وبالإسناد المقدم ذكره عن الصادق عليه السلام أنه قال: قوله عز وجل: (اهدنا الصراط المستقيم) يقول أرشدنا للزم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهوائنا فنعطب، ونأخذ بآرائنا فنهلك، فإن من اتبع هوائه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه، فأحببت لقائه من حيث لا يعرفني لا نظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد احدقوا به جماعة من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم، متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم، فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم، وفارقهم، ولم يقر. فتفرقت جماعة العامة عنه لحوائجهم، وتبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معامله، ثم مر بعده بصاحب رمان، فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معامله ثم أقول وما حاجته إذا إلى المسارقة، ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض، فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه، ومضى وتبعته، حتى استقر في بقعة من صحراء، فقلت له: يا أبا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقائك، فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي، وأني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي.
قال: ما هو؟
قلت: رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين، ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين.
فقال لي: قبل كل شئ حدثني من أنت؟
قلت: رجل من ولد آدم من أمة محمد صلى الله عليه وآله.
قال: حدثني ممن أنت؟
قلت: رجل من أهل بيت رسول الله.
قال: أين بلدك؟
قلت: المدينة.
قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام؟
قال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به، وتركك علم جدك وأبيك، لأنه لا ينكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله.
قلت: وما هو؟
قال: القرآن كتاب الله.
قلت: وما الذي جهلت؟
قال: قول الله عز وجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) وأني لما سرقت الرغيفين، كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين، كانت سيئتين، فهذه أربع سيئات، فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة، أنقص من أربعين حسنة أربع سيئات، بقي ست وثلاثون.
قلت: ثكلتك أمك! أنت الجاهل بكتاب الله! أما سمعت قول الله عز وجل:
(إنما يتقبل الله من المتقين) (1) إنك لما سرقت رغيفين، كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين، ولما دفعتها إلى غيرها من غير رضا صاحبها، كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات، فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته.
وبالإسناد الذي تقدم: عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام أنه قال:
قال بعض المخالفين بحضرة الصادق عليه السلام لرجل من الشيعة.
ما تقول في العشرة من الصحابة؟
قال: أقول فيهم القول الجميل الذي يحط الله به سيئاتي، ويرفع به درجاتي قال السائل: الحمد لله على ما أنقذني من بغضك، كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة.
فقال الرجل: ألا من أبغض واحدا من الصحابة فعليه لعنة الله.
قال: لعلك تتأول ما تقول، فمن أبغض العشرة من الصحابة؟
____________
(1) المائدة - 27
قال: أنت في حل وأنت أخي ثم انصرف السائل فقال له الصادق عليه السلام: جودت لله درك! لقد عجبت الملائكة ومن حسن توريتك، وتلفظك بما خلصك، ولم تثلم دينك، زاد الله في قلوب مخالفينا غما إلى غم وحجب عنهم مراد منتحلي مودتنا في تقيتهم.
فقال أصحاب الصادق عليه السلام: يا بن رسول صلى الله عليه وآله ما عقلنا من كلام هذا إلا موافقته لهذا المتعنت الناصب.
فقال الصادق عليه السلام: لئن كنتم لم تفهموا ما عنى، فقد فهمناه نحن، فقد شكره الله له، إن ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا إذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من مخالفيه، وفقه لجواب يسلم معه دينه وعرضه، ويعظم الله بالتقية ثوابه إن صاحبكم هذا قال: من عاب واحدا منهم فعليه لعنة الله أي: من عاب واحدا منهم، هو: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقال في الثانية: من عابهم وشتمهم فعليه لعنة الله، وقد صدق لأن من عابهم فقد عاب عليا عليه السلام لأنه أحدهم، فإذا لم يعب عليا ولم يذمه فلم يعبهم جميعا، وإنما عاب بعضهم، ولقد كان لحزقيل المؤمن من قوم فرعون الذين وشوا به إلى فرعون مثل هذه التورية كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله، ونبوة موسى، وتفضيل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله على جميع رسل الله وخلقه، وتفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام والخيار من الأئمة على سائر أوصياء النبيين، وإلى البرائة من فرعون، فوشى به واشون إلى فرعون، وقالوا إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك، ويعين أعدائك على مضادتك.
