إني امرأة من بني ذكوان وثب زياد المدعى إلى أبي سفيان على ضيعتي ورثتها عن أبي وأمي، فغصبنيها وحال بيني وبينها، وقتل من نازعه فيها من رجالي، فأتيتك مستصرخة، فإن أنصفت وعدلت، وإلا وكلتك وزايد إلى الله عز وجل، فلن تبطل ظلامتي عندك ولا عنده والمنصف لي منكما حكم عدل.
فبهت معاوية ينظر إليها متعجبا من كلامها، ثم قال: ما لزياد؟ لعن الله زيادا، فإنه لا يزال يبعث على مثالبه من ينشرها، وعلى مساويها من يثيرها. ثم أمر كاتبه بالكتاب إلى زياد، يأمره بالخروج إليها من حقها، وإلا صرفه مذموما مدحورا، ثم أمر لها بعشرين ألف درهم.
وعجب معاوية وجميع من حضره من مقالتها وبلوغها حاجتها (1).
(265)
جروة التميمية عند معاوية
أبو عبد الله محمد بن زكريا، قال: حدثنا العباس بن بكار، قال: حدثني عبد الله بن سليمان المديني عن أبيه، وسهيل التميمي عن أبيه، عن عمته، قالت: احتجم معاوية بمكة، فلما أمسى أرق أرقا شديدا، فأرسل إلى جزوة ابنة غالب التميمية، وكانت مجاورة بمكة، وهي من بني أسد بن عمرو بن تميم، فلما دخلت قال لها: مرحبا يا جروة، أرعناك؟ قالت: إي والله! يا أمير المؤمنين، لقد
____________
(1) بلاغات النساء: ص 61 - 63. ومحادثات النساء: ص 71 - 72.
فقال لها: ليسكن روعك ولتطب نفسك فإن الأمر على خلاف ما ظننت، إني احتجمت فأعقبني ذلك أرقا، فأرسلت إليك تخبريني عن قومك.
قالت: عن أي قومي تسألني؟ قال: عن بني تميم.
قالت: يا أمير المؤمنين، هم أكثر الناس عددا وأوسعه بلدا وأبعده أمدا، هم الذهب الأحمر والحسب الأفخر، قال: صدقت فنزليهم لي.
قالت: يا أمير المؤمنين، أما بنو عمرو بن تميم: فأصحاب بأس ونجدة وتحاشد وشدة، لا يتخاذلون عند اللقاء ولا يطمع فيهم الأعداء، سلمهم فيهم وسيفهم على عدوهم، قال: صدقت، ونعم القوم لأنفسهم.
قالت: وأما بنو سعد بن زيد مناه: ففي العدد الأكثرون وفي النسب الأطيبون، يضرون إن غضبوا ويدركون إن طلبوا، أصحاب سيوف وجحف ونزال وزلف، على أن بأسهم فيهم وسيفهم عليهم.
وأما حنظلة: فالبيت الرفيع والحسب البديع والعز المنيع، المكرمون للجار والطالبون بالثار والناقضون للأوتار. قال: إن حنظلة شجرة تفرع، قالت:
صدقت يا أمير المؤمنين.
وأما البراجم: فأصابع مجتمعة وكف ممتنعة. وأما طهية: فقوم هوج وقرن لجوج. وأما بنو ربيعة: فصخرة صماء وحية رقشاء، يغزون غيرهم ويفخرون بقومهم. وأما بنو يربوع: ففرسان الرماح وأسود الصباح، يعتنقون الأقران ويقتلون الفرسان. وأما بنو مالك: فجمع غير مفلول وعز غير مجهول، ليوث هرارة وخيول كرارة. وأما بنو دارم: فكرم لا يداني وشرف لا يسامى وعز لا يوازى.
قالت: أما غطفان: فأكثر سادة وأمنع قادة. وأما فزارة: فبيتها المشهور وحسبها المذكور. وإما ذبيان: فخطباء شعراء أعزة أقوياء، وأما عبس: فجمرة لا تطفأ وعقبة لا تعلى وحية لا ترقى، وأما هوازن: فحلم ظاهر وعز قاهر. وأما سليم: ففرسان الملاحم وأسود ضراغم، وأما نمير: فشوكة مسمومة وهامة مذمومة وراية ملمومة. وأما هلال: فاسم فخم وعز قوم. وأما بنو كلاب فعدد كثير وفخر أثير.
