فقال طارق لهما: والله ما قمت [ بما سمعتماه ] حتى خيل لي أن بطن الأرض أحب إلي من ظهرها عند إظهاره ما أظهر من البغي والعيب والنقص لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله، ولمن هو خير منه في العاجلة والآجلة [ وما زهت به نفسه وملكه عجبه وعاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله واستنقصهم ] ولقد قمت مقاما عنده أوجب الله علي فيه أن لا أقول إلا حقا، وأي خير فيمن لا ينظر ما يصير إليه غدا؟ وأنشأ يتمثل بشعر لبيد بن عطارد التميمي:
فبلغ عليا عليه السلام مقالة طارق وما قال لمعاوية. فقال: لو قتل أخو بني نهد يومئذ لقتل شهيدا.
وزعم بعض الناس أن طارق بن عبد الله رجع إلى علي عليه السلام ومعه النجاشي.
وعمل معاوية في إطراء طارق وتعظيم أمره حتى تسلل ما كان في نفسه (1).
____________
(1) الغارات للثقفي: ج 2 ص 533 تحقيق الأرموي، ونقل في شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 4 ص 90 - 91،
=>
(336)
رجل ومعاوية
روي: أن معاوية بن أبي سفيان قال: إني أحب أن ألقى رجلا قد أتت عليه سن وقد رأى الناس، يخبرنا عما رأى. فقيل له: هذا رجل بحضرموت.
فأرسل إليه، فأتاه، فقال له: ما اسمك؟ قال: أمد، قال: ابن من؟ قال:
ابن لبد، قال ما أتى عليك من السنين؟ قال: ثلاثمائة وستون سنة، قال:
كذبت.
ثم تشاغل عنه معاوية، ثم أقبل عليه بعد ذلك، فقال: ما اسمك؟
قال: أمد، قال: ابن من؟ قال: ابن لبد، قال: ما أتى عليك من السنين؟
قال: ستون وثلاثمائة، قال: أخبرنا عما رأيت من الأزمان الماضية إلى زماننا هذا من ذاك، قال: يا أمير المؤمنين وكيف تسأل من يكذب؟ قال:
إني ما كذبتك ولكن أحببت أعلم كيف عقلك.
قال: يوم شبيه يوم وليلة شبيهة بليلة، يموت ميت ويولد مولود، ولولا من يموت لم تسعهم الأرض، ولولا من يولد لم يبق أحد على وجه الأرض.
قال: فأخبرني هل رأيت هاشما؟ قال: نعم رأيت رجلا طوالا حسن الوجه، يقال: إن بين عينيه بركة أو غرة بركة.
قال: فهل رأيت أمية؟ قال: نعم رأيت رجلا قصيرا أعمى، يقال له:
إن في وجهه أشرا أو شؤما.
قال: فهل رأيت محمدا؟ قال: من محمد؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: ويحك! أفلا فحمته كما فخمه الله فقلت: رسول الله صلى الله
____________
<=
والمستدرك للنوري رحمه الله باب الحدود ج 3 ص 234 شطرا منه. وكذا الوسائل كتاب الحدود عن
الكافي والتهذيب والفقيه (راجع ج 18 ص 474) والبحار: ج 8 ص 538 و 675 ط الكمباني
قال: فأخبرني ما كانت صناعتك؟ قال: كنت رجلا تاجرا، قال: فما بلغت في تجارتك؟ قال: كنت لا أستر عيبا ولا أرد ربحا.
قال معاوية: سلني قال: أسألك أن تدخلني الجنة، قال: ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه. قال: فأسألك أن ترد علي شبابي، قال: ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه. قال: فلا أرى عندك شيئا من أمر الدنيا ولا أمر الآخرة، فردني من حيث جئت بي. قال: أما هذا فنعم.
ثم أقبل معاوية على جلسائه فقال: لقد أصبح هذا زاهدا فيما أنتم فيه راغبون (1).
