الصفحة 174

(775)
عبد الله مع المأمون

كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو متوار عنه، يعطيه الامان ويضمن له أن يوليه العهد بعده كما فعل بعلي بن موسى، ويقول: ما ظننت أن أحدا من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا، وبعث الكتاب إليه.

فكتب إليه عبد الله بن موسى:

وصل كتابك، وفهمته تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، وتحتال علي حيلة المغتال القاصد لسفك دمي.

وعجبت من بذلك العهد وولايته لي بعدك، كأنك، تظن أنه لم يبغلني ما فعلته بالرضا، ففي أي شئ ظننت أني أرغب من ذلك؟

أفي الملك الذي قد غرتك نضرته وحلاوته؟ فوالله لئن أقذف وأنا حي في نار تپتأجج أحب إلي من أن ألي أمرا بين المسلمين، أو أشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل.

أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟

أم ظننت أن الاستتار قد أملني وضاق به صدري فوالله إني لذلك، ولقد مللت الحياة، وأبغضت الدنيا، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك حتى تبلغ من قبلي مرادك لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر على المخاطرة بدمي وليتك قدرت علي من غير أن أبذل نفسي لك فقتلتني، ولقيت الله عزوجل بدمي، ولقيته قتيلا مظلوما فاسترحت من هذه الدنيا.

واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضي الله عزوجل عني، وفي عمل أتقرب به إليه، فلم أجد رأيا يهدي إلى شئ من ذلك، فرجعت إلى القرآن الذي فيه الهدى والشفاء، فتصفحته سورة سورة وآية آية فلم

الصفحة 175
أجد شيئا أزلف للمرء عند ربه جل وعز من الشهادة في طلب مرضاته.

ثم تتبعته ثانية أتأمل الجهاد أيه أفضل، ولاي صنف، فوجدته جل وعلا يقول:: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) فطلبت أي الكفار أضر على الاسلام وأقرب من موضعي، فلم أجد أضر على الاسلام منك، لان الكفار أظهروا كفرهم فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم.

وأنت ختلت المسلمين بالاسلام وأسررت الكفر فقتلت بالظنة وعاقبت بالتهمة وأخذت المال من غير حله فأنفقته في غير حله، وشربت الخمر المحرمة صراحا، وأنفقت مال الله على الملهين، وأعطيته المغنيين، ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالاسلام، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند، فإن يسعدني الدهر، ويعني الله عليك بأنصار الحق أبذل نفسي في جهادك بذلا يرضيه مني، وإن يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك أو تخترصني الايام قبل ذلك فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عزوجل من نيتي، والسلام.

ولم يزل عبد الله متواريا إلى أن مات في أيام المتوكل (1).

(776)
عبد الله والمأمون

نقل أبو الفرج في نفس الكتاب كتابا لعبد الله إلى المأمون والظاهر التعدد، ويحتمل أن تكون رواية أخرى من الكتاب المتقدم لتقارب المعاني فيهما، ونحن نورده بألفاظه.

قال: وكان عبد الله توارى في أيام المأمون، فكتب إليه بعد وفاة الرضا يدعوه إلى الظهور ; ليجعله مكانه ويبايع له، واعتد عليه بعفوه عمن عفا من

____________

(1) مقاتل الطالبيين: ص 630 - 632، وحياة الامام الرضا عليه السلام: ص 461 - 463.

الصفحة 176
أهله، وما أشبه هذا من القول.

فأجابه عبد الله برسالة طويلة يقول فيها:

فبأي شئ تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن صلوات الله عليه بالعنب الذي أطعمته إياه فقتلته؟

والله ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت ولا كراهة له، ولكن لا أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي، ولولا ذلك لأتيتك حتى تريحني من هذه الدنيا الكدرة.

ويقول فيها:

هبني لا ثأر لي عندك وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم، وكنت الطف حيلة منهم بما استعملته من الرضى بنا والتستر لمحننا، تختل واحدا فواحدا منا، ولكني كنت امرئ حبب إلي الجهاد كما حبب إلى كل إمرئ بغيته، فشحذت سيفي وركبت سناني على رمحي، واستفرهت فرسي، لم أدر أي العدو أشد ضررا على الإسلام، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شئ، فقرأته فإذا فيه: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة).

