الصفحة 199

فقال غلام من آل الزبير: دعنا منك يا ابن عباس! فوالله لا تحبوننا يا بني هاشم ولا نحبكم أبدا. فلطمه عبد الله بن الزبير بيده وقال: أتتكلم وأنا حاضر؟

فقال ابن عباس: لم ضربت الغلام؟ والله أحق بالضرب منه من مزق ومرق!

قال: ومن هو؟ قال: أنت.

قال: واعترض بينهما رجال من قريش، فأسكتوهما (1).

(116)
ابن عباس وابن الزبير

عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس دخل على ابن الزبير، فقال له ابن الزبير: إلام [ علام خ ل ] تؤنبني وتعنفني؟ قال ابن عباس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره " وأنت ذلك الرجل: فقال ابن الزبير: " والله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة (2).

(117)
ابن عباس ورجل

قيل لعبد الله بن عباس: ما منع عليا أن يبعثك مع عمرو يوم التحكيم؟

فقال: منعه حاجز القدر ومحنة الابتلاء وقصر المدة، أما والله لو كنت لقعدت على مدارج أنفاسه ناقضا ما أبرم ومبرما ما نقض أطير إذا أسف وأسف إذا طار، ولكن قد سبق قدر وبقي أسف! ومع اليوم غد، والآخرة خير لأمير المؤمنين (3).

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 20 ص 134 ويأتي عن المحاسن.

(2) ابن أبي الحديد: ج 20 ص 148.

(3) ابن أبي الحديد: ج 2 ص 247.

الصفحة 200

(118)
ابن عباس و عبد الرحمن بن خالد

ذكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري في أماليه، قال: قال عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد: حضرت الحكومة، فلما كان يوم الفصل جاء عبد الله بن عباس فقعد إلى جانب أبي موسى وقد نشر أذنيه حتى كاد أن ينطق بهما!

فعلمت أن الأمر لا يتم لنا ما دام هناك وأنه سيفسد على عمرو حيلته، فأعملت المكيدة في أمره فجئت حتى قعدت عنده وقد شرع عمرو وأبو موسى في الكلام، فكلمت ابن عباس كلمة استطعمته جوابها، فلم يجب، فكلمته أخرى، فلم يجب، فكلمته ثالثة، فقال: إني لفي شغل عن حوارك الآن، فجبهته وقلت:

يا بني هاشم، لا تتركون بأوكم وكبركم أبدا، أما والله لولا مكان النبوة لكان لي ولك شأن. قال: فحمى وغضب واضطرب فكره ورأيه، وأسمعني كلاما يسوء سماعه، فأعرضته وقمت فقعدت إلى جانب عمرو بن العاص، فقلت: قد كفيتك التقوالة، إني قد شغلت باله بما دار بيني وبينه فاحكم أنت أمرك.

قال: فذهل والله ابن عباس عن الكلام الدائر بين الرجلين حتى قام أبو موسى فخلع عليا (1)!

(119)
ابن عباس ويزيد

لما خرج الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة كتب يزيد إلى ابن عباس:

أما بعد، فإن ابن عمك حسينا وعدو الله ابن الزبير التويا ببيعتي ولحقا

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 2 ص 261.

الصفحة 201
بمكة مرصدين للفتنة معرضين أنفسهما للهلكة. فأما ابن الزبير، فإنه صريع الفناء وقتيل السيف غدا. وأما الحسين، فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه.

وقد بلغني أن رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ويمنونه الخلافة ويمنيهم الإمارة، وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتايج الأرحام، وقد قطع ذلك الحسين وبته، وأنت زعيم أهل بيتك وسيد أهل بلادك، فألقه واردده عن السعي في الفرقة ورد هذه الأمة عن الفتنة، فإن قبل منك وأناب إليك فله عندي الأمان والكرامة الواسعة وأجري عليه ما كان أبي يجزيه على أخيه، وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أراك الله، انفذ ضمانك وأقوم له بذلك، وله علي الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كل الأمور عليه. عجل بجواب كتابي وبكل حاجة لك إلي وقبلي، والسلام.

