الصفحة 169
ليس له جواب.

قال: فأنشأ رجل من بني قيس يقول في ذلك:

[ والراقصات بركب عامدين له * إن الذي كان في عمرو لمأثور
قد كنت أسمع والأنباء شائعة * هذا الحديث فقلت الكذب والزور
حتى تلقيته عن أهل محنته (1) * فاليوم أرجع والمغرور مغرور
واليوم أبرأ من عمرو وشيعته * ومن معاوية المحذو به العير
لا لا أقاتل عمارا على طمع * بعد الرواية حتى ينفخ الصور
تركت عمروا وأشياعا له نكرا * إني بتركهم يا صاح معذور
يا ذا الكلاع فدع لي معشرا كفروا * أو لا فديتك دين فيه تعزير
ما في مقال رسول الله في رجل * شك ولا في مقال الرسل تحيير ]

قال: ثم هرب صاحب هذا الشعر حتى لحق بعلي بن أبي طالب، فصار معه.

قال: فدعا معاوية عمرو بن العاص، فقال: يا هذا إنك أفسدت أهل الشام علي، أكل ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وآله - تقوله وترويه؟ ما أكثر ما سمعنا منه فلم نروه! فقال عمرو: يا هذا والله لقد رويت هذا الحديث وأنا لا أظن أن صفين تكون، ولست أعلم الغيب ولقد رويت أنت أيضا في عمار مثل الذي رويت أنا فما ذنبي؟ قال: ثم أنشأ عمرو يقول:

[ أعاتبني إن قلت شيئا سمعته * وقد قلت لو أنصفتني مثله قبلي
فعلك فيما قلت فعل بنيه * وتزلق بي في مثل ما قلته فعلي
وهل كان لي علم بصفين أنها * تكون وعمار يحث على قتلي
فلو كان لي بالغيب علم كتمته * وكابرت أقواما مراجلهم تغلي
أبى الله إلا أن صدرك واغر * علي بلا ذنب جنيت ولا ذحل


الصفحة 170

سوى أنني والراقصات عشية * بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل
فلا وضعت عندي حصان قناعها * ولا حملت وجناء عرمسة رحلي
ولا زلت أدعى في لؤي بن غالب * قليلا غناي لا أمر ولا أحلي
إن الله أرخى من خناقك مرة * ونلت الذي أرجوه إن لم أرد أهلي
وأترك لك الشام الذي ضاق رحبها * عليك ولم يهنك بالعيش من أجلي ]

قال: فأجابه معاوية وأنشأ يقول:

الآن لما ألقت الحرب بركها * وقام بنا الأمر الجليل على رجل
غمزت قناتي بعد سبعين حجة * شفاها كأني لا أمر ولا أحلي
أبيت لأمر فيه للشام فتنة * وفي دون ما أظهرته زلة النعل
فقلت لك القول الذي ليس ضائرا * ولو ضر لم يضررك حملك لي نعلي
تعاتبني في كل يوم وليلة * كأن الذي ابليت ليس كما ابلي
فما قبح الله العتاب وأهله * ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل
فدع ذا ولكن هل لك اليوم حيلة * ترد بها قوما مراجلهم تغلي
دعاهم علي فاستجابوا لدعوة * أحب إليهم من بقى المال والأهل
إذا قال خوضوا غمرة الموت أرقلوا * إلى الموت إرقال الملوك إلى الفحل ] (1)

قال: فلما انتهى هذا الشعر إلى عمرو جاء إلى معاوية فأعتبه ورضي كل واحد منهم من صاحبه (2).

(403)
عدي بن حاتم ومعاوية

قال: فلما كان بعد مقتل علي - رضي الله عنه - أقبل عدي بن حاتم،

____________

(1) لا توجد هذه الأبيات في المصادر غير فتوح ابن أعثم.

(2) فتوح ابن أعثم: ج 3 ص 114 - 132، وقد مر ص 48 وأعدنا ذكره لفوائد وزوائد في هذه الرواية.

وراجع قاموس الرجال: ج 10 ص 204. والغدير: ج 2 ص 144 - 148 عن صفين نصر وشرح ابن أبي الحديد وراجع صفين نصر ص 333 - 346

الصفحة 171
فدخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص ورجل من بني الوحيد، فسلم عدي فردوا عليه السلام.

فقال له معاوية: أبا طريف! ما الذي أبقى لك الدهر من ذكر علي بن أبي طالب؟ فقال عدي: وهل يتركني الدهر أن لا أذكره؟ قال: فما الذي بقي في قلبك من حبه؟ قال عدي: كله وإذا ذكر ازداد.

فقال معاوية: ما أريد بذلك إلا أخلاق ذكره، فقال عدي: قلوبنا ليست بيدك يا معاوية، فضحك معاوية، ثم قال: يا معشر طي! إنكم ما زلتم تشرفون الحاج ولا تعظمون الحرم. فقال عدي:: إنا كنا نفعل ذلك ونحن لا نعرف حلالا ولا ننكر حراما، فلما جاء الله عز وجل بالإسلام غلبناك وأباك على الحلال والحرام، وكنا للبيت أشد تعظيما منكم له. فقال معاوية: عهدي بكم يا معشر طي وإن أفضل طعامكم الميتة.

فقال عمرو بن العاص والرجل الذي عنده من بني الوحيد: كف عنه يا أمير المؤمنين، فإنه بعد صفين ذليل. فقال عدي: صدقتم! ثم خرج عدي من عند معاوية، وأنشأ يقول:

يحاولني معاوية بن حرب * وليس إلى الذي يرجو سبيل
يذكرني أبا حسن عليا * وحظي في أبي حسن جليل
يكاشرني ويعلم أن طرفي * على تلك التي أخفى دليل
ويعلم أننا قوم جفاة * حراديون ليس لنا عقول
وكان جوابه عندي عتيدا * ويكفي مثله مني القليل
وقال ابن الوحيد وقال عمرو * عدي بعد صفين ذليل
فقلت صدقتما قد هد ركني * وفارقني الذي بهم أصول
ولكني على ما كان مني * أبلبل صاحبي بما أقول
وإن أخاك في كل يوم * من الأيام محمله ثقيل


الصفحة 172
قال: فأرسل إليه معاوية بجائزة سنية وترضاه (1).

(404)
حجل بن أثال مع ابنه

قال: وبرز رجل من أصحاب معاوية يقال له: حجل بن أثال بن عامر العبسي حتى وقف بين الجمعين، ثم نادى: يا أهل العراق من يبارز؟ فما لبث أن خرج إليه ابنه وكان الابن مع علي - رضي الله عنه - والأب مع معاوية والابن يقال له: أثال.

قال: فخرج إليه وهو لم يعرفه فتطاعنا بالرماح، فطعنه ابنه طعنة أرداه عن فرسه. قال: وسقطت البيضة عن رأس الشيخ، فنظر إليه الفتى فعرفه أنه أبوه!

فرمى بنفسه عن فرسه وأكب عليه وقال: يا أبتي أظن أنه قد أهنتك طعنتي.

فقال: نعم يا بني، وليس على منها بأس إن شاء الله، لكن يا بني هلم إلى الشام والأموال الكثيرة مع معاوية. فقال له الابن: هلم الآخرة وجنة الخلد مع علي بن أبي طالب. فقال الشيخ: يا بني هذا ما لا يكون من أبيك أبدا. قال الفتى: يا أبتي هذا ما لا يكون من ابنك أبدا، فارجع إلى صاحبك فإني راجع إلى صاحبي.

قال: فرجع كل منهما إلى صاحبه وعجب أهل العسكرين منهما جميعا، وضربوا في الأمثال بعد ذلك، فأنشأ الشيخ يقول:

[ إن حجل بن عامر واثالا * أصبحا يضربان في الأمثال
أقبل الفارس المدجج في النقع * أثال يجري يريد نزالي
دون أهل العراق إذ عظم النقع * على ظهر هيكل ذيال
فدعاني له ابن عند وما زال * قليلا في صحيه أمثالي

____________

(1) فتوح ابن أعثم: ج 3 ص 134 - 135

الصفحة 173

فتناولته ببادرة الرمح * فأهوى بأسمر عسال
فأطعنا وذاك من عجب الدهر * عجيب بحادثات الليالي
شاجرا بالقناة صدر أبيه * وعزيز علي طعن أثال
لا أبالي إذا طعنت اثالا * واثالا كذاك ليس يبالي
فافترقنا على السلامة والنفس * تقيها مؤخر الآجال
لا يراني على الهدى وأراه * من هداي على سبيل الضلال
وكلانا يرجو الثواب إلى الله * يقينا بغير قيل وقال

قال: فلما انتهى شعر الشيخ بأهل العراق أنشأ ابنه يقول:

إن طعني وسط العجاجة حجلا * لم أرد بالذي فعلت عقوقا
كنت أرجو به الثواب من الله * وكوني مع النبي رفيقا
لم أزل أنصر العراق من الشام * أراني بفعل ذاك حقيقا
قال أهل العراق إذ عظم الخطب * ونق المبارزون نقيقا
من فتى يأخذ الطريق إلى الله * وكنت الذي أخذت الطريقا
حاسر الرأس لا أريد سوى الموت * أرى كل ما يكون دقيقا
فإذا فارس تقحم في النقع * بيوتا تخاله أم عنيقا
فسبقني حجل بنافذة الطعن * وما كنت قبلها مسبوقا
وتلاقيته بطعنة صدق * وكلانا يبارز العيوقا
أحمد الله ذا الجلال [ وذا ] القدرة * حمدا يزيدني توفيقا
إنني لم أزل بنافذة الطعن * سواء ولم يك تعويقا
قلت للشيخ لست أكفرك الدهر * لطيف الغذاء والتنفيقا
غير أني أخاف من لهب النار * بتركي الهدى فكن لي رفيقا
فأبى الشيخ أن يكون سعيدا * ولقد كنت ناصحا وشفيقا ] (1)

____________

(1) فتوح ابن أعثم: ج 3 ص 135 - 139

الصفحة 174

(405)
أبو الطفيل ومعاوية

قال: ثم أقبل عبد الله بن الطفيل إلى علي، فقال: كيف رأيت فعلنا في عدونا يا أمير المؤمنين؟ (وذلك في صفين) والله لقد استكرهوني على الانصراف فاستكرهتهم على الرجعة. قال: فأعجب عليا ذلك منه، وأثنى عليه وعلى قومه خيرا، فأنشأ أبو الطفيل يقول:

[ تحامت كنانة في حربها * وحامت تميم وحامت أسد
وحامت هوازن من بعدها * فما حام منا ومنهم أحد
لقينا الفوارس يوم الخميس * والعيد والسبت قبل الأحد
وأمدادهم خلف أذنابهم * وليس لنا من سوانا مدد
لقينا قبائل أنسابهم * إلى حضرموت وأهل الجند
فلما تنادوا بآبائهم * دعونا معدا ونعم المعد
فظلنا نفلق هاماتهم * ولم نك فيها ببيض البلد
ونعم الفوارس يوم الوغى * فقل من عديد وقل في عدد
وقل في طعان كفرغ الدلاء * وضرب عظيم كنار الوقد
ولكن عصفنا بهم عصفة * وفي الحرب بشر وفيها نكد
طحنا الفوارس يوم العجاج * وسقنا الأراذل سوق النقد
وقلنا علي لنا والد * ونحن له في ولاة الولد ]

قال: فاشتد هذا الشعر على معاوية وغمه غما شديدا.

ثم إنه جلس ذات يوم - وذلك بعد صفين - وعنده يومئذ عمرو بن العاص وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم، فذكروا هذه القصيدة، فما منهم أحد إلا وشتم أبا الطفيل أقبح الشتيمة، وبلغ ذلك أبا الطفيل، فأنشأ يقول:

[ أيشتمني عمرو ومروان ضلة * لرأي ابن هند والشقي سعيد


الصفحة 175

وحول ابن هند شايعون كأنهم * إذا ما استقاموا في الحديث قرود
يعضون من غيض علي أكفهم * وذلك غم لا أحب شديد
وما سبني إلا ابن هند وإنني * بتلك التي يشجى بها لرصود
كما بلغت أيام صفين نفسه * تراقبه والشامتون شهود
فلم يمنعوه والرماح تنوشه * وطاعتهم رحب العنان عنود
وطارت لعمرو في الفجاج شظية * ومروان من وقع السيوف بعيد
وما لسعيد همة غير نفسه * وكل التي يخشونها ستعود
فتخطؤهم والحرب خطأ كأنهم * حمام وبازي في الهوى وصيود ] (1)

(406)
رجل من أهل الشام مع هاشم

قال: فخرج إليه (يعني إلى هاشم بن عتبة المرقال - رضوان الله عليه - في يوم من أيام صفين وهو في ميدان النضال) رجل من أصحاب معاوية، وجعل يشتم عليا ويقول القبيح!

فقال له هاشم: يا هذا! إن لهذا الكلام بعده الخصام، فاتق الله ولا تشتم، فإنك راجع إلى ربك وأنه مسائلك عن هذا الموضع وعن هذا الكلام.

فقال الشامي: وكيف لا أشتمكم ولا ألعنكم وقد بلغني عن صاحبكم أنه لا يصلي وأنكم لا تصلون؟! فقال له هاشم: يا هذا الرجل! أما قولك: إننا ما نصلي، فوالله ما فينا أحد يؤخر الصلاة عن وقتها طرفة عين. وأما قولك: عن صاحبنا أنه لا يصلي، فوالله أنه لأول ذكر صلى من هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه لأفقه خلق الله في دين الله وأولاهم برسول الله صلى الله عليه وآله، وليس معه أحد إلا وهو قارئ لكتاب الله عالم بحدود

____________

(1) فتوح ابن أعثم: ج 3 ص 168 - 169

الصفحة 176
الله، ولا يغرنك هؤلاء الأشقياء المغرورون.

فقال الشامي: يا هذا! ما أظنك والله إلا وقد نصحتني في ديني ولكن هل من توبة؟ قال: نعم إن تبت تاب الله عليك، فإنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات. قال: فقنع الشامي فرسه وركض، فصار إلى علي - رضي الله عنه - فكان معه. (1)

(407)
رجال من أصحاب علي عليه السلام مع عمرو

قال (في بيان وقعة صفين): فأقبل عمرو (بن العاص) على بغلة له شهباء حتى دنا من ميسرة علي - رضي الله عنه - ثم نادى بأعلى صوته: يا أهل أمي أنا عمرو بن العاص، فليخرج إلي رجل منكم.

قال: فخرج إليه رجل من عبد القيس يقال له: " عقيل بن ثويرة " فقال له عمرو: من أنت يا ابن أخ؟ فقال: أنا رجل من عبد القيس شهدت يوم الجمل فأبلاني الله بلاء حسنا، وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس، ووالله! أن لو كان بعدي رجل هو أعدى لك مني لما خرجت إليك، ويلك! أما تستحيي وأنت شيخ قريش؟ أنت تؤثر معاوية على علي وتبيع دينك بمصر وتنصر رجالا من الطلقاء على رجل من سادات المهاجرين والأنصار.

قال: فتبسم عمرو، ثم قال: يا ابن أخ أحب أن يخرج إلي غيرك، فقال الرجل: والله لا يخرج إليك إلا من هو مثلي في عداوتك، ثم رجع إلى أصحابه.

وخرج إلى عمرو رجل من بني تميم يقال له: " طحل بن الأسود بن ردلج " فقال له عمرو: من أنت يا ابن أخ؟ فقال: أنا من لا يقيلك عثرتك، ولا يقبل

____________

(1) راجع فتوح ابن أعثم: ج 3 ص 196. وشرح ابن أبي الحديد: ج 8 ص 36. وبهج الصباغة: ج 6 ص 28. والغدير: ج 9 ص 122. وصفين نصر: 354 - 355

الصفحة 177
معذرتك، ولا يرحم عبرتك، ولا يبلعك ريقك، أما والله! لقد أخذت دنيا دنية فانية بآخرة عند الله باقية، ولقد خالفت عليا وإنك لتعلم أنه خير من معاوية.

فقال عمرو: ليس لهذا دعوتك يا ابن أخ، ولكن هل فيكم رجل من عنزة؟ قال: نعم، قال عمرو: فادعه إلي.

قال: فرجع الرجل، وخرج إلى عمرو رجل من عنزة فانتسب له، فرحب به عمرو. فقال له العنزي: أما الترحيب فإني أرده عليك، وأما السلام فإني لا أبالي به، فلا تظن أني دون صاحبي اللذين خرجا إليك من قبلي، فوالله ما خرجت إليك إلا وأنا أريد أن أجيبك بما يسوؤك وأنا الذي أقول:

[ يضرب الشام يا أمامة بالحق * وأهل العراق بالتمحيص
وابن هند يدعو إلى النار * وكعب يدعو إلى الترخيص
باعه القوم دينهم بمناه * عرض بيع من البيوع رخيص
وعلي يدعو العباد إلى الله * وفيما يقول عمرو نكوص
وعزيز عليه ما عنت القوم * حريص وذاك غير حريص
يا حماة العراق لا تسأموا اليوم * في الضرب والطعان القريص
أطلقوا هذه النفوس عن الفرش * وقرب النساء ولبس القميص
واحملوها على مباشرة الموت * فما عن لقائه من محيص
تغلبوهم والراقصات على الشام * بحكم الوصي للتمحيص

فقال له عمرو: يا هذا إنه ما أتاني أحد أشد علي منك، فأخرج إلي رجلا من بني هظيم.

قال: فرجع العنزي وخرج إلى عمرو رجل من بني هظيم، فانتسب لعمرو، فإذا هو من أخواله! فقال له عمرو: إنه لم يلقني [ أحد ] أحب إلي منك لأنك من أخوالي فالقني بالجميل حتى أفارقك، فقال: قل ما تشاء.

فقال عمرو: إني إنما أتيتكم حمية مني لكم فلا تفضحوني، واعلموا أن

الصفحة 178
العرب لا بد لها من ذكر صفين بعد هذا اليوم، فلا تنكسوا رأسي واكفوني أمركم، ودعونا وعليا وأصحابه.

قال: فقال له الرجل: يا عدو الله! أتخطب إلينا عقولنا؟ فقال عمرو: لا لعمر الله! ما أخطب إليكم عقولكم، ولكن شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري يزعم بأنكم لستم بأكفاء في الحروب، فلهذا جئتكم.

قال: فقال له الهضيمي: أعزب قبحك الله! وقبح كلاعا كلها، وقبح لما.

جئت به (1).

(408)
عبد الله بن عباس مع الخوارج

قال: فبينا علي - كرم الله وجهه - مقيم بالكوفة ينتظر انقضاء المدة التي كانت بينه وبين معاوية ثم يرجع إلى محاربة أهل الشام، إذ تحركت طائفة من خاصة أصحابه في أربعة آلاف فارس، وهم من النساك العباد أصحاب البرانس، فخرجوا عن الكوفة وتحزبوا وخالفوا عليا - كرم الله وجهه - وقالوا:

" لا حكم إلا لله ولا طاعة لمن عصى الله " قال: وانحاز إليهم نيف عن ثمانية آلاف رجل ممن يرى رأيهم.

قال: فصار القوم في اثني عشر ألفا وساروا حتى نزلوا بحروراء، وأمروا عليهم عبد الله بن الكواء.

قال: فدعا علي - رضي الله عنه - بعبد الله بن عباس فأرسله إليهم، وقال: يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم، فانظر ما هم عليه ولماذا اجتمعوا.

قال: فأقبل [ عليهم ] ابن عباس حتى إذا أشرف عليهم ونظروا إليه ناداه بعضهم وقال: ويلك يا ابن عباس! أكفرت بربك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب؟ فقال ابن عباس: إني لا أستطيع أن أكلم كلكم، ولكن أنظروا

____________

(1) فتوح ابن أعثم: ج 3 ص 230 - 233. وراجع قاموس الرجال: ج 6 ص 254

الصفحة 179
أيكم أعلم بما يأتي ويذر فليخرج إلي حتى أكلمه.

قال: فخرج إليه رجل منهم يقال له: " عتاب بن الأعور الثعلبي " حتى وقف قبالته، وكأن القرآن إنما كان ممثلا بين عينيه، فجعل يقول ويحتج ويتكلم بما يريد، وابن عباس ساكت لا يكلمه بشئ حتى إذا فرغ من كلامه أقبل عليه ابن عباس، فقال: إني أريد أن أضرب [ لك ] مثلا، فإن كنت عاقلا فافهم. فقال الخارجي: قل ما بدا لك.

فقال له ابن عباس: خبرني عن دار الإسلام هذه هل تعلم لمن هي ومن بناها؟ فقال الخارجي: نعم هي لله عز وجل وهو الذي بناها على أيدي أنبيائه وأهل طاعته، ثم أمر من بعثه إليها من الأنبياء أن يأمروا الأمم أن لا تعبدوا إلا إياه فآمن قوم وكفر قوم، وآخر من بعثه إليها من الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، فقال ابن عباس: صدقت، ولكن خبرني عن محمد حين بعث إلى دار الإسلام فبناها كما بناها غيره من الأنبياء هل أحكم عمارتها وبين حدودها وأوقف الأمة على سبلها وعملها [ و ] شرايع أحكامها ومعالم دينها؟ قال الخارجي: نعم قد فعل محمد ذلك.

قال ابن عباس: فخبرني الآن عن محمد هل بقي فيها أو رحل عنها؟ قال الخارجي: بل رحل عنها. قال ابن عباس: فخبرني رحل عنها وهي كاملة العمارة بينة الحدود، أم رحل عنها وهي خربة لا عمران فيها؟ قال الخارجي:

بل رحل عنها وهي كاملة العمارة بينة الحدود قائمة المنار.

قال ابن عباس: صدقت الآن، فخبرني هل كان لمحمد صلى الله عليه وآله أحد يقوم بعمارة هذه الدار من بعده أم لا؟ قال الخارجي، بلى قد كان له صحابة وأهل بيت ووصي وذرية يقومون بعمارة هذه الدار من بعده.

قال ابن عباس: ففعلوا أم لم يفعلوا؟ قال الخارجي: بلى قد فعلوا وعمروا هذه الدار من بعده

الصفحة 180
قال ابن عباس: فخبرني الآن عن هذه الدار من بعده هل هي اليوم على ما تركها محمد صلى الله عليه وآله من كمال عمارتها وقوام حدودها أم هي خربة عاطلة الحدود؟ قال الخارجي: بل هي عاطلة الحدود، خربة.

قال ابن عباس: أفذريته وليت هذه الخراب أم أمته؟ قال: بل أمته.

قال: ابن عباس: أفأنت من الأمة أو من الذرية؟ قال: أنا من الأمة.

قال ابن عباس: يا عتاب فخبرني الآن عنك كيف ترجو النجاة من النار وأنت من أمة قد أخربت دار الله ودار رسوله وعطلت حدودها؟ فقال الخارجي: إنا لله وإنا إليه راجعون! ويحك يا ابن عباس! احتلت والله حتى أوقعتني في أمر عظيم وألزمتني الحجة حتى جعلتني ممن أخرب دار الله، ولكن ويحك يا ابن عباس! فكيف الحيلة في التخليص مما أنا فيه؟

قال ابن عباس: الحيلة في ذلك: أن تسعى في عمارة ما أخربته الأمة من دار الإسلام. قال: فدلني على السعي في ذلك.

قال ابن عباس: إن أول ما يجب عليك في ذلك أن تعلم من سعى في خراب هذه الدار فتعاديه وتعلم من يريد عمارتها فتواليه. قال: صدقت يا ابن عباس، والله ما أعرف أحد في هذا الوقت يحب عمارة دار الإسلام غير ابن عمك علي بن أبي طالب لولا أنه حكم عبد الله بن قيس في حق هو له.

قال ابن عباس: ويحك يا عتاب! إنا وجدنا الحكومة في كتاب الله عز وجل، إنه قال تعالى: " فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما "، وقال تعالى: " يحكم به ذوا عدل منكم ".

قال: فصاحت الخوارج من كل ناحية، وقالوا: فكأن عمرو بن العاص عندك من العدول؟ وأنت تعلم أنه كان في الجاهلية رأسا وفي الإسلام ذنبا، وهو الأبتر ابن الأبتر ممن قاتل محمدا صلى الله عليه وآله وفتن أمته من بعده.


الصفحة 181
قال: فقال ابن عباس: يا هؤلاء إن عمرو بن العاص لم يكن حكما أفتحتجون به علينا؟ إنما كان حكما لمعاوية، وقد أراد أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - أن يبعثني أنا فأكون له حكما فأبيتم عليه، وقلتم: قد رضينا بأبي موسى الأشعري، وقد كان أبو موسى لعمري رضي في نفسه وصحبته وإسلامه وسابقته، غير أنه خدع، فقال ما قال، وليس يلزمنا من خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى، فاتقوا ربكم وارجعوا إلى ما كنتم عليه من طاعة أمير المؤمنين، فإنه وإن كان قاعدا عن طلب حقه فإنما ينتظر انقضاء المدة، ثم يعود إلى محاربة القوم، وليس علي - رضي الله عنه - ممن يقعد عن حق جعله الله له.

قال: فصاحت الخوارج وقالوا: هيهات يا ابن عباس! نحن لا نتولى عليا بعد هذا اليوم أبدا، فارجع إليه وقل له: فليخرج إلينا بنفسه حتى نحتج عليه ونسمع كلامه (1)... الحديث.

(409)
عبد الله بن أبي عقب مع الخوارج

كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى الخوارج كتابا وطواه وختمه ودفعه إلى عبد الله بن أبي عقب وأرسله.

قال: فأقبل عبد الله بن أبي عقب إلى الخوارج بالكتاب حتى إذا صار إلى النهروان، تقدم إلى عبد الله بن وهب الراسبي، وهو جالس على شاطئ النهروان محتب بحمائل سيفه، وحرقوص بن زهير إلى جانبه، ورؤساء الخوارج جلوس حولهم.

____________

(1) فتوح ابن أعثم: ج 4 ص 89 - 95 وقد مر سابقا احتجاج ابن عباس على الخوارج، وذكرنا روايات متعددة منه، وأعدنا ذكره هنا لكثير الفائدة. وراجع الفتوح: ج 4 ص 121. ولقد تركنا احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام، ولعلنا نأتيه في كتاب منفرد إن شاء الله تعالى

الصفحة 182
قال: فسلم عبد الله بن أبي عقب ودفع الكتاب إلى عبد الله بن وهب، فأخذه وفضه وقرأه عن آخره، ثم ألقاه إلى حرقوص، فقرأه، ثم رفع رأسه إلى ابن أبي عقب، فقال له: لولا أنك رسول لألقيت منك أكثرك شعرا! فمن أنت؟ قال: رجل من الموالي. قال: من أي الموالي أنت؟ قال: من موالي بني هاشم. قال: إني أظنك من هذا الرجل بسبب، يعني علي بن أبي طالب، فقال: أنا رجل من أصحابه. قال: أفحلال أنت [ أم لا ]؟ قال: بل حرام دمي في كتاب الله عز وجل.

فقال: ما أراك تعرف كتاب الله! قال: بلى إني لأعرف منه الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني والسفري والحضري. قال: وتعرف الله حق معرفته؟

فقال: نعم إني لأعرفه ولا أنكره، أؤمن به ولا أكفره. قال: وبماذا عرفته؟

قال: برسوله وكتابه المنزل. قال: صدقت، فاصدقني ما تكون من علي بن أبي طالب؟ قال: أنا أخوه في الإسلام.

قال عبد الله بن وهب: أو مسلم أنت؟ قال: أنا مسلم والحمد لله.

قال: ما الإسلام؟ قال له ابن أبي عقب: إن الإسلام عشرة أسهم، خاب من لا سهم له فيها: شهادة أن لا إله إلا الله وهي الملة، والصلاة وهي الفطرة، والزكاة وهي الطهر، والصوم وهو الجنة، والحج وهو الشريعة، والجهاد وهو الغزو والأمر بالمعروف وهو الوفاق، والنهي عن المنكر وهو الحجة، والطاعة وهي العصمة، والجماعة وهي الألفة.

قال: صدقت. فخبرني ما الإيمان؟ فقال: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ونحن له مسلمون، والرضا بما جاء من عند الله من سخط أو رضى، والجنة حق والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور.

فقال عبد الله بن وهب: أيها الرجل إنه حرم علينا دمك، فخبرني أعالم أنت أم متعلم؟ قال (فقال له خ): متعنت أنت أم مسترشد؟ قال: بل

الصفحة 183
مسترشد. قال عبد الله بن وهب: فكم الصلوات؟ فقال: أما الفريضة فإنها خمس ومعها نوافل، أفعن الفريضة تسألني أم عن النافلة؟ فقال: بل عن الفريضة أسألك فكم في الفريضة من ركعة؟ قال: سبع عشرة ركعة وفيها سبع عشرة مرة سمع الله لمن حمده وفيها أربع وثلاثون سجدة وفيها أربع وتسعون تكبيرة، قال:

صدقت فكم السنة؟ قال: السنة عشر، خمس منها في الرأس، وخمس في الجسد، فأما اللواتي في الرأس: فالمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، وفرق الشعر. وأما اللواتي في الجسد: فالختان، وحلق العانة، والاستنجاء بالماء، ونتف الابط، وتقليم الأظفار.

فقال عبد الله بن وهب: صدقت أيها الرجل، ولكن خبرني كم يجب في خمس من الإبل صدقة؟ فقال ابن أبي عقب: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه، إلى أن تبلغ خمسا وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض، فإن لم توجد بنت مخاض، فابن لبون إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى أن تبلغ خمسا وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طريدتا الفحل إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت الإبل عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا بلغت الإبل ثلاثين ومائة فالحساب على ما خبرتك، وليس هذا من علم مثلي فسل عن غير هذا.

فقال له عبد الله بن وهب: ذر عنك هذا! فخبرني عن صدقة البقر، قال:

إذا أخبرك بذلك، في كل ثلاثين بقرة تبيع فهو حولي لسنة، وفي الأربعين بقرة منه إلا ما كان من البقر العوامل التي تحرث الأرض ويسقى عليها الحرث، فإنه لا صدقة عليها، لأنها بمنزلة الدواب المركوبة، والتي يحمل عليها الأثقال من

الصفحة 184
البغل والحمير فقد خرج حكمها عن حكم البقر السائمة، فسنة البقر السائمة بخلاف سنة البقر العوامل، وأما من أراد بها التجارة فيقوم في رأس السنة وينظر إلى ثمنها فيحسب ذلك، ويخرج صاحبها زكاتها كما تخرج زكاة المال من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين مثقالا نصف مثقال، وما زاد فبالحساب.

فقال عبد الله بن وهب: صدقت، فخبرني عن صدقة الغنم ما هي؟ فقال ابن أبي عقب: نعم، أما الغنم: فإنها إذا كانت دون الأربعين فلا صدقة عليها، فإذا بلغت أربعين فصدقتها شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على العشرين والمائة واحدة فصدقتها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة [ شاة خ ] فهذا ما سألت عنه من صدقة الإبل والبقر والغنم وليس مثلي [ من ] يسأل عن مثل هذا، ولكن سل أيها الرجل عما أحببت من العلوم الواسعة.

فقال ابن وهب: خبرني عن الواحد ما هو؟ قال: فتبسم ابن أبي عقب، ثم قال: هذه مسألة قد مضت في الدهر الواحد هو الله وحده لا شريك له.

قال: فخبرني عن الاثنين لم يكن لهما في عصر ثالث؟ قال: آدم وحواء.

قال: فخبرني عن ثلاث لا رابع لها؟ قال: الطلاق.

قال: فخبرني عن أربع لا خامس لها؟ قال: أربع نسوة حلال ولا تحل خامسة.

قال: فخبرني عن خامسة ليس لها سادسة؟ قال: الخمس صلوات مكتوبة.

قال: فخبرني عن ستة لا سابع لها؟ قال: الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض.

قال: فخبرني عن سبعة ليست لها ثامنة؟ فقال له ابن أبي عقب: يا هذا

الصفحة 185
الرجل إن السبعة في كتاب الله عز وجل كثير [ وهن ] السماوات سبع والارضون سبع والبحار سبع، وقال الله تعالى: " لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم " وقال: " سبعة إذا رجعتم " وقال الريان بن الوليد ملك مصر: " إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات " وقال يوسف النبي: " تزرعون سبع سنين دأبا " ومثل هذا في كتاب الله كثير.

قال: فخبرني عن سبع وثمانية؟ قال: نعم قول الله عز وجل: " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " قال: صدقت.

فخبرني عن ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان؟ قال: فتبسم عبد الله بن أبي عقب ثم قال: يا سبحان الله! من جمع هذه الجموع وخرج على مثل علي بن أبي طالب وهو يعلم أنه أقضى هذه الأمة وأبصر بحلالها وحرامها يسأل رسوله عن مثل هذه المسائل، قال الله تبارك وتعالى: " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم فهذا ما سألت.

فقال حرقوص: أيها الرجل، فإني سائلك عن غير ما سألك صاحبي، قال: سل عما بدا لك. قال: من يتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أتولى أولياء الله المؤمنين أتولى أبا بكر وعمر وعثمان ومقداد وسلمان وأبا ذر وصهيبا وبلالا وأسلاف المؤمنين. قال: فممن تتبرأ؟ قال: ما أتبرأ من أحد " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ".

قال: فما تقول في صاحبك علي؟ وما تقول في عثمان وطلحة والزبير ومعاوية والحكمين وعمرو بن العاص وعبد الله بن قيس؟

قال: أما صاحبي علي: فلو قلت فيه سوء لم أكن بالذي أصحبه ولا أقاتل

الصفحة 186
بين يديه ولا أقول بفضله. وأما عثمان: فإنه ابن عم النبي وابن ابنة عمه وختنه على ابنته رقية. وأم كلثوم، وله فضائل كثيرة، وقد جاءت بها العلماء ولا أقول فيه إلا خيرا. وأما طلحة والزبير: فإنهما حواري رسول الله صلى الله عليه وآله ولم أسمع صاحبي يقول فيهما إلا خيرا، ولا أقول فيهما إلا كقوله. وأما معاوية والحكمان: فمعاوية رضي برجل وعلي صاحبي برجل فخدع أحدهما صاحبه والخلافة لا تثبت لأحد بالمكر والخديعة، ونحن على رأس أمرنا إلى انقضاء المدة.

فقال حرقوص: أيها الرجل إنك قد أوجبت على نفسك القتل. قال: ولم ذاك؟ قال: لأنك توليت قوما كفروا بعد إيمانهم وأحدثوا الأحداث.

فقال له ابن أبي عقب: أيها الرجل إنك لم تبلغ في العلم ما يجب عليك أن تفتش عن علم الإمام ولكني أسألك عن مسائل يسأل صبياننا بعضهم بعضا عنها في المكتب، قال: سل عما بدا لك.

فقال ابن أبي عقب: خبرني أيها الرجل عن المتحابين ما هما؟ وعن المتباغضين ما هما؟ وعن المستبقين والجديدين والدائبين، وعن الطارف والتالد وعن الطم والرم، وعن نسبة الله عز وجل ما هي؟

قال حرقوص: ما رأيت أحدا يسأل عن مثل هذا، ولكن خبرني عنها وأنت آمن.

فقال له ابن أبي عقب: أما المتحابان: فالمال والولد، وأما المتباغضان:

فالموت والحياة، وأما المستبقان: فالنور والظلمة، وأما الجديدان: فالليل والنهار، وأما الدائبان: فالشمس والقمر، وأما الطارف والتالد: فالمال المستحدث والمال القديم، وأما الطم والرم: فالطم البحر والرم الثرى، وأما نسبة الله عز وجل، فإن قريشا سألت النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد صف لنا ربك، فنزلت سورة الاخلاص، وهي: " قل هو الله أحد. الله

الصفحة 187
الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد (1).

(410)
الأحنف ومعاوية

(حينما كان معاوية يشاور في البيعة ليزيد) ثم أرسل إلى الأحنف بن قيس، فدعاه ثم شاوره في أمر يزيد.

فقال: يا أمير المؤمنين إننا نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا، ولكن عليك بغيري. قال: فأمسك عنه معاوية (2).

(411)
الأحنف ومعاوية

قال: ثم قام الحصين بن نمير السكوني، فقال: يا معاوية والله لئن لقيت الله ولم تبايع ليزيد لتكونن مضيعا للأمة، فالتفت إلى الأحنف بن قيس معاوية، وقال: يا أبا بحر ما يمنعك من الكلام؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره ومدخله ومخرجه وسره وعلانيته، فإن كنت تعلمه لله عز وجل ولهذه الأمة رضى فلا تشاورن فيه أحدا من الناس، وإن كنت تعلم لله غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت ماض إلى الآخرة، فإن قلنا ما علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، قال: فقال معاوية: أحسنت يا [ أبا ] بحر! جزاك الله عن السمع والطاعة خيرا (3).

(412)
عبد الله بن عباس و معاوية

(خرج معاوية من الشام إلى الحجاز قاصدا الحج فنزل المدينة...) أرسل

____________

(1) فتوح ابن أعثم: ج 4 ص 108 - 118.

(2) فتوح ابن أعثم: ج 4 ص 229.

(3) فتوح ابن أعثم: ج 4 ص 231، وسيأتي قريب منه ص 446