الصفحة 386

أيها الناس سلوني فإن بين جوانحي علما جما.

فقام إليه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟

قال: الرياح.

قال: فما الحاملات وقرا؟

قال: السحاب.

قال: فما الجاريات يسرا؟

قال: السفن.

قال: فما المقسمات أمرا.

قال: الملائكة.

قال: يا أمير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا.

قال: ثكلتك أمك يا بن الكوا كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا ينقض بعضه بعضا، فسل عما بدا لك.

قال: يا أمير المؤمنين سمعته يقول: " رب المشارق والمغارب " وقال في آية أخرى: " رب المشرقين ورب المغربين " وقال في آية أخرى: " رب المشرق والمغرب ".

قال: ثكلتك أمك يا بن الكوا، هذا المشرق وهذا المغرب، وأما قوله: رب المشرقين ورب المغربين، فإن مشرق الشتاء على حدة، ومشرق الصيف على حدة أما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها؟ وأما قوله: رب المشارق والمغارب، فإن لها ثلثمائة وستين برجا، تطلع كل يوم من برج، وتغيب في آخر، فلا تعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم.

قال: يا أمير المؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك؟

قال: ثكلتك أمك يا بن الكوا سل متعلما، ولا تسأل متعنتا، من موضع قدمي إلى عرش ربي أن يقول قائل مخلصا: " لا إله إلا الله ".

قال: يا أمير المؤمنين فما ثواب من قال: لا إله إلا الله؟

قال: من قال لا إله إلا الله مخلصا طمست ذنوبه، كما يطمس الحرف

الصفحة 387
الأسود من الرق الأبيض، فإن قال ثانية لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة الله فإذا قال ثالثة لا إله إلا الله مخلصا، تنته دون العرش، فيقول الجليل: " اسكني فوعزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه " ثم تلا هذه الآية: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " يعني إذا كان عمله صالحا ارتفع قوله وكلامه.

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوس قزح.

قال: ثكلتك أمك لا تقل: قوس قزح فإن قزحا اسم شيطان، ولكن قل:

قوس الله، إذا بدت يبدو الخصب والريف.

قال: أخبرني يا أمير المؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء.

قال: هي شرج في السماء، وأمان لأهل الأرض من الغرق، ومنه غرق الله قوم نوح بماء منهمر قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر.

قال: عليه السلام: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء، أما سمعت الله تعالى يقول: " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " (1).

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: عن أي أصحاب رسول الله تسألني؟

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ".

قال: يا أمير المؤمنين فاخبرني عن سلمان الفارسي.

قال: بخ بخ سلمان منا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم، علم علم الأول والآخر.

____________

(1) الإسراء - 12.

الصفحة 388
قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن حذيفة بن اليماني.

قال: ذاك امرء علم أسماء المنافقين، أن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما.

قال: يا أمير المؤمنين فاخبرني عن عمار بن ياسر.

قال: ذاك امرء حرم الله لحمه ودمه على النار أن تمس شيئا منها.

قال: يا أمير المؤمنين فاخبرني عن نفسك.

قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتدئت.

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله عز وجل: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا " الآية.

قال: كفرة أهل الكتاب، اليهود والنصارى، وقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

ثم نزل عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكوا.

ثم قال: يا بن الكوا وما أهل النهروان منهم ببعيد.

فقال: يا أمير المؤمنين ما أريد غيرك، ولا أسأل سواك.

قال: فرأينا ابن الكوا يوم النهروان فقيل له: ثكلتك أمك، بالأمس تسأل أمير المؤمنين عما سألته، وأنت اليوم تقاتله فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: سلوني عن كتاب الله عز وجل، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ونهار، ولا مسير ولا مقام، إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلمني تأويلها.

فقام إليه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتى أقدم عليه، فيقرأنيه ويقول لي: يا علي أنزل الله علي بعدك كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا فيعلمني تنزيله وتأويله.

وجاء في الآثار: أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخطب فقال في خطبته: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فتنة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم

الصفحة 389
بناعقها، وسائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل (1) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألت عنه، وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله، ذلك مصداق ما أخبرتك به ولولا أن الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به، ولكن آية ذلك ما نبأتك به من لعنك، وسخلك الملعون، وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو فلما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان تولي قتله، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.

* * *

إحتجاجه (ع) على من قال بالرأي في الشرع والاختلاف في الفتوى وأن يتعرض للحكم بين الناس من ليس لذلك بأهل وذكر الوجه لاختلاف من أختلف في الدين والرواية عن رسول الله (ص).

