الصفحة 250

(854)
ابن عباس ونافع بن الازرق

يروى من غير وجه: أن ابن الازرق أتى ابن عباس فجعل يسائله حتى أمله، فجعل ابن عباس يظهر الضجر، وطلع عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة على ابن عباس وهو يومئذ غلام، فسلم وجلس.

فقال له ابن عباس: ألا تنشدنا شيئا من شعرك! فأنشده:

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر * غداة غد أم رائح فمهجر

الابيات حتى أتمها وهي ثمانون بيتا، فقال له ابن الازرق: لله أنت يا ابن عباس أنضرب إليك أكباد الابل نسألك عن الدين فتعرض، ويأتيك غلام من قريش فينشدك سفها فتسمعه. فقال: تالله ما سمعت سفها.

فقال ابن الازرق: أما أنشدك:

رأت رجلا اما إذا الشمس عارضت * فيخزى واما بالعشي فيخسر

فقال ما هكذا قال: إنما قال: فيضحى واما بالعشي فيخصر. قال: أو تحفظ الذي قال؟

قال: والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه، ولو شئت أن أردها لرددتها، قال:

فارددها، فأنشده إياها (1).

قال الاحمدي: ولابن عباس مناظرات ومكالمات مع نافع بن الازرق نقلها الاعلام في كتب الحديث والتأريخ والادب، ولعلنا ننقله مجتمعا فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقال المبرد في الكامل 2 / 140: وكان نافع بن الازرق ينتجع عبد الله بن العباس فيسأله، فله عنه مسائل من القرآن وغيره، قد رجع إليه في تفسيرها فقبله وانتحله، ثم غلبت عليه الشقوة.

____________

(1) الكامل للمبرد: ج 2 / 144 - 145.

الصفحة 251

(855)
عدلي مع مجبر

إن عدليا قال لمجبر: ممن الحق؟ قال: من الله.

فقال له: فمن هو المحق؟ قال: هو الله.

قال له: فممن الباطل؟ قال: من الله.

قال: فمن هو المبطل؟ فانقطع الجبري ولم يقدر على أن يقول: إن الله تعالى هو المبطل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فكان يلزمه ذلك على رأي المجبرة (2)

(856)
شيخ ويحيى بن اكثم

ومن المحاضرات: قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال: بعمر بن الخطاب.

فقال: كيف هذا وعمر كان أشد الناس منعا فيها؟ قال: لأن الخبر الصحيح قد أتى أنه صعد المنبر، فقال: إن الله ورسوله أحلا لكم متعتين وأنا أحرمهما عليكم واعاقب عليهما! فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه (2).

(857)
الشريف والخليفة

قيل: إنه كان - أي الشريف الرضي رضوان الله عليه - يوما عند الخليفة يعبث بلحيته ويرفعها إلى أنفه فقال له الطائع: أظنك تشم بها رائحة الخلافة.

قال: لا بل رائحة النبوة (3).

____________

(1) الطرائف: ص 331.

(2) زهر الربيع: ص 16.

(3) زهر الربيع: ص 19.

الصفحة 252

(858)
أبو الأسود ومعاوية

وفي الاثر: أن معاوية قال يوما لابي الاسود: بلغني أن عليا أراد أن يدخلك في الحكومة، فعزمت عليك أي شئ كنت تصنع؟

فقال: كنت آتي المدينة فأجمع ألفا من المهاجرين وألفا من الانصار، فإن لم أجدهم اتممهم من أبنائهم، ثم أستخلفهم بالله العظيم: المهاجرون أحق أم الطلقاء؟

فضحك معاوية ثم قال: إذن والله، ما اختلف عليك اثنان (1).

(859)
رجل وقاضي بغداد

حكى لي بعض اخواني قال: كنت جالسا في بعض الايام عند قاضي بغداد الحنفي، فسمعنا سائلا يقرأ قصيدة التصدق بالخاتم.

فقال لي: اسمع هؤلاء الروافض كيف نظموا القصائد في مدح علي بن أبي طالب على تصدقه بخاتم ما تبلغ قيمته أربعة دراهم، وأبو بكر الصديق تصدق بجميع ماله، ولم يذكره أحد في نظم ولا نثر؟

فقلت له: أصلح الله القاضي ليس للروافض ذنب في هذا المعنى، إن كان شئ فهو من عالم الملكوت، لانه أنزل في ذلك الخاتم قرآنا يتلى الى يوم القيامة، ولم ينزل في شأن أبي بكر آية ولا سورة مع تصدقه بالمال الجزيل.

فحرك يده وقال: يا أخي خطر هذا في بالي أيضا، ولكن كيف الحيلة؟! (2).

____________

(1) زهر الربيع: ص 25.

(2) زهر الربيع: ص 29.

الصفحة 253

(860)
ابن الجوزي وبعض النواصب

اعترض بعض علماء النواصب: إنكم تقولون: إذا دخل أمير المؤمنين في صلاته استغرق فكره في عالم الملكوت فما يحس وما يشعر بهذا العالم، ومن ثم كانوا يخرجون النصول من بدنه إذا أخذ في الصلاة، فكيف شعر بالسائل حتى أعطاه خاتمه وهو في الركوع؟

فأنشد ابن الجوزي:

يسقي ويشرب لاتلهيه سكرته * عن النديم ولا يلهو عن الكأس
أطاعه سكره حتى تمكن من * فعل الصحاة فهذا أعظم الناس

قال السيد الجزائري مولف زهر الربيع: وتحقيق الجواب: أنه عليه السلام قد انتقل عن طاعة العبادة الى طاعة الصدقة فهو في الخدمة دائما، فلا يقدح في استغراق فكره في عالم القدس، ومن ثم أنزل فيه قرآنا يتلى على صفحات الدهور (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وفي الحديث: أن ذلك الخاتم الذي أعطاه السائل كان خاتم سليمان الذي ملك به مشارق الارض ومغاربها، وقد بعث النبي صلى الله عليه وآله من اشتراه من ذلك السائل بمائتي درهم، ثم دفعه إلى أمير المؤمنين لانه من مواريث الانبياء، وهو الان كغيره من المواريث في خزانة مولانا صاحب الامر عليه السلام، والائمة كلهم تصدقوا وقت الصلاة فدخلوا تحت عموم الاية.

قال أبو بكر: لقد تصدقت بسبعين خاتما، وأنا في الصلاة لينزل في ما نزل بعلي بن أبي طالب فما نزل... الخ (1).

____________

(1) زهر الربيع: ص 28.

الصفحة 254
قال الاحمدي: الجواب من حيث الاثار الواردة: أنه روي أن النبي صلى الله عليه وآله رأى نخامة في جدار المسجد وهو في الصلاة فأخذ جريدة النخل ومشى إليه حتى محاها. راجع في تحقيق ذلك الوسائل: ج 4 / 1283 الباب 36 وج 2 ص 476 والبخاري: ج 8 / 33 وسنن ابن ماجة: ج 1 / 251 ومسند أحمد:

ج 2 / 72 ومنحة المعبود: ج 1 / 108.

وروي: أنه صلى الله عليه وآله كان يحمل أمامة بنت أبي العاص، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها كما في اسد الغابة: ج 5، وكذا الاصابة والاستيعاب في ترجمتها، والموطأ لمالك ج 1 / 183، وصحيح مسلم كما في ظاهر تنوير الحوالك وسنن البيهقي: ج 2 / 262 - 263، والاصابة: في ترجمة أبي العاص، والطبقات لابن سعد: ج 8 / 26 و 168 بأسانيد متعددة، وشرح النووي:

ج 3 / 300 هامش إرشاد الساري، ومسند أحمد: ج 5 / 295، والبخاري:

ج 8 / 8، ومسلم: ج 1 / 385 و 386، وسنن أبي داود: ج 1 / 241، بأسانيد متعددة، وسنن الدارمي: ج 1 / 316، والنسائي: ج 2 / 46 وج 3 / 10.

وأنه صلى الله عليه وآله قد كان يخفف صلاته فيسأل عن ذلك، فيقول:

سمعت بكاء الصبي فلعل امه في المسجد تنزعج منه، فراجع الوسائل:

ج 5 / 469، وتأريخ اصبهان لابي نعيم: ج 2 / 359، ومسلم: ج 1 / 385 ومسند أحمد: ج 3 / 109 و 154 و 156 و 5 / 305، والسنن للبيهقي: ج 3 / 118، والوفاء لابن الجوزي: ج 2 / 429، وإرشاد الساري: ج 2 / 60 والبخاري: ج 1 / 181 و 219، والنسائي: ج 2 / 95، والترمذي: ج 2 / 214، وابن ماجه: ج 1 / 316 و 1317، ومسند أحمد ج 2 / 432.

هذا مع العلم بأن عليا عليه السلام لم يكن بأعلى ولا أرقي حالا عن النبي صلى الله عليه وآله في عباداته.

* * *


الصفحة 255

(861)
الجزائري وبعض العامة

قال السيد نعمة الله الجزائري - رحمه الله -: وقد ذكرت أنا في كتاب مقامات النجاة مباحثة جرت بيني وبين بعض علماء العامة، فكان من جملتها:

أنه سألني عن مذهب الشيطان في الاصول والفروع، لانه من أهل العلم.

فقلت له: مذهبه في الاصول مذهب الاشعري وفي الفروع مذهب الحنفية، فأخذه الغضب.

فقلت له: لا تعجل لان كتاب الله الصادق أخبر به، أما في الاصول: فقوله تعالى: (فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم) فقد نسب الاغواء الى الله تعالى. وأما في الفروع: فإباؤه عن السجود لقوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين) حيث إنه عمل بالقياس، نعم الفرق بين القياسين أن قياس الشيطان كان من باب قياس الاولوية وقياس أبي حنيفة من باب قياس المساواة، وكم بينهما من التفاوت، وإن اشتركا في عدم الحجية (1).

(862)
أبو العيناء والمتوكل

عن أبي العيناء: أنه ادخل على المتوكل رجل قد تنبأ، فقال له: ما علامة نبوتك؟

قال: أن يدفع إلي أحدكم امرأة فإني احبلها في الحال.

فقال: يا أبا العيناء هل لك أن تعطيه بعض الاهل؟ قال: إنما يعطيه من لم يصدق بنبوته، وأنا أول من صدق به (2).

____________

(1) راجع زهر الربيع: ص 30.

(2) زهر الربيع: ص 32.

الصفحة 256

(863)
شيعي وسني

تنازع رجل من الشيعة وآخر من أهل السنة في الافضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فحكما أول طالع عليهما، فرأيا رجلا فقربا إليه، فقال له الشيعي: حاكم بيننا، أنا أقول: أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال: وما يقول هذا ولد الزنا؟

فافحم الرجل (1).

(864)
شيعي ومحمد بن سليمان

كان بعض أهل البصرة يتشيع، وكان له صديق يوافقه في المذهب، فأودعه مالا فجحده، فاضطر الرجل إلى أن قال لمحمد بن سليمان أن يحضره ويحلفه بحق علي بن أبي طالب، فطلبه، فقال الرجل: أعز الله الامير هذا الرجل صديقي، وهو أعز علي وأجل من أن أحلف له بالبراءة من مختلف في ولايته وإيمانه، ولكن أحلف له بالبراءة من متفق على إيمانهما وولايتهما: أبي بكر وعمر.

فضحك محمد بن سليمان والتزم المال وخلى عن الرجل (2).

(865)
بعض أهل العدل مع بعض المجبرة

ومن الحكايات المأثورة، ما يقال: إن بعض أهل العدل اجتاز على بعض المجبرة والعدلي راكب.

فقال له الجبري: انزل حتى أسألك مسألة.

فقال له العدلي: أفتقدر أن تسألني؟ قال: لا.

____________

(1) زهر الربيع: ص 53.

(2) زهر الربيع: ص 56.


الصفحة 257
قال: أفأقدر أن أسألك أو اجيبك؟ قال: لا.

قال: فكيف يطلب نزولي من لا يقدر على سؤالي ولا أقدر على نزولي عنده ولا جوابه. فانقطع الجبري (1).

(866)
صعصعة ومعاوية

في كامل البهائي: أن معاوية كان يخطب على المنبر يوم الجمعة فضرط ضرطة عظيمة، فعجب الناس منه ومن وقاحته، فقطع الخطبة وقال:

الحمد لله الذي خلق أبداننا، وجعل فيها رياحا، وجعل خروجها للنفس راحة، فربما انفلتت في غير وقتها فلا جناح على من جاء منه ذلك والسلام.

فقام إليه صعصعة: وقال: إن الله خلق أبداننا، وجعل فيها رياحا، وجعل خروجها للنفس راحة، ولكن جعل إرسالها في الكنيف راحة، وعلى المنبر بدعة وقباحة، ثم قال: قوموا يا أهل الشام فقد خرئ أميركم فلاصلاة له ولا لكم، ثم توجه إلى المدينة (1).

(867)
زين الدين مع أهل ما وراء النهر

ذكر صاحب كتاب احقاق الحق: أن علماء ما وراء النهر أجمعوا في زمن دولة الامير الاعظم تيمور گورگان على كتابة محضر مشتمل على أنه يجب على جميع الناس أن يبغضوا علي بن أبي طالب ولو بمقدار شعيرة، لانه رضي بقتل عثمان! وكلفوا الامير أن يروج ذلك في ممالكه، فأوقف الامير ذلك على موافقة الشيخ العالم زين الدين التايبادي، فلما أرسلوا إليه ذلك المحضر كتب على ظهره: ويل لعثمان إن أفتى علي المرتضى بدمه (2).

____________

(1) الطرائف: ص 331.

(2) زهر الربيع: ص 79.

(3) زهر الربيع: ص 76.

الصفحة 258

(868)
الأحنف ومعاوية

روي: أن معاوية قال للأحنف بن قيس: لتصعدن على المنبر فتسب علي بن أبي طالب.

فقال: والله لأنصفنك وأقول: أيها الناس، إن معاوية أمرني أن أسب عليا ألا وان معاوية وعليا اقتتلا واختلفا، فادعى كل واحد منهما أنه مبغي عليه وعلى فئته، فإذا دعوت فأمنوا يرحمكم الله.

ثم أقول: اللهم العن أنت وملائكتك وانبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه، والعن الفئة الباغية، اللهم العنهم لعنا كثيرا، أمنوا رحمكم الله.

فقال معاوية: إذن نعفيك يا أبا أبجر (1).

(869)
ابن الجوزي ومماليك الخليفة

حكي عن ابن الجوزي: أنه سئل وهو على المنبر وتحته جماعة من مماليك الخليفة وخاصته وهم فريقان سنة وشيعة، فقيل له: من أفضل الخلق بعد رسول الله أبو بكر أو علي بن أبي طالب؟.

فقال: أفضلهما بعده من كانت ابنته تحته، فأوهم على الحاضرين ولم يعرفوا مذهبه، فقالوا: نسأله غير هذا، فقالوا: كم الخلفاء بعد رسول الله؟ فصاح: أربعة أربعة أربعة، إيماء إلى الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم (2).

(870)
رجل وأهل السنة

في الحديث: أن رجلا من الشيعة دخل على الرضا عليه السلام فقال: يا

____________

(1) زهر الربيع: ص 81.

(2) زهر الربيع: ص 82.

الصفحة 259
ابن رسول الله، أن فلانا من شيعتك صار سنيا، رأيته في سوق بغداد والناس معه يطوفون به في الاسواق وعليه الخلع الفاخرة ينادي عليه المنادي: ألا أيها الناس، إن هذا الرجل كان رافضيا فتاب، ثم يقال له: تكلم فيقول: أيها الناس أن خير الخلق بعد رسول الله أبا بكر، يفعل هذا مرارا.

فقال عليه السلام: إذا خلوت فأعد علي هذا الكلام، فلما خلا المجلس أعدت عليه الكلام، فقال: لم يقل ذلك الرجل إلا خيرا، لانه لو قال: أبو بكر لكان قد فضله على أمير المؤمنين، وإنما قال أبا بكر على النداء، فكأنه قال: خير الخلق بعد رسول الله علي بن أبي طالب يا أبا بكر، فقال هذا دفعا لوقوع الضرر به.

(871)
بهلول وهارون

لما انصرف الرشيد من الحج لقاه بهلول في الطريق، فناداه ثلاثا بأعلى صوته: يا هارون، فقال: من هذا؟ قيل: بهلول المجنون.

فقال: من أنا؟ قال له: أنت الذي لو ظلم أحدد في المشرق وأنت في المغرب سألك الله عن ذلك يوم القيامة.

فبكى الرشيد وقال: مالك من حاجة؟ فقال: ان تغفر لي ذنوبي وتدخلني الجنة.

فقال الرشيد: ليس هذا بيدي ولكن أقضي دينك، قال: الدين لا يقضى بالدين أد أموال الناس إليهم.

قال: نأمر لك برزق يأتي إليك إلى أن تموت.

قال: نحن عبدان الله، أيذكرك وينساني؟! (2)

____________

(1) زهر الربيع: ص 83 وقد مر في ج 1 ص 243 فراجع.

(2) زهر الربيع: ص 393.

الصفحة 260

(872)
بهلول والرشيد

قيل: إن البهلول أتى يوما الى قصر الرشيد، فرأى المسند والمتكأ الذي هو مكان هارون، فجلس في مكانه لحظة، فرآه الخدمة الخاصة فضربوه وسحبوه عن مكان الخليفة.

فلما خرج هارون من داخل قصره رأى البهلول جالسا يبكي فسأل الخدم، فقالوا: جلس في مكانك فضربناه وسحبناه، فزجرهم ونهرهم، وقال له:

لا تبك.

فقال: يا هارون، ما أبكي على حالي، ولكن أبكي على حالك، أنا جلست في مكانك هذا لحظة واحدة فحصل لي هذا الضرب الشديد وأنت جالس في هذا المكان طول عمرك، فكيف يكون حالك؟!

(873)
أحد علماء الشيعة وبعض المخالفين

حدثني من أثق به من العلماء قال: لما كنت في بغداد اجتمعت بإمام من أهل الصلاة من المخالفين، فتجارينا الكلام حتى بلغنا إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، فقلت له: سمعت أنه لم يحج الكعبة.

فبكى ذلك الرجل وقال: نعم إن رجلا سأل الشيخ عبد القادر لم لا تحج الكعبة؟

فقال له: ادن مني، فدنا منه، وقال: انظر، فنظر الرجل وإذا الكعبة تطوف حول عبد القادر، فقال: إذا كان المطاف يطوف حولي فكيف أسير الى المطاف؟

فقال ذلك الرجل العالم: كيف يكون هذا والنبي صلى الله عليه وآله مضى الى الحج وطاف حول الكعبة، فعلى هذا يكون الشيخ عبد القادر

الصفحة 261
أفضل؟!

فقال: لا، النبي حج لتعليم الامة.

فقلت: فيحج الشيخ عبد القادر أيضا لتعليم الامة، لانه ممن يقتدى به.

فقال له: سر خفي، وسكت (1).

(874)
الجزائري والقاضي

قال السيد نعمة الله الجزائري: لما صارت الواقعة العظمى بين أهل بلادنا وهي الجزيرة وبين جنود السلطان محمد، خرجنا منها وتوطنا البلدة المحروسة (شوشتر)، لكن في كل سنة يطلبنا سلطان الحويزة إليها، لانه كان من أهل العلم والادب، وكان في تلك الولايات من الاعراب سكان الصحاري وغيرهم من أهل السنة والخلاف مالا يحصى عددهم، فمن الله تعالى علينا بالمواعظ لهم والارشاد لجهالهم حتى دخلوا في دين أمير المؤمنين عليه السلام، وصاروا من الشيعة الامامية، فلما من الله سبحانه علينا لحج بيته الحرام، أتينا البصرة، فأرسل إلينا القاضي يعاتبنا على أن أدخلت الاعراب في مذهب الشيعة وترفضوا، فأرسلت إليه: أن البصرة نصفها روافض، فتدارك أنت ما فعلت أنا وأدخل جماعة من الروافض في دين أهل السنة تلافيا لما فعلت أنا، فقال: قاتل الله الروافض سمعت أن رافضيا صار سنيا؟! (2).

(875)
الشيعة مع الوالي

وكان بعضهم يلعن السلف، فسعي به الى الوالي فقال: قد خسرت في السلف كثيرا. يريد السلم (1).

____________

(1) زهر الربيع: ص 350.

(2) زهر الربيع: ص 50.

(3) الصراط المستقيم: ج 3 / 73.


الصفحة 262

علوي ورجل

قيل لعلوي: يا رافضي.

فقال: الناس ترفضت بنا، فنحن بمن نترفض؟! (3).

(876)
شيعي وقاضي

مضى رجل إلى بغداد فاتهموه أنه سب الشيخين، فأخذوه الى القاضي، فسأله القاضي:

فقال: كذبوا علي، أنا رجل عاقل أعرف أن هذه البلاد بلاد أهل الخلاف لا ينبغي اللعن والسب والطعن فيها، هذا شئ يجوز في بلادنا، أما هذه البلاد فلا.

وكان القاضي منصفا، فضحك وخلاه (2).

(877)
بهلول وأبو حنيفة

وفي الكتب: أن بهلول اتى الى المسجد يوما، وأبو حنيفة يقرر للناس علومه وقال في جملة كلامه: إن جعفر بن محمد تكلم في مسائل ما يعجبني كلامه فيها:

الاولى: أنه يقول: إن الله سبحانه موجود لكنه لا يرى لا في الدنيا ولا في الاخرة، وهل يكون موجود لا يرى؟ ما هذا إلا تناقض.

الثانية: أنه قال: إن الشيطان يعذب في النار مع أن الشيطان خلق من النار فكيف الشئ يعذب بما خلق منه؟!

____________

(3) الصراط المستقيم: ج 3 / 76.

(2) زهر الربيع: 276.

الصفحة 263
الثالثة: أنه يقول: إن أفعال العباد مستند إليهم مع أن الايات دالة على أنه تعالى فاعل كل شئ.

فلما سمعه البهلول أخذ مدرة وضرب بها رأسه وشجه، فصار الدم يسيل على وجهه ولحيته، فبادر إلى الخليفة يشكو البهلول، فلما احضر البهلول وسئل عن السبب، قال للخليفة:

إن هذا الرجل غلط جعفر بن محمد في ثلاث مسائل:

الاولى: إن أبا حنيفة يزعم أن الافعال كلها لافاعل لها إلا الله، فهذه الشجة من الله سبحانه وما تقصيري أنا؟

الثانية: إنه يقول: كل شئ موجود لابد وأن يرى، فهذا الوجع في رأسه موجود مع أنه لا يراه أحد.

الثالثة: إنه مخلوق من التراب وهذه المدرة من التراب وهو يزعم أن الجنس لا يتعذب بجنسه، فكيف تألم من هذه المدرة؟!

فأعجب الخليفة كلامه وتخلصه من شجة أبي حنيفة (1).

(878)
شيعة والشيخ الكهمري

حكي أن جماعة من شيعة البحرين أتوا الى البصرة، فقال رجل منهم: قل ما عندنا فهلموا معي الى الشيخ الكهمري نسخر بلحيته ونأخذ منه دراهم، فأتوا إليه وهو في جماعة من أصحابه، فقال له البحراني: يا شيخ أنا من أهل البحرين ودينهم الرفض، ولكني سلمت إليك أمانة اريدها منك. قال: متى؟

قال: لما ركبت في السفينة واضطرب علينا البحر رموا التجار أموالهم في البحر، وكان عندي كيس فيه مالي فرميته في البحر وقلت: هذا أمانة الشيخ

____________

(1) زهر الربيع: ص 251 وقد مر في ج 2 ص 292 برواية اخرى.

الصفحة 264
اريدها في البصرة منه، وأظن أن الماء لا يخون أمانتك وقد أتى بها إليك.

فتأمل الشيخ وقال: أن الماء أتاني ذلك اليوم بودايع كثيرة، فصف أمانتك حتى اخرجها إليك، فوصفها له، ثم دخل منزلة وأخرج له كيسا من الدراهم على ما وصف.

فلما رأى البحراني قال: نعم يا شيخ هذه أمانتي! (1)

(879)
ابن الحنفية وعبد الملك

كتب ملك الروم الى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتوعده ويتحلف له ليحمل له مائة ألف في البحر ومائة ألف في البر.

فأراد عبد الملك أن يكتب إليه جوابا شافيا، فكتب الى الحجاج أن يكتب الى محمد بن الحنفية - رضي الله عنه - بكتاب يتهدده فيه ويتوعده بالقتل ويرسل إليه ما يجيبه به.

فكتب الحجاج إليه فأجابه محمد بن الحنفية: (إن لله تعالى في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة الى خلقه، وأنا أرجو أن ينظر إلي نظرة يمنعني بها منك).

فبعث الحجاج كتابه الى عبد الملك وكتب عبد الملك ذلك إلى ملك الروم، فقال ملك الروم: ما هذا منه وما خرج إلا من بيت النبوة (2).

(880)
الخليل والخلفاء

كان من الزهاد الخليل بن أحمد النحوي القاري العروضي وهو من الشيعة الامامية، قالوا: أرسل إليه بعض الخلفاء، فأتاه الرسول فوجده يبل كسرة بماء

____________

(1) زهر الربيع: ص 207 - 208.

(2) زهر الربيع: ص 194.

الصفحة 265
ويأكلها، فقال له: أجب أمير المؤمنين! فقال: مالي إليه حاجة، فقال: إنه يعنيك.

فقال: مادمت أجد هذين فإني لا أحتاج إليه (1).

(881)
رجل ومعاوية

قال معاوية يوما: أيها الناس، إن الله حبا قريش بثلاث، فقال لنبيه:

(وأنذر عشيرته الاقربين) ونحن عشيرته الاقربون، وقال تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك) ونحن قومه، وقال تعالى: (لايلاف قريش إيلافهم) ونحن قريش.

فأجابه رجل من الانصار فقال: إن الله تعالى قال: وكذب به قومك) وأنتم قومه، وقال: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) وأنتم قومه، وقال تعالى: (قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) وأنتم قومه، ثلاث بثلاث، ولو زدت لزدناك (2).

(882)
رجل والحجاج

قال الحجاج يوما لرجل: اقرأ شيئا من القرآن فقرأ: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجا!

فقال: ليس كذلك، بل هي (يدخلون في دين الله). قال: ذلك قبل ولايتك، ولكنهم الان يخرجون بسببك، فضحك وأعطاه (3).

____________

(1) زهر الربيع: ص 178.

(2) زهر الربيع: ص 89 - 90.

(3) زهر الربيع: ص 90

الصفحة 266

(883)
بين شيعي وشيعي

كتب مهذب الدين أحمد بن منير العاملي الطرابلسي - الشاعر الماهر الشيعي - الى الشريف الموسوي بهذه الابيات:

بالمشعرين وبالصفا * والبيت اقسم والحجر
وبحرمة البيت الحرام * ومن بناه واعتمر
لئن الشريف الموسوي * أبو الرضا ابن مضر
أبدى الجحود ولم يرد * علي مملوكي تتر
واليت آل امية * الطهر الميامين الغرر
وجحدت بيعة حيدر * وعدلت منه الى عمر
وبكيت عثمان الشهيد * بكاء نسوان الحضر
وإذا رووا خبر الغدير * أقول: ما صح الخبر
وإذا جرى ذكر الصحا * بة بين قوم واشتهر
قلت: المقدم شيخ تيم * ثم صاحبه عمر
وأقول: ام المؤمنين * عقوقها إحدى الكبر
وأقول: إن أخطا معا * وية فما أخطا القدر
وأقول: ذنب الخارجين * على علي مغتفر
ورثيت طلحة والزبير * بكل شعر مبتكر
وأقول: إن يزيد ما * شرب الخمور وما فجر
ولجيشه بالكف عن * أولاد فاطمة أمر
وقلوب سكان المدينة * ما أخاف ولا ذعر
وغسلت رجلي ضلة * ومسحت خفي في سفر
وحلقت في عشر المحرم * ما استطال من الشعر


الصفحة 267

وسهرت في طبخ الحبوب * من العشاء الى السحر
ونويت صوم نهاره * مع صوم أيام اخر
ولبست فيه أجل ثوب * للملابس يدخر
وغدوت مكتملا اصافح * من لقيت من البشر
ووقفت في وسط الطريق * أقص شارب من عبر
وأقول في يوم تحار * له البصائر والبصر:
مالي مضل في الورى * إلا الشريف أبو مضر (1)

(884)
الخراساني وأبو حنيفة

يروى: أن رجلا من أهل خراسان حج فلقي أبا حنيفة، فكتب عنه مسائل، ثم عاد من العام المقبل فلقاه، فعرضها ثانية عليه فرجع عنها كلها.

فحثى الخراساني التراب على رأسه، وصاح واجتمع الناس عليه، فقال: يا معشر المسلمين، هذا رجل أفتاني في العام الماضي بما في هذا الكتاب، فانصرفت الى بلدي فحللت به الفروج وأرقت به الدماء، وأخذت وأعطيت به الاموال: ثم جئته العام فرجع عنه كله.

قال أبو حنيفة: إنما كان ذلك رأيا رأيته، ورأيت الان خلافه.

قال الخراساني له: ويحك، ولعلي لو أخذت عنك العام ما رجعت إليه لرجعت له عنه من قابل. قال أبو حنيفة: لا أدري.

قال الخراساني: لكني أدري أن عليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (2).

____________

(1