الصفحة 237
غضب جلسائه، قال: يا أبا يزيد! فما تقول في؟ قال: دعني من هذا. قال:

لتقولن. قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن حمامة يا أبا يزيد؟ قال: قد أخبرتك، ثم قام فمضى.

فأرسل معاوية إلى النسابة، فدعاه فقال: من حمامة؟ قال ولي الأمان؟

قال: نعم. قال: حمامة جدتك - أم أبي سفيان - كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية! فقال معاوية لجلسائه: قد ساويتكم وزدت عليكم، فلا تغضبوا (1).

(159)
عقيل ومعاوية

دخل عقيل بن أبي طالب على معاوية والناس عنده وهم سكوت، فقال:

تكلمن [ أيها ] الناس! فإنما معاوية رجل منكم فقال معاوية: يا أبا يزيد!

أخبرني عن الحسن بن علي؟ فقال: أصبح قريش وجها وأكرمهم حسبا. قال:

فأبن الزبير؟ قال: لسان قريش وسنانها إن لم يفسد نفسه. قال: فابن عمر؟

قال: ترك الدنيا مقبلة وخلاكم وإياها وأقبل على الآخرة، وهو بعد ابن الفاروق. قال فمروان؟ قال: أوه؟ ذلك رجل لو أدرك أوائل قريش فأخذوا برأيه صلحت دنياهم. قال: ابن عباس؟ قال أخذ من العلم ما شاء.

وسكت معاوية. فقال عقيل: يا معاوية أخبر عنك فإني بك عالم؟ قال:

أقسمت عليك يا [ أ ] با يزيد لما سكت (2)

(160)
عقيل ومعاوية

دخل عقيل على معاوية، فقال له: يا أبا يزيد! أي جداتكم في الجاهلية شر؟

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 2 ص 124 - 125. وفي الغارات: ج 1 ص 64 و 65. والبحار: ج 42 ص 113 عن ابن أبي الحديد وص 112 قريبا عن أمالي الشيخ - رحمه الله - وج 8 ط الكمباني ص 522 عن الغارات.

(2) أنساب الأشراف: ج 1 ص 71 - 72.

الصفحة 238
قال: حمامة! فوجم معاوية.

قال هشام: وحمامة جدة أبي سفيان وهي من ذوات الرايات في الجاهلية (1).

(161)
عقيل ومعاوية

دخل عقيل على معاوية وقد كف بصره فلم يسمع كلاما. فقال: يا معاوية أما في مجلسك أحد؟ قال: بلى. قال فما لهم لا يتكلمون؟ فتكلم الضحاك بن قيس. فقال [ عقيل ]: من هذا؟ فقال له: [ معاوية: هذا ] الضحاك بن قيس قال [ عقيل: كان ] أبوه [ من ] خاصي القردة، ما كان بمكة أخصى لكلب وقرد من أبيه (2).

(162)
عقيل ومعاوية

قال معاوية لعقيل بن أبي طالب - وكان جيد الجواب حاضره - أنا خير لك من أخيك. فقال عقيل: إن أخي آثر دينه على دنياه وأنت آثرت دنياك على دينك، فأخي خير لنفسه منك، وأنت خير لي.

وقال له يوما: إن فيكم لشبقا يا بني هاشم! فقال: هو منا في الرجال ومنكم في النساء.

وقال له يوما وقد دخل عليه: هذا عقيل عمه أبو لهب: فقال عقيل: هذا معاوية عمته حمالة الحطب، وعمه معاوية أم جميل بنت حرب بن أمية، وكانت امرأة أبي لهب.

____________

(1) أنساب الأشراف: ج 1 ص 72.

(2) أنساب الأشراف: ج 1 ص 75.

الصفحة 239
وقال له يوما: يا أبا يزيد أين ترى عمك أبا لهب؟ فقال له عقيل: إذا دخلت النار فانظر عن يسارك تجده مفترشا عمتك، فانظر أيهما أسوء حالا!

الناكح أم المنكوح؟.

وقال له ليلة الهرير بصفين: يا أبا يزيد أنت معنا الليلة. قال: ويوم بدر كنت معكم (1).

(163)
عقيل ومعاوية

ذكر أبو عمرو بن العلاء المازني النحوي - المتوفى سنة 154 - قال: قال:

معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل: لأضحكنك من عقيل.

فلما سلم قال له معاوية: مرحبا بمن عمه أبو لهب! فقال له عقيل: مرحبا بمن عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد! وهي عمة معاوية وهي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب. قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنك بأبي لهب؟ قال يا معاوية! إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب، أفناكح في النار خير أم منكوح؟ قال: كلاهما سواء شر والله! (2).

(164)
عقيل ومعاوية

الشيخ - رحمه الله - بإسناده عن الصمد عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: قلت: يا أبا عبد الله حدثنا حديث عقيل. قال: نعم، جاء عقيل إليكم بالكوفة وكان علي عليه السلام جالسا في صحن المسجد وعليه قميص سنبلاني،

____________

(1) أمالي السيد - قدس سره -: ج 1 ص 276. ونقله في الغارات ج 2 ص 553. ونقل المجلسي قسما منه في السيرة ج 1 ص 304 ونقل شطرا منه في المحاضرات: ج 2 ص 240.

(2) الغارات: ج 2 ص 553. والبحار: ج 42 ص 115 قريبا منه.

الصفحة 240
قال: فسأله. فقال: أكتب لك إلى ينبع. قال: ليس غير هذا؟ قال: لا. فبينما هو كذلك إذ أقبل الحسن عليه السلام فقال: اشتر لعمك ثوبين، فاشترى له.

قال: يا ابن أخي! ما هذا؟ قال: هذه كسوة أمير المؤمنين.

ثم أقبل حتى انتهى إلى علي عليه السلام فجلس فجعل يضرب يده على الثوبين وجعل يقول: ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد! قال: يا حسن اخد عمك.

قال: والله ما أملك درهما ولا دينارا. قال: فاكسه بعض ثيابك.

قال عقيل: يا أمير المؤمنين! أئذن لي إلى معاوية: قال: في حل محلل، فانطلق نحوه.

وبلغ ذلك معاوية، فقال: اركبوا أفره دوابكم وألبسوا من أحسن ثيابكم، فإن عقيلا قد أقبل نحوكم.

وأبرز معاوية سريره، فلما انتهى إليه عقيل قال معاوية: مرحبا بك يا أبا يزيد! ما نزع بك؟ قال: طلب الدنيا من مظانها. قال: وفقت وأصبت، قد أمرنا لك بمائة ألف، فأعطاه المائة الألف. ثم قال: أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما قبل، عسكري وعسكر علي؟ قال: في الجماعة أخبرك أو في الوحدة؟ قال: لا بل في الجماعة. قال: مررت على عسكر علي فإذا ليل كليل النبي ونهار كنهار النبي، إلا أن رسول الله ليس فيهم، ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبو الأعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم، ومررت على عسكرك فكف حتى إذا ذهب الناس، قال له: يا أبا يزيد! أيش صنعت بي؟ قال: ألم أقل لك في الجماعة أو في الوحدة فأبيت علي؟ قال: أما الآن فاشفني من عدوي. قال:

ذلك عند الرحيل.

فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله وأقبل نحو معاوية وقد جمع معاوية حوله. فلما انتهى إليه قال: يا معاوية من ذا عن يمينك؟ قال: عمرو بن

الصفحة 241
العاص. فتضاحك، ثم قال [ هذا الذي اختصم فيه ستة نفر، فغلب عليه جزارها. فمن الآخر؟ قال: الضحاك بن قيس الفهري، فتضاحك ثم قال ] (1).

لقد علمت قريش أنه لم يكن أخصى لتيوسها من أبيه. ثم قال: من هذا؟

قال: هذا أبو موسى. فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب أمه.

ثم قال: أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد! قال: تعرف حمامة؟ ثم سار.

فألقى في خلد معاوية قال: أم من أمهاتي لست أعرفها! فدعى بنسابين من أهل الشام، فقال اخبراني من أم من أمهاتي يقال لها: " حمامة " لست أعرفها.

فقالا نسألك بالله لا تسألنا عنها اليوم. قال: اخبراني أو لأضربن أعناقكما!

لكما الأمان. قالا: فإن حمامة جدة أبي سفيان السابعة وكانت بغيا وكان لها بيت تؤتى فيه.

قال جعفر بن محمد عليهما السلام وكان عقيل من أنسب الناس (2).