قال: لله أنت! فما قولك في قريش؟ قالت: يا أمير المؤمنين هم ذروة السنام وسادة الأنام والحسب القمقام، قال: فما قولك في علي عليه السلام؟ قالت: جاز والله في الشرف حدا لا يوصف وغاية لا تعرف، وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما أتخوف.
قال: قد فعلت، وأمر لها بضيعة نفيسة غلتها عشرة آلاف درهم (1).
(266)
أروى بنت الحارث مع معاوية
كلام أروى بنت الحارث بن عبد المطلب مع معاوية، بنقل البحار:
روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن قتادة: أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية بن أبي سفيان، وقد قدم المدينة، وهي عجوز كبيرة. فلما رآها معاوية قال: مرحبا بك يا خالة! كيف كنت بعدي؟ قالت:
كيف أنت يا ابن أختي؟ لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك، بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في
____________
(1) بلاغات النساء: ص 73، وعنه بهج الصباغة: ج 10 ص 280.
فقال لها عمرو بن العاص: كفي أيتها العجوز الضالة، واقصري من قولك مع ذهاب عقلك، إذ لا تجوز شهادتك وحدك.
فقالت: وأنت يا ابن الباغية تتكلم؟ وأمك أشهر بغي بمكة وأقلهم أجرة!
وادعاك خمسة من قريش، فسئلت أمك عن ذلك، فقالت: كل أتاها!
فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب شبه العاص بن وائل جزار قريش، ألأمهم مكرا وأمهنهم خيرا، فما ألومك ببغضنا.
قال مروان بن الحكم: كفي أيتها العجوز، واقصدي لما جئت له.
فقالت: وأنت يا ابن الزرقاء تتكلم؟ والله وأنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص، وقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرف، فاسأل عما أخبرتك به أمك، فإنها ستخبرك بذلك.
ثم التفتت إلى معاوية، فقالت: والله ما جرأ هؤلاء غيرك، وإن أمك القائلة في قتل حمزة:
إلى آخر الأبيات. فأجابتها ابنة عمي:
إلى آخر الأبيات.
قالت: تعطيني ألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار. قال: ما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أزوج بها فقراء بني الحارث بن عبد المطلب. قال: هي كذلك، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: استعين بها على شدة الزمان وزيارة بيت الله الحرام. قال: قد أمرت بها لك، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أشتري بها عينا خرارة في أرض حوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب. قال: هي لك يا خالة، أما والله لو كان ابن عمك علي ما أمر بها لك! قالت: تذكر عليا فض الله فاك وأجهد بلاك! ثم علا نحيبها وبكاؤها، وجعلت تقول:
(267)
أبو أمامة مع معاوية
رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا: روي أنه دخل أبو أمامة الباهلي على معاوية، فقربه وأدناه، ثم دعا بالطعام فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه ولحيته طيبا بيده، وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه، ثم قال: يا أبا أمامة بالله أنا خير أم علي بن أبي طالب؟ فقال أبو أمامة: نعم ولا كذب، ولو بغير الله سألتني لصدقت، علي والله خير منك، وأكرم وأقدم إسلاما، وأقرب إلى رسول الله قرابة، وأشد في المشركين نكاية، وأعظم عند الأمة غناء، أتدري من علي يا معاوية؟ ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوج ابنته سيدة نساء العالمين، وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وابن أخ حمزة سيد الشهداء، وأخو جعفر ذي الجناحين، فأين تقع أنت من هذا يا معاوية؟ أظننت أني سأخيرك على علي بألطافك وطعامك وعطائك؟ فأدخل إليك مؤمنا وأخرج منك كافرا؟ بئس ما سولت لك نفسك يا معاوية! ثم نهض وخرج من عنده.
فأتبعه بالمال، فقال لا والله! لا أقبل منك دينارا واحدا (2).
