الصفحة 332
وجل: " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ".

فما اتفق يوم أحسن منه، ودخل في هذا الأمر عالم كثير.

وقد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة، فمن ذلك:

ما روي أنه قال يوما من الأيام لمؤمن الطاق: إنكم تقولون بالرجعة؟ قال:

نعم، قال أبو حنيفة: فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا! قال الطاقي لأبي حنيفة: فاعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا ولا ترجع خنزيرا.

وقال له يوما آخر: لم لم يطالب علي بن أبي طالب بحقه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إن كان له حق؟ فأجابه مؤمن الطاق، فقال:

خاف أن تقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة.

وكان أبو حنيفة يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطاق في سكة من سكك الكوفة، إذا بمناد ينادي، من يدلني على صبي ضال؟ فقال مؤمن الطاق: أما الصبي الضال فلم نره، وإن أردت شيخا ضالا فخذ هذا! عنى به أبا حنيفة.

ولما مات الصادق عليه السلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق، فقال له:

مات إمامك؟ قال: نعم، أما إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم! (1).

____________

(1) البحار: ج 47 ص 396 - 400 - 405 وج 8 ص 144 ط الكمباني عن المناقب. وراجع قاموس الرجال: ج 8 ص 310 وج 9 ص 215. وروضة المؤمنين: ص 69 - 81 عن الاحتجاج وكذا ص 153 ونهج الصباغة: ج 4 ص 339. والاحتجاج: ج 2 ص 143 - 148. وزهر الربيع: ص 24 - 31 - 142.

والكنى والألقاب: ج 2 ص 403.

الصفحة 333

(217)
هشام وأبو عبيدة

قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم: الدليل على صحة معتقدنا وبطلان معتقدكم كثرتنا وقلتكم مع كثرة أولاد علي وادعائهم. فقال هشام: لست إيانا أردت بهذا القول إنما أردت الطعن على نوح عليه السلام حيث لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلا ونهارا، وما آمن معه إلا قليل.

وسأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلمين، فقال: أخبروني حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة؟ قالوا: بنعمة تامة، قال: فأيما أتم؟ أن يكون في أهل بيت واحد نبوة وخلافة؟ أو يكون نبوة بلا خلافة؟ قالوا: بل يكون نبوة وخلافة، قال: فلما ذا جعلتموها في غيرها، فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف؟ فافحموا (1).

(218)
الهيثم وأبو حنيفة

عن محمد بن نوفل قال: [ كنت عند الهيثم بن حبيب الصيرفي ] دخل علينا أبو حنيفة النعمان بن ثابت، فذكرنا أمير المؤمنين عليه السلام ودار بيننا كلام فيه، فقال أبو حنيفة: قد قلت لأصحابنا لا تقروا لهم بحديث غدير حم فيخصموكم! فتغير وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي وقال له: لم لا يقرون به؟

أما هو عندك يا نعمان؟ قال: هو عندي وقد رويته! قال: فلم لا يقرون به وقد حدثنا به حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم: أن

____________

(1) البحار: ج 47 ص 401 عن المناقب.

الصفحة 334
عليا عليه السلام نشد الله في الرحبة من سمعه؟ فقال أبو حنيفة: أفلا ترون أنه قد جرى في ذلك خوض حتى نشد علي الناس لذلك؟ فقال الهيثم:

فنحن نكذب عليا أو نرد قوله؟ فقال أبو حنيفة: ما نكذب عليا ولا نرد قولا قاله: ولكنك تعلم أن الناس قد غلا فيهم قوم.

فقال الهيثم: يقوله رسول الله صلى الله عليه وآله ويخطب به ونشفق نحن منه ونتقيه لغلو غال أو قول قائل؟ ثم جاء من قطع الكلام بمسألة سأل عنها، ودار الحديث بالكوفة وكان معنا في السوق حبيب بن زار بن حسان، فجاء إلى الهيثم، فقال له: قد بلغني ما دار عنك في علي وقوله - وكان حبيب مولى لبني هاشم - فقال له الهيثم النظر يمر فيه أكثر من هذا، فخفض الأمر.

فحججنا بعد ذلك ومعنا حبيب، فدخلنا على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام فسلمنا عليه، فقال له حبيب: يا أبا عبد الله! كان من الأمر كذا وكذا، فتبين الكراهية في وجه أبي عبد الله عليه السلام، فقال له حبيب: هذا محمد بن نوفل حضر ذلك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: أي حبيب كف! خالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم بأعمالكم، فإن لكل امرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب، لا تحملوا الناس عليكم وعلينا، وادخلوا في ذهماء الناس، فإن لنا أياما ودولة يأتي بها الله إذا شاء، فسكت حبيب، فقال: أفهمت يا حبيب؟ لا تخالفوا أمري فتندموا، قال: لن أخالف أمرك، الحديث (1).

(219)
محمد بن حكيم مع شريك

عن محمد بن حكيم وصاحب له - قال أبو محمد: قد كان درس اسمه في

____________

(1) البحار: ج 47 ص 401 - 402 عن أمالي المفيد رحمه الله: ص 14.

الصفحة 335
كتاب أبي - قالا: رأينا شريكا واقفا في حائط من حيطان فلان - قد كان درس اسمه أيضا في الكتاب - قال أحدنا لصاحبه: هل لك في خلوة من شريك؟ فأتيناه فسلمنا عليه، فرد علينا السلام، فقلنا: يا أبا عبد الله مسألة، فقال: في أي شئ؟ فقلنا: في الصلاة، فقال: سلوا عما بدا لكم.

فقلنا: لا نريد أن تقول: قال فلان وقال فلان، إنما نريد أن تسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: أليس في الصلاة؟ فقلنا: بلى، فقال: سلوا عما بدا لكم. فقلنا: في كم يجب التقصير؟ قال: كان ابن مسعود يقول:

لا يغرنكم سوادنا هذا، وكان يقول فلان. قال: قلت: إنا استثنينا عليك ألا تحدثنا إلا عن نبي الله صلى الله عليه وآله قال: والله! إنه لقبيح لشيخ يسأل عن مسألة في الصلاة عن النبي لا يكون عنده فيها شئ، وأقبح من ذلك أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله.

قلت: فمسألة أخرى، فقال: أليس في الصلاة؟ قلنا: بلى، قال: سلوا عما بدا لكم.

قلنا: على من تجب صلاة الجمعة؟ قال: عادت المسألة جذعة! ما عندي في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله شئ.

قال: فأردنا الانصراف، قال: إنكم لم تسألوا عن هذا إلا وعندكم منه علم، قال: قلت: نعم أخبرنا محمد بن مسلم الثقفي، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله، فقال: الثقفي الطويل اللحية؟ فقلنا: نعم، قال: أما إنه لقد كان مأمونا على الحديث، ولكن كانوا يقولون: إنه خشبي، ثم قال: ماذا روى؟ قلنا: روى عن النبي صلى الله عليه وآله: أن التقصير يجب في بريدين، وإذا اجتمع خمسة أحدهم

الصفحة 336
الإمام فلهم أن يجمعوا (1).

(220)
مؤمن الطاق مع زيد

عن مؤمن الطاق - واسمه محمد بن علي بن النعمان، أبو جعفر الأحول - قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل زيد بن علي، فقال لي:

يا محمد بن علي أنت الذي تزعم أن في آل محمد إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه؟ قال: قلت: نعم، فكان أبوك علي بن الحسين أحدهم، قال: ويحك!

فما كان يمنعه من أن يقول لي؟ فوالله! لقد كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول البضعة فيبردها ثم يلقمنيها، أفتراه كان يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق علي من حر النار؟ قال: قلت: كره أن يقول فتكفر، فيجب من الله عليك الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة، فتركك مرجئا لله فيك المشية وله فيك الشفاعة (2).

(221)
مؤمن الطاق مع الضحاك

عن أبي مالك الأحمسي قال: خرج الضحاك الشاري بالكوفة فحكم وتسمى بإمرة المؤمنين ودعا الناس إلى نفسه، فأتاه مؤمن الطاق، فلما رأته الشراة وثبوا في وجهه فقال لهم: جانح. قال: فأوتي به صاحبهم، فقال له مؤمن الطاق: أنا رجل على بصيرة من ديني، وسمعتك تصف العدل، فأحببت الدخول معك، فقال الضحاك لأصحابه: إن دخل هذا معكم نفعكم.

____________

(1) البحار: ج 47 ص 403 - 404 عن الكشي: والاختصاص: ص 45. والكشي: ص 166.

(2) البحار: ج 47 ص 405 وقد مر بلفظ آخر والكشي: ص 186 - 187 بسندين.

الصفحة 337
قال: ثم أقبل مؤمن الطاق على الضحاك، فقال: لم تبرأتم من علي بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله؟ قال: لأنه حكم في دين الله، قال: وكل من حكم في دين الله استحللتم قتله وقتاله والبراءة منه؟ قال: نعم، قال:

فأخبرني عن الدين الذي جئت أناظرك عليه لأدخل معك فيه إن غلبت حجتي حجتك أو حجتك حجتي، من يوقف المخطئ على خطئه ويحكم للمصيب بصوابه؟ فلا بد لنا من إنسان يحكم بيننا قال: فأشار الضحاك إلى رجل من أصحابه فقال: هذا الحكم بيننا فهو عالم بالدين، قال: وقد حكمت هذا في الدين الذي جئت أناظرك فيه؟ قال: نعم، فأقبل مؤمن الطاق على أصحابه، فقال: إن هذا صاحبكم قد حكم في دين الله فشأنكم به! فضربوا الضحاك بأسيافهم حتى سكت (1).

(222)
مؤمن الطاق مع ابن أبي العوجاء

عن يونس، عن أبي جعفر الأحول، قال: قال ابن أبي العوجاء مرة:

أليس من صنع شيئا وأحدثه حتى يعلم أنه من صنعته فهو خالقه؟ قلت:

بلى، قال: فأخلني شهرا أو شهرين ثم تعال حتى أريك. قال: فحججت فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أما أنه قد هيأ لك شاتين وهو جاء معه بعدة من أصحابه، ثم يخرج لك الشاتين قد امتلئا دودا، ويقول لك: هذا الدود يحدث من فعلي، فقل له: إن كان من صنعك وأنت أحدثته فميز ذكوره من أناثه. وخرج إلي الدود فقلت له: ميز الذكور من الإناث، فقال: هذه والله ليست من إبرازك! هذه التي حملتها الإبل من الحجاز.

____________

(1) البحار: ج 47 ص 405 عن الكشي وج 8 ص 570 ط الكمباني عن المناقب. وراجع قاموس الرجال: ج 8 ص 307 والكشي: ص 188.

الصفحة 338
ثم قال: ويقول لك: أليس تزعم أنه غني، فقل: بلى، فيقول أيكون الغني عندك من المعقول في وقت من الأوقات ليس عنده ذهب ولا فضة؟

فقل له: نعم، فإنه سيقول لك: كيف يكون هذا غنيا؟ فقل: إن كان الغني عندك أن يكون الغني غنيا من قبل فضته وذهبه تجارته، فهذا كله مما يتعامل الناس به، فأي القياس أكثر وأولى بأن يقال: غني: من أحدث الغنى فأغنى به الناس قبل أن يكون شئ وهو وحده، أو من أفاد مالا من هبة أو صدقة أو تجارة؟ قال: فقلت له ذلك، قال: فقال: وهذه والله ليست من إبرازك! هذه والله مما تحملها الإبل (1).

(223)
مؤمن الطاق وأبو حنيفة

وقيل: إنه - يعني مؤمن الطاق - دخل على أبي حنيفة يوما، فقال له أبو حنيفة: بلغني عنكم معشر الشيعة شئ؟ فقال: فما هو؟ قال: بلغني أن الميت منكم إذا مات كسرتم يده اليسرى لكي يعطى كتابه بيمينه! فقال:

مكذوب علينا يا نعمان! ولكني بلغني عنكم معشر المرجئة: أن الميت منكم إذا مات قمعتم في دبره قمعا فصببتم فيه جرة من ماء لكي لا يعطش يوم القيامة!

فقال أبو حنيفة: مكذوب علينا وعليكم (2).

(224)
حمران ورجل

عن هشام بن سالم، قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه، فورد رجل من أهل الشام فاستأذن، فأذن له، فلما دخل سلم،

____________

(1) البحار: ج 47 ص 406 وراجع قاموس الرجال: ج 8 ص 308 والكشي: ص 189.

(2) البحار: ج 47 ص 407. قاموس الرجال: ج 8 ص 308. والكشي: ص 190.

الصفحة 339
فأمره أبو عبد الله عليه السلام بالجلوس.

ثم قال له: ما حاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه، فصرت إليك لا ناظرك. فقال أبو عبد الله عليه السلام: فيما ذا؟ قال: في القرآن وقطعه وإسكانه وخفضه ونصبه ورفعه، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

يا حمران دونك الرجل!

فقال الرجل: أريدك أنت لا حمران. فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن غلبت حمران فقد غلبتني، فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر ومل وعرض وحمران يجيبه. فقال أبو عبد الله عليه السلام: كيف رأيت يا شامي؟ قال:

رأيته حاذقا ما سألته عن شئ إلا أجابني فيه. فقال أبو عبد الله عليه السلام:

يا حمران سل الشامي، فما تركه يكثر.

فقال الشامي: أرأيت يا أبا عبد الله أناظرك في العربية؟ فالتفت أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا أبان بن تغلب ناظره، فناظره، فما ترك الشامي يكثر.

قال: أريد أن أناظرك في الفقه، فقال أبو عبد الله: يا زرارة ناظره، فما ترك الشامي يكثر.

قال: أريد أن أناظرك في الكلام، فقال: يا مؤمن الطاق ناظره، فناظره فسجل الكلام بينهما، ثم تكلم مؤمن الطاق بكلامه فغلبه به.

فقال: أريد أن أناظرك في الاستطاعة، فقال للطيار: كلمه فيها، قال:

فكلمه، فما ترك يكثر.

فقال: أريد أن أناظرك في التوحيد، فقال لهشام بن سالم: كلمه، فسجل الكلام بينهما، ثم خصمه هشام.

فقال: أريد أن أتكلم في الإمامة، فقال لهشام بن الحكم: كلمه يا أبا الحكم، فكلمه فما تركه يرتم ولا يحلي ولا يمر. قال: فبقي يضحك أبو عبد الله

الصفحة 340
عليه السلام حتى بدت نواجده.

فقال الشامي: كأنك أردت أن تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال؟ قال: هو ذلك، ثم قال: يا أخا أهل الشام! أما حمران: فحرفك فحرت له فغلبك بلسانه، وسألك عن حرف من الحق فلم تعرفه. وأما أبان ابن تغلب: فمغث حقا بباطل فغلبك. وأما زرارة: فقاسك فغلب قياسه قياسك. وأما الطيار: فكان كالطير يقع ويقوم وأنت كالطير المقصوص [ لا نهوض لك ]. وأما هشام بن سالم: قال حبارى يقع ويطير. وأما هشام بن الحكم: فتكلم بالحق فما سوغك بريقك.

يا أخا أهل الشام! إن الله أخذ ضغثا من الحق وضغثا من الباطل، فمغثهما، ثم أخرجهما إلى الناس، ثم بعث أنبياء يفرقون بينهما، فعرفهما الأنبياء والأوصياء فبعث الله الأنبياء ليفرقوا ذلك وجعل الأنبياء قبل الأوصياء ليعلم الناس من فضل الله ومن يختص، ولو كان الحق على حدة والباطل على حدة كل واحد منهما قائم بشأنه ما أحتاج الناس إلى نبي ولا وصي، ولكن الله خلطهما، وجعل يفرقهما الأنبياء والأئمة عليهم السلام من عباده.

فقال الشامي: قد أفلح من جالسك! فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجالسه جبرائيل وميكائيل وإسرافيل يصعد إلى السماء فيأتيه الخبر من عند الجبار، فإن كان ذلك كذلك فهو كذلك.

فقال الشامي اجعلني من شيعتك وعلمني، فقال أبو عبد الله عليه السلام لهشام: علمه فإني أحب أن يكون تلماذا لك.

قال علي بن منصور وأبو مالك الخضرمي، رأينا الشامي عند هشام بعد موت أبي عبد الله عليه السلام ويأتي الشامي بهدايا أهل الشام وهشام يرده

الصفحة 341
هدايا أهل العراق. قال علي بن منصور: وكان الشامي ذكي القلب (1).

(225)
حريز وأبو حنيفة

عن حريز قال: دخلت على أبي حنيفة وعنده كتب كادت تحول فيما بيننا وبينه، فقال لي: هذ الكتب كلها في الطلاق! وأنتم؟ وأقبل يقلب بيده قال: قلت: نحن نجمع هذا كله في حرف، قال وما هو؟ قلت: قوله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ".

فقال لي: وأنت لا تعلم شيئا إلا برواية؟ قلت: أجل، فقال لي: ما تقول في مكاتب كانت مكاتبته ألف درهم فأدى تسعمائة وتسعة وتسعين درهما ثم أحدث - يعني الزنا - كيف تحده؟ فقلت: عندي بعينها حديث، حدثني محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يضرب بالسوط وبثلثه وبنصفه وببعضه بقدر أدائه.

فقال لي: أما إني أسألك عن مسألة لا يكون فيها شئ، فما تقول في جمل أخرج من البحر؟ فقلت: إن شاء فليكن جملا وإن شاء فليكن بقرة، إن كان عليه فلوس أكلناه، وإلا فلا (2).

(226)
مؤمن الطاق وأبو حنيفة

سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق، فقال له:

يا أبا جعفر ما تقول في المتعة؟ أتزعم أنها حلال؟ قال: نعم، قال: فما منعك

____________

(1) البحار: ح 47 ص 407 عن الكشي، وقاموس الرجال: ج 9 ص 339 والكشي:

ص 275 - 278.

(2) البحار: ج 47 ص 409 - 410 عن الكشي والاختصاص للمفيد. والكشي: ص 384.

الصفحة 342
أن تأمر نساءك أن يستمتعن ويكتسبن عليك؟ فقال له أبو جعفر: ليس كل الصناعات يرغب فيها وإن كانت حلالا، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم، ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنه حلال؟ قال: نعم، قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة: واحدة بواحدة، وسهمك أنفذ!

ثم قال له: يا أبا جعفر إن الآية التي في " سأل سائل " تنطق بتحريم المتعة، والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله قد جاءت بنسخها، فقال له أبو جعفر، يا أبا حنيفة إن سورة " سأل سائل " مكية وآية المتعة مدنية وروايتك شاذة ردية. فقال له أبو حنيفة: وآية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة، فقال له أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث، قال أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟

فقال أبو جعفر: لو أن رجلا من المسلمين تزوج امرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيها؟ قال: لا ترث منه. قال: فقد ثبت النكاح بغير ميراث. ثم افترقا (1).

(227)
الأعمش وأبو حنيفة

عن شريك بن عبد الله القاضي، قال: حضرت الأعمش في علته التي قبض فيها، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، فسألوه عن حاله، فذكر ضعفا شديدا، وذكر ما يتخوف من خطيئاته، وأدركته رنة فبكى! فأقبل عليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا محمد اتق الله! وانظر لنفسك فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب عليه السلام بأحاديث لو

____________

(1) البحار: ج 47 ص 411. وراجع قاموس الرجال: ج 8 ص 310.

الصفحة 343
رجعت عنها كان خيرا لك.

قال الأعمش: مثل ماذا يا نعمان؟ قال: مثل حديث عباية: " أنا قسيم النار " قال: أو لمثلي تقول يا يهودي؟ أقعدوني سندوني أقعدوني!

حدثني والذي إليه مصيري! موسى بن طريف - ولم أر أسديا كان خيرا منه - قال: سمعت عباية بن ربعي إمام الحي، قال: سمعت عليا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا قسيم النار، أقول: هذا وليي دعيه، وهذا عدوي خذيه.

وحدثني أبو المتوكل الناجي في إمرة الحجاج، وكان يشتم عليا عليه السلام شتما مقذعا - يعني الحجاج لعنه الله - عن أبي سعيد الخدري - رحمه الله - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلي على الصراط، ويقال لنا: " أدخلا الجنة من آمن بي وأحبكما وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما " قال أبو سعيد:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما آمن بالله من لم يؤمن بي ولم يؤمن بي من لم يتول - أو قال: لم يحب - عليا، وتلا " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ".

قال: فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه وقال: قوموا بنا " لا يجيئنا أبو محمد بأطم من هذا. قال الحسن بن سعيد: قال لي شريك بن عبد الله: فما أمسى - يعني الأعمش - حتى فارق الدنيا (1).

(228)
أعرابي وهارون

الفضل بن ربيع ورجل آخر قالا: حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف

____________

(1) البحار: ج 47 ص 412 عن أمالي الشيخ، وص 358 عن بشارة المصطفى، وج 39 ص 197 عن أمالي الشيخ - رحمه الله -، وص 205 عن المناقب. وقاموس الرجال: ج 4 ص 494، وج 6 ص 401.

الصفحة 344
ومنعت العامة من ذلك لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت! وجعل يطوف معه.

فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة! فانتهرهم الأعرابي وقال:

إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع، فقال: " سواء العاكف فيه والباد " فأمر الحاجب بالكف عنه، فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه والتثمه، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الأعرابي أمامه.

فلما فرغ هارون من صلاته استدعى الأعرابي، فقال الحجاب: أجب أمير المؤمنين! فقال: ما لي إليه حاجة فأقوم إليه، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى! قال: صدق! فمشى إليه وسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال هارون: أجلس يا أعرابي؟ فقال: ما لموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس!

إنما هو بيت الله نصبه لعباده، فإن أحببت أن تجلس فاجلس، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف.

فجلس هارون وقال: ويحك يا أعرابي! مثلك من يزاحم الملوك؟ قال:

نعم وفي مستمع، قال: فإني سائلك فإن عجزت آذيتك، قال: سؤالك هذا سؤال متعلم أو متعنت؟ قال: بل سؤال متعلم، قال: اجلس مكان السائل من المسؤول! وسل وأنت مسؤول.

فقال هارون: أخبرني ما فرضك؟ قال: إن الفرض - رحمك الله - واحد، وخمسة، وسبعة عشر، وأربع وثلاثون وأربع وتسعون ومائة وثلاثة وخمسون على سبعة عشر، ومن اثنى عشر واحد، ومن أربعين واحد، ومن مائتين خمس، ومن الدهر كله واحد، وواحد بواحد.

قال: فضحك الرشيد! وقال: ويحك! أسألك عن فرضك وأنت تعد علي الحساب! قال: أما علمت أن الدين كله حساب؟ ولو لم يكن الدين

الصفحة 345
حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا، ثم قرأ " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " قال: فبين لي ما قلت، وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة.

فقال الحاجب: تهبه لله ولهذا المقام، قال: فضحك الأعرابي من قوله، فقال الرشيد: مما ضحكت يا أعرابي؟ قال: تعجبا منكما، إذ لا أدري من الأجهل منكما؟ الذي يستوهب أجلا قد حضر؟ أو الذي استعجل أجلا لم يحضر؟ فقال الرشيد: فسر ما قلت، قال: أما قولي: " الفرض واحد " فدين الإسلام كله واحد، وعليه خمس صلوات، وهي سبع عشر ركعة، وأربع وثلاثون سجدة، وأربع وتسعون تكبيرة، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة. وأما قولي: " من اثني عشر واحد " فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا. وأما قولي: " من الأربعين واحد " فمن ملك أربعين دينارا أوجب الله عليه دينارا وأما قولي: " من مائتين خمسة " فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم، وأما قولي: " فمن الدهر كله واحد " فحجة الإسلام. وأما قولي:

" واحد من واحد " فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه، قال الله تعالى: " النفس بالنفس ".

فقال الرشيد لله درك! وأعطاه بدرة. فقال: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون؟ بالكلام أو بالمسألة؟ قال: بالكلام، قال: فإني سائلك عن مسألة، فإن أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لا تصدق بها على فقراء الحي من قومي، فأمر بإيراد أخرى وقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني عن الخنفساء تزق، أم ترضع ولدها؟ فجرد هارون وقال: ويحك يا أعرابي! مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟! فقال: سمعت ممن سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من ولي أقواما وهب له

الصفحة 346
من العقل كعقولهم، وأنت إمام هذه الأمة يجب أن تسأل عن شئ من أمر دينك ومن الفرائض إلا أجبت عنها، فهل عندك له الجواب؟

قال هارون: رحمك الله! لا، فبين لي ما قلته، وخذ البدرتين، فقال: إن الله تعالى لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض الذي من غير روث ولا دم خلقها من التراب، وجعل رزقها وعيشها منه، فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب.

فقال هارون: والله! ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة. وأخذ الأعرابي البدرتين، وخرج.

فتبعه بعض الناس وسأله عن اسمه، فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام، فأخبر هارون بذلك، فقال: والله! لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة (1).

أقول: نقلته كما وجدته، وإن كان خارجا من موضوع الكتاب، لأن الغرض جمع مواقف الشيعة لا الأئمة عليهم السلام والرجاء من الله سبحانه أن يوفقني لجمعه في كتاب مستقل، إن شاء الله تعالى.

(229)
هشام والمتكلمون

عن يونس بن عبد الرحمن، قال: كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام بن الحكم شيئا من طعنه على الفلاسفة، وأحب أن يغري به هارون ونصرته على القتل، قال: وكان هارون لما بلغه عن هشام مال إليه.

وذلك: أن هشاما تكلم يوما بكلام عند يحيى بن خالد في إرث النبي صلى الله عليه آله فنقل إلى هارون فأعجبه، وقد كان قبل ذلك يحيى

____________

(1) البحار: ج 48 ص 141 - 143 عن المناقب.

الصفحة 347
يسترق أمره عند هارون ويرده عن أشياء كان يعزم عليها من أذاه، فكان ميل هارون إلى هشام أحد ما غير قلب يحيى على هشام، فشيعه عنده وقال له: يا أمير المؤمنين! إني قد استبطنت أمر هشام، فإذا هو يزعم أن لله في أرضه إماما غيرك مفروض الطاعة! قال: سبحان الله!! قال: نعم، ويزعم أنه لو أمره بالخروج لخرج، وإنما كنا نرى أنه ممن يرى الإلباد بالأرض.

فقال هارون ليحيى: فاجمع عندك المتكلمين وأكون أنا من وراء الستر بيني وبينهم لئلا يفطنوا بي ولا يمتنع كل واحد منهم أن يأتي بأصله لهيبتي.

قال: فوجه يحيى وأشحن المجلس من المتكلمين، وكان فيهم ضرار بن عمرو وسليمان بن جرير و عبد الله بن يزيد الإباضي ومؤبد بن مؤبد ورأس الجالوت، قال: فتساءلوا فتكافؤوا وتناظروا وتقاطعوا وتناهوا إلى شاذ من شاذ الكلام، كل يقول لصاحبه: لم تجب، ويقول: قد أجبت، وكان ذلك عن يحيى حيلة عل هشام، إذ لم يعلم بذلك المجلس، واغتنم ذلك لعلة كان أصابها هشام بن الحكم.

فلما تناهوا إلى هذا الموضع قال لهم يحيى بن خالد: أترضون فيما بينكم هشاما حكما؟ قالوا: قد رضينا أيها الوزير! فأنى لنا به وهو عليل؟ فقال يحيى: فأنا أوجه إليه، فأرسله أن يتجشم المشي، فوجه إليه فأخبره بحضورهم وأنه إنما منعه أن يحضروه أول المجلس إبقاءا عليه من العلة وأن القوم قد اختلفوا في المسائل والأجوبة وتراضوا بك حكما بينهم، فإن رأيت أن تتفضل وتحمل على نفسك فافعل.

فلما صار الرسول إلى هشام، قال لي: يا يونس! قلبي ينكر هذا القول ولست آمن أن يكن هاهنا أمرا لا أقف عليه، لأن هذا الملعون - يحيى بن خالد - قد تغير علي لأمور شتى، وقد كنت عزمت إن من الله علي بالخروج من هذه العلة أن أشخص إلى الكوفة وأحرم الكلام بتة وألزم المسجد ليقطع

الصفحة 348
عني مشاهدة هذا الملعون - يعني يحيى بن خالد - قال: قلت: جعلت فداك!

لا يكون إلا خيرا، فتحرز ما أمكنك، فقال لي: يا يونس! أترى التحرز عن أمر يريد الله إظهاره على لساني؟ أنى يكون ذلك! ولكن قم بنا على حول الله وقوته.

فركب هشام بغلا كان مع رسوله، وركبت أنا حمارا كان لهشام، قال:

فدخلنا المجلس، فإذا هو مشحون بالمتكلمين! قال: فمضى هشام نحو يحيى فسلم عليه وسلم على القوم وجلس قريبا منه، وجلست أنا حيث انتهى بي المجلس.

قال: فأقبل يحيى على هاشم بعد ساعة، فقال: إن القوم حضروا وكنا مع حضورهم نحب أن تحضر، لا لأن تناظر، بل لأن نأنس بحضورك إن كانت العلة تقطعك عن المناظرة، وأنت بحمد الله صالح وليست علتك بقاطعة من المناظرة، وهؤلاء القوم قد تراضوا بك حكما بينهم.

قال: فقال هشام: ما لموضع الذي تناهت به المناظرة؟ فأخبره كل فريق منهم بموضع مقطعه، فكان من ذلك أن حكم لبعض على بعض، فكان من المحكومين عليه " سليمان بن جرير " فحقدها على هشام.

قال: ثم إن يحيى بن خالد قال لهشام: إنا قد أعرضنا عن المناظرة والمجادلة منذ اليوم، ولكن إن رأيت أن تبين عن فساد اختيار الناس الإمام وأن الإمامة في آل بيت الرسول دون غيرهم! قال هشام: أيها الوزير! العلة تقطعني عن ذلك، ولعل معترضا يعترض فيكتسب المناظرة والخصومة. قال:

إن اعترض معترض قبل أن تبلغ مرادك وغرضك فليس ذلك له، بل عليه أن يحفظ المواضع التي له فيها مطعن فيقفها إلى فراغك ولا يقطع عليك كلامك.

فبدأ هشام وساق الذكر لذلك وأطال واختصرنا منه موضع الحاجة.


الصفحة 349
فلما فرغ مما قد ابتدأ فيه من الكلام في فساد اختيار الناس الإمام قال يحيى لسليمان بن جرير: سل أبا محمد عن شئ من هذا الباب؟ قال سليمان لهشام: أخبرني عن علي بن أبي طالب مفروض الطاعة؟ فقال هشام: نعم، قال: فإن أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل وتطيعه؟ فقال هشام: لا يأمرني، قال: ولم إذا كانت طاعته مفروضة عليك وعليك أن تطيعه؟ فقال هشام: عد عن هذا فقد تبين فيه الجواب، قال سليمان: فلم يأمرك في حال تطيعه وفي حال لا تطيعه؟ فقال هشام:

ويحك! لم أقل لك: إني لا أطيعه فتقول: إن طاعته مفروضة، إنما قلت لك:

لا يأمرني.

قال سليمان: ليس أسألك إلا على سبيل سلطان الجدل، ليس على الواجب أنه لا يأمرك، فقال هشام: كم تحول حول الحمى؟ هل هو إلا أن أقول لك: إن أمرني فعلت؟ فتنقطع أقبح الانقطاع ولا يكون عندك زيادة!

وأنا أعلم بما يجب قولي وما إليه يؤول جوابي.

قال: فتغير وجه هارون، وقال هارون: قد أفصح، وقام الناس، واغتنمها هشام، فخرج على وجهه إلى المدائن.

قال: فبلغنا أن هارون قال ليحيى: شد يدك بهذا وأصحابه.

وبعث إلى أبي الحسن موسى عليه السلام فحبسه، فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الأسباب، وإنما أراد يحيى أن يهرب هشام فيموت مخفيا ما دام لهارون سلطان.

قال: ثم صار هشام إلى الكوفة، وهو يعقب عليه، ومات في دار ابن شرف بالكوفة، رحمه الله تعالى.

قال: فبلغ هذا المجلس محمد بن سليمان النوفلي وابن ميثم، وهما في حبس هارون، فقال النوفلي: أرى هشاما ما استطاع أن يعتل، فقال ابن

الصفحة 350
ميثم: بأي شئ يستطيع أن يعتل وقد أوجب أن طاعته مفروضة من الله قال: يعتل بأن يقول: الشرط علي في إمامته أن لا يدعو أحدا إلى الخروج حتى ينادي مناد من السماء، فمن دعاني ممن يدعي الإمامة قبل ذلك الوقت علمت أنه ليس بإمام، وطلبت من أهل هذا البيت من لا يقول أنه يخرج ولا يأمر بذلك حتى ينادي مناد من السماء، فأعلم أنه صادق.

فقال ابن ميثم: هذا من أخبث الخرافة! ومتى كان هذا في عقد الإمامة؟ إنما يروى هذا في صفة القائم عليه السلام وهشام أجدل من أن يحتج بهذا! على أنه لم يفصح بهذا الافصاح الذي قد شرطته أنت، إنما قال:

إن أمرني المفروض الطاعة بعد علي عليه السلام فعلت، ولم يسم فلان دون فلان، كما تقول: إن قال لي طلبت غيره، فلو قال هارون له وكان المناظر له:

من المفروض الطاعة؟ فقال: أنت، لم يكن أن يقول له: فإن أمرتك بالخروج بالسيف تقاتل أعدائي تطلب غيري وتنتظر المنادي من السماء، هذا لا يتكلم به مثل هذا، لعلك لو كنت أنت تكلمت به.

قال: ثم قال علي بن إسماعيل الميثمي: إنا لله وإنا إليه راجعون! على ما يمضي من العلم إن قتل، ولقد كان عضدنا وشيخنا والمنظور إليه فينا (1).

(230)
هشام مع يحيى

عن يونس، قال: كنت مع هشام بن الحكم في مسجده بالعشاء، حيث أتاه مسلم صاحب بيت الحكم، فقال له: إن يحيى بن خالد يقول: قد أفسدت على الرفضة دينهم! لأنهم يزعمون أن الدين لا يقوم إلا بإمام حي،

____________

(1) البحار: ج 48 ص 189 - 193 وقاموس الرجال: ج 9 ص 320 والكشي: ص 258.

الصفحة 351
وهم لا يدرون إمامهم اليوم حي أو ميت.

فقال هشام عند ذلك: إنما علينا أن ندين بحياة الإمام أنه حيي حاضرا عندنا أو متواريا عنا حتى يأتينا موته، فما لم يأتنا موته فنحن مقيمون على حياته، ومثل مثالا فقال: الرجل إذا جامع أهله وسافر إلى مكة أو توارى عنه ببعض الحيطان، فعلينا أن نقيم على حياته حتى يأتينا خلاف ذلك.

فانصرف سالم ابن عم يونس بهذا الكلام فقصه على يحيى بن خالد، فقال يحيى: ما ترى؟ ما صنعنا شيئا! فدخل يحيى على هارون فأخبره، فأرسل من الغد فطلبه، فطلب في منزله فلم يوجد، وبلغه الخبر، فلم يلبث إلا شهرين أو أكثر حتى مات في منزل محمد وحسين الحناطين، فهذا تفسير أمر هشام.

وزعم يونس أن دخول هشام على يحيى بن خالد وكلامه مع سليمان بن جرير بعد أن أخذ أبو الحسن عليه السلام بدهر، إذا كان في زمن المهدي ودخوله إلى يحيى بن خالد في زمن الرشيد (1).

(231)
هشام والمتكلمون

على علي الاسواري، قال: كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلمون من كل فرقة وملة يوم الأحد، فيتناظرون في أديانهم ويحتج بعضهم على بعض، فبلغ ذلك الرشيد، فقال ليحيى بن خالد: يا عباسي ما هذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ فقال: يا أمير المؤمنين! ما شئ مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس، فإنه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم، فيحتج بعضهم على

____________

(1) البحار: ج 48 ص 196، والكشي: ص 266.