(165)
عقيل ومعاوية

لما وفد على معاوية وقد غضب من أخيه علي لما طلب منه عطاءه وقال له: اصبر حتى يخرج عطاءك مع المسلمين فأعطيك، فقال له: لأذهبن إلى رجل هو أوصل إلي منك! فذهب إلى معاوية، فأعطاه معاوية مائة ألف درهم. ثم قال له معاوية: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك علي وما أوليتك. فصعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس! إني أخبركم أني أردت عليا على دينه فاختار دينه، وإني

____________

(1) زاد ما بين المعقفتين في تعليقات الغارات ص 936 وقال أضيف ما بين المعقفتين لوجوده في الغارات.

(2) أمالي الشيخ: ج 2 ص 334 - 335. وتعليقات الغارات ص 936 عنه.

الصفحة 242
أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه (1).

(166)
عقيل ومعاوية

... فقال معاوية لعقيل: يا أبا يزيد أين يكون عمك أبو لهب اليوم؟ قال:

إذا دخلت جهنم فاطلبه مضاجعا عمتك أم جميل بنت حرب بن أمية! (2).

(167)
عقيل ومعاوية

ذكر أبو عمرو: أن معاوية قال لعقيل: إن فيكم يا بني هاشم لخصلة لا تعجبني، قال: وما تلك الخصلة؟ قال: اللين. قال: وما ذلك اللين؟ قال: هو ما أقول لك. قال: أجل يا معاوية! إن فينا للينا في غير ضعف وعزا في غير عنف، فإن لينكم يا ابن صخر غدر وسلمكم كفر. فقال معاوية: ما أردنا كل هذا يا أبا يزيد.

فقال عقيل:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الإنسان إلا ليعلما
إن السفاهة طيش من خلائقكم * لا قدس الله أخلاق الملاعين

فأراد معاوية أن يقطع كلامه، فقال: ما معنى هذه الكلمة " طه "؟ فقال عقيل: نحن أهله وعلينا نزل لا على أبيك ولا على أهل بيتك " طه " بالعبرانية:

يا رجل (3).

____________

(1) السيرة للحلبي: ج 1 ص 304.

(2) البحار: ج 42 ص 117.

(3) الغارات: ج 2 ص 551.

الصفحة 243

(168)
رجل من الشيعة مع مخالف

عن أبي محمد العسكري أنه قال: قال بعض المخالفين بحضرة الصادق عليه السلام لرجل من الشيعة: ما تقول في العشرة من الصحابة؟ قال: أقول فيهم الخير الجميل الذي يحط الله به سيئاتي ويرفع لي درجاتي. قال السائل: الحمد لله الذي أنقذني من بغضك، كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة.

فقال الرجل: ألا من أبغض واحدا من الصحابة فعليه لعنة الله! قال:

لعلك تتأول، ما تقول فيمن أبغض العشرة؟ فقال: من أبغض العشرة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين! فوثب فقبل رأسه، وقال: اجعلني في حل مما قذفتك به من الرفض قبل اليوم. قال: أنت في حل وأنت أخي، ثم انصرف السائل. الحديث (1).

(169)
رجل من الشيعة مع مخالف

دخل على أبي الحسن الرضا عليه السلام رجل فقال له: يا ابن رسول الله!

لقد رأيت اليوم شيئا عجبت منه! قال: وما هو؟ قال: رجل كان معنا يظهر لنا أنه من الموالين لآل محمد المتبرين من أعدائهم، فرأيته اليوم وعليه ثياب قد خلعت عليه وهو ذا يطاف به ببغداد وينادي المنادي بين يديه: معاشر الناس!

اسمعوا توبة هذا الرافضي، ثم يقولون له قل، فيقول: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر، فإذا قال ذلك ضجوا وقالوا: قد تاب وفضل أبا بكر على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال الرضا عليه السلام: إذا خلوت

____________

(1) البحار: ج 71 ص 12.

الصفحة 244
فأعد علي هذا الحديث.

فلما خلا أعاد عليه. فقال له: إنما لم أفسر لك معنى كلام الرجل بحضرة هذا الخلق المنكرين، كراهة أن ينقل إليهم فيعرفوه ويؤذوه، لم يقل الرجل: الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله [ أبو بكر فيكون قد فضل أبا بكر على علي بن أبي طالب عليه السلام ولكن قال: خير الناس بعد رسول الله ] أبا بكر فجعله نداء لأبي بكر لرضى من يمشي بين يديه من بعض هؤلاء الجهلة ليتوارى من شرورهم، الحديث (1).

(170)
رجل من الشيعة عند بعض المخالفين

عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: قال رجل من خواص الشيعة لموسى بن جعفر عليهما السلام وهو يرتعد بعد ما خلا به: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ما أخوفني أن يكون فلان بن فلان ينافقك في إظهاره واعتقاد وصيتك وإمامتك! فقال موسى على السلام: وكيف ذلك؟ قال: لأني حضرت معه اليوم في مجلس فلان رجل من كبار أهل بغداد، فقال له صاحب المجلس: أنت تزعم أن موسى بن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره؟ فقال له صاحبك هذا: ما أقول هذا، بل أزعم أن موسى بن جعفر غير إمام، وإن لم أكن أعتقد أنه غير إمام فعلي وعلى من لم يعتقد ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين! قال له صاحب المجلس: جزاك الله خيرا ولعن من وشى بك، الحديث (2).

____________

(1) البحار: ج 71 ص 15.

(2) المصدر نفسه.

الصفحة 245

(171)
أبو سعيد ابن عقيل مع ابن الزبير

دخل الحسن بن علي عليهما السلام على معاوية وعنده عبد الله بن الزبير - وكان معاوية يحب أن يغري بين قريش - فقال: يا أبا محمد! أيهما كان أكبر سنا علي أم الزبير؟ فقال الحسن: ما أقرب ما بينهما وعلي أسن من الزبير، رحم الله عليا، فقال ابن الزبير: رحم الله الزبير.

وهناك أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب، فقال: يا عبد الله! وما يهيجك من أن يترحم الرجل على أبيه؟ قال: وأنا أيضا ترحمت على أبي. قال: أتظنه ندا له وكفؤا؟ قال: وما يعدل به عن ذلك؟ كلاهما من قريش كلاهما دعا إلى نفسه ولم يتم له. قال: دع ذاك عنك يا عبد الله! إن عليا من قريش ومن الرسول صلى الله عليه وآله حيث تعلم، ولما دعا إلى نفسه اتبع فيه وكان رأسا، ودعا الزبير إلى أمر كان الرأس فيه امرأة! ولما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وولى مدبرا قبل أن يظهر الحق فيأخذه أو يدحض الباطل فيتركه، فأدركه رجل لو قيس ببعض أعضائه لكان أصغر، فضرب عنقه وأخذ سلبه وجاء برأسه! ومضى علي قد مال كعادته مع ابن عمه، رحم الله عليا ولا رحم الزبير! فقال ابن الزبير: أما والله! لو أن غيرك تكلم بهذا يا أبا سعيد لعلم!

فقال: إن الذي تعرض به يرغب عنك. وكفه معاوية فسكتوا.

وأخبرت عائشة بمقالتهم. ومر أبو سعيد بفنائها، فنادته يا أبا سعيد أنت القائل لابن أختي كذا؟ فالتفت أبو سعيد فلم ير شيئا، فقال: إن الشيطان يراك ولا تراه! فضحكت عائشة وقالت: لله أبوك! ما أذلق لسانك! (1).

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 11 ص 19. والعقد الفريد: ج 4 ص 14.

الصفحة 246

(172)
ذكوان وابن الزبير

دخل الحسين بن علي يوما على معاوية ومعه مولى له يقال له: ذكوان، وعند معاوية جماعة من قريش فيهم ابن الزبير. فرحب معاوية بالحسين وأجلسه على سريره، وقال: ترى هذا القاعد - يعني ابن الزبير - فإنه ليدركه الحسد لبني عبد مناف. فقال ابن الزبير لمعاوية: قد عرفنا فضل الحسين وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله لكن إن شئت أعلمك فضل الزبير على أبيك أبي سفيان فعلت.

فتكلم ذكوان مولى الحسين بن علي عليهما السلام فقال: يا ابن الزبير! إن مولاي ما يمنعه من الكلام أن لا يكون طلق اللسان رابط الجنان، فإن نطق نطق بعلم، وإن صمت صمت بحلم، غير أنه كف الكلام وسبق إلى اللسان، فأقرت بفضله الكرام، وأنا الذي أقول:

فيم الكلام لسابق في غاية * والناس بين مقصر ومبلد
إن الذي يجري ليدرك شأوه * ينمى بغير مسود ومسدد
بل كيف بدر نور ساطع * خير الأنام وفرع آل محمد

فقال معاوية: صدق قولك يا ذكوان! أكثر الله في موالي الكرام مثلك.

فقال ابن الزبير: إن أبا عبد الله سكت وتكلم مولاه، ولو تكلم لأجبناه أو لكففنا عن جوابه إجلالا، ولا جواب لهذا العبد.

قال ذكوان: هذا العبد خير منك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

" مولى القوم منهم " فأنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت ابن [ الزبير بن ] العوام بن خويلد، فنحن أكرم ولاء وأحسن فعلا.

قال ابن الزبير: إني لست أجيب هذا، فهات ما عندك

الصفحة 247
يا معاوية!.... (1).

(173)
جارية بن قدامة مع معاوية

قال معاوية لجارية بن قدامة: ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية! قال: ما كان أهونك على أهلك إذ سموك معاوية! وهي الأنثى من الكلاب.

قال: لا أم لك! قال: أمي ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في أيدينا.

قال: إنك لتهددني؟ قال: إنك لم تفتحنا قسرا ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهدا وميثاقا وأعطيناك سمعا وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فزعت إلى غير ذلك فإنا تركنا وراءنا رجالا شدادا وألسنة حدادا.

قال له معاوية: لا كثر الله في الناس أمثالك! قال جارية: قل معروفا وراعنا، فإن شر الدعاء المحتطب (2).

رواه في الغدير (3) عن ابن عساكر في تاريخه قال:

وفد جارية بن قدامة على معاوية، فقال له معاوية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟ قال جارية: يا معاوية! دع عنك عليا فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ولا غششناه منذ صحبناه. قال: ويحك يا جارية! ما أهونك على أهلك إذ سموك جارية! قال:

أنت معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية!.

____________

(1) العقد الفريد: ج 4 ص 15.

(2) العقد الفريد: ص 28. والغدير: ج 10 ص 171 عنه وعن المستطرف: ج 1 ص 73. وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 133.

(3) الغدير: ج 1 ص 171.

الصفحة 248
وذكره الشيخ في أماليه (1) بنحو آخر: قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية، ومع معاوية على السرير الأحنف بن قيس والحباب المجاشعي، فقال له معاوية: من أنت؟ قال: أنا جارية بن قدامة، قال: وكان نبيلا. فقال له معاوية: وما عسيت أن تكون، هل أنت إلا نحلة؟ فقال: لا تفعل يا معاوية!

قد شبهتني بالنحلة وهي والله حامية اللسعة حلوة البصاق، والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب! ولا أمية إلا تصغير أمة! فقال معاوية: لا تفعل. قال:

إنك فعلت ففعلت.

قال له: فادن اجلس معي على السرير. فقال: لا أفعل. قال: ولم؟ قال:

لأني رأيت هذين قد أماطاك عن مجلسك فلم أكن لأشاركهما.

قال له معاوية: ادن أسارك. فدنا منه، فقال: يا جارية! اشتريت من هذين الرجلين دينهما. قال: ومني فاشتر يا معاوية! قال له: لا تجهر (2).

(174)
أبو الطفيل مع معاوية

قال معاوية لأبي الطفيل: كيف وجدك على علي؟ قال: وجد ثمانين مثكل قال: فكيف حبك له؟ قال حب أم موسى، وإلى الله أشكو التقصير.

وقال له مرة أخرى: أبا الطفيل! قال: نعم. قال: أنت من قتلة عثمان؟

قال: لا ولكني ممن حضره ولم ينصره. قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار فلم أنصره.

قال: لقد كان حقه واجبا وكان عليهم أن ينصروه. قال: فما منعك من نصرته يا أمير المؤمنين وأنت ابن عمه؟ قال: أو ما طلبي نصرة له؟ فضحك أبو

____________

(1) أمالي الشيخ: ج 1 ص 195 ط نجف.

(2) وراجع البحار: ح 44 ص 133 عن المجالس والأمالي.

الصفحة 249
الطفيل وقال: مثلك ومثل عثمان كما قال الشاعر:

لأعرفنك بعد الموت تندمني * وفي حياتي ما زودتني زادي (1)

(175)
عدي ومعاوية

قال معاوية لعدي بن حاتم: ما فعلت الطرفات يا أبا طريف؟

قال: قتلوا! قال: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قتل بنوك معه وبقي له بنوه.

قال: لئن كان ذلك لقد قتل هو وبقيت أنا بعه.

قال له معاوية: ألم تزعم أنه لا يخنق في قتل عثمان عنز؟ قد والله خنق فيه التيس الأكبر. ثم قال معاوية: أما إنه قد بقيت من دمه قطرة ولا بد أن أتبعها.

قال عدي: لا أبا لك شم السيف، فإن سل السيف يسل السيف. فالتفت معاوية إلى حبيب بن مسلمة، فقال: اجعلها في كتابك فإنها حكمة (2).

وفي مروج الذهب: وذكر أن عدي بن حاتم الطائي دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما فعلت الطرفات، يعني أولاده؟ قال: قتلوا مع علي! قال:

ما أنصفك علي قتل أولادك وبقي أولاده. فقال عدي: ما أنصفت عليا إذ قتل وبقيت بعده.

فقال معاوية: أما إنه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلا دم شريف من أشراف اليمن. فقال عدي: والله! إن قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وإن أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فترا لندينن إليك من الشر شبرا، وإن حز الحلقوم وحشرجة الحيزوم

____________

(1) العقد الفريد: ج 4 ص 30. ومروج الذهب: ج 3 ص 25.

(2) العقد الفريد: ج 1 ص 28.

الصفحة 250
لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي، فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف. فقال معاوية: هذه كلمات حكم فاكتبوها (1).

(176)
عدي مع رجل

قال رجل لعدي بن حاتم الطائي وكان من جملة أصحاب علي عليه السلام: يا أبا طريف! ألم أسمعك تقول يوم الدار: " والله لا تحبق فيه عناق حولية " وقد رأيت ما كان فيها، وقد كان فقئت عين عدي وقتل بنوه؟

فقال: أما والله! لقد حبقت في قتله العناق والتيس الأعظم (2).

(177)
عدي وابن الزبير

حضر جماعة عند معاوية وعنده عدي بن حاتم، وكان منهم عبد الله بن الزبير. فقالوا: يا أمير المؤمنين! ذرنا نكلم عديا، فقد زعموا أن عنده جوابا.

فقال: إني احذركموه! فقالوا: لا عليك دعنا وإياه.

فقال له ابن الزبير: يا أبا طريف! متى فقئت عينك؟ قال: يوم فر أبوك وقتل شر قتلة! وضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف!

وأنشد:

أما وأبي يا ابن الزبير لو أنني * لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطا
وكان أبي في طي وأبو أبي * صحيحين لم تنزع عروقهما القبطا
ولو رمت شتمي عند عدل قضائه * لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا

فقال معاوية: قد كنت حذرتكموه فأبيتم! (3)

____________

(1) مروج الذهب ج 3 ص 13.

(2) ابن أبي الحديد: ج 8 ص 39.

(3) البحار: ج 8 ص 533 ط الكمباني.

الصفحة 251

(178)
صعصعة ومعاوية

حدث الهيثم، عن أبي سفيان عمرو بن يزيد، عن البراء بن يزيد، عن محمد بن عبد الله بن الحارث الطائي، ثم أحد بني عفان قال: لما انصرف علي عليه السلام من الجمل قال لآذنه: من بالباب من وجوه العرب؟ قال: محمد بن عمير بن عطارد التيمي والأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان العبدي في رجال سماهم، فقال: إئذن لهم. فدخلوا فسلموا [ عليه ] بالخلافة، فقال لهم:

أنتم وجوه العرب عندي ورؤساء أصحابي فأشيروا علي في أمر هذا الغلام المترف - يعني معاوية - فافتنت بهم المشورة عليه. فقال صعصعة.

إن معاوية أترفه الهوى وحببت إليه الدنيا، فهانت عليه مصارع الرجال وابتاع آخرته بدنياهم، فإن تعمل فيه برأي ترشد وتصب إن شاء الله، والتوفيق بالله وبرسوله وبك يا أمير المؤمنين! والرأي أن ترسل إليه عينا من عيونك وثقة من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك فإن أجاب وأناب كان له ما لك وعليه ما عليك، وإلا جاهدته وصبرت لقضاء الله حتى يأتيك اليقين.

فقال علي عليه السلام: عزمت عليك يا صعصة إلا كتبت الكتاب بيديك وتوجهت به إلى معاوية واجعل صدر الكتاب تحذيرا وتخويفا وعجزه استتابة واستنابة، وليكن فاتحة الكتاب " بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية، سلام عليك، أما بعد " ثم اكتب ما أشرت به علي واجعل عنوان الكتاب " ألا إلى الله تصير الأمور "، قال: اعفني من ذلك. قال:

عزمت عليك لتفعلن! قال: أفعل.

فخرج بالكتاب وتجهز وسار حتى ورد دمشق، فأتى باب معاوية، فقال لآذنه: استأذن لرسول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبالباب أزفلة من بني

الصفحة 252
أمية، فأخذته الأيدي والنعال لقوله، وهو يقول: " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله " وكثرت الجلبة واللغط.

فاتصل ذلك بمعاوية، فوجه من يكشف الناس عنه فكشفوا، ثم أذن لهم فدخلوا.

فقال لهم: من هذا الرجل؟ فقالوا: رجل من العرب يقال له: " صعصة بن صوحان " معه كتاب من علي. فقال: والله! لقد بلغني أمره، هذا أحد سهام علي وخطباء العرب، وقد كنت إلى لقائه شيقا، إئذن له يا غلام.

فدخل عليه، فقال: السلام عليك يا ابن أبي سفيان! هذا كتاب أمير المؤمنين. فقال معاوية: أما إنه لو كانت الرسل تقتل في جاهلية أو إسلام لقتلتك! ثم اعترضه معاوية في الكلام وأراد أن يستخرجه ليعرف قريحته أطبعا أم تكلفا؟ فقال: ممن الرجل؟ قال: من نزال. قال: وما كان نزار؟ قال: كان إذا غزا نكس، وإذا لقي افترس، وإذا انصرف احترس. قال: فمن أي أولاده أنت؟ قال من ربيعة. قال:، وما كان ربيعة؟ قال: كان يطيل النجاد، ويعول العباد، ويضرب ببقاع الأرض العماد. قال فمن أي أولاده أنت؟ قال: من جديلة. قال: وما كان جديلة؟ قال: كان في الحرب سيفا قاطعا، وفي المكرمات غيثا نافعا، وفي اللقاء لهبا ساطعا. قال: فمن أي أولاده أنت؟ قال: من عبد القيس. قال: وما كان عبد القيس؟ قال كان خصيبا خضرما أبيض، وهابا لضيفه ما يجد، ولا يسأل عما فقد، كثير المرق، طيب العرق، يقوم للناس مقام الغيث من السماء.

قال: ويحك يا ابن صوحان! فما تركت لهذا الحي من قريش مجدا ولا فخرا.

قال: بلى والله يا بن أبي سفيان! تركت لهم ما لا يصلح إلا بهم، ولهم تركت الأبيض والأحمر والأصفر والأشقر والسرير والمنبر والملك إلى المحشر، وأنى لا يكون ذلك كذلك وهم منار الله في الأرض ونجومه في السماء؟


الصفحة 253
ففرح معاوية وظن أن كلامه يشتمل على قريش كلها، فقال: صدقت يا ابن صوحان! إن ذلك لكذلك.

فعرف صعصعة ما أراد، فقال: ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد، بعدتم عن أنف المرعى، وعلوتم عن عذب الماء.

قال: فلم ذلك ويلك يا ابن صوحان؟ قال: الويل لأهل النار، ذلك لبني هاشم، قال: قم، فأخرجوه.

فقال صعصعة: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، من أراد المشاجرة قبل المحاورة.

فقال معاوية: لشئ ما سوده قومه، وددت والله! إني من صلبه. ثم التفت إلى بني أمية، فقال: هكذا فلتكن الرجال (1).

(179)
صعصعة ومعاوية

حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي و عبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي مع رجال من قريش. فدخل عليهم معاوية يوما، فقال: نشدتكم بالله! إلا ما قلتم حقا وصدقا، أي الخلفاء رأيتموني؟ فقال: ابن الكواء: لولا أنك عزمت علينا ما قلنا، لأنك جبار عنيد، لا تراقب الله في قتل الأخيار، ولكنا نقول: إنك ما علمنا واسع الدنيا ضيق الآخرة، قريب الثرى بعيد المرعى، تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات.

فقال معاوية: إن الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله والمحلين ما حرم الله والمحرمين ما أحل الله.... ثم تكلم صعصعة فقال:

____________

(1) مروج الذهب: ج 3 ص 47 - 49.

الصفحة 254
تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت، ولم تقصر عما أردت، وليس الأمر على ما ذكرت، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا، ودانهم كبرا، واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا؟ أما والله! ما لك في يوم بدر مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه إلا كما قال القائل: " لا حلي ولا سيري " ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أنت طليق ابن طليق، أطلقكما رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنى تصلح الخلافة لطليق؟!

فقال معاوية: لولا أني أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:

قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم

لقتلتكم (1).

(180)
صعصعة ومعاوية

الكلبي، قال: دخل صعصعة بن صوحان [ العبدي ] على معاوية، فقال له:

يا ابن صوحان! أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها، فأخبرني عن أهل البصرة؟

وإياك والحمل على قوم لقوم! قال: البصرة واسطة العرب، ومنتهى الشرف والسؤدد، وهم أهل الخطط في أول الدهر وآخره، وقد دارت بهم سروات العرب كدوران الرحى على قطبها.

قال: فأخبرني عن أهل الكوفة؟ قال: قبة الإسلام، وذروة الكلام، ومظان ذوي الأعلام، إلا أن بها أجلافا تمنع ذوي الأمر الطاعة، وتخرجهم عن الجماعة، وتلك أخلاق ذوي الهيئة والقناعة.

قال: فأخبرني عن أهل الحجاز؟ قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأضعفهم عنها

____________

(1) مروج الذهب: ج 3 ص 50.

الصفحة 255
وأقلهم غناء فيها، غير أن لهم ثباتا في الدين وتمسكا بعروة اليقين، يتبعون الأئمة الأبرار، ويخلعون الفسقة الفجار.

فقال معاوية: من البررة والفسقة؟ فقال: يا ابن أبي سفيان! ترك الخداع من كشف القناع، علي وأصحابه من الأئمة الأبرار، وأنت وأصحابك من أولئك.

ثم أحب معاوية أن يمضي صعصعة في كلامه بعد أن بان فيه الغضب، فقال: أخبرني عن القبة الحمراء في ديار مضر؟ قال: أسد مضر بسلان بين غيلين، إذا أرسلتها افترست، وإذا تركتها احترست.

فقال معاوية: هنالك يا ابن صوحان العز الراسي، فهل في قومك مثل هذا؟ قال: هذا لأهله دونك يا ابن أبي سفيان! ومن أحب قوما حشر معهم.

قال: فأخبرني عن ديار ربيعة؟ ولا يستخفنك الجهل وسابق الحمية بالتعصب لقومك. قال: والله ما أنا عنهم براض، ولكني أقول فيهم وعليهم، هم والله! أعلام الليل، وأذناب في الدين والميل (هم والله أعلام الخيل وأرباب في الدين والميل خ ل) لن تغلب رايتها إذا رسخت، خوارج الدين، برازخ اليقين (جوارح الدين موارح اليقين خ) من نصروه فلج، ومن خذلوه زلج.

قال: فأخبرني عن مضر؟ قال: كنانة العرب، ومعدن العز والحسب، يقذف البحر بها آذيه والبر رديه.

ثم أمسك معاوية. فقال له صعصعة: سل يا معاوية! وإلا أخبرتك بما تحيد عنه. قال: وما ذاك يا ابن صوحان! قال: أهل الشام. قال: فأخبرني عنهم؟

قال: أطوع الناس لمخلوق وأعصاهم للخلق، عصاة الجبار وخلفة الأشرار، فعليهم الدمار ولهم سوء الدار.

فقال معاوية: والله يا ابن صوحان! إنك لحامل مديتك منذ أزمان، إلا أن حلم ابن أبي سفيان يرد عنك. فقال صعصعة: بل أمر الله وقدرته، إن أمر الله