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعا، وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه بالإختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى، أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول: " ما فرطنا في الكتاب من شئ " (2) " وفيه تبيان كل شئ " وذكر أن الكتاب يصدق بعضه

____________

(1) هو الأشعث بن قيس لعنه الله.

(2) الأنعام - 38.

الصفحة 390
بعضا، وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وأن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفني عجائبه، ولا تنقي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به.

وروي أنه عليه السلام قال: إن أبغض الخلايق إلى الله تعالى رجلان:

رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، سائر بغير علم ولا دليل، مشعوف بكلام بدعة، (1) ودعاء ضلالة، فهو: فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته.

ورجل قمش جهلا، فوضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة، قد لهج منها بالصوم والصلاة، عمي في عقد الهدنة، سماه الله: عاريا منسلخا، وسماه أشباه الناس: عالما وليس به، ولما يغن في العلم يوما، سالما بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، وأكثر من غير طائل جلس بين الناس مفتيا، قاضيا، ضامنا لتلخيص ما التبس على غيره، إن خالف من سبقه: لم يأمن من نقض حكمه من يأتي من بعده، كفعله بمن كان قبله فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه، ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، خباط جهالات، وركاب عشوات، ومفتاح شبهات، فهو لا يدري أصاب الحق أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، فهو من رأيه في مثل نسج غزل العنكبوت الذي إذا مرت به النار لم يعلم بها، لم يعض على العلم بضرس قاطع، فيغنم بذري الروايات إذراء الريح الهشيم، لأملي والله بإصدار ما ورد عليه، لا يحسب العلم في شئ مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما ذهب فيه مذهب ناطق ما بلغ منه مذهبا لغيره، وإن قاس شيئا بشئ لم يكذب رأيه، كيلا يقال له: لا يعلم شيئا، وإن خالف قاضيا سبقه لم يؤمن فضيحته حين خالفه، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما

____________

(1) المشعوف: المجنون الوله.

الصفحة 391
يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث، إلى الله أشكو معشرا يعيشون جهالا، ويموتون ضلالا، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، وتولول منه الفتيا، وتبكي منه المواريث، ويحلل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، ويأخذ المال من أهله فيدفعه إلى غير أهله.

وروي أنه صلوات الله عليه قال - بعد ذلك -:

أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته، فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة نبيكم محمد صلى الله عليه وآله فأنى يتاه بكم؟! بل أين تذهبون؟! يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة!

هذه مثلها فيكم فاركبوها، فكما نجى في هاتيك من نجى فكذلك ينجو في هذه من دخلها، أنا رهين بذلك قسما حقا وما أنا من المتكلفين، والويل لمن تخلف ثم الويل لمن تخلف، أما بلغكم ما قال فيكم نبيكم حيث يقول - في حجة الوداع -:

" إني تارك فيكم الثقلين، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما " ألا هذا عذب فرات فاشربوا منه، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال - لرأس اليهود -: على كم افترقتم؟

فقال على كذا وكذا فرقة.

فقال علي عليه السلام: كذبت ثم أقبل على الناس فقال:

والله لو ثنيت لي الوسادة: لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم.

افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة، وهي: التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام.

وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة بالجنة، وهي: التي اتبعت شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام.

وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار

الصفحة 392
وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد صلى الله عليه وآله، وضرب بيده على صدره ثم قال:

ثلاثة عشر فرقة من الثلاث وسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي، وحبي، واحدة منها في الجنة، وهي: النمط الأوسط واثنتا عشرة في النار.

عن مسعدة بن صدقة، (1) عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " كيف أنتم إذا لبستم الفتنة، ينشؤ فيها الوليد، ويهرم فيها الكبير، ويجري الناس عليها حتى يتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل أتى الناس بمنكر، غيرت السنة، ثم تشتد البلية، وتنشؤ فيها الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب، وكما تدق الرحا بثقالها، يتفقه الناس لغير الدين، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ".

ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه ناس من أهل بيته، وخاص من شيعته، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:

لقد عمل الولاة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول الله متعمدين لذلك، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول الله لتفرق عني جندي، حتى أبقى وحدي إلا قليلا من شيعتي، الذين عرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة سلام الله عليها، ورددت صاع رسول الله ومده إلى ما كان، وأمضيت إلى قطايع كان رسول الله صلى الله عليه وآله أقطعها للناس سنين، ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته، وهدمتها وأخرجتها من المسجد، ورددت الخمس إلى أهله، ورددت قضاء كل من قضى بجور، ورددت سبي ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من أرض

____________

(1) مستعدة بن صدقة: عده الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، وذكره العلامة في القسم الثاني من خلاصته ص 260 فقال:

مسعدة بن صدقة: قال الشيخ رحمه الله: إنه عامي، وقال الكشي إنه بتري.