(268)
كميل والحجاج
روى جرير عن المغيرة، قال: لما ولي الحجاج طلب كميل بن زياد،
____________
(1) البحار: ج 42 ص 118 - 120. وج 8 ص 533 ط الكمباني عن كشف الحق وص 534 عن الطرائف. وراجع قاموس الرجال: ج 10 ص 377 وقد مر في ص 402 فراجع.
(2) البحار: ج 42 ص 179.
فلما رأى كميل ذلك، قال: أنا شيخ كبير وقد نفذ عمري، لا ينبغي أن أحرم قومي عطاهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج.
فلما رآه قال له: لقد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا، فقال له كميل:
لا تصرف علي أنيابك ولا تهدم علي، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواهل الغبار، فاقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله وبعد القتل الحساب، ولقد خبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنك قاتلي.
فقال له الحجاج: الحجة عليك إذا! فقال له كميل: ذاك إذا كان القضاء إليك. قال: بلى قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان، اضربوا عنقه، فضربت عنقه (1).
(269)
قنبر مولى علي عليه السلام والحجاج
إن الحجاج بن يوسف الثقفي قال ذات يوم: أحب أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله بدمه، فقيل له: ما نعلم أحدا كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه.
فبعث في طلبه، فأوتي به، فقال له: أنت قنبر؟ قال: نعم، قال: أبو همدان؟
قال: نعم، قال: مولى علي بن أبي طالب؟ قال: الله مولاي وأمير المؤمنين علي ولي نعمتي، قال: أبرأ من دينه، قال: فإذا برئت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه؟ قال: إني قاتلك فاختر أي قتلة أحب إليك، قال: قد صيرت ذلك إليك، قال: ولم؟ قال: لأنك لا تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها، وقد أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام: أن ميتتي يكون ذبحا ظلما بغير حق. قال: فأمر به،
____________
(1) البحار: ج 42 ص 148. وراجع بهج الصباغة: ج 5 ص 127.
(270)
ميثم وابن زياد
.... فقدم (ميثم) الكوفة، فأخذ وأدخل على عبيد الله بن زياد، وقيل له:
هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب، قال: ويحكم! هذا الأعجمي؟ قالوا:
نعم.
فقال له عبيد الله: أين ربك؟ قال: بالمرصاد، قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك؟ قال: قد كان بعض ذلك، فما تريد؟ قال: وإنه ليقال: إنه قد أخبرك بما سيلقاك، قال: نعم إنه أخبرني: أنك تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، قال: لأخالفنه، قال: ويحك! كيف تخالفه؟ إنما أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل وأخبر جبرئيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء؟ أما والله! لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة، وإني لأول خلق الله ألجم في الإسلام بلجام كما يلجم الخيل.
فحبسه، وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه.
فلما دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله يأمره بتخلية سبيله، وذلك: أن أخته كانت تحت عبد الله ابن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد، فشفع، فأمضى
____________
(1) البحار: ج 42 ص 126 عن الإرشاد للمفيد رحمه الله، وبهج الصباغة: ج 10 ص 214 وج 5 ص 127. والكنى والألقاب: ج 2 ص 268.
وأما ميثم: فأخرج بعده ليصلب، وقال عبيد الله: لأمضين حكم أبي تراب فيه! فلقيه رجل فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟ فتبسم وقال: لها خلقت ولي غذيت.
فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول: إني مجاورك، وكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه وتجمر بمجمرة تحته.
فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم ومخازي بني أمية وهو مصلوب على الخشبة. فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فألجم، فكان أول خلق الله الجم في الإسلام.
فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دما، فلما كان في اليوم الثالث طعن بحربة، فمات.
وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيام (1).
(271)
رشيد الهجري وزياد
عن زياد النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد وقد أوتي برشيد الهجري، وكان من خواص أصحاب علي عليه السلام، فقال له زياد: ما قال لك خليلك إنا فاعلون بك؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني، فقال زياد: أما والله
____________
(1) البحار: ج 41 ص 344 - 345 عن ابن أبي الحديد. وراجع ج 42 ص 125 عن الإرشاد للمفيد - رحمه الله - و 131 عن الكشي و 133 عن الكشي أيضا و 138 عن الروضة. وراجع بهج الصباغة: ج 5 ص 125 - 127. والكسي: ص 83 و 86 وسيأتي ج 3 ص 154.
(272)
ابن عباس ومعاوية
حج معاوية فأتى المدينة وأصحاب النبي صلى الله عليه وآله متوافرون، فجلس في حلقة بين عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر، فضرب بيده على فخذ ابن عباس، ثم قال: أما كنت أحق وأولى بالأمر من ابن عمك؟ قال ابن عباس: وبم؟ قال: لأني ابن عم الخليفة المقتول ظلما! قال: هذا إذا - يعني ابن عمر - أولى بالأمر منك، لأن أبا هذا قتل قبل ابن عمك. قال: فانصاع عن ابن عباس، وأقبل على سعد وقال: وأنت يا سعد الذي لم يعرف حقنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا؟ قال سعد: إني لما رأيت الظلمة قد غشيت الأرض قلت لبعيري: " هيخ " فأنخته حتى إذا أسفرت مضيت، قال: والله لقد قرأت المصحف يوما بين الدفتين، ما وجدت فيه " هيخ " فقال: أما إذ أبيت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي: " أنت مع الحق والحق معك " قال: لتجيئني بمن سمعه معك أو لأفعلن، قال: أم سلمة، قال:
____________
(1) البحار: ج 41 ص 346 عن ابن أبي الحديد. وراجع ج 42 ص 122 عن أمالي الشيخ رحمه الله و 125 عن الإرشاد للمفيد رحمه الله و 136 عن الكشي و 138 عنه أيضا. وراجع بهج الصباغة: ج 5 ص 138. والكشي: ص 76.
فأقبل على سعد، فقال: الآن ألوم ما كنت عندي، والله لو سمعت هذا من رسول الله ما زلت خادما لعلي حتى أموت! (1).
(273)
أبو أيوب وعلقمة والأسود
إن علقمة والأسود أتيا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقالا له: يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنزول محمد صلى الله عليه وآله في بيتك وبمجئ ناقته تفضلا من الله تعالى وإكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس جميعا، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب أهل لا إله إلا الله! فقال: يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله، إن رسول الله أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون: فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل وطلحة والزبير، وأما القاسطون: فهذا منصرفنا عنهم - يعني معاوية وعمرو بن العاص - وأما المارقون: فهم أهل الطرفاوات وأهل السقيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله.
ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس كلهم واديا فاسلك مع علي، فإنه لن يدليك في ردى ولن
____________
(1) البحار: ج 38 ص 33 عن كشف الغمة.
قلنا: يا هذا حسبك يرحمك الله! حسبك يرحمك الله! (1).
(274)
ابن عباس وقريش
عن سعيد، عن ابن عباس، أنه مر بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون علي بن أبي طالب عليه السلام فقال لقائده: ما يقول هؤلاء؟ قال: يسبون عليا! قال: قربني إليهم، فلما أن وقف عليهم قال: أيكم الساب الله؟ قالوا:
سبحان الله! ومن يسب الله فقد أشرك بالله، قال: فأيكم الساب رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالوا: ومن يسب رسول الله فقد كفر، قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب؟ قالوا: قد كان ذلك، قال: فأشهد بالله وأشهد لله! لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله عز وجل " ثم مضى، فقال لقائده: فهل قالوا شيئا حين قلت لهم ما قلت؟ قال: ما قالوا شيئا، قال: كيف رأيت وجوههم؟ قال:
قال: زدني فداك أبوك! قال:
قال: زدني فداك أبوك! قال: ما عندي غير هذا، قال: لكن عندي:
____________
(1) البحار: ج 38 ص 38 - 39 عن الطرائف عن الخطيب.
(2) البحار: ح 39 ص 311 عن أمالي الصدوق رحمه الله. وقاموس الرجال: ج 6 ص 28 عن
=>
(275)
خليل بن أحمد ويونس
عن يونس بن حبيب النحوي - وكان عثمانيا - قال: قلت: للخليل بن أحمد:
أريد أن أسألك عن شئ، فتكتمها علي؟ قال: إن قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال، فتكتمه أنت أيضا؟ قال: قلت: نعم أيام حياتك.
قال: سل، قال: قلت: ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ورحمهم كأنهم كلهم بنو أم واحدة، وعلي بن أبي طالب عليه السلام من بينهم كأنه ابن علة؟ قال: من أين لك هذا السؤال؟ قال: قلت: قد وعدتني الجواب، قال: وقد ضمنت لي الكتمان، قال: قلت: أيام حياتك، فقال: إن عليا تقدمهم إسلاما، وفاقهم علما، وبزهم شرفا، ورجحهم زهدا، وطالهم جهادا، فحسدوه، والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان منهم، فافهم (1).
(276)
خليل بن أحمد وأبو زيد النحوي
عن أبي زيد النحوي، قال سألت الخليل بن أحمد العروضي: لم هجر الناس عليا عليه السلام وقرباه من رسول الله صلى الله عليه وآله قرباه وموضعه من المسلمين موضعه وعناؤه في الإسلام عناؤه؟ فقال: بهر والله نوره أنوارهم،
____________
<=
المسعودي. والغدير: ج 2 ص 300 عن الملأ في سيرته، والرياض: ج 1 ص 166، وكفاية الطالب:
ص 27، والفرائد للحموي، والفصول لابن صباغ.
(1) البحار: ج 40 ص 74 - ص 75 عن أمالي الشيخ رحمه الله. وج 8 ص 151 ط الكمباني عن
المناقب قريبا منه، وص 153 عن الشيخ رحمه الله. وراجع قاموس الرجال: ج 9 ص 484. ونور
القبس: ص 57. وبهج الصباغة: ج 4 ص 157 و 517. والكنى والألقاب: ج 1 ص 417.
قال: وأنشدنا الرياشي في معناه عن العباس بن الأحنف:
(277)
جمع من الصحابة أنكروا على أبي بكر
عن أبان بن تغلب، قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: جعلت فداك! هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فقال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا من المهاجرين: خالد ابن سعيد بن العاص وكان من بني أمية، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي. ومن الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري.
قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال الآخرون منهم:
والله لئن فعلتم ذلك إذا لأعنتم على أنفسكم وقد قال الله عز وجل: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين عليه السلام لنستشيره
____________
(1) البحار: ج 8 ص 151 ط الكمباني عن علل الشرايع والأمالي للصدوق - رحمه الله - وبهج الصباغة: ج 4 ص 157.
فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى منه، لأنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " علي مع الحق والحق مع علي، يميل مع الحق كيف مال " ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، فجئناك نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وأيم الله! لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله! لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين أسيافكم مستعدين للحرب والقتال، إذا لأتوني فقالوا لي:
بايع وإلا قتلناك، فلا بد من أن أدفع القوم عن نفسي، وذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوعز إلي قبل وفاته فقال لي: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك بعدي وتنقض فيك عهدي، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى، وأن الأمة من بعدي بمنزلة هارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه، فقلت: يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان ذلك، فقال: إن وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا كف يدك وأحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه، ثم آليت يمينا أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلت. ثم أخذت بيد فاطمة عليها السلام وابني الحسن والحسين عليهما السلام فدرت على أهل بدر وأهل السابقة، فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط منهم: سلمان، وعمار، والمقداد، وأبو ذر. ولقد راودت في ذلك تقييد بينتي، فاتقوا الله على السكوت لما علمتم من وغر صدور القوم وبغضهم لله ولرسوله ولأهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل، فعرفوه ما سمعتم من قول رسولكم صلى الله عليه وآله ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر، وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وردوا عليه.
يا ابن رسول الله إن العامة لا تقرأ كما عندك، فقال: وكيف تقرأ يا أبان؟ قال:
قلت: إنها تقرأ: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار " فقال:
ويلهم! وأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى تاب الله عليه منه؟
إنما تاب الله به على أمته. فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص، ثم باقي المهاجرين، ثم من بعدهم الأنصار. وروي أنهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فقدموا وقد تولى أبو بكر! وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقام خالد بن سعيد بن العاص وقال:
اتق الله يا أبا بكر، فقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله - قال - ونحن محتوشوه يوم قريظة حين فتح الله له وقد قتل علي يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والأنصار! إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمرا فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب عليه السلام أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربي، ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم، واضطرب عليكم أمر دينكم، ووليكم شراركم، ألا إن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعاملون بأمر أمتي من بعدي، اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض.
فقال خالد: اسكت يا ابن الخطاب، فإنك تنطق عن لسان غيرك، وأيم الله! لقد علمت قريش أنك من ألأمها حسبا وأدناها منصبا وأخسها قدرا وأخملها ذكرا وأقلهم غناء عن الله ورسوله، وأنك لجبان في الحروب بخيل بالمال لئيم العنصر، ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين. فأبلس عمر، وجلس خالد بن سعيد.
ثم قام سلمان الفارسي وقال:
كرديد ونكرديد [ وندانيد چه كرديد ] أي فعلتم ولم تفعلوا [ وما علمتم ما فعلتم ] وامتنع من البيعة قبل ذلك حتى وجئ عنقه، فقال: يا أبا بكر! إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه؟ وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه؟ وما عذرك في تقدم من هو أولى منك وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلم بتأويل كتاب الله عز وجل لو سنة نبيه ومن قدمه النبي صلى الله عليه وآله في حياته وأوصاكم به عند وفاته؟ فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته، وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد، وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد، حذرا من مثل ما أتيتموه وتنبيها للأمة على عظيم ما اجترحتموه من مخالفة أمره، فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك، وحملت معك ما اكتسبت يداك، فلو راجعت الحق من قرب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذو ونصرتك، فقد سمعت كما سمعنا
فقد أعذر من أنذر، ولا تكن كمن أدبر واستكبر.
ثم قام أبو ذر:
فقال: يا معاشر قريش! أصبتم قباحة وتركتم قرابة، والله! لترتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين، ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان، والله! لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها وليسفكن في طلبها دماء كثيرة - فكان كما قال أبو ذر - ثم قال: لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الأمر بعدي لعلي، ثم لابني الحسن والحسين، ثم للطاهرين من ذريتي، فأطرحتم قول نبيكم، وتناسيتم ما عهد به إليكم، فأطعتم الدنيا الفانية، وبعتم الآخرة الباقية، التي لا يهرم شبابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا تموت سكانها، بالحقير التافه الفاني الزائل، وكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها وغيرت وبدلت واختلفت، فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وعما قليل تذوقون وبال أمركم، وتجزون بما قدمت أيديكم، وما الله بظلام للعبيد.
ثم قام المقداد بن الأسود وقال:
ارجع يا أبا بكر عن ظلمك، وتب إلى ربك، والزم بيتك، وابك على خطيئتك، وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول الله صلى الله عليه وآله في عنقك من بيعته، وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه، ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك
وبادر الاستقالة قبل فوتها، فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك، ولا تغررك قريش وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك، ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت وتيقنت أن علي بن أبي طالب عليه السلام صاحب هذا الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فسلمه إليه بما جعله الله له، فإنه أتم لسترك وأخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي، وإلى الله ترجع الأمور.
ثم قام بريدة الأسلمي فقال:
إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا لقي الحق من الباطل يا أبا بكر؟
أنسيت أم تناسيت؟ أم خدعتك نفسك وسولت لك الأباطيل؟ أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله من تسمية علي بإمرة المؤمنين والنبي بين أظهرنا؟ وقوله في عدة أوقات: هذا أمير المؤمنين وقاتل القاسطين؟ فاتق الله! وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها، وأنقذها مما يهلكها، واردد الأمر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح، ودللتك على طريق النجاة، فلا تكونن ظهيرا للمجرمين.
ثم قام عمار بن ياسر فقال:
يا معاشر قريش! يا معاشر المسلمين! إن كنتم علمتم، وإلا فاعلموا: