(685)
عبد الله بن عباس وعمر

عكرمة عن ابن عباس قال: قال: بينما أنا أمشي مع عمر بن الخطاب في خلافته وهو عامد لحاجة له وفي يده الدرة، فأنا أمشي خلفه وهو يحدث نفسه، ويضرب وحشي قدميه بدرته، إذ التفت إلي، فقال: يا ابن عباس أتدري ما حملني على مقالتي التي قلت يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: لا قال: الذي حملني على ذلك أني كنت أقرأ هذه الاية: (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فو الله، إني كنت لاظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله. سيبقى في امته حتى يشهد علينا بأخف أعمالنا، فهو الذي دعاني إلى ما قلت (1).

(686)
ابن عباس وعمر

قال عبد الله بن عباس: ما شيت عمر بن الخطاب يوما فقال لي: يا ابن عباس، ما يمنع قومكم منكم، وأنتم أهل البيت خاصة؟ قلت: لا أدري: قال:

____________

(1) العقد الفريد: ج 4 / 270 - 271.

الصفحة 4
لكني أدري إنكم فضلتموهم بالنبوة، فقالوا: إن فضلوا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا، وإن أفضل النصيبين بأيديكم، بل ما أخالها إلا مجتمعة لكم، وإن نزلت على رغم أنف قريش (1).

(687)
الاحنف وطلحة والزبير وعائشة

عن الاحنف بن قيس قال: قدمنا المدينة ونحن نريد الحج، فانطلقت فأتيت طلحة والزبير فقلت: إني لا أرى هذا إلا مقتولا، فمن تأمراني به كما ترضيانه لي؟ قالا: نأمرك بعلي. قلت: فتأمراني به وترضيانه لي؟ قالا: نعم.

قال: ثم انطلقت حتى أتيت مكة، فبينما نحن بها إذ أتانا قتل عثمان وبها عائشة ام المؤمنين، فانطلقت إليها فقلت: من تأمريني أن ابايع؟ قالت: علي بن أبي طالب، قلت: أتأمريني به وترضينه لي؟ قالت: نعم. قال: فمررت على علي بالمدينة فبايعته، ثم رجعت إلى البصرة وأنا أرى أن الامر قد استقام، فما راعنا إلا قدوم عائشة ام المؤمنين وطلحة والزبير قد نزلوا جناب الخريبة.

قال: فقلت: ما جاء بهم؟ قالوا: قد أرسلوا إليك يستنصرونك على دم عثمان، انه قتل مظلوما. قال: فأتاني أفظع أمر لم يأتني قط. قلت: إن خذلان هؤلاء ومعهم ام المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله لشديد، وإن قتال ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن أمروني ببيعته لشديد، قال:

فلما أتيتهم قالوا: جئناك نستصرخك على دم عثمان قتل مظلوما، قال: قلت:

يا ام المؤمنين أنشدك الله أقلت لك: من تأمريني به وترضينه لي، فقلت:

علي؟ قالت: بلى، ولكنه بدل. قلت: يا زبير، يا حواري رسول الله صلى الله عليه وآله ويا طلحة، نشدتكما بالله قلت لكما: من تأمراني به وترضيانه لي

____________

(1) العقد الفريد: ج 4 / 280.

الصفحة 5
فقلتما: علي؟ قالا: بلى، ولكنه بدل.

قال: والله لا اقاتلكم ومعكم ام المؤمنين، ولا اقاتل عليا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن اختاروا مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تفتحوا لي باب الجسر فألحق بأرض الاعاجم حتى يقضي الله من أمره ما يقضي، وإما أن ألحق بمكة فأكون بها، أو اتحول فأكون قريبا؟ قالوا: نأتمر ثم نرسل إليك، قال: فأتمروا وقالوا: نفتح له باب الجسر فيلحق به المفارق والخاذل، أو يلحق بمكة فيفحشكم في قريش ويخبرهم بأخباركم، اجعلوه هاهنا قريبا حيث تنظرون إليه، فاعتزل بالجلجاء من البصرة على فرسخين واعتزل معه زهاء ستة آلاف من بني تميم (1).

(688)
عبد الله بن بديل وعائشة

عن ابن أبزى قال: انتهى عبد الله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج فقال: يا ام المؤمنين، انشدك بالله، أتعلمين أني أتيتك يوم قتل عثمان فقلت لك: إن عثمان قد قتل فما تأمرينني [ به ] فقلت لي: ألزم عليا فوالله ما غير ولا بدل؟ فسكتت ثم أعاد عليها، فسكتت ثلاث مرات فقال: اعقروا الجمل فعقروه... (2)

(689)
أبو الاسود ومعاوية

أبو الحسن: قال: لما قدم أبو الاسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة قال له معاوية: بلغني يا أبا الاسود، أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد

____________

(1) العقد الفريد: ج 4 / 319 - 320.

(2) العقد الفريد: ج 4 / 328.

الصفحة 6
الحكمين فما كنت تحكم به؟ قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين وابناء المهاجرين وألفا من الانصار وأبناء الانصار، ثم ناشدتهم الله: المهاجرون وأبناء المهاجرين أولى بهذا الامر أم الطلقاء؟ قال له معاوية: لله أبوك أي حكم كنت تكون لو حكمت (1).

(690)
ابن عباس ومعاوية

قدم معاوية مكة أو المدينة فأتى المسجد، فقعد في حلقة فيها ابن عمرو ابن عباس وعبد الرحمان بن أبي بكر، فأقبلوا عليه، وأعرض عنه ابن عباس، فقال:

وأنا أحق بهذا الامر من هذا المعرض وابن عمه، فقال ابن عباس: ولم؟ التقدم في الاسلام، أم سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، أو قرابة منه؟ قال:

لا، ولكني ابن عم المقتول. قال: فهذا أحق به، يريد ابن أبي بكر. قال: إن أباه مات موتا. قال: فهذا أحق به، يريد ابن عمر. قال: إن أباه قتله كافر قال: فذلك أدحض لحجتك إن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك فقتلوه (2).

(691)
رافضية مع عالم سني

كان بعض علماء العامة في البصرة وبلغ في الزهد وعلو الدرجة، حتى كتب سلاطينهم اسمه على الاعلام التي تنشر في الحروب (لا إله إلا الله. محمد رسول الله. شيخ الاسلام... ولي الله) قد صعد المنبر ذات يوم، فقال: من أراد أن يشتري مكانا في الجنة فليقم، وأقبلت إليه البهائم، فباع مواضع في الجنة ومساكنها كل على قدر حاله، حتى أخذ منهم أموالا كثيرة، فلما فرغ من بيعها

____________

(1) العقد الفريد: 4 / 349.

(2) تاريخ الخلفاء: / 201.

الصفحة 7
أقبل إليه رجل لم يكن حاضرا البلد فقال له: يا شيخ، اريد أن أشتري مكانا في الجنة وعندي أموال جزيلة أبذلها كلها على مكان فيها، فأجابه الشيخ بأنه لم يبق من الجنة إلا مكاني ومكان دابتي، فقال: بعني مكانك واكتف بمكان دابتك، فباعه مكانه وبقي لامكان له في الجنة.

وقد كان هذا الشيخ يصلي ذات يوم في المسجد فقال في أثناء الصلاة:

كخ كخ، فلما فرغ سأله أصحابه عن ذلك القول في الصلاة، فقال: إني رأيت وأنا في الصلاة كلبا قد دخل المسجد الحرام وانتهى إلى باب الكعبة، فزبرته حتى خرج، فتعجب الحاضرون من هذا الكشف العظيم حين رأى وهو في البصرة كلبا في الكعبة.

فأتى رجل من الحاضرين إلى زوجته وكانت شيعية وكان الرجل سنيا، وحكى لها كرامة الشيخ وحثها على متابعة دينه، فقالت له: إن كنت تريد أن تحولني إلى دينك فاطلب هذا الشيخ إلى الضيافة يوما حتى أتحول إلى مذهبك في حضوره.

ففرح الرجل فوعد الشيخ يوما، فقال للمرأة: اصنعي هذا اليوم طعاما للشيخ وأصحابه، فصنعت، فلما جلسوا وضعت الصحون بين أيديهم وعلى رأس كل صحن دجاجة، ودجاجة صحن الشيخ وضعتها تحت الطعام، فلما نظر الشيخ إلى صحنه غضب غضبا شديدا وامتنع عن الاكل، وقال: كيف ما وضعتم لي دجاجة؟ وكانت المرأة واقفة تنظر إلى ما يصنع الشيخ، فلما رأت حالة الغضب، أتت إلى صحنه وأخرجت الدجاجة من تحت الطعام، ثم قالت: يا فكيف لا ترى الدجاجة التي أمامك وما بينك وبينها حائل سوى لقمة من الطعام؟!

فقال الشيخ: هذه رافضية خبيثة، فقام وخرج، ورجع زوج المرأة إلى دين

الصفحة 8
زوجته (1).

(692)
مؤمن الطاق مع ناصبي

قال بعض النواصب لصاحب الطاق: كان علي يسلم على الشيخين بإمرأة المؤمنين أفصدق أم كذب؟

قال: أخبرني عن الملكين الذين دخلا على داود فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة كذب أم صدق؟ فانقطع الناصبي (2).

(693)
هشام وأبو عبيدة

قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم: الدليل على صحة معتقدنا وبطلان معتقدكم كثرتنا وقلتكم، مع كثرة أولاد علي وادعائهم.

فقال هشام: لست إيانا أردت بهذا القول، إنما أردت الطعن على نوح حيث لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلا ونهارا (وما آمن معه إلا قليل) (3).

(694)
هشام والمتكلمون

سأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلمين فقال: أخبروني حين بعث الله محمدا بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة؟ قالوا: بنعمة تامة.

قال: فايما أتم أن يكون في أهل بيت واحد نبوة وخلافة أو يكون نبوة

____________

(1) روضة المؤمنين ص 11 - 13 عن جليس الحاضر وأنيس المسافر.

(2) روضة المؤمنين: ص 52 عن مناقب آل أبي طالب.

(3) روضة المؤمنين: ص 53 عن مناقب آل أبي طالب.

الصفحة 9
بلا خلافة؟ قالوا: بل يكون نبوة وخلافة.

قال: فلماذا جعلتموها في غيرها، وإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف؟ فافحموا (1).

(695)
حمران ويحيى

سأل حمران بن أعين - رحمه الله - يحيى بن أكثم عن قول النبي صلى الله عليه وآله حيث أخذ بيد علي عليه السلام وأقامه للناس، فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) أبأمر من الله تعالى ذلك، أم برأيه؟

فسكت عنه حتى انصرف، فقيل له في ذلك، فقال: إن قلت: برأيه نصبه للناس خالفت قول الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى)، وإن قلت: بأمر الله ثبتت إقامته، قال: فلم خالفوه واتخذوا وليا غيره؟ قال العوني:

فما ترك النبي الناس شورى * بلاهاد ولا علم مقيم
ولكن سول الشيطان أمرا * فأودى بالسوام وبالمسيم (2)

(696)
المفيد - رحمه الله - وعباسي

سأل الشيخ المفيد - رحمه الله - عباسي بمحضر أجلتهم: من كان الامام بعد النبي صلى الله عليه وآله؟

قال: من دعاه العباس أن يمد يده لبيعته على حرب من حارب وسلم من سالم.

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 53 عن مناقب آل أبي طالب.

(2) روضة المؤمنين: ص عن مناقب آل أبي طالب.

الصفحة 10
قال: ومن هذا؟

قال: علي بن أبي طالب، حيث قال له العباس في اليوم الذي قبض فيه النبي بما اتفق عليه النقل: ابسط يدك يا ابن أخي ابايعك، فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان.

قال: فما كان الجواب من علي؟ قال: كان الجواب: أن النبي صلى الله عليه وآله عهد إلي أن لا أدعو أحدا حتى يأتوني، ولا اجرد سيفا حتى يبايعوني، فإنما أنا كالكعبة اقصد ولا اقصد، ومع هذا فلي برسول الله شغل.

فقال العباسي: كان العباس إذا على خطأ في دعائه إلى البيعة. قال: لم يخطئ العباس فيما قصد، لانه عمل على الظاهر، وكان عمل أمير المؤمنين على الباطن، وكلاهما أصابا الحق.

قال: فإن كان علي هو الامام بعد النبي فقد أخطأ الشيخان ومن تبعهما.

قال: فإن استعظمت تخطئة من ذكرت فلابد لك من تخطئة علي والعباس مع قبول أنهما تأخرا عن بيعة أبي بكر ولم يرضيا بتقدمه عليهما، ولا رآهما أبو بكر ولا عمر أهلا أن يشاركاهما في شئ من امورهما، وخاصة ما صنعه عمر يوم الشورى لما ذكر عليا عابه ووصفه بالدعابة تارة وبالحرص على الدنيا اخرى، وأمر بقتله إن خالف عبد الرحمان، وجعل الحق في حيز عبد الرحمان دونه، وفضله عليه، وذكر من يصلح للامامة في الشورى، ومن يصلح للاختيار، فلم يذكر العباس في إحدى الطائفتين، وقد أخذ من علي والعباس وجميع بني هاشم الخمس، وجعله في السلاح والكراع، فإن كنت أيها الشريف تنشط للطعن على علي والعباس بخلافهما للشيخين، وتأخرهما عن بيعتهما وترى من العقد ما سنه الشيخان في التأخير لهما عن شريف المنازل والحط من أقدارهما فصر إلى ذلك فإنه الضلال.

قال أبو طالب المحسن الحسيني النصبي:


الصفحة 11

وقد كان في الشورى من القوم ستة * ولم يك للعباس ثم دخول
نفاه أبو حفص ولم يرضه لها * أصاب أم أخطا أي ذاك نقول (1)

(697)
ابن بابويه وركن الدولة

وصف للملك ركن الدولة ابن بويه الديلمي الشيخ الاجل محمد بن بابويه ومجالسه وأحاديثه، فأرسل إليه على وجه الكرامة، فلما حضر قال له:

أيها الشيخ قد اختلف الحاضرون في القوم الذين يطعن عليهم الشيعة، فقال بعضهم: يجب الطعن، وقال بعضهم: لا يجوز، فما عندك في هذا؟

فقال الشيخ: أيها الملك، إن الله لم يقبل من عباده الاقرار بتوحيده حتى ينفوا كل إله وكل صنم عبد من دونه، ألا ترى أنه أمرهم أن يقولوا: لا إله إلا الله ف (لا إله) غيره وهو نفي كل إله عبد دون الله، و (إلا الله) إثبات الله عزوجل، وهكذا لم يقبل الاقرار من عباده بنبوة محمد صلى الله عليه وآله حتى نفوا كل من كان مثل مسيلمة وسجاج والاسود العبسي وأشباههم.

وهكذا ألا يقبل القول بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلا بعد نفي كل ضد انتصب للامة دونه.

فقال الملك: هذا هو الحق، ثم سأله الملك في الامامة سؤالات كثيرة أجابه عنها (إلى أن قال:) وكان رجل قائما على رأس الملك يقال له: أبو القاسم، فاستأذن في الكلام فأذن له، فقال: أيها الشيخ، كيف يجوز أن تجتمع هذه الامة على ضلالة مع قول النبي صلى الله عليه وآله: (امتي لا تجتمع على ضلالة)؟

قال الشيخ: إن صح هذا الحديث يجب أن يعرف فيه ما معنى الامة، لان الامة في اللغة هي الجماعة، وقال قوم: أقل الجماعة ثلاثة، وقال قوم: بل أقل

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 87 - 88 عن مناقب آل أبي طالب.

الصفحة 12
الجماعة رجل وامرأة، وقال: الله تعالى: (إن ابراهيم كان امة) فسمى واحدا امة، فما ينكر أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قال هذا الحديث وقصد به عليا عليه السلام ومن تبعه.

فقال: بل عنى سواه من هو أكثر عددا.

فقال الشيخ: وجدنا الكثير مذموما في كتاب الله، والقلة محمودة وهو قوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم) ثم ساق الايات.

فقال الملك: لا يجوز الارتداد على العدد الكثير مع قرب العهد بموت صاحب الشريعة.

فقال الشيخ: وكيف لا يجوز الارتداد عليهم مع قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) وليس ارتدادهم في ذلك بأعجب من ارتداد بني إسرائيل حين أراد موسى عليه السلام أن يذهب إلى ميقات ربه، فاستخلف أخاه هارون، ووعد قومه بأن يعود بعد ثلاثين ليلة فأتمها الله بعشر فلم يصبر قومه إلى أن خرج فيهم السامري وصنع لهم عجلا، وقال: (هذا إلهكم وإله موسى) واستضعفوا هارون خليفته وأطاعوا السامري في عبادة العجل، فرجع موسى إليهم وقال: (بئسما خلفتموني). وإذا جاز علي بني إسرائيل وهم امة نبي من اولي العزم أن يرتدوا بغيبة موسى عليه السلام بزيادة أيام حتى خالفوا وصيه، وفعل سامري هذه الامة مما هو دون عبادة العجل، وكيف لا يكون علي معذورا في تركه قتال سامري هذه الامة؟ وإنما علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعده، فاستحسن الملك كلامه.

فقال الشيخ: أيها الملك زعم القائلون بإمامة سامري هذه الامة: أن النبي صلى الله عليه وآله لا يستخلف، واستخلفوا رجلا وأقاموه، فإن كان ما فعله

الصفحة 13
النبي صلى الله عليه وآله على زعمهم من ترك الاستخلاف حقا، فالذي أتته الامة من الاستخلاف باطل، وإن كان الذي أتته الامة صوابا، فالذي فعله النبي صلى الله عليه وآله خطأ بمن يلصق الخطأ بهم أم به؟

فقال الملك: بل بهم [ فقال الرجل ظ ] وكيف يجوز أن يخرج النبي صلى الله عليه وآله من الدنيا ولا يوصى بأمر الامة؟ ونحن لا نرضى من أكار في قرية إذا مات وخلف مسحاة وفأسا لا يوصي بها إلى من بعده؟ فاستحسنه الملك.

فقال الشيخ: وهنا كلمة اخرى: زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف فخالفوه باستخلافهم، لان الاول استخلف الثاني، ثم لم يقتد الثاني به ولا بالنبي صلى الله عليه وآله حتى جعل الامر شورى في قوم معدودين، وأي بيان أوضح من هذا؟... (1)

(698)
العلامة الحلي والموصلي

خطب العلامة الحلي - رحمه الله - بمحضر من بعض علماء العامة، وكان قدس سره قد أفحمهم بالمناظرة، وقد اشتملت خطبته على حمد الله والصلاة على رسوله والائمة عليهم السلام، فلما سمع السيد الموصلي - أحد المسكوتين بالمناظرة - قال:

ما الدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الانبياء؟

فقرأ العلامة في جوابه بلا انقطاع الكلام: (الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة).

فقال الموصلي على طريق المكابرة: ما المصيبة التي أصابتهم حتى أنهم يستوجبون بها الصلاة؟

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 88 - 92 عن زهر البيع.

الصفحة 14
فقال العلامة رحمه الله: من أشنع المصائب وأشدها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي يرجح المنافقين الجهال المستوجبين اللعنة والنكال على آل رسول الملك المتعال.

فاستضحك الحاضرون، وتعجبوا من بداهة آية الله في العالمين، وقد أنشد بعض الشعراء:

إذا العلوي تابع ناصبيا * بمذهبه فما هو من أبيه
وكان الكلب خيرا منه حقا * لان الكلب طبع أبيه فيه (1)

(699)
العلامة وعلماء العامة

حدث جماعة من الاصحاب: أن السلطان محمد شاه خدا بنده الجايتوخان المغولي غضب يوما على امرأته، فقال لها: أنت طالق ثلاثا ثم ندم، وجمع العلماء فقالوا: لابد من المحلل. فقال: عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة أو ليس لكم هنا اختلاف؟ فقالوا: لا، فقال أحد وزرائه: إن عالما بالحلة، وهو يقول ببطلان هذا الطلاق، فبعث كتابه إلى العلامة وأحضره، فلما بعث إليه قال علماء العامة: أن مذهبا باطلا، ولا عقل للروافض، ولا يليق بالملك أن يبعث إلى طلب رجل خفيف العقل.

قال الملك: حتى يحضر، فلما حضر العلامة بعث الملك إلى جميع علماء المذاهب الاربعة وجمعهم، فلما دخل العلامة أخذ نعليه بيده ودخل المجلس، وقال: السلام عليكم وجلس عند الملك.

فقالوا للملك: ألم نقل لك أنهم ضعفاء العقول؟ قال الملك: اسألوا منه في كل ما فعل.

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 106، عن لؤلؤة البحرين.

الصفحة 15
فقالوا له: لم ما سجدت للملك وتركت الاداب؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان ملكا وكان يسلم عليه، وقال الله: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة) ولا خلاف بيننا وبينكم أنه لا يجوز السجود لغير الله.

قالوا له: لم جلست عند الملك؟ قال: لم يكن مكان غيره. وكلما يقول العلامة بالعربي كان المترجم يترجم للملك.

قالوا له: لاي شئ أخذت نعلك معك، وهذا مما لا يليق بعاقل بل إنسان؟

قال: خفت أن يسرقه الحنفية كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله صلى الله عليه وآله.

فصاحت الحنفية: حاشا وكلا، متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله؟ بل كان تولده بعد المائة من وفاته صلى الله عليه وآله.

فقال: نيست فلعله كان السارق الشافعي.

فصاحت الشافعية كذلك، وقالوا: كان تولد الشافعي في يوم وفاة أبي حنفية وكان نشوؤه في المائتين من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: ولعله كان مالكا، فصاحت المالكية كالاولين.

قال: فلعله أحمد بن حنبل، ففعلت الحنبلية كذلك.

فأقبل العلامة إلى الملك وقال: أيها الملك علمت أن رؤساء المذاهب الاربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا الصحابة فهذا أحد بدعهم، أنهم اختاروا من مجتهديهم هذه الاربعة، ولو كان فيهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوزون أن يجتهد بخلاف ما أفتى واحد منهم.

فقال الملك: ما كان واحد منهم في زمان رسول الله والصحابة؟ فقال الجميع: لا.


الصفحة 16
فقال العلامة: ونحن معاشر الشيعة تابعون لامير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وأخيه وابن عمه ووصيه، وعلى أي حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل، لانه لم يتحقق شروطه ومنها العدلان، فهل قال الملك بمحضرهما؟ قال: لا.

ثم شرع في البحث مع العلماء حتى ألزمهم جميعا، فتشيع الملك وبعث إلى البلاد والاقاليم حتى يخطبوا بالائمة الاثني عشر، ويضربوا السكك على أسمائهم وينقشوها على أطراف المساجد والمشاهد منهم (1).

(700)
الشيخ البهائي مع أحد العلماء

جرت مباحثة بين الشيخ البهائي - رحمه الله - وبين عالم من علماء مصر، وهو أعلمهم وأفضلهم، وكان قدس سره يظهر لذلك العالم أنه على دينه فقال له: ما تقول الرافضة الذين كانوا قبلكم في الشيخين؟ فقال له البهائي - رحمه الله -: قد ذكروا لي حديثين عجزت عن جوابهم، فقال: ما يقولون؟ قلت: يقولون: إن مسلما روى في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى فقد كفر). وروى أيضا مسلم في صحيحه بعد هذا الحديث بخمسة أوراق: (أن فاطمة خرجت من الدنيا وهي غاضبة على أبي بكر وعمر) فما أدري ما التوفيق بين هذين الحديثين؟

فقال له العالم: دعني الليلة أنظر، فلما صار الصبح جاء ذلك العالم، وقال للبهائي - رحمه الله -: ألم أقل لك أن الرافضة تكذب في نقل الاحاديث، البارحة طالعت الكتاب فوجدت بين الخبرين أكثر من خمسة أوراق!

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 107 - 110 عن روضات الجنات.

الصفحة 17
هذا اعتذاره عن معارضة الحديثين (1).

(701)
الشيخ البهائي وبعض العلماء

باحث الشيخ البهائي بعض علماء المخالفين، فقال له: لم جوزتم أيها الشيعة، قتل عثمان مع أنه كان من أكابر الصحابة، وقال النبي صلى الله عليه وآله في أصحابه: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)؟

فقال البهائي - رحمه الله: جوزنا قتله بهذا الحديث الذي قلته، لان الذي قتله وسعى فيه هم الصحابة: محمد بن أبي بكر وأضرابه، وهؤلاء من الصحابة فلما ارتكبوا القتل ارتكبنا نحن التجويز (2).

(702)
ابن طاووس وبعض الحنابلة

قال السيد الاجل علي بن طاووس - قدس سره -: وقلت لبعض الحنابلة:

أيما أفضل آباؤك وسلفك الذين كانوا قبل أحمد بن حنبل إلى عهد النبي صلى الله عليه وآله، أو آباؤك وسلفك الذين كانوا بعد أحمد بن حنبل؟ فإنه لابد أن يقول: إن سلفه المتقدمين على أحمد بن حنبل أفضل، لاجل قربهم إلى الصدر الاول ومن عهد النبي صلى الله عليه وآله.

فقلت: إذا كان سلفك الذين كانوا قبل أحمد بن حنبل أفضل فلاي حال عدلت عن عقائدهم وعوائدهم إلى سلفك المتأخرين عن أحمد بن حنبل وما كان الاوائل حنابلة، لان أحمد بن حنبل ما كان قد ولد، ولا كان مذكورا عندهم؟ فلزمته الحجة، وانكشفت له المحجة (3).

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 113 عن الانوار النعمانية.

(2) روضة المؤمنين: ص 114.

(3) روضة المؤمنين: ص 119 عن كشف المحجة.

الصفحة 18

(703)
ابن طاووس وبعض أهل العلم

قال السيد الاجل علي بن طاووس قدسره: ولقد جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد، فقلت لهم: ما الذي تأخذون على الامامية؟ عرفوني به بغير تقية لاذكر ما عندي فيه، وغلقنا باب الموضع الذي كنا ساكنيه.

فقالوا: نأخذ عليهم تعرضهم بالصحابة، ونأخذ عليهم القول بالرجعة والقول بالمتعة، ونأخذ عليهم حديث المهدي، وأنه حي مع تطاول زمان غيبته.

فقلت لهم: أما ما ذكرتم من تعرض من أشرتم إليه بذم بعض الصحابة:

فأنتم تعلمون أن كثيرا من الصحابة استحل بعضهم دماء بعض في حرب طلحة والزبير وعائشة لمولانا علي عليه السلام، وفي حرب معاوية له عليه السلام أيضا، وأستباحوا أعراض بعضهم لبعض حتى لعن بعضهم بعضا على منابر الاسلام، فاولئك هم الذين طرقوا سبيل الناس للطعن عليهم، وبهم اقتدى من ذمهم ونسب القبيح إليهم، فإن كان لهم عذر في الذي عملوه من استحلال الدماء وإباحة الاعراض فالذين اقتدوا بهم أعذر وأبعد من أن تنسبوهم إلى سوء التعصب والاعراض، فوافقوا على ذلك.

وقلت لهم: وأما حديث ما أخذتم عليهم من القول بالرجعة، فأنتم تروون ان النبي صلى الله عليه وآله قال: انه يجري في امته ما جرى في الامم السابقة وهذا القرآن يتضمن (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) فشهد جل جلاله أنه قد أحيا الموتى في الدنيا وهي رجعة فينبغي أن يكون في هذه الامة مثل ذلك، فوافقوا على ذلك.

فقلت لهم: وأما أخذكم عليهم بالقول بالمتعة فأنتم أحرجتم الشيعة إلى صحة الحكم بها، لانكم رويتم في صحاحكم عن جابر بن عبد الله الانصاري وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وسلمة بن الاكوع وعمران بن الحصين

الصفحة 19
وأنس بن مالك، وهم من أعيان الصحابة: أن البني صلى الله عليه وآله مات ولم يحرمها، فلما رأت الشيعة أن رجالكم وصحاح كتبكم قد صدقت رجالهم ورواتهم، أخذوا بالمجموع عليه وتركوا ما انفردتم به، فوافقوا على ذلك.

وقلت لهم: وأما ما أخذتم عليهم من طول غيبة المهدي عليه السلام، فأنتم تعلمون أنه لو حضر رجل وقال: أنا أمشي على الماء ببغداد، فإنه يجتمع لمشاهدته لعل من يقدر على ذلك منهم، فإذا مشى على الماء وتجب الناس منه، فجاء آخر قبل أن يتفرقوا وقال أيضا أنا أمشي على الماء فان التعجب منه يكون أقل من ذلك، فمشى على الماء، فإن بعض الحاضرين ربما يتفرقون ويقل تعجبهم، فإذا جاء ثالث، وقال: أنا أيضا أمشي على الماء فربما لا يقف للنظر إليه إلا قليل، فإذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك، فإن جاء رابع وذكر أنه أيضا يمشي، فربما لا يبقى أحد ينظر إليه ولا يتعجب منه.

وهذه حالة المهدي عليه السلام، لانكم رويتم: ان ادريس حي موجود في السماء منذ زمانه إلى الان، ورويتم: أن الخضر حي موجود منذ زمان موسى عليه السلام أو قبله الى الان، ورويتم: أن عيسى حي موجود في السماء وأنه يرجع إلى الارض مع المهدي عليه السلام، فهؤلاء ثلاثة نفر من البشر، قد طالت اعمارهم، وسقط التعجب بهم من طول أعمارهم.

فهلا كان لمحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وآله اسوة بواحد منهم، أن يكون من عترته آية لله جل جلاله في امته بطول عمر أحد من ذريته، فقد ذكرتم ورويتم في صفته أنه يملا الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما.

ولو فكرتم لعرفتم أن تصديقكم وشهادتكم أنه يملا الارض بالعدل شرقا وغربا، وبعدا قربا، أعجب من طول بقائه، وأقرب إلى أن يكون ملحوظا بكرامات الهل جل جلاله لاوليائه، وقد شهدتم أيضا له أن عيسى بن مريم النبي

الصفحة 20
المعظم عليهما السلام يصلي خلفه مقتديا به في صلاته وتبعا له، ومنصورا به في حروبه وغزواته، وهذا أيضا أعظم مقاما مما استبعدتموه من طول حياته، فوافقوا على ذلك (1).

(704)
شيعي وبكري

ذكر ابن أبي الحديد (ج 1 ص 426 ط مصر عام 1329): أنت بكريا وشيعيا تجادلا واحتكما الى بعض أهل الذمة ضمن لاهوى له مع أحد الرجلين - يعني عليا وأبا بكر - في التفضيل فانشد هما:

كم بين من شك في عقيدته * وبين من قيل: انه الله (2)

(705)
شيعي وسني

وقع تنازع شيعي وسني في بغداد في أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله هل هو أبو بكر أو علي عليه السلام؟ فتشاجرا، فاجتمعا على أن الحق ما يحكم به أول من يرد علينا، فإذا ورد مجنون، فترافعا إليه، فقال المجنون: إذا طلعت الشمس من المشرق فتحا كما إليها وقولا لها: لمن رجعت بعد غروبك؟ فإن قالت: لعلي فهو الخليفة بلا فصل، وإن قالت: لابي بكر فهو الخليفة، فبهت الذي كفر (3).

(706)
شيعي وسني

استقرض رجل من السنة حنطة من رجل شيعي، فلما أراد أن يؤديها إليه،

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 120 - 125 عن الطرائف (2) روضة المؤمنين: ص 127.

(3) روضة المؤمنين: ص 128 عن الخزائن.

الصفحة 21
بعث إليه حنطة عتيقة رديئة عوضا عنها، فردها الشيعي إليه ولم يقبلها، فبعث إليه حنطة جديدة غير أنه خلطها بالتراب، فقبلها الشيعي وبعث إليه بهذين البيتين:

بعثت لنا بذاك البر برا * رجاء للجزيل من الثواب
رفضناه عتيقا وارتضينا * به إذ جاء وهو أبو تراب (2)

(707)
بهلول وجماعة

حكي: أنه مر بهلول على جماعة يتذاكرون الحديث، ويروون عن عائشة أنها قالت: لو أدركت ليلة القدر لما سألت ربي إلا العفو والعافية.

فقال بهلول: والظفر على علي بن أبي طالب. يعني أن الظفر على علي بن أبي طالب كان من أعظم مسؤولات عائشة، فكان ينبغي أن يضم هاهنا إلى العفو والعافية (2).

(708)
كوفية مع عائشة

في الاثر: أن امرأة أتت عائشة بعد وقعة الجمل فقالت: يا ام المؤمنين ما تقولين في ام قتلت ولدها؟ فقالت: إنها من أهل النار لقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها).

فقالت: وما تقولين في ام قتل بسببها عشرون ألفا من أولادها. ففهمت عائشة ما أرادت المرأة، فقالت: نحوها عني فإنها كوفية خبيثة (3).

____________

(1) روضة المؤمنين: ص 129.

(2) روضة المؤمنين: ص 136 عن زهر الربيع.

(3) روضة المؤمنين: ص 137 عن زهر الربيع، ومرج 2 ص 376 عن العقد بلفظ آخر.