص " مواقف شهيرة وشعر رواه الفريقان، نذكر
فيما يلي نموذجا منها:
منها: ما روى من أن أبا جهل بن هشام جاء إلى رسول الله " ص " وهو ساجد
وبيده حجر يريد أن يرميه به، فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد، فقال
وإلا فإني إذن خائف * بوائق في داركم تلتقي
تكون لغيركم عبرة * ورب المغارب والمشرق
كما نال من لان من قبلكم * ثمود وعاد وماذا بقي
غداة أتاهم بها صرصر * وناقة ذي العرش قد تستقي
فحل عليهم بها سخطه * من الله في ضربة الأزرق
غداة يعض بعرقوبها * حساما من الهند ذا رونق
وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقي
فأثبته الله في كفه * على رغمه الجائر الأحمق
أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغى الغواة ولم يصدق
ومنها: ما روى عن ابن عباس، أن النبي " ص " دخل الكعبة، وافتتح الصلاة فقال أبو جهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعرى،
=>
____________
<=
وتناول فرثا ودما وألقى ذلك عليه " ص " فجاء أبو طالب - وقد سل سيفه - فلما
رأوه جعلوا ينهضون فقال: والله لئن قام أحد جللته بسيفي، ثم قال: يا بن أخي من
الفاعل بك؟ قال: هذا عبد الله فأخذ أبو طالب فرثا ودما وألقى ذلك عليه.
ومنها قوله عليه السلام يخاطب الرسول " ص " مسكنا جأشه طالبا منه إظهار دعوته
فإن كفك كفي إن مليت بهم * ودون نفسك نفسي في الملمات
ومنها قوله يؤنب قريشا ويحذرهم الحرب:
ومنها: لما رأى المشركون موقف أبي طالب عليه السلام من نصرة الرسول وسمعوا أقواله، اجتمعوا بينهم وقالوا ننافي بني هاشم، ونكتب صحيفة ونودعها الكعبة: أن
=>
____________
<=
لا نبايعهم، ولا نشاريهم، ولا نحدثهم، ولا نستحدثهم ولا نجتمع معهم في مجمع،
ولا نقضي لهم حاجة، ولا نقتضيها منهم، ولا نقتبس منهم نارا حتى يسلموا إلينا محمدا
ويخلوا بيننا وبينه، أو ينتهي عن تسفيه آبائنا، وتضليل آلهتنا، وأجمع كفار
مكة على ذلك.
فلما بلغ ذلك أبا طالب عليه السلام قال، يخبرهم باستمراره على مناصرة الرسول
ومؤازرته له، ويحذرهم الحرب، وينهاهم عن متابعة السفهاء:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب
وأن الذي لفقتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا حرب
ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد أبيدت بالمهندة الشهب
بمعترك ضنك ترى كسر القنا * به والضباع العرج تعكف كالسرب
كأن مجال الخيل في حجراته * وغمغمة الأبطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ومنها: أنه كان إذا نامت العيون وأخذ النبي " ص " ممضجعه، جاءه فانهضه واضجع عليا مكانه فقال له علي عليه السلام - ذات ليلة -: يا أبتاه إني مقتول، فقال أبو طالب
=>
____________
<=
فقال علي عليه السلام:
ولكنني أحببت أن ترى نصرتي * وتعلم أني لم أزل لك طائعا
وسعيي لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا
هذا نزر يسير من مواقف أبي طالب " ع " ومؤازرته الرسول " ص " ومقاومته للمشركين، وله كثير من أمثالها في دفاعه عن محمد، وعن دين محمد، وعن قرآن محمد وعن اتباع محمد، فهلا يأخذك العجب بعد اطلاعك على هذا وشبهه من أقوال أبي طالب وأفعاله، ألا تستغرب بعد هذا لو سمعت بعصابة أثرت فيها الروح الأموية الخبيثة، فدفعها خبث عنصرها، ورداءة نشأتها، وجرها الحقد إلى القول بأن أبا طالب " ع " مات كافرا!! وإن تعجب فعجب قولهم: أبو طالب يموت كافرا؟!!
أبو طالب الذي يقول:
يموت كافرا؟!!
أبو طالب الذي يقول،
يا لله ويا للعجب قائل هذا يموت كافرا!!
أبو طاب الذي يقول:
ويقول مخاطبا رسول الله " ص ":
ويقول:
ويقول:
=>
____________
<=
وهو الذي يقول:
ويقول:
ويقول:
أبو طالب الذي يقول:
كل هذا وأبو طالب مات كافرا!!
إذا كان الإيمان بالتوحيد والإقرار بنبوة محمد لا تكفي في إيمان الرجل، ويكون معتقدها والمقر بها كافرا، فما هو الإسلام إذن؟!
إذا كان الذب عن الرسول والاعتراف بنبوته كفرا فما هو الإسلام؟ طبعا يقول لسان حال تلك العصابة في الجواب:
الإيمان أن تتمكن في نفسك مبادئ أبي سفيان، وتؤمن بالذي يحلف به أبو سفيان وتقول كما قال: " ما من جنة ولا نار " أبو طالب مات كافرا، وأبو سفيان مات مسلما.
هكذا يقولون كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذبا!
ويقولون الذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلا!
وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا.
أبو سفيان الذي حزب الأحزاب ضد النبي " ص " والذي ما قامت راية كفر لحرب رسول الله " ص " إلا وهو قائدها وناعقها، والذي لم يزل يعلن الحرب والعداء
=>
____________
<=
لمحمد، ودين محمد، وإله محمد، وكتاب محمد، حتى فتح مكة فدخل الإسلام عليه رغم
أنفه، ولم يدخل في قلبه، وأظهر الإسلام وأبطن الكفر، على العكس مما كان عليه
أبو طالب تماما.
أبو سفيان الذي أصر على محو اسم محمد رسول الله يوم صلح الحديبية يموت مسلما
وأبو طالب الذي يعترف برسالة محمد ويقول: هو رسول كموسى وعيسى يموت كافرا!
أبو سفيان الذي يقول - حين انتهت إليهم الخلافة بمحضر من عثمان -:
يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، والذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار
يموت مسلما، والذي يعترف بالبعث والنشور يموت كافرا!
روي عن ابن عباس قال: والله ما كان أبو سفيان إلا منافقا، ولقد كنا في
محفل فيه أبو سفيان وقد كف بصره، وفينا علي عليه السلام، فأذن المؤذن فلما قال:
أشهد أن محمدا رسول الله " ص "، قال: هاهنا من يحتشم؟ قال واحد من القوم: لا. فقال:
لله در أخي هاشم انظروا أين وضع اسمه، فقال على " ع ": أسخن الله عينك يا أبا سفيان
الله فعل ذلك بقوله عز من قائل: " ورفعنا لك ذكرك " فقال أبو سفيان: أسخن الله
عين من قال: ليس هاهنا من يحتشم.
والعجيب أنهم يقولون عنه إنه مات مسلما، وأبو طالب مات كافرا،،
لعنوا بما قالوا، نحن أعلم بما يقولون، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فاصبر
على ما يقولون.
وأكثر من هذا عجبا، وأبعد منه غرابة، ما لفقته تلك العصابة، وافترته على
الرسول من أنه " ص " - وحاشاه - قال عنه إنه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه،
وإنه منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه.
ولا أدري وليتني أبدا لا أدري لماذا يستحق أبو طالب هذا العذاب؟
أ لأنه دافع عن رسول الله " ص " أم هو الحقد، والبغض لابن أبي طالب الذي
ثم هل تريد أن أزيدك وأزودك من أمثال هذه الأضاليل والأباطيل، فأذكر لك ما رواه الزهري عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: كنت عند رسول الله " ص "
=>
فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام: قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا - وأشار إلى دواء معه - وقال: إن تناوله إنسان وبه صفار أماته من ساعته، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه.
فقال علي عليه السلام فأرني هذا الضار، فأعطاه إياه.
فقال له: كم قدر هذا؟ قال: قدره مثقالين سم ناقع، قدر كل حبة منه يقتل رجلا.
____________
<=
إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عائشة إن هذين يموتان على غير ملتي، أو قال: ديني.
وفي أخرى بنفس السند عنها أيضا قالت كنت عند النبي فقال: يا عائشة إن سرك
أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس
وعلي بن أبي طالب.
أسمعت هذا وبعد فهلا ترفع يدك إلى الدعاء وتقول معي:
" اللهم ادخلني النار التي يقطن فيها علي بن أبي طالب، واجعلني في الضحضاح
الذي فيه أبو طالب، ولا تدخلني الجنة التي يدخل فيها أبو سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان،
ويزيد بن معاوية فسلام على تلك النار، ولعنة الله على هذه الجنة ".
فذاك بمكة آوى وحامى * وذاك بيثرب خاض الحماما
فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
توفي سلام الله عليه في " 26 " رجب في آخر السنة العاشرة من مبعث النبي " ص " ورثاه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:
(1) أي لا ينقصك كناية عن عدم النفع.
فتبسم علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: يا عبد الله أصح ما كنت بدنا الآن لم يضرني ما زعمت أنه سم.
ثم قال: فغمض عينيك، فغمض، ثم قال: افتح عينيك ففتح، ونظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام، فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة، فارتعد الرجل لما رآه.
وتبسم علي عليه السلام وقال: أين الصفار الذي زعمت أنه بي.
فقال: والله لكأنك لست من رأيت، قبل كنت مضارا، فإنك الآن مورد.
فقال علي عليه السلام: فزال عني الصفار الذي تزعم أنه قاتلي.
وأما ساقاي هاتان ومد رجليه وكشف عن ساقيه، فإنك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه، لئلا ينقصف الساقان، (2) وأنا أريك أن طب الله عز وجل على خلاف طبك، وضرب بيده إلى اسطوانة خشب عظيمة، على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، وفوقه حجرتان، أحدهما فوق الأخرى وحركها فاحتملها، فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني.
فقال علي عليه السلام: صبوا عليه ماء فصبوا عليه ماء فأفاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجبا.
فقال له علي عليه السلام: هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما أفي طبك هذا يا يوناني؟
فقال اليوناني أمثلك كان محمدا؟
فقال علي عليه السلام: وهل علمي إلا من علمه، وعقلي إلا من عقله، وقوتي إلا من قوته، ولقد أتاه ثقفي وكان أطب العرب، فقال له:
____________
(1) قمحت السويق - بالكسر - إذا سففته.
أي: تنكسر
فقال له محمد صلى الله عليه وآله: أتحب أن أريك آية تعلم بها غناي من طبك وحاجتك إلى طبي؟
قال: نعم.
قال: أي آية تريد؟
قال: تدعو ذلك العذق وأشار إلى نخلة سحوق فدعاه، فانقلع أصلها من الأرض وهي تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه.
فقال له: أكفاك؟
قال: لا.
قال: فتريد ماذا؟
قال تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه، وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه.
فأمرها، فرجعت واستقرت في مقرها.
فقال اليوناني لأمير المؤمنين عليه السلام: هذا الذي تذكره عن محمد صلى الله عليه وآله غائب عني، وأنا أريد أن أقتصر منك على أقل من ذلك، أتباعد عنك فادعني وأنا لا أختار الإجابة، فإن جئت بي إليك فهي آية.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنما يكون آية لك وحدك، لأنك تعلم من نفسك أنك لم ترده، وأني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا، أو ممن أمرته بأن يباشرك، أو ممن قصد إلى اختيارك وإن لم آمره، إلا ما يكون من قدرة الله القاهرة، وأنت يا يوناني يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك أن يقول: إني واطأتك على ذلك، فاقترح أن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين.
قال له اليوناني: إن جعلت الاقتراح إلي فأنا اقترح: أن تفصل أجزاء تلك النخلة، وتفرقها وتباعد ما بينها، ثم تجمعها وتعيدها كما كانت:
فقال علي عليه السلام هذه آية وأنت رسولي إليها - يعني إلى النخلة - فقل لها: