الصفحة 146
الصديق من الأمة، فقد أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب عليه السلام في قوله عز وجل: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) إلى آخر الآية والذي ادعيت إنما هو شئ سماه الناس ومن سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس، وقد قال علي عليه السلام على منبر البصرة: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن آمن أبو بكر وصدقت قبله.

قال الناس: صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق: يا بن أبي حذرة ذهب ثلاثة أرباع دينك.

وأما قولك في الصلاة بالناس، كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تتم له، وأنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة، فلو كان ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله لما عزله عن تلك الصلاة بعينها، أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها، ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين: أما أن تكون حيلة وقعت منه، فلما حس النبي صلى الله عليه وآله بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمته فيكونوا في ذلك معذورين. وأما أن تكون هو الذي أمره بذلك، وكان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك، فبعث عليا في طلبه وأخذها منه، وعزله عنها وعن تبليغها، فكذلك كانت قصة الصلاة، وفي الحالتين هو مذموم لأنه كشف عنه ما كان مستورا عليه، وفي ذلك دليل واضح أنه لا يصلح للاستخلاف بعده، ولا هو مأمون على شئ من أمر الدين.

فقال الناس: صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق: يا بن أبي حذرة ذهب دينك كله، وفضحت حيث مدحت.

فقال الناس لأبي جعفر: هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي عليه السلام، فقال أبو جعفر مؤمن الطاق:


الصفحة 147
أما من القرآن وصفا فقوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (1) فوجدنا عليا بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس - يعني في الحرب والشغب - أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (2) فوقع الاجماع من الأمة بأن عليا عليه السلام أولى بهذا الأمر من غيره، لأنه لم يفر من زحف قط، كما فر غيره في غير موضع.

فقال الناس: صدقت.

وأما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله نصا، فقال: (إني تارك فيكم الثقلين، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وقوله صلى الله عليه وآله: (إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق، ومن تقدمها مرق، ومن لزمها لحق) (3) فالمتمسك بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله هاد مهتد بشهادة من الرسول والمتمسك بغيرها ضال مضل.

قال الناس: صدقت يا أبا جعفر: وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم، ووجدنا الاجماع قد وقع على علي عليه السلام بأنه كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان الناس يسألونه ويحتاجون إليه، وكان علي

____________

(1) التوبة - 120

(2) البقرة - 177

(3) ذخائر العقبى ص 20: عن ابن عباس رضى الله عنهما قال. قال رسول الله:

(مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها غرق) أخرجه الملا في سيرته قال الحجة الأميني في ج 2 ص 301 من الغدير: وحديث السفينة رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 151 عن أبي ذر وصححه بلفظ: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا. ومن تخلف عنها غرق وأخرجه الخطيب في تاريخه ج 12 ص 91 عن أنس، والبزار عن ابن عباس، وابن الزبير، وابن جرير والطبراني عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري. وأبو نعيم وابن عبد البر، ومحب الدين الطبري. وكثيرون آخرون.

الصفحة 148
مستغنيا عنهم، هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله عز وجل: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (1) فما اتفق يوم أحسن منه، ودخل في هذا الأمر عالم كثير.

وقد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة. فمن ذلك:

ما روي أنه قال يوما من الأيام لمؤمن الطاق: إنكم تقولون بالرجعة.

قال: نعم.

قال أبو حنيفة: فاعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا.

قال الطاقي لأبي حنيفة: فاعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا ولا ترجع خنزيرا.

وقال له يوم آخر: لم لم يطالب علي بن أبي طالب بحقه بعد وفاة رسول الله إن كان له حق؟

فأجابه مؤمن الطاق: خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة. وفي رواية بسهم خالد بن الوليد (2).

____________

(1) يونس - 35

(2) سعد بن عبادة: رئيس الخزرج، وكان صاحب راية الأنصار يوم بدر وأمير المؤمنين عليه السلام صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله والمهاجرين.

ولما قبض النبي صلى الله عليه وآله اجتمعت الأنصار إليه وكان مريضا فجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة وأرادوا تأميره، ولما تم الأمر لأبي بكر امتنع عن مبايعته، فأرسل إليه أبو بكر ليبايع فقال: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي ما أطاعني، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني، ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي. فقال عمر: لا تدعه حتى يبايع فقال بشير بن سعد: إنه قد لج وليس بمبايع لكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عشيرته ولا يضركم تركه، إنما هو رجل واحد فتركوه، وقبلوا مشورة بشير بن سعد، واستنصحوه لما بدا لهم منه فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع معهم، ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر راجع ج 3 ص 210 من تاريخ الطبري

=>


الصفحة 149
وكان أبو حنيفة يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطاق في سكة من سكك الكوفة، إذا مناد ينادي من يدلني على صبي ضال؟

فقال مؤمن الطاق: أما الصبي الضال فلم نره، وإن أردت شيخا ضالا فخذ هذا! عني به: أبا حنيفة.

ولما مات الصادق عليه السلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له:

مات إمامك؟

قال: نعم. أما إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.

وروي: أنه مر فضال بن الحسن بن فضال الكوفي (1) بأبي حنيفة وهو في جمع كثير، يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه. فقال - لصاحب كان معه -:

والله لا أبرح حتى أخجل أبا حنيفة.

فقال صاحبه الذي كان معه: إن أبا حنيفة ممن قد علت حاله، وظهرت حجته.

____________

<=

وقال ابن أبي الحديد في ج 1 ص 540 من شرح النهج: وخرج إلى حوران فمات بها قيل: قتله الجن لأنه بال قائما في الصحراء ليلا، ورووا بيتين من شعر قيل: أنهما سمعا ليلة قتله ولم ير قائلهما:

نحن قتلنا سيد الخزرج * سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين * فلم تخطئ فؤاده

ويقول قوم: أن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلا وهو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الإمام وقد قال بعض المتأخرين في ذلك:

يقولون: سعد شكت الجن قلبه * ألا ربما صححت دينك بالغدر
وما ذنب سعد أنه بال قائما * ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر
وقد صبرت من لذة العيش أنفس * وما صبرت عن لذة النهي والأمر

(1) في رجال المامقاني ج 2 ص 373 حكى عن المولى الوحيد أنه قال: يظهر من معارضته مع أبي حنيفة كونه من فضلاء الشيعة واحتمل الحائري كونه أخا علي بن الحسن بن فضال.

الصفحة 150
قال: صه! هل رأيت حجة ضال علت علي حجة مؤمن؟! ثم دنا منه فسلم عليه، فرد ورد القوم السلام بأجمعهم. فقال:

يا أبا حنيفة أن أخا لي يقول: أن خير الناس بعد رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنا أقول أبو بكر خير الناس وبعده عمر. فما تقول أنت رحمك الله؟

فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: كفى بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله كرما وفخرا، أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره، فأي حجة تريد أوضح من هذا؟

فقال له فضال: إني قد قلت ذلك لأخي فقال: والله لئن كان الموضع لرسول الله صلى الله عليه وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما حق فيه، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلى الله عليه وآله لقد أساءا وما أحسنا، إذ رجعا في هبتهما، ونسيا عهدهما. فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له: لم يكن له ولا لهما خاصة، ولكنهما نظرا في حق عايشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.

فقال له فضال: قد قلت له ذلك فقال: أنت تعلم أن النبي مات عن تسع نساء، ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك، وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة بنته تمنع الميراث؟!

فقال أبو حنيفة: يا قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث.

حكي عن أبي الهذيل العلاف (1) قال:

____________

(1) أبو الهذيل العلاف محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول البصري، شيخ البصريين في الاعتزال ومن أكبر علمائهم، وصاحب المقالات في مذهبهم، كان معاصرا لأبي الحسن الميثمي المتكلم الإمامي حكي أنه سأل أبو الحسن الميثمي أبا الهذيل فقال:

ألست تعلم أن إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالشر كله؟

قال: بلى.

قال: فيجوز أن يأمر بالشر كله وهو لا يعرفه، وينهى عن الخير كله وهو لا يعرفه؟

قال: لا.

=>


الصفحة 151
دخلت الرقة فذكر لي أن بدير زكن رجلا مجنونا حسن الكلام، فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالس على وسادة يسرح رأسه ولحيته، فسلمت عليه فرد السلام وقال: ممن يكون الرجل؟

قال: قلت: من أهل العراق.

قال: نعم. أهل الظرف والأدب.

قال: من أيها أنت؟ قلت: من أهل البصرة.

قال: أهل التجارب والعلم.

قال: فمن أيهم أنت؟

قلت: أبو الهذيل العلاف.

قال: المتكلم؟

قلت: بلى.

فوثب عن وسادته وأجلسني عليها ثم قال - بعد كلام جرى بيننا -:

ما تقولون في الإمامة؟

قلت: أي الإمامة تريد؟

قال: من تقدمون بعد النبي صلى الله عليه وآله؟

قلت: من قدم رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: ومن هو؟

____________

<=

فقال له أبو الحسن: قد ثبت أن إبليس يعلم الشر كله والخير كله قال أبو الهذيل: أجل.

قال: فأخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد رسول الله (ص) هل يعلم الخير كله والشر كله؟ قال. لا.

قال له: فإبليس أعلم من إمامك إذا فانقطع أبو الهذيل.

توفي أبو الهذيل بسر من رأى سنة 277.

الكنى والألقاب ج 1 ص 170

الصفحة 152
قلت: أبا بكر.

قال لي: يا أبا الهذيل ولم قدمتم أبا بكر؟

قال: قلت: لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: (قدموا خيركم وولوا أفضلكم) وتراضى الناس به جميعا.

قال: يا أبا الهذيل هاهنا وقعت.

أما قولك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (قدموا خيركم وولوا أفضلكم) فإني أوجدك (1). أن أبا بكر صعد المنبر قال: (وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم) فإن كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وآله، وإن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر رسول الله لا يصعده الكاذبون.

وأما قولك: أن الناس تراضوا به، فإن أكثر الأنصار قالوا منا أمير ومنكم أمير، وأما المهاجرون فإن الزبير بن العوام قال: لا أبايع إلا عليا، فأمر به فكسر سيفه، وجاء أبو سفيان بن حرب وقال: يا أبا الحسن لو شئت لأملأنها خيلا ورجالا يعني: (المدينة) وخرج سلمان فقال بالفارسي: (كرديد ونكرديد، وندانيد كه جه كرديد) (2) والمقداد وأبو ذر، فهؤلاء المهاجرون والأنصار.

أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر وقوله: أن لي شيطانا يعتريني، فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني، لا أقع في أشعاركم وأبشاركم (3)

____________

(1) في ج 2 من العقد الفريد ص 347 قال: وخطب أيضا - يعني: أبا بكر - حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني. الخ.

(2) أي: فعلتم وما فعلتم ولا تعلمون الذي فعلتم.

(3) روى الطبري في ج 3 ص 210 من تاريخه مرفوعا عن عاصم بن عدي قال: نادى منادي أبي بكر.. إلى أن قال: وقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: (يا أيها الناس إنما أنا مثلكم، وأني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله (ص) يطيق، إن الله اصطفى محمدا على العالمين، وعصمه من الآفات، وإنما أنا

=>


الصفحة 153
فهو يخبركم على المنبر أني مجنون، وكيف يحل لكم أن تولوا مجنونا؟!

وأخبرني يا أبا الهذيل عن قيام عمر وقوله: وددت أني شعرة في صدر أبي بكر، ثم قام بعدها بجمعة فقال: (أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه) (1) فبينما هو يود أن يكون شعرة في صدره، وبينما هو يأمر بقتل من بايع مثله.

فأخبرني يا أبا الهذيل عن الذي زعم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف، وأن أبا بكر استخلف عمر، وأن عمر لم يستخلف، فأرى أمركم بينكم متناقضا.

وأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيرها شورى بين ستة، وزعم: أنهم من أهل الجنة فقال: (إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين، وإن خالف ثلاثة لثلاثة، فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف) فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنة؟!!!

وأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لما طعن دخل عليه عبد الله بن عباس قال:

فرأيته جزعا فقلت:

يا أمير المؤمنين ما هذا الجزع؟

قال: يا بن عباس ما جزعي لأجلي ولكن جزعي لهذا الأمر من يليه بعدي.

قال: قلت: ولها طلحة بن عبيد الله.

قال: رجل له حدة، كان النبي صلى الله عليه وآله يعرفه فلا أولي أمر المسلمين حديدا.

____________

<=

متبع ولست مبتدع، فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة، ضربة سوط فما دونها، ألا وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم... الخ)

(1) ذكر الطبري في تاريخه ج 3 ص 200 أن عمر قال - وهو على المنبر -:

أريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها، من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها إلى أن قال: فلا يغرن امرء أن يقول: أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها... الخ

الصفحة 154
قال: قلت: ولها زبير بن العوام.

قال: رجل بخيل، رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل، فلا أولي أمور المسلمين بخيلا.

قال: قلت: ولها سعد بن أبي وقاص.

قال: رجل صاحب فرس وقوس، وليس من أحلاس الخلافة (1) قال: قلت: ولها عبد الرحمن بن عوف.

قال: رجل ليس يحسن أن يكفي عياله.

قال: قلت: ولها عبد الله بن عمر.

فاستوى جالسا ثم قال: يا بن عباس! ما الله أردت بهذا أولي رجلا لم يحسن أن يطلق امرأته؟!

قال: قلت: ولها عثمان بن عفان.

قال: والله لئن وليته ليحملن بني أبي معيط على رقاب المسلمين، ويوشك أن يقتلوه. قالها ثلاثا.

قال: ثم سكت لما أعرف من مغائرته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال: يا بن عباس أذكر صاحبك.

قال: قلت: فولها عليا.

قال: فوالله ما جزعي إلا لما أخذنا الحق من أربابه، والله لئن وليته ليحملنهم على المحجة العظمى، وإن يطيعوه يدخلهم الجنة، فهو يقول هذا ثم صيرها شورى بين الستة فويل له من ربه!!!

قال أبو الهذيل: فوالله بينما هو يكلمني إذ اختلط، وذهب عقله. فأخبرت المأمون بقصته، وكان من قصته أن ذهب بماله وضياعه حيلة وغدرا، فبعث إليه المأمون، فجاء به وعالجه وكان قد ذهب عقله بما صنع به، فرد عليه ماله وضياعه

____________

(1) الأحلاس: جمع حلس يقال: فلان حلس بيته: أي ملازم له تشبيها له بحلس البعير وهو: كساء رقيق يكون تحت البرذعة والمراد ليس من أهلها

الصفحة 155
وصيره نديما، فكان المأمون يتشيع لذلك، والحمد لله على كل حال.

وقد جاءت الآثار عن الأئمة الأبرار عليهم السلام: بفضل من نصب نفسه من علماء شيعتهم لمنع أهل البدعة والضلال عن التسلط على ضعفاء الشيعة ومساكينهم، وقمعهم بحسب تمكنهم وطاقتهم، فمن ذلك ما روي: عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، أنه قال:

قال جعفر بن محمد عليه السلام: علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة، لأنه يدفع عن أديان محبينا، وذلك يدفع عن أبدانهم.

احتجاج أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام في أشياء شتى على المخالفين.

الحسن بن عبد الرحمن الحماني (1) قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أن هشام بن الحكم زعم: أن الله تعالى جسم ليس كمثله شئ، عالم، سميع، بصير قادر، متكلم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد، ليس شئ منها مخلوقا.

فقال: قاتله الله. أما علم أن الجسم محدود؟! والكلام غير المتكلم؟ معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول. لا جسم، ولا صورة، ولا تحديد، وكل شئ سواه مخلوق، وإنما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس، ولا نطق بلسان.

____________

(1) ذكره الأردبيلي في جامع الرواة ج 1 ص 206 فقال: محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمان الحماني عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام في الكافي باب النهي عن الجسم والصورة.

الصفحة 156
وعن يعقوب بن جعفر (1) عن أبي إبراهيم عليه السلام أنه قال: لا أقول أنه قائم فأزيله عن مكان، ولا أحده بمكان يكون فيه، ولا أحده أن يتحرك في شئ من الأركان والجوارح، ولا أحده بلفظ شق فم، ولكن كما قال عز وجل:

(إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (2) بمشيته من غير تردد في نفس صمدا فردا لم يحتج إلى شريك يدبر له ملكه، ولا يفتح له أبواب علمه.

وعن يعقوب بن جعفر الجعفري أيضا، عن أبي إبراهيم موسى عليه السلام قال:

ذكر عنده قوم زعموا: أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال:

أن الله لا ينزل، ولا يحتاج أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء لم يبعد منه بعيد، ولا يقرب منه قريب، ولم يحتج إلى شئ بل يحتاج إليه كل شئ، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم!

أما قول الواصفين: أنه ينزل تبارك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك يحتاج إلى من يحركه ويتحرك به (3) فمن ظن بالله الظنون فقد هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة، أو تحريك أو تحرك، زوال أو استنزال، أو نهوض أو قعود، فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين، ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

____________

(1) ذكره الأردبيلي في جامع الرواة ج 2 ص 346 ونقل عن الكافي والتهذيب عدة روايات عنه عن الصادق والكاظم عليهم السلام وورد اسمه فيها مرة يعقوب بن جعفر، وأخرى يعقوب بن جعفر الجعفري وثالثة يعقوب بن جعفر بن إبراهيم الجعفري

(2) راجع موضوع نفي الحركة عنه تعالى في هامش الجزء الأول من هذا الكتاب ص 300.

(3) لا بد لكل حركة من أن تستلزم أربعة أمور: المحرك، والمتحرك، وما منه الحركة، وما إليه الحركة. وقد مر في الجزء الأول من هذا الكتاب ص 300 و 31 تفصيل الحديث في نفي الحركة عنه تعالى والاستدلال على بطلان نسبتها إليه وتنزهه عنها فراجع.


الصفحة 157
وعن الحسن بن راشد (1) قال: سئل أبو الحسن موسى عليه السلام عن معنى قول الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) (2) فقال: استولى على ما دق وجل.

وعن يعقوب بن جعفر الجعفري قال: سأل رجل يقال له عبد الغفار المسمى أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى: (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) (3) قال: أرى هاهنا خروجا من حجب، وتدليا إلى الأرض، وأرى محمدا رأى ربه بقلبه، ونسب إلى بصره، فكيف هذا؟

فقال أبو إبراهيم: دنى فتدلى، فإنه لم يزل عن موضع ولم يتدل ببدن.

فقال عبد الغفار: أصفه بما وصف به نفسه حيث قال: (دنى فتدلى) فلم يتدل عن مجلسه إلا وقد زال عنه، ولولا ذلك لم يصف بذلك نفسه.

فقال أبو إبراهيم عليه السلام: أن هذه لغة في قريش، إذا أراد رجل منهم أن يقول: قد سمعت يقول: قد تدليت، وإنما التدلي: الفهم.

وعن داود بن قبيصة (4) قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: سئل أبي عليه السلام هل منع الله عما أمر به، وهل نهى عما أراد، وهل أعان على ما لم يرد؟

فقال عليه السلام: أما ما سألت: (هل منع الله عما أمر به؟) فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم، ولو منع إبليس لعذره ولم يلعنه.

____________

(1) عده الشيخ في رجاله ص 67. من أصحاب الصادق عليه السلام فقال:

الحسن بن راشد مولى بني العباس كوفي، وفي أصحاب الكاظم (ع) ص 346 ذكره أيضا باسم الحسين بن راشد وقال: بغدادي

(2) طه - 5

(3) النجم - 9

(4) ذكره العلامة في القسم الثاني من خلاصته ص 221 باسم: (دارم) فقال:

بالراء بعد الألف ابن (قبيصة) بفتح القاف وكسر الباء المنقطة تحتها نقطة وبعدها ياء ساكنة وصاد مهملة ابن نهشل أبو الحسن السائح يروي عن الرضا عليه السلام.

قال ابن الغضايري لا يؤنس بحديثه ولا يوثق به.

الصفحة 158
وأما ما سألت: (هل نهى عما أراد؟) فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها لما نادى عليه صبيان الكتاتيب: (وعصى آدم ربه فغوى) والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشئ ويريد غيره.

وأما ما سألت عنه من قولك: (هل أعان على ما لم يرد؟) ولا يجوز ذلك وجل الله تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكذيبهم، وقتل الحسين بن علي عليه السلام والفضلاء من ولده، وكيف يعين على ما لم يرد وقد أعد جهنم لمخالفيه، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته، وارتكابهم لمخالفته؟! ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادعائه أنه رب العالمين، أفترى أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية. يستتاب قائل هذا القول، فإن تاب من كذبه على الله وإلا ضربت عنقه.

وروي عن الحسن بن علي بن محمد العسكري عليه السلام: أن أبا الحسن موسى ابن جعفر عليه السلام قال:

أن الله خلق الخلق فعلم ما هم إليه صايرون فأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بأذنه، وما جبر الله أحدا من خلقه على معصيته، بل اختبرهم بالبلوى وكما قال: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) (1).

قوله: ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه، أي: بتخليته وعلمه.

وروي: أنه دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له:

يا أبا حنيفة إن هاهنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد فاذهب بنا إليه نقتبس منه علما، فلما أتيا إذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه، فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث فقام الناس هيبة له، فالتفت أبو حنيفة فقال:

يا ابن مسلم من هذا؟

____________

(1) هود - 7

الصفحة 159
قال: موسى ابنه.

قال: والله أخجله بين يدي شيعته قال له: لن تقدر على ذلك.

قال: والله لأفعلنه، ثم التفت إلى موسى فقال:

يا غلام أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟

قال: يتوارى خلف الجدار، ويتوقى أعين الجار، وشطوط الأنهار، ومسقط الثمار، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، فحينئذ يضع حيث شاء.

ثم قال: يا غلام ممن المعصية؟

قال: يا شيخ لا تخلو من ثلاث:

أما أن تكون من الله وليس من العبد شئ، فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله.

وأما أن تكون من العبد ومن الله، والله أقوى الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.

وأما أن تكون من العبد وليس من الله شئ، فإن شاء عفى وإن شاء عاقب.

قال: فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنما ألقم فوه الحجر.

قال: فقلت له: ألم أقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله. وفي ذلك يقول الشاعر:

لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها * إحدى ثلاث معان حين نأتيها
إما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط اللوم عنا حين ننشيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها * ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها

روي عن علي بن يقطين (1) أنه قال: أمر أبو جعفر الدوانيقي يقطين أن

____________

(1) قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 91 علي بن يقطين بن موسى البغدادي، سكن بغداد وهو كوفي الأصل روى عن أبي عبد الله عليه السلام حديثا واحدا، وروى عن أبي الحسن موسى عليه السلام فأكثر، وكان ثقة جليل القدر -

الصفحة 160
يحفر له بئرا بقصر العبادي، فلم يزل يقطين في حفرها حتى مات أبو جعفر ولم يستنبط منها الماء، وأخبر المهدي بذلك فقال له: احفر أبدا حتى يستنبط الماء ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال.

قال: فوجه يقطين أخاه أبا موسى في حفرها، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض فخرجت منه الريح (قال): فهالهم ذلك، فأخبروا به أبا موسى.

فقال: انزلوني (قال): فأنزل وكان رأس البئر أربعين ذراعا في أربعين ذراع، فأجلس في شق محمل ودلي في البئر، فلما صار في قعرها نظر إلى هول، وسمع دوي الريح في أسفل ذلك، فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم، ثم دلي فيه رجلا في شق محمل فقال: ايتوني بخبر هذا ما هو؟ ] - له منزلة عظيمة عند أبي الحسن عليه السلام عظيم المكان في هذه الطائفة روي أنه عليه السلام ضمن له الجنة وأن لا تمسه النار أبدا. وكان وزيرا لهارون فاستأذن الإمام عليه السلام بترك العمل معه فلم يأذن له، وقال له: عسى أن يجبر الله بك كسرا، ويكسر بك نائرة المخالفين من أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان إلى إخوانكم. وروي أنه لما قدم أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام العراق، قال علي بن يقطين: أما ترى حالي وما أنا فيه؟ فقال عليه السلام يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي وروي أنه قال أبو الحسن عليه السلام لعلي ابن يقطين: إضمن لي خصلة أضمن لك ثلاثا فقال علي: جعلت فداك وما الخصلة التي اضمنها لك؟ وما الثلاث اللواتي تضمنهن لي؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: الثلاث اللواتي أضمنهن لك أن لا يصيبك حر الحديد أبدا، بقتل، ولا فاقة، ولا سجن حبس فقال علي: فما الخصلة التي اضمنها لك؟ فقال يا علي وأما الخصلة التي تضمن لي أن لا يأتيك ولي أبدا إلا أكرمته فضمن له علي الخصلة وضمن له أبو الحسن الثلاث وروي أنه عليه السلام قال: إني استوهبت علي بن يقطين من ربي عز وجل البارحة فوهبه لي أن علي بن يقطين بذل ماله ومودته فكان لذلك منا مستوجبا.

راجع رجال الكشي ص 367 والجزء الثاني من سفينة البحار ص 252.

الصفحة 161
قال: فنزلا في شق محمل فمكثا مليا ثم حركا الحبل فأصعدا، فقال لهما:

ما رأيتما؟

قالا: أمرا عظيما. رجالا، ونساءا، وبيوتا، وآنية، ومتاعا، كله ممسوخ من حجارة فأما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم، فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشا شبه الهباء، ومنازل قائمة، قال: فكتب بذلك أبو موسى إلى المهدي، فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى بن جعفر، يسأله: أن يقدم عليه فقدم عليه، فأخبره فبكى بكاءا شديدا، وقال: يا أمير المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد، غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم، هؤلاء أصحاب الأحقاف.

قال: فقال له المهدي: يا أبا الحسن وما الأحقاف؟ قال: الرمل.

وحدث. أبو أحمد هاني بن محمد العبدي (1) قال: حدثني أبو محمد رفعه إلى موسى بن جعفر عليه السلام قال: لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال: يا موسى بن جعفر خليفتان يجئ إليهما الخراج؟

فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، فتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، أما علم ذلك عندك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله؟

فقال: قد أذنت لك.

فقلت: أخبرني أي عن آبائه عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (أن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت) فناولني يدك جعلني الله فداك.

قال: ادن مني! فدنوت منه، فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا، ثم تركني وقال: (اجلس يا موسى! فليس عليك بأس، فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه، فرجعت إلى نفسي. فقال: صدقت وصدق جدك صلى الله عليه وآله، لقد

____________

(1) في رجال المامقاني ج 3 ص 290 نقل الوحيد رواية الصدوق عنه مترضيا عليه وهو دليل على وثاقته.

الصفحة 162
تحرك دمي واضطربت عروقي. حتى غلبت علي الرقة، وفاضت عيناي. وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحدا، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني أنك لم تكذب قط فاصدقني فيما أسألك ما في قلبي.

فقلت: ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت أمنتني.

قال: لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معاشر بني فاطمة، قلت ليسأل أمير المؤمنين عما يشاء.

قال: اخبرني لم فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة، وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، أنا بنو عباس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عما رسول الله صلى الله عليه وآله وقرابتهما منه سواء؟

فقلت: نحن أقرب.

قال: وكيف ذاك؟

قلت: لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأم، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ولا من أم أبي طالب.

قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلى الله عليه وآله، والعم يحجب ابن العم، وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وقد توفي أبو طالب قبله والعباس عمه حي؟ فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفني عن هذه المسألة، ويسألني عن كل باب سواه يريده.

فقال: لا. أو تجيب.

فقلت: فآمني.

قال: آمنتك قبل الكلام.

فقلت: إن في قول علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثى لأحد سهم، إلا الأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعلم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنة إلا أن تيما وعديا وبني أمية قالوا: (العم والد) رأيا منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن