الصفحة 114

وأشهد أني سمعته يقول: " من ولى سبعة من المسلمين بعدي ثم لم يعدل فيهم لقي الله وهو عليه غضبان " فليتني يا عمر أسلم من عمارة (1) المدائن مع ما ذكرت أني أذللت نفسي وامتهنتها، فكيف يا عمر حال من ولي الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وإني سمعت الله يقول: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ".

إعلم أني لم أتوجه اسوسهم وأقيم حدود الله فيهم إلا بإرشاد دليل عالم فنهجت فيهم بنهجه وسرت فيهم بسيرته (2).

واعلم أن الله تبارك وتعالى لو أراد بهذه الأمة خيرا أو أراد بهم رشدا لولى عليهم أعلمهم وأفضلهم، ولو كانت هذه الأمة من الله خائفين، ولقول نبي الله متبعين، وبالحق عالمين ما سموك أمير المؤمنين، فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، ولا تغتر بطول عفو الله عنك وتمديده بذلك من تعجيل عقوبته.

واعلم أنه سيدركك عواقب ظلمك في دنياك وآخرتك، وسوف تسأل عما قدمت وأخرت، والحمد لله وحده (3).

(364)
أبو ذر بالشام

عن أبي جهضم الأزدي، عن أبيه - وكان من أهل الشام - قال: لما سير عثمان أبا ذر من المدينة إلى الشام كان يقص علينا، فيحمد الله فيشهد شهادة الحق، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويقول: أما بعد، فإنا كنا في

____________

(1) في البحار: " إمارة ".

(2) يريد عليا عليه السلام.

(3) البحار: ج 22 ص 360 - 361 عن الاحتجاج ج 1 ص 185

الصفحة 115
جاهليتنا قبل أن ينزل علينا الكتاب ويبعث فينا الرسول، ونحن نوفي بالعهد، ونصدق الحديث (بالحديث خ) ونحسن الجوار، ونقري الضيف، ونواسي الفقير، فلما بعث الله تعالى فينا رسول الله وأنزل علينا كتابه كانت تلك الأخلاق يرضاها الله ورسوله، وكان أحق بها أهل الإسلام وأولى أن يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا.

ثم إن الولاة قد أحدثوا أعمالا قباحا ما نعرفها: من سنة تطفأ، وبدعة تحيى، وقائل بحق مكذب، وأثرة لغير تقي، وأمين مستأثر عليه من الصالحين.

اللهم إن كان ما عندك خيرا لي فاقبضني إليك غير مبدل ولا مغير، وكان يعيد هذا الكلام ويبديه.

فأتى حبيب بن مسلمة معاوية بن أبي سفيان، فقال: إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله: كيت وكيت، فكتب معاوية إلى عثمان، الحديث (1).

(365)
أبو ذر بالشام

عن أبي جهضم، عن أبيه، قال: لما أخرج عثمان أبا ذر الغفاري - رحمه الله - من المدينة إلى الشام، كان يقوم في كل يوم فيعظ الناس، ويأمرهم بالتمسك بطاعة الله، ويحذرهم عن ارتكاب معاصيه، ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ما سمعه منه في فضائل أهل بيته عليه وعليهم السلام ويحضهم على التمسك بعترته.

فكتب معاوية إلى عثمان: أما بعد، فإن أبا ذر يصبح إذا أصبح ويمسي إذا أمسى وجماعة من الناس كثير عنده، فيقول: كيت وكيت، فإن كان لك حاجة في الناس قبلي، فأقدم أبا ذر إليك، فإني أخاف أن يفسد الناس

____________

(1) البحار: ج 22 ص 395

الصفحة 116
عليك، والسلام.

فكتب إليه عثمان: أما بعد، فأشخص إلي أبا ذر حين تنظر في كتابي هذا، والسلام.

فبعث معاوية إلى أبي ذر، فدعاه وأقرأه كتاب عثمان، وقال له: النجا الساعة! فخرج أبو ذر إلى راحلته فشدها بكورها وأنساعها.

فاجتمع إليه الناس، فقالوا له: يا أبا ذر - رحمك الله - أين تريد؟ قال:

أخرجوني إليكم غضبا علي وأخرجوني منكم إليهم الآن عبثا بي، ولا يزال هذا الأمر فيما أرى شأنهم فيما بيني وبينهم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، ومضى.

وسمع الناس بمخرجه فاتبعوه حتى خرج من دمشق، فساروا معه حتى انتهى إلى دير المران، فنزل ونزل معه الناس، فاستقدم فصلى بهم، ثم قال:

أيها الناس! إني موصيكم بما ينفعكم، وتارك الخطب والتشقيق، احمدوا الله عز وجل. قالوا: الحمد لله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فأجابوه بمثل ما قال. فقال: أشهد أن البعث حق وأن الجنة حق وأن النار حق، وأقر بما جاء من عند الله واشهدوا علي بذلك، قالوا: نحن على ذلك من الشاهدين. قال: ليبشر من مات منكم على هذه الخصال برحمة الله وكرامته، ما لم يكن للمجرمين ظهيرا ولا لأعمال الظلمة مصلحا ولا لهم معينا.

أيها الناس! أجمعوا مع صلاتكم وصومكم غضبا لله عز وجل إذا عصي في الأرض، ولا ترضوا أئمتكم بسخط الله، وإن أحدثوا ما لا تعرفون فجانبوهم وازرؤا عليهم وإن عذبتم وحرمتم وسيرتم حتى يرضى الله عز وجل، فإن الله أعلى وأجل لا ينبغي أن يسخط برضى المخلوقين، غفر الله لي ولكم، استودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله.


الصفحة 117
فناداه الناس أن: سلم الله عليك ورحمك يا أبا ذر يا صاحب رسول الله!

ألا نردك إن كان هؤلاء القوم أخرجوك؟ ألا نمنعنك؟ فقال لهم: ارجعوا رحمكم الله، فإني أصبر منكم على البلوى، وإياكم والفرقة والاختلاف.

فمضى حتى قدم على عثمان، فلما دخل عليه قال له: لا قرب الله بعمرو عينا! فقال أبو ذر: والله ما سماني أبواي عمروا، ولكن لا قرب الله من عصاه وخالف أمره وارتكب هواه!.

فقام إليه كعب الأحبار، فقال له: ألا تتقي الله يا شيخ تجبه (وتجيب خ ل) أمير المؤمنين بهذا الكلام! فرفع أبو ذر عصا كانت في يده فضرب بها رأس كعب، ثم قال له: يا ابن اليهوديين ما كلامك مع المسلمين؟ فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك بعد.

فقال عثمان: والله لا جمعتني وإياك دار! قد خرفت وذهب عقلك، أخرجوه من بين يدي تركبوه قتب ناقته بغير وطاء، ثم انجو به الناقة وتعتعوه حتى توصلوه الربذة، فنزلوه بها من غير أنيس حتى يقضي الله فيه ما هو قاض.

فأخرجوه متعتعا ملهوزا بالعصي، وتقدم ألا يشيعه أحد من الناس.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فبكى حتى بل لحيته بدموعه! ثم قال: أهكذا يصنع بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لله وإنا إليه راجعون! ثم نهض ومعه الحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله ابن العباس والفضل وقثم وعبيد الله حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه.

فلما بصر بهم أبو ذر - رحمه الله - حن إليهم وبكى عليهم! وقال: بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وشملتني البركة برؤيتها، ثم رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم إني أحبهم ولو قطعت إربا إربا في محبتهم!

ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة، فارجعوا رحمكم الله، والله أسأل أن

الصفحة 118
يخلفني فيكم أحسن الخلافة، فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه (1).

(366)
المقداد وعثمان

عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عثمان قال للمقداد: أما والله لتنتهين أو لأردنك إلى ربك الأول. قال: فلما حضرت المقداد الوفاة قال لعمار: أبلغ عثمان عني أني قد رددت إلى ربي الأول (2).

(367)
ابن حازم مع المخالفين

عن ابن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني ناظرت قوما فقلت: ألستم تعلمون أن رسول الله هو الحجة من الله على الخلق؟ فحين ذهب رسول الله صلى الله عليه وآله من كان الحجة من بعده؟ فقالوا: القرآن.

فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم فيه المرجي والحروري والزنديق الذي لا يؤمن حتى يغلب الرجل خصمه، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ما قال فيه من شئ كان حقا. قلت: فمن قيم القرآن؟ قالوا: قد كان عبد الله ابن مسعود وفلان وفلان وفلان يعلم. قلت كله؟ قالوا: لا. فلم أجد أحدا يقال: إنه يعرف ذلك كله إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، وإذا كان الشئ بين القوم وقال هذا: لا أدري وقال هذا: لا أدري وقال هذا: لا أدري وقال هذا: لا أدري، فأشهد أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفروضة، وكان حجة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على الناس كلهم، وأنه عليه السلام ما قال في القرآن فهو حق.

____________

(1) البحار: ج 22 ص 395 - 397 عن مجالس المفيد - رحمه الله -: ص 95 - 98.

(2) البحار: ج 22 ص 438 عن الكافي

الصفحة 119
فقال: رحمك الله!

فقبلت رأسه، وقلت: إن علي بن أبي طالب عليه السلام لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله حجة من بعده، وأن الحجة من بعد علي عليه السلام الحسن بن علي عليه السلام، واشهد على الحسن بن علي عليهما السلام أنه كان الحجة وأن طاعته مفترضة.

فقال: رحمك الله!.

فقبلت رأسه، وقلت: أشهد على الحسن بن علي عليهما السلام أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وأبوه، وأن الحجة بعد الحسن الحسين بن علي عليهما السلام وكانت طاعته مفترضة.

فقال: رحمك الله!

فقبلت رأسه، وقلت: وأشهد على الحسين بن علي عليهما السلام أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده، وأن الحجة من بعده علي بن الحسين عليهما السلام وكانت طاعته مفترضة.

فقال: رحمك الله!

فقبلت رأسه، وقلت: وأشهد على علي الحسين أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده، وأن الحجة من بعده محمد بن علي أبو جعفر عليه السلام وكانت طاعته مفترضة.

فقال: رحمك الله!

قلت: أصلحك الله أعطني رأسك، فقبلت رأسه، فضحك.

فقلت: أصلحك الله قد علمت أن أباك عليه السلام لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه، فاشهد بالله أنك أنت الحجة من بعده، وأن طاعتك مفترضة.


الصفحة 120
فقال: كف رحمك الله!

قلت: أعطني رأسك اقبله، فضحك.

قال: سلني عما شئت فلا أنكرك بعد اليوم أبدا (1).

(368)
أبو عبيدة وسالم بن أبي حفصة

عن أبي عبيدة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك! إن سالم بن أبي حفصة يلقاني فيقول لي: ألستم تروون أنه " من مات وليس له إمام فموتته موتة جاهلية "؟ فأقول له: بلى. فيقول لي: قد مضى أبو جعفر عليه السلام فمن إمامكم اليوم؟ فأكره - جعلت فداك - أن أقول له: جعفر عليه السلام، فأقول: أئمتي آل محمد صلى الله عليه وآله، فيقول لي: ما أراك صنعت شيئا.

فقال عليه السلام: ويح سالم بن أبي حفصة لعنه الله! وهل يدري سالم ما منزلة الإمام؟ إن منزلة الإمام أعظم مما يذهب إليه سالم والناس أجمعون، فإنه لن يهلك منا إمام قط إلا ترك من بعده من يعلم مثل علمه ويسير مثل سيرته ويدعو إلى مثل الذي دعا إليه، فإنه لم يمنع الله ما أعطى داود أن أعطى سليمان أفضل منه (2).

(369)
نص آخر

عن أبي عبيدة الحذاء قال: كنا زمان أبي جعفر عليه السلام حين قبض

____________

(1) البحار: ج 23 ص 17 - 18 عن علل الشرائع. وراجع بهج الصباغة: ج 3 ص 5.

(2) البحار: ج 23 ص 41 عن إكمال الدين وص 80 عن الكشي وص 86 عن بصائر الدرجات بنحو آخر يأتي

الصفحة 121
نتردد، كالغنم لا راعي لها، فلقينا سالم بن أبي حفصة، فقال: يا أبا عبيدة من إمامك؟ قلت: أئمتي آل محمد صلى الله عليه وآله، فقال: هلكت وأهلكت!

أما سمعت أنا وأنت معي أبا جعفر عليه السلام وهو يقول: " من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية "؟ قلت: بلى لعمري فرزقني الله المعرفة.

قال: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن سالم بن أبي حفصة قال لي:

كذا وكذا. فقال لي: يا أبا عبيدة: إنه لم يمت منا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل مثل عمله ويسير بمثل سيرته ويدعو إلى مثل الذي دعا إليه، يا أبا عبيدة!

إنه لم يمنع ما أعطى داود أن أعطى سليمان.

قال: ثم قال: يا أبا عبيدة إنه إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان، لا يسأل الناس بينة (1).

(370)
حذيفة بن اليمان مع ربيعة

عن ربيعة السعدي، قال: أتيت حذيفة بن اليمان وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: من الرجل؟ قلت: ربيعة السعدي، فقال لي: مرحبا مرحبا! بأخ لي قد سمعت به ولم أر شخصه قبل اليوم، حاجتك؟

قلت: ما جئت في طلب غرض من الأغراض الدنيوية، ولكني قدمت من العراق من عند قوم قد افترقوا خمس فرق.

فقال حذيفة: سبحان الله تعالى! وما دعاهم إلى ذلك والأمر واضح بين وما يقولون؟

قال: قلت: فرقة تقول: أبو بكر أحق بالأمر وأولى بالناس، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله سماه الصديق وكان معه في الغار. وفرقة تقول: عمر بن

____________

(1) البحار: ج 23 ص 86 عن بصائر الدرجات

الصفحة 122
الخطاب، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " اللهم أعز الدين بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ".

فقال حذيفة: الله تعالى أعز الدين بمحمد ولم يعزه بغيره.

وقالت فرقة: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، لأن النبي قال: " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ".

فقال حذيفة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق منه وخير وقد أظلته الخضراء وأقلته الغبراء.

وفرقة تقول: سلمان الفارسي، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه " أدرك العلم الأول وأدرك العلم الآخر، وهو بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت "، ثم إني سكت.

فقال حذيفة: ما منعك من ذكر الفرقة الخامسة.

قال: قلت: لأني منهم، وإنما جئت مرتادا لهم وقد عاهدوا الله على أن لا يخالفوك، وأن لا ينزلوا عند أمرك (1).

فقال لي: يا ربيعة اسمع مني وعه واحفظه وقه، وبلغ الناس عني: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أخذ الحسين بن علي ووضعه على منكبه وجعل يقي بعقبه، وهو يقول: " أيها الناس! إنه من استكمال حجتي على الأشقياء من بعدي التاركين ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، ألا!

وإن التاركين ولاية علي بن أبي طالب هم المارقون من ديني! أيها الناس!

هذا الحسين بن علي خير الناس جدا وجدة، جده رسول الله صلى الله عليه وآله سيد ولد آدم، وجدته خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبرسوله، وهذا الحسين خير الناس أبا وأما، أبوه علي بن أبي طالب وصي

____________

(1) لعل المراد: وأن لا يقفوا عند أمرك، أو فيه سقط، صحيحة: وأن لا ينزلوا إلا عند أمرك

الصفحة 123
رسول رب العالمين ووزيره وابن عمه، وأمه فاطمة بنت محمد رسول الله، وهذا الحسين خير الناس عما وعمة، عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وعمته أم هاني بنت أبي طالب، وهذا الحسين خير الناس خالا وخالة، خاله القاسم بن رسول الله، وخالته زينب بنت محمد رسول الله. ثم وضعه عن منكبه ودرج بين يديه، ثم قال:

أيها الناس! وهذا الحسين جده في الجنة، وجدته في الجنة، وأبوه في الجنة، وأمه في الجنة، وعمه في الجنة، وعمته في الجنة، وخاله في الجنة، وخالته في الجنة، وهو في الجنة، وأخوه في الجنة.

ثم قال: أيها الناس! إنه لم يعط أحد من ذرية الأنبياء الماضين ما أعطي الحسين، ولا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله.

ثم قال: أيها الناس! لجد الحسين خير من جد يوسف " فلا تخالجنكم الأمور، بأن الفضل والشرف والمنزلة والولاية ليست إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وذريته وأهل بيته، فلا تذهبن بكم الأباطيل (1).

(371)
حذيفة وربيعة

عن ربيعة السعدي، قال: أتيت حذيفة بن اليمان، فقلت له: يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي ومناقبه، فيقول لنا أهل البصرة: إنكم تفرطون في علي، فهل أنت محدثي بحديث فيه؟

فقال حذيفة: يا ربيعة وما تسألني عن علي؟ فوالذي نفسي بيده! لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا إلى يوم القيامة ووضع عمل علي عليه السلام في الكفة الأخرى لرجح عمل علي عليه السلام

____________

(1) البحار: ج 23 ص 111 - 112 عن الطرائف للسيد ابن طاوس رحمه الله تعالى

الصفحة 124
على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة: هذا الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل.

فقال حذيفة: يا لكع! وكيف لا يحمل؟ وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب محمد صلى الله عليه وآله يوم عمرو بن عبد ود قد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا عليه السلام؟ فإنه برز إليه وقتله الله على يده، والذي نفس حذيفة بيده! لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة (1).

(372)
الأحنف ومعاوية

قال معاوية للأحنف: صف لي الناس وأوجز.

قال: رؤوس رفعهم الحظ، وأكتاف عظمهم التدبير، وأعجاز شهرهم المال، وأذناب ألحقهم بهم الأدب، ثم الناس بعدهم أشباه البهائم، إن شبعوا ناموا وإن جاعوا استاموا (2).

(373)
صعصعة ومعاوية

تكلم صعصعة عند معاوية فعرق. فقال: أبهرك القول؟ فقال: إن الجياد نضاحة بالماء (3).

(374)
عقيل رحمه الله ومعاوية

قال معاوية لعقيل: ما أبين الشبق في رجالكم يا بني هاشم! قال: لكنه في

____________

(1) البحار: ج 20 ص 256 عن الإرشاد للمفيد رحمه الله.

(2) ربيع الأبرار للزمخشري: ج 1 ص 402.

(3) ربيع الأبرار: ج 1 ص 669. والعقد الفريد: ج 2 ص 271، والبيان والتبيين: ج 1 ص 133

الصفحة 125
نسائكم أبين يا بني أمية! (1).

(375)
شريك بن الأعور ومعاوية

دخل شريك بن الأعور على معاوية - وكان دميما - فقال له: إنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك؟.

فقال: وإنك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟

وخرج وهو يقول:

أيشتمني معاوية بن حرب * وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوي يمن ليوث * ضراغمة تهش إلى الطعان
يعير بالدمامة من سفاه * وربات الخدور من الغواني
ذوات الحسن والريبال جهم * شتيم وجهه ماضي الجنان (2)

(376)
عمرو بن العجلان ومعاوية

حج معاوية فتلقته قريش بوادي القرى، والأنصار بأبواب المدينة.

فقال: يا معشر الأنصار! ما منعكم أن تلقوني حيث تلقتني قريش؟ قالوا:

لم يكن لنا دواب. قال: فأين النواضح؟ قال الغمر بن عجلان: أنضيناها يوم

____________

(1) ربيع الأبرار: ج 1 ص 675.

(2) ربيع الأبرار: ج 1 ص 699. والغدير: ج 10 ص 171 - 172 عن المستطرف: ج 1 ص 72. وزهر الربيع:

ص 50 ويأتي ص 137

الصفحة 126
بدر في طلب أبي سفيان وأصحابه، فسكت مفحما.

فلما دخل المدينة قال: أين زيد بن ثابت؟ قالوا: عليل أصابه سلس البول. فقال: علي به.

فقال: ما منعك من تلقيي؟ قال: علتي. قال: ليس كذا، ولكن غرك ما قيل في زيد بن ثابت: كاتب الوحي. قال: بلى حيث لم يأمنك الله ورسوله، فأفحم (1).

(377)
علوي وأبو العيناء

قال علوي لأبي العيناء: أتبغضني وقد أمرت بالصلاة علي، تقول:

" صلى الله على محمد وآله " قال: إني أقول: " الطيبين الأخيار " فتخرج أنت (2).

(378)
ابن الحنفية والحجاج

أخذ الحجاج ابن الحنفية بمبايعة عبد الملك، قال: إذا اجتمع الناس عليه كنت كأحدهم. قال: لأقتلنك، قال: أو لا تدري؟ قال: وما لا أدري؟ قال:

حدثني أبي: " إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة، له في كل لحظة ثلاثمائة وستون قضية " فلعله يكفيك في كل قضية من قضاياه.

فارتعد الحجاج وانتفض! وقال: لقد لحظك الله، فاذهب حيث شئت.

فكتب الحجاج بحديثه إلى عبد الملك، ووافق ذلك كتاب ملك الروم إليه يتهدده، فكتب عبد الملك إلى قيصر بحديث محمد.

____________

(1) ربيع الأبرار: ج 1 ص 689.

(2) ربيع الأبرار: ج 1 ص 717. والمحاضرات للراغب: ج 1 ص 344 وفيه: " لرجل " مكان " لأبي العيناء ". وقاموس الرجال: ج 8 ص 345. وزهر الربيع: ص 33

الصفحة 127
فكتب إليه قيصر: هيهات هيهات! هذه كلام ما أنت بأبي عذره، هذا كلام لم يخرج إلا من نبي أو من أهل بيت نبوة (1).

(379)
ابن قيس ومعاوية

خالف ناس من قريش معاوية، فقال: لقد هممت أن أبعث إليهم من يأتيني برؤوسهم.

فقام إليه ابن قيس (لعله عبد الله بن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف) فقال: لو فعلت ذلك لقطعنا أعدادها من رؤوس بني أبي سفيان.

فقال معاوية: أنت يا غراب! فقال: إن الغراب يدب إلى الرخمة حتى ينقف رأسها.

فضحك معاوية وسكت (2).

(380)
عقيل رحمه الله ومعاوية

كتب معاوية إلى عقيل بن أبي طالب يعتذر إليه من شئ جرى بينهما:

من معاوية بن أبي سفيان إلى عقيل بن أبي طالب: أما بعد يا بني عبد المطلب، فأنتم والله فروع قصي، ولباب عبد مناف، وصفوة هاشم، فأين أحلامكم الراسية وعقولكم الكاسية، وحفظكم الأواصر وحبكم العشائر؟

ولكم الصفح الجميل والعفو الجزيل، مقرونان بشرف النبوة وعز الرسالة، وقد والله ساء أمير المؤمنين ما كان جرى، ولن يعود لمثله إلى أن يغيب في الثرى.

فكتب إليه عقيل:

____________

(1) ربيع الأبرار: ج 1 ص 721 - 722.

(2) ربيع الأبرار: ج 1 ص 722

الصفحة 128

صدقت وقلت حقا غير أني * أرى أن لا أراك ولا تراني
ولست أقول سوءا في صديقي * ولكني أصد إذا جفاني

فركب إليه معاوية وناشده في الصفح وأجازه بمائة ألف درهم حتى رجع (1).

(381)
الأحنف ورجل

قال رجل للأحنف: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!! قال: ما ذممت مني يا ابن أخي؟ قال: الدمامة وقصر القامة. قال: لقد عبت علي ما لم أؤامر فيه (2).

(382)
شيخ مع هشام بن عبد الملك

قال: فبينا هشام بن عبد الملك ذات يوم في برية الشام يتنزه ويتصيد، إذ نظر إلى غبار ساطع على قارعة الطريق، فقال هشام لمن معه: قفوا في مواضعكم لا يتبعني أحد منكم إلى أن أرجع إليكم.

قال: ثم حرك هشام ومضى نحو الغبار، فإذا بعير قد أقبلت من بعض مدائن الشام عليها زيت وأمتعة من أمتعة الشام يراد بها الكوفة. قال: وفي العير شيخ من أهل الكوفة له رواء ومنظر، ومع الشيخ غلمة له أحداث وهم بنوه، ومع هشام مولى له يقال له: ربيع.

قال: فسلم هشام فردوا عليه السلام، وهم لا يعرفونه، فأقبل هشام على الشيخ فقال: ممن أنت وأين منشؤك؟ فقال الشيخ: أما المنشأ فالكوفة، وأما من أين فما سؤالك عن ذلك؟ فوالله إني لو كنت من العرب في أعلاها لما

____________

(1) ربيع الأبرار: ج 1 ص 734.

(2) ربيع الأبرار: ج 1 ص 846

الصفحة 129
نفعك، ولو كنت من أدناها لما ضرك.

فقال هشام: والله يا شيخ ما أظنك كتمت نسبك إلا وأنت مستحي.

فقال: فضحك الشيخ! ثم قال: يا هذا ما هو إلا ما ظننت، وإني لأرجو أن يسأل الله عز وجل عمن يحبسني بما أطلع عليه من دناءة جنسك ونسبك إذ أنبأتني به، فإن قبح وجهك وحول عينيك وذمامة خلقتك وسوء منطقك قد أطمعني في ذلك منك: وأنا أخبرك ممن أنا إذ قد أبيت إلا ذلك:

أنا رجل من حكم، وأمي سلولية، ونحن اليوم خلف في عكل.

فقال هشام: نسأل الله العافية ممن قد ابتلاك به يا شيخ! لقد اجتمع فيك ما لم يجتمع في أحد قط.

فقال: ولم تقول ذلك وقد أملت أن يسأل الله عمن ينسبنا عندما قد توسمته فيك عند معرفتي بنسبك؟ فمن أنت يا هذا؟

فقال: هشام: أنا رجل من قريش.

فقال الشيخ: إن قريشا كثير، وإن فيهم من قد علا نجمه، وفيهم من قد سقط سهمه، فمن أيها أنت؟

فقال هشام: أنا والله من أعلاها وأسناها وأزكاها، أنا رجل من بني أمية التي لا تسامى أخطارها ولا يدرك آثارها.

فقال الشيخ: مرحبا بك يا أخي (1) بني أمية! سليت ورب الكعبة غمي وفرجت عني كربي، كنتم والله يا بني أمية في الجاهلية تربون في التجارة، وفي الإسلام عاصين لأهل الطهارة، سيدكم حمار وأميركم جبار، إن قللتم عن الأربعين لم تدركوا بثار، وإن بلغتموها كنتم بشهادة الرسول من أهل النار، رجالكم يتقلبون في [ عار ] النسبة، ونساؤكم على نساء الأنام سبة، ومنكم

____________

(1) كذا في الأصل والصحيح يا أخا

الصفحة 130
الباكي على معلليه (1)، ومنكم معاليه مؤوي الطرداء وباقي الأخيار السعداء، الذي اختار القرابة على الصحابة، صرف المال عن أهل النجابة، منكم صاحب الراية يوم القليب، أبو اللعينة ذات العيوب، ومنكم صخر بن حرب، فكان في الجاهلية خمارا، وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله مجهزا كفارا، وفي إسلامه رديا منافقا، وإلى كل السوءات سابقا، وابنه معاوية لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله لعنات سبعا سبعا (سبعة سبعة خ)، منعه الله عز وجل أن ينال بدعوته عليه سبعا، منع أباه من الإسلام وحثه على عبادة الأصنام، ثم قال في الشعر الذي بعث به إلى أبيه يقول:

يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا * بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا
خالي وجدي وعم الأم ثالثهم * والمرء حنظلة المهدي لنا أرقا
لا تركنن إلى أمر تقلدنا * والرافضات به في مكة الخرقا
فالموت أهون من قول النساء لنا * خلا ابن حرب عن العقبى كذا فرقا

ثم إنه بعد ذلك عادى النبي صلى الله عليه وآله، وقاتل الوصي، وألحق زياد الدعي، وعهد إلى ابنه الفاسق الردي، وبدل مكان كل سنة بدعة،

____________

(1) زيد في (د): الذي يقول:

يا جواري الحي عن قيبه * منعوا مني معاليه
كيف تلوموني على رجل * لو شفاني هم مساعيه
لم يقل إني ندمت ولا * عندها فاضت مدامعيه

وفي الفارسية:

يا جواري الحي عن بنيه * يا جواري لا تلمنيه
لا نفر النفا وقد * حجبوا عني معلليه
كم تلوموني على رجل * لو سقاني سم ساعيه
لم أقل إني ندمت ولا * عندها فاضت مدامعيه


الصفحة 131
وجعل لابنه يزيد في إراقة الدماء فسحة وسعة، ونبش قبر حمزة سيد الشهداء، وأجرى فيه الماء عداوة وبغضا، ألحق زياد بن عبيد اللعين بأبي سفيان الخمار، وزوجه من نسائه ذات القلائد والخمار، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فترك قول النبي صلى الله عليه وآله وبزياد بن عبيد افتخر، وسلطه على شيعة علي بن أبي طالب، ولم يخف من سوء العواقب.

ومنكم عقبة بن أبي معيط، نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله من قريش وسائر العرب، وضرب عنقه بين يديه علي ذو الحسب، وألبسكم بقتله من بين قريش العار، وجعل أرواحهم إلى النار، فقبلتم نسبه فيكم، وزوجتموه، وهو علج من أهل صفورية فادعيتموه. وابنه المحدود في الخمر، صلى بالناس أربعا في الفجر والظهر في مساجد الله وهو سكران، وقرب أهل الخيانة والغدر، فسماه الله في كتابه فاسقا، وجعله في الدرك الأسفل منافقا.

ومنكم يا بني أمية الحكم بن العاص الملقب بالحياص، نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله بعد لعنه إياه وأردفه ثانية وباللعنة ثناه.

ومنكم عبد الملك، غصب الأبرار، واستعان بالفجار، وتهاون بالأخيار، فالحجاج أفضل حسناته، والغدر والفجور أقل سيئاته. ثم بنوه الجبابرة في الإسلام، أبناء اللعنة والجور في الأحكام: منهم سليمان والوليد وهشام، وقبله يزيد، لا نذكر أحدا منهم برأي سديد، وما لهم في اللعنة من مزيد، خونة غدرة، رموا بيت الله الحرام بالحجارة والعذرة، وقتلوا قبل ذلك العشرة البررة.

ومن نسائكم آكلة الأكباد، ومظهرة الفساد [ الصادة لزوجها عن الرشاد والداعية إلى الكفر والفساد ] والعناد، وصويحباتها الناقرات يوم أحد بالدفوف المغنيات، وقد دنت الزحوف.

فأنتم يا بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن، لا ينكر ذلك إنس ولا جان،