الصفحة 393
خيبر، ومحوت ديوان العطاء، وأعطيت كما كان يعطي رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء.

والله لقد أمرت الناس: أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل وسيفه معي: " أنعى الإسلام وأهله غيرت سنة عمر " ونهى أن يصلى في شهر رمضان في جماعة، حتى خفت أن يثور في ناحية عسكري على ما لقيت، ولقيت هذه الأمة من أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار.

وأعظم من ذلك سهم ذوي القربى، الذي قال الله تبارك وتعالى فيه " واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " (1) وذلك لنا خاصة إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان، نحن والله عنى بذوي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه، ولم يجعل لنا في الصدقة نصيبا، أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس.

فقال له رجل: إني سمعت من سلمان، وأبي ذر، والمقداد، أشياء في تفسير القرآن والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة في تفسير القرآن والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وأنتم تخالفونهم، وتزعمون أن ذلك باطل، فترى الناس يكذبون متعمدين على النبي صلى الله عليه وآله، ويفسرون القرآن بآرائهم؟

قال: فأقبل علي عليه السلام عليه فقال له: سألت فافهم الجواب: إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله وهو حي، حتى قام خطيبا فقال:

" أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".

____________

(1) الأنفال - 41

الصفحة 394
وإنما أتاك بالحديث: أربعة رجال ليس لهم خامس.

رجل منافق: مظهر للإيمان، متصنع بالإسلام، لا يتأثم، ولا يتحرج، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا، فلو علم الناس: أنه منافق، كاذب، لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا: " صاحب رسول الله، رآه وسمع منه، ولقف عنه " فيأخذون بقوله، وقد أخبرك الله تعالى عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده صلى الله عليه وآله فتقربوا إلى أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاما على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا، إلا من عصم الله تعالى، فهذا أحد الأربعة.

ورجل: سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه، ولم يتعمد كذبا فهو في يديه، يرويه، ويعمل به، ويقول: إنما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه، لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.

ورجل ثالث: سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يأمر به، ثم نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ، ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه، وآخر لم يكذب على الله، ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفا لله تعالى، وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يهم به بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على ما سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ وجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كل شئ موضعه، وعرف المتشابه والمحكم.

وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله تعالى به، ولا ما عنى به رسول الله صلى الله عليه وآله فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه، ولا ما قصد به، وما خرج من

الصفحة 395
أجله، وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يسأله ويستفهمه، حتى أن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي أو الطاري فيسأله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا كلامه، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه، وحفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم، وعللهم في رواياتهم.

وعن يحيى الحضرمي (1) قال سمعت عليا عليه السلام يقول:

كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم ورأسه في حجري.

قيل لي: ما الدجال؟

فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله محمر وجهه، فقال: فيما أنتم؟

فقلت له: يا رسول الله سألوني عن الدجال.

فقال: لغير الدجال أنا أخوف عليكم من الدجال، الأئمة الضالون المضلون يسفكون دماء عترتي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم.

* * *

جواب مسائل الخضر (ع) للحسن بن علي بن أبي طالب (ع) بحضرة أبيه (ع).

عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري (2) عن أبي جعفر بن محمد بن علي الثاني عليهم السلام قال:

____________

(1) يحيى الحضرمي من أصحاب أمير المؤمنين " ع " كان هو وابنه عبد الله من شرطة الخميس نقل أن أمير المؤمنين " ع " قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي - يوم الجمل - أبشر يا بن يحيى: فإنك وأباك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول الله " ص " باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم في السماء: " شرطة الخميس " على لسان نبيه " ص ".

(2) أبو هاشم الجعفري: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم البغدادي وكان ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم السلام، وقد شاهد منهم: الرضا، والجواد، والهادي، والعسكري

=>


الصفحة 396
أقبل أمير المؤمنين ذات يوم ومعه الحسن بن علي عليهما السلام، وسلمان الفارسي " ره " وأمير المؤمنين عليه السلام متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، فأقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين عليه السلام، فرد عليه السلام فجلس ثم قال:

يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أفضى إليهم أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم.

وإن يكن الأخرى علمت أنك وهم شرع سواء.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: سلني عما بدا لك.

فقال: أخبرني، عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه، وعن الرجل كيف يذكر وينسى، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فقال: يا أبا محمد أجبه فقال عليه السلام:

____________

<=

وصاحب الأمر صلوات الله عليهم أجمعين، وكان منقطعا إليهم، وقد روى عنهم كلهم، وله أخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم " ع " منه قوله في أبي الحسن الهادي " ع " وقد اعتل:

مادت الأرض بي وأدت فؤادي * واعترتني موارد العرواء
حين قيل الإمام نضو عليل * قلت نفسي فدته كل الفداء
مرض الدين لاعتلالك واعتل * وغارت له نجوم السماء
عجبا أن منيت بالداء والسقم * وأنت الإمام حسم الداء
أنت آسى الأدواء في الدين والدنيا * ومحيى الأموات والأحياء

وكان مقدما عند السلطان، وكان ورعا، زاهدا، ناسكا، عالما، عاملا، ولم يكن أحد في آل أبي طالب " ع " مثله في زمانه في علو النسب، وذكر السيد ابن طاووس رحمه الله: أنه من وكلاء الناحية الذين لا تختلف الشيعة فيهم، توفي في ج 1 سنة " 261 " عن الكنى والألقاب للقمي ج 1

الصفحة 397
أما ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإن: روحه متعلقة بالريح، والريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإن أذن الله برد تلك الروح على صاحبها، جذبت تلك الروح الريح، وجذبت تلك الريح الهواء، فرجعت فسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله عز وجل برد تلك الروح على صاحبها، جذبت الهواء الريح، فجذبت الريح الروح، فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.

وأما ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان فإن: قلب الرجل في حق، وعلى الحق طبق، فإن صلى الرجل عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة، انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق، فأضاء القلب، وذكر الرجل ما كان نسي، وإن لم يصل على محمد وآل محمد، أو نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق، فأظلم القلب، ونسي الرجل ما كان ذكره.

وأما ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله فإن: الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن، وعروق هادئة، وبدن غير مضطرب، فأسكنت تلك النطفة جوف الرحم خرج الولد يشبه أبه وأمه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادية، وبدن مضطرب، اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق: فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أن محمدا رسول الله، ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصي رسول الله القائم بحجته - وأشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام - ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته - وأشار إلى الحسن عليه السلام - وأشهد أن الحسين بن علي وصي أبيك والقائم بحجته بعدك، وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمد ابن علي عليه السلام أنه القائم بأمر علي بن الحسين بعده، وأشهد على جعفر بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي بعده، وأشهد على موسى بن جعفر أنه القائم بأمر جعفر بن

الصفحة 398
محمد بعده، وأشهد على علي بن موسى الرضا بأنه القائم بأمر موسى بن جعفر بعده وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي أنه القائم بأمر علي بن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

ثم قام فمضى. فقال أمير المؤمنين للحسن: يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد.

فخرج في أثره فقال: فما كان إلا أن وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمته.

فقال عليه السلام: يا أبا محمد أتعرفه؟

قلت، الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم.

قال: هو الخضر عليه السلام.

* * *

جوابه عن مسائل جاءت من الروم ثم من الشام الجاري مجرى الاحتجاج بحضرة أبيه عليهما السلام.

روى محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال:

بينا أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون، فمن بين مستفتي، ومن بين مستعدي، إذ قام إليه رجل فقال:

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، من أنت؟

قال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك.

____________

(1) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته: محمد بن قيس أبو نصير - بالنون - الأسدي من أصحاب الصادق عليه السلام ثقة ثقة.

الصفحة 399
فقال له: ما أنت برعيتي وأهل بلادي، ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي.

فقال: الأمان يا أمير المؤمنين.

فقال: هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟

قال: لا.

قال: فلعلك من رجال الحرب؟

قال: نعم.

قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس.

قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك، أسألك عن شئ بعث به ابن الأصفر إليه. وقال له: إن كنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد فأجبني عما أسألك، فإنك إن فعلت ذلك اتبعتك، وبعثت إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه فبعثني إليك لأسألك عنها.

فقال: أمير المؤمنين عليه السلام: قاتل الله ابن آكلة الأكباد، وما أضله وأعماه ومن معه، حكم الله بيني وبين هذه الأمة، قطعوا رحمي، وأضاعوا أيامي، ودفعوا حقي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي، يا قنبر علي بالحسن، والحسين، ومحمد، فاحضروا.

فقال: يا شامي هذان ابنا رسول الله، وهذا ابني، فاسأل أيهم أحببت.

فقال: اسأل ذا الوفرة يعني: الحسن عليه السلام فقال له الحسن عليه السلام: سلني عما بدا لك.

فقال الشامي: كم بين الحق والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟

فقال الحسن عليه السلام: بين الحق والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو

الصفحة 400
الحق، وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا.

فقام الشامي: صدقت.

قال: وبين السماء والأرض دعوة المظلوم، ومد البصر، فمن قال لك غير هذا فكذبه.

قال: صدقت يا بن رسول الله.

قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها، وتنظر إليها حين تغيب في مغربها.

قال: صدقت. فما قوس قزح؟

قال: ويحك لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان، وهو قوس الله، وهذه علامة الخصب، وأمان لأهل الأرض من الغرق.

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها: " برهوت " وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها: " سلمى ".

وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى فإنه: ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم، وإن كان أنثى حاضت، وبدا ثديها، وإلا قيل له: " بل على الحايط " فإن أصاب بوله الحايط فهو ذكر، وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة.

وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شئ خلقه الله الحجر، وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد، وأشد من النار الماء يطفي النار، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء، وأشد من السحاب الريح تحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها، وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، وأشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت.

فقال الشامي: أشهد أنك ابن رسول الله حقا، وأن عليا أولى بالأمر من معاوية ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية، فبعثها إلى ابن الأصفر.


الصفحة 401
فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك، وتجيبني بغير جوابك، أقسم بالمسيح ما هذا جوابك، وما هو إلا من معدن النبوة، وموضع الرسالة، وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك.

* * *

احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية.

روي عن الشعبي وأبي مخنف (1) ويزيد بن أبي حبيب المصري (2) أنهم

____________

(1) أبو مخنف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة، ووجههم، كما عن النجاشي، وتوفي سنة " 157 " يروي عن الصادق عليه السلام، ويروي عنه هشام الكلبي، وجده مخنف بن سليم صحابي، شهد الجمل في أصحاب على " ع " حاملا راية الأزد، فاستشهد في تلك الواقعة سنة " 36 " وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة، ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الأثير، وغيرهما، وليعلم أن لأبي مخنف كتبا كثيرة في التاريخ والسير منها: كتاب " مقتل الحسين " الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه، ولكن الأسف أنه فقد ولا يوجد منه نسخة، وأما المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه، فليس له، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين ومن أراد تصديق ذلك فليقابل ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتى يعلم ذلك، وقد بينت ذلك في: " نفس المهموم " في طرماح بن عدي والله العالم.

الكنى والألقاب ج 1 ص 148 للشيخ عباس القمي

(2) يزيد بن أبي حبيب: واسمه سويد الأزدي مولاهم أبو رجاء المصري وقيل غير ذلك في ولائه قال ابن سعد: كان مفتي أهل مصر في زمانه وكان أول من أظهر العلم في مصر والكلام في الحلال والحرام، وقال الليث: يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا وذكره ابن حيان في الثقاة، وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث مات سنة " 128 " وقال غيره بلغ زيادة على " 75 " سنة.

عن تهذيب التهذيب ج 11 ص 318 باختصار

الصفحة 402
قالوا: لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشد مبالغة في قول، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد ابن عقبة بن أبي معيط، والمغيرة بن أبي شعبة، وقد تواطؤا على أمر واحد.

فقال عمرو بن العاص: لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره، فقد أحيى سنة أبيه، وخفقت النعال خلفه، أمر فأطيع، وقال فصدق، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه، وسببناه وسببنا أباه، وصغرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه، فقال لهم معاوية: إني أخاف أن يقلدكم قلايد يبقى عليكم عارها، حتى يدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قط إلا كرهت جنابه، وهبت عتابه، وإني إن بعثت إليه لأنصفنه منكم.

قال عمرو بن العاص: أتخاف أن يتسامى باطله على حقنا، ومرضه على صحتنا قال: لا قال: فابعث إذا إليه.

فقال عتبة: هذا رأي لا أعرفه، والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم، وإنه لأهل بيت خصم جدل، فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه الرسول قال له: يدعوك معاوية.

قال: ومن عنده؟

قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمى كلا منهم باسمه.

فقال الحسن عليه السلام: ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.

ثم قال: يا جارية أبلغيني ثيابي.

ثم قال: " اللهم إني أدرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئت، وأنى شئت، من حولك وقوتك، يا أرحم الراحمين " وقال للرسول: هذا كلام الفرج، فلما أتى معاوية رحب به، وحياه وصافحه.

فقال الحسن عليه السلام: إن الذي حييت به سلامة، والمصافحة أمن.