الصفحة 315

(490)
صيفي بن فسيل وزياد

قال الجزري: إن زيادا بعث في طلبه - يعني صيفي بن فسيل الشيباني - فأوتي به. فقال: يا عدو الله! ما تقول في أبي تراب؟ فقال: لا أعرفه.

فقال: ما أعرفك به! أتعرف علي بن أبي طالب؟ قال: نعم. قال: فذاك أبو تراب. قال: كلا، ذاك أبو الحسن والحسين.

فقال له صاحب الشرطة: يقول الأمير هو أبو تراب وتقول لا؟ قال: فإن كذب الأمير أكذب أنا وأشهد على باطل كما شهد.

فقال له زياد: وهذا أيضا مع ذنبك، علي بالعصا، فأوتي بها، فقال: ما تقول في علي؟ قال: أحسن قول! قال: اضربوه، فضربوه حتى لصق بالأرض، ثم قال: اقلعوا عنه ما قولك في علي؟ قال: والله لو شرحتني بالمواسي ما قلت فيه إلا ما سمعت منه! قال: لتلعننه أو لأضربن عنقك، قال: لا أفعل، فأوثقوه حديدا.

قلت: ورواه الطبري وزاد في أوله: " أنه جاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد، فقال: إن امرءا منا من بني همام يقال له: صيفي بن فسيل من رؤساء أصحاب حجر، وهو أشد الناس عليك، فبعث إليه زياد فأوتي به " وفيه بعد قوله: " لأضربن عنقك " قال: إذن تضربها والله قبل ذلك، فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت قال: ادفعوا في رقبته. ثم قال: أوقروه حديدا وألقوه في السجن (1).

____________

(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 138 - 139. وبهج الصباغة ج 5 ص 255 عن الطبري، والغدير: ج 10 ص 262 عن الطبري: ج 6 ص 149، والأغاني: ج 16 ص 7. وكامل ابن الأثير: ج 3 ص 204، وتاريخ ابن عساكر: ج 6 ص 459 والغدير ج 11 عن مصادر جمة

الصفحة 316

(491)
صعصعة ومعاوية

دخل صعصعة على معاوية وعمرو بن العاص جالس معه على سريره، فقال معاوية لعمرو: وسع له على ترابيته. فقال صعصعة: إني والله ليراني منه خلقت وإليه أعود ومنه ابعث وإنك لمارج من مارج من نار (1).

(492)
صعصعة ومعاوية

في ديوان معاني العسكري: تكلم صعصعة عند معاوية بكلام أحسن فيه، فحسده عمرو بن العاص فقال: هذا بالتمر أبصر منه بالكلام، قال صعصعة:

أجل أجوده ما دق نواه ورق سحاه وعظم لحاه والريح تنفجه والشمس تنضجه والبرد يدمجه، ولكنك يا ابن العاص لا تمرا تصف ولا الخير تعرف، بل تحسد فتقرف.

فقال معاوية لعمرو: رغما لك! فقال له عمرو: أضعاف الرغم لك وما بي إلا بعض ما بك (2).

(493)
صعصعة والمغيرة

روى سبط ابن الجوزي مسندا عن عمرو بن يحيى، قال: مر صعصعة على المغيرة، فقال له: من أين أقبلت؟ فقال: من عند الولي التقي الجواد الحي، الحليم الوفي، الكريم الحفي، المانع بسيفه الجواد بكفه، الورى زنده الكثير رفده، الذي هو من ضئضئ أشرف أمجد أمجاد ليوث أنجاد، ليس بأقعاد ولا أنكاد،

____________

(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 123 عن العقد الفريد: ج 4 ص 366.

(2) قاموس الرجال: ج 5 ص 123، وبهج الصباغة: ج 11 ص 270 (.)

الصفحة 317
ليس في أمره بوغد ولا في قوله فند، ليس بالطائش النزق ولا بالرائث المذق، كريم الآباء شريف الأبناء، حسن البلاء ثاقب السناء، مجرب مشهور وشجاع مذكور، زاهد في الدنيا راغب في الأخرى.

فقال المغيرة: هذه صفات أمير المؤمنين علي (1).

(494)
صعصعة وعمر

وفي أسد الغابة: صعصعة هو القائل لعمر حين قسم المال الذي بعث إليه أبو موسى، وكان ألف ألف درهم وفضلت فضلة، فاختلفوا: أين نضعها؟

فخطب عمر وقال: بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس.

فقام صعصعة وهو غلام شاب، وقال:

إنما يشاور الناس في ما لم ينزل فيه قرآن، فأما ما نزل به القرآن فضعه مواضعه التي وضعها الله عز وجل فيها، فقال: صدقت أنت مني وأنا منك فقسمه بين المسلمين (2).

(495)
شعبة بن غريض ومعاوية

عن الهيثم بن عدي قال: حج معاوية - وكان حج في خلافته حجتين - فرأى شخصا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان، فقال: من هذا؟ قالوا:

شعبة بن غريض، فأرسل إليه يدعوه، فقيل له: أجب أمير المؤمنين. قال:

أو ليس قد مات أمير المؤمنين؟ قيل: فأجب معاوية، فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة. قال له معاوية: فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه، فقال: قال أبي:

____________

(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 122.

(2) قاموس الرجال: ج 5 ص 121

الصفحة 318

يا ليت شعري حين اندب هالكا * ماذا تؤبنني به النواحي
أيقلن لا تبعد فرب كريهة * فرجتها ببشارة وسماح
ولقد ضربت بفضل مالي حقه * عند الشتاء وهبة الأرياح
ولقد أخذت الحق غير مخاصم * ولقد رددت الحق غير ملاح
وإذا دعيت لصعبة سهلتها * ادعى بأفلح مرة ونجاح

فقال معاوية: أنا كنت بهذا الشعر أولى من أبيك، فقال شعبة: كذبت ولؤمت، قال: أما كذبت فنعم، وأما لؤمت فلم؟ قال: لأنك كنت ميت الحق في الجاهلية وميت الحق في الإسلام. أما في الجاهلية: فقاتلت النبي صلى الله عليه وآله والوحي حتى جعل الله كيدك المردود. وأما في الإسلام: فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وآله الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق ابن طليق!

فقال معاوية: قد خرف الشيخ، فأقيموه (1).

(496)
شريك والمهدي

إن المهدي رأى في منامه شريكا القاضي مصروفا وجهه عنه، فلما انتبه قص رؤياه على الربيع. فقال: إن شريكا مخالف لك، فإنه فاطمي محضا، فقال المهدي: علي بشريك فأوتي به، فلما دخل عليه قال:

بلغني أنك فاطمي؟

قال: أعيذك بالله أن تكون غير فاطمي! إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى.

قال: لا، ولكن أعني فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.

قال شريك: فتلعنها؟ قال: لا معاذ الله!

____________

(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 79 - 80 عن الأغاني. وكذا الغدير: ج 10 ص 176 عنه وعن الإصابة ملخصا

الصفحة 319
قال: فما تقول فيمن يلعنها؟

قال: عليه لعنة الله.

قال: فالعن هذا، يعني الربيع.

فقال الربيع: لا والله ما ألعنها.

فقال له شريك: يا ماجن! فما ذكرك لسيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال؟

قال المهدي: فما وجه المنام؟

قال: إن رؤياك ليست رؤيا يوسف، وإن الدماء لا تستحل بالأحلام (1).

(497)
شريك والمهدي

دخل شريك على المهدي، فقال له: ما ينبغي أن تقلد الحكم بين المسلمين قال: ولم؟ قال: لخلافك على الجماعة وقولك بالإمامة. قال: أما قولك:

" بخلافك على الجماعة " فعن الجماعة أخذت ديني، فكيف أخالفهم وهم أصل ديني؟ وأما قولك: " وقولك بالإمامة " فما أعرف إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، وأما قولك: " مثلك ما يقلد الحكم بين المسلمين " فهذا شئ أنتم فعلتموه، فإن كان خطأ فاستغفروا الله منه، وإن كان صوابا فأمسكوا عليه.

قال: ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: ما قال جدك العباس وعبد الله، قال: وما قالا فيه؟ قال: فأما العباس: فمات وعلي عنده أفضل الصحابة، وقد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عما ينزل من النوازل، وما

____________

(1) قاموس الرجال: ج 5 ص 76. ومر ج 1 ص 123 برواية أخرى، وفي العقد: ج 2 ص 179 نقله بزيادة سيأتي نقلها ص 465

الصفحة 320
احتاج هو إلى أحد حتى لحق بالله. وأما عبد الله: فإنه كان يضرب بين يديه بسيفين وكان في حروبه رأسا متبعا وقائدا مطاعا، فلو كانت إمامته على جور كان أول من يقعد عنها أبوك لعلمه بدين الله وفقهه في أحكام الله.

فسكت المهدي وأطرق، ولم يمض بعد هذا المجلس إلا قليل حتى عزل شريك (1).

(498)
علي بن جعفر ورجل

عن علي بن جعفر بن محمد، قال: قال رجل - أحسبه من الواقفة -: ما فعل أخوك أبو الحسن؟ قلت: قد مات. قال: وما يدريك بذلك؟ قال: قلت:

اقتسمت أمواله وأنكحت نساؤه ونطق الناطق من بعده. قال: ومن الناطق بعده؟ قلت: ابنه علي. قال: فما فعل؟ قلت له: مات. قال: وما يدريك أنه مات؟ قلت: قسمت أمواله ونكحت نساؤه ونطق الناطق من بعده. قال: ومن الناطق من بعده؟ قلت: أبو جعفر ابنه.

قال: فقال لي أنت في سنك وقدرك وابن جعفر بن محمد تقول هذا القول في هذا الغلام؟! قلت: ما أراك إلا شيطانا! قال: ثم أخذ بلحيته فرفعها إلى السماء، ثم قال: فما حيلتي إن كان الله رآه أهلا لهذا ولم ير هذه الشيبة لهذا أهلا! (2).

(499)
الهيثم بن حبيب وأبو حنيفة

روى الجعابي مسندا عن محمد بن نوفل الصيرفي، قال: كنت عند الهيثم بن

____________

(1) تاريخ بغداد للخطيب: ج 9 ص 292، وبهج الصباغة: ج 1 ص 393.

(2) قاموس الرجال: ج 6 ص 436

الصفحة 321
حبيب الصيرفي، فدخل علينا أبو حنيفة النعمان بن ثابت، فذكرنا أمير المؤمنين عليه السلام ودار كلام بيننا في غدير خم.

فقال أبو حنيفة: قلت لأصحابنا: لا تقروا لهم بحديث غدير خم فيخصموكم.

فتغير وجه الهيثم وقال له: لم لا يقرون به وقد حدثنا به حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم: " أن عليا - عليه السلام - نشد الله في الرحبة من سمعه "؟

فقال أبو حنيفة: أفلا ترون أنه قد جرى في ذلك حتى نشد على الناس لذلك.

فقال الهيثم: فنحن نكذب عليا عليه السلام، أو نرد قوله؟

فقال أبو حنيفة: لا نكذب عليا ولا نرد قولا قاله، ولكنك تعلم أن الناس قد غلا منهم قوم. فقال الهيثم: يقوله رسول الله صلى الله عليه وآله ويخطب به ونشفق نحن منه بغلو غال أو قلي قال " وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم " " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " (1).

(500)
أبو ذر وبعض من يعوده

في الطرائف عن ابن مردويه في مناقبه، بإسناده إلى داود بن أبي عوف قال:

قال معاوية بن أبي ثعلبة الخشني: ألا أحدثكم بحديث لم يخلط؟ قلت: بلى.

قال: مرض أبو ذر فأوصى إلى علي عليه السلام، فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر كان أجمل لوصيتك.

____________

(1) قاموس الرجال: ج 6 ص 392 - 393، وقد مر في ج 1 ص 333 بلفظ آخر، و ج 9 ص 374

الصفحة 322
فقال: والله! لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا، والله البديع الذي يسكن إليه! ولو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض.

قلت: يا أبا ذر إنا نعلم أن أحبهم إلى رسول الله أحبهم إليك.

قال: أجل.

قلنا: فأحبهم إليك من؟

قال: هذا الشيخ المضطهد المظلوم، يعني علي بن أبي طالب عليه السلام (1).

(501)
الأصبغ بن نباتة ومعاوية

في تذكرة السبط: لما عسكر علي عليه السلام بالنخيلة وبعث الأصبغ ابن نباتة بكتابه إلى معاوية، دخل عليه وعمرو بن العاص عن يمينه وذو الكلاع وحوشب عن يساره - إلى أن قال: - وأبو هريرة بين يديه، فقال أصبغ لأبي هريرة:

أنت صاحب رسول الله أقسم عليك بالله الذي لا إله إلا هو وبحق رسوله هل سمعته يقول يوم غدير خم في حق أمير المؤمنين عليه السلام: " من كنت مولاه فعلي مولاه "؟ فتنفس أبو هريرة وقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " فتغير وجه معاوية، وقال: يا هذا كف عن كلامك، فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام عن الطلب بدم عثمان (2).

(502)
عقيل ومعاوية

دخل عقيل على معاوية وقد كف بصره، فقال له: أنتم معشر بني هاشم

____________

(1) قاموس الرجال: ج 6 ص 379.

(2) قاموس الرجال: ج 6 ص 378 و ج 10 ص 215

الصفحة 323
تصابون في أبصاركم! فقال عقيل: وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم (1).

(503)
عقيل ومعاوية

في بيان الجاحظ: قال معاوية: يا أهل الشام هل سمعتم قول الله في كتابه " تبت يدا أبي لهب وتب "؟

قالوا: نعم.

قال: فإن أبا لهب عم عقيل.

فقال عقيل: فهل سمعتم قول الله عز وجل: " وامرأته حمالة الحطب "؟

قالوا: نعم.

قال: فإنها عمته.

وزاد العقد: ثم قال يا معاوية: إذا دخلت النار فاعدل ذات اليسار، فإنك ستجد عمي أبا لهب مفترشا عمتك حمالة الحطب، فانظر أيهما خير الفاعل أو المفعول بها؟ (2).

(504)
عقيل ومعاوية

أذن معاوية لعقيل فدخل عليه، فقال عقيل: يا معاوية من هذا معك؟

قال: الضحاك بن قيس. فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة وتمم النقيصة، هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا بالأبطح، لقد كان بخصائها رفيقا.

فقال الضحاك: إني لعالم بمحاسن قريش، وإن عقيلا عالم بمساويها (3).

____________

(1) قاموس الرجال: ج 6 ص 320 عن العقد الفريد.

(2) قاموس الرجال: ج 6 ص 320 وقد مر بألفاظ أخر.

(3) قاموس الرجال: ج 6 ص 319

الصفحة 324

(505)
أبو ذر ومعاوية

في شرح ابن أبي الحديد في رواية الواقدي: أن أبا ذر لما دخل على عثمان بعد بعث معاوية له من الشام قال عثمان له: يا جنيدب لا أنعم الله بك عينا!

فقال أبو ذر: أنا جندب وسماني النبي صلى الله عليه وآله عبد الله، واخترت اسم النبي صلى الله عليه وآله الذي سماني على اسمي.

فقال له عثمان: أنت الذي تزعم إنا نقول: يد الله مغلولة، وأن الله فقير ونحن أغنياء؟ فقال أبو ذر: لو كنتم ما تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده، ولكني أشهد لقد سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا.

فقال عثمان لمن حضر: أسمعتموها؟ قالوا: لا. قال عثمان: ويلك يا أبا ذر! تكذب على رسول الله؟ فقال أبو ذر لمن حضر: أما تدرون أني صدقت؟

قالوا: لا والله ما ندري.

فقال عثمان: ادعو لي عليا، فلما جاء قال عثمان لأبي ذر: اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص، فأعاده. فقال عثمان لعلي عليه السلام: سمعت هذا من رسول الله؟ قال: لا وصدق أبو ذر، فقال: كيف عرفت صدقه؟ قال:

لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر " فقال من حضر: أما هذا فسمعناه كلنا من رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال أبو ذر: أحدثكم أني سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وآله فتتهموني، ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد (1).

____________

(1) قاموس الرجال: ج 6 ص 262 - 263، وقد مر ص 14 وما بعدها بلفظ آخر

الصفحة 325

(506)
عمار والمقداد في يوم الشورى

في مروج المسعودي: وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان في دار عثمان عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان، ودخل داره ومعه بنو أمية، فقال أبو سفيان: أفيكم أحد من غيركم - وقد كان عمي - قالوا: لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة! فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة، إلى أن قال:

فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش! أما إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة فما أنا بآمن أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله.

وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم.

فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد؟

فقال: والله إني لأحبهم بحب رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن - إلى أن قال: - وأيم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي إياهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر (1).

(507)
عبد الرحمن بن حسان ومعاوية

قال معاوية لعبد الرحمن بن حسان من أصحاب حجر بن عدي: ما تقول في علي؟

قال: أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا، ومن الآمرين بالحق

____________

(1) قاموس الرجال: ج 6 ص 259، ومر ص 17 بلفظ آخر، وراجع شرح ابن أبي الحديد ط مصر: ج 2 ص 412 و ج 3 ص 172

الصفحة 326
والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس.

قال: فما قولك في عثمان؟

قال: هو أول من فتح أبواب الظلم وأغلق أبواب الحق.

فرده معاوية إلى زياد، فدفنه زياد حيا (1).

(508)
عبيد الله الليثي مع عائشة

إن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول: " إيه ذا الإصبع لله أبوك! أما إنهم وجدوا طلحة لها كفؤا "، فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي، فقالت له: ما عندك؟ قال: قتل عثمان!

قالت: ثم ماذا؟ قال: جازت بهم الأمور إلى خير مجاز، بايعوا عليا عليه السلام، فقالت: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا، ويحك!

انظر ماذا تقول؟ قال: هو ما قلت لك، فولولت. فقال لها: ما شأنك؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق، ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته، فلماذا تكرهين ولايته؟

قال: فما ردت عليه جوابا (2).

(509)
عبد الله بن عباس ومعاوية

فلما كانت سنة إحدى وخمسين مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه، فكتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن، فكتب إليه معاوية:

____________

(1) قاموس الرجال: ج 6 ص 256 عن الجزري، وبهج الصباغة: ج 6 ص 40 عن الطبري، و ج 5 ص 260، وسيأتي مفصلا ص 419.

(2) قاموس الرجال: ج 6 ص 198، و ج 10 ص 237 برواية أخرى تأتي. بهج الصباغة: ج 6 ص 121، والغدير: ج 9 ص 82

الصفحة 327
إن استطعت ألا يمضي يوم يمر بي إلا أن يأتيني فيه خبره فافعل، فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي.

فكتب إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله بن عباس - وكان بالشام يومئذ - فدخل على معاوية، فلما جلس قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن علي! فقال ابن عباس: نعم هلك إنا لله وإنا إليه راجعون! ترجيعا مكررا، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله! ما سد جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه، جده رسول الله صلى الله عليه وآله فجبر الله مصيبته وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة.

ثم شهق ابن عباس وبكى، وبكى من حضر في المجلس، وبكى معاوية!

فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم.

فقال معاوية: بلغني أنه ترك بنين صغارا، فقال ابن عباس: كلنا كان صغيرا فكبر.

فقال معاوية: كم أتى له من العمر؟ فقال ابن عباس: أمر الحسن أعظم من أن يجهل أحد مولده.

قال: فسكت معاوية يسيرا، ثم قال: يا ابن العباس أصبحت سيد قومك من بعده.

فقال ابن عباس: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا.

قال معاوية: لله أبوك يا بن عباس! ما استنبأتك إلا وجدتك معدا (1).

____________

(1) الإمامة والسياسة: ج 1 ص 150 - 151، وقاموس الرجال: ج 6 ص 53 عنه. وقد مضى لفظان من هذه القصة، وإنما كررناه لما فيه من الفائدة، فراجع

الصفحة 328
عبد الله بن عباس وعمر قال اليعقوبي: روى ابن عباس، قال: طرقني عمر بعد هدأة من الليل، فقال: اخرج بنا نحرس نواحي المدينة، فخرج وعلى عنقه درته حافيا حتى أتى بقيع الغرقد، فاستلقى على ظهره وجعل يضرب أخمص قدميه بيده، وتأوه صعداء! فقلت له يا أمير المؤمنين: ما أخرجك إلى هذا الأمر؟ قال: أمر الله يا ابن عباس! قلت: إن شئت أخبرتك بما في نفسك، قال: غص يا غواص إن كنت فتقول فتحسن.

قلت: ذكرت هذا الأمر بعينه وإلى من تصيره، قال: صدقت! قال: قلت له: أين أنت عن عبد الرحمان بن عوف؟ إلى أن قال: فقلت: عثمان بن عفان؟ قال:

إن ولي حمل بني أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس وأعطاهم مال الله، ولئن ولي ليفعلن والله ولئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى تقتله في بيته.

ثم سكت (قال:) فقال: امضها يا ابن عباس! أترى صاحبكم لها موضعا؟

قال فقلت له: وأين يتبعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه؟ قال: هو والله كما ذكرت ولو وليهم لحملهم على منهج الطريق فأخذ المحجة الواضحة، إلا أن فيه خصالا: الدعابة في المجلس، واستبداد الرأي، والتبكيت للناس، مع حداثة السن.

قلت: يا أمير المؤمنين، هلا استحدثتم سنه يوم الخندق إذ خرج عمرو بن عبد ود وقد كعم عنه الأبطال وتأخرت عنه الأشياخ، ويوم بدر إذ كان يقط الأقران قطا وهلا سبقتموه بالإسلام إذ كان جعلته السعب (1) وقريش فقال: إليك يا ابن عباس! أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعلي بأبي بكر يوم دخلا عليه؟ قال: فكرهت أن أغضبه، فسكت.

____________

(1) كذا في المصدر

الصفحة 329
فقال: والله يا ابن عباس إن عليا ابن عمك لا حق الناس بها، ولكن قريشا لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذهم بمر الحق لا يجدون عنده رخصة، ولئن فعل لينكثن بيعته ثم ليحاربن (1).

(510)
ابن عباس ورجل من الخوارج

قال: إن رجلا من الخوارج سأل ابن عباس عن علي بن أبي طالب عليه السلام، فأعرض عنه، ثم سأله، فقال:

والله لكان علي أمير المؤمنين عليه السلام يشبه القمر الزاهر، والأسد الخادر، والفرات الزاخر، والربيع الباكر، فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الربيع خصبه وحباءه، عقمت النساء أن يأتين بمثل علي بن أبي طالب عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، تالله ما رأيت ولا سمعت إنسانا مثله، وقد رأيته يوم صفين وعليه عمامة بيضاء وكأن عينيه سراجان، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحثهم ويحضهم إلى أن انتهى إلي وأنا في كنف من المسلمين، فقال:

معاشر الناس! استشعروا الخشية وأميتوا الأصوات، الخبر (2).

(511)
الناشي مع الراضي

قال علي بن عبد الله بن وصيف الناشي: دخلت على الراضي، فقال لي: أنت الناشي الرافضي؟ فقلت: خادم أمير المؤمنين الشيعي، فقال: من أي الشيعة؟ قلت: شيعة بني هاشم، فقال: هذا خبث حيلة، قلت: مع طهارة مولد (3).

____________

(1) تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 158 وفي ط 148.

(2) قاموس الرجال: ج 6 ص 29 وبهج الصباغة: ج 10 ص 171 كلاهما عن تفسير فرات.

(3) قاموس الرجال: ج 7 ص 75 عن الحموي، والغدير: ج 4 ص 29

الصفحة 330

(512)
الناشي مع الأشعري

ناظر (الناشي) أشعريا فصفعه، فقال: ما هذا يا أبا الحسن؟ فقال: هذا فعل الله بك، فلم تغضب مني؟ فقال: ما فعله غيرك، وهذا سوء أدب وخارج عن المناظرة! فقال: ناقضت، إن أقمت على مذهبك: أن كل فعل من الله، وإن انتقلت فخذ العوض. فانقطع المجلس بالضحك وصارت نادرة (1).

(513)
الناشي مع بعض المجبرة

الناشي ناظر بعض المجبرة، فحرك الجبري يده، فقال للناشي: من حركها؟

فقال: من أمه زانية! فغضب الرجل، فقال: ناقضت! إذا كان المحرك غيرك فلم تغضب؟ (2).

(514)
ابن دكين مع رجل

روي عن الفضل بن دكين: أنه نصب له كرسي عظيم ببغداد ليحدث، فقام إليه رجل وقال: أتتشيع؟ فكره مقالته وصرف وجهه وتمثل بقول مطيع ابن أياس:

وما زال بي حبيك حتى كأنني * برجع جواب السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي * سلمت وهل حي على الناس يسلم

فلم يفقه وعاد سائلا: أتتشيع؟ فقال: يا هذا كيف بليت! وأي ريح هبت إلي بك؟ سمعت الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد يقول: حب علي عبادة،

____________

(1) قاموس الرجال: ج 7 ص 76.

(2) المصدر نفسه

الصفحة 331
وأفضل العبادة ما كتم (1).

(515)
قنبر مع الحجاج

عن إبراهيم بن الحسين الحسيني العقيقي - رفعه - قال: سأل الحجاج قنبرا مولى علي عليه السلام: مولى من أنت؟

فقال: أنا مولى من ضرب بسيفين، وطعن برمحين، وصلى القبلتين، وبايع البيعتين، وهاجر الهجرتين، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا مولى صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وخير الوصيين، وأكبر المسلمين، ويعسوب المؤمنين، ونور المجاهدين، ورئيس البكائين، وزين العابدين، وسراج الماضين، وضوء القائمين، وأفضل القانتين، ولسان رسول الله رب العالمين، وأول المؤمنين من آل يس. المؤيد بجبرئيل الأمين، والمنصور بميكال المتين، المحمود عند أهل السماوات أجمعين. سيد المسلمين والسابقين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمحامي عن حرم المسلمين، ومجاهد أعدائه الناصبين، ومطفئ نار الموقدين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب واستجاب لله.

أمير المؤمنين، ووصي نبيه في العالمين، وأمينه على المخلوقين، وخليفة من بعث إليهم أجمعين. سيد المسلمين والسابقين، ومبيد المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان كلمة العابدين، ناصر دين الله وولي الله، ولسان كلمة الله، وناصره في أرضه، وعيبة علمه، وكهف دينه. إمام الأبرار من رضي عنه العلي الجبار، سمح سخي، بهلول سنحنحي (2)، ذكي مطهر

____________

(1) قاموس الرجال: ج 7 ص 319.

(2) في الكشي: " سنحنحي " بالسين المهملة ثم النون المفتوحة ثم الحاء المهملة ثم النون المفتوحة، قال في اللسان " وفي حديث على سنحنح الليل كاني جني " أي لا أنام الليل أبدا، وأما ما في قاموس الرجال: " سنخنخ " فالظاهر أنه سهو: ولم أجده في اللغة

الصفحة 332
أبطحي، باذل جرئ، همام (1) صابر صوام، مهدي مقدام، قاطع الأصلاب، مفرق الأحزاب، عالي الرقاب. أربطهم عنانا، وأثبتهم جنانا، وأشدهم شكيمة. باذل باسل، صنديد هزبر ضرغام، حازم عزام (2)، حصيف (3) خطيب، محجاج (4) كريم الأصل، شريف الفضل، فاضل القبيلة، نقي العشيرة. زكي الركانة (5)، مؤدي الأمانة. من بني هاشم، وابن عم النبي والإمام، مهدي الرشاد، مجانب الفساد، الأشعث الحاتم (6)، البطل الحماحم (7)، والليث المزاحم، بدري، مكي، حنفي، روحاني، شعشعاني، من الجبال شواهقها، ومن ذي الهضبات رؤوسها، ومن العرب سيدها، ومن الوغى ليثها. البطل الهمام، والليث المقدام، والبدر التمام. محك المؤمنين، ووارث المشعرين، وأبو السبطين: الحسن والحسين، والله أمير المؤمنين حقا حقا علي بن أبي طالب، عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية (8).

(516)
قيس بن مسهر مع ابن زياد

أقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين عليه السلام،

____________

(1) همام كما في الكشي، وما في القاموس الرجال: " دهمام " فهو سهو، والمعنى واضح.

(2) " عزام " بالعين المهملة والزاء المعجمة كما في الكشي، أي صاحب عزم وصبر، وفي هامشه: " غرام " بالغين المعجمة والراء المهملة فالظاهر أنه مبالغة في الغريم بمعنى الكفيل والضامن، بمعنى أنه عليه السلام يتكفل ويؤدي الديون، ولعله إشارة: إلى تكفله عليه السلام أداء ديون رسول الله صلى الله عليه وآله وما وعده للناس.

(3) الحصيف: أي جيد الرأي ومحكم العقل كما في أقرب الموارد.

(4) المجاج: المسبار، وهو ميل يسبر في الجرح لغرض معالجته. وهي كناية، والمعنى واضح.

(5) يقال: رجل ركين: وقور، رزين. (لسان العرب).

(6) الحاتم: الحاكم الموجب للحكم. (لسان العرب).

(7) كذا في القاموس، وفي بعض نسخ الكشي: " الجماجم " وهم: السادات والعظماء.

(8) قاموس الرجال: ج 7 ص 391. والكشي: ص 72 الرقم 129