لا تمهله وأنفذ إليه من ينكل به ويأتي به مكتوفا، وأحسن أدبه على خيانته وفسقه، فقال أبو بكر: من هذا الوالي؟ وفي أي بلد؟ وما اسم المرمية بهذا المنكر؟
فقال الرجل: نعوذ بالله من غضب الله، نعوذ بالله من مقت الله، وأي حاكم أجور وأظلم ممن ظلم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله؟! ثم خرج.
فقال أبو بكر لخدمه: ردوه فقالوا: ما خرج علينا أحد وإن الباب لمغلق، فقال عمر: لا يهولنك هذا، فربما يخيل إبليس علينا وعلى أمة محمد ليفتنهم، فقال أبو بكر لابن عباس: أعيذك بالله أن تسمع ما سمعت أحدا، فسمعنا هاتفا
(834)
خالد والابرش
قال الابرش الكلبي لخالد بن صفوان: هلم افاخرك، وهما عند هشام بن عبد الملك.
قال له خالد: قل. فقال لا الابرش: لنا ربع البيت - يريد الركن اليماني -
____________
(1) االصراط المستقيم: ج 2 / 289 و 290.
فقال خالد بن صفوان: منا النبي المرسل، وفينا الكتاب المنزل، ولنا الخليفة المؤمل.
قال الابرش لافاخرت مضريا بعدك (1).
(835)
أبو العتاهية وثمامة
دخل أبو العتاهية على المأمون حين قدم العراق، فأنشده شعرا يمدحه به، فأمر له بمال جزيل وأقبل عليه يحدثه، إذ ذكر أبو العتاهية القدرية فقال: يا أمير المؤمنين، ما في الارض فئة أجهل ولا أضعف حجة من هذه العصابة.
فقال المأمون: أنت رجل شاعر، وأنت بصناعتك أعلم فلا تتخطها إلى غيرها، فلست تعرف الكلام.
فقال: إن جمع أمير المؤمنين بيني وبين رجل منهم وقف على ما عندي من الكلام.
قال ثمامة: فوجه إلي رسولا، فلما دخلت قال: يا ثمامة، زعم هذا أنه لا حجة لك ولا لاصحابك، قلت: فليسأل عما بدا له فقال المأمون: سله يا إسماعيل.
قال: أقطعه يا أمير المؤمنين بحرف واحد. قال: شأنك، فأخرج أبو العتاهية يده من كمه وحركها وقال: يا ثمامة من حرك يدي هذه؟ قلت: حركها من امه زانية.
قال: فضحك المأمون حتى فحص برجله وتمرغ على فراشه وقال: زعمت أنك تقطعه بكلمة واحدة.
____________
(1) العقد الفريد: ج 3 / 330 وج 4 / 46.
قال: فعاد المأمون في الضحك حتى خفت عليه من ضحكة وشدة ما ذهب به.
ثم قلت: يا جاهل تحرك يدك وتقول: من حركها، فإن كنت أنت المحرك لها فهو قولي، وإن تكن الاخرى فما شتمتك.
فقال المأمون: يا إسماعيل عندك زيادة في الكلام، فإن الجواب قد مضى فيما سألت، فما نطق بحرف حتى انصرف (1).
(836)
مطير والمنصور
قيل: لما حمل رأس محمد بن عبد الله بن الحسن الى المنصور من مدينة الرسول عليه وعلى آله السلام قال لمطير بن عبد الله: أما تشهد أن محمدا بايعني؟
قال: أشهد بالله لقد أخبرتني أن محمدا خير بني هاشم، وأنك بايعت له.
قال: يا ابن الزانية أنا قلت؟ قال: الزانية ولدتك. قال: يا ابن الزانية الفاعلة أتدري ما تقول؟ قال: التي تعني خير من امك.
فأمر به فوتد في عينيه، فما نطق (2).
(837)
علي بن الحسين والهادي
عمر بن شبة النميري أبو زيد قال: كان علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم أجمعين - من آل الافطس وكان يلقب بالجزري، فتزوج رقية بنت عمرو العثمانية وكانت تحت المهدي، فبلغ ذلك
____________
(1) المحاسن والمساوئ للبيهقي: ص 462 - 463 وقد تقدم في ج 2 ص 358.
(2) المحاسن والمساوئ للبيهقي: ص 482.
فقال: ما حرم الله عزوجل على خلقه إلا نساء جدي صلى الله عليه وآله، فأما غيرهن فلا ولا كرامة. فشجه بمحضرة كانت في يده، وأمر بضربه خمسمائة سوط، وأراده على أن يطلقها فلم يفعل.
فحمل من بين يديه في نطع فالقي ناحية، وكان في يده خاتم سري، فرآه بعض الخدم وقد غشي عليه فأهوى الى الخاتم، فقبض على يد الخادم فدقها، فصاح: الموت دق يدي! فسمعه الهادي فدعاه فرأى ما به فاستشاط فقال:
تفعل هذا بخادمي مع استخفافك بي وقولك لي؟! قال: قل له وسله ومره أن يضع يده مرة على رأسك ليصدقن.
ففعل ذلك موسى فصدقه الخادم، فقال: أحسن والله، أنا أشهد أنه ابن عمي لو لم يفعل ذلك لانتفيت منه، وأمر باطلاقه ووصله بمائة ألف درهم (1).
(838)
جعفر الاحمري (2) والمهدي
قال: ولما خرج جعفر الاحمري من الحبس وادخل على المهدي في الحديد قال له: يا فاسق أزلك الشيطان وأغواك، وفي غمرة الجهل أرداك، وعن الهدى بعد البصيرة أعماك، حتى تركت الطريقة ودخلت فيما لا أصل له ولا
____________
(1) المحاسن والمساوئ للبيهقي: ص 483.
(2) لعله هو جعفر بن زياد الاحمر الشيعي الصدوق، ترجمه في قاموسي الرجال: ج 2، وميزان الاعتدال: ج 1 وذكره الفرج في مقاتل الطالبيين، اخذه أبو جعفر المنصور وسجنه في المطبق دهرا لما بلغه من قوله في الامامة ثم أخرجه. والظاهر من القصة انه بقي الى زمان المهدي إلا أن يقال: ان إخراجه كان في زمان أبي جعفر وولاية المهدي وعبر عنه في مقاتل الطالبيين ب (جعفر الاحمر) وعده من اعوان عيسى ابن زيد.
رماه المهدي بالزندقة ليقتله كما كان ذلك دأبهم في قتل الشيعة.
قال: جعفر: لا والذي لم يزل بعباده خبيرا، وبعث محمدا - عليه وعلى آله السلام - بالحق بشيرا، طهر أهله من دنس لريب تطهيرا، ووقفني بين يديك أسيرا، وجعلك علينا سلطانا أميرا، ما خنت الاسلام نقيرا، ولا أضللت الهدى منذ كنت بصيرا، فلا تقدم علي بالشبهة تقديرا، بسعي ساع سوف يجزى بسعيه سعيرا.
فقال المهدي: ما يغني عنك وسواسك، فما تهذي من ام رأسك، قد تناهت إلي أخبارك، وأداها من كان يقفو آثارك ويعرف أسرارك ومن بايعك من أعوانك الذين وازروك على ضلالك، فأقلل، لا ام لك تشجعك، فقد حل قضاؤك، وحان حصادك.
فقال جعفر: إن تقتلني تقتل مني علما فلا تجعل لي على ظهرك وزرا فأصير لك يوم القيامة خصما، وأنت تعلم أنك لا تجئ بقتلي عدلا ولا تنال به فضلا، فاتق الذي خلقك وأمر عباده ملكك وبالعدل فيهم أمرك، ولا تحكم علي بحكم عن الهدى مائل، فإنك للدنيا مفارق وعنها راحل، وكل ما أنت فيه فمضمحل زائل.
قال له المهدي: تطالبني وأنت المطلوب، وبباطلك تغلب حقي وأنت المغلوب، الان ظهر فسادك، وبلغ غرسك ودبت عقاربك، اللهم إلا أن تقر بذنبك وتعترف بجرمك وتتوب إلى ربك وتحقن بالانابة دمك، فإن فعلت ذلك أمهلنا أمرك وأطلنا حبسك وإلا فاحتسب نفسك ولا تلم إلا جهلك.
قال جعفر: مالي ذنب فأستغفر ولا جرم فأعترف ولا لي بك قوة فأنتصر، وأنت على ظلمي مقتدر، فإن كنت تعلم أن ما بعد الموت مصدر ولا للعباد بعد
قال المهدي: لا والذي بمكة بيته الحرام، وحوله الشعث العاكفون قيام، ما أخشى في إقامة الاحكام عليك وعلى أشباهك إثما ولا وزرا، فاستسلم للقتل ودع الكلام، فإنه إذا عقر الاساس تداعى النظام، وإذا انكسرت القوس تعطلت السهام، وأنت فطال ما أعنت على إطفاء النور بريح الظلام.
قال جعفر: اعف فإنك كريم جواد سامح، ولا تقبل في قول العدو الكاشح، فإني من الاسلام على الطريق الواضح، رفيق على أهله ولهم ناصح، أبر العالمين بفهم راجح، فلا تقدم علي بقول كلب نابح، فقتلك إياي عمل غير صالح.
قال المهدي: مذهبك واعتقادك تزعم أن الاخرة بعد فراق الساهرة، وأن الناس كانوا أعلاما زاهرة، وأشجارا ناضرة، وزروعا غاضرة، تلبث يسيرا ثم تعود هشيما، وإن من مات لا يعود كما أن ضوء المصباح إذا طفئ لا يرجع.
قال جعفر: لا والذي يخلق ويبيد، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، ما قلت ذلك وهو له شهيد، واني اخلص له التوحيد والتفريد والمشية والتحديد، وأشهد أنه الغفور الودود، يعلم منقلب العبيد.
قال المهدي: إن كنت تحب خلاص نفسك ورقبتك فأحضرني كتاب زندقتك الذي بالجهل ألفته وبالباطل زينته وبالضلال زخرفته، سميته اس الحكمة وبستان الفلسفة، زعمته مستخرجا من ديوان الالهام منظما بحسن الكلام، عنفت فيه الاسلام وأضللت فيه الانام.
فقال جعفر: لا والذي خلق الظلمات والنور، ودبر الامور وهو قادر على أن يبعث من في القبور، ما هذا إلا إفك مجترح وزور، وإن ديني لظاهر منير تقديمي ذرية من هو مع الله جل وعز في كل فرض لازم أمام النبيين في البيت المعمور، فاتق الذي خلقك وأمر عبادك قلدك يعلم خفيات الامور.
(أما بعد اعلمكم أن الله جل وعز عدل لا يوالي الظالمين ولا يرضى فعال الجاهلين، وأنه ليس لله بولي من رضي بأحكام الجائرين، فسيحوا في الارض حيث لا تنال لكم أيدي المعتدين، فإن بني العباس طغاة كفرة، أولياؤهم فسقة وأعوانهم ظلمة، دولتهم شر الدول، عجل الله بوارهم، وهدم منارهم، والعاقبة للمتقين).
قال جعفر: هذا والله بهتان عظيم جدا، قذفني به قاذف عمدا، وأنت تعلم أني ما خالفت لكم أمرا ولا غبت منكم أحدا، فاقبل المعذرة وأقل العثرة وتغمد الهفوة واغتفر الزلة فإنك راع مسؤول.
قال المهدي: أولم ابلغ أنك في الغوغاء تحثهم على شق العصا ومخالفة الامر وتحيدهم عن طاعة الخلفاء، فأي داهية أدهى منك.
قال جعفر: ما بلغت حقا، ولقد طوى النصيحة من أودع قلبك بهتانا وإفكا، فلا تقبل في قول من ظلم واعتدى وبفسادى إليك سعى، فإن الله جل وعز سائله يوم يود الظالم ياليته لم يكن أميرا، ولا كان المضل له وزيرا.
قال المهدي: إنك لجاهل أن تقيم اعوجاجك بكثرة احتجاجك، هيهات لا يكدر صفوتي مزاجك، وقد قيل: من ظفر بحية لا يأمن لسعها ثم لم يشدخ رأسها كانت سبب حتفه، ولعمري إن من يكون له عدو مثلك يرقب غرته وينتظر فورته ولا يطلق يده بقلته لعاجز.
قال جعفر: وما بلغ لله بقدر النملة ونكاية النحلة وإنما يكتفي مثلي من مثلك بلحظة، فالكرماء رحماء بررة، والقسوة في اللئام الشررة.
قال المهدي: من تنته أيامه لاحت في الظلام أعلامه، وأسرع به أن يذوق حمامه، يا غلام سيفا قاطعا وضاربا حاذقا.
قال: فسكت المهدي طويلا ثم التفت إلى أصحابه به فقال: كيف أقدم على قتل رجل لا يخاف مكيدتي، ولا يرعبه سلطاني، ولا يتقي سطوتي وأعواني، يناصبني كلامي ويفسخ احتجاجي، كيف ولو كنا بين يدي من لا يخاف جوره ولا يتقى ميله وحيفه كان لسانه أمضى وقلبه أجرى وخصمه أذل، خلوا سبيله، فمضى (1).
(839)
شيخ ومعاوية
عوانة قال: بلغنا أن شيخا من أصحاب معاوية كان يكاتب علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - وقد كان طعن في السن، فبلغ معاوية خبره، فدعاه فقال:
أيها الشيخ، إنك لتكاتب عليا - رضي الله عنه - ولولا سنك لقتلتك فلا تفعل ولا تعد. فوقع كتاب له بعد ذلك إلى علي - رحمه الله - في يدي معاوية، فدعاه وقال: أتعرف هذا الكتاب؟
قال: نعم كتب فأجبته.
فأمر معاوية بقتله. فانتهى الخبر الى ابنة له صغيرة، فجاءت حتى قامت بين يدي معاوية وأنشأت تقول:
____________
(1) المحاسن والمساوئ للبيهقي: ص 521 - 524.
فعجب معاوية وأصحابه منها، فدمعت عيناه ووهبه لها (1).
(840)
الأعمش وأبو حنيفة
قيل: ودخل أبو حنيفة على الأعمش يوما فأطال جلوسه، فقال: لعلي قد ثقلت عليك؟
قال: وإني لأستثقلك وأنت في منزلك فكيف وأنت عندي! (2)
(841)
الفرزدق وملك الروم
قال محمد بن حبيب: صعد الوليد بن عبد الملك المنبر، فسمع صوت ناقوس، فقال: ما هذا؟ فقيل: البيعة، فأمر بهدمها، وتولى بعض ذلك بيده، فتتابع الناس يهدمون، فكتب إليه الاحزم ملك الروم: إن هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك، فإن يكونوا أصابوا فقد أخطأت، وإن تكن أصبت فقد أخطأوا؟ فقال: من يجيبه؟ فقالوا: الفرزدق.
فكتب إليه: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم، وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكما...) (3).
____________
(المحاسن والمساوئ للبيهقي: ص 561.
(2) المحاسن والمساوئ للبيهقي: ص 589.
(3) وفيات الاعيان: ج 5 / 147.
(842)
يحيى والحجاج
روى ابن سلام عن يونس بن حبيب قال: قال الحجاج ليحيى بن يعمر:
أتسمعني ألحن؟ قال: في حرف واحد. قال: في أي؟ قال: في القرآن. قال:
ذلك أشنع، ثم قال له: ما هو؟ قال: تقول: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم...) الى قوله: (أحب إليكم) فتقرؤها بالرفع. قال ابن سلام:
كأنه لما طال الكلام نسي ما ابتدأ به، فقال الحجاج: لا جرم لا تسمع لي لحنا. قال يونس: فألحقه بخراسان، وعليها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة (1).
(843)
ابن عباس ورجل
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه أمسك للحسن والحسين - رضي الله عنهما - ركابيهما، حين خرجا من عنده.
فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما، وأنت أسن منهما؟
فقال له: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووالفضل (2).
(844)
ابن السكيت واللحياني
قال أبو الحسن الطوسي: كنا في مجلس أبي الحسن علي اللحياني، وكان عازما على أن يملي نوادره ضعف ما أملي، فقال يوما: تقول العرب: (مثقل
____________
(1) وفيات الاعيان: ج 5 / 223 وسيأتي في ص 248 بنحو آخر.
(2) وفيات الاعيان: ج 5 / 227.
فقام إليه ابن السكيت وهو حدث فقال: يا أبا الحسن إنما هو: (مثقل استعان بدفيه) يريدون الجمل إذا نهض بحمله استعان بجنبيه، فقطع الاملاء، فلما كان المجلس الثاني أملى فقال تقول العرب: (هو جاري مكاشري) فقام إليه ابن السكيت فقال: أعزك الله وما معنى مكاشري؟ إنما هو (مكاسري) كسر بيتي الى كسر بيته.
قال: فقطع اللحياني الاملاء فما أملى بعد ذلك (1).
(845)
يعقوب (2) والمهدي
كثرت الاقوال في يعقوب ووجد أعداؤه فيه مقالا، وذكروا خرجوا على المنصور مع ابراهيم بن عبد الله العلوي، وعرفه بعض خدمه أنه سمعه يقول: بنى هذا الرجل يعني - المهدي - منتزها (3) أنفق عليه خمسين ألف ألف درهم من أموال المسلمين، وكان المهدي قد بنى عيسى باد، وأراد المهدي أمرا فقال له يعقوب: هذا يا أمير المؤمنين السرف، فقال: يا ويلك وهل يحسن السرف إلا بأهل الشرف؟!
وكان يعقوب قد ضجر مما كان فيه، وسأل المهدي الاقالة وهو يمتنع. ثم إن المهدي أراد أن يمتحنه في ميله الى العلوية، فدعا به يوما وهو في مجلس فرشه موردة وعليه ثياب موردة وعلى رأسه جارية على رأسها ثياب موردة، وهو مشرف
____________
(1) وفيات الاعيان: ج 5 / 439 وقد تقدم في ج 2 ص 337 فراجع.
(2) هو ابن داود بن عمر السلمي كاتب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه راجع وفيات الاعيان: ج 6 / 19 قام مع إبراهيم على المنصور ثم تقرب الى المهدي حتى ملك اموره وغلب عليه. وراجع عقد الفريد ج 2 / 147.
(3) هكذا في الاصل الظاهر أنه (متنزها).
قال: على غاية الحسن فمتع الله أمير المؤمنين به، فقال له: جميع ما فيه لك، وهذه الجارية لك ليتم سرورك، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، فدعا له.
فقال له المهدي: ولي إليك حاجة، فقام يعقوب قائما، وقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا القول إلا لموجدة وأنا أستعيذ بالله من سخطك، فقال:
احب أن تضمن لي قضاءها، فقال: السمع والطاعة، فقال له: والله؟ فقال له:
والله، فقال له: والله؟ فقال: والله، ثلاثا، فقال له: ضع يدك على رأسي واحلف به، ففعل ذلك، فلما استوثق منه قال له: هذا فلان بن فلان، رجل من العلوية، احب أن تكفيني مؤونته، وتريحني منه، فخذه إليك، فحوله إليه، وحول إليه الجارية وما كان في المجلس والمال، فلشدة سروره بالجارية جعلها في مجلس بقرب منه ليصل إليها، ووجه فأحضر العلوي فوجده لبيبا فهما.
فقال له: ويحك يا يعقوب تلقى الله بدمي، وأنا رجل من ولد فاطمة - رضي الله عنها - بنت محمد صلى الله عليه وآله؟ فقال له يعقوب: يا هذا أفيك خير؟ فقال: إن خلت معي خيرا شكرت ودعوت لك، فقال له: خذ هذا المال، وخذ أي طريق شئت، فقال: طريق كذا وكذا آمن لي، فقال له: امض مصاحبا.
وسمعت الجارية الكلام كله، فوجهت مع بعض خدمها به، وقالت: قل له: هذا فعل الذي آثرته على نفسك بي، وهذا جزاؤك منه.
فوجه المهدي فشحن الطريق حتى ظفر بالعلوي وبالمال، ثم وجه الى يعقوب، فأحضره، فلما رآه قال: ما حال الرجل؟ قال: قد أراحك الله منه، قال: مات؟ قال: نعم، قال: والله؟ قال: والله. قال: فضع يدك على رأسي، فوضع يده على رأسه وحلف به، فقال: يا غلام أخرج إلينا من في هذا البيت، ففتح بابه عن العلوي والمال بعينه.
قال: فحمدت الله تعالى، وقلت: أتاني الفرج، ثم مكثت حولا لا أرى شيئا، فلما كان رأس الحول الثاني أتاني ذلك الاتي فأنشدني [ من الطويل ].
قال: ثم أقمت حولا آخر لا أرى شيئا، ثم أتاني ذلك الاتي بعد الحول فقال [ من الوافر ]:
فلما أصبحت نوديت، فظننت أني اأذن بالصلاة، فدلي حبل أسود، فقيل لي اشدد به وسطك ففعلت، واخرجت، فلما قابلت الضوء عشا بصري وانطلقوا بي، وادخلت على الرشيد، فقيل لي: سلم على أمير المؤمنين، فقلت:
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، المهدي، فقال الرشيد: لست
(846)
ابن عباس وعمرو
إن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة دخل عليه ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال له: يا أبا عبد الله كنت أسمعك كثيرا تقول: وددت لو رأيت رجلا عاقلا حضرته الوفاة حتى أسأله عما يجد، فكيف تجد؟
فقال: أجد كأن السماء مطبقة على الارض وكأني بينهما، وكأنما أتنفس من خرم إبرة، ثم قال: اللهم خذ مني حتى ترضى (2).
(847)
الياس وقوم من العامة
حكي أنه سلم الياس المعدل على قوم من العامة، فلم يردوا فقال: لعلكم تظنون بي ما قيل من الرفض، والله من أبغض واحدا من أبي بكر وعثمان وعمر وعلي فهو كافر، فسروا بذلك واعتذروا إليه (3).
(848)
الموسوي وشيخ الاسلام
حكى لي زميلي العلامة المحقق السيد عبد الكريم الموسوي الاردبيلي: ان في
____________
(1) وفيات الاعيان: ج 6 / 22 - 24.
(2) وفيات الاعيان: ج 6 / 214 وقد تقدم بنحو آخر في ج 2 ص 386 وراجع الكامل للمبرد: ج 1 / 156.
(3) الخزائن للنراقي: ص 47.
قال: فعزمت على زيارة شيخ الاسلام لاتكلم معه في الموضوع، فدخلت عليه وهو في غرفة جالسا في زاوية والناس جالسون حول الغرفة والخطيب المذكور فيهم، فجلست على يساره، فبعد السلام وأداء الاحترام من الطرفين قلت له: لي سؤال برخصة من جنابكم، قال: سل.
قلت له: شيخنا ما هذه العادة عندكم في تعامل شرطة الحرم الشريف مع الزوار من الشراسة والخشونة وعدم مراعاة الادب والاحترام؟
قال: قررنا تعيين باب لدخول النساء وباب لدخول الرجال.
قلت: هذا لا يكفي في رفع الغائلة، والذي يحسم الاشكال بالسرعة هو بطاقات من قبل الحكومة يسجل فيها وظائف الزائرين وبيان الحلال من الحرام وأوقات كون الحرم الشريف مفتوحا وأي وقت تغلق الابواب، فيقسم ويوزع بين الزائرين الواردين حتى يعرفوا ويعملوا بالوظائف المكتوبة في البطاقات.
قال: هذا أمر مقبول أعرضه على الموظفين المأمورين كي يعملوا بذلك.
قلت: شيخنا لاي علة يهجم خطباؤكم على الشيعة وأي فائدة فيه؟ ولعلكم تتصورون أي سب لهم يوجب تركهم لعقائدهم الباطلة عندكم، ولكن تعرفون أن هذا غير صحيح، لان السباب والوقيعة لا تفيد الا الشحناء والبغضاء وتخديش العواطف ولا يرجع أي إنسان عن عقائده بسب مخالفيه وأعدائه، وهل ترجعون أنتم عن الوهابية بسب الشيعة إياكم؟
أو لعلكم تتخيلون أن السب يورث في أنفسهم حقارة وذلة، ولكن ذلك
قال سيدنا، إن الايرانيين (الشيعة) لا يحضرون لصلاة الجماعة.
قلت: سيدنا: إن هذا كذب وبهتان على الشيعة الامامية، لانهم يحضرون الصلاة في المساجد، والشاهد على ذلك حضوري في صلاة الجمعة اليوم وسماعي من الخطيب سب الشيعة، هذا أولا، وثانيا: نحن نرد الاشكال عليكم إذا السنة لا يقتدون بعلماء الشيعة في الصلاة، فإن كان الحضور بأن يقتدي الشيعة بالسنة ويأتموا بهم لزوما فلا دليل عليه بهذا الانحصار، وإن كانت الصلاة جماعة بإئتمام مسلم بمسلم فلم لا تأتمون بنا؟ ولم لا تأتموا بعلماء الشيعة وزعمائهم حينما يزورون النبي صلى الله عليه وآله؟
قال: كيف نقتدي الان بكم؟
قلت: الان تعلنون في البلد الشريف أن إمام الجماعة اليوم السيد الموسوي العالم الشيعي وتأتي أنت وتأتم بي حتى يحصل لنا الاطمئنان على المؤاخاة الاسلامية والاتحاد الاسلامي.
قال: سيدنا، الشيعة يأخذون التراب من القبور.
قلت: شيخنا، أولا: كان الكلام في مستوى العلماء والمنورين، وأنتم تجعلون الكلام في العوام، فهل رأيت عالما من علماء الشيعة يأخذ التراب من القبور؟
وثانيا: إني شاهدت في المسجد الحرام رجلا كان يتغوظ في المسجد، فقلت للشرطي، قال: لا بأس لانه جاهل، وكذا رأيت في مسجد الخيف رجلا يبول في المسجد، وقيل: إنه جاهل لا بأس بفعله، ولكن الشيعي الجاهل صار مشركا
قال: سيدنا، هذا الخطيب أيضا جاهل.
قلت: أولا: هذا المقام ليس مقام الجهال، وثانيا أليس عندكم عالم يخطب ويعظ ويرشد الجاهل؟!
فلم يحر جوابا، فقمت وخرجت.
(849)
الفندرسكي وسلطان الهند
حكي: أن الأمير فندرسكي في أثناء سياحته وصل إلى الهند، فطلب السلطان منه لقاءه فامتنع السيد لكون السلطان سنيا، وبعد الإصرار قبله بشرط عدم مذاكرات مذهبية، ولكن بعد اللقاء قال السلطان: وإن كان شرط اللقاء عدم البحث في المذهب ولكني أسألكم سؤالا واحدا في سب معاوية لأي جهة هو؟
قال السيد: لو فرضنا أنك كنت في الحرب بين علي عليه السلام ومعاوية موجودا بأمر أيهما كنت متمثلا؟
قال السلطان: كنت أطيع أمر علي عليه السلام، لكونه خليفة بالإجماع، وكون مخالفته كفرا.
قال السيد: لو أمرك علي عليه السلام بمبارزة معاوية تطيعه أو تعصيه؟
قال السلطان: لقد كنت اطيعه ; لكون خلافه كفرا.
قال السيد: فحينئذ لو سل معاوية سيفه وأراد قتلك، هل كنت تقتله أو تهرب من الجهاد؟ أو كنت تقتل نفسك؟
قال السلطان: كنت أقتله قطعا.
قال السيد: تعد قتله طاعة أو معصية؟
قال السلطان: أعده طاعة، لكونه طاعة لعلي عليه السلام.
(850)
ابن عباس ومعاوية
ملك الروم وجه إلى معاوية بقارورة فقال: ابعث إلي فيها من كل شئ.
فبعث إلى ابن عباس فقال: لتملأ له ماء. فلما ورد به على ملك الروم قال: لله أبوه ما أدهاه.
فقيل لابن عباس كيف اخترت ذلك؟ فقال: لقول الله عز وجل:
(وجعلنا من الماء كل شئ حي) (2).
(851)
يحيى بن يعمر والحجاج
زعم التوزي قال: قال الحجاج ليحيى بن يعمر يوما: أتسمعني ألحن؟
قال: الامير أفصح من ذلك. قال: فأعاد عليه القول، وأقسم عليه.
فقال يحيى: نعم تجعل (أن) مكان (إن).
فقال له: ارحل عني ولا تجاورني (3).
(852)
الفرزدق وابن هبيرة
قال الفرزدق حين ولي العراق عمر بن هبيرة الفزاري يعقب مسلمة بن عبد الملك:
____________
(1) الخزائن للنراقي: ص 134 بالفارسية.
(2) الكامل للمبرد: ج 1 / 308.
(3) الكامل للمبرد: ج 1 / 164 وقد مر في ص 240 بنحو آخر، والكنى والالقاب: ج 1 / 10 بنحو آخر.
فلما ولي خالد بن عبد الله القسري على عمر بن هبيرة، قال رجل من بني أسد يجيب الفرزدق:
(853)
الفرزدق وابن هبيرة
قال العباس: وكان الفرزدق هجاء لعمر بن هبيرة عند ولايته العراق، وفي ذلك يقول ليزيد بن عبد الملك بن مروان:
____________
(1) الكامل للمبرد: ج 2 / 63 - 64.