الصفحة 387
عليه السلام، وينهاهما عن سبه وكانا أباضيين:

خف يا محمد فالق الإصباح * وأزل فساد الدين بالإصلاح
أتسب صنو محمد ووصيه؟! * ترجو بذاك الفوز بالإنجاح
هيهات قد بعدا عليك وقربا * منك العذاب وقابض الأرواح
أوصى النبي له بخير وصية * يوم الغدير بأبين الإفصاح
من كنت مولاه فهذا واعلموا * مولاه قول إشاعة وصراح
قاضي الديون ومرشد لكم كما * قد كنت أرشد في هدى وفلاح
أغويت أمي وهي جد ضعيفة * فجرت بقاع الغي جري جماح
بالشتم للعلم الإمام ومن له * إرث النبي بأوكد الايضاح
إني أخاف عليكما سخط الذي * أرسى الجبال بسبسب صحصاح
أبوي فاتقيا الإله وأذعنا * للحق.................(1)

(574)
السيد الحميري وأبو الخلال

روى أبو الفرج في الأغاني ج 7 / 262: إن أبا الخلال العتكي دخل على عقبة بن سلم - والسيد الحميري عنده - وقد أمر له بجائزة، وكان أبو الخلال شيخ العشيرة وكبيرها، فقال له: أيها الأمير أتعطي هذه العطايا رجلا ما يفتر عن سب أبي بكر وعمر؟ فقال له عقبة: ما علمت ذلك ولا أعطيته إلا على العشرة والمودة القديمة، وما يوجبه حقه وجواره، مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقهم ورعايتهم. فقال له أبو الخلال: فمره إن كان صادقا أن يمدح أبا بكر وعمر حتى نعرف براءته مما ينسب إليه من الرفض، فقال: قد سمعك، فإن شاء فعل فقال السيد:

____________

(1) الغدير: ج 2 / 214 عن المرزباني والبيت الأخير وجدناه بياضا في المصدر

الصفحة 388

إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد * ولا عهده يوم الغدير مؤكدا
فإني كمن يشري الضلالة بالهدي * تنصر من بعد الهدى أو تهودا
وما لي وتيما أو عديا وإنما * أولو نعمتي في الله من آل أحمدا
تتم صلاتي بالصلاة عليهم * وأدعو لهم ربا كريما ممجدا
بذلت لهم ودي ونصحي ونصرتي * مدى الدهر ما سميت يا صاح سيدا
وإن امرءا يلحى على صدق ودهم * أحق وأولى فيهم أن يفندا
فإن شئت فاختر عاجل الغم ظلة * وإلا فأمسك كي تصان وتحمدا (1)

(575)
السيد الحميري وسوار القاضي

بلغ سوار بن عبد الله العنبري قاضي البصرة قول شاعرنا السيد الحميري في حديث الطائر المشوي المتفق عليه:

لما أتى بالخبر الأنبل * في طائر أهدي إلى المرسل
في خبر جاء أبان به * عن أنس في الزمن الأول
هذا وقيس الحبر يرويه عن * سفينة ذي القلب الخول
سفينة يمكن من رشده * وأنس خان ولم يعدل
في رده سيد كل الورى * مولاهم في المحكم المنزل
فصده ذو العرش عن رشده * وشأنه بالبرص الأنكل

فقال سوار: ما يدع هذا أحدا من الصحابة إلا رماه بشعر يظهر عواره، وأمر بحبسه، فاجتمع بنو هاشم والشيعة وقالوا له: والله لئن لم تخرجه وإلا كسرنا الحبس وأخرجناه، أيمتدحك شاعر فتثيبه، ويمتدح أهل البيت شاعر فتحبسه؟!

