(348)
زينب عليها السلام وأهل الكوفة
قال بشير بن خزلم الأسدي: نظرت إلى زينب بنت علي عليه السلام يومئذ (في الكوفة) ولم أر خفرة أنطق والله منها، كأنها تفرغ من لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أومأت إلى الناس: أن اسكتوا! فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت:
الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار. أما بعد، يا أهل الكوفة! يا أهل الختل والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم. ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف والصدر الشنف وملق الإماء وغمز الأعداء؟ أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون وتنتحبون؟ إي والله! فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعدا لكم وسحقا، فلقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له انتهكتم؟ ولقد جئتم بها صلعاء
____________
(1) قاموس الرجال: ج 10 ص 448. والاحتجاج: ج 2 ص 38
فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يخفره البدار ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبالمرصاد.
قال الراوي: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواهم، الحديث (1).
(349)
زينب عليها السلام وابن زياد
في الطبري والارشاد واللهوف - واللفظ للأخير -: جلس ابن زياد في القصر للناس وأذن إذنا عاما، وجئ برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه وأدخل نساء الحسين عليه السلام وصبيانه إليه، فجلست زينب بنت علي عليه السلام.
فأقبل عليها، فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فقالت:
إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت:
ما رأيت إلا جميلا! هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن يكون الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة! فغضب ابن زياد، وكأنه هم بها، فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة والمرأة لا تؤخذ بشئ من منطقها، فقال ابن زياد: لقد شفى
____________
(1) قاموس الرجال: ج 10 ص 448 عن اللهوف. وراجع الاحتجاج: ج 2 ص 29 - 30. والمناقب لابن شهرآشوب: ج 2 ص 226 الطبع الحجري والبحار: ج 45 ص 108 عن اللهوف وص 163 عن الاحتجاج / 164 عن مجالس المفيد. وأمالي الشيخ رحمه الله: ج 1 ص 90. وحياة الحسين عليه السلام:
ج 3 ص 335 عن مقتل الحسين للمقرم. ونور الأبصار للشبلنجي: ص 167. وبلاغات النساء: ص 23، إلا أنه رواها لأم كلثوم عليها السلام
لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد: هذه سجاعة ولقد كان أبوك شاعرا سجاعا، فقالت:
يا ابن زياد ما للمرأة والسجاعة.
وزاد الطبري إن لي عن السجاعة لشغلا، ولكن نفثي ما أقول (1).
(350)
أم سلمة وعائشة
قال أبو مخنف: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك.
فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة: إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام! وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة، فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا.
فقالت أم سلمة: إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول وما كان اسمه عندك إلا نعثلا! وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلى الله عليه وآله، أفأذكرك؟ قالت: نعم.
قالت: أتذكرين يوم أقبل عليه السلام ونحن معه حتى إذا هبط من قديد
____________
(1) قاموس الرجال: ج 10 ص 451 - 452 عنهم. وحياة الحسين: ج 3 ص 344 - 345 عن المنتظم: ج 5 ص 98. ومقتل أبي مخنف: ص 104 بنحو آخر. ومحادثات النساء: ص 108
فقلت: إني هجمت عليهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله علي وهو غضبان محمر الوجه، فقال: " ارجعي وراءك! والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان " فرجعت نادمة ساقطة؟ قالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
قالت: وأذكرك أيضا: كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا - وكان الحيس يعجبه - فرفع رأسه وقال: " يا ليت شعري! أيتكن صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط " فرفعت يدي من الحيس، فقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك! ثم ضرب على ظهرك وقال: " إياك أن تكونيها! " ثم قال:
" يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها! يا حميراء أما أنا فقد أنذرتك! " قالت عائشة: نعم أذكر هذا.
قالت: وأذكرك أيضا: كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر له وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلى الله عليه وآله فيخصفها، ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل، فأخذها يومئذ يخصفها، وقعد في ظل سمرة. وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب، ودخلا يحادثانه فيما أراد. ثم قالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون بعدك مفزعا؟ فقال لهما: " أما إني قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران " فسكتا ثم خرجا. فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قلت له - وكنت أجرأ عليه منا -: من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟ فقال: " خاصف النعل "
فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله! فقالت: أنت ورأيك.
فانصرفت عائشة عنها وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى علي عليه السلام (1).
