أيها القوم! ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟
قالوا: هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه، فكلمه بمثل ما كلمه قبل وبمثل ما كلم به أصحابه. قال عمر: قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت.
فقال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر! إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، وأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته! لا أسقاكم الله إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا من ساعتكم هذه (1).
(472)
سلمان وعمر
جلس عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ينتسبون، وفيهم سلمان الفارسي، وإن عمر سأله عن نسبه وأصله، فقال: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد صلى الله عليه وآله، وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد صلى الله عليه وآله، وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد صلى الله عليه وآله، وهذا حسبي ونسبي.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله، فحدثه سلمان وشكا إليه ما لقي من القوم وما قال لهم.
____________
(1) قاموس الرجال: ج 3 ص 101
(473)
الإمام الصادق عليه السلام مع جماعة
قال الأحمدي: حديث أحببت إيراده هنا وإن كان خارجا عن موضوع الكتاب وهو:
عن ميمون بن عبد الله قال: أتى قوم أبا عبد الله عليه السلام يسألونه الحديث من الأمصار، وأنا عنده، فقال لي: أتعرف أحدا من القوم؟
قال: قلت: لا. قال: كيف دخلوا علي؟ قلت: هؤلاء قوم يطلبون الحديث من كل وجه، لا يبالون ممن أخذوا الحديث.
فقال لرجل منهم: هل سمعت من غيري من الحديث؟ قال: نعم. قال:
فحدثني ببعض ما سمعت.
قال: إنما جئت لأسمع منك، لم أجئ أحدثك. وقال للآخر: ذلك ما يمنعه أن يحدثني بما سمع؟ قال: تتفضل أن تحدثني بما سمعت، أجعل الذي حدثك حديثه أمانة لا تحدث به أحدا؟ قال: لا. قال: فأسمعنا بعض ما اقتبست من العلم حتى نقتدي بك إن شاء الله تعالى.
قال: حدثني سفيان الثوري عن جعفر بن محمد، قال: " النبيذ كله حلال إلا الخمر " ثم سكت.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
____________
(1) قاموس الرجال: ج 4 ص 416. وبهج الصباغة: ج 11 ص 134
فقال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
فقال: قد حدثتك بما سمعت. فقال: أكل الذي سمعت هذا؟ قال: لا قال: زدنا.
قال: حدثني عمرو بن عبيد، عن الحسن، قال: أشياء صدق الناس بها وأخذوا بها وليس في الكتاب لها أصل، منها عذاب القبر، ومنها الميزان، ومنها الحوض، ومنها الشفاعة، ومنها النية ينوي الرجل من الخير والشر فلا يعمله فيثاب عليه، ولا يثاب الرجل إلا بما عمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
فقال: فضحكت من حديثه، فغمزني أبو عبد الله عليه السلام أن كف حتى نسمع. قال: فرفع رأسه إلي فقال: وما يضحكك؟ أمن الحق أم من الباطل؟ قلت: أصلحك الله وأبكي! وإنما يضحكني منك تعجبا كيف حفظت هذه الأحاديث؟ فسكت.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
قال: حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر، أنه رأى عليا على منبر بالكوفة، وهو يقول: لئن أتيت برجل يفضلني على أبي بكر وعمر لأجلدنه حد المفتري.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
فقال: حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن: أن عليا أبطأ على بيعة أبي بكر، فقال له عتيق: ما خلفك يا علي عن البيعة، والله لقد هممت أن أضرب عنقك، فقال له: يا خليفة رسول الله لا تثريب، فقال: لا تثريب.
قال له أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
قال: حدثنا سفيان الثوري، عن الحسن: أن أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يضرب عنق علي إذا سلم من صلاة الصبح، وأن أبا بكر سلم بينه وبين نفسه، ثم قال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك.
فقال: أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
فقال: حدثني نعيم بن عبد الله عن جعفر بن محمد أنه قال: ود علي بن أبي طالب أنه بنخيلات ينبع يستظل بظلهن ويأكل من حشفهن ولم يشهد يوم الجمل ولا النهروان. وحدثني به سفيان عن الحسن.