(337)
رجل من همدان مع عمرو
في خلفاء ابن قتيبة: ذكروا أن رجلا من همدان يقال له: برد، قدم على معاوية فسمع عمرا يقع في علي عليه السلام، فقال له: يا عمرو إن أشياخنا سمعوا النبي صلى الله عليه وآله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق، وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة النبي صلى الله عليه وآله له مناقب مثل مناقب علي، ففزع الفتى!
فقال عمرو: إنه أفسدها بأمره في عثمان.
فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا ولكنه آوى ومنع، قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال: نعم، قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: اتهامي إياه في عثمان، قال له: وأنت أيضا قد اتهمت! قال: صدقت وفيها خرجت إلى فلسطين.
____________
(1) البحار: ج 8 ص 538 ط الكمباني عن كنز الفوائد للكراجكي
(338)
رجل من أهل الكوفة ومعاوية
عن محارب بن ساعدة الأيادي، قال: كنت عند معاوية بن أبي سفيان وعنده أهل الشام ليس فيهم غيرهم، إذ قال: يا أهل الشام قد عرفتم حبي لكم وسيرتي فيكم، وقد بلغكم صنيع علي بالعراق وتسويته بين الشريف وبين من لا يعرف قدره.
فقال رجل منهم: لا يهد الله ركنك ولا يهيض جناحك ولا يعدمك ولدك ولا يرينا فقدك. فقال: فما تقولون في أبي تراب؟ قال: فقال كل رجل منهم ما أراد، ومعاوية ساكت، وعنده عمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فتذاكرا عليا عليه السلام بغير الحق.
فوثب رجل من آخر المجلس من أهل الكوفة [ وكان قد ] دخل مع القوم، فقال: يا معاوية تسأل أقواما في طغيانهم يعمهون، اختاروا الدنيا على الآخرة، والله لو سألتهم عن السنة ما أقاموها، فكيف يعرفون عليا وفضله؟
أقبل علي أخبرك، ثم لا تقدر أن تنكر أنت ولا من عن يمينك يعني عمروا.
هو والله الرفيع جاره، الطويل عماده، دمر الله به الفساد، وأبار به الشرك، ووضع به الشيطان وأولياءه، وضعضع به الجور، وأظهر به العدل، وأنطق زعيم الدين، وأطاب المورد، وأضحى الداجي، وانتصر به المظلوم، وهدم به بنيان الشقاق، وانتقم به من الظالمين، وأعز به المسلمين، العلم
____________
(1) بهج الصباغة: ج 6 ص 4 و ج 4 ص 685. وقاموس الرجال: ج 6 ص 377 عن خلفاء ابن قتيبة:
ج 1 ص 97. والغدير: ج 9 ص 138 عنه أيضا
فأمسكت القوم جميعا. وأمر معاوية بإخراجه، فأخرج وهو يقول: " قد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " (1).
(339)
عمر بن علي وسعيد بن المسيب
عن أبي داود الهمداني، قال: شهدت سعيد بن المسيب، وأقبل عمر بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فقال له سعيد: يا ابن أخي ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كما يفعل إخوتك وبنو عمك؟
فقال عمر: يا ابن المسيب أكلما دخلت فأجئ فأشهدك؟ فقال سعيد:
ما أحب أن تغضب، سمعت والدك عليا يقول: " والله إن لي من الله مقاما لهو خير لبني عبد المطلب مما على الأرض من شئ " فقال عمر: سمعت
____________
(1) البحار: ج 8 ص 539 ط الكمباني عن الغارات: ج 2 ص 547 - 548 واللفظ له
[ فقال سعيد: يا ابن أخي جعلتني منافقا؟ ] قال: ذلك ما أقول لك.
قال: ثم انصرف (1).
(340)
طرماح ومعاوية
كتب معاوية لعنه الله إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، يا علي لأضربنك بشهاب قاطع لا يدكنه الريح ولا يطفئه الماء، إذا اهتز وقع وإذا وقع نقب، والسلام.