فأطلقه على مضض، فقال يهجوه:

____________

(1) الغدير: ج 2 / 215

الصفحة 389

قولا لسوار أبي شملة * يا واحدا في النوك والعار
ما قلت في الطير خلاف الذي * رويته أنت بآثار
وخبر المسجد إذ خصه * محللا من عرصة الدار
إن جنبا كأن وإن طاهرا * في كل إعلان وإسرار
وأخرج الباقين منه معا * بالوحي من إنزال جبار
حبا عليا وحسينا معا * والحسن الطهر لأطهار
وفاطما أهل الكساء الأولى * خصوا بإكرام وإيثار
فمبغض الله يرى بغضهم * يصير للخزي وللنار
عليه من ذي العرش في فعله * وسم يراه العائب الزاري
وأنت يا سوار رأس لهم * في كل خزي طالب الثار
تعيب من آخاه خير الورى * من بين أطهار وأخيار
وقال في " خم " له معلنا * ما لم يلقوه بإنكار:


من كنت مولاه فهذا له * مولى فكونوا غير كفار
فعولوا بعدي عليه ولا * تبغوا سراب المهمة الجاري (1)

(576)
السيد الحميري والباهلي

عن محمد بن سهل الحميري عن أبيه قال: إنحدر السيد الحميري في سفينة إلى الأهواز، فما رآه رجل في تفضيل علي عليه السلام وباهله على ذلك، فلما كان الليل قام الرجل ليبول على حرف السفينة، فدفعه السيد فغرقه، فصاح الملاحون: غرق والله الرجل، فقال السيد: دعوه فإنه باهلي (باهلني).

____________

(1) الغدير: ج 2 / 217 - 218.

(2) الغدير: ج 2 / 254

الصفحة 390

(577)
السيد الحميري ورجل

عن سويد بن حمدان بن الحصين قال: كان السيد يختلف إلينا ويغشانا، فقام من عندنا ذات يوم فخلفه رجل وقال: لكم شرف وقدر عند السلطان فلا تجالسوا هذا فإنه مشهور بشرب الخمر وشتم السلف، فبلغ ذلك السيد فكتب إليه:

وصفت لك الحوض يا بن الحصين * على صفة الحارث الأعور
فإن تسق منه غدا شربة * تفز من نصيبك بالأوفر
فما لي ذنب سوى أنني * ذكرت الذي فر عن خيبر
ذكرت امرءا فر عن مرحب * فرار الحمار من القسور
فأنكر ذاك جليس لكم * زنيم أخو خلق أعور
لحاني بحب إمام الهدى * وفاروق أمتنا الأكبر
سأحلق لحيته إنها * شهود على الزور والمنكر

قال: فهجر والله مشايخنا جميعا ذلك، ولزموا محبة السيد ومجالسته (1).

(578)
السيد الحميري والمهدي

حدثني أبو سليمان الناجي قال: جلس المهدي يوما يعطي قريشا صلات لهم وهو ولي عهد، فبدأ ببني هاشم ثم بسائر قريش، فجاء السيد فرفع إلى الربيع - حاجب المنصور - رقعة مختومة وقال: إن فيها نصيحة للأمير فأوصلها إليه.

فأوصلها، فإذا فيها:

قل لابن عباس سمي محمد * لا تعطين بني عدي درهما

____________

(1) الغدير: ج 2 / 255 عن الأغاني: ج 7 / 250 - 254

الصفحة 391

أحرم بني تيم بن مرة إنهم * شر البرية آخرا ومقدما
إن تعطهم لا يشكروا لك نعمة * ويكافئوك بأن تذم وتشتما
وإن ائتمنتهم أو استعملتهم * خانوك واتخذوا خراجك مغنما
ولئن منعتهم لقد بدأوكم * بالمنع إذ ملكوا وكانوا أظلما
منعوا تراث محمد أعمامه * وابنيه وابنته عديلة مريما
وتأمروا من غير أن يستخلفوا * وكفى بما فعلوا هنالك مأثما
لم يشكروا لمحمد أنعامه * أفيشكرون لغيره إن أنعما؟!
والله من عليهم بمحمد * وهداهم وكسا الجنوب وأطعما
ثم انبروا لوصيه ووليه * بالمنكرات فجرعوه العلقما

قال: فرمى بها إلى أبي عبيد الله معاوية بن يسار الكاتب للمهدي ثم قال:

إقطع العطاء، فقطعه، وانصرف الناس، ودخل السيد إليه، فلما رآه ضحك وقال: قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل، ولم يعطهم شيئا (1)

(579)
السيد الحميري وسوار

عن معاذ بن سعيد الحميري قال: شهد السيد إسماعيل بن محمد الحميري - رحمه الله - عند سوار القاضي بشهادة، فقال له: ألست إسماعيل بن محمد الذي يعرف بالسيد؟ فقال: نعم. فقال له: كيف أقدمت على الشهادة عندي وأنا أعرف عداوتك للسلف؟ فقال السيد: قد أعاذني الله من عداوة أولياء الله وإنما هو شئ لزمني. ثم نهض، فقال له: قم يا رافضي، فوالله ما شهدت بحق.

فخرج السيد - رحمه الله - وهو يقول:

أبوك ابن سارق عنز النبي * وأنت ابن بنت أبي جحدر

____________

(1) الغدير: ج 2 / 254 - 255، وراجع بهج الصباغة: ج 4 / 515 عن الأغاني

الصفحة 392

ونحن على رغمك الرافضون * لأهل الضلالة والمنكر

ثم عمل شعرا وكتبه في رقعة وأمر من ألقاها في الرقاع بين يدي سوار. قال:

فأخذ الرقعة سوار، فلما وقف عليها خرج إلى أبي جعفر المنصور، وكان قد نزل الجسر الأكبر ليستعدي على السيد، فسبقه السيد إلى المنصور فأنشأ قصيدته التي يقول فيها:

يا أمين الله يا منصور * يا خير الولاة
إن سوار بن عبد الله * من شر القضاة
نعثلي جملي * لكم غير مواتي
جده سارق عنز * فجرة من فجرات
لرسول الله والقا * ذفة بالمنكرات
والذي كان ينادي * من وراء الحجرات
يا هنات اخرج إلينا * إننا أهل هنات
فاكفنيه لا كفاه الله * شر الطارقات
سن فينا سننا كانت * مواريث الطغاة
فهجوناه ومن يهجو * يصب بالفاقرات (1)

قال: فضحك أبو جعفر المنصور وقال: نصبتك قاضيا، فامدحه كما هجوته فأنشد - رحمه الله - يقول:

إني أمرؤ من حمير أسرتي * بحيث تحوي سروها حمير
آليت لا أمدح ذا نائل * له سناء وله مفخر
إلا من الغر بني هاشم * إن لهم عندي يدا تشكر

____________

(1) الفاقرة: الداهية الشديدة

الصفحة 393

إن لهم عندي يدا شكرها * حق وإن أنكرها منكر
يا أحمد الخير الذي إنما * كان علينا رحمة تنشر
حمزة والطيار في جنة * فحيث ما شاء دعا جعفر
منهم وهادينا الذي نحن من * بعد عمانا فيه نستبصر
لما دجا الدين ورق الهدى * وجار أهل الأرض واستكبروا
ذاك علي بن أبي طالب * ذاك الذي دانت له خيبر
دانت وما دانت له عنوة * حتى تدهدا عرشه الأكبر
ويوم سلع إذ أتى عاتبا * عمرو بن عبد مصلتا يخطر
يخطر بالسيف مدلا كما * يخطر فحل الصرمة الدوسر
إذ جلل السيف على رأسه * أبيض عضبا حده مبتر
فخر كالجذع وأوداجه * ينصب منها حلب أحمر (1)

(580)
السيد الحميري وسوار

روى أبو الفرج للسيد مما أنشده المنصور في سوار القاضي قوله:

قل للإمام الذي ينجى بطاعته * يوم القيامة من بحبوحة النار
لا تستعينن جزاك الله صالحه * يا خير من دب في حكم بسوار
لا تستعن بخبيث الرأي ذي صلف * جم العيوب عظيم الكبر جبار
تضحي الخصوم لديه من تجبره * لا يرفعون إليه لحظ أبصار
تيها وكبرا ولولا ما رفعت له * من ضبعه كان عين الجائع العاري

فدخل سوار، فلما رآه المنصور تبسم وقال: أما بلغك خبر أياس بن معاوية حيث قبل شهادة الفرزدق واستزاد في الشهود، فما أحوجك للتعريض للسيد

____________

(1) الفصول المختارة: 59، الغدير: ج 2 / 256

الصفحة 394
ولسانه ثم أمر السيد بمصالحته، وأمره بأن يصير إليه معتذرا ففعل فلم يعذره، فقال:

أتيت دعي بني العنبر * أروم اعتذارا فلم أعذر
فقلت لنفسي وعاتبتها * على اللؤم في فعلها: أقصري
أيعتذر الحر مما أتى * إلى رجل من بني العنبر
أبوك ابن سارق عنز النبي * وأمك بنت أبي جحدر
ونحن على رغمك الرافضون * لأهل الضلالة والمنكر

قال: وبلغ السيد أن سوارا قد أعد جماعة يشهدون عليه بسرقة ليقطعه، فشكاه إلى أبي جعفر، فدعا بسوار وقال له: قد عزلتك عن الحكم للسيد عليه، فما تعرض له بسوء حتى مات (1).

(581)
السيد الحميري ورجلان يتفاخران

عن إسماعيل بن الساحر قال: تلاحى رجلان من بني عبد الله بن دارم في المفاضلة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فرضيا بحكم أول من يطلع، فطلع السيد، فقاما إليه وهما لا يعرفانه، فقال له مفضل علي بن أبي طالب عليه السلام منهما: إني وهذا اختلفنا في خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله: فقلت علي بن أبي طالب. فقطع السيد كلامه ثم قال: وأي شئ قال هذا الآخر ابن الزانية؟! فضحك من حضر ووجم الرجل ولم يحر جوابا (2).

* * *

____________

(1) الغدير: ج 2 / 260.

(2) الغدير: ج 2 / 260، عن الأغاني: ج 7 / 241، وطبقات الشعراء لابن المعتز / 7

الصفحة 395

(582)
السيد الحميري مع إباضية

اجتمع السيد في طريقه بامرأة تميمية إباضية، فأعجبها وقالت: أريد أن أتزود بك ونحن على ظهر طريق.

قال: يكون كنكاح أم خارجة قبل حضور ولي وشهود. فاستضحكت وقالت: ننظر في هذا، وعلى ذلك فمن أنت؟ فقال:

إن تسأليني بقومي تسألي رجلا * في ذروة العز من أحياء ذي يمن
حولي بها ذو كلاع في منازلها * وذو رعين وهمدان وذو يزن
والأزد أزد عمان الأكرمون إذا * عدت مآثرهم في سالف الزمن
بانت كريمتهم عني فدارهم * داري وفي الرحب من أوطانهم وطني
لي منزلان بلحج منزل وسط * منها ولي منزل للعز في عدن
ثم الولاء الذي أرجو النجاة به * من كبة النار للهادي أبي حسن

فقالت: قد عرفناك ولا شئ أعجب من هذا، يمان وتميمية، ورافضي وإباضية فكيف يجتمعان؟

فقال: بحسن رأيك في، تخسو نفسك، ولا يذكر أحدنا سلفا ولا مذهبا.

قالت: أفليس التزويج إذا علم انكشف معه المستور، وظهرت خفيات الأمور؟!

قال: أعرض عليك أخرى. قالت: ما هي؟ قال: المتعة التي لا يعلم بها أحد. قالت: تلك أخت الزنا.

قال: أعيذك بالله أن تكفري بالقرآن بعد الإيمان. قالت: فكيف؟ قال:

قال الله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ".

فقالت: ألا تستخير الله وأقلدك إن كنت صاحب قياس؟! قال: قد

الصفحة 396
فعلت.

فانصرفت معه وبات معرسا بها، وبلغ أهلها من الخوارج أمرها، فتوعدوها بالقتل وقالوا: تزوجت بكافر. فجحدت ذلك ولم يعلموا بالمتعة. فكانت مدة تختلف إليه على هذه السبيل من المتعة وتواصله حتى افترقا (1).

(583)
السيد الحميري مع ابن سليمان

قال علي بن المغيرة: كنت مع السيد على باب عقبة بن سلم ومعنا ابن لسليمان بن علي ننتظره وقد أسرج له ليركب، إذ قال ابن سليمان بن علي يعرض بالسيد: أشعر الناس والله الذي يقول:

محمد خير من يمشي على قدم * وصاحباه وعثمان بن عفانا

فوثب السيد وقال: أشعر والله منه الذي يقول:

سائل قريشا إذا ما كنت ذا عمه * من كان أثبتها في الدين أوتادا؟
من كان أعلمها علما وأحلمها * حلما وأصدقها قولا وميعادا؟
إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسن * إن أنت لم تلق للأبرار حسادا؟

ثم أقبل على الهاشمي فقال: يا فتى، نعم الخلف أنت لشرف سلفك، أراك تهدم شرفك و تثلب سلفك، وتسعى بالعداوة على أهلك، وتفضل من ليس أصلك من أصله على من فضلك من فضله، وسأخبر أمير المؤمنين عنك بذا حتى يضعك. فوثب الفتى خجلا، ولم ينتظر عقبة بن سلم. وكتب إليه صاحب خبره بما جرى عند الركوبة، حتى خرجت الجائزة للسيد (2).

* * *

____________

(1) الغدير: ج 2 / 261.

(2) الغدير: ج 2 / 262، وأشار إليه في نور القبس: ص 122

الصفحة 397

(584)
السيد الحميري والقاص

عن سليمان بن أرقم قال: كنت مع السيد فمر بقاص على باب أبي سفيان ابن العلاء وهو يقول: يوزن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة في كفة بأمته أجمع فيرجح بهم، ثم يؤتى بفلان فيوزن بهم فيرجح، ثم يؤتى بفلان فيوزن بهم فيرجح، فأقبل على أبي سفيان فقال: لعمري إن رسول الله صلى الله عليه وآله ليرجح على أمته في الفضل والحديث حق، وإنما رجح الآخران الناس في سيئاتهم، لأن من سن سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، قال: فما أجابه أحد، فمضى فلم يبق أحد من القوم إلا سبه (1).

(585)
جعفر بن حسين ومروان بن أبي حفصة

حكى القاضي أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي المتوفى سنة 565 في شرح قصيدة أبي فراس الميمية المعروفة بالشافية عن مروان بن أبي حفصة أنه قال: أنشدت المتوكل شعرا ذكرت فيه الرافضة، فعقد لي على البحرين واليمامة، وخلع لي أربع خلع في دار العامة، والشعر هو هذا:

لكم تراث محمد * وبعد لكم تنفى الظلامة
يرجو التراث بنو البنات * وما لهم فيه قلامه
والصهر ليس بوارث * والبنت لا ترث الامامه
ما للذين تمخلوا * ميراثكم إلا الندامة
أخذ الوراثة أهلها * فعلام لومكم علامه؟!

____________

(1) الغدير: ج 2 / 266 عن الأغاني: ج 7 / 271

الصفحة 398

لو كان حقكم لها * قامت على الناس القيامة
ليس التراث لغيركم * لا والإله ولا كرامه
أصبحت بين محبكم * و المبغضين لكم علامه

فرد عليه رجل يقال له جعفر بن حسين بقوله:

قل للذي بفجوره * في شعره ظهرت علامه
ويبيع جهلا دينه * لمضلل يرجو حطامه
من أين أنت لعنت؟ أو * من أين أسرار الامامه؟!


أظننتها إرث النبي * فما أصبت ولا كرامه
إن الإمامة بالنصوص * لمن يقوم بها مقامه
كمقالة في يوم " خم " * لحيدر لما أقامه
من كنت مولاه فذا * مولاه يسمعهم كلامه
سل عنه ذا خبر به * فلتذهبن إذا ندامه
فهو الذي بحسامه * للنقع قد جلى قتامه
في يوم بدر إذ شكا * سادات مالككم صدامه
وأنين والدهم وقد * منع النبي به منامه
إن الإمام لديننا * من شاده وبنى دعامه
في كل معترك إذا * شب الوغى أطفى ضرامه
فتاح خيبر بعد ما * فر الذي طلب السلامه
تاالله لو وزن الجميع * لما وفوا منه القلامه (1)

(586)
فاطمة ونساء النبي صلى الله عليه وآله

في تاريخ اليعقوبي ج 2 / 105: وكان بعض نساء رسول الله أتينها، أي فاطمة

____________

(1) الغدير: ج 4، وأعيان الشيعة: ج 4 ص 93

الصفحة 399
عليها السلام في مرضها، فقلن، يا بنت رسول الله، صيري لنا في حضور غسلك حظا. قالت: أتردن تقلن في كما قلتن في أمي، لا حاجة لي في حضوركن، ودخلن إليها في مرضها نساء رسول الله وغيرهن من نساء قريش فقلن، كيف أنت؟ قالت: أجدني كارهة لدنياكن، مسرورة لفراقكن، ألقى الله ورسوله بحسرات منكن، فما حفظ لي الحق، ولا رعيت مني الذمة، ولا قبلت الوصية، ولا عرفت الحرمة (1).

(587)
علي ابن الفارقي وابن أبي الحديد

قال ابن أبي الحديد ج 16 / 284 طبع دار إحياء الكتب العربية: سألت علي ابن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم. قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟

فتبسم ثم قال: كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته.

قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يمكنه الاعتذار والموافقة بشئ، لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود.

وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل (2).

(588)
رجل و مقاتل بن سليمان

قال مقاتل بن سليمان - وقد دخلته أبهة العلم -: سلوني عما تحت العرش إلى أسفل الثرى، فقام إليه رجل فقال: ما نسألك عما تحت العرش ولا أسفل

____________

(1) راجع بهج الصباغة: ج 5 / 17.

(2) راجع بهج الصباغة: ج 5 / 27

الصفحة 400
الثرى، ولكن أسألك عما كان في الأرض، وذكره الله في كتابه، أخبرني عن كلب أهل الكهف ما كان لونه؟ فأفحمه (1).

(589)
قصة لأحد الوعاظ ببغداد

قال ابن أبي الحديد ج 13 / 107 - 109: وعلى ذكر قوله عليه السلام:

" سلوني " حدثني من أثق به من أهل العلم حديثا، وإن كان فيه بعض الكلمات العامية، إلا أنه يتضمن ظرفا ولطفا، ويتضمن أيضا أدبا.

قال: كان ببغداد في صدر أيام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضئ بالله واعظ مشهور بالحذق ومعرفة الحديث والرجال، وكان يجتمع إليه تحت منبره خلق عظيم من عوام بغداد ومن فضلائها أيضا، وكان مشتهرا بذم أهل الكلام وخصوصا المعتزلة وأهل النظر، على قاعدة الحشوية، ومبغضي أرباب العلوم العقلية، وكان أيضا منحرفا عن الشيعة برضى العامة بالميل عليهم، فاتفق قوم من رؤساء الشيعة على أن يضعوا عليه من يبكته ويسأله تحت منبره، ويخجله ويفضحه بين الناس في المجلس، وهذه عادة الوعاظ، يقوم إليهم قوم فيسألونهم مسائل يتكلفون الجواب عنها، وسألوا عمن ينتدب لهذا، فأشير عليهم بشخص كان ببغداد يعرف بأحمد بن عبد العزيز الكزي، كان له لسن، ويشتغل بشئ يسير من كلام المعتزلة، ويتشيع، وعنده قحة، وقد شدا أطرافا من الأدب، وقد رأيت أنا هذا الشخص في آخر عمره، وهو يومئذ شيخ، والناس يختلفون إليه في تعبير الرؤيا.

فأحضروه وطلبوا إليه أن يعتمد ذلك، فأجابهم، وجلس ذلك الواعظ في يومه الذي جرت عادته بالجلوس فيه، واجتمع الناس عنده على طبقاتهم، حتى

____________

(1) بهج الصباغة: ج 5 / 88، وراجع الغدير: ج 9 / 195

الصفحة 401
امتلأت الدنيا بهم، وتكلم على عادته فأطال، فلما مر ذكر صفات الباري سبحانه في أثناء الوعظ، قام إليه الكزي، فسأله أسئلة عقلية، على منهاج المتكلمين من المعتزلة، فلم يكن للواعظ عنها جواب نظري، وإنما دفعه بالخطابة والجدل، وسجع الألفاظ، وتردد الكلام بينهما طويلا.

وقال الواعظ في آخر الكلام: أعين المعتزلة حول، وأصواتي في مسامعهم طبول، وكلامي في أفئدتهم نصول، يا من بالاعتزال يصول، ويحك كم تحوم وتجول حول من لا تدركه العقول! كم أقول كم أقول، خلو هذا الفضول!

فارتج المجلس، وصرخ الناس، وعلت الأصوات، وطاب الواعظ وطرب، وخرج من هذا الفصل إلى غيره فشطح شطح الصوفية، وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، وكررها.

فقام إليه الكزي، فقال: يا سيدي ما سمعنا أنه قال هذه الكلمة إلا علي ابن أبي طالب عليه السلام، وتمام الخبر معلوم. وأراد الكزي بتمام الخبر قوله عليه السلام: " لا يقولها بعدي إلا مدع ".

فقال الواعظ وهو في نشوة طربه، وأراد إظهار فضله ومعرفته برجال الحديث والرواة: من علي بن أبي طالب؟ أهو علي بن أبي طالب بن المبارك النيسابوري؟ أم علي بن أبي طالب بن إسحاق المروزي؟ أم علي بن أبي طالب بن عثمان القيرواني؟ أم علي بن أبي طالب بن سليمان الرازي؟

وعد سبعة أو ثمانية من أصحاب الحديث كلهم علي بن أبي طالب.

فقام الكزي، وقام من يمين المجلس آخر ومن يسار المجلس ثالث، انتدبوا له، وبذلوا أنفسهم للحمية ووطنوها على القتل.

فقال الكزي: أشا يا سيدي فلان الدين، أشا! صاحب هذا القول هو علي بن أبي طالب زوج فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام، وإن كنت ما عرفته بعد بعينه فهو الشخص الذي لما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين

الصفحة 402
الأتباع والأذناب آخى بينه وبين نفسه وأسجل على أنه نظيره ومماثله، فهل نقل في جهازكم أنتم من هذا شئ؟ أو نبت تحت خبكم من هذا شئ؟

فأراد الواعظ أن يكلمه، فصاح عليه القائم من الجانب الأيمن وقال: يا سيدي فلان الدين، محمد بن عبد الله كثير في الأسماء، ولكن ليس فيهم من قال له رب العزة: " ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " وكذلك علي بن أبي طالب كثير في الأسماء، ولكن ليس فيهم من قال له صاحب الشريعة: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".

وقد تلتقي الأسماء في الناس والكنى * كثيرا ولكن ميزوا في الخلائق

فالتفت إليه الواعظ ليكلمه، فصاح عليه القائم من الجانب الأيسر، وقال:

يا سيدي فلان الدين، حقك تجهله، أنت معذور في كونك لا تعرفه:

وإذا خفيت عل الغبي فعاذر * ألا تراني مقلة عمياء

فاضطرب المجلس وماج كما يموج البحر، وافتتن الناس، وتواثبت العامة بعضهم إلى بعض، وتكشفت الرؤوس، ومزقت الثياب، ونزل الواعظ، واحتمل حتى أدخل دارا أغلق عليه بابها، وحضر أعوان السلطان فسكنوا الفتنة، وصرفوا الناس إلى منازلهم وأشغالهم، وأنفذ الناصر لدين الله في آخر نهار ذلك اليوم فأخذ أحمد بن عبد العزيز الكزي والرجلين الذين قاما معه فحبسهم أياما لتطفأ نائرة الفتنة، ثم أطلقهم (1).

(590)
أبو العيناء وعلي بن الجهم

في الأغاني: سمع أبو العيناء علي بن الجهم يوما يطعن على أمير المؤمنين عليه

____________

(1) راجع بهج الصباغة: ج 5 / 109 ونقل في الغدير نظائر لمن قال: (سلوني) بعد أمير المؤمنين وافتضح راجع ج 6 / 195 - 198

الصفحة 403
السلام، فقال له: أنا أدري لم تطعن عليه. فقال له: أتعني قصة بيعة أهلي من مصقلة، قال: لا أنت أوضع من ذلك، ولكن لأنه قتل الفاعل فعل قوم لوط والمفعول به وأنت أسفلهما. وفيه يقول البحتري:

إذا ما حصلت عليا قريش * فلا في العير أنت ولا النفير
ولو أعطاك ربك ما تمنى * لزاد الخلق في عظم الايور
علام هجوت مجتهدا عليا * بما لفقت من كذب وزور
أما لك في استك الوجعاء شغل * يكفك عن آذى أهل القبور (1)

(591)
نعيم بن هبيرة ومصقلة

كتب نعيم بن هبيرة وهو شيعي إلى مصقلة في جواب كتابه:

لا ترمين هداك الله معترضا * بالظن منك فما بالي وحلوانا
ذاك الحريص على نال من طمع * وهو البعيد فلا يحزنك إذ خانا
ماذا أردت إلى إرساله سفها * ترجو سقاط امرئ لم يلق وسنانا
عرضته لعلي أنه أسد * يمشي العرنضى من آساد خفانا
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع * تحمي العراق وتدعى خير شيبانا
حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه * للراكبين له سرا وإعلانا
لو كنت أديت ما للقوم مصطبرا * للحق أحييت أحيانا وموتانا
لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا * فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا
فاليوم تقرع سن الغرم من ندم * ماذا تقول وقد كان الذي كانا
أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة * لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا (2)

____________

(1) بهج الصباغة: ج 5 ص 180 ومر ص 4.

(2) بهج الصباغة: ج 5 / 182 - 183

الصفحة 404

(592)
عمار وعمر

إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال عمر: لا تصل.

فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين، إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك.

فقال عمر: إتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به (1).

(593)
صورة أخرى

كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء؟ فقال عمر: أما أنا فلم أكن لأصلي حتى أجد الماء. فقال عمار:

يا أمير المؤمنين تذكر حيث كنا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل فتعلم أنا أجنبنا؟

قال: نعم قال: فإني تمرغت في التراب، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فحدثته فضحك، وقال: كان الطيب كافيك، وضرب بكفيه الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح، بهما وجهه وبعض ذراعه؟!

قال: إتق الله يا عمار! قال: يا أمير المؤمنين: إن شئت لم أذكره ما عشت أو ما حييت؟ قال: كلا والله، ولكن نوليك من ذلك ما توليت (2).

(594)
ابن عباس وعمر

أخرج ابن عساكر بإسناده من طريق الحافظ عبد الرزاق عن ابن عباس

____________

(1) الغدير: ج 6 / 83 عن سنن أبي داود وسنن ابن ماجة ومسند أحمد وسنن النسائي وسنن البيهقي.

(2) الغدير: ج 6 / 83 عن صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي