الصفحة 98

قال العلوي: وإذا كان سب الصحابة حراما وكفرا فلماذا لا تكفرون معاوية بن أبي سفيان ولا تحكمون بفسقه وفجوره، لانه كان يسب الامام علي ابن أبي طالب عليه السلام إلى أربعين سنة، وقد امتد سب الامام إلى سبعين سنة؟!

قال الملك: اقطعوا هذا الكلام، وتكلموا حول موضوع آخر.

قال العباسي: من بدعكم أنتم الشيعة أنكم لا تعترفون بالقرآن.

قال العلوي: بل من بدعكم أنتم السنة أنكم لا تعترفون بالقرآن والدليل، على ذلك أنكم تقولون: إن القرآن جمعه عثمان، فهل كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان حيث إنه لم يجمع القرآن حتى جاء عثمان وجمعه، وثم: كيف أن القرآن لم يكن مجموعا في زمن النبي، وكان النبي يأمر قومه وأصحابه بختم القرآن فيقول من ختم القرآن كان له كذا من الاجر والثواب، هل يمكن أن يأمر بختم القرآن ما لم يكن مجموعا؟ وهل كان المسلمون في ضلال حتى أنقذهم عثمان؟

قال الملك (موجها كلامه إلى الوزير): وهل يصدق العلوي أن أهل السنة يقولون بأن القرآن من جمع عثمان؟

قال الوزير: هكذا يذكر المفسرون وأهل التواريخ.

قال العلوي: إعلم أيها الملك إن الشيعة يعتقدون أن القرآن جمع في زمن الرسول كما تراه الان، لم ينقص منه حرف ولم يزد فيه حرف، أما السنة فيقولون: إن القرآن زيد فيه ونقص منه، وأنه قدم واخر، وأن الرسول لم يجمعه وإنما جمعه عثمان لما تسلم الحكم وصار أميرا.

قال العباسي (وقد انتهز الفرصة): هل سمعت أيها الملك أن هذا الرجل لا يسمي عثمان خليفة، وانما يسميه أميرا؟!

قال العلوي: نعم، عثمان ليس خليفة.


الصفحة 99
قال الملك: ولماذا؟

قال العلوي: لان الشيعة يعتقدون بطلان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.

قال الملك (بتعجب واستفهام): ولماذا؟!

قال العلوي: لان عثمان جاء إلى الحكم بشورى ستة رجال عينهم عمر وكل أهل الشورى الستة لم ينتخبوا عثمان، وإنما انتخبه ثلاثة أو اثنين منهم، فشرعية خلافة عثمان مستندة إلى عمر، وعمر جاء إلى الحكم بوصية أبي بكر، فشرعية عمر مستندة إلى أبي بكر، وجاء أبو بكر إلى الحكم بانتخاب جماعة صغيرة تحت شراسة السيف والقوة، فشرعية خلافة أبي بكر مستندة الى السلاح والقوة، ولذا قال عمر في حقه: (كانت بيعة الناس لابي بكر فلتة من فلتات الجاهلية وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إليه فاقتلوه) (1) وأبو بكر نفسه كان يقول: (أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم) (2) ولذا فالشيعة يعتقدون بأن خلافة هؤلاء باطلة من أساسها.

قال الملك (موجها الكلام إلى الوزير): وهل صحيح ما يقوله العلوي من كلام أبي بكر وعمر؟

قال الوزير: نعم هكذا ذكره المؤرخون.

قال الملك: فلماذا نحن نحترم هؤلاء الثلاثة؟

قال الوزير: إتباعا للسلف الصالح.

قال العلوى للملك: أيها الملك قل للوزير: هل الحق أحق أن يتبع أم السلف؟ أليس تقليد السلف ضد الحق مشمولا لقوله تعالى: (قالوا إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون)؟

____________

(1) انظر المحرقة لابن حجر: ص 8، والملل والنحل للشهرستاني، وغيره.

(2) ذكر الحديث القوشجي في كتابه شرح التجريد.

الصفحة 100
قال الملك موجها الخطاب إلى العلوي: إذا لم يكن هؤلاء الثلاثة خلفاء لرسول الله فمن هو خليفة رسول الله؟

قال العلوي: خليفة رسول الله هو الامام علي بن أبي طالب.

قال الملك: ولماذا هو خليفة؟

قال العلوي: لان الرسول عينه خليفة من بعده (1) حيث إنه صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى خلافته في مواطن كثيرة جدا، ومن جملتها: لما جمع الناس في منطقة بين مكة والمدينة يقال لها: غدير خم، ورفع يد علي وقال للمسلمين:

(من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) ثم نزل عن المنبر وقال للمسلمين - وعددهم يزيد على مائة وعشرين ألف إنسان -: (سلموا على علي بامرة المؤمنين) فجاء المسلمون واحد بعد واحد، وهم يقولون لعلي: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فجاء أبو بكر وعمر وسلما على علي بإمرة المؤمنين، وقال عمر: السلام عليك يا أمير المؤمنين بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (2).

فإذن الخليفة الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي طالب.

____________

(1) المصادر التي تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله عين الامام علي بن أبي طالب خليفة له كثيرة جدا جدا، وفيها تاريخ ابن جرير وكنز العمال وصحيح الترمذي وابن ماجه ومسند احمد ومستدرك الحاكم وتفسير الرازي والصواعق وغيرها من مئات الكتب المعتبرة.

أقول لقد أتعب أعلام الشيعة أنفسهم الشريفة في جمع المصادر وتحقيقها، فراجع عبقات الانوار والغدير والمراجعات والبحار ونحوها.

(2) ذكره جمع كثير من المؤرخين منهم أحمد في المسند: ج 4 / 281 والرازي في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك) وتأريخ بغداد للخطيب: ج 8 / 290 والصواعق: ص 107.

الصفحة 101
قال الملك - موجها الكلام إلى الوزير -: هل صحيح ما يذكره العلوي؟

قال الوزير: نعم هكذا ذكر المؤرخون والمفسرون.

قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلموا حول موضوع آخر.

قال العباسي: إن الشيعة يقولون بتحريف القرآن.

قال العلوي: بل المشهور عندكم - أيها السنة - أنكم تقولون بتحريف القرآن.

قال العباسي: هذا كذب صريح.

قال العلوي: ألم ترووا في كتبكم أنه نزلت على رسول الله آيات حول - الغرانيق - ثم نسخت تلك الايات وحذفت من القرآن؟

قال الملك للوزير: وهل صحيح ما يدعيه العلوي؟

قال الوزير: نعم هكذا ذكره المفسرون قال الملك: فكيف يعتمد على قرآن محرف؟

قال العلوي: اعلم أيها الملك إنا لانقول بهذا الشئ، وإنما هذه مقالة أهل السنة، وعلى هذا فالقرآن عندنا معتمد عليه، لكن القرآن عند السنة لا يمكن الاعتماد عليه.

قال العباسي: وقد وردت بعض الاحاديث في كتبكم وعن علمائكم.

قال العلوي: تلك الاحاديث: أولا: قليلة. وثانيا: هي موضوعه ومزورة وضعها أعداء الشيعة لتشويه سمعة الشيعة. وثالثا: رواتها وأسنادها غير صحيحة، وما نقل عن بعض العلماء لا يعتمد على كلامهم، وإنما علماؤنا العظام الذين نعتمد عليهم لا يقولون بالتحريف، ولا يذكرون كما تذكرون أنتم حيث تقولون: إن الله أنزل آيات في مدح الاصنام فقال - وحاشاه ذلك -: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى.

قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلموا بغيره.


الصفحة 102
قال العلوي: والسنة ينسبون إلى الله تعالى مالا يليق بجلال شأنه.

قال العباسي: مثل ماذا؟

قال العوي: مثل أنهم يقولون: إن الله جسم وأنه مثل الانسان يضحك ويبكي، وله يد ورجل وعين وعورة، ويدخل رجله في النار يوم القيامة، وأنه ينزل من السماوات إلى سماء الدنيا على حمار له.

قال العباسي: وما المانع من ذلك والقرآن يصرح به (وجاء ربك) ويقول: (ويوم يكشف عن ساق) ويقول: (يد الله فوق أيديهم) والسنة وردت بأن الله يدخل رجله في النار؟

قال العلوي: أما ما ورد في السنة والحديث فهو باطل عندنا وكذب وافتراء، لان أبا هريرة وأمثاله كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث وزجره.

قال الملك - موجها الخطاب إلى الوزير -: هل صحيح أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث؟

قال الوزير: نعم منعه كما في التواريخ.

قال الملك: فكيف نعتمد على أحاديث أبي هريرة؟

قال الوزير: لان العلماء اعتمدوا على أحاديثه.

قال الملك: إذن يجب أن يكون العلماء أعلم من عمر، لان عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول الله، ولكن العلماء يأخذون بأحاديثه الكاذبة!

قال العباسي: هب - أيها العلوي - أن الاحاديث الواردة في السنة حول الله غير صحيحة، ولكن ماذا تصنع بالايات القرآنية؟

قال العلوي: القرآن فيه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات، وفيه ظاهر وباطن، فالمحكم الظاهر يعمل بظاهره، وأما المتشابه فاللازم أن

الصفحة 103
تنزله على مقتضى البلاغة من إرادة المجاز والكناية والتقدير وإلا لا يصح المعنى لا عقلا ولا شرعا، فمثلا: إذا حملت قوله تعالى: (وجاء ربك) على ظاهره فقد عارضت العقل والشرع، لان العقل والشرع يحكمان بوجود الله في كل مكان، وأنه لا يخلو منه مكان أبدا، فظاهر الاية تقول بجسمية الله والجسم له حيز ومكان، ومعنى هذا أن الله لو كان في السماء خلت منه الارض، ولو كان في الارض خلا منه السماء، وهذا غير صحيح لا عقلا ولا شرعا.

ارتبك العباسي أمام هذا المنطق الصائب وتحير في الجواب، ثم قال: إني لا أقبل هذا الكلام وعلينا أن نأخذ بظواهر آيات القرآن.

قال العلوي: فما تصنع بالايات المتشابهات؟ ثم إنك لا يمكنك أن تأخذ بظاهر كل القرآن وإلا لزم ان يكون صديقك الجالس إلى جنبك الشيخ أحمد عثمان (وهو من علماء السنة وكان أعمى البصر) من أهل النار.

قال العباسي: ولماذا؟

قال العلوي: لان الله تعالى يقول: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا) فحيث أن الشيخ أحمد أعمى الان في الدنيا فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا، فهل ترضى بهذا يا شيخ أحمد؟

قال الشيخ: كلا كلا، فإن المراد بالاعمى في الاية المنحرف عن طريق الحق.

قال العلوي: إذن ثبت أنه لا يتمكن الانسان أن يعمل بكل ظواهر القرآن.

وهنا اشتد الجدال حول ظواهر القرآن هذا والعلوي يفحم العباسي بالادلة والبراهين حتى:

قال الملك: دعوا هذا الكلام وانتقلوا إلى غيره.

قال العلوي: ومن انحرافاتكم وأباطيلكم - أنتم السنة - حول الله سبحانه أنكم تقولون: إن الله يجبر العباد على المعاصي والمحرمات ثم يعاقبهم عليها.


الصفحة 104
قال العباسي: هذا صحيح، لان الله يقول: ومن (يضلل الله) ويقول:

(طبع الله على قلوبهم).

قال العلوي: أما كلامك أنه في القرآن فجوابه: إن القرآن فيه مجازات وكنايات يجب المصير إليها فالمراد بالضلال: إن الله يترك الانسان الشقي ويهمله حتى يضل، وذلك مثل قولنا: الحكومة أفسدت الناس، فالمعنى أنها تركتهم لشأنهم ولم تهتم بهم هذا أولا، وثانيا: ألم تسمع قول الله تعالى: (إن الله لا يأمر بالفحشاء) وقوله سبحانه: (إن هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (إنا هديناه النجدين)، وثالثا: لا يجوز عقلا أن يأمر بالمعصية ثم يعاقب عليها، إن هذا بعيد من عوام الناس فكيف من الله العادل المتعال سبحانه وتعالى عما يقول المشركون والظالمون علوا كبيرا.

قال الملك: لا لا، لا يمكن أن يجبر الله الانسان على المعصية ثم يعاقبه، إن هذا هو الظلم بعينه والله منزه عن الظلم والفساد، وأن الله ليس بظلام للعبيد، ولكن لا أظن أن أهل السنة يلتزمون بمقالة العباسي.

ثم وجه خطابه إلى الوزير وقال: هل أهل السنة يلتزمون بذلك؟

قال الوزير: نعم المشهور بين أهل السنة ذلك.

قال الملك: كيف يقولون بما يخالف العقل؟

قال الوزير: لهم في ذلك تأويلات واستدلالات.

قال الملك: ومهما يكن من تأويل واستدلال فلن يعقل، ولا أرى إلا رأي السيد العلوي بأن الله لا يجبر أحدا على الكفر والعصيان ثم يعاقبه على ذلك.

قال العلوي: ثم إن السنة يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان شاكا في نبوته.

قال العباسي: هذا كذب صريح.

قال العلوي: ألستم تروون في كتبكم أن رسول الله قال: (ما أبطأ علي

الصفحة 105
جبرئيل مرة إلا وظننت أنه نزل على ابن الخطاب) مع العلم أن هناك آيات كثيرة تدل على أن الله أخذ الميثاق من النبي محمد صلى الله عليه وآله على نبوته.

قال الملك - موجها الخطاب إلى الوزير -: هل صحيح ما يقوله العلوي من أن هذا الحديث موجود في كتب السنة؟

قال الوزير: نعم يوجد في بعض الكتب (1) قال الملك: هو الكفر بعينه.

قال العلوي: ثم إن السنة ينقلون في كتبهم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمل عائشة على كتفيه لتتفرج على المطبلين والمزمرين، فهل هذا يليق بمقام رسول الله ومكانته؟

قال العباسي: إنه لا يضر.

قال العلوي: وهل أنت تفعل هذا، وأنت رجل عادي، هل تحمل زوجتك على كتفك لتتفرج إلى الطبالين؟

قال الملك: إن من له أدنى حياء وغيرة لا يرضى بهذا، فكيف برسول الله وهو مثال الحياء والغيرة والايمان، فهل صحيح أن هذا موجود في كتب أهل السنة؟

قال الوزير: نعم موجود في بعض الكتب.

قال الملك: فكيف نؤمن بنبي يشك في نبوته؟

قال العباسي: لابد من تأويل هذه الرواية.

قال العلوي: وهل تصلح هذه الرواية للتأويل؟ أعرفت أيها الملك أن أهل السنة يعتقدون بهذه الخرافات والاباطيل والخزعبلات؟

____________

(1) ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج.

الصفحة 106
قال العباسي: وأي أباطيل وخرافات تقصد؟

قال العلوي: لقد بينت لك أنكم تقولون:

1 - إن الله كالانسان له يد ورجل وحركة وسكون.

2 - إن القران محرف فيه زيادة ونقصان.

3 - إن الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين من حمل عائشة على كتفه.

4 - إن الرسول كان يشك في نبوته.

5 - إن الذين جاؤوا إلى الحكم قبل علي بن أبي طالب استندوا إلى السيف والقوة في إثبات أنفسهم، ولا شرعية لهم.

6 - إن كتبهم تروي عن أبي هريرة وأمثاله من الوضاعين والدجاجين، وإلى غير ذلك من الاباطيل.

فقال الملك: دعوا هذا الموضوع وانتقلوا إلى موضوع آخر.

قال العلوي: ثم إن السنة ينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يجوز حتى على الانسان العادي.

قال العباسي: مثل ماذا؟

قال العلوي: مثل أنهم يقولون: إن سورة عبس وتولى نزلت في شأن الرسول.

قال العباسي: وما المانع من ذلك؟

قال العلوي: المانع قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) وقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهل يعقل أن الرسول الذي يصفه الله تعالى بالخلق العظيم ورحمة للعالمين أن يفعل بذلك الاعمى المؤمن هذه العمل اللا إنساني.

قال الملك: غير معقول أن يصدر هذا العمل من رسول الانسانية ونبي الرحمة، فإذن أيها العلوي، فيمن نزلت هذه السورة؟


الصفحة 107
قال العلوي: الاحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبي الذين نزل القرآن في بيوتهم تقول: إنها نزلت في عثمان بن عفان، وذلك لما دخل عليه ابن ام مكتوم فأعرض عنه عثمان وأدار ظهره إليه.

وهنا انبرى السيد جمال الدين (وهو من علماء الشيعة وكان حاضرا في المجلس) وقال: قد وقعت لي قصة مع هذه السورة وذلك: أن أحد علماء النصارى قال لي: إن نبينا عيسى أفضل من نبيكم محمد صلى الله عليه وآله، قلت: لماذا؟ قال: لان نبيكم كان سيئ الاخلاق، يعبس للعميان ويدير إليهم ظهره، بينما نبينا عيسى كان حسن الاخلاق يبرئ الاكمه والابرص، قلت:

أيها المسيحي، إعلم أننا نحن الشيعة نقول: إن السورة نزلت في عثمان بن عفان لا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان حسن الاخلاق جميل الصفات حميد الخصال، وقد قال فيه تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

قال المسيحي: لقد سمعت هذا الكلام الذي قلته لك من أحد خطباء المسجد في بغداد.

قال العلوي: المشهور عندنا أن بعض رواة السوة وبايعي الضمائر نسبوا هذه القصة إلى رسول الله ليبرئوا ساحة عثمان بن عفان، فإنهم نسبوا الكذب إلى الله والرسول حتى ينزهوا خلفاءهم وحكامهم!

قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلموا في غيره.

قال العباسي: إن الشيعة تنكر ايمان الخلفاء الثلاثة، وهذا غير صحيح إذ لو كانوا غير مؤمنين فلماذا صاهرهم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم؟

قال العلوي: الشيعة تعتقد أنهم (أي الثلاثة) كانوا غير مؤمنين قلبا وباطنا، وإن أظهروا الاسلام لسانا وظاهرا، والرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل إسلام كل من تشهد بالشهادتين ولو كان منافقا واقعا،

الصفحة 108
وكان يعاملهم معاملة المسلمين، فمصاهرة النبي لهم ومصاهرتهم للنبي من هذا الباب.

قال العباسي: وما هو الدليل على عدم إيمان أبي بكر؟

قال العلوي: الادلة القطعية على ذلك كثيرة جدا، ومن جملتها أنه خان الرسول في مواطن كثيرة: منها تخلفه عن جيش اسامة ومعصية أمر الرسول في ذلك، والقرآن الكريم نفى الايمان من كل من يخالف الرسول، يقول تعالى:

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فأبوبكر عصى أمر الرسول وخالفه فهو داخل في الاية التي تنفي إيمان مخالف الرسول. وأضف إلى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن المتخلف عن جيش اسامة، وقد ذكرنا سابقا أن أبا بكر تخلف عن جيش اسامة فهل يلعن رسول الله المؤمن طبعا لا.

قال الملك: إذن يصح كلام العلوي أنه لم يكن مؤمنا.

قال الوزير: لاهل السنة ففي تخلفه تأويلات.

قال الملك: وهل التأويل يدفع المحذور؟ ولو فتحنا هذا الباب لكان لكل مجرم أن يأتي لاجرامه بتأويلات؟ فالسارق يقول: سرقت لاني فقير، وشارب الخمر يقول: شربت لانني كثير الهموم، والزاني يقول كذا وهكذا... يختل النظام ويتجرأ الناس على العصيان، لا... لا... التأويلات لا تنفعنا.

فاحمر وجه العباسي وتحيرما ذا يقول، وأخيرا تلعثم وقال: وما هو الدليل على عدم إيمان عمر؟

قال العلوي: الادلة كثيرة جدا منها: أنه صرح بنفسه بعدم إيمانه.

قال العباسي: في أي موضع؟

قال العلوي: حيث قال: (ما شككت في نبوة محمد - صلى الله عليه وآله - مثل شكي يوم الحديبية) وكلامه هذا يدل على أنه كان شاكا دائما في نبوة

الصفحة 109
نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وكان شكه يوم الحديبية أكثر وأعمق وأعظم من تلك الشكوك، فهل أيها العباسي قل لي بربك -: الشاك في نبوة محمد صلى الله عليه وآله يعتبر مؤمنا؟

سكت العباسي وأطرق برأسه خجلا.

فقال الملك - موجها الخطاب إلى الوزير -: هل صحيح قول العلوي أن عمر قال هكذا؟

قال الوزير: هكذا ذكر الرواة.

قال الملك: عجيب عجيب جدا، إني كنت أعتبر عمر من السابقين إلى الاسلام، وأعتبر إيمانه إيمانا مثاليا، والان ظهر لي أن في أصل إيمانه شك وشبهة.

قال العباسي: مهلا أيها الملك، ابق على عقيدتك ولا يخدعك هذا العلوي الكذاب.

فأعرض الملك بوجهه عن العباسي وقال مغضبا: إن الوزير نظام الملك يقول: إن العلوي صادق في كلامه، وأن قول عمر وارد في الكتب، وهذا الابله - يعني العباسي - يقول: إنه كاذب، أليس هذا العناد بعينه؟

ساد المجلس سكون رهيب، فقد غضب الملك وانزعج من كلام العباسي... وأطرق العباسي وسائر علماء السنة.. وصمت الوزير... وبقي العلوي رافعا رأسه ينظر في وجه الملك ليرى النتيجة.

مرت لحظات صعبة على العباسي تمنى فيها أن تنشق الارض تحته فيغيب فيها أو يأتيه ملك الموت فيقبض روحه فورا من شدة الخجل وحرج الموقف، فلقد ظهر بطلان مذهبه، ولقد ظهرت خرافة عقيدته أمام الملك ووزيره وسائر العلماء والاركان... ولكن ماذا يصنع؟ لقد أحضره الملك للسؤال والجواب ولتمييز الحق من الباطلل، ولهذا استجمع قواه ورفع رأسه وقال:

وكيف تقول أيها العلوي: أن عثمان لم يكن مؤمنا في قلبه وقد زوجه

الصفحة 110
الرسول ببنتيه رقية وام كلثوم؟

قال العلوي: الادلة في عدم إيمانه كثيرة ويكفي في ذلك: أن المسلمين - وفيهم الصحابة - اجتمعوا عليه فقتلوه، وأنتم تروون أن النبي قال: لا تجتمع امتي على خطأ، فهل يجتمع المسلمون وفيهم الصحابة على قتل مؤمن؟ ولقد كانت عائشة تشبهه باليهود، وتأمر بقتله وتقول: اقتلوا نعثلا - اسم رجل يهودي - فقد كفر اقتلوا نعثلا قتله الله (1) بعدا لنعثل وسحقا، وقد ضرب عثمان عبد الله ابن مسعود الصحابي الجليل حتى اصيب بالفتق وصار طريح الفراش ومات.

وقد سفر أبا ذر ذلك الصحابي الجليل الذي قال فيه الرسول: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر) ونفاه وأبعده من المدينة المنورة إلى الشام مرة أو مرتين ثم إلى الربذة - وهي أرض جرداء بين مكة والمدينة - حتى مات أبو ذر في الربذة جوعا وعطشا، في الوقت الذي كان عثمان يتقلب في بيت مال المسلمين، ويوزع الاموال على أقاربه من الامويين والمروانيين.

قال الملك للوزير: وهل يصدق العلوي في كلامه هذا؟

قال الوزير: ذكر ذلك المؤرخون (2).

____________

(1) قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ج 2 / 77: كل من صنف في السير والاخبار ذكر أن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين عليها: هذا ثوب رسول الله لم يبل وعثمان قد أبلى ثوبه.

(2) ذكر المؤرخون أن عثمان أعطى عبد الله بن خالد بن اسيد أربعمائة ألف درهما، والحكم بن العاص طريد رسول الله مائة ألف درهم، وأعطى أرض فدك لمروان بن الحكم الوزغ ابن الوزغ، وقد كانت أرض فدك لفاطمة الزهراء فغصبها أبو بكر وعمر منها، ثم سلمها عثمان لمروان، وأعطى عبد الله بن ابي خمس أفريقيا بكامله في اليوم الذي أعطى لمروان مائة ألف درهم، كل ذلك من بيت مال المسلمين المساكين. راجع التفصيل في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 حتى تجد التفصيل.

الصفحة 111
قال الملك: فكيف اتخذه المسلمون خليفة؟

قال الوزير: بالشورى.

قال العلوي: مهلا أيها الوزير، لا تقل ما ليس بصحيح.

قال الملك: ماذا تقول أيها العلوي؟

قال العلوي: إن الوزير أخطأ في كلامه، إن عثمان لم يأت إلى الحكم إلا بوصية من عمر وانتخاب ثلاثة من المنافقين فقط وفقط، وهم طلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمان بن عوف فهل هؤلاء المنافقون الثلاثة يمثلون المسلمين جميعا؟ ثم إن التواريخ تذكر أن هؤلاء المنتخبين عدلوا عن عثمان عند ما رأوا طغيانه وهتكه لاصحاب رسول الله، ومشورته في امور المسلمين مع كعب الاحبار اليهودي، وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان.

قال الملك - موجها الخطاب إلى الوزير -: هل صحيح كلام العلوي؟

قال الوزير: نعم كذا يذكر المؤرخون.

قال الملك: فكيف قلت: إنه جاء إلى الخلافة بالشورى؟

قال الوزير: كنت أقصد شورى هؤلاء الثلاثة.

قال الملك: وهل اختيار ثلاثة أشخاص يصحح الشورى؟

قال الوزير: إن هؤلاء الثلاثة شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة.

قال العلوي: مهلا أيها الوزير، لا تقل ما ليس بصحيح، إن حديث العشرة المبشرة بالجنة كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال العباسي: وكيف تقولون: إنه كذب وقد رواه الرواة الموثقون؟

قال العلوي: هناك أدلة كثيرة على كذب هذا الحديث وبطلانه، أذكر لك منها ثلاثة:


الصفحة 112
الاول: كيف يشهد رسول الله بالجنة لمن آذاه وهو طلحة؟ فقد ذكر بعض المفسرين والمورخين أن طلحة قال: (لئن مات محمد لننكحن أزواجه من بعده أو لاتزوجن عائشة) فتأذى رسول الله من كلام طلحة وأنزل الله قوله: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما).

الثاني: أن طلحة والزبير قاتلا الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حق علي عليه السلام: (يا علي حربك حربي وسلمك سلمي) (1) وقال: (من أطاع عليا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني) (2) وقال: (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (3) وقال: (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق حيثما دار) (4) الثالث: أن طلحة والزبير سعيا في قتل عثمان، فهل من الممكن أن يكون عثمان وطلحة والزبير كلهم في الجنة وقد قاتل بعضهم بعضا، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث له: القاتل والمقتول كلاهما في النار؟

قال الملك متعجبا: هل كل ما يقوله العلوي صحيح؟!

هنا سكت الوزير ولم يقل شيئا.

وسكت العباسي وجماعته فلم ينطقوا شيئا.

ماذا يقولون؟ أيقولون الحق؟ وهل يسمح الشيطان بالاعتراف بالحق؟

____________

(1) ذكره الخطيب في المناقب: ص 76 وابن حسنويه القندوزي في الينابيع: ص 130 وغيرهم.

(2) كنز العمال: حديث 1213 وغيره.

(3) كنز العمال: حديث 1152، والصواعق: ص 75، ومستدرك الحاكم: ص 124.

(4) تاريخ بغداد: ج 14 / 321، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 7 / 236، وابن قتيبة في الامامة والسياسة: ج 1 / 68، ومستدرك الحاكم: ج 3 / 135، وجامع الترمذي: ج 2 / 213 وغيره.

الصفحة 113
وهل ترضى النفس الامارة بالسوء أن تخضع للحق والواقع؟ أتظن أن الاعتراف بالحق أمر سهل وبسيط؟ كلا... إنه صعب جدا، لانه يستدعي سحق العصبية الجاهلية ومخالفة الهوى، والناس أتباع الهوى والباطل إلا المؤمنين وقليل ماهم.

... مزق السيد العلوي ستار الصمت والسكوت، فقال: أيها الملك إن الوزير والعباسي وكل هؤلاء العلماء يعلمون صدق كلامي وصحة مقالتي وحقيقة حديثي، ولو أنكروا ذلك فإن في بغداد من العلماء من يشهد على صدق كلامي وصحته وحقيقته، وأن في خزانة هذه المدرسة كتب تشهد بصدق كلامي، ومصادر معتبرة تصرح بصحة مقالتي وحقيقتها... فإن اعترفوا بصدق كلامي فهو المطلوب، وإلا فأنا مستعد الان أن آتي إليك بالكتب والمصادر والشهود.

قال الملك - متوجها إلى الوزير -: هل كلام العلوي صحيح من أن الكتب والمصادر تصرح بصحة مقالته وصدق حديثه؟

قال الوزير: نعم.

قال الملك: فلماذا سكت في أول الامر؟

قال الوزير: إني أكره أن أطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال العلوي: عجيب أنت تكره ذلك والله ورسوله لم يكرها ذلك، حيث إنه تعالى عرف بعض الصحابة بالمنافقين، وأمر رسوله بجهادهم كما يجاهد الكفار، والرسول بنفسه لعن بعض أصحابه.

قال الوزير: ألم تسمع أيها العلوي قول العلماء: إن كل أصحاب الرسول عدول؟

قال العلوي: سمعت ذلك، ولكني أعرف أنه كذب وافتراء، إذ كيف

الصفحة 114
يمكن أن يكون كل أصحاب الرسول عدولا وقد لعن الله بعضهم، ولعن الرسول بعضهم، ولعن بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، وشتم بعضهم بعضا، وقتل بعضهم بعضا؟

وهنا وجد العباسي الباب مسدودا أمامه فجاء من باب آخر وقال: أيها الملك، قل لهذا العلوي: إذا لم يكن الخلفاء مؤمنين فكيف اتخذهم المسلمون خلفاء واقتدوا بهم؟

قال العلوي: أولا: لم يتخذهم كل المسلمين خلفاء وإنما أهل السنة فقط ثانيا: أن هؤلاء الذين يعتقدون بخلافتهم ينقسمون إلى قسمين: جاهل ومعاند، أما الجاهل فلا يعرف فضائحهم وحقائقهم، ووإنما يتصورهم اناسا طيبين مؤمنين، وأما المعاند فلا ينفعه الدليل والبرهان مادام قد أصر على العناد واللجاج، يقول تعالى: (ولو جئتهم بكل آية لا يؤمنون)، ويقول سبحانه: (سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)، ثالثا: أن هؤلاء الذين اتخذوهم خلفاء أخطأوا في الاختيار كما أخطأ المسيحيون حيث قالوا: (المسيح ابن الله) وكما أخطأ اليهود حيث قالوا: (عزير ابن الله) فالانسان يجب عليه أن يطيع الله والرسول، وأن يتبع الحق، لا أن يتبع الناس على الخطأ والباطل، يقول تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول).

قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلموا حول موضوع آخر.

قال العلوي: ومن اشتباهات أهل السنة وأخطائهم أنهم تركوا علي بن أبي طالب عليه السلام وتبعوا كلام الاولين.

قال العباسي: ولماذا؟

قال العلوي: لان علي بن أبي طالب عينه الرسول صلى الله عليه وآله واولئك الثلاثة لم يعينهم الرسول، ثم أردف قائلا: أيها الملك إنك لو عينت في مكانك ولخلافتك إنسانا، فهل يجب أن يتبعك الوزراء وأعضاء الحكومة، أم

الصفحة 115
يحق لهم أن يعزلوا خليفتك ويعينوا إنسانا آخر مكانك؟

قال الملك: بل الواجب أن يتبعوا خليفتي الذي عينته أنا وأن يقتدوا به ويطيعوا أمري فيه.

قال العلوي: وهكذا فعل الشيعة، فقد اتبعوا خليفة رسول الله الذي عينه صلى الله عليه وآله بأمر من الله تعالى وهو علي بن أبي طالب وتركوا غيره.

قال العباسي: لكن علي بن أبي طالب لم يكن أهلا للخلافة حيث إنه كان صغير العمر بينما كان أبو بكر كبير العمر، وكان علي بن أبي طالب قد قتل صناديد العرب وأبد شجعانهم فلم تكن العرب ترضى به، ولم يكن أبو بكر كذلك.

قال العلوي: أسمعت أيها الملك إن العباسي يقول: إن الناس أعلم من الله ورسوله في تعيين الاصلح، لانه لا يأخذ بكلام الله ورسوله في تعيين علي بن أبي طالب، ويأخذ بكلام بعض الناس في أصلحية أبي بكر! كأن الله العليم الحكيم لايعرف الاصلح والافضل حتى يأتي بعض الناس الجهال فيختاروا الاصلح؟ ألم يقل الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)؟ ألم يقل سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم)؟

قال العباسي: كلا، إني لم أقل: ان الناس أعلم من الله ورسوله.

قال العلوي: إذن لا معنى لكلامك، فإن كان الله والرسول قد عينا إنسانا واحدا للخلافة والامامة فاللازم أن تقتدي به، سواء رضى به الناس أم لا.

قال العباسي: لكن المؤهلات في حق علي بن أبي طالب كانت قليلة.

قال العلوي: أولا: معنى كلامك أن الله لم يكن يعرف علي بن أبي طالب حق المعرفة، فلم يكن يعلم أن مؤهلاته قليلة، ولهذا عينه خليفة، وهذا هو

الصفحة 116
الكفر الصريح، وثانيا: ان الواققع أن مؤهلات الخلافة والامامة كانت متوفرة كاملا في علي بن أبي طالب بينما لم تكن متوفرة في غيره.

قال العباسي: وما هي تلك المؤهلات مثلا؟

قال العلوي: إن مؤهلاته عليه السلام كثيرة جدا، فأول المؤهلات، تعيين الله ورسوله له عليه السلام. وثانيها: أنه كان أعلم الصحابة على الاطلاق فهذا رسول الله يقول: (أقضاكم علي) ويقول عمر بن الخطاب: (أقضانا علي) (1) ويقول رسول الله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة والحكمة فليأت الباب) (2) وقال هو عليه السلام: (علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب) (3) ومن الواضح أن العالم مقدم على الجاهل يقول تعالى: (هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

وثالثها: أنه عليه السلام كان مستغنيا عن غيره، وغيره كان محتاجا إليه، ألم يقل أبو بكر: (أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم) ألم يقل عمر في أكثر من سبعين موضع: (لولا علي لهلك عمر) (4) (ولا أبقاني الله لمعضلة لست فيها يا أبا الحسن) (5) و (لا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر). ورابعها: أن علي ابن أبي طالب عليه السلام لم يكن قد عصى الله ولم يكن قد عبد غير الله ولم يكن قد سجد للاصنام طيلة حياته أبدا، وهؤلاء الثلاثة كانوا قد عصوا الله

____________

(1) انظر: صحيح البخاري في تفسير قوله تعالى: (ما ننسخ من آية)، وطبقات ابن سعد: ج 6 / 102، والاستيعاب: ج 1 / 8 وج 2 / 461، وحلية الاولياء: ج 1 / 65، وغيره.

(2) مستدرك الحاكم: ج 3 / 126، وتاريخ بغداد: ج 4 / 348، واسد الغابة: ج 4 / 22، وكنز العمال:

ج 6 / 152، وتهذيب التهذيب لابن حجر: ج 6 / 320.

(3) نهج البلاغة.

(4) الحاكم في المستدرك كتاب الصلاة: ج 1 / 358، والاستيعاب: ج 3 / 39، ومناقب الخوارزمي:

ص 48، وتذكرة السبط: ص 82، وتفسير النيسابوري في سورة الاحقاف.

(5) تذكرة السبط: ص 87، ومناقب الخوارزمي: ص 60، وفيض القدير: ج 4 / 357.