فلما قرأ علي عليه السلام كتابه دعا بدواة وقرطاس، ثم كتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، يا معاوية فقد كذبت، أنا علي بن أبي طالب، وأنا أبو الحسن والحسين، قاتل جدك وعمك وخالك وأبيك، وأنا الذي أفنيت قومك يوم بدر ويوم الفتح ويوم أحد، وذلك السيف بيدي تحمله ساعدي بجرأة قلبي كما خلفه النبي صلى الله عليه وآله بكف الوصي، لم استبدل بالله ربا، وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا وبالسيف بدلا، والسلام على من اتبع الهدى.
ثم طوى الكتاب ودعا الطرماح بن عدي الطائي - وكان رجلا مفوها طوالا - فقال له: خذ كتابي هذا فانطلق به إلى معاوية ورد جوابه.
فأخذ الطرماح الكتاب، ودعا بعمامة فلبسها فوق قلنسوته، ثم ركب جملا بازلا فتيقا مشرفا عاليا في الهواء، فسار حتى نزل مدينة دمشق، فسأل عن قواد معاوية، فقيل له: من تريد منهم؟ فقال: أريد جرولا وجضما
____________
(1) الغارات: ج 2 ص 580
فنزل وعقل بعيره، وتركهم حتى اجتمعوا ركب إليهم، فلما بصروا به قاموا إليه يهزؤون به، فقال واحد منهم: يا أعرابي أعندك خبر من السماء؟
قال: نعم جبرئيل في السماء، وملك الموت في الهواء، وعلي في القضاء [ القفاء ظ ] فقالوا له: يا أعرابي من أين أقبلت؟ قال: من عند التقي النقي إلى المنافق الردي. قالوا له: يا أعرابي فما تنزل إلى الأرض حتى نشاورك؟
قال: والله ما في مشاورتكم بركة، ولا مثلي يشاور أمثالكم. قالوا: يا أعرابي فإنا نكتب إلى يزيد بخبرك - وكان يزيد يومئذ ولي عهدهم - فكتبوا إليه (1).
أما بعد يا يزيد، فقد قدم علينا من عند علي بن أبي طالب عليه السلام أعرابي له لسان يقول فما يمل ويكثر فما يكل، والسلام.
فلما قرأ يزيد الكتاب أمر أن يهول عليه وأن يقام له سماطان بالباب بأيديهم أعمدة الحديد، فلما توسطهم الطرماح قال: من هؤلاء كأنهم زبانية مالك في ضيق المسالك عند تلك الهوالك؟ قالوا: اسكت، هؤلاء أعدوا ليزيد.
فلم يلبث أن خرج يزيد، فلما نظر إليه قال: السلام عليك يا أعرابي، قال: الله السلام المؤمن المهيمن وعلى ولد أمير المؤمنين. قال: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، قال: سلامه معي من الكوفة. قال: إنه يعرض عليك الحوائج، قال: أما أول حاجتي إليه فنزع روحه من بين جنبيه، وأن يقوم من مجلسه حتى يجلس فيه من هو أحق به وأولى منه.
____________
(1) فيه ما لا يخفى، فإن ولايته العهد كان بعد قتل الحسن عليه السلام
فلما دخل على معاوية نظر إلى معاوية والسرير قال: السلام عليك أيها الملك! قال: وما منعك أن تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: نحن المؤمنون فمن أمرك علينا؟ فقال: ناولني كتابك، قال: إني لأكره أن أطأ بساطك. قال:
فناوله وزيري، قال: خان الوزير وظلم الأمير. قال: فناوله غلامي قال:
غلام سوء اشتراه مولاه من غير حل واستخدمه في غير طاعة الله. قال: فما الحيلة يا أعرابي؟ قال: ما يحتال مؤمن مثلي لمنافق مثلك، قم صاغرا فخذه!
فقام معاوية صاغرا فتناوله ثم فضه وقرأ.
ثم قال: يا أعرابي كيف خلفت عليا؟ قال: خلفته والله جلدا حريا ضابطا كريما شجاعا جوادا، لم يلق جيشا إلا هزمه، ولا قرنا إلا أرداه، ولا قصرا إلا هدمه.
قال: فكيف خلفت الحسن والحسين؟ قال: خلفتهما صلوات الله عليهما صحيحين فصيحين كريمين شجاعين جوادين شابين طريين، يصلحان للدنيا والآخرة.
قال: فكيف خلفت أصحاب علي؟ قال: خلفتهم وعلي عليه السلام بينهم كالبدر وهم كالنجوم، إن أمرهم ابتدروا، وإن نهاهم ارتدعوا.
فقال له: يا أعرابي ما أظن بباب علي أحدا أعلم منك، قال: ويلك!
استغفر ربك وصم سنة كفارة لما قلت، كيف لو رأيت الفصحاء الأدباء النطقاء ووقعت في بحر علومهم لفرقت يا شقي! قال: الويل لأمك! قال:
بل طوبى لها! ولدت مؤمنا يغمز منافقا مثلك.
قال له: يا أعرابي هل لك في جائزة؟ قال: أرى استنقاص روحك فكيف لا أرى استنقاص مالك؟ فأمر له بمائة ألف درهم. قال: أزيدك
ثم أقبل معاوية على كاتبه، فقال: اكتب للأعرابي جوابا، فلا طاقة لنا به، فكتب:
أما بعد يا علي، فلأوجهن إليك بأربعين حملا من خردل مع كل خردلة ألف مقاتل يشربون الدجلة ويسقون الفرات.
فلما نظر الطرماح إلى ما كتب به الكاتب أقبل على معاوية فقال له:
سوأة لك يا معاوية! فلا أدري أيكما أقل حياء؟ أنت أم كاتبك؟ ويلك!
لو جمعت الجن والإنس وأهل الزبور والفرقان كانوا لا يقولون بما قلت.
قال: ما كتبه عن أمري، قال: إن لم يكن كتبه عن أمرك فقد استضعفك في سلطانك، وإن كان كتبه بأمرك فقد استحييت لك من الكذب، أمن أيهما تعتذر؟ ومن أيهما تعتبر؟ أما إن لعلي صلوات الله عليه ديكا أشتر جيد العنصر، يلتقط الخردل لجيشه وجيوشه، فيجمعه في حوصلته!.
قال: ومن ذلك يا أعرابي؟ قال: ذلك مالك بن الحارث الأشتر.
ثم أخذ الكتاب والجائزة وانطلق به إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فأقبل معاوية على أصحابه، فقال: نرى لو وجهتكم بأجمعكم في كل ما وجه به صاحبه ما كنتم تؤدون عني عشر عشير ما أدى هذا عن صاحبه (1).
____________
(1) الاختصاص للمفيد - رحمه الله -: ص 138. والبحار: ج 8 ص 541 ط الكمباني عنه، ونقل ذلك أيضا برواية أخرى وجدها بخط بعض الأفاضل، فراجع
(341)
أبو المرقع ومعاوية
نقل من خط الشهيد - قدس سره - أنه قال معاوية لأبي المرقع الهمداني:
اشتم عليا، قال: بل أشتم شاتمه وظالمه. قال: أهو مولاك؟ قال: ومولاك إن كنت من المسلمين. قال: فادع عليه، قال: بل أدعو على من هو دونه.
قال: ما تقول في قاتله؟ قال: هو في النار مع من سن ذلك. قال: من قومك؟ قال: الزرق من همدان الذين أشجوك يوم صفين (1).
(342)
ابن عباس مع الخوارج
عن يوسف بن إبراهيم، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن عبد الله بن العباس لما بعثه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الخوارج يواقفهم، لبس أفضل ثيابه وتطيب بأطيب طيبه وركب أفضل مراكبه، فخرج فواقفهم فقالوا: يا ابن عباس بينا أفضل الناس إذ أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم فتلا عليهم هذه الآية: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " فالبس وتجمل، فإن الله جميل يحب الجمال، وليكن من حلال (2).
(343)
صعصعة والخوارج
عن مسمع بن عبد الله البصري عن رجل، قال: لما بعث علي بن أبي طالب عليه السلام صعصعة بن صوحان إلى الخوارج، قالوا له: أرأيت لو كان
____________
(1) البحار: ج 8 ص 543 ط الكمباني.
(2) البحار: ج 8 ص 566 ط الكمباني عن الكافي
وأين تذهبون؟ وإلى من ترغبون؟ وعمن تصدفون؟ عن القمر الباهر، والسراج الزاهر، وصراط الله المستقيم، وسبيل الله المقيم، قاتلكم الله أنى تؤفكون! أفي الصديق الأكبر والغرض الأقصى ترمون؟ طاشت عقولكم وغارت حلومكم وشاهت وجوهكم! لقد علوتم القلة من الجبل وباعدتم العلة من النهل، أتستهدفون أمير المؤمنين صلوات الله عليه ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله؟ لقد سولت لكم أنفسكم خسرانا مبينا، فبعدا وسحقا للكفرة الظالمين!
عدل بكم عن القصد الشيطان، وعمى لكم عن واضح المحجة الحرمان.
فقال له عبد الله بن وهب الراسبي: نطقت يا ابن صوحان بشقشقة بعير، وهدرت فأطنبت في الهدير، أبلغ صاحبك إنا مقاتلوه على حكم الله والتنزيل، فقال عبد الله بن وهب أبياتا (قال العكلي الحرماري: ولا أدري أهي له أم لغيره):
فقال صعصعة: كأني أنظر إليك يا أخا راسب مترملا بدمائك، يحجل الطير بأشلائك، لا تجاب لكم داعية ولا تسمع لكم واعية، يستحل ذلك منكم إمام هدى. قال الراسبي:
فقال صعصعة: " عند الصباح يحمد القوم السرى " ثم رجع إلى علي صلوات الله عليه فأخبره بما جرى بينه وبينهم، فتمثل علي عليه السلام:
بؤسا للمساكين يا ابن صوحان! أما لقد عهد إلي فيهم، وإني لصاحبهم، وما كذبت ولا كذبت، وإن لهم ليوما يدور فيه رحى المؤمنين على المارقين فيها، فيا ويحها حتفا! ما أبعدها من روح الله! ثم قال: الحديث (1).
(344)
قيس وحسان
لما نصب علي عليه السلام محمد بن أبي بكر لحكومة مصر، فقدمها، فقال له قيس: ما بال أمير المؤمنين! ما غيره؟ فغضب وخرج عنها مقبلا إلى المدينة، ولم يمض إلى علي بالكوفة.
فلما قدم المدينة جاء حسان بن ثابت شامتا به - وكان عثمانيا - فقال له:
نزعك علي بن أبي طالب عليه السلام وقد قتلت عثمان، فبقي عليك الإثم (2) ولم يحسن لك الشكر! فزجره قيس وقال: يا أعمى القلب! يا أعمى البصر! والله لولا أن ألقى بيني وبين رهطك حربا لضربت عنقك. ثم أخرجه من عنده (3).
____________
(1) الاختصاص: ص 121. والبحار: ج 8 ص 566 ط الكمباني. وقاموس الرجال: ج 5 ص 124.
(2) في البحار: " الاسم ".
(3) البحار: ج 8 ص 594 ط الكمباني. والغدير: ج 9 ص 128
(345)
امرأة عمرو بن الحمق مع معاوية
قال: كان عمرو بن الحمق الخزاعي شيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام، فلما صار الأمر إلى معاوية انحاز إلى شهر زور من الموصل، وكتب إليه معاوية:
أما بعد، فان الله قد أطفأ النائرة وأخمد الفتنة وجعل العاقبة للمتقين، ولست بأبعد أصحابك همة، ولا أشدهم في سوء الأثر صنعا، كلهم قد أسهل لطاعتي وسارع إلى الدخول في أمري، وقد بطأ بك ما بطأ، فادخل فيما دخل فيه الناس يمح عنك سالف ذنوبك ومحى داثر (1) حسناتك، ولعلي لا أكون لك دون من كان قبلي إن أبقيت واتقيت ووقيت وأحسنت، فاقدم علي آمنا في ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله محفوظا من حسد القلوب وإحن الصدور، وكفى بالله شهيدا.
فلم يقدم عليه عمرو بن الحمق، فبعث إليه من قتله وجاء برأسه، وبعث به إلى امرأته.
فوضع في حجرها، فقالت: سترتموه عني طويلا، وأهديتموه إلي قتيلا، فأهلا وسهلا من هدية غير قالية ولا مقلية! بلغ أيها الرسول عني معاوية ما أقول: طلب الله بدمه، وعجل الوبيل (2) من نقمه، فقد أتى أمرا فريا وقتل بارا تقيا، فأبلغ أيها الرسول معاوية ما قلت.
فبلغ الرسول ما قالت.
____________
(1) في البحار: " ونحى دائر ".
(2) في البحار: " وعجل له الويل من نقمه "
فقال عبد الله بن أبي سرح الكاتب: يا أمير المؤمنين إنها منافقة فألحقها بزوجها، فنظرت إليه، فقالت: يا من بين لحييه كجثمان الضفدع ألا قتلت من أنعمك خلعا وأصفاك كساء، إنما المارق المنافق من قال بغير الصواب واتخذ العباد كالأرباب فأنزل كفره في الكتاب.
فأومأ معاوية إلى الحاجب بإخراجها، فقالت: واعجباه من ابن هند!
يشير إلي ببنانه ويمنعني نوافذ لسانه، أما والله لأبقرنه بكلام عتيد كنواقد (2) الحديد أو ما أنا بآمنة بنت الشريد (3) (4).
(346)
زينب عليها السلام ويزيد
روى الشيخ الصدوق عن مشايخ بني هاشم وغيرهم من الناس: أنه لما دخل علي بن الحسين عليهما السلام وحرمه على يزيد وجئ برأس الحسين ووضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده، وهو يقول:
____________
(1) في البحار: " إلا شجن ".
(2) في البحار: " كنوافذ ".
(3) في البحار: " بنت الرشيد ".
(4) الاختصاص: ص 16، والبحار: ج 8 ص 673 ط الكمباني عنه. وراجع قاموس الرجال: ج 10 ص 377 و ج 7 ص 142. وقد مر ج 1 ص 405
فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب - وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله - وقالت:
الحمد لله ربت العالمين، والصلاة على جدي سيد المرسلين، صدق الله سبحانه كذلك يقول: " ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوءا أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن " أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء فأصبحنا لك في إسار نساق إليك سوقا في قطار وأنت علينا ذو اقتدار أن بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا؟ وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك؟ فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك تضرب أصدريك فرحا وتنفض مذرويك مرحا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور لديك متسقة، وحين صفا لك ملكنا وخلص لك سلطاننا، فمهلا مهلا! لا تطش جهلا، أنسيت قول الله عز وجل: " ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ".
أمن العدل يا ابن الطلقاء! تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد، وتستشرفهن أهل المناقل، ويتبرزن لأهل المناهل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والغائب والشهيد والشريف والوضيع والدني والرفيع، ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حميم (حمي خ) عتوا منك على الله، وجحودا لرسول الله، ودفعا لما جاء به من عند الله، ولاغرو منك
وأنى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء، ونبت لحمه بدماء السعداء، ونصب الحرب لسيد الأنبياء، وجمع الأحزاب وشهر الحراب، وهز السيوف في وجه رسول الله، أشد العرب لله جحودا، وأنكرهم له رسولا، وأظهرهم له عدوانا، وأعتاهم على الرب كفرا وطغيانا، ألا إنها نتيجة خلال الكفر، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا وشنانا وإحنا وأضغانا، يظهر كفره برسوله، ويفصح ذلك بلسانه، وهو يقول فرحا بقتل ولده وسبي ذريته غير متحوب ولا مستعظم:
منتحيا على ثنايا أبي عبد الله، وكان مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ينكتها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه.
لعمري لقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة وابن يعسوب العرب وشمس آل عبد المطلب، وهتفت بأشياخك وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك، ثم صرخت بندائك، ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك، ووشيكا تشهدهم ولن يشهدوك ولتود يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجذت، وأحببت أمك لم تحملك وأباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ومخاصمك رسول الله.
اللهم خذ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ونفض ذمارنا (1)، وقتل حماتنا، وهتك عنا سدولنا.
وفعلت فعلتك التي فعلت، وما فريت إلا جلدك، وما جزرت إلا لحمك،
____________
(1) في البحار: " ونقص ذمامنا "
وما استصغاري قدرك ولا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين عبرى وصدورهم عند ذكره حرى، فتلك قلوب قاسية، ونفوس طاغية، وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول، قد عشش فيه الشيطان وفرخ ومن هناك مثلك ما درج ونهض.
فالعجب كل العجب! لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة الفجرة، تنطف أكفهم من دمائنا، وتتحلب أفواههم من لحومنا، وتلك الجثث الزاكية على الجبوب (الجبون خ) الضاحية، تنتابها العواسل وتعفرها الفراعل (وتعفرها أمهات الفواعل خ ل) فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى والمعول، وإليه الملجأ والمؤمل.
ثم كد كيدك واجهد جهدك، فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب والنبوة والانتخاب لا تدرك أمدنا ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا، ولا يرحض عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي: " ألا لعن الله الظالم العادي " والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة، وختم لأصفيائه بالشهادة ببلوغ الإرادة، نقلهم إلى الرحمة والرأفة و الرضوان والمغفرة، ولم يشق بهم غيرك، ولا ابتلي بهم سواك، ونسأله أن يكمل
فقال يزيد:
(347)
زينب عليها السلام ويزيد
الطبري: عن فاطمة بنت علي عليه السلام قالت: لما أجلسنا بين يدي يزيد رق لنا. ثم إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد، فقال: هب لي هذه - يعنيني - فأرعدت وفرقت وأخذت بثياب أختي زينب - وكانت تعلم أن ذلك لا يكون - فقالت: كذبت والله ولؤمت! ما ذلك لك ولا له.
فغضب يزيد، فقال: كذبت! إن ذلك لي ولو شئت أن أفعله لفعلت، قالت: كلا والله! ما جعل الله ذلك لك إلا تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا.
فغضب واستطار، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت: بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك.
قال: كذبت يا عدوة الله! فقالت: أنت أمير مسلط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك.
فكأنه استحيى فسكت.
نقله الإرشاد واللهوف لكن بدلا " فاطمة بنت علي " بفاطمة بنت
____________
(1) الاحتجاج: ج 2 ص 34. وراجع قاموس الرجال: ج 10 ص 450. وحياة الحسين: ج 3 ص 380 عن أعلام النساء: ج 2 ص 504 وبلاغات النساء ص 21. ومقتل الخوارزمي: ج 2 ص 64.
والسيدة زينب. وأخبار الزينبيات: ص 86. والحدائق الوردية: ج 1 ص 129 - 131 واللهوف: ص 79.