قال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
قال: حدثنا عباد، عن جعفر بن محمد، أنه قال: لما رأى علي بن أبي طالب يوم الجمل كثرة الدماء، قال لابنه الحسن: يا بني هلكت! قال له يا أبه ألست قد نهيتك عن هذا الخروج؟ فقال علي: يا بني لم أدر أن الأمر يبلغ هذا المبلغ.
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.
قال: حدثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد: أن عليا لما قتل أهل صفين بكى عليهم، فقال: جمع الله بيني وبينهم في الجنة.
قال: فضاق بي البيت وعرقت، وكدت أن أخرج من مسكي، فأردت أن
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: من أي البلاد أنت؟ قال: من أهل البصرة قال: هذا الذي تحدث عنه وتذكر اسمه جعفر بن محمد هل تعرفه؟ قال: لا قال: فهل سمعت منه شيئا قط؟ قال: لا. قال: فهذه الأحاديث عندك حق؟
قال: نعم، قال: فمتى سمعها؟ قال: لا أحفظ، إلا أنها أحاديث أهل مصرنا منذ دهرنا لا يمترون فيها. قال له أبو عبد الله عليه السلام: لو رأيت هذا الرجل الذي تحدث عنه فقال لك: هذه التي ترويها عني كذب وقال: لا أعرفها ولم أحدث بها، هل كنت تصدقه؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عتق رجل لجاز قوله.
فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، حدثني أبي، عن جدي - قال: ما اسمك؟ قال: ما تسأل عن اسمي؟ - إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم أسكنها الهواء، فما تعارف منها ائتلف هاهنا وما تناكر منها ثمة اختلف هاهنا، ومن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهوديا، وإن أدرك الدجال آمن به، وإن لم يدرك آمن به في قبره، الحديث (1).
(474)
سعيد بن جبير والحجاج
في حديث... فلما قدم سعيد (بن جبير) على الحجاج، قال له: ما اسمك؟ قال: سعيد. قال: ابن من؟ قال: ابن جبير. قال: بل أنت شقي بن كسير! قال سعيد: أمي أعلم باسمي واسم أبي. قال الحجاج: شقيت وشقيت أمك، قال سعيد: الغيب يعلمه غيرك. قال الحجاج: لأوردنك حياض
____________
(1) قاموس الرجال: ج 4 ص 392 - 394
قال الحجاج: فما قولك في محمد؟ قال سعيد: نبي الرحمة ورسول رب العالمين إلى الناس كافة بالموعظة الحسنة. فقال الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
قال سعيد: لست عليهم بوكيل، كل امرئ بما كسب رهين. قال الحجاج أشتمهم أم أمدحهم؟ قال سعيد: لا أقول ما لا أعلم، إنما استحفظت أمر نفسي.
وقال الحجاج: أيهم أعجب إليك؟ قال: حالاتهم يفضل بعضهم على بعض. قال الحجاج: صف لي قولك في علي أفي الجنة هو أم في النار؟ قال سعيد: لو دخلت الجنة فرأيت أهلها علمت ولو رأيت من في النار علمت، فما سؤالك عن غيب قد حفظ بالحجاب؟
قال الحجاج: فأي رجل أنا يوم القيامة؟ فقال سعيد: أنا أهون على الله من أن يطلعني على الغيب. قال الحجاج: أبيت أن تصدقني؟ قال سعيد: بل لم أرد أن أكذبك.
فقال الحجاج: فدع عنك هذا كله، أخبرني ما لك لم تضحك قط؟ قال: لم أر شيئا يضحكني، وكيف يضحك مخلوق من طين والطين تأكله النار ومنقلبه إلى الجزاء، واليوم يصبح ويمسي في الابتلاء. قال الحجاج: فأنا أضحك، فقال سعيد: كذلك خلقنا الله أطوارا.
قال الحجاج: هل رأيت شيئا من اللهو؟ قال: لا أعلمه، فدعا الحجاج بالعود والناي. قال: فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد! قال الحجاج: ما يبكيك؟ قال: يا حجاج، ذكرتني أمرا عظيما، والله لا شبعت ولا رويت ولا اكتسيت ولا زلت حزينا لما رأيت؟ قال: الحجاج: وما كنت رأيت هذا اللهو؟ فقال سعيد: بل هذا والله الحزن يا حجاج! أما هذه النفخة
فقال الحجاج: أنا قاتلك! قال سعيد: قد فرغ من تسبب في موتي!
قال الحجاج: أنا أحب إلى الله منك، قال سعيد: لا يقدم أحد على ربه حتى يعرف منزلته منه والله بالغيب أعلم. قال الحجاج: كيف لا أقدم على ربي في مقامي هذا وأنا مع إمام الجماعة وأنت مع إمام الفرقة والفتنة؟ قال سعيد: ما أنا بخارج عن الجماعة ولا أنا براضي عن الفتنة، ولكن قضاء الرب نافذ لا مرد له.
قال الحجاج: كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين؟ قال سعيد: لم أر.
فدعا الحجاج بالذهب والفضة والكسوة والجوهر فوضع بين يديه، قال سعيد: هذا حسن إن قمت بشرطه. قال الحجاج: وما شرطه؟ قال: أن تشتري له بما تجمع الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة، وإلا فإن كل مرضعة تذهل عما أرضعت ويضع كل ذي حمل حمله ولا ينفعه إلا ما طاب منه.
قال الحجاج: فترى طيبا؟ قال: برأيك جمعته وأنت أعلم بطيبه.
قال الحجاج: أتحب أن لك شيئا منه؟
قال: لا أحب ما لا يحب الله.
قال الحجاج: ويلك!
قال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة فأدخل النار!
قال الحجاج: اذهبوا فاقتلوه.
قال: إني أشهدك يا حجاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، استحفظكهن يا حجاج حتى ألقاك.
فلما أدبر ضحك؟
قال الحجاج: ما يضحكك يا سعيد؟
قال الحجاج: إنما أقتل من شق عصا الجماعة، ومال إلى الفرقة التي نهى الله عنها، اضربوا عنقه.
قال سعيد: حتى أصلي ركعتين، فاستقبل القبلة وهو يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: اصرفوه عن القبلة إلى قبلة النصارى الذين تفرقوا واختلفوا بغيا بينهم، فإنه من حزبهم، فصرف عن القبلة.
فقال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله الكافي بالسرائر.
قال الحجاج: لم نوكل بالسرائر وإنما وكلنا بالظواهر.
قال سعيد: اللهم لا تترك له ظلمي، واطلبه بدمي، واجعلني آخر قتيل يقتل من أمة محمد، فضربت عنقه... (1)
(475)
أبو بكر الحضرمي مع زيد
عن بكار بن أبي بكر الحضرمي:
قال: دخل أبو بكر وعلقمة على زيد بن علي، وكان علقمة أكبر من أبي، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وكان بلغهما أنه قال: ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره، إنما الإمام من شهر سيفه.
فقال له أبو بكر - وكان أجرأهما -: يا أبا الحسين أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه السلام كان إماما وهو مرخ عليه ستره أو لم يكن إماما حتى خرج وشهر سيفه؟
وكان زيد يبصر الكلام، فسكت فلم يجبه، فرد عليه الكلام ثلاث مرات
____________
(1) الإمامة والسياسة: ج 2 ص 43 - 44. وراجع قاموس الرجال: ج 4 ص 356. وقد مر ج 1 ص 357
قال: فطلب إلى علقمة أن يكف عنه، فكف (1).
(476)
محمد بن علي الأحول مع زيد
عن محمد بن علي الأحول، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل زيد بن علي، فقال لي: أنت الذي تزعم أن في آل محمد عليهم السلام إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه؟
قال: قلت: نعم أبوك أحدهم.
قال: ويحك! وما يمنعه أن يقول؟ فوالله لقد كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول البضعة فيبردها ثم يلقمنيها، أفتراه يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق علي من حر النار؟
قال: قلت: كره أن يقول لك فيجب عليك من الله الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة، فتركك مرجئا لله فيك المسألة وله فيك الشفاعة (2).
(477)
أبو الصباح مع زيد
عن أبي الصباح الكناني، قال: جاءني سدير، فقال لي: إن زيدا تبرأ منك. قال: فأخذت علي ثيابي - قال: وكان أبو الصباح رجلا ضاريا - قال:
____________
(1) قاموس الرجال: ج 4 ص 286. وراجع الكشي: ص 416 الرقم 788.
(2) قاموس الرجال: ج 4 ص 268. و ج 8 ص 306 بأسانيد متعددة
قال زيد: هكذا قلت.
قال: فقلت لزيد: هل تذكر قولك لي بالمدينة في حياة أبي جعفر عليه السلام وأنت تقول: إن الله تعالى قضى في كتابه أن " من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا " وإنما الأئمة ولاة الدم وأهل الباب، وهذا أبو جعفر الإمام، فإن حدث به حدث، فإن فينا خلفا.
فقال لي: ما أتذكر هذا القول.
فقلت: بلى، فإن منكم من هو كذلك... الخ (1).
(478)
سورة مع زيد
عن سورة بن كليب، قال: قال لي زيد: كيف علمتم أن صاحبكم على ما تذكرونه؟ فقلت له: على الخبير سقطت. فقال: هات، فقلت له: كنا نأتي أخاك محمد بن علي عليهما السلام نسأله فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقال الله عز وجل في كتابه، حتى مضى أخوك، فأتيناكم آل محمد، وأنت في من أتينا، فتخبرونا ببعض ولا تخبرونا بكل الذي نسألكم عنه حتى أتينا ابن أخيك جعفر عليه السلام فقال لنا كما قال أبوه عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقال تعالى، فتبسم وقال: أما والله! إن قلت هذا، فإن كتب علي عنده.
____________
(1) قاموس الرجال: ج 4 ص 269.
(2) قاموس الرجال: ج 4 ص 267
(479)
زيد وهشام
كان سبب خروج أبي الحسين زيد - رضي الله عنه - أنه دخل على هشام ابن عبد الملك وقد جمع له هشام أهل الشام، وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه.
فقال له زيد: إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصي بتقوى الله، ولا من عباده أحد دون أن يوصى بتقوى الله، وأنا أوصيك بتقوى الله فاتقه!
فقال له هشام: أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها، وما أنت وذاك؟
لا أم لك! وإنما أنت ابن أمة.
فقال له زيد: إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند الله من نبيه وهو ابن أمة، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث، وهو إسماعيل بن إبراهيم، فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله وهو ابن علي بن أبي طالب أن يكون ابن أمة.
فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال: لا يبيتن هذا في عسكري.
فخرج زيد، وهو يقول: إنه لم يكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا (1).
(480)
زهير مع أهل الكوفة
عن كثير بن عبد الله الشعبي، قال: لما زحفنا نحو الحسين خرج إلينا زهير على فرس له ذنوب شاك في السلاح، فقال:
يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار! إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا
____________
(1) قاموس الرجال: ج 4 ص 260. ومر ج 1 ص 122 برواية أخرى
فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلما.
فقال لهم زهير:
عباد الله! إن ولد فاطمة - رضوان الله عليها - أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم! فخلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، فلعمري! إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام.
فرماه شمر بسهم، وقال: اسكت أسكت الله نامتك! أبرمتنا بكثرة كلامك.
فقال له زهير: يا ابن البوال على عقبيه! ما إياك أخاطب إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.
فقال زهير: أفبالموت تخوفني؟ فوالله للموت معه أحب إلي من الخلد معكم.
ثم أقبل على الناس رافعا صوته، فقال:
قال: فناداه رجل، فقال له: إن أبا عبد الله عليه السلام يقول لك: أقبل فلعمري! لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والابلاغ (1).
(481)
دلف مع أبيه
روي أن دلفا كان ينتقص عليا عليه السلام، ويضع منه ومن شيعته وينسبهم إلى الجهل، وأنه قال يوما - وهو في مجلس أبيه ولم يكن أبوه حاضرا -:
يزعمون أن لا ينتقص عليا أحد إلا لغير رشده، وأنتم تعلمون غيرة الأمير وأنا أبغض عليا.
قال: فما كان بأوشك من أن خرج أبو دلف، فلما رأينا قمنا له. فقال: قد سمعت ما قاله دلف، والحديث لا يكذب والخبر الوارد في هذا المعنى لا يختلق، هو والله لزنية! وذلك أني كنت عليلا فبعثت أختي إلي جارية كنت معجبا بها، فلم أتمالك أن وقعت عليها، وكانت حائضا، فعلقت به، فلما ظهر حملها وهبتها لي (2).
(482)
المفيد مع شيخ من العامة
نقل الطرائف عن عيون المفيد: أن شيخا من العامة قال له: لو كان النص
____________
(1) قاموس الرجال: ج 4 ص 206 - 207، وبهج الصباغة: ج 5 ص 352.
(2) قاموس الرجال: ج 4 ص 85 - 86
فقال المفيد: - رحمه الله -: قد ذكره في قصيدته الرائية يقول فيها:
حتى انتهى إلى قوله:
(483)
شريح بن هاني وعمرو
الطبري عن شريح بن هاني الحارثي: أن عليا عليه السلام أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص - إلى أن قال: - فبلغ عمروا شريح ذلك فتمعر وجه عمرو بن العاص، ثم قال: متى كنت أقبل مشورة علي وأنتهي إلى أمره أو أعتد برأيه؟
فقال له شريح: وما يمنعك يا ابن النابغة! أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم مشورته؟ فقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر يستشيرانه ويعملان برأيه.
فقال عمرو: إن مثلي لا يكلم مثلك.
فقال له شريح: وبأي أبويك ترغب عني؟ أبأبيك الوشيظ؟ أم بأمك النابغة؟ (2) شريك ومعاوية عن أبان بن الأحمر: أن شريك بن الأعور دخل على معاوية، فقال له:
والله إنك لشريك وليس لله شريك، وإنك لابن الأعور والبصير خير من الأعور، وإنك لدميم والجيد خير من الدميم، فكيف سدت قومك؟
____________
(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 46.
(2) قاموس الرجال: ج 5 ص 70، ويأتي عن نصر ص 434
(484)
محمد بن الحنفية وابن الزبير
خطب ابن الزبير، فقال: قد بايعني الناس ولم يتخلف إلا هذا الغلام - يعني محمد بن الحنفية - والموعد بيني وبينه أن تغرب الشمس، ثم أضرم داره عليه نارا، فدخل عليه ابن العباس، فقال: يا ابن عم إني لا آمنه عليك فبايعه! فقال: سيمنعه عني حجاب قوي، فجعل ابن عباس ينظر إلى الشمس ويفكر في كلام ابن الحنفية، وقد كادت الشمس أن تغرب فوافاهم أبو عبد الله الجدلي في ما ذكرنا من الخيل (2).
(485)
شاب من أهل الكوفة مع أبي هريرة
عن عمر بن عبد الغفار: أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية - وكان
____________
(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 72 عن ابن شهر آشوب.
(2) قاموس الرجال: ج 5 ص 451
يا أبا هريرة أنشدك بالله! هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "؟
قال: نعم.
قال: فإني رأيتك واليت أعداءه وعاديت أولياءه.
فقال أبو هريرة: إنا لله وإنا إليه راجعون! (1).
(486)
عبد الرحمن بن حنبل مع عثمان
وفي تاريخ اليعقوبي: سير عثمان عبد الرحمان بن حنبل إلى القموص من خيبر. وعن تقريب أبي الصلاح الحلبي: ومن بدع عثمان ضرب عبد الرحمن بن حنبل وكان بدريا مائة سوط، وحمله على جمل يطاف به في المدينة لإنكاره عليه إحداثه وإظهاره عيوبه في الشعر، وحبسه بعد ذلك موثقا بالحديد حتى كتب إلى علي عليه السلام وعمار من الحبس - إلى أن قال: - فلم يزل علي عليه السلام بعثمان يكلمه حتى خلى سبيله على أن لا يساكنه بالمدينة، فسيره إلى خيبر، فأنزله قلعتها القموص، فلم يزل بها حتى ناهض المسلمون عثمان و ساروا إليه من كل بلد.
فقال عبد الرحمن:
____________
(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 376، و ج 6 ص 376
(487)
عبد الرحمن والحجاج
روي عن الأعمش، قال: لما ظفر الحجاج بعبد الرحمن أقامه على المصطبة، فقال له: اشتم عليا، فجعل يذكر مناقب علي عليه السلام ويقول: كان والله راكعا في الصف، بارزا بالسيف، صائما في الصيف. فأمر أن يضرب بالسياط، فقال: يا صفور يا منقوص عشر أمالك بعينك الكثكث ولك الأثلث، ويلك! تزاحمني ببالك فأمر بقتله.
عن الأعمش، قال: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى، وضربه الحجاج حتى اسود كتفاه، ثم أقامه للناس على سب علي عليه السلام، والجلاوزة معه يقولون: سب الكذابين، فجعل يقول: العن الكذابين علي وابن الزبير والمختار.
رواية: فقال: اللهم الكذابين آه - ثم يسكت - علي و عبد الله بن الزبير والمختار (2).
(488)
أبو الطفيل وعمر بن عبد العزيز
وفي تاريخ اليعقوبي: أتى أبو الطفيل عمر بن عبد العزيز، وقال له: منعتني عطائي. قال: بلغني أنك صقلت سيفك وشحذت سنانك ونصلت سهمك وعلقت قوسك تنتظر الإمام القائم، فإذا خرج وفاك عطاءك.
فقال: إن الله تعالى سائلك عن هذا، فاستحيى عمر وأعطاه (3).
____________
(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 291، ويأتي تفصيله ص 416.
(2) قاموس الرجال: ج 5 ص 277 وشطرا منه في العقد الفريد: ج 5 ص 32.
(3) قاموس الرجال: ج 5 ص 203
(489)
أبو الطفيل ومعاوية
وعن المناقب: وقال معاوية له وقد أحضر جماعة ليستهزئوا منه - يعني أبا الطفيل بن واثلة -: هذا عمرو بن العاص السهمي وهذا مروان بن الحكم الأموي، وهذا عبد الرحمان بن أم الحكم السفياني، وهذا عتبة بن أبي سفيان الأموي.
فقال: نعم يا معاوية نطقوا بغير ألسنتهم فتكلموا على غير ذلك.
فقال معاوية: وكيف ذلك؟
فقال: أما عمرو الأبتر الشانئ لنبي الله ولولي الله فأنطقته مصر، وأنطقت الحجاز مروان الوزغ طريد رسول الله صلى الله عليه وآله، وعبد الرحمان أنطقته أم الحكم، ولا جواب لمن لا حياء له دينا ولا دنيا وقد وهبناه لها.
وأما أخوك عتبة، فإنه لمن لا يرجى ولا يخشى ولا يضر ولا ينفع. وابن أبي سرح لقد طالما كاد الله ورسوله ووليه وكتابه وصد عن سبيله وبغاها عوجا، فويل للقاسية قلوبهم! وأنطقت سعيدا مكة.
ثم قال لعمرو: أكفرا بعد إيمان ونقضا بعد توكيد؟ وأنا من الحكمين برئ ومنكم براء، وقال الله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " وقال لمروان: " ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " وقال لابن أبي سرح: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا، فذرهم حتى يخوضوا في حديث غيره " وقال لسعيد: " فذرهم في غمرتهم حتى حين " (1).
____________