الصفحة 351

قال: لأنه لو لم يكن عالما بجميع حدود الله وأحكامه وشرايعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حده ومن وجب عليه الحد قطعه فلا يقيم لله تعالى حدا على أمره، ومن حيث أراد تعالى صلاحا يقع فسادا.

قال: فمن أين قلت: إنه معصوم من الذنوب؟

قال: لأنه لو لم يكن معصوما من الذنوب دخل في الخطأ، فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه، ولا يحتج تعالى بمثله على خلقه.

قال: فمن أين قلت: إنه أشجع الخلق؟

قال: لأنه فئة المسلمين الذين يرجعون إليه في الحرب، وقد قال تعالى:

" ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله " فإن لم يكن شجاعا يبوء بغضب من الله، ولا يجوز أن يكون من يبوء بغضبه حجته على خلقه.

قال: فمن أين قلت: إنه أسخى الناس؟

قال: لأنه خازن المسلمين، فإن لم يكن سخيا فقد تاقت إلى أموالهم فأخذها فكان خائنا، ولا يجوز أن يحتج الله على خلقه بخائن.

فعند ذلك قال ضرار: فمن بهذه الصفة في هذا الوقت؟ قال: صاحب القصر أمير المؤمنين.

وكان هارون قد سمع الكلام كله، فقال عند ذلك: أعطانا والله من جراب النورة، ويحك يا جعفر - وكان جعفر بن يحيى جالسا معه في الستر - من يعني بهذا قال: يعني به موسى بن جعفر، قال: ما عنى به غيره، ثم عض على شفتيه، وقال:

مثل هذا حي ويبقى لي ملكي ولا ساعة فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من لف سيف، وعلم يحيى أن هشاما قد أتى فدخل الستر، فقال: يا عباسي ويحك من هذا الرجل؟ فقال: يا أمير المؤمنين حسبك يكفي يكفي.

ثم خرج إلى هشام فغمزه، فعلم هشام أنه قد أتي، فقام يوهم أنه يبول

الصفحة 352
ويقضي حاجة، فلبس نعله وانسل ومر من وقته نحو الكوفة ونزل على بشير النبال - وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام - فأخبره الخبر، ثم اعتل علة شديدة، فقال له بشير: آتيك بطبيب؟ قال: لا أنا ميت... (1)

(532)
مؤمن الطاق وأبو حنيفة

عن محمد بن جعفر الأسامي: كان أبو حنيفة يتهم شيطان الطاق بالرجعة، وكان شيطان الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ، فخرج أبو حنيفة يوما إلى السوق فاستقبله شيطان الطاق ومعه ثوب يريد بيعه، فقال له أبو حنيفة: أتبيع هذا الثوب إلى رجوع علي، فقال: إن أعطيتني كفيلا أن لا تمسخ قردا بعتك، فبهت أبو حنيفة (2).

(533)
المقطع العامري ومعاوية

لما كان عام الجماعة [ و ] بايع الناس معاوية، سأل عن المقطع العامري حتى نزل عليه فدخل عليه، فإذا هو شيخ كبير، فلما رآه قال: آوه لولا أنك في هذا الحال، ما أفلتني، قال: نشدتك الله إلا قتلتني وأرحتني من بؤس الحياة، وأدنيتني إلى لقاء الله. قال: أني لا أقتلك، وإن لي إليك حاجة. قال: فما حاجتك؟ قال: جئت لأواخيك، قال: إنا وإياكم قد افترقنا في الله، أما أنا فأكون على حالي حتى يجمع الله بيننا في الآخرة. قال: فزوجني ابنتك. قال:

قد منعتك ما هو أهون علي من ذلك. قال: فاقبل مني صلة. قال: فلا حاجة لي في ما قبلك، فتركه فلم يقبل منه شيئا (3).

____________

(1) قاموس الرجال: ج 9 / 337، وقد مر قريب منه.

(2) قاموس الرجال: ج 9 / 215، وقد مر بلفظ آخر.

(3) وقعة صفين لنصر: ص 278، ط مصر الثانية وقاموس الرجال: ج 9 / 117 عنه

الصفحة 353

(534)
المقداد بن عمرو ومناوئ علي عليه السلام

روى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول الله فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبته، وهو يقول: واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين وابن عم رسول الله أعلم الناس وأفقههم في دين الله وأعظمهم عناء في الإسلام وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحا للأمة ولا صوابا في المذهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة فبعدا وسحقا للقوم الظالمين.

فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله، ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد ابن عمرو وهذا الرجل علي بن أبي طالب. قال: فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي إن هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل ولا الرجلان، ثم خرجت فلقيت أبا ذر فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد... (1).

(535)
صعصعة والمغيرة

في الطبري: إن صعصعة لما قال للمغيرة: إبعثني إلى المستورد الخارجي قال له: اجلس فإنما أنت خطيب، فكان أحفظه ذلك، وإنما قال له ذلك، لأنه بلغه أنه يعيب عثمان، ويكثر ذكر علي عليه السلام ويفضله، وقد كان دعاه فقال: إياك أن يبلغني عنك أنك تظهر من فضل علي شيئا علانية، فإنك

____________

(1) تاريخ اليعقوبي: ج 2 / 153، وقاموس الرجال: ج 9 / 113 عنه ولعله رواية أخرى مما مر ج 1 ص 62 و ج 2 ص 17، فراجع أيضا القاموس: ج 9 / 53، والغدير: ج 9 / 115

الصفحة 354
لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله، بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به ونذكر الشئ الذي لا نجد بدا منه، ندافع به هؤلاء القوم عن أنفسنا، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرا.... الخ (1).

(536)
المأمون وإبراهيم بن المهدي.

في مروج المسعودي: كان المأمون يظهر التشيع وإبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة التسنن فقال المأمون:

إذا المرجي سرك أن تراه * يموت لحينه من قبل موته
فجدد عنده ذكرى علي * وصل على النبي وآل بيته

فأجابه ابن شكلة رادا عليه.

إذا الشيعي جمجم في مقال * فسرك أن يبوح بذات نفسه
فصل على النبي وصاحبيه * وزيريه وجاريه برمسه (2)

(537)
سليمان بن محمد والمأمون

في شرح النهج: أمر المأمون بإشخاص سليمان بن محمد الخطابي من البصرة، فلما مثل بين يديه قال له: " أنت القائل: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، ومسجدي عين المربد، وأنا عين مسجدي، وأنت أعور فإذن عين الدنيا عوراء "؟ قال: لم أقل ذلك ولا أظن أنك أحضرتني لذلك قال: بلغني أنك أصبحت فوجدت على سارية من سواري مسجدك:

____________

(1) قاموس الرجال: ج 9 / 88، وبهج الصباغة: ج 11 / 269، و ج 4 / 685 عن الطبري.

(2) قاموس الرجال: ج 10 / 350

الصفحة 355
" رحم الله عليا إنه كان تقيا " فأمرت بمحوه، قال: كان " لقد كان نبيا " فأمرت بإزالته، فقال له المأمون، كذبت كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، والله لولا أن أقيم لك عند العامة سوقا لأحسنت تأديبك (1).

(538)
ابن أم كلاب وعائشة

في الطبري: أن عائشة لما أخبرت بقتل عثمان وبيعة الناس مع أمير المؤمنين عليه السلام انصرفت من سرف إلى مكة وهي تقول: قتل عثمان والله مظلوما والله لأطلبن بدمه.

فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟! فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر.

قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول.

فقال لها ابن أم كلاب:

منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا: إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم تنكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرء * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر

فقالت له: والله ليت أن هذه - أي السماء - انطبقت على هذه - أي الأرض إن تم الأمر لصاحبك (2).

____________

(1) قاموس الرجال: ج 10 / 350.

(2) قاموس الرجال: ج 10 / 237، وبهج الصباغة: ج 6 / 410 عن الطبري و ج 6 / 121، والإمامة والسياسة: ج 1 / 49 و 50

الصفحة 356

(539)
أبو قتادة وعائشة

روى الخطيب: أن أبا قتادة نقل لعائشة قتل أمير المؤمنين عليه السلام الخوارج والمحذج - إلى أن قال: - فقالت عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق، سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: " تفترق أمتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم، محفون شواربهم، أزرهم إلى أنصاف ساقهم، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقتلهم أحبهم إلي وأحبهم إلى الله تعالى ".

قال أبو قتادة: فقلت: يا أم المؤمنين فأنت تعلمين هذا فلم كان الذي منك.

قالت: يا أبا قتادة وكان أمر الله قدرا مقدورا (1).

(540)
البرقي وأبو غيث

وجدت في كتاب للسيد الجزائري ما لفظه: أبو عبد الله البرقي قال: لقيت أبا غيث الاصبهاني - وكان من أصحاب ضرار - فقلت له: ما حجتك على من خالفك؟

فقال: الإجماع.

فقلت، لم يفهم المسألة، فأعدتها عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول: الإجماع، فقلت له: لم تفهم.

قال: وكيف؟ قلت: إني سألتك الحجة على من خالفك ولو كان الإجماع لم يخالفك أحد.

فقال: أردها عليك فقال: ما حجتك على من خالفك؟

____________

(1) قاموس الرجال: ج 10 / 165، وبهج الصباغة: ج 6 / 414 و ج 4 / 679 عن تاريخ بغداد

الصفحة 357
قلت: رجل مأمون معصوم مطهر عالم، لا يضل ولا يضل، ولا يخطئ ولا يجهل، الناس محتاجون إليه وهو غني عنهم، لما جعل الله عنده من العلم والفضل.

فقال: هذا لا يوجد في الأمة.

فقلت: أليس إذا كان مثل هذا في الأمة فهو أصلح لها؟

فقال: بلى ولكنه لا يوجد.

فقلت: وما يدريك أنه لا يوجد وفيه صلاح الخلق، وأنت لم تمتحن الخلق جميعا، ولم تطف برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا عرفت الخيار من الشرار، فمن أين دفعته وأنت جاهل بالخلق؟ (1)

(541)
أبو عدي وبنو أمية

روى الأغاني (2) عن ابن عائشة قال: كان أبو عدي يكره ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي صلوات الله عليه وسبه على المنابر، ويظهر الإنكار لذلك، فشهد عليه قوم من بني أمية بمكة بذلك، ونهوه عنه، فانتقل إلى المدينة وقال:

شردوا بي عند امتداحي عليا * ورأوا ذاك في داء دويا
فوربي ما أبرح الدهر حتى * تختلي مهجتي بحبي عليا
وبنيه لحب أحمد أني * كنت أحببتهم بحبي النبيا
حب دين لا حب دنيا وشر * الحب حب يكون دنيويا (3)

____________

(1) قاموس الرجال: ج 10 / 155.

(2) هكذا في المصدر والصحيح: روي في الأغاني.

(3) قاموس الرجال: ج 10 / 131

الصفحة 358

(542)
ثمامة وأبو العتاهية

روي: أن ثمامة كان في مجلس بعض الخلفاء، والتمس أبو العتاهية مناظرته فأذن له، فحرك أبو العتاهية يده وقال: من حرك هذه؟

فقال ثمامة: حركها من أمه زانية. فقال أبو العتاهية: شتمني في مجلسك.

فقال ثمامة: ترك مذهبه، يزعم أن الله حركها فلأي شئ غضب؟ (1)

(543)
رجل من أصحاب علي ومعاوية

أسر معاوية يوم صفين رجلا من أصحاب علي عليه السلام، فلما أقيم بين يديه قال: الحمد لله الذي أمكن منك.

قال: لا تقل ذلك فإنها مصيبة.

قال: وأية نعمة أعظم من أن يكون الله أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي، اضربا عنقه.

فقال: اللهم إشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله.

فقال له معاوية: قاتلك الله لقد سببت فأوجعت في السب، ودعوت فأبلغت في الدعاء، خليا سبيله (2).

(544)
صعصعة ورجل

في البيان: خرج صعصعة إلى مكة، فلقيه رجل، فقال: يا عبد الله كيف

____________

(1) قاموس الرجال: ج 10 / 129 وسيأتي في ج 3 ص 232. وقد مر ص 330 عن الناشي.

(2) بهج الصباغة: ج 11 / 304 عن العيون

الصفحة 359
تركت الأرض؟ قال: عريضة أريضة.

قال: إنما عنيت السماء. قال: فوق البشر ومد البصر..

قال: سبحان الله، إنما أردت السحاب، قال: تحت الخضراء وفوق الغبراء.

قال: إنما أعني المطر، قال: قد عفى الأثر، وملأ القتر، وبل الوبر، ومطرا حي المطر.

قال: إنسي أنت أم جني؟ قال: بل إنسي من أمة رجل مهدي (1).

(545)
أبو ذر وموليا عثمان

أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له، ومعهما مائتي دينار وقال لهما: قولا له:

عثمان يقرؤك السلام ويقول لك: هذه مائتا دينار، فاستعن بهما على ما نابك.

فقال لهما أبو ذر: هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا: لا.

قال: فإنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم.

قالا: إنه يقول: هذا من صلب مالي، والله الذي لا إله إلا هو ما خالطهما حرام.

فقال لهما: لا حاجة لي فيها، وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى الناس فقالا له: ما نرى في بيتك قليلا ولا كثيرا.

فقال: بلى تحت هذا الإكاف الذي ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيام، فما أصنع بهذه الدنانير، لا والله حتى يعلم أني لا أقدر على قليل ولا كثير، وقد أصبحت غنيا، بولاية علي بن أبي طالب وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، كذلك سمعت النبي صلى الله

____________

(1) بهج الصباغة: ج 11 / 301

الصفحة 360
عليه وآله يقول: وإنه لقبيح بالشيخ أن يكون كذابا. ثم قال لهما: فرداها عليه وأعلماه أنه لا حاجة لي فيها حتى ألقى الله ربي فيكون هو الحاكم بيني وبينه (1).

(546)
إبراهيم بن العباس وإسحاق بن إبراهيم

في المروج: ذكر رجل من الكتاب أن إسحاق بن إبراهيم - أخا زيد بن إبراهيم - حدثه أنه كان يتقلد الصيمرة والسيروان، وأن إبراهيم بن العباس اجتاز به يريد خراسان والمأمون بها وقد بايع بالعهد لعلي بن موسى الرضا عليه السلام، وقد امتدحه بشعر يذكر فيه فضل آل علي عليهم السلام، وأنهم أحق بالخلافة من غيرهم، فاستحسنت القصيدة وسألته أن ينسخها لي ففعل، ووهبت له ألف درهم وحملته على دابة، وضرب الدهر من ضربه إلى أن ولي إبراهيم ديوان الضياع مكان موسى بن عبد الملك - وكنت أحد عمال موسى - وكان يحب أن يكشف أسباب موسى، فعزلني وأمرني أن تعمل مؤامرة، فعملت وكثر علي فيها فحضرت للمناظرة عنها، فجعلت أحتج بما لا يدفع فلا يقبله ويحكم لي الكتاب فلا يلتفت إلى حكمهم، ويسمعني في خلال ذلك بدعا من الكلام، إلى أن أوجب علي الكتاب اليمين على باب من الأبواب فحلفت عليه فقال:

ليست يمين السلطان عندك يمينا لأنك رافضي.

فقلت له: أتأذن لي في الدنو منك؟ فأذن لي، فقلت: ليس مع تعريضك بمهجتي للقتل صبر وها هو المتوكل إن كتبت إليه بما أسمع منك لم آمنه على نفسي، وقد احتملت كل ما جرى سوى الرفض، والرافضي من زعم أن عليا - عليه السلام - أفضل من العباس، وأن ولده - عليه السلام - أحق بالخلافة من ولد العباس.

____________

(1) بهج الصباغة: ج 11 / 35 عن رجال الكشي

الصفحة 361
قال: ومن ذلك؟ قلت: أنت، وخطك عندي به، وأخبرته بالشعر، فوالله ما هو إلا أن قلت ذلك له حتى سقط في يده، ثم قال: أحضر الدفتر الذي بخطي:

فقلت له: هيهات لا والله أو توثق لي بما أسكن إليه إنك لا تطالبني بشئ مما جرى على يدي، وتخرق هذه المؤامرة، ولا تنظر لي في حساب. فحلف لي على ذلك، وخرق العمل المعمول وأحضرته الدفتر، فوضعه في خفه وانصرفت، وقد زالت عني المطالبة (1).

(547)
ابن عباس ومعاوية

حكي أن معاوية سأل ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام، فقال:

هيهات عقم النساء أن يأتين بمثله، والله ما رأيت رئيسا مجربا يوزن به، لقد رأيته في بعض أيام صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء تبرق وقد أرخى طرفيها على صدره و ظهره، وكأن عينيه سراجا وهاجا من سليط، وهو يقف على كتيبة حتى انتهى إلي و أنا في كثف من القوم وهو يقول: " معاشر المسلمين استشعروا الخشية - إلى أن قال: - ولن يتركم أعمالكم، وزاد وأنشأ يقول:

إذ المشكلات تصدين لي * كشفت غوامضها بالنظر
وإن برقت في مخيل الظنون * عمياء لا تجليها الفكر
مقنعة بغيوب الأمور * وضعت عليها حسام العبر
معي أصمعي كظبي المرهفات * أثري به عن بنات السرر
لسان كشقشقة الأرحبي * أو كالحسام اليماني الذكر
ولست بإمعة في الرجال * السائل هذا وذا ما الخبر
ولكنني مدرة الاصغرين * أقيس بما قد مضى ما غبر

____________

(1) بهج الصباغة: ج 10 / 74

الصفحة 362
ثم غاب عني ثم رأيته قد أقبل وسيفه ينطف دما وهو يقرأ " قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون " (1).

(548)
كميل والحجاج

روي أنه جاء كميل إلى الحجاج يأخذ عطاءه، فقال له: أنت الذي فعلت بعثمان - وكلمه بشئ - فقال له كميل: لا تكثر علي اللوم، ولا تهل علي الكثيب وما ذاك رجل لطمني فأصبرني فعفوت عنه فأينا كان المسئ؟ فأمر بضرب عنقه (2).

(549)
عمار ومحمد بن أبي بكر وأبو موسى

(لما بعث علي عليه السلام في مسيره إلى الجمل عمارا ومحمد بن أبي بكر إلى أهل الكوفة) وكان أبو موسى عاملا لعثمان على الكوفة، فبعثهما علي إليه وإلى أهل الكوفة يستنفرهم، فلما قدما عليه قام عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر، فدعوا الناس إلى النصرة لعلي، فلما أمسوا دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى، فقالوا: ما ترى؟ أتخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما، أم لا؟

فقال أبو موسى: أما سبيل الآخرة ففي أن تلزموا بيوتكم، وأما سبيل الدنيا فالخروج مع من أتاكم، فأطاعوه، فتباطأ الناس على علي، وبلغ عمارا ومحمدا ما أشار به أبو موسى على أولئك الرهط، فأتياه فأغلظا له في القول.

قال أبو موسى: إن بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكم، ولئن أردنا القتال ما لنا إلى قتال أحد من سبيل حتى نفرغ من قتلة عثمان.

____________

(1) بهج الصباغة: ج 10 / 170 - 171 عن خصائص السيد الرضي (ره).

(2) بهج الصباغة: ج 10 / 214

الصفحة 363
ثم خرج أبو موسى، فصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس: إن أصحاب رسول الله الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله ورسوله ممن لم يصحبه، وإن لكم حقا علي أؤديه إليكم، إن هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، والساعي خير من الراكب، فاغمدوا سيوفكم حتى تنجلي هذه الفتنة.

فقام عمار بن ياسر: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس: إن أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين، ولعمري ما صدق فيما قال وما رضي الله من عباده بما ذكر، قال عز وجل: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا " وقال: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " فلم يرض من عباده بما ذكر أبو موسى من أن يجلسوا في بيوتهم ويخلوا بين الناس فيسفك بعضهم دماء بعض.

فسيروا معنا إلى هاتين الجماعتين واسمعوا من حججهم، وانظروا من أولى بالنصرة فاتبعوه، فإن أصلح الله أمرهم رجعتم مأجورين وقد قضيتم حق الله، وإن بغى بعضهم على بعض نظرتم إلى الفئة الباغية فقاتلتموها حتى تفئ إلى أمر الله، كما أمركم الله، وافترض عليكم، ثم قعد (1).

(550)
ابن عباس وعمر

عن ابن عباس قال: خرجت مع عمر في بعض أسفاره، فإنا لنسير ليلة وقد دنوت منه، إذ ضرب مقدم رحله بسوطه، وقال:

____________

(1) الإمامة والسياسة: ج 1 / 65 - 66. وبهج الصباغة: ج 10 / 242، وقد مر بلفظ آخر ص 238 و ج 6 / 365 - 370

الصفحة 364

كذبتم وبيت الله يقتل أحمد * ولما نطاعن دونه ونفاضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل

ثم قال: استغفر الله، ثم سار فلم يتكلم قليلا، ثم قال:

وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد

ثم قال: استغفر الله، يا ابن عباس ما منع عليا من الخروج معنا؟ قلت:

لا أدري.

قال: يا ابن عباس أبوك عم النبي وأنت ابن عمه، فما منع قومكم منكم؟

قلت: لا أدري.

قال: لكني أدري، يكرهون ولايتكم لهم. قلت: لم؟ ونحن لهم كل الخير.

قال: اللهم غفرا، يكرهون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فيكون بجحا بجحا، لعلكم تقولون: إن أبا بكر فعل ذلك، لا والله ولكن أبا بكر أتى أحزم ما حضره ولو جعلها لكم ما نفعكم مع قربكم، أنشدني لشاعر الشعراء زهير قوله:

إذا ابتدرت قيس عيلان غاية * من المجد من يسبق إليها يسود

فأنشدته وطلع الفجر - الخبر (1).

(551)
الفرزدق وهشام

عن الشعبي، قال: حج الفرزدق بعد ما كبر وقد أتت له سبعون سنة، وكان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلك العام، فرأى علي بن الحسين عليه السلام في غمار الناس في الطواف، فقال: من هذا الشاب الذي تبرق أسرة وجهه كأنه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى الحي وجوهها؟ فقالوا: هذا علي بن الحسين بن

____________

(1) بهج الصباغة: ج 10 / 299 عن الطبري

الصفحة 365
علي بن أبي طالب - عليهم السلام - فقال الفرزدق:

يا سائلي حل الجود والكرم * عندي بيان إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده * صلى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه * لخر يلثم منه ما وطي القدم
هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم
هذا الذي عمه الطيار جعفر * والمقتول حمزة ليث حبه قسم
هذا ابن سيدة النسوان فاطمة * وابن الوصي الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك: من هذا؟ بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم
ينمي إلى ذروة العز الذي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم
ينجاب نور الدجى عن نور غرته * كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم
ما قال: " لا " قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم
مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهم * وإن تكلم يوما زانه الكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدما وشرفه * جرى بذاك له في لوحه القلم
من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت لها الأمم


الصفحة 366

عم البرية بالإحسان وانقشعت * عنها العماية والاملاق والظلم
كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه خصلتان: الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعترم
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل فرض ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل: من خير أهل الأرض قيل: هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم
لا يقبض العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أي القبائل ليست في رقابهم * لأولية هذا أو له نعم؟
من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريش يستضاء بها * في النائبات وعند الحكم إن حكموا
فجده من قريش في أرومتها * محمد وعلي بعده علم
بدر له شاهد والشعب من أحد * والخندقان ويوم الفتح قد علموا
وخيبر وحنين يشهدان له * وفي قريضة يوم صيلم قتم
مواطن قد علت في كل نائبة * على الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها؟

قال: هات جدا كجده وأبا كأبيه وأما كأمه حتى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهما السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: إعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر

الصفحة 367
من هذا لوصلناك به، فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، ما كنت لأرزأ عليه شيئا، فردها إليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك، فقبلها، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس فكان مما هجاه به قوله:

أيحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها

فأخبر هشام بذلك فأطلقه (1).

(552)
أبو ذر وعثمان

روى الثقفي في تأريخه عن ابن عباس قال: استأذن أبو ذر على عثمان فأبى

____________

(1) أقول، نقل هذه القصة صاحب البحار: ج 46 / 124 - 128 عن المناقب: ج 3 / 306 وعن حلية الأولياء: ج 3 / 139، والأغاني: ج 14 / 75 و ج 19 / 40 ط الساسي بمصر وفي تعليقته على الاختصاص للمفيد (ره): 191، وكشف الغمة: ج 2 / 267، وعيون المعجزات: ص 63، وصفة الصفوة: ج 2 / 54 وطبقات الشافعية للسبكي: ج 1 / 153، وشذرات الذهب: ج 1 / 142، ومرآة الجنان لليافعي:

ج 1 / 239، وابن عساكر في ترجمة الإمام زين العابدين عليه السلام، وابن خلكان في ترجمة الفرزدق ومطالب السئول: ص 79 ط ايران، والفصول المهمة: ص 193 ط نجف، وتذكرة الخواص: ص 185 ط ايران، وحياة الحيوان للدميري: كلمة " أسد "، وشرح شواهد المغني: ص 249، وكفاية الطالب:

ص 303، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي: ج 2 / 28، والعيني في شرح الشواهد الكبرى بهامش خزانة الأدب للبغدادي: ج 2 / 513، وزهر الآداب للقيرواني: ج 1 / 65، وشرح رسالة ابن زيدون بهامش الغيث المسجم للصفدي: ج 2 / 163، والبداية والنهاية: ج 9 / 108، والصواعق: ص 198، ونور الأبصار:

ص 129، وديوان الفرزدق للصاوي: ج 2 / 848، ونفس الديوان: ج 1 / 51 (إلى هنا لخصناه من تعليقة البحار).

وراجع بهج الصباغة: ج 9 / 408، والروايات مختلفة في عدد الأبيات وألفاظها فراجع، وحقق كي لا تقع في الخطأ كما وقع بعض الكتاب، وراجع أيضا مجمع الزوائد: ج 9 / 200، والعقد الفريد:

ج 5 / 325، والفصول المختارة: ص 18

الصفحة 368
أي يأذن له، فقال لي: استأذن لي عليه، فرجعت فاستأذنت له قال: إنه يؤذيني، فقلت: عسى أن لا يفعل، فأذن له من أجلي، فلما دخل عليه قال: اتق الله يا عثمان، وجعل يقول: اتق الله، وعثمان يتوعده.

فقال أبو ذر: حدثني النبي صلى الله عليه وآله: " أنه يجاء بك وبأصحابك يوم القيامة فتبطحون على وجوهكم، فتمر عليكم البهائم فتطأكم، كلما مرت أخراها ردت أولاها، حتى يفصل بين الناس " (1).

(553)
الأشتر وجرير

لما رجع جرير - من الشام حين أرسله إلى معاوية لأخذ البيعة منه - إلى علي، كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية، فاجتمع جرير والأشتر عند علي.

فقال الأشتر: أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه، وأقام [ عنده ] حتى لم يدع بابا يرجو روحه (2) إلا فتحه أو يخاف غمه إلا سده فقال جرير: والله لو أتيتهم لقتلوك - وخوفه بعمرو، وذي الكلاع، وحوشب ذي ظليم - (3) وقد زعموا أنك من قتلة عثمان.

فقال الأشتر: لو أتيته والله يا جرير لم يعييني جوابها، ولم يثقل علي محملها، ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر.

قال: فائتهم إذا.

قال: الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر!

____________

(1) بهج الصباغة: ج 6 / 61.

(2) روحه: أي ما فيه من روح. والروح - بالفتح -: الراحة.

(3) ظليم: بهيئة التصغير، كما في القاموس. وهو حوشب بن طخمة