فما أدري من يلينا منهم، فاعدت النظر فوجدته يقول: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أخوانهم أو عشيرتهم) فعلمت أن علي أن أبدأ ما قرب مني وتدبرت فإذا أنت أضر على الإسلام والمسلمين من كل عدو لهم ; لأن الكفار خرجوا منه وخالفوه فحذرهم الناس وقاتلوهم، وأنت دخلت فيه ظاهرا، فأمسك الناس وطفقت تنقض عراه عروة عروة، فأنت أشد أعداء الإسلام ضررا عليه (1).

____________

(1) مقاتل الطالبيين: ص 628 - 630، وحياة الامام الرضا عليه السلام: ص 463.

الصفحة 177

(777)
صعصعة وعثمان

علي بن مجاهد عن الجعد قال: قال صعصعة بن صوحان: ما أعياني جواب أحد ما أعياني جواب عثمان، دخلت عليه فقلت: اخرجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربنا الله، فقال: نحن الذين اخرجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربنا الله، فمنا من مات بأرض الحبشة، ومنا من مات بالمدينة (1).

(778)
أبو الأسود وعائشة

عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: بعثني وعمران بن حصين عثمان بن حنيف إلى عائشة:

فقال: يا ام المؤمنين اخبرينا عن مسيرك، أهذا عهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وآله أم رأي رأيتيه؟

قالت: بل رأي رأيته حين قتل عثمان، إنا نقمنا عليه ضربة السوط، وموقع السحابة المحماة، وإمرة سعيد والوليد، فعدوتم عليه، فاستحللتم منه الحرم الثلاث: حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام، بعد ان مصناه كإيماص الإناء، فاستنقى فركبتم هذه منه ظالمين، فغضبنا لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيفكم؟!

قلت: وما أنت وسيفنا وسوط عثمان، وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله، أمرك أن تقري في بيتك، فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض.

قالت: وهل أحد يقاتلني أو يقول غير هذا؟ قلنا: نعم.

قالت: ومن يفعل ذلك، أزنيم بني عامر؟ ثم قالت: هل أنت مبلغ عني يا

____________

(1) البيان التبيين: ج 1 / 393، والموفقيات: ص 155.

الصفحة 178
عمران؟ قال: لا، لست مبلغا عنك خيرا ولا شرا.

فقلت: لكني مبلغ عنك، فهاتي ما شئت.

فقالت: اللهم اقتل مذمما قصاصا بعثمان - تعني محمد بن أبي بكر - وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوى، وادرك عمار بخفرته في عثمان (1).

(779)
عدي ومعاوية

خالد بن يزيد الطائي قال: كتب معاوية إلى عدي بن حاتم: (حاجتيك ما لا ينسى) يعني قتل عثمان. فذهب عدي بالكتاب إلى علي، فقال: (إن المرأة لا تنسى قاتل بكرها ولا أباعذرها)، فكتب إليه عدي: (إن ذلك مني كليلة شيباء (2)).

(780)
شاب والربيع

حدثني إبراهيم بن السندي - يعنى حاجب المنصور - عن أبيه قال: دخل شاب من بني هاشم على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مرض أبي رضي الله عنه يوم كذا، وما رضي الله عنه يوم كذا، وترك رضي الله عنه من المال كذا ومن الولد كذا.

فانتهره الربيع، وقال: بين يدي أمير المؤمنين توالي بالدعاء لابيك؟

فقال الشاب: لا ألومك، لانك لا تعرف حلاوة الاباء.

قال: فما علمنا أن المنصور ضحك في مجلسه ضحكا قط فافتر عن نواجذه

____________

(1) البيان والتبيين: ج 2 / 296، وقد مر برواية اخرى في ج 2 ص 32.

(2) كانت العرب تقول للبكر إذا زفت إلى زوجها، فدخل بها ولم يفترعها ليلة زفافها: (باتت بليلة حرة) وإن افترعها تلك الليلة قالوا: باتت بليلة شيباء).

(3) البيان والتبيين: ج 2 / 311.

الصفحة 179
إلا يومئذ (1).

(781)
ابن عباس والزبير

عبد الله بن مصعب قال: أرسل علي بن أبي طالب - رحمه الله - عبد الله بن عباس لما قدم البصرة، فقال:

(ائت الزبير ولا تأت طلحة، فإن الزبير ألين، وأنك تجد طلحة عاقصا قرنه يركب الصعوبة ويقول هي أسهل، فاقرأه السلام، وقل له: (يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا لك)، (وفي نهج البلاغة: مما بدا بإسقاط لك).

قال: فأتيت الزبير فقال: مرحبا يا ابن لبابة، أزائرا جئت أم سفيرا؟ قلت:

كل ذلك، وأبلغته ما قال علي، فقال الزبير: أبلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة، ودم خليفة، واجتماع ثلاثة، وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشيرة ونشر المصاحف، فنحل ما أحلت ونحرم ما حرمت.

فلما كان من الغد حرش بين الناس غوغاؤهم، فقال الزبير: ما كنت أرى أن مثل ما جئنا له يكون فيه قتال (2).

(782)
عبد الله بن كثير وبنو امية

قال عبد الله بن كثير السهمي، وكان يتشيع لولادة كانت نالته وسمع عمال خالد بن عبد الله القسري يلعنون عليا والحسين على المنابر:

لعن الله من يسب عليا * وحسينا في سوقة وإمام

____________

(1) البيان والتبيين: ج 2 / 328.

(2) راجع البيان والتبيين: ج 3 / 222، ونهج البلاغة: الخطبة 31، وقد مر في ج 2 ص 229 عن ابن أبي الحديد: ج 2 / 169 في شرح الخطبة، وراجع أيضا وفيات الاعيان: ج 4 ص 100.

الصفحة 180

أيسب المطيبون جدودا * والكرام الاخوال والاعمام
يأمن الظبي والحمام ولايأ * من آل الرسول عند المقام
طبت بيتا وطاب أهلك أهلا * أهل بيت النبي والاسلام
رحمة الله والسلام عليهم * كلما قام قائم بسلام

وقال حين عابوه بذلك الرأي:

إن امرءا أمست معايبه * حب النبي لغير ذي ذنب
وبني أبي حسن ووالدهم * من طاب في الارحام والصلب
أيعد ذنبا أن احبهم * بل حبهم كفارة الذنب (1)

(783)
المأمون والمرتد

ولما دخل عليه (أي المأمون) المرتد الخراساني، وقد كان حمله معه من خراسان حتى وافى به العراق، قال له المأمون:

لان أستحييك بحق أحب إلي من أن أقتلك بحق، ولئن أقبلك بالبراءة أحب إلي من أن أدفعك بالتهمة، قد كنت مسلما بعد أن كنت نصرانيا وكنت فيها أتنخ وأيامك أطول، فاستوحشت مما كنت به آنسا، ثم لم ثلبث أن رجعت عنا نافرا، فخبرنا عن الشئ الذي أوحشك من الشئ الذي صار آنس لك من الفك القديم وانسك الاول، فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، والمريض من الاطباء يحتاج إلى المشاورة وإن أخطأك الشفاء، ونبا عن دائك الدواء، كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك بلائمة، فان قتلناك قتلناك بحكم الشريعة أو ترجع أنت في نفسك الى الاستبصار والثقة وتعلم

____________

(1) البيان والتبيين: ج 3 / 359، وفي الهامش عن معجم المرزباني: ص 348، أن الشعر لكثير بن كثير السهمي حين كتب هشام بن عبد الملك إلى عامله بالمدينة أن يأخذ الناس بسب علي.

الصفحة 181
أنك لم تقصر في إجتهاد ولم تفرط في الدخول في باب الحزم.

قال المرتد: أوحشني كثرة ما رأيت من الاختلاف فيكم.

قال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كالاختلاف في الاذان وتكبير الجنائز، والاختلاف في التشهد وصلاة الاعياد وتكبير التشريق ووجوه القراءات، واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك، وليس هذا باختلاف، إنما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من المحنة، فمن اذن مثنى وأقام مثنى لم يؤثم، ومن أذن مثنى وأقام فرادى لم يحوب (1)، لا يتعايرون ولا يتعايبون، أنت ترى ذلك عيانا، وتشهد عليه بتاتا.

والاختلاف الاخر كنحو اختلاف في تأويل الاية من كتابنا وتأويل الحديث عن نبينا، مع إجماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت من أجله هذا الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والانجيل متفقا على تأويله كما يكون متفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع النصارى واليهود اختلاف في شئ من التأويلات، وينبغي لك أن لا ترجع إلا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها.

ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو كان الامر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة، ولم يكن تفاضل وليس على هذا بنى الله الدنيا.

قال المرتد: أشهد أن الله واحد لا ندله ولا ولد، وأن المسيح عبده، وأن (محمدا) صادق، وأنك أمير المؤمنين حقا.

____________

(1) الحوبة: الخطيئة.

الصفحة 182
فأقبل المأمون على أصحابه فقال: فروا عليه عزه (1)، ولا تبروه في يومه ريثما يعتق إسلامه، كي لا يقول عدوه أنه أسلم رغبة، ولا تنسوا بعد نصيبكم من بره وتأنيسه ونصرته والعائدة عليه (2).

(784)
ابن عباس ومعاوية

ولما بلغ معاوية موت الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - دخل عليه ابن عباس، فقال له معاوية: آجرك الله أبا العباس في أبي محمد الحسن بن علي ولم يظهر حزنا فقال ابن عباس:

إنا لله وانا إليه راجعون، وغلبه البكاء فرده، ثم قال: لا يسد والله مكانه جفرتك، ولا يزيد موته في أجلك، والله لقد أصبنا بمن هو أعظم منه فقدا فما ضيعنا الله بعده.

فقال له معاوية: كم كانت سنه؟

قال: مولده أشهر من أن تتعرف سنه.

قال: أحسبه ترك أولادا صغارا؟

قال: كلنا كان صغيرا فكبر، ولئن اختار الله لابي محمد ما عنده وقبضه إلى رحمته لقد أبقى الله أبا عبد الله وفي مثله الخلف الصالح (3).

(785)
الصفواني مع القاضي

محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال مولى بني أسد، أبو عبد الله شيخ الطائفة، ثقة فقيه فاضل، وكانت له منزلة من السلطان

____________

(1) أي لا تشتموه.

(2) البيان والتبيين: ج 3 / 376، وقد مر في ج 2 ص 472 عن العقد، وأعدنا ذكره لما بين الروايتين من الخلاف.

(3) البيان للجاحظ: ج 4 / 71، وقد مر في ج 1 ص 83 وج 2 ص 61 وإنما أعدنا ذكره للخلاف بين الروايات.

الصفحة 183
كان أصله أنه ناظر قاضي الموصل في الامامة بين يدي ابن حمدان فانتهى القول بينهما أن قال للقاضي: تباهلني؟

فوعده - القاضي - الى غد، ثم حضروا فباهله وجعل كفه في كفه ثم قاما من المجلس، وكان القاضي يحضر دار الامير ابن حمدان في كل يوم فتأخر ذلك اليوم ومن غده، فقال الامير: اعرفوا خبر القاضي.

فعاد الرسول فقال: إنه منذ قام من موضع المباهلة حم وانتفخ الكف الذي مده للمباهلة وقد اسودت، ثم مات من الغد (1).

(786)
الربيع مع زياد

كتب زياد (ابن أبيه دعي أبي سفيان) إلى الربيع (بن زياد بن أنس الحارثي وله صحبة): أن أمير المؤمنين (يعني معاوية) كتب إلي أن آمرك أن تحرز البيضاء والصفراء وتقسم ما سوى ذلك.

فكتب إليه: إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين (معاوية) وبادر فقسم الغنائم بين أهلها وعزل الخمس، ثم دعا الله أن يميته، فما جمع حتى مات (2).

(787)
المأمون والنوشنجاني

ناظر المأمون محمد بن القاسم النوشجاني المتكلم، فجعل يصدقه ويطريه ويستحسن قوله.

____________

(1) رجال النجاشي: ص 279 - 280، وروضات الجنات: ج 6 / 122.

(2) الاصابة ج 1 / 504، وبهج الصباغة: ج 12 / 96، واسد الغابة: ج 2 / 164، وقاموس الرجال:

ج 4 / 113.

الصفحة 184
فقال المأمون: يا محمد، أراك تنقاد إلى ما تظن أنه يسرني قبل وجوب الحجة لي عليك، وتطريني بما لست احب أن اطرى به، وتستخذي لي في المقام الذي ينبغي أن تكون فيه مقاوما لي، ومحتجا علي، ولو شئت أن اقسر الامور بفضل بيان، وطول لسان، وأغتصب الحجة بقوة الخلافة، وابهة الرياسة لصدقت وإن كنت كاذبا، وعدلت وإن كنت جائرا وصوبت وإن كنت مخطئا، لكني لا أرضى إلا بغلبة الحجة، ودفع الشبهة، وإن انقص الملوك عقلا، وأسخفهم رأيا، من رضي بقولهم: صدق الامير (1).

(788)
الأحنف ومعاوية

وفي تذكرة سبط ابن الجوزي عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدموا ذلك اللون، فقدموا لونا ما أدري ما هو؟ فقال: مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر.

قال فبكيت. فقال: ما يبكيك؟

فقلت: لله در ابن أبي طالب، لقد جاء من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك. فقال: وكيف؟

قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره فقال لي: قم فتعشى مع الحسن والحسين. ثم قام إلى الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج منه شعيرا مطحونا ثم ختمه، فقلت، لم أعهدك بخيلا يا أمير المؤمنين، فقال: لم أختمه بخلا، ولكن خفت أن يبسه الحسن أو الحسين بسمن أو إهالة، فقلت:

أحرام هو؟ قال: لا ولكن على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في

____________

(1) بهج الصباغة: ج 12 / 159، عن ابن أبي الحديد: ج 17 / 114.

الصفحة 185
الاكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشئ، ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا (1).

(789)
هشام والديصاني

عن هشام بن الحكم قال: أبو شاكر الديصاني: إن في القرآن آية هي قوة لنا. قلت، وما هي؟ فقال: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله).

فلم أدر ما اجيبه، فحججت، فخبرت أبا عبد الله عليه السلام، فقال: هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه، فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فإنه يقول:

فلان، فقل: ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول، فلان، فقل: كذلك الله ربنا في السماء إله وفي الأرض إله وفي البحار إله وفي كل مكان إله.

قال: فقدمت، فأتيت أبا شاكر فأخبرته، فقال: هذه نقلت من الحجاز (2).

(790)
حاضر مع المهدي

كان أبو العتاهية ترك قول الشعر، فحكى قال: لما امتنعت من قوله (أي الشعر) أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فلما دخلته دهشت، ورأيت منظرا هالني، فطلبت موضعا آوي فيه، فإذا أنا بكهل، حسن البزة والوجه، عليه سيما الخير، فقصدته، وجلست إليه من غير سلام عليه، لما أنا فيه من الجزع والحيرة والفكر، فمكثت كذلك مليا، وإذا الرجل ينشد [ من الطويل ]:

تعودت مس الضر حتى ألفته * وأسلمني حسن العزاء الى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقا * بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

____________

(1) بهج الصباغة: ج 12 / 179.

(2) التوحيد لابن بابويه: ص 133.

الصفحة 186
قال: فاستحسنت البيتين، وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي، فقلت له:

تفضل - أعزك الله - علي بإعادتهما، فقال: يا أسماعيل، ويحك ما أسوأ أدبك، وأقل عقلك ومروءتك، دخلت فلم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم، حتى سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله تعالى فيك خيرا ولا أدبا ولا معاشا غيره، طفقت تستنشدني مبتدئا كأن بيننا انسا وسالف مودة توجب بسط القبض، ولم تذكر ما كان منك ولا اعتذرت عما بدا من إساءة أدبك.

فقلت: اعذرني متفضلا، فدون ما أنا فيه يدهش، قال: وفيم أنت؟ تركت الشعر الذي هو جاهك عندهم وسببك إليهم، ولابد أن تقوله فتطلق، وأنا يدعى الساعة بي، فاطلب بعيسى بن زيد ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن دللت عليه لقيت الله تعالى بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله خصمي فيه، وإلا قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك، وها أنت ترى صبري واحتسابي، فقلت: يكفيك الله عزوجل، وخجلت منه.

فقال: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين، ثم أعادهما علي مرارا حتى حفظتهما، ثم دعي به وبي. فقلت له: من أنت أعزك الله عزوجل؟ قال:

أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد، فادخلنا على المهدي، فلما وقفنا بين يديه قال للرجل: أين عيسى بن زيد؟ قال: وما يدريني أين عيسى بن زيد؟ تطلبته فهرب منك في البلاد وحبستني، فمن أين أقف على خبره؟ قال له: متى كان متواريا؟ وأين آخر عهدك به؟ وعند من لقيته؟ قال: ما لقيته منذ توارى، ولا عرفت له خبرا، قال: والله لتدلن عليه، أو لاضربن عنقك الساعة، فقال:

اصنع ما بدا لك فوالله ما أدلك على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وألقى الله تعالى ورسوله عليه السلام بدمه، ولو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت لك عنه، قال: اضربوا عنقه، فأمر به فضربت عنقه، ثم دعابي، فقال: أتقول الشعر

الصفحة 187
أو الحقك به؟ فقلت: بل أقول؟ قال: أطلقوه. فاطلقت (1).

(791)
دعبل وإبراهيم

لما استخفى إبراهيم (بن المهدي بن المنصور العباسي صاحب الغناء والملاهي) عمل فيه دعبل الخزاعي [ من الكامل ]:

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله * فهفا إليه كل أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها * فلتصلحن من بعده لمخارق
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل * ولتصلحن من بعده للمارق
أنى يكون وليس ذاك بكائن * يرث الخلافة فاسق عن فاسق

ودخل إبراهيم على المأمون، فشكا إليه حاله، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي، وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل، فانتقم لي منه، فقال المأمون: وما قال؟ لعل قوله: نعر ابن مشكلة بالعراق... وأنشد الابيات، فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا، فقال المأمون: لك اسوة بي فقد هجاني واحتملته وقال في [ من الكامل ]:

أيسومني المأمون خطة جاهل أو ما رأى بالامس رأس محمد إني من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك وشرفتك بمقعد

شادوا بذكرك بعد طول خموله * واستنقذوك من الخضيض الاوهد

* * *

____________

(1) وفيات الاعيان: ج 1 / 202 - 203، والكنى والالقاب: ج 1 / 120.

(2) وفيات الاعيان: ج 1 / 21 وج 2 / 35، والكنى والالقاب: ج 1 / 329.

الصفحة 188

(792)
الاعمش وهشام

قال أبو معاوية الضرير: بعث هشام بن عبد الملك إلى الأعمش: أن اكتب لي مناقب عثمان ومساوئ علي، فأخذ الاعمش القرطاس وأدخلها في فم شاة فلاكتها، وقال لرسوله: قل له: هذا جوابك، فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آته بجوابك، وتحمل عليه بإخوانه، فقالوا له: يا أبا محمد نجه من القتل، فلما ألحوا عليه، كتب له:

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا أمير المؤمنين، فلو كانت لعثمان - رضي الله عنه - مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي - رضي الله عنه - مساوئ أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك والسلام (1).

(793)
الكراجكي ورجل

قال: وقد سأل أهل العدل المجبرة عن مسألة ألزموهم بها ما لم يجدوا فيه حيلة، وذلك أنهم قالوا لهم:

أخبرونا عن رجل نكح احدى المحرمات عليه بإحدى المساجد المعظمة في نهار شهر رمضان، وهو عالم غير جاهل،، أتقولون: أن الله تعالى أراد منه هذا الفعل على هذه الصفة؟

قالت المجبرة: بلى الله أراده.

قال لهم أهل العدل: أخبرونا عن إبليس اللعين هل أراد ذلك أم كرهه؟

قالت المجبرة: بلى هذا إنما يريده ابليس ويؤثره.

قال لهم أهل العدل: فأخبرونا لو حضر النبي صلى الله عليه وآله وعلم

____________

(1) وفيات الاعيان: ج 2 / 137، وقد مرج 2 ص 105 عن حياة الحيوان.

الصفحة 189
بذلك، أكان يريده أم يكرهه؟

قالت المجبرة: بل يكرهه ولا يريده.

قال لهم أهل العدل: فقد لزمكم على هذا أن تثنوا على إبليس اللعين، وتقولوا: إنه محمود لموافقة إرادته لارادة الله عزوجل، وهذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم.

وقد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستطرفا له بها وعند جمع من الناس، فقال رجل ممن كان في المجلس يميل إلى الجبر: ان كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها فعليكم أنتم أيضا مسألة لهم اخرى لا خلاص لكم مما يلزمكم منها.

فقلت: وما هي؟ قال: يقال لكم: إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية وإبليس يشاءها، ثم وقعت معصية من المعاصي، فقد لزم من هذا أن تكون مشية إبليس غلبت مشية رب العالمين.

فقلت له: إنما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة، ولو كنا نقول: إن الله تعالى لا يقدر أن يجبر العبد على الطاعة ويضطره إليها، ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والالجاء إلى غيرها لزمنا ما ذكرت وإلا بخلاف ذلك، وعندنا:

أن الله تعالى يقدر أن يجبر عباده ويضطرهم، ويحيل بينهم وبين ما اختاروه، فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة وقد أبان الله تعالى ذلك فقال: (ولو شاء الله لجعل الناس امة واحدة) وقال: (ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها، وإنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف، وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم، فتأمل ما ذكرت تجده صحيحا، فلم يأت بحرف بعد هذا (1).

* * *

____________

(1) كنز الفوائد للكراجكي: ص 45.

الصفحة 190

(794)
الكراجكي والمعتزلي

قال: كنت سألت معتزليا حضرت معه مجلسا فيه قوم من أهل العلم، فقلت له: لم أنكرت القول بالبداء وزعمت أنه لا يجوز على الله تعالى؟

فقال: لانه يقتضي ظهور أمر الله سبحانه كان عنه مستورا، وفي هذا أنه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالما.

فقلت له: أبن لنا من أين علمت أنه يوجب ذلك ويقتضيه ليسع الكلام معك فيه؟

فقال: هذا هو معنى البداء، والتعارف يقضي بيننا، ولسنا نشك أن البداء هو الظهور، ولا يبدو للامر إلا لظهور شئ تجدد من علم أو ظن لم يكن معه من قبل، وبيان ذلك: أن طبيبا لو وصف لعليل أن يشرب في وقته شراب الورد حيت إذا أخذ العليل القدح بيده ليشرب ما أمره به، قال له الطبيب في الحال:

صبه، ولا تشربه وعليك بشرب النيلوفر بدله، فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الامر وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالما به من قبل، فغير عليه الامر لما تجدد له من العلم، ولولا ذلك لم يكن معنى لهذا الخلف.

فقلت له: هذا مما في الشاهد وهو من البداء فيجوز عندك، يكون في البداء قسم غير هذا.

فقال: لا أعلم في الشاهد غير هذا القسم، ولا أرى أنه يجوز في البداء قسم غيره ولا يعلم.

فقلت له: ما تقول في رجل له عبد أراد أن يختبر حاله وطاعته من معصيته ونشاطه من كسله، فقال له في يوم شاتئ شديد البرد: سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا لتقبض مالا لي بها، فأحسن العبد لسيده الطاعة، وقدم المبادرة، ولم يحتج بحجة، فلما رأى سيده مسارعته، وعرف شهامته ونهضته، شكره على ذلك

الصفحة 191
وقال له: أقم على حالك، فقد عرفت أنك موضع للصنيعة، وأهل للتعويل عليك في الامور العظيمة، أيجوز عندك هذا؟ وإن جاز فهل هو داخل في البداء أم لا؟

فقال: هذا مستعمل ورأينا مثله في الشاهد، وقد بدا للسيد، وليس هو قسما ثانيا، بل هو بعينه الاول، هو الذي لا يجوز على الله عزوجل.

فقلت له: لم زعمت أنه القسم الاول؟ فقال: لان في الاول قد استفاد الطبيب علما بحال المريض لم يكن بها عالما، كما أن في الثاني قد استفاد السيد علما بحال العبد لم يكن بها عالما، فهما عندي سواء.

فقلت له: لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما من حيث كان أحدهما مريد لاتمام الفعل قبل أن يبدو له فيه، فينتهي عنه وهو الطبيب، والاخر غير مريد لاتمامه على كل وجه، وهو سيد العبد، بل كيف لم تفرق بينهما من حيث أن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الامر إلا لتجدد علم له يكن، وسيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الامر من غير أن يتجدد له علم، ويكون عالما بنهضته في الحالين، ومسارعته إلى ما أحب، وإنما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حسن طاعته ومبادرته إلى ما أمره، وأنه ممن يجب اصطفاؤه والاحسان إليه والتعويل في الامور عليه.

قال: فإذا سلمت لك الفرق بينهما، فما تنكر أن يكون دالا على أن مثالك الذي أتيت به غير داخل في البداء.

قلت: أنكرت ذلك من قبل أن البداء هو عندنا جميعا: نهي الامر عما أمر به قبل وقوعه في وقته، وإذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا، وقد أجمع العقلاء أيضا على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده.

قال: فإذا دخل القسمان في البداء فما الذي تجيز على الله منهما؟

فقلت: أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام، وأشبههما لما أمر الله

الصفحة 192
تعالى في المنام بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، فلما سارع إلى المأمور راضيا بالمقدور، وأسلما جميعا صابرين وتله للجبين، نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الامر، وأحسن الثناء عليهما، وضاعف لها الاجر، وهذا نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده، وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله.

قال: فمن سلم لك أن إبراهيم عليه السلام مأمور بذلك من قبل الله سبحانه؟

قلت: سلمه لي من يقر بأن منامات الانبياء عليهم السلام صادقة ويعترف بأنها وحي في الحقيقة، وسلمه لي من يؤمن بالقرآن ويصدق ما فيه من الاخبار، وقد تضمن الخبر عن إسماعيل أنه قال لابيه عليهما السلام: (يا أبة افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) وقول الله تعالى لابراهيم:

(قد صدقت الرؤيا) وثناؤه عليه، حيث قال: (كذلك نجزي المحسنين)، وليس يحسن من امتثل غير أمر الله في ذبح ولده واضح لمن أنصف من نفسه.

قال: فإني لا اسمي هذا بداء.

فقلت له: ما المانع لك من ذلك، أتوجه الحجة عليك به أم مخالفته للمثال المتقدم ذكره؟

فقال: يمنعني من أن اسميه البداء: أن البداء لا يكشف إلا عن متجدد علم لمن بداله، وظهوره له بعد ستره، وليس في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه ولا يجوز ذلك عليه، فلهذا قلت:

إنه ليس ببداء.

فقلت له: هذا خلاف لما سلمته لنا من قبل، وأقررت به من أن سيدا لعبد يجوز أن يأمره بما ذكرناه، ثم يمنعه مما أمره به، وينهاه مع علمه بأنه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف أمره للحاضرين. ثم يقال لك: ما تنكر من إطلاق