الصفحة 428

أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظفر عدوكم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم، وعلي من بينهم وليكم بعهد الله وبرسوله، وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال: عند سد النبي صلى الله عليه وآله أبوابكم التي كانت إلى المسجد فسدها كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله صلى الله عليه وآله: " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها " وأنتم جميعا مصطرخون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه، وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه وتغيرون على حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة؟ بئس للظالمين بدلا! أعطوه ما جعله الله له، ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين.

ثم قام أبي بن كعب فقال:

يا أبا بكر! لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وصفيه وصدف عن أمره، اردد الحق إلى أهله تسلم، ولا تتماد في غيك فتندم، وبادر الإنابة يخف وزرك، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك فيسألك عما جنيت، وما ربك بظلام للعبيد.

ثم قام خزيمة بن ثابت فقال:

أيها الناس! ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل

الصفحة 429
شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى، قال: فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم " وقد قلت ما علمت، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال:

وأنا أشهد على نبينا صلى الله عليه وآله أنه أقام عليا عليه السلام يعني يوم غدير خم، فقالت الأنصار: ما أقامه إلا للخلافة، وقام بعضهم:

ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه، وأكثروا الخوض في ذلك، فبعثنا رجالا منا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن ذلك، فقال: " قولوا لهم: علي عليه السلام ولي المؤمنين بعدي، وأنصح الناس لأمتي " وقد شهدت بما حضرني، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إن يوم الفصل كان ميقاتا.

ثم قام سهل بن حنيف:

فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي محمد وآله، ثم قال:

يا معاشر قريش إشهدوا علي أني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رأيته في هذا المكان - يعني الروضة - وهو آخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول: أيها الناس! هذا علي إمامكم من بعدي، ووصي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني، ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن تبعه ونصره! والويل لمن تخلف عنه وخذله!


الصفحة 430

وقام معه أخوه عثمان بن حنيف فقال:

سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم، فهم الولاة بعدي " فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله وأي أهل بيتك؟ فقال صلى الله عليه وآله: " علي والطاهرون من ولده "، وقد بين صلى الله عليه وآله فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.

ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال:

اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم، وردوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله ومجلس بعد مجلس يقول: " أهل بيتي أئمتكم بعدي " ويومئ إلى علي عليه السلام ويقول: " هذا أمير البررة وقاتل الكفرة، مخذول من خذله منصور من نصره " فتوبوا إلى الله من ظلمكم إن الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا تتولوا عنه معرضين.

قال الصادق عليه السلام فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا، ثم قال: وليتكم ولست بخيركم! أقيلوني أقيلوني! فقال عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك واجعلها في سالم مولى أبي حذيفة!

قال: فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل، وقال لهم: ما جلوسكم؟ فقد طمع فيها والله بنو هاشم، وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه

الصفحة 431
ألف رجل، فما زال يجتمع رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد النبي صلى الله عليه وآله، فقال عمر: والله يا صحابة علي، لئن ذهب الرجل منكم يتكلم بالذي تكلم به بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال:

يا ابن صهاك الحبشية! أبأسيافكم تهددونا؟ أم بجمعكم تفزعونا؟

والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم، وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين، لأن حجة الله فينا، والله لولا أني أعلم أن طاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي ولجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري. فقال له أمير المؤمنين: اجلس يا خالد، فقد عرف الله مقامك و شكر لك سعيك، فجلس.

وقام إليه سلمان الفارسي وقال:

الله أكبر! الله أكبر! سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا صمتا، يقول: بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه، إذ يكبسه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل من معه، ولست أشك إلا وأنكم هم! فهم به عمر بن الخطاب.

فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض، ثم قال: يا ابن صهاك الحبشية! لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم لأريتك أينا أضعف ناصرا وأقل عددا، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، والله لا أدخل إلا لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله أو لقضية أقضيها،

الصفحة 432
فإنه لا يجوز لحجة أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله أن يترك الناس في حيرة (1).

ولا بأس بنقل ما ذكره الصدوق - رحمه الله - في الخصال بإسناده عن زيد بن وهب.

قال: كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي ابن أبي طالب عليه السلام اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، كان من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص (2)، والمقداد بن الأسود، وأبي بن كعب، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، و عبد الله بن مسعود، وبريدة الأسلمي، وكان من الأنصار: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وسهل بن حنيف، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الهيثم بن التيهان، وغيرهم.

فلما صعد المنبر تشاوروا بينهم في أمره، فقال بعضهم: هلا نأتيه فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وقال آخرون: إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم وقد قال الله عز وجل: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ولكن امضوا بنا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام نستشيره ونستطلع أمره.

فأتوا عليا عليه السلام فقالوا: يا أمير المؤمنين ضيعت نفسك وتركت حقا أنت أولى به، وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الحق حقك وأنت أولى بالأمر منه، فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك فقال لهم علي عليه السلام: لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حربا لهم، ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول:

نبيها والكاذبة على ربها، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت، لما يعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه، وإنهم

____________

(1) البحار: ج 28 ص 189 - 203 عن الاحتجاج: ج 1 ص 97 وص 208 عن الخصال وص 214 عن كشف اليقين وذكر محل الخلاف من الروايات من طرق العامة والخاصة.

(2) في الاحتجاج: " عمرو بن سعيد ".

الصفحة 433
يطالبون بثارات الجاهلية، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال، كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني وقالوا لي: بايع وإلا قتلناك، فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي، وذلك: أني ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " يا علي! إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك فعليك بالصبر حتى ينزل الله الأمر، ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذ لا لك وسفك دمك، فإن الأمة ستغدر بك بعدي، كذلك أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربي تبارك وتعالى " ولكن أئتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من نبيكم، ولا تدعوه في الشبهة من أمره، ليكون ذلك أعظم للحجة عليه: وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربه وقد عصى نبيه وخالف أمره.

قال: فانطلقوا حتى حفوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله يوم جمعة، فقالوا للمهاجرين: إن الله عز وجل بدأ بكم في القرآن، فقال: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار " فبكم بدء.

فكان أول من بدأ وقام خالد بن سعيد بن العاص بإدلاله ببني أمية.

فقال: يا أبا بكر اتق الله! قد علمت ما تقدم لعلي من رسول الله صلى الله عليه وآله، ألا تعلم أن رسول الله. صلى الله عليه وآله قال لنا ونحن محتوشوه في يوم بني قريظة، وقد أقبل على رجال منا ذوي قدر، فقال: معاشر المهاجرين والأنصار! أوصيكم بوصية فاحفظوها، وإني مود إليكم أمرا فاقبلوه، ألا إن عليا عليه السلام أميركم من بعدي وخليفتي فيكم، أوصاني بذلك ربي وربكم، وإنكم إن لم تحفظوا وصيتي فيه وتؤوه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم وولي عليكم الأمر شراركم، ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون أمري القائمون بأمر أمتي، اللهم فمن حفظ فيهم وصيتي فاحشره في زمرتي، واجعل له من مرافقتي نصيبا يدرك به فوز الآخرة، اللهم ومن أساء خلافتي في

الصفحة 434
أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها السماوات والأرض.

فقال له عمر بن الخطاب: اسكت يا خالد! فلست من أهل الشورى، ولا ممن يرضى بقوله.

فقال خالد: بل اسكت أنت يا ابن الخطاب! فوالله إنك لتعلم أنك لتنطق بغير لسانك وتعتصم بغير أركانك، والله إن قريشا لتعلم أنك ألأمها حسبا، وأقلها أدبا، وأخملها ذكرا، وأقلها غناء (1) عن الله عز وجل وعن رسوله، وأنك لجبان عند الحرب، بخيل في الجدب، لئيم العنصر، ما لك في قريش مفخر.

قال: فأسكته خالد، فجلس.

ثم قام أبو ذر - رحمة الله عليه - فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

أما بعد، يا معاشر المهاجرين والأنصار! لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " الأمر لعلي عليه السلام بعدي، ثم للحسن والحسين، ثم في أهل بيتي من ولد الحسين عليهم السلام " فاطر حتم قول نبيكم وتناسيتم ما أوعز إليكم، واتبعتم الدنيا، وتركتم نعيم الآخرة الباقية التي لا يهدم بنيانها ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها، وكذلك الأمم التي كفرت بعد أنبيائها بدلت وغيرت، فحاذيتموها حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل فعما قليل تذوقون وبال أمركم وما الله بظلام للعبيد.

ثم قام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال:

يا أبا بكر! إلى من تستند أمرك إذا نزل بك القضاء؟ وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلم؟ وفي القوم من هو أعلم منك وأكثر في الخير أعلاما

____________

(1) ليس في الخصال " غناء " وأثبتناه لموافقته السياق.

الصفحة 435
ومناقب منك، وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله قرابة وقدمة في حياته، وقد أوعز إليكم، فتركتم قوله وتناسيتم وصيته، فعما قليل يصفو لك الأمر، حين تزور القبور وقد أثقلت ظهرك من الأوزار، لو حملت إلى قبرك لقدمت على ما قدمت، فلو راجعت الحق وأنصفت أهله لكان ذلك نجاة لك يوم تحتاج إلى عملك وتفرد في حفرتك بذنوبك، وقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عما أنت له فاعل، فالله الله! في نفسك، فقد أعذر من أنذر.

ثم قام المقداد بن الأسود - رحمه الله - فقال:

يا أبا بكر! إربع على نفسك، وقس شبرك بفترك، والزم بيتك، وابك على خطيئتك، فإن ذلك أسلم لك في حياتك ومماتك، ورد هذا الأمر إلى حيث جعله الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله، ولا تركن إلى الدنيا، ولا يغرنك من قد ترى من أوغادها، فعما قليل تضمحل دنياك، ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت أن هذا الأمر لعلي، وهو صاحبه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد نصحتك إن قبلت نصحي.

ثم قام بريدة الأسلمي فقال:

يا أبا بكر! نسيت أم تناسيت؟ أم خادعتك نفسك؟ أما نذكر إذ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله فسلمنا على علي بإمرة المؤمنين ونبينا بين أظهرنا؟ فاتق الله ربك، وأدرك نفسك قبل أن لا تدركها، وأنقذها من هلكتها، ودع هذا الأمر وكله إلى من هو أحق به منك، ولا تماد في غيك، وارجع وأنت تستطيع الرجوع، وقد منحتك نصحي وبذلت لك ما عندي، وإن قبلت وفقت ورشدت.


الصفحة 436

ثم قام عبد الله بن مسعود فقال:

يا معشر قريش! قد علمتم وعلم خياركم أن أهل بيت نبيكم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منكم، وإن كنتم إنما تدعون هذا الأمر بقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وتقولون: إن السابقة لنا، فأهل بيت نبيكم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منكم وأقدم سابقة منكم، وعلي بن أبي طالب صاحب هذا الأمر بعد نبيكم، فاعطوه ما جعله الله له، ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين.

ثم قام عمار بن ياسر - رحمه الله - فقال:

يا أبا بكر! لا تجعل لنفسك حقا جعله الله عز وجل لغيرك، ولا تكن أول من عصى رسول الله وخالفه في أهل بيته، واردد الحق إلى أهله يخف ظهرك، ويقل وزرك، وتلقى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عنك راض، ثم تصير إلى الرحمن فيحاسبك بعملك ويسألك عما فعلت.

ثم قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال:

يا أبا بكر! ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قال: نعم، قال: فأشهد بالله أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين يقتدى بهم.

ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال:

أنا أشهد على النبي أنه أقام عليا، فقالت الأنصار: ما أقامه إلا

الصفحة 437
للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه ولي من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه، فقال عليه السلام إن أهل بيتي نجوم أهل الأرض فقدموهم ولا تقدموهم.

ثم قام سهل بن حنيف فقال:

أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال على المنبر:

إمامكم من بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو أنصح الناس لأمتي.

ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال:

اتقوا الله في أهل بيت نبيكم، وردوا هذا الأمر إليهم، فقد سمعتم كما سمعنا في مقام بعد مقام من نبي الله صلى الله عليه وآله إنهم أولى به منكم، ثم جلس.

ثم قام زيد بن وهب، فتكلم.
وقام جماعة بعده، فتكلموا بنحو هذا.

فأخبر الثقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أن أبا بكر جلس في بيته ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث أتاه عمر بن الخطاب وطلحة والزبير وعثمان بن عفان و عبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح، مع كل واحد منهم عشرة رجال من عشائرهم شاهرين للسيوف، فأخرجوه من منزله، وعلا المنبر، فقال قائل منهم: والله لئن عاد منكم أحد فتكلم بمثل الذي تكلم به لنملأن أسيافنا منه! فجلسوا في منازلهم، ولم يتكلم أحد بعد ذلك (1).

____________

(1) راجع الخصال ص 461 - 465.

الصفحة 438
أقول، روى (1) ذلك عن كشف اليقين عن أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي من رواة العامة ورجالهم. وهنا تعاليق على البحار وتحقيق العلامة المجلسي - رحمه الله - في الكتاب، فليراجع، لما فيها من الفوائد. وقد ذكر بعد ذلك بعض جمل رواية كشف اليقين عن الطبري، لم بينه وبين ما تقدم من الروايتين من الاختلاف.

وهو:

ثم قام عمار بن ياسر فقال:

معاشر قريش! هل علمتم أن أهل بيت نبيكم أحق بهذا الأمر منكم؟ فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف مسلككم وتختلفوا فيما بينكم، فقد علمتم أن بني هاشم أول بهذا الأمر منكم، وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن قلتم: إن السابقة لنا، فأهل بيت نبيكم أقدم منكم سابقة وأعظم غناء من صاحبهم، وعلي بن أي طالب صاحب هذا الأمر من بعد نبيكم، فاعطوه ما جعله الله له، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين.

ثم قام سهل بن حنيف الأنصاري فقال:

يا أبا بكر! لا تجحد حقا ما جعله الله لك، ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل بيته، وأد الحق إلى أهله يخف ظهرك ويقل وزرك وتلقى رسول الله راضيا، ولا تختص به نفسك، فعما قليل ينقضي عنك ما أنت فيه، ثم تصير إلى الملك الرحمن فيحاسبك بعملك ويسألك عما جئت له، وما الله بظلام للعبيد.

____________

(1) أي العلامة المجلسي قدس سره.

الصفحة 439

ثم قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال:

يا أبا بكر! ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قال: نعم، قال: فأشهد بالله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: علي إمامكم بعدي.

قال:

وقام أبي بن كعب الأنصاري فقال:

أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم.

وقام أبو الهيثم بن التيهان فقال:

وأنا أشهد على نبينا محمد صلى الله عليه وآله أنه أقام عليا لتسلم له، فقال بعضهم: ما أقامة إلا للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه، فتشاجروا في ذلك، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، رجلا يسأله عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هو وليكم بعدي، وأنصح الناس لكم بعد وفاتي.

وقام عثمان بن حنيف الأنصاري فقال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " أهل بيتي نجوم الأرض ونور الأرض، فلا تقدموهم وقدموهم فهم الولاة بعدي " فقام إليه رجل، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وأي أهل بيتك أولى بذلك؟ فقال:

علي وولده.


الصفحة 440

وقام أبو أيوب الأنصاري فقال:

اتقوا الله في أهل بيت نبيكم، وردوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعنا مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله ومجلس بعد مجلس يقول: أهل بيتي أئمتكم بعدي.

قال: فجلس أبو بكر في بيته ثلاثة أيام، الخ.

(278)
أبي وأبو بكر

عن علي عليه السلام قال: لما خطب أبو بكر قام أبي بن كعب يوم جمعة - وكان أول يوم من شهر رمضان - فقال: يا معشر المهاجرين الذين هاجروا واتبعوا مرضات الرحمن وأثنى الله عليهم في القرآن، ويا معشر الأنصار الذين تبوؤا الدار والإيمان وأثنى الله عليهم في القرآن، تناسيتم أم نسيتم؟ أم بدلتم أم غيرتم؟ أم خذلتم أم عجزتم؟!

ألستم تعلمون أن رسول الله قام فينا مقاما أقام صلى الله عليه وآله لنا عليا، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت نبيه فهذا أميره؟

ألستم تعلمون أن رسول الله قال: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أوصيكم بأهل بيتي خيرا فقدموهم ولا تتقدموهم وأمروهم ولا تأمروا عليهم؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله قال: أهل بيتي الأئمة من بعدي؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله قال: أهل بيتي منار الهدى والمدلون على الله؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله قال: يا علي أنت الهادي لمن ضل؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله قال: علي المحيي لسنتي، ومعلم أمتي، والقائم

الصفحة 441
بحجتي، وخير من أخلف بعدي، وسيد أهل بيتي، وأحب الناس إلي، طاعته من بعدي كطاعتي على أمتي؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله لم يول على علي عليه السلام أحدا منكم وولاه في كل غيبة عليكم؟

أو لستم تعلمون أنهما كانا منزلتهما واحدا وأمرهما واحدا؟

أو لستم تعلمون أنه قال: إذا غبت عنكم وخلفت فيكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله جمعنا قبل موته في بيت ابنته فاطمة عليها السلام فقال لنا: إن الله أوحى إلى موسى أن اتخذ أخا من أهلك أجعله نبيا وأجعل أهله لك ولدا وأطهرهم من الآفات وأخلعهم من الذنوب، فاتخذ موسى هارون وولده، وكانوا أئمة بني إسرائيل من بعده والذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى. ألا وإن الله تعالى أوحى إلي أن اتخذ عليا أخا كموسى اتخذ هارون أخا، واتخذه ولدا، فقد طهرتم كما طهرت ولد هارون، إلا وأني ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك، فهم الأئمة؟ (1).

أفما تفقهون؟ أما تبصرون؟ أما تسمعون؟ ضربت عليكم الشبهات فكان مثلكم كمثل رجل في سفر أصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك، فلقي رجلا هاديا بالطريق فسأله عن الماء، فقال: أمامك عينان: إحداهما مالحة والأخرى عذبة، فإن أصبت من المالحة ضللت وهلكت، وإن أصبت من العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة، كما زعمتم!

وأيم الله! ما أهملتم، لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام، ولو أطعتموه ما اختلفتم ولا تدابرتم ولا تعللتم ولا برئ بعضكم من بعض،

____________

(1) راجع ما يأتي بعيد هذا.

الصفحة 442
فوا الله! إنكم بعده لمختلفون في أحكامكم، وإنكم بعده لناقضون عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنكم على عترته لمختلفون ومتباغضون، إن سئل هذا عن غير ما علم أفتى برأيه، وإن سئل هذا عما يعلم أفتى برأيه، فقد تحاريتم وزعمتم أن الاختلاف رحمة، هيهات! أبى كتاب الله ذلك عليكم، يقول الله تبارك وتعالى: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم " وأخبرنا باختلافهم، فقال: " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " أي للرحمة، وهم آل محمد وشيعتهم، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا علي أنت وشيعتك على الفطرة والناس منها براء.

فهلا قبلتم من نبيكم؟ كيف! وهو يخبركم بانتكاصكم، وينهاكم عن خلاف وصيه وأمينه ووزيره وأخيه ووليه، أطهركم قلبا وأعلمكم علما وأقدمكم إسلاما وأعظمكم غناء عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أعطاه تراثه وأوصاه بعداته واستخلفه على أمته ووضع عنده سره فهو وليه دونكم أجمعين، وأحق به منكم أكتعين، سيد الوصيين، وأفضل المتقين، وأطوع الأمة لرب العالمين، وسلم عليه بخلافة المؤمنين في حياة سيد النبيين وخاتم المرسلين.

فقد أعذر من أنذر، وأدى النصيحة من وعظ، وبصر من عمى وتعاشى وردى، فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتم كما رأينا، وشهدتم كما شهدنا.

فقام عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، فقالوا:

اقعد يا أبي! أصابك خبل أم أصابتك جنة؟ فقال: بل الخبل فيكم، كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله فألفيته يكلم رجلا وأسمع كلامه ولا أرى وجهه.

[ فقال فيما يخاطبه: ما أنصحه لك ولأمتك وأعلمه بسنتك! فقال رسول الله أفترى أمتي تنقاد له من بعدي؟ قال: يا محمد يتبعه من أمتك أبرارها، ويخالف

الصفحة 443
عليه من أمتك فجارها، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك. يا محمد إن موسى ابن عمران أوصى إلى يوشع بن نون، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم لله وأطوعهم له، وأمره الله عز وجل أن يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا وكما أمرت بذلك فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة، فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا منه، فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذبوا وصيك وجحدوا أمره وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه.

فقلت: يا رسول الله من هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا ملك من ملائكة ربي عز وجل ينبئني أن أمتي تختلف على وصيي علي بن أبي طالب، وإني أوصيك يا أبي بوصية إن حفظتها لم تزل بخير، يا أبي! عليك بعلي، فإنه الهادي المهدي الناصح لأمتي المحيي لسنتي، وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أبي! ومن غير أو بدل لقيني ناكثا لبيعتي عاصيا أمري جاحدا لنبوتي، لا أشفع له عند ربي ولا أسقيه من حوضي.

فقامت إليه رجال من الأنصار، فقالوا: اقعد رحمك الله يا أبي! فقد أديت ما سمعت ووفيت بعهدك ] (1).

(279)
بريدة وأبو بكر

قال: ثم قام بريدة الأسلمي، فقال: يا أبا بكر! أتناسيت أم تعاشيت؟ أم خادعتك نفسك؟ أما تذكر إذ أمرنا رسول الله فسلمنا على علي بإمرة المؤمنين وهو بين أظهرنا؟ فاتق الله، وتدارك نفسك قبل أن لا تداركها، وأنقذها من هلكتها، وادفع هذا الأمر إلى من هو أحق به منك من أهله، ولا تماد في اغتصابه، وارجع وأنت تستطيع أن ترجع، فقد محضت نصيحتك وبذلت لك

____________

(1) البحار: ج 28 ص 221. ما بين العلامتين ساقط من طبع الكمپاني، أضفناه من المصدر.

الصفحة 444
ما عندي، ما إن فعلته وفقت ورشدت (1).

(280)
أبو ذر وبريدة عند أبي بكر

ننقل هنا ما نقله سليم من الاحتجاج بعد حذف واختصار.

(سليم عن سلمان الفارسي): وقام أبو ذر، فقال: أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها المخذولة بعصيانها، إن الله يقول: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " وآل محمد صلى الله عليه وآله الأخلاف من نوح، وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من إسماعيل. وعترة النبي صلى الله عليه وآله محمد أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وهم كالسماء المرفوعة، والجبال المنصوبة، والكعبة المستورة، والعين الصافية، والنجوم الهادية، والشجرة المباركة أضاء نورها وبورك زيتها، محمد خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم، وعلي وصي الأوصياء، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، ووصي محمد صلى الله عليه وآله ووارث علمه، وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم، كما قال الله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " فقدموا من قدم الله، وأخروا من أخر الله، واجعلوا الولاية والوزارة لمن جعل الله.

فقام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايع (يعني عليا عليه السلام)؟ أو تأمر به فنضرب عنقه؟ والحسن والحسين عليهما السلام قائمان، فلما سمعا مقالة عمر بكيا،

____________

(1) وفي الطبعة ص (221) جعل ذلك رواية أخرى مستقلة قبل نقله الرواية المتقدمة وراجع أيضا ص (300) من البحار.

الصفحة 445
فضمهما إلى صدره فقال: لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما.

وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم!

فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد، وقال: ما لنا وللنساء؟

وقام بريدة الأسلمي وقال:

يا عمر! أتثب على أخي رسول الله وأبي ولده، وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك؟ ألستما اللذين قال لكما رسول الله صلى الله عليه وآله:

" انطلقا إلى علي عليه السلام وسلما عليه بإمرة المؤمنين " فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال: نعم؟

فقال أبو بكر: قد كان ذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله قال بعد ذلك: لا يجتمع لأهل بيتي الخلافة والنبوة فقال: والله ما قال هذا رسول الله صلى الله عليه وآله، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير! فأمر به عمر فضرب وطرد.

ثم قال: قم يا ابن أبي طالب فبايع، فقال عليه السلام: فإن لم أفعل؟ قال:

إذا والله تضرب عنقك! فاحتج عليهم ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه.

فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه: " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ".

وقيل للزبير: بايع، فأبى فوثب عمر وخالد والمغيرة بن شعبة في أناس، فانتزعوا سيفه فضربوا به الأرض حتى كسروه لببوه. فقال الزبير وعمر على صدره:، يا ابن صهاك! أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني، فبايع.

قال سلمان: ثم أخذوني فوجأوا عنقي حتى تركوها كالسلعة. ثم أخذوا

الصفحة 446
يدي وفتلوها، فبايعت مكرها.

ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير علي وأربعتنا، ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير، فإنه لما بايع قال: يا بن هاك! أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي، لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغات تقوى بهم وتصون.

فغضب عمرو قال: أتذكر صهاكا؟ فقال: ومن صهاك؟ وما يمنعني من ذكرها، وقد كانت صهاك زانية؟ أو تنكر ذلك؟ أو ليس قد كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنا بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب، فوهبها عبد المطلب له بعد مازنا بها، فولدته، وإنه لعبد جدي ولد زنا! فأصلح بينهما أبو بكر كف كل واحد منهما عن صاحبه.

قال سليم: فقلت لسلمان: فبايعت أبا بكر يا سلمان ولم تقل شيئا؟ قال:

قد قلت بعد ما بايعت: تبا لكم سائر الدهر! أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم؟

أصبتم وأخطأتم، أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم صلى الله عليه وآله حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها (1).

فقال عمر: يا سلمان أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك، وليقل صاحبك ما بدا له.

قال سلمان: فقلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا. فقال: قل ما شئت أليس قد بايعت؟ ولم يقر الله عينك بأن يليها صاحبك! فقلت: أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة أنه باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم، فقال لي: قل ما شئت أليس قد أزالها

____________

(1) راجع شرح النهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 170.

الصفحة 447
الله عن أهل البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله؟ فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وسألته عن هذه الآية: " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد " فأخبرني أنك أنت هو، فقال لي عمر:

اسكت أسكت الله نأمتك! أيها العبد ابن اللخناء! فقال لي علي عليه السلام:

أقسمت عليك يا سلمان لما سكت.

فقال سلمان: والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبرته بكل شئ نزل فيه وكل شئ سمعته من رسول الله فيه وفي صاحبه. فلما رآني عمر قد سكت قال: إنك له لمطيع مسلم.

فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا، قال عمر: يا سلمان ألا تكف كما كف صاحباك؟ والله! ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم منهما، وقد كفا كما ترى وبايعا، قال أبو ذر: أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد صلى الله عليه وآله وتعظيمهم؟ لعن الله - وقد فعل - من أبغضهم وافترى عليهم، وظلمهم حقهم، وحمل الناس على رقابهم، ورد هذه الأمة القهقري على أدبارها، فقال عمر: آمين! لعن الله من ظلمهم حقوقهم، لا والله! ما لهم فيها حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء.

قال أبو ذر: فلم خاصمتم الأنصار بحقهم وحجتهم؟ الحديث (1).

وقال البراء بن عازب: لم أزل لبني هاشم محبا (حبا شديدا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد وفاته) فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله (أوصى عليا أن لا يلي غسله غيره وأنه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره وأنه ليس أحد يرى عورة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ذهب بصره، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله فمن يعينني على غسلك؟ قال: جبرئيل

____________

(1) البحار: ج 28 ص 275 وما بعدها.