فقال لهم فرعون: ابن عمي، وخليفتي في ملكي، وولي عهدي، إن كان قد فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره نعمتي وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءته، فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه
فقال حزقيل: أيها الملك هل جربت علي كذبا قط.
قال: لا.
قال: فسلهم من ربهم؟
قالوا: فرعون.
قال: ومن خلقكم؟
قالوا: فرعون هذا.
قال: ومن رازقكم الكافل لمعايشكم، والدافع عنكم مكارهكم؟
قالوا: فرعون هذا.
قال حزقيل: أيها الملك فأشهدك وكل من حضرك: أن ربهم هو ربي، وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي، لا رب لي ولا خالق غير ربهم وخالقهم ورازقهم، وأشهدك ومن حضرك: أن كل رب وخالق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا برئ منه، ومن ربوبيته، وكافر بإلهيته.
يقول حزقيل هذا وهو يعني: أن ربهم هو الله ربي ولم يقل أن الذي قالوا:
هم أنه ربهم هو ربي، وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره، وتوهموا أنه يقول: فرعون ربي وخالقي ورازقي، فقال لهم: يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي: ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي، وهو عضدي، أنتم المستحقون لعذابي، لإرادتكم فساد أمري، وهلاك ابن عمي والفت في عضدي ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتد وفي صدره وتد، وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم، فذلك ما قال الله تعالى: (فوقيه الله سيئات ما مكروا) (1) لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه وحاق بآل فرعون سوء العذاب، وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الأوتاد، ومشط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط.
____________
(1) غافر - 45
فمن ذلك ما رواه معاوية بن وهب (1) عن سعيد بن سمان (2) قال:
كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه رجلان من الزيدية، فقالا له:
أفيكم إمام مفترض طاعته؟
قال: فقال: لا.
فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقات أنك تقول به، وسموا أقواما وقالوا:
هم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممن لا يكذب، فغضب أبو عبد الله عليه السلام وقال:
ما أمرتهم بهذا، فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا.
فقال لي: أتعرف هذين؟
قلت: هما من أهل سوقنا، وهما من الزيدية، وهما يزعمان: أن سيف رسول الله عند عبد الله بن الحسن.
فقال: كذبا لعنهما الله، وهو ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه، ولا بواحدة من عينيه. ولا رآه أبوه. اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليه السلام فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه، وما أثر في موضع مضربه، وأن عندي لسيف رسول الله، وأن عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله، ودرعه، ولامته، ومغفره، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وأن عندي لراية رسول الله المغلبة، وأن عندي ألواح موسى وعصاه، وأن عندي لخاتم سليمان بن داود وأن عندي الطست الذي كان موسى يقرب بها القربان، وأن عندي الاسم الذي
____________
(1) عده الشيخ في أصحاب الصادق (ع) ص 310 من رجاله وذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته فقال: (معاوية بن وهب البجلي، أبو الحسن عربي صميم، ثقة صحيح، حسن الطريق، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع).
(2) سعيد بن عبد الرحمن وقيل: ابن عبد الله الأعرج السمان أبو عبد الله التمي مولاهم كوفي ثقة، روى عن أبي عبد الله (ع)، ذكره ابن عقدة وابن نوح له كتاب يرويه عن جماعة... رجال النجاش ص 137.
وكان الصادق عليه السلام يقول: علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلوب، ونقر في الأسماع، وأن عندنا الجفر الأحمر، والجفر الأبيض، ومصحف فاطمة عليها السلام وعندنا الجامعة، فيها جميع ما يحتاج إليه الناس، فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: أما الغابر: فالعلم بما يكون، والمزبور: فالعلم بما كان، وأما النكت في القلوب: فهو الالهام، والنقر في الأسماع: فحديث الملائكة، نسمع كلامهم، ولا نرى أشخاصهم، وأما الجفر الأحمر: فوعاء فيه توراة موسى، وإنجيل عيسى وزبور داود، وكتب الله.
وأما مصحف فاطمة: ففيه ما يكون من حادث، وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.
وأما الجامعة: فهو: كتاب طوله سبعون ذراعا، إملاء رسول الله من فلق فيه وخط علي بن أبي طالب عليه السلام بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة، حتى أن فيه أرش الخدش، والجلدة، ونصف الجلدة.
ولقد كان زيد بن علي بن الحسين (1) يطمع أن يوصي إليه أخوه
____________
(1) قال السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه (زيد الشهيد) ص 43:
قال المحدث النوري في رجال مستدرك لوسائل (أن زيد بن علي جليل القدر عظيم الشأن كبير المنزلة. وأما ما ورد مما يوهم خلاف ذلك مطروح أو محمول على التقية.
=>
____________
<=
وقال الشيخ المفيد في الإرشاد ص 251: كان زيد بن علي بن الحسين (ع) عين أخوته بعد أبي جعفر (ع)، وأفضلهم، وكان عابدا ورعا فقيها، سخيا، شجاعا،
وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويأخذ بثار الحسين (ع). وفي
عيون أخبار الرضا ج 1 ص 248 بسنده عن محمد بن يزيد النحوي عن ابن أبي عبدون
عن أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون - وكان قد خرج بالبصرة
وأحرق دور بني العباس - وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا (ع)
وقال: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل، لقد خرج من قبله زيد بن علي
فقتل ولو لا مكانك لقتلته فليس ما أتاه بصغير فقال الرضا (ع): لا تقس أخي زيدا
إلى زيد بن علي فإنه كان من علماء آل محمد (ص)، غضب لله عز وجل فجاهد أعدائه
حتى قتل في سبيله، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول
رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لو في بما دعا إليه ولقد
استشارني في خروجه فقلت له: يا عمي إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة
فشأنك فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع داعيته فلم يجبه. فقال المأمون يا أبا الحسن
أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟
فقال الرضا (ع) أن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وأنه كان أتقى لله من ذاك
إنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد، وإنما جاء فيمن يدعي أن الله نص عليه ثم
يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم. وكان زيد بن علي والله ممن خوطب
بهذه الآية: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم)
وروى الكليني في روضة الكافي ص 264 مسندا عن الصادق (ع) أنه قال:
لا تقولوا: خرج زيد فإن زيدا كان عالما، وكان صدوقا، ولم يدعكم إلى نفسه، إنما دعا
إلى الرضا من آل محمد (ص) لو ظفر لو في بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع
لينقضه. وفي إرشاد المفيد (ره) ص 252 قال ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله
الصادق (ع) كل مبلغ وحزن له حزنا عظيما حتى بان عليه وفرق من ماله في عيال من أصيب
معه من أصحابه ألف دينار. وروى ذلك أبو خالد الواسطي قال: سلم إلى أبو عبد الله (ع) ألف
=>
لما امتثلت في مثال الحسن والحسين عليهما السلام رجوت أن لا تكون أتيت منكرا.
فقال له الباقر عليه السلام: يا أبا الحسن إن الأمانات ليست بالمثال، ولا العهود بالرسوم، إنما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى، ثم دعا بجابر بن عبد الله الأنصاري فقال:
يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة؟
فقال له: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهنيها بولادة الحسن عليه السلام، فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة، فقلت يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟
قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي.
قلت لها: ناوليني لأنظر فيها!
قالت: يا جابر لولا النهي لكنت أفعل، ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي، أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر: فقرأت فإذا فيها: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمه آمنة.
____________
<=
دينار وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان منها أربعة دنانير وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين
ومائة وكانت سنة يومئذ اثنين وأربعين سنة.
أبو محمد الحسن بن علي البر التقي، أبو عبد الله الحسين بن علي أمهما فاطمة بنت محمد.
أبو محمد علي بن الحسين العدل، أمه شهر بانويه بنت يزدجرد بن شهريار.
أبو جعفر محمد بن علي الباقر، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أمه: (أم فروة) بنت القسم بن محمد بن أبي بكر.
أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة، أمه جارية اسمها (حميدة) المصفاة.
أبو الحسن علي بن موسى الرضا، أمه جارية اسمها: (نجمة).
أبو جعفر محمد بن علي الزكي أمه جارية اسمها: (خيزران).
أبو الحسن علي بن محمد الأمين، أمه جارية اسمها: (سوسن).
أبو محمد الحسن بن علي الرضي، أمه جارية اسمها: (سمانة) تكنى أم الحسن.
أبو القاسم محمد بن الحسن وهو حجة القائم، أمه جارية اسمها: (نرجس) صلوات الله عليهم أجمعين.
وعن زرارة بن أعين قال: قال لي زيد بن علي وأنا عند أبي عبد الله عليه السلام:
يا فتى ما تقول في رجل من آل محمد استنصرك؟ قال:
قلت: إن كان مفروض الطاعة، فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل.
فلما خرج قال أبو عبد الله: أخذته والله من بين يديه ومن خلفه، وما تركت له مخرجا.
وقيل للصادق عليه السلام: ما يزال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل ويقتل معه بشر كثير فأطرق طويلا ثم قال: إن فيهم الكذابين وفي غيرهم المكذبين.
وروي عنه صلوات الله عليه أنه قال: ليس منا أحد إلا وله عدو من أهل بيته، فقيل له: بنو الحسن لا يعرفون لمن الحق؟
عن أبي يعقوب (1) قال: لقيت أنا ومعلى بن خنيس (2) الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا يهودي فأخبرنا بما قال فينا جعفر ابن محمد عليه السلام فقال: هو والله أولى باليهودية منكما إن اليهودي من شرب الخمر.
وبهذا الإسناد قال: سمعت أبا عبد الله يقول لو توفي الحسن بن الحسن على الزنا والربا وشرب الخمر، كان خيرا له مما توفي عليه وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (3) قال: أي شئ تقول؟ قلت: إني أقول أنها خاصة لولد فاطمة.
____________
(1) عده الشيخ الطوسي (ره) في رجاله ص 339 من أصحاب الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) فقال: (أبو يعقوب: الأسدي إمام بني الصيد الكوفي.
(2) المعلى بن خنيس ذكره الشيخ الطوسي (ره) في عداد أصحاب الصادق - ع ص 320 من رجاله وذكره العلامة في القسم الثاني من خلاصته ص 259 فقال: معلى بن خنيس - بضم الخاء المعجمة وفتح النون والسين المهملة بعد الياء المنقطة تحتها نقطتين - أبو عبد الله مولى الصادق جعفر بن محمد (ع)، ومن قبله كان مولى بني أسد، كوفي.
قال النجاشي: أنه بزاز بالزاي قبل الألف وبعدها وهو ضعيف جدا وقال: الغضايري أنه كان أول أمره مغيريا ثم دعى إلى محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية، وفي هذه الظنة أخذه داود بن علي فقتله، والغلاة يضيفون إليه كثيرا قال ولا أرى الاعتماد على شئ من حديثه. وروي فيه أحاديث تقتضي الذم وأخرى تقتضي المدح، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير. وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي - في الغيبة بغير إسناد - أنه كان من قوام أبي عبد الله (ع) وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه، وهذا يقتضي وصفه بالعدالة.
أقول يريد بقوله كان مغيريا أي: من أصحاب المغيرة بن سعيد مولى بجيلة الذي لعنه الإمام الصادق (ع) مرارا.
(3) فاطر - 32
عن محمد بن أبي عمير الكوفي (1) عن عبد الله بن الوليد السمان (2) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما يقول الناس في أولي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين عليه السلام؟
قال: قلت: ما يقدمون على أولي العزم أحدا.
قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى قال لموسى: (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة) (3) ولم يقل كل شئ موعظة. وقال
____________
(1) محمد بن أبي عمير: واسم أبي عمير: زياد بن عيسى. ويكنى: أبا محمد مولى الأزد. من موالي المهلب بن أبي صفرة وقيل: موالي بني أمية والأول أصح، بغدادي الأصل والمقام، لقى أبا الحسن موسى (ع) وسمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال: يا أبا أحمد.
وروى عن الرضا (ع). كان جليل القدر عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين.
قال الكشي: أنه ممن جمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه والعلم.
وقال الشيخ الطوسي (ره): أنه كان أوثق الناس عند الخاصة والعامة، وأنسكهم نسكا وأزهدهم وأعبدهم. أدرك من الأئمة ثلاثة: أبا إبراهيم موسى بن جعفر (ع) ولم يرو عنه وروى عن أبي الحسن الرضا (ع) قال أبو عمرو الكشي: قال محمد بن مسعود:
حدثني علي بن الحسين قال ابن أبي عمير أفقه من يونس بن عبد الرحمن وأصلح وأفضل وله حكاية ذكرناها في كتابنا الكبير، مات رحمه الله سنة سبع عشر ومائتين القسم الأول من خلاصة العلامة ص 141.
(2) خلاصة العلامة ص 111:
عبد الله بن الوليد السمان - بالسين المهملة والنون أخيرا - النخعي مولى كوفي روى عن أبي عبد الله (ع) ثقة.
(3) الأعراف - 145
وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي (4) قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: أن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل، قلت له: ولم جعلت فداك؟
قال: الأمر لا يؤذن لي في كشفه لكم.
قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال: وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، أن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما آتاه الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى عليه السلام، إلى وقت افتراقهما. يا بن الفضل إن هذا الأمر أمر من الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف.
وعن علي بن الحكم (5) عن أبان قال: أخبرني الأحول أبو جعفر محمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق: أن زيد بن علي بن الحسين بعث إليه وهو مختف قال: فأتيته فقال لي: يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟
____________
(1) الزخرف - 63
(2) الرعد - 43
(3) الأنعام - 59
(4) عده الشيخ الطوسي في أصحاب الصادق عليه السلام ص 122 من رجاله.
(5) علي بن الحكم من أهل الأنبار قال الكشي: عن حمدويه عن محمد بن عيسى أن علي بن الحكم هو ابن أخت داود بن النعمان بياع الأنماط وهو نسيب بني الزبير الصيارفة. وعلي بن الحكم تلميذ ابن أبي عمير، ولقى من أصحاب أبي عبد الله الكبير وهو مثل ابن فضال وابن بكير.
قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج وأجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي!
قال: قلت: لا أفعل جعلت فداك!
قال: فقال لي: أترغب بنفسك عني؟
قال: فقلت له: إنما هي نفس واحدة، فإن كان لله تعالى في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج، والخارج معك هالك، وإن لم يكن لله في الأرض حجة، فالمتخلف عنك والخارج معك سواء.
قال: فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان، فيلقمني اللقمة السمينة، ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي، ولم يشفق علي من حر النار إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به.
قال: قلت له: من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني، فإن قبلته نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثم قلت له:
جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟
قال: بل الأنبياء.
قلت: يقول يعقوب ليوسف: (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) (1) لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمه، وكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك.
قال: فقال: أما والله لئن قلت ذلك فقد حدثني صاحبك بالمدينة أني أقتل وأصلب بالكناسة، وأن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي.
قال: فحججت وحدثت أبا عبد الله عليه السلام بمقالة زيد وما قلت له: فقال لي:
أخذته من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن يساره، ومن فوق رأسه ومن
____________
(1) يوسف - 5
وعن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء، وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزؤن بالحاج ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن، وميعادنا من قابل في هذا الموضع، نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء:
أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) (1) فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئا، فشغلتني هذه الآية عن التفكر في ما سواها.
فقال عبد الملك: وأنا منذر فارقتكم مفكر في هذه الآية (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له أن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) (2) ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (3) لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم إن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) (4) لم أبلغ غاية المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
____________
(1) يوسف - 80
(2) الحج - 73
(3) الأنبياء - 24
(4) هود - 44
لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمد إلا إلى جعفر بن محمد، والله ما رأيناه قط إلا هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته، ثم تفرقوا مقرين بالعجز.
ولهذا الأمر قال محمد بن أبي بكر في خبر عجيب شعرا (2):
تجملت تبلغت وإن عشت تفيلت لك التسع من الثمن وبالكل تملكت وعن أحمد بن عبد الله البرقي (3) عن أبيه (4) عن شريك بن عبد الله (5)
____________
(1) الإسراء - 88
(2) تجملت في حرب صفين، أي ركبت الجمل وخرجت لحرب علي عليه السلام وتبغلت حين جاءوا بجنازة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لزيارة قبر جده فخرجت راكبة على بغلة يقودها مروان وهي تنادي: لا تدخلوا بيتي من لا أحب، وقال مروان: أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع جده رسول الله، لا كان ذلك أبدا. والبيت لابن عباس خاطبها به ذلك اليوم وليس لمحمد بن أبي بكر بل أن محمدا لم يدرك ذلك اليوم وقتل في عهد أمير المؤمنين وقد مرت ترجمته ص 269 من الجزء الأول من هذا الكتاب فراجع.
(3) قال السيد الأمين العاملي رحمه الله في أعيان الشيعة ج 9 ص 4: (أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، في طريق الصدوق إلى محمد بن مسلم، والظاهر أنه من مشائخ الإجازة، وربما أحتمل أن يكون ابن بنت البرقي ونسب إلى جده والله أعلم)
(4) لم أعثر له على ترجمة فيما عندي من كتب الرجال
(5) شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي الكوفي، ذكره ابن قتيبة والذهبي في رجال الشيعة، وكان ممن روى النص على أمير المؤمنين علي عليه السلام كما في الميزان للذهبي. ومن تتبع سيرته علم أنه كان يوالي أهل البيت عليهم السلام وقد روى عن أوليائهم علما جما، قال ابنه عبد الرحمن: كان عند أبي عشرة آلاف مسألة عن جابر الجعفي، وعشرة آلاف غرائب وقال عبد الله بن المبارك: شريك أعلم بحديث الكوفيين من سفيان، وكان عدوا لأعداء علي عليه السلام، سئ القول فيهم، ومع
=>
أنا أقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي ومن جميع أصحاب النبي بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من الناس، هو ثان مع رسول الله في بيته مدفون، وهو ثاني اثنين معه في الغار، وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعده رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو ثاني اثنين الصديق من هذه الأمة. قال أبو جعفر مؤمن الطاق رحمة الله عليه: يا بن أبي حذرة وأنا أقرر معك أن عليا أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله بهذه الخصال التي وصفتها، وأنها مثلبة لصاحبك، وألزمك طاعة علي من ثلاث جهات، من القرآن وصفا، ومن خبر الرسول نصا، ومن حجة العقل اعتبارا، ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي وعلى أبي إسحاق السبيعي، وعلى سليمان بن مهران الأعمش.
فقال: أبو جعفر مؤمن الطاق: أخبرني يا بن أبي حذرة عن النبي صلى الله عليه وآله كيف ترك بيوته - التي أضافها الله إليه، ونهى الناس عن دخولها إلا بإذنه - ميراثا لأهله وولده، أو تركها صدقة على جميع المسلمين؟ قل ما شئت.
فانقطع ابن أبي حذرة لما أورد عليه ذلك، وعرف خطأ ما فيه.
____________
<=
ذلك وصفه الذهبي بالحافظ الصادق أحد الأئمة، ونقل عن ابن معين القول بأنه صدوق
ثقة، احتج به مسلم وأرباب السنن لأربعة. قال الذهبي: قد كان شريك من أوعية العلم
حمل عنه إسحاق الأزرق تسعة آلاف حديث.
ولد بخراسان أو ببخارى سنة 95 ومات بالكوفة مستهل (قع) سنة 177 أو 178
عن الكنى والألقاب للقمي ج 3 ص 205
(1) قال في تهذيب التهذيب ج 12 ص 258: أبو نعيم النخعي الصغير. اسمه
عبد الرحمن بن هاني الكوفي، سبط إبراهيم النخعي تقدم.
وقال في ج 6: عبد الرحمن بن هاني بن سعيد الكوفي أبو نعيم النخعي الصغير ابن
بنت إبراهيم النخعي روى عن مسعر والثوري وشريك وابن جريح وعمر بن ذره.. الخ.
إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما، وأن عليا هو بمنزلة هارون من موسى، وذريته كذرية هارون، ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته عليهم السلام.
فقالوا بأجمعهم: كذلك كان.
قال أبو جعفر: ذهب ربع دينك يا بن أبي حذرة، وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها، ومثلبة لصاحبك، وأما قولك: (ثاني اثنين إذ هما في الغار) أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين في غير الغار؟
قال ابن أبي حذرة: نعم.
قال أبو جعفر: فقد خرج صاحبك في الغار من السكينة، وخصه بالحزن ومكان علي في هذه الليلة على فراش النبي صلى الله عليه وآله، وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار.
فقال الناس: صدقت.
فقال أبو جعفر: يا بن أبي حذرة ذهب نصف دينك، وأما قولك ثاني اثنين