قال هشام بن محمد: وكتب يزيد في أسفل الكتاب:

يا أيها الراكب الغادي لمطيته * على عذافرة في سيرها قحم
أبلغ قريشا على نأي المزار بها * بيني وبين الحسين الله والرحم
وموقف بفناء البيت أنشده * عهد الإله غدا يوفى به الذمم
هنيتم قومكم فخرا بأمكم * أم لعمري حسان عفة كرم
هي التي لا يداني فضلها أحد * بنت الرسول وخير الناس قد علموا
إني لأعلم أو ظنا لعالمه * والظن يصدق أحيانا فينتظم
أن سوف يترككم ما تدعون به * قتلي تهاداكم العقبان والرخم
يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت * وأمسكوا بحبال السلم واعتصموا
قد غرت الحرب من قد كان قبلكم * من القرون وقد بادت بها الأمم
فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا * فرب ذي بذخ زلت به القدم


الصفحة 202
فكتب إليه ابن عباس:

أما بعد، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة.

فأما ابن الزبير: فرجل منقطع عنا برأيه وهواه، يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرها في صدره يوري علينا وري الزناد، لا فك الله أسيرها فارا في أمره ما أنت راء.

وأما الحسين: فإنه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه سألته عن مقدمه، فأخبرني أن عمالك بالمدينة أساؤا إليه وعجلوا إليه بالكلام الفاحش، فأقبل إلى حرم الله مستجيرا به، وسألقاه فيما أشرت إليه، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ويطفئ به النائرة ويخمد به الفتنة ويحقن به دماء الأمة، فاتق الله في السر والعلانية، ولا تبيتن ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة، ولا ترصده بمظلمة، ولا تحفر له مهواة، فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه! وكم من مؤمل أملا لم يؤت أمله! وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنة، وعليك بالصيام والقيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها، فإن كل ما اشتغلت به عن الله يضر ويفنى، وكل ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى (1).

(120)
قيس بن سعد ومعاوية

لما قرب قوم صفين خاف معاوية على نفسه أن يأتي علي بأهل العراق وقيس بأهل مصر فيقع بينهما، ففكر في استدراج قيس واختداعه، فكتب إلى قيس:

من معاوية ابن أبي سفيان إلى قيس بن سعد، سلام عليك، أما بعد،

____________

(1) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 237 وأنساب الأشراف: ج 4 القسم الثاني ص 18 - 19.

الصفحة 203
فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رض في إثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو في شتيمة رجل أو في تسييره آخر أو في استعماله الفتى، فإنكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أن دمه لم يكن يحل لكم، فقد ركبتم عظيما من الأمر وجئتم شيئا إدا، فتب إلى الله يا قيس بن سعد! فإنك كنت من المجلبين على عثمان بن عفان رض إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا. فأما صاحبك: فإنا استيقنا أنه الذي أغرى به الناس وحملهم على قتله فقتلوه، وأنه لم يسلم من دمه عظم قومك. فإن استطعت يا قيس أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل تابعنا على أمرنا، ولك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت، ولمن أجبت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني من غير هذا مما تحب، فإنك لا تسألني شيئا إلا أوتيته. واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك، والسلام.

فلما جاءه كتاب معاوية أحب أن يدافعه ولا يبدي له أمره ولا يتعجل له حربه، فكتب إليه:

أما بعد، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان رض، وذلك أمر لم أقارفه ولم أطف به. وذكرت أن صاحبي هو أغرى الناس بعثمان ودسهم إليه حتى قتلوه، وهذا أمر لم أطلع عليه. وذكرت لي أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان، فأول الناس كان فيه قياما عشيرتي [ فلعمري إن أولى الناس كان في أمره عشيرتي، خ ل ] وأما ما سألتني من متابعتك وعرضت علي من الجزاء به، فقد فهمته، وهذا أمر لي فيه نظر وفكرة، وليس هذا مما يسرع إليه، وأنا كاف عنك، ولن يأتيك من قبلي شئ تكرهه حتى ترى ونرى إن شاء الله، والمستجار الله عز وجل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

قال: فلما قرأ معاوية كتابه لم يره إلا مقاربا مباعدا ولم يأمن أن يكون له في ذلك مباعدا مكائدا، فكتب إليه معاوية أيضا:


الصفحة 204
أما بعد، فقد قرأت كتابك، فلم أرك تدنو فأعدك سلما، ولم أرك تباعد فأعدك حربا، أنت فيما هاهنا كحنك [ كحبل خ ل ] الجزور، وليس مثلي يصانع المخادع ولا ينتزع المكائد ومعه عدد الرجال وبيده أعنة الخيل، والسلام عليك.

فلما قرأ قيس بن سعد كتاب معاوية ورأى أنه لا يقبل معه المدافعة والمماطلة أظهر له ذات نفسه، فكتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من قيس بن سعد إلى معاوية ابن أبي سفيان:

أما بعد، فإن العجب من اغترارك بي وطمعك في واستسقاطك رأيي، أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالإمرة، وأقولهم للحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتك، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم للزور، وأضلهم سبيلا، وأبعدهم من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسيلة؟! ولد ضالين مضلين [ ولديك قوم ضالين مضلون خ ل ] طاغوت من طواغيت إبليس!.

وأما قولك: إني مالئ عليك مصر [ إنك تملأ علي مصر خ ل ] خيلا ورجلا، فوالله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك إنك لذو جد، والسلام.

فلما بلغ معاوية كتاب قيس أيس منه وثقل عليه مكانه (1).

(121)
قيس بن سعد ومعاوية

فلما أيس معاوية منه كتب إليه:

____________

(1) تاريخ الطبري: ج 4 ص 550 - 551 والغدير: ج 2 ص 98 - 99 عنه وعن الكامل لابن الأثير:

ج 3 ص 107. وابن أبي الحديد: ج 2 ص 23 الطبعة القديمة المصرية وفي الجديدة ج 6 ص 60 - 61.

والغدير: ج 10 ص 158. وأنساب الأشراف: ج 1 ص 390. والبحار: ج 8 ط الكمباني ص 593.

الصفحة 205
أما بعد، فإنك يهودي ابن يهودي! إن ظفر أحب الفريقين إليك عزلك واستبدل بك، وإن ظفر أبغضهما إليك قتلك ونكل بك. وكان أبوك وتر قوسه ورمى غير غرضه، فأكثر الحز وأخطأ المفصل، فخذله قومه وأدركه يومه، ثم مات طريدا بحوران، والسلام.

فكتب إليه قيس رحمه الله:

أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن! دخلت في الإسلام كرها وخرجت منه طوعا، لم يقدم إيمانك ولم يحدث نفاقك. وقد كان أبي وترقوسه ورمى غرضه، وشغب عليه من لم يبلغ كعبه ولم يشق غباره، ونحن أنصار الدين الذي خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه، والسلام (1).

صورة أخرى منه على نقل ابن أبي الحديد ومقاتل الطالبيين:

أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن! دخلت في الإسلام كرها وأقمت فيه فرقا وخرجت منه طوعا، ولم يجعل الله لك فيه نصيبا، لم يقدم إسلامك ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حربا لله ولرسوله وحزبا من أحزاب المشركين وعدوا لله ولنبيه وللمؤمنين من عباده. وذكرت أبي، فلعمري ما أوتر إلا قوسه ولا رمى إلا

____________

(1) مروج الذهب: ج 3 ص 25. والجاحظ في البيان والتبيين: ج 2 ص 69. وعيون الأخبار لابن قتيبة: ج 2 ص 212. ومقاتل الطالبيين: ص 66. والبحار: 44 ص 52. والكامل للمبرد: ج 1 ص 308.

وأنساب الأشراف: ج 1 ص 391. والبحار: ج 8 ط الكمباني ص 594، والعقد الفريد: ج 4 ص 338.

واليعقوبي: ج 2 ص 163، وفي نسخة ص 176. والغدير: ج 10 ص 157 وج 2 ص 100 عن الكامل لابن الأثير: ج 1 ص 309. وعيون الأخبار لابن قتيبة ج 2 ص 213. ومناقب الخوارزمي: ص 173، وفي نسخة عندي ص 181. وابن أبي الحديد ج 4 ص 15 وفي الجديدة ج 16 ص 43. وظاهره أنه كتب معاوية إلى قيس وأجابه قيس في حرب الحسن عليه السلام مع معاوية لعنه الله وكان قيس على مقدمة عسكر الإمام عليه السلام وظاهر كلام العقد الفريد أنه كان في حرب صفين. وظاهر الطبري أنه كان مدة حكومة قيس في مصر، كما مر.

الصفحة 206
غرضه، فشغب عليه من لا يشق غباره ولا يبلغ كعبه. وزعمت أني يهودي ابن يهودي، وقد علمت وعلم الناس أني وأبي أعداء الدين الذي خرجت منه وأنصار الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه، والسلام.

صورة أخرى عن الجاحظ في التاج، كما في الغدير ج 2:

كتب قيس إلى معاوية: يا وثن ابن وثن! تكتب إلي تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك! وتخوفني بتفرق أصحابه عنه وإقبال الناس عليك وإجفالهم إليك، فوالله الذي لا إله غيره! لو لم يبق له غيري ولم يبق لي غيره ما سالمتك أبدا وأنت حربه، ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوه، ولا اخترت عدو الله على وليه ولا حزب الشيطان على حزب الله، والسلام.

(122)
قيس ومعاوية

أخرج الحافظ عبد الرزاق عن ابن عيينة، قال: قدم قيس بن سعد على معاوية، فقال له معاوية: وأنت يا قيس تلجم علي مع من الجم؟ أما والله لقد كنت أحب أن لا تأتيني هذا اليوم إلا وقد ظفر بك ظفر من أظافري موجع.

فقال له قيس: وأنا والله قد كنت كارها أن أقوم في هذا المقام فأحييك بهذه التحية.

فقال له معاوية: ولم وهل أنت حبر من أحبار اليهود؟.

فقال له قيس: وأنت يا معاوية كنت صنما من أصنام الجاهلية، دخلت في الإسلام كارها، وخرجت منه طائعا!

فقال معاوية: اللهم غفرا، مد يدك.

فقال له قيس: إن شئت زدت وزدت (1).

____________

(1) الغدير: ج 2 ص 105.

الصفحة 207

(123)
قيس ومعاوية

في مقاتل الطالبيين: وكتب معاوية يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس:

" لا والله لا تلقاني أبدا إلا بيني وبينك الرمح " (1).

(124)
عبد الله بن جعفر وعمرو بن العاص

روى المدائني، قال: بينا معاوية يوما جالسا عنده عمرو بن العاص، إذ قال الآذن: قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. فقال عمرو: والله لأسوأنه اليوم! فقال معاوية: لا تفعل يا أبا عبد الله، فإنك لا تنصف منه، ولعلك أن تظهر لنا من منقبته ما هو خفي عنا وما لا نحب أن نعلمه منه.

وغشيهم عبد الله بن جعفر، فأدناه معاوية وقربه.

فمال عمرو إلى بعض جلساء معاوية فنال من علي عليه السلام جهارا غير ساتر له وثلبه ثلبا قبيحا.

فالتمع لون عبد الله بن جعفر واعتراه أفكل حتى أرعدت خصائله، ثم نزل عن السرير كالفنيق. فقال عمرو: مه يا أبا جعفر! فقال له عبد الله: مه لا أم لك! ثم قال:

أظن الحلم دل علي قومي * وقد يتجهل الرجل الحليم

ثم حسر عن ذراعيه وقال: يا معاوية، حتام نتجرع غيضك؟ وإلى كم الصبر على مكروه قولك وسيئ أدبك وذميم أخلاقك؟ هبلتك الهبول! أما يزجرك ذمام المجالسة عن القذع لجليسك؟ إذا لم تكن لك حرمة من دينك

____________

(1) مقاتل الطالبيين: ص 65 راجع ابن أبي الحديد: ج 16 ص البحار: ج 44 ص 52.

الصفحة 208
تنهاك عما لا يجوز لك، أما والله، لو عطفتك أواصر الأرحام أو حاميت على سهمك من الإسلام ما أرعيت بني الإماء المتك والعبيد الصك أعراض قومك.

وما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجفوة. وإنك لتعرف وشائظ قريش وصبوة غرائزها، فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطئك في سفك دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين إلى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه، فاقصد لمنهج الحق، فقد طال عمهك عن سبيل الرشد وخبطك في بحور ظلمة الغي.

فإن أبيت إلا تتابعنا في قبح اختيارك لنفسك فاعفنا في سوء القالة فينا إذا ضمنا وإياك الندى، وشأنك وما تريد إذا خلوت. والله حسيبك، فوالله لولا ما جعل الله لنا في يديك لما أتيناك.

ثم قال: إنك إن كلفتني ما لم أطق ساءك ما سرك مني من خلق.

فقال معاوية: يا أبا جعفر، أقسمت عليك لتجلسن، لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره. محمول لك ما قلت، ولك عندنا ما أملت، فلو لم يكن محمدك ومنصبك لكان خلقك وخلقك شافعين لك إلينا، وأنت ابن ذي الجناحين وسيد بني هاشم.

فقال عبد الله: كلا، بل سيد بني هاشم حسن وحسين، لا ينازعهما في ذلك أحد.

فقال: أبا جعفر، أقسمت عليك لما ذكرت حاجة لك إلا قضيتها كائنة ما كانت ولو ذهبت بجميع ما أملك. فقال: أما في هذا المجلس فلا ثم انصرف.

فأتبعه معاوية بصره وقال: والله! لكأنه رسول الله صلى الله عليه وآله مشيه وخلقه وخلقه، وإنه لمن مشكاته، ولوددت أنه أخي بنفيس ما أملك.


الصفحة 209
ثم التفت إلى عمرو، فقال: أبا عبد الله، ما تراه منعه من الكلام معك؟.

قال: ما لا خفاء به عنك. قال: أظنك تقول: إنه هاب جوابك، لا والله!

ولكنه استحقرك وازدراك ولم يرك للكلام أهلا، أما رأيت إقباله علي دونك ذاهبا بنفسه عنك؟.

فقال عمرو: فهل لك أن تسمع ما أعددته لجوابه؟ قال معاوية أذهب إليك أبا عبد الله، فلات حين جواب سائر اليوم.

ونهض معاوية وتفرق الناس (1).

(125)
عبد الله بن جعفر ويحيى بن الحكم

قدم عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان، فقال له يحيى بن الحكم:

ما فعلت خبيثة؟ فقال: سبحان الله! يسميها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة وأنت تسميها خبيثة! لقد اختلفتما في الدنيا وستختلفان في الآخرة.

قال يحيى: لأن أموت بالشام أحب إلي من أن أموت بها. قال: اخترت جوار النصارى على جوار رسول الله صلى الله عليه وآله، قال يحيى: ما تقول في علي وعثمان؟ قال: أقول ما قاله من هو خير مني فيمن هو شر منهما " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " (2).

(126)
عبد الله بن جعفر مع يزيد

روى صاحب كتاب الواقدي: أن عبد الله بن جعفر فاخر يزيد بن معاوية

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 6 ص 295 - 297. والبحار: ج 42 ص 164 - 165.

(2) العقد الفريد: ج 4 ص 21. وأنساب الأشراف: ج 1 ص 46 ط بيروت.

الصفحة 210
بين يدي معاوية، فقال له: بأي آبائك تفاخرني؟ أبحرب الذي أجرناه؟ أم بأمية الذي ملكناه؟ أم بعبد شمس الذي كفلناه؟.

فقال معاوية: لحرب بن أمية يقال هذا! ما كنت أحسب أن أحدا في عصر حرب يزعم أنه أشرف من حرب!

فقال عبد الله: بلى أشرف منه من كفأ إناءه وجلله برداءه.

فقال معاوية ليزيد: رويدا يا بني! إن عبد الله يفخر عليك بك لأنك منه وهو منك. فاستحيا عبد الله وقال: يا أمير المؤمنين، يدان انتشطتا وأخوان اصطرعا.

فلما قام عبد الله، قال معاوية ليزيد: يا بني، إياك ومنازعة بني هاشم، فإنهم لا يجهلون ما علموا ولا يجد مبغضهم لهم سبا (1).

(127)
عبد الله بن جعفر و عبد الملك

قال عبد الملك بن مروان لعبد الله بن جعفر: يا [ أ ] با جعفر، بلغني أنك تسمع الغناء على المعازف والعيدان وأنت شيخ! قال: أجل يا أمير المؤمنين، وإنك لتفعل أقبح من ذلك! قال: وما هو؟ قال: يأتيك أعرابي أهلب العجان منتن الريح فيقذف عندك المحصنة ويقول البهتان ويطيع الشيطان، فتعطيه على ذلك المائة من الإبل وأكثر! وأنا أشتري الجارية بمالي حلالا ثم أتخير لها جيد الشعر فترجعه بأحسن النغم، فما بأس بذلك؟ (2).

(128)
عبد الله بن جعفر ومعاوية

وفد عبد الله بن جعفر على معاوية، فأعطاه صلته لوفادته، خمسمائة ألف

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 15 ص 229. (2) أنساب الأشراف: ج 1 ص 55.

الصفحة 211
درهم، وقضى حوائجه.

ثم إن عبد الله وقف بين يديه، فقال: يا أمير المؤمنين، اقض ديني. قال: أولم تقبض وفادتك وتقض حوائجك [ ظ ] الخاص والعام يا بن جعفر؟! قال: بلى.

قال: فليس كل قريش أسعه بمثل ما أعطيك، وقد أجحفت النوائب ببيت المال. قال: إن العطية يا معاوية محبة والمنع بغضة، ولأن تعطيني وأحبك أحب إلي من أن تحرمني فأبغضك، ثم قال:

عودت قومك عادة فاصبر لها [ و ] اغفر لجاهلها ورد سجا لها فقال معاوية:

اعلم يا بن جعفر، إن ما من قريش أحد [ أحب ] أن يكون ولدته هند غيرك، ولكني إذا ذكرت ما بينك وبين علي و [ ما ] بين علي وبيني اشمأز قلبي، فكم دينك؟ قال: ثلاثون ألف دينار.

فقال: كيف أبخل بما لا يغيب عن بيت مالي إلا أشهرا يسيرة حتى يعود إليه، اقضها يا سعد (1).

(129)
ابن عباس وعائشة

روى الطبري أيضا: قال: قال ابن عباس رحمه الله: لما حججت بالناس نيابة عن عثمان وهو محصور مررت بعائشة بصلصل، فقالت: يا ابن عباس.

أنشدك الله، فإنك قد أعطيت لسانا وعقلا أن تخذل الناس عن طلحة، فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان وأنهجت ورفعت لهم المنار وتحلبوا من البلدان لأمر قد حم، وإن طلحة - فيما بلغني - قد اتخذ رجالا على بيوت الأموال وأخذ مفاتيح الخزائن، وأظنه يسير - إن شاء الله - بسيرة ابن عمه أبي بكر.

فقال: يا أمه، لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا.

____________

(1) أنساب الأشراف: ج 1 ص 54.

الصفحة 212
فقالت: إيها عنك يا ابن عباس! إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك (1).

(130)
ابن عباس ورجل من حمص

روى البيهقي في المحاسن عن سعيد بن جبير، قال: كان عبد الله بن عباس بمكة يحدث على شفير زمزم ونحن عنده. فلما قضى حديثه قام إليه رجل، فقال: يا ابن عباس، إني امرؤ من أهل الشام من أهل حمص، إنهم يتبرأون من علي بن أبي طالب رضوان الله ويلعنونه! فقال: بل لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا، البعد قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه لم يكن أول ذكران العالمين إيمانا بالله ورسوله، وأول من صلى وركع وعمل بأعمال البر؟!

قال الشامي: إنهم والله ما ينكرون قرابته وسابقته، غير أنهم يزعمون أنه قتل الناس.

فقال ابن عباس: ثكلتهم أمهاتهم! إن عليا أعرف بالله عز وجل وبرسوله وبحكمهما منهم، فلم يقتل إلا من استحق القتل.

قال: يا بن عباس، إن قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم، ولا يسعك أن تردني بغير حاجتي، فإن القوم هالكون في أمره، ففرج عنهم فرج الله عنك.

فقال ابن عباس: يا أخا أهل الشام، إنما مثل علي في هذه الأمة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى عليه السلام لما انتهى إلى ساحل البحر، فقال له: " هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا " قال العالم:

" إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " قال موسى:

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 10 ص 6.

الصفحة 213
" ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا " قال له العالم: " فإن اتبعتني

فلا تسئلني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا * فانطلقا حتى إذا ركبا في

السفينة خرقها " وكان خرقها لله عز وجل رضا ولأهلها صلاحا، وكان عند موسى عليه السلام سخطا وفسادا، فلم يصبر موسى عليه السلام وترك ما ضمن له فقال له: " أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا " قال له العالم: " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا " قال موسى: " لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " فكف عنه العالم " فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله " وكان قتله لله عز وجل رضا ولأبويه صلاحا، وكان عند موسى عليه السلام ذنبا عظيما، قال موسى ولم يصبر: " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " قال العالم: " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا * قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه " وكانت إقامته لله عز وجل رضا وللعالمين صلاحا " فقال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك ".

وكان العالم أعلم بما يأتي موسى عليه السلام وكبر على موسى الحق وعظم، إذ لم يكن يعرف هذا وهو نبي مرسل من أولي العزم ممن قد أخذ الله عز وجل ميثاقه على النبوة، فكيف أنت يا أخا أهل الشام وأصحابك؟ إن عليا رضي الله عنه لم يقتل إلا من كان يستحل قتله.

وإني أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم سلمة بنت أبي أمية، إذ أقبل علي عليه السلام يريد الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم فنقر نقرا خفيا، فعرف رسول الله صلى الله عليه وآله نقره، فقال: " يا أم سلمة، قومي فافتحي الباب " فقالت: يا رسول الله من هذا الذي يبلغ خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي؟ فقال: يا أم سلمة، إن طاعتي طاعة الله عز وجل،

الصفحة 214
قال: " من يطع الرسول فقد أطاع الله " قومي يا أم سلمة، إن بالباب رجلا ليس بالحزق ولا النزق ولا بالعجل في أمره، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يا أم سلمة، إنه إن تفتحي الباب له فلن يدخل حتى يخفى عليه الوطأ، فلم يدخل حتى غابت عنه وخفي عليه الوطأ، فلما لم يحس لها حركة دفع الباب ودخل فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: يا أم سلمة، هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم هذا علي بن أبي طالب.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم هذا علي سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. يا أم سلمة، هذا علي سيد مبجل، مؤمل المسلمين وأمير المؤمنين، وموضع سري وعلمي، وبابي الذي آوي إليه، وهو الوصي على أهل بيتي وعلى الأخيار من أمتي وهو أخي في الدنيا والآخرة وهو معي في السناء الأعلى. اشهدي يا أم سلمة، إن عليا يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

قال ابن عباس: وقتلهم لله رضا وللأمة صلاح ولأهل الضلالة سخط.

قال الشامي: يا بن عباس، من الناكثون؟ قال: الذين بايعوا عليا بالمدينة ثم نكثوا فقاتلهم بالبصرة، أصحاب الجمل. والقاسطون معاوية وأصحابه.

والمارقون أهل النهروان ومن معهم.

فقال الشامي يا بن عباس، ملأت صدري نورا وحكمة، وفرجت عني فرج الله عنك. أشهد أن عليا رضي الله عنه مولاي ومولى كل مؤمن (1).

(131)
عبد الله بن عباس وابن الزبير

أبو المنذر، عن أبيه، عن الشعبي، عن ابن عباس، أنه دخل المسجد وقد

____________

(1) المحاسن: ج 1 ص 65 - 68. ويأتي بلفظ آخر، فانتظر.

الصفحة 215
سار الحسين بن علي رضي الله عنه إلى العراق، فإذا هو بابن الزبير في جماعة من قريش قد استعلاهم بالكلام فجاء ابن عباس حتى ضرب بيده بين عضدي ابن الزبير، وقال: أصبحت والله كما قال الأول:

يا لك من حمرة بمعمر! خلا لك الجو فبيضي واصفري!

ونقري ما شئت إن تنقري قد رفع الفخ فماذا تحذري؟

خلت الحجاز من الحسين بن علي وأقبلت تهدر في جوانبها.

فغضب ابن الزبير وقال: والله إنك لترى أنك أحق بهذا الأمر من غيرك.

فقال ابن عباس: إنما يرى ذلك من كان في حال شك وأنا من ذلك على يقين.

فقال: وبأي شئ عندك أنك أحق بهذا الأمر مني؟ قال ابن عباس: لأنا أحق ممن يدل بحقه، وبأي شئ تحقق عندك أنك أحق بها من سائر العرب إلا بنا؟ فقال ابن الزبير: تحقق عندي أني أحق بها منك لشرفي عليكم قديما وحديثا.

فقال: أنت أشرف أم من قد شرفت به؟ فقال: إن من شرفت به زادني شرف إلى شرف قد كان لي قديما وحديثا.

قال: أفمني الزيادة أم منك؟ قال: بل منك. فتبسم ابن عباس فقال:

يا ابن عباس، دعني من لسانك هذا الذي تقلبه كيف شئت، والله لا تحبوننا يا بني هاشم أبدا. قال ابن عباس: صدقت، نحن أهل بيت مع الله عز وجل لا نحب من أبغضه الله تعالى.

قال: يا ابن عباس، ما ينبغي لك أن تصفح عن كلمة واحدة؟ قال: إنما أصفح عمن أقر، وأما عمن هر فلا، والفضل لأهل الفضل. قال ابن الزبير:

فأين الفضل؟ قال: عندنا أهل البيت لا تصرفه عن أهله فتظلم ولا تضعه عند غير أهله فتندم.


الصفحة 216
قال ابن الزبير: أفلست من أهله؟ قال: بلى إن نبذت الحسد ولزمت جدد.

وانقضى حديثهما، وقال القوم فتفرقوا (1).

(132)
ابن عباس ومعاوية

روي عن ابن عباس أنه قال: قدمت على معاوية، وقد قعد على سريره وجمع أصحابه ووفود العرب عنده. فدخلت فسلمت وقعدت.

فقال: من الناس يا ابن عباس؟ فقلت: نحن. قال: إذا غبتم؟ فقلت: فلا أحد.

قال: [ فكأنك ] ترى أني قعدت هذا المقعد بكم! قلت: نعم، فبمن قعدت؟ قال: من كان مثل حرب بن أمية؟ قلت: من أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه أ قال: فغضب وقال: وار شخصك مني شهرا فقد أمرت لك بصلتك وأضعفها لك.

فلما خرج ابن عباس قال لخاصته: ألا تسألوني ما الذي أغضب معاوية؟

[ قالوا: بلى فقل: بفضلك، قال ]: إن أباه حربا لم يلتق أحد من رؤساء قريش في عقبة ولا مضيق مع قوم إلا لم يتقدمه أحد حتى يجوزه، فالتقى حرب ابن أمية مع رجل من بني تميم في عقبة فتقدمه التميمي، فقال: حرب: أنا حرب ابن أمية، فلم يلتفت إليه وجازه، فقال: موعدك مكة، فبقي التميمي دهرا ثم أراد دخول مكة، فقال: من يجيرني من حرب ابن أمية؟ فقالوا: عبد المطلب، قال: عبد المطلب أجل قدرا من أن يجير على حرب. فأتى ليلا دار الزبير بن عبد المطلب، فدق عليه، فقال الزبير للغيداق: قد جاءنا رجل إما طالب حاجة

____________

(1) المحاسن للبيهقي: ج 1 ص 139 - 140. ومر عن أبي الحديد.

الصفحة 217
وإما طالب قرى وإما مستجير، وقد أعطيناه ما أراد. قال: فخرج إليه الزبير، فقال:

لا قيت حربا في الثنية مقبلا * والصبح أبلج ضوءه للساري
فدعا بصوت واكتنى ليروعني * ودعا بدعوته يريد فخاري
فتركته كالكلب ينبح وحده * وأتيت أهل معالم وفخار
ليثا هزبرا يستجار بقربه * رحب المباءة مكرما للجار
ولقد حلفت بزمزم وبمكة * والبيت ذي الأحجار والأستار
إن الزبير لما نعي من خوفه * ما كبر الحجاج في الأمصار

فقال: تقدم فإنا لا نتقدم من نجيره. فتقدم التميمي فدخل المسجد، فرآه حرب فقام إليه فلطمه. فحمل عليه الزبير بالسيف، فعدا حتى دخل دار عبد المطلب، فقال: أجرني من الزبير. فأكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس، فبقي هناك ساعة. ثم قال له: أخرج، فقال: كيف أخرج وتسعة من ولدك قد احتبوا بسيوفهم على الباب؟ فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف ابن ذي يزن له طرتان خضراوان، فخرج عليهم، فعلموا أنه قد أجاره، فتفرقوا عنه (1).

(133)
عبد الله بن جعفر وعمرو

حضر مجلس معاوية عبد الله بن عباس وابن العاص، فأقبل عبد الله بن جعفر، فلما نظر إليه ابن العاص قال: قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمني والطربات بالتغني، محب للقيان، كثير مزاحه شديد طماحه، صدوف عن السنان، ظاهر الطيش لين العيش، أخاذ بالسلف منفاق بالسرف.

____________

(1) المحاسن والمساوي للبيهقي: ج 1 ص 142.