(351)
أبو سعيد الخدري وأبو هارون العبدي
عن أبي هارون العبدي، قال: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره، حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري - رحمه الله - فسمعته يقول: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة، فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها؟ قال: " الصلاة والزكاة والحج وصوم شهر رمضان " قال: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: " ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام " قال الرجل: وأنها المفترضة معهن؟ قال أبو سعيد: نعم ورب الكعبة! قال الرجل:
فقد كفر الناس إذن! قال أبو سعيد: فما ذنبي؟ (2)
(352)
خطبة أبي ذر
بلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويجتمع إليه الناس فيحدث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد فقال:
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 6 ص 217 - 218. وقاموس الرجال: في ترجمة أم سلمة عنه. وقد مر ص 28 وقد أعدناه لما فيه من الفائدة. وراجع فتوح ابن أعثم: ج 2 ص 281.
(2) البحار: ج 27 ص 102 عن مجالس المفيد رحمه الله، و ج 22 ص 115 عنه أيضا
أيها الأمة المتحيرة! أما لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه، فأما إذ فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " (1).
(353)
ابن أذينة وابن أبي ليلى
روينا عن عمر بن أذينة - وكان من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام - أنه قال: دخلت يوما على عبد الرحمن بن أبي ليلى بالكوفة وهو
____________
(1) تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 171 والاحتجاج: ج 1 ص 228. وكنز الفوائد للكراجكي ص 282، وفيهما أنها كانت في مكة وهو آخذ بحلقة باب الكعبة. والبحار: ج 27 ص 320 عن تفسير فرات. وقد مر نبذ منها عن الغدير راجع ص 16. والبحار: ج 23 ص 120 و 121 و 123 و 135 بأسانيد متعددة. وأمالي الشيخ: ج 1 ص 96
فقلت: أخبرني عنكم معاشر القضاة ترد عليكم القضية في المال والفرج والدم، فتقضي أنت فيها برأيك، ثم ترد تلك القضية بعينها على قاضي مكة فيقضي فيها بخلاف قضيتك، وترد على قاضي البصرة وقضاة اليمن وقاضي المدينة فيقضون فيها بخلاف ذلك، ثم تجتمعون عند خليفتكم الذي استقضاكم فتخبرونه باختلاف قضاياكم فيصوب قول كل واحد منكم! وإلهكم واحد ونبيكم واحد ودينكم واحد، أفأمركم الله عز وجل بالاختلاف فأطعتموه؟ أم نهاكم عنه فعصيتموه؟ أم كنتم شركاء لله في حكمه فلكم أن تقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بكم على إتمامه؟ أم أنزله الله تاما فقصر رسول الله صلى الله عليه وآله عن أدائه؟ أم ماذا تقولون؟
فقال: من أنت يا فتى؟ قلت: من أهل البصرة. قال: من أيها؟ قلت: من عبد القيس. قال: من أيهم؟ قلت: من بني أذينة. قال: ما قرابتك من عبد الرحمن بن أذينة؟ قلت: هو جدي، فرحب بي وقربني، وقال: أي فتى!
لقد سألت فغلظت، وانهمكت فعوصت، وسأخبرك إن شاء الله.
أما قولك في اختلاف القضايا: فإنه ما ورد علينا من أمر القضايا مما له في كتاب الله أصل وفي سنة نبيه فليس لنا أن نعدو الكتاب والسنة، وما ورد علينا ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله فإنا نأخذ فيه برأينا.
قلت: ما صنعت شيئا، لأن الله عز وجل يقول: " ما فرطنا في الكتاب من شئ " وقال: " فيه تبيان كل شئ " أرأيت لو أن رجلا عمل بما أمره الله وانتهى عما نهاه الله عنه أبقي لله شئ يعذبه عليه إن لم يفعله أو يثيبه عليه إن فعله؟ قال: وكيف يثيبه على ما لم يأمره به أو يعاقبه على ما لم ينهه عنه!.
قلت: وكيف يرد عليك من الأحكام ما ليس له في كتاب الله أثر ولا في
قلت: أفلا أحدثك حديثا؟ قال: وما هو؟.
قلت: أخبرني أبي، عن أبي القاسم العبدي، عن أبان، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: " القضاة ثلاثة: هالكان وناج، فأما الهالكان فجائر جار متعمدا ومجتهد أخطأ، والناجي من عمل بما أمره الله به " فهذا نقض حديثك يا عم!.
قال: أجل والله يا ابن أخي! فتقول: إن كل شئ في كتاب الله؟ قلت:
الله قال ذلك، وما من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي إلا وهو في كتاب الله، عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولقد أخبرنا عز وجل فيه بما لا نحتاج إليه فكيف بما نحتاج إليه؟.
قال: كيف قلت؟ قلت: قوله: " فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها " قال: فعند من يوجد علم ذلك؟ قال: عند من عرفت. قال: وددت لو أني عرفته فأغسل قدميه وأخدمه وأتعلم منه.
قلت: أناشدك الله هل تعلم رجلا كان إذا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاه وإذا سكت عنه ابتدأه؟ قال: نعم ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام، قلت: فهل علمت أن عليا سأل أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله عن حلال أو حرام؟
قال: لا، قلت: فهل علمت أنهم كانوا يحتاجون إليه ويأخذون عنه؟ قال: نعم، قلت: فذلك عنده.
قال: فقد مضى فأين لنا به؟ قلت: تسأل في ولده، فإن ذلك العلم فيهم وعندهم.
قال: إلى النار.
واصفر وجهه، وكانت في يده سفرجلة فضرب بها الأرض فتهشمت، وضرب بين يديه وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! (1).
(354)
الأعمش وأبو حنيفة وابن قيس
عن شريك، قال: بعث إلينا الأعمش وهو شديد المرض، فأتيناه وقد اجتمع عنده أهل الكوفة - وفيهم أبو حنيفة وابن قيس الماصر - فقال لابنه:
يا بني أجلسني، فأجلسه، فقال: يا أهل الكوفة! إن أبا حنيفة وابن قيس الماصر أتياني فقالا: إنك قد حدثت في علي بن أبي طالب عليه السلام أحاديث، فارجع عنها فإن التوبة مقبولة ما دامت الروح في البدن، فقلت لهما: مثلكما يقول لمثلي هذا! أشهدكم يا أهل الكوفة فإني في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، إني سمعت عطاء بن رباح يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن قول الله عز وجل: " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنا وعلي نلقي في جهنم كل من عادانا ".
فقال أبو حنيفة لابن قيس: قم بنا لا يجئ بما هو أعظم من هذا، فقاما وانصرفا (2).
____________
(1) دعائم الإسلام: ج 1 ص 92 - 95. والبحار: ج 104 ص 270 - 272 عنه.
(2) البحار: ج 2 ص 273 عن الكنز ج 1 ص 342 وقد مر ص 335 بنحو آخر
(355)
الأعمش وهشام بن عبد الملك
في حياة الحيوان للدميري (في عنوان الشاة): أن هشام بن عبد الملك بعث إلى الأعمش: أن اكتب إلي بمناقب عثمان ومساوئ علي.
فأخذ الأعمش القرطاس أدخله في فم شاة فلاكته، وقال للرسول: قل له: هذا جوابه!.
فذهب الرسول، ثم عاد وقال: إنه آلى أن يقتلني إن لم آته بالجواب، وتحيل عليه بإخوته، فقالوا: أفده من القتل. فلما ألحوا عليه كتب إليه:
أما بعد، فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كان لعلي مساوي أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك، والسلام (1).
(356)
هشام وضرار
سأل ضرار هشام بن الحكم عن الدليل على الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله.
فقال هشام: الدلالة عليه ثمان دلالات: أربعة منها في نعت نسبه، وأربعة في نعت نفسه.
أما الأربعة التي في نعت نسبه: فأن يكون معروف القبيلة، معروف الجنس، معروف النسب، معروف البيت.
وذلك أنه إذا لم يكن معروف القبيلة معروف الجنس معروف النسب معروف البيت، جاز أن يكون في أطراف الأرض وفي كل جنس من الناس.
____________
(1) قاموس الرجال: ج 4 ص 495. وسيأتي ج 3 ص 188 عن وفيات الأعيان
ثم إن لم يكن إشارة إليه اشترك أهل هذا البيت وادعيت فيه، فإذا وقعت الدعوة فيه وقع الاختلاف والفساد بينهم، ولا يجوز إلا أن يكون من النبي صلى الله عليه وآله إشارة إلى رجل من أهل بيته دون غيره لئلا يختلف فيه أهل هذا البيت أنه أفضلهم وأعلمهم وأصلحهم لذلك الأمر.
وأما الأربعة التي في نعت نفسه: فأن يكون أعلم الخلق، وأسخى الخلق وأشجع الخلق، وأعف الخلق وأعصمهم من الذنوب صغيرها وكبيرها، لم تصبه فترة ولا جاهلية، ولا بد أن يكون في كل زمان قائم بهذه الصفة إلى أن تقوم الساعة.
فقال عبد الله بن يزيد الأباضي وكان حاضرا: من أين زعمت يا هشام أنه لا بد أن يكون أعلم الخلق؟ قال: إن لم يكن عالما [ لم ] يؤمن أن ينقلب شرائعه وأحكامه، فيقطع من يجب عليه الحد ويحد من يجب عليه القطع، وتصديق ذلك قول الله عز وجل: " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا
قال: فمن أين زعمت أنه لا بد أن يكون معصوما من جميع الذنوب؟ قال:
إن لم يكن معصوما لم يؤمن أن يدخل فيما دخل فيه غيره من الذنوب، فيحتاج إلى من يقيم عليه الحد كما يقيمه على غيره، وإذا دخل في الذنوب لم يؤمن أن يكتم على جاره وحبيبه وقريبه وصديقه، وتصديق ذلك قول الله عز وجل:
" إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ".
قال: فمن أين زعمت أنه أشجع الخلق؟ قال: لأنه قيمهم الذي يرجعون إليه في الحرب، فإن هرب فقد باء بغضب من الله، ولا يجوز أن يبوء الإمام بغضب من الله، وذلك قول الله عز وجل: " وإذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ".
قال: فمن أين زعمت أنه لا بد أن يكون أسخى الخلق؟ قال: لأنه إن لم يكن سخيا لم يصلح للإمامة، لحاجة الناس إلى نواله وفضله والقسمة بينهم بالسوية، ليجعل الحق في موضعه، لأنه إذا كان سخيا لم تتق نفسه إلى أخذ شئ من حقوق الناس والمسلمين، ولا يفضل نصيبه في القسمة على أحد من رعيته، وقد قلنا: إنه معصوم.
فإذا لم يكن أشجع الخلق وأعلم الخلق وأسخى الخلق وأعف الخلق لم يجز أن يكون إماما (1).
(357)
هشام وابن أبي عمير
عن ابن أبي عمير، قال: ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في
____________
(1) البحار: ج 15 ص 142 عن علل الشرائع: ص 202 الباب 155
وبأي شئ تعرف؟ قال: إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها:
الحرص والحسد والغضب والشهوة، فهذه منتفية عنه.
لا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه، لأنه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص؟
ولا يجوز أن يكون حسودا، لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد، فكيف يحسد من هو دونه؟
ولا يجوز أن يغضب لشئ من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل، فإن الله قد فرض عليه إقامة الحدود، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عز وجل.
ولا يجوز أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة، لأن الله عز وجل حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا، فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح، وطعاما طيبا لطعام مر، وثوبا لينا لثوب خشن، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية؟ (1).
(358)
الربيع وعبد الله بن الحسن
عن الربيع بن عبد الله، قال: وقع بيني وبين عبد الله بن الحسن كلام في الإمامة، فقال عبد الله بن الحسن: إن الإمامة في ولد الحسن والحسين عليهما السلام، فقلت: بلى هي في ولد الحسين إلى يوم القيامة دون ولد الحسن.
____________
(1) البحار: ج 25 ص 192 عن الخصال والعلل ومعاني الأخبار والأمالي. وراجع قاموس الرجال: ج 9 ص 337 وبهج الصباغة: ج 3 ص 33
وهما سيدا شباب أهل الجنة وهما في الفضل سواء، إلا أن للحسن على الحسين فضلا بالكبر، وكان الواجب أن تكون الإمامة إذن في ولد الأفضل؟
فقلت له: إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين، وكان موسى أفضل من هارون، فجعل الله عز وجل النبوة والخلافة في ولد هارون دون ولد موسى، وكذلك جعل الله عز وجل الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن ليجري في هذه الأمة سنة من قبلها من الأمم حذو النعل بالنعل، فما أجبت في أمر موسى وهارون عليهما السلام بشئ فهو جوابي في أمر الحسن والحسين عليهما السلام، فانقطع.
ودخلت على الصادق عليه السلام، فلما بصر بي قال لي: أحسنت يا ربيع!
فيما كلمت به عبد الله بن الحسن، ثبتك الله (1).
(359)
شيعي وناصبي
قال ناصبي لشيعي: أتحب أم المؤمنين؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: يقول النبي صلى الله عليه وآله: لم تجد امرأة غير امرأتي تحبها؟ ما لي ولزوجة النبي صلى الله عليه وآله! أفترضى أن أحب امرأتك؟ (2).
(360)
المفيد والسائل
قال الشيخ السعيد المفيد - قدس الله روحه - في المسائل السروية في جواب من سأل عن تزويج النبي صلى الله عليه وآله ابنته زينب ورقية من عثمان،
____________
(1) البحار: ج 25 ص 258 - 259 عن علل الشرائع.
(2) البحار: ج 22 ص 246. وزهر الربيع: ص 58 و 259
هذا على قول بعض أصحابنا، وعلى قول فريق آخر: إنه زوجه على الظاهر وكان باطنه مستورا عنه، ويمكن أن يستر الله عن نبيه صلى الله عليه وآله نفاق كثير من المنافقين، وقد قال الله سبحانه: " ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم " فلا ينكر أن يكون في أهل مكة كذلك، والنكاح على الظاهر دون الباطن.
وأيضا يمكن أن يكون الله تعالى قد أباحه مناكحة من يظاهر الإسلام وإن علم من باطنه النفاق، وخصه بذلك ورخص له فيه، كما خصه في أن يجمع بين أكثر من أربع حرائر في النكاح، وأباحه أن ينكح بغير مهر، ولم يحظر عليه المواصلة في الصيام ولا الصلاة بعد قيامه من النوم بغير وضوء، وأشباه ذلك مما خص به وحظر على غيره من عامة الناس.
فهذه أجوبة ثلاثة عن تزويج النبي صلى الله عليه وآله عثمان، وكل
(361)
الإمام الصادق عليه السلام وولد العباس
توفي مولى لرسول الله صلى الله عليه وآله لم يخلف وارثا، فخاصم فيه ولد العباس أبا عبد الله عليه السلام وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة، فجلس لهم.
فقال داود بن علي: الولاء لنا، وقال أبو عبد الله عليه السلام: بل الولاء لي.
فقال داود بن علي: إن أباك قاتل معاوية، فقال: إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الأوفر، ثم فر بجنايته وقال: لأطوقنك غدا طوق الحمامة. فقال داود بن علي: كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الأزرق، فقال: أما إنه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق. قال: فقال هشام:
إذا كان غدا جلست لكم فلما أن كان من الغد خرج أبو عبد الله عليه السلام ومعه كتاب في كرباسة، وجلس لهم هشام، فوضع أبو عبد الله عليه السلام الكتاب بين يديه.
فلما أن قرأ قال: ادعوا لي جندل الخزاعي وعكاشة الضمري - وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية - فرمى بالكتاب إليهما، فقال: تعرفان هذه الخطوط؟
قالا: هذا خط العاص بن أمية، وهذا خط فلان وفلان لقوم فلان من قريش، وهذا خط حرب بن أمية، فقال هشام: يا أبا عبد الله أرى خطوط أجدادي عندكم! فقال: نعم، قال: قد قضيت بالولاء لك.
قال: فخرج وهو يقول:
____________
(1) البحار: ج 22 ص 164
(362)
سلمان الفارسي ورجل
عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: وقع بين سلمان الفارسي - رحمه الله - وبين رجل كلام وخصومة، فقال له الرجل:
من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخري وآخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خف ميزانه فهو اللئيم (2).
(363)
سلمان الفارسي وعمر
احتجاج سلمان الفارسي - رضوان الله عليه - على عمر بن الخطاب في جواب كتاب كتبه إليه، كان حين هو عامله على المدائن بعد حذيفة بن اليمان:
بسم الله الرحمن الرحيم من سلمان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عمر بن الخطاب:
____________
(1) البحار: ج 22 ص 270 عن روضة الكافي.
(2) البحار: ج 22 ص 355 عن الأمالي وبهج الصباغة: ج 11 ص 47
وأما ما ذكرت: أني أقبلت على سف الخوص وأكل الشعير، فما هما مما يعير به مؤمن ويؤنب عليه، وأيم الله يا عمر! لأكل الشعير وسف الخوص والاستغناء به عن رفيع المطعم والمشرب وعن غصب مؤمن حقه وادعاء ما ليس له بحق أفضل وأحب إلى الله عز وجل وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه.
وأما ما ذكرت: من إعطائي، فإني قدمته ليوم فاقتي وحاجتي، ورب العزة يا عمر! ما أبالي إذا جاز طعامي لهواتي وانساغ في حلقي ألباب البر ومخ المعز كان أو خشارة الشعير.
وأما قولك: إني ضعفت سلطان الله وهنته وأذللت نفسي وامتهنتها حتى جهل أهل المدائن إمارتي واتخذوني جسرا يمشون فوقي ويحملون علي ثقل حمولتهم، وزعمت أن ذلك مما يوهن سلطان الله ويذله.
فاعلم: أن التذلل في طاعة الله أحب إلي من التعزز في معصيته وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله يتألف الناس ويتقرب منهم ويتقربون منه في نبوته وسلطانه حتى كأنه بعضهم في الدنو منهم، وقد كان يأكل الجشب ويلبس الخشن وكان الناس عنده قرشيهم وعربيهم وأبيضهم وأسودهم سواء في الدين.