الصفحة 317

السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى.

السلام عليك أيها الإمام المأمون.

السلام عليك أيها المقدم المأمول.

السلام عليك بجوامع السلام.

أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله لا حبيب إلا هو وأهله، وأشهد أن أمير المؤمنين حجته، والحسن حجته، والحسين حجته، وعلي بن الحسين حجته، ومحمد بن علي حجته، وجعفر ابن محمد حجته، وموسى بن جعفر حجته، وعلي بن موسى حجته، ومحمد بن علي حجته، وعلي بن محمد حجته، والحسن بن علي حجته، وأشهد أنك حجة الله.

أنتم الأول والآخر، وأن رجعتكم حق لا شك فيها يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، وأن الموت حق، وأن ناكرا ونكيرا حق، وأشهد أن النشر والبعث حق، وأن الصراط والمرصاد حق، والميزان والحساب حق، والجنة والنار حق، والوعد والوعيد بهما حق.

يا مولاي شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم.

فاشهد على ما أشهدتك عليه، وأنا ولي لك برئ من عدوك، فالحق ما رضيتموه، والباطل ما سخطتموه، والمعروف ما أمرتم به. والمنكر ما نهيم عنه، فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له، وبرسوله، وبأمير المؤمنين، وبأئمة المؤمنين وبكم يا مولاي. أولكم وآخركم، ونصرتي معدة لكم، فمودتي خالصة لكم آمين آمين.

الدعاء عقيب هذا القول:

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك، وكلمة نورك، وأن تملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الإيمان، وفكري نور الثبات، وعزمي نور العلم، وقوتي نور العمل، ولساني نور الصدق، وديني نور البصائر من عندك، وبصري نور الضياء

الصفحة 318
وسمعي نور وعي الحكمة، ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله عليهم السلام، حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك، فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد.

اللهم صل على حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك، والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك، والثائر بأمرك، ولي المؤمنين، وبوار الكافرين، ومجلي الظلمة ومنير الحق، والساطع بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة في أرضك، المرتقب الخائف والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمص وارتدى، ومجلي العمى، الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا إنك على كل شئ قدير.

اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقهم وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا.

اللهم انصر وانتصر به أولياءك وأولياءه، وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم:

اللهم أعذه من كل باغ وطاغ، ومن شر جميع خلقك. واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، واحرسه، وامنعه، من أن يوصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل وأيده بالنصر، وانصر ناصريه واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفرة، واقتل به الكفار والمنافقين، وجميع الملحدين، حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، برها وبحرها، واملأ به الأرض عدلا، وأظهر به دين نبيك، واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه، وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمد ما يأملون، وفي عدوهم ما يحذرون إله الحق آمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين.

ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة - حرسها الله ورعاها - في أيام بقيت من صفر، سنة عشر وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، (1) ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته:

____________

(1) قال الشيخ أبو جعفر الطوسي في رجاله ص 514: (محمد بن محمد بن النعمان جليل ثقة. وقال في الفهرست ص 186: محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكنى:

=>


الصفحة 319

____________

<=

(أبا عبد الله) المعروف بابن المعلم من جملة متكلمي الإمامية، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدما في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيها متقدما فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار، وفهرست كتبه معروف، ولد سنة (338) ه، وتوفي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة (413) ه، وكان يوم وفاته يوما لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق. ثم قال: سمعنا منه هذه الكتب كلها، بعضها قراءة عليه، وبعضها يقرأ عليه غير مرة وهو يسمع.).

وقال النجاشي ص 311 من رجاله: (شيخنا واستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة له كتب - ثم عدله (174) كتابا ورسالة ثم قال -: مات رحمه الله ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان سنة (413) وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة (336) وصلى عليه الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بميدان الأشنان وضاق على الناس مع كبره ودفن في داره سنين، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد أبي جعفر عليه السلام. وقيل: مولده سنة (338).

وقال العلامة الحلي - رحمه الله - في القسم الأول من الخلاصة ص 147: (محمد ابن محمد بن النعمان يكنى (أبا عبد الله) يلقب (بالمفيد) وله حكاية في سبب تسميته (بالمفيد) ذكرناها في كتابنا الكبير، ويعرف بابن المعلم، من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رياسة الإمامية إليه في وقته، وكان حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار،.. إلى أن قال: ثم نقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام عند الرجلين إلى جانب قبر شيخه الصدوق أبي القاسم جعفر بن محمد ابن قولويه).

وقال الشيخ عباس القمي - رحمه الله - في الجزء الثالث من الكنى والألقاب ص 164: (أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي شيخ

=>


الصفحة 320

____________

<=

المشايخ الجلة، ورئيس رؤساء الملة، فخر الشيعة، ومحيي الشريعة، ملهم الحق ودليله، ومنار الدين وسبيله، اجتمعت فيه خلال الفضل، وانتهيت إليه رياسة الكل واتفق الجميع على علمه وفضله، وفقهه وعدالته، وثقته وجلالته.

كان رحمه الله كثير المحاسن، جم المناقب، حديد الخاطر، حاضر الجواب، واسع الرواية، خبير بالأخبار والرجال والأشعار.

وكان أوثق أهل زمانه بالحديث، وأعرفهم بالفقه والكلام، وكل من تأخر عنه استفاد منه.

وقال علماء العامة في حقه: - هو شيخ مشايخ الإمامية رئيس الكلام والفقه والجدل وكان يناظر أهل كل عقيدة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس، وكان شيخا، ربعة، نحيفا، أسمر عاش ستا وسبعين سنة وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهورة شيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأراح الله منه أهل السنة، وكان كثير التقشف والتخشع، والإكباب على العلم، وكان يقال له على كل إمامي منة، وقال الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان تزوج بنت المفيد رحمه الله -: ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو. وقال ابن النديم: في عهدنا انتهت رياسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا.

توفي رحمه الله ليلة الثالث من شهر رمضان ببغداد سنة (413) وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة (336) وصلى عليه الشريف المرتضى بميدان الأشنان ثم نقل كلام الشيخ الطوسي المتقدم ثم قال: ورثاه مهيار الديلمي بقصيدة منها قوله:

ما بعد يومك سلوة لمعلل * مني ولا ظفرت بسمع معذل
سوى المصاب بك القلوب على الجوى * قيد الجليد على حشأ المتململ
وتشابه الباكون فيك فلم يبن * دمع المحق لنا من المتعمل

وتقدم في ابن قولويه أن قبره في البقعة الكاظمية (ع) وذكر جماعة من العلماء منهم الميرزا محمد مهدي الشهرستاني في إجازته للسيد ميرزا محمد مهدي ابن ميرزا محمد تقي

=>


الصفحة 321

____________

<=

الطباطبائي التبريزي المتوفى سنة (241) أن الشيخ المفيد - ره - رثاه صاحب الأمر (عج) حيث وجد مكتوبا على قبره:

لا صوت الناعي بفقدك أنه * يوم على آل الرسول عظيم
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى * فالعدل والتوحيد فيك مقيم
والقائم المهدي يفرح كلما * تليت عليك من الدروس علوم

أقول وقصيدة الديلمي هذه التي ذكر منها الشيخ عباس القمي - رحمه الله - ثلاثة أبيات تبلغ (101) بيتا وهي موجودة في ديوانه المطبوع وفيها يقول:

يا مرسلا إن كنت مبلغ ميت * تحت الصفائح قول حي مرسل
فج الثرى الراوي فقل لمحمد * عن ذي فؤاد بالفجيعة مشعل
من للخصوم اللد بعدك غصة * في الصدر لا تهوى ولا هي تعتلي
من للجدال إذا الشفاه تقلصت * وإذا اللسان بريقه لم يبلل
من بعد فقدك رب كل غريبة * بكر بك افترعت وقولة فيصل
ولغامض خاف رفعت قوامه * وفتحت منه في الجواب المقفل
من للطروس يصوغ في صفحاتها * حليا يقعقع كلما خرس الحلي
يبقين الذكر المخلد رحمة * لك في فم الراوي وعين المجتلي
أين الفؤاد الندب غير مضعف * أين اللسان الصعب غير مفلل
تفرى به وتحز كل ضريبة * ما كل حزة مفصل للمنصل
كم قد ضممت لدين آل محمد * من شارد وهديت قلب مضلل
وعقلت من ود عليهم ناشط * لو لم ترضه ملاطفا لم يعقل
لا تطبيك ملالة عن قوله * تروى عن المفضول حق الأفضل
فليجزينك عنهم ما لم يزل * يبلو القلوب ليجتبي وليبتلي
ولتنظرن إلى علي رافعا * ضبعيك يوم البعث ينظر من عل

ورثاه الشريف المرتضى - رحمه الله - بقصيدة موجودة في ديوانه المطبوع يقول فيها:

إن شيخ الإسلام والدين والعلم * تولى فأزعج الإسلاما -


الصفحة 322
للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق -: أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك، أعزهم الله بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته، فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.

نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي

____________

<=

والذي كان غرة في دجى الأيام * أودى فأوحش الأياما
كم جلوت الشكوك تعرض في نص * وصي وكم نصرت إماما
وخصوم لد ملأتهم بالحق * في حومة الخصام خصاما
عاينوا منك مصمما ثغرة النحر * وما أرسلت يداك سهاما
وشجاعا يفري المرائر ما كل * شجاع يفري الطلا وإلهاما
من إذا مال جانب من بناء الدين * كانت له يداه دعاما
وإذا ازور جائر عن هداه * قاده نحوه فكان زماما
من لفضل أخرجت منه خبيثا * ومعان فضضت عنها ختاما
من لسوء ميزت عنه جميلا * وحلال خلصت منه حراما
من ينير العقول من بعد ما كن * همودا وينتج الافهاما
من بعير الصديق رأيا إذا ما * سله في الخطوب كان حساما
فامض صفرا من العيوب فكم بان * رجال آثروا عيوبا وذا ما

إلى أن يقول:

لن تراني وأنت في عدد الاموات * إلا - تجملا - بساما


الصفحة 323
أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شئ من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

أنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء (1) أو اصطلمكم الأعداء (2) فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم (3) من فتنة قد أنافت عليكم (4) يهلك فيها من حم أجله (5) ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا (6) ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون.

اعتصموا بالتقية! من شب نار الجاهلية، يحششها (7) عصب أموية، يهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن، وسلك في الطعن منها السبل المرضية، إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه.

ستظهر لكم من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق.

فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من بمحبتنا، ويتجنب ما يدنيه من

____________

(1) اللأواء: الشدة وضيق المعيشة

(2) اصطلمه: استأصله.

(3) إنتاشه من الهلكة: أنقذه.

(4) أناف على الشئ طال وارتفع عليه.

(5) حم أجله: قرب.

(6) الأزوف: الاقتراب.

(7) حش النار: أوقدها وهيجها.

الصفحة 324
كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة.

والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته.

نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام:

هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي، والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به! ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا! وأد ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة، سنة اثني عشر وأربعمائة. نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام الله عليك أيها الناصر للحق، الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، إلهنا وإله آبائنا الأولين، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى أهل بيته الطاهرين.

وبعد: فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه، وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ، من بهماء صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان، ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ منا بما يتجدد لنا من حال، فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفقك لذلك برحمته، فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين، يبتهج لذمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالجرم المعظم من رجس منافق مذمم، مستحل للدم المحرم، يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي

الصفحة 325
الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه، وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب.

ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين، أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه، كان آمنا من الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المظلة ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته، ولو أن أشياعا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم وكتب في غرة شوال من سنة اثني عشر وأربعمائة.

نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها:

هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي، بإملائنا وخط ثقتنا، فاخفه عن كل أحد، واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله.

الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

احتجاج الشيخ المفيد السديد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه.

حدث الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الرقي (1) بالرملة في شوال من سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ره) أنه قال:

____________

(1) لم أعثر له على ترجمة.

الصفحة 326
رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير، فقلت:

ما هذا؟

قالوا: هذه حلقة فيها رجل يقص.

فقلت: من هو؟

قالوا: عمر بن الخطاب.

ففرقت الناس ودخلت الحلقة، فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشئ لم أحصله فقطعت عليه الكلام، وقلت:

أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق ابن أبي قحافة من قول الله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار)؟ (1).

فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:

الأول: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وذكر أبا بكر فجعله ثانيه، فقال:

(ثاني اثنين إذ هما في الغار).

والثاني: أنه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد، لتأليفه بينهما فقال: (إذ هما في الغار).

والثالث: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة، فقال: (إذ يقول لصاحبه).

والرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال: (لا تحزن).

والخامس: أنه أخبر أن الله معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما فقال: (إن الله معنا).

والسادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تفارقه السكينة قط، فقال: (فأنزل الله سكينته عليه).

____________

(1) التوبة - 41.

الصفحة 327
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.

فقلت له: حبرت بكلامك في الإحتجاج لصاحبك عنه، وأني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.

أما قولك: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه، فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل؟! ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا، أو مؤمنا وكافرا، اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.

وأما قولك: أنه وصفهما بالاجتماع في المكان، فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار، وأيضا: فإن مسجد النبي صلى الله عليه وآله أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قوله عز وجل: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين) (1) وأيضا: فإن سفينة نوح قد جمعت النبي، والشيطان، والبهيمة، والكلب، والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.

وأما قولك: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الأولين:

لأن اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) (2) وأيضا: فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم، فقال الله عز وجل: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (3) أنهم سموا الحمار صاحبا فقالوا:

إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب

وأيضا: قد سموا الجماد مع الحي صاحبا، قالوا ذلك في السيف شعرا:

زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان

____________

(1) المعارج - 37.

(2) الكهف - 35.

(3) إبراهيم - 4.

الصفحة 328
يعني: السيف. فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل والبهيمة، وبين الحيوان والجماد، فأي حجة لصاحبك فيه؟!

وأما قولك: أنه قال: (لا تحزن) فإنه وبال عليه ومنقصة له، ودليل على خطئه، لأن قوله: (لا تحزن) نهي وصورة النهي قول القائل: (لا تفعل) لا يخلوا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان (طاعة) فإن النبي صلى الله عليه وآله لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان (معصية) فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه.

وأما قولك: أنه قال: (إن الله معنا) فإن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله: (إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (1) وقيل أيضا في هذا: إن أبا بكر قال: (يا رسول الله حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه) فقال له النبي صلى الله عليه وآله:

(لا تحزن إن الله معنا) أي: معي ومع أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.

وأما قولك: أن السكينة نزلت على أبي بكر، فإنه ترك للظاهر: لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله:

(فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود، لم تروها) (2) فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا إخراج للنبي صلى الله عليه وآله من النبوة على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيرا، لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي صلى الله عليه وآله في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها، فقال - في أحد الموضعين -: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) (3) وقال في الموضع الآخر: (أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) (4) ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة قال: (فأنزل الله سكينته عليه) فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما

____________

(1) الحجر - 9.

(2) التوبة - 41.

(3) الفتح - 26.

(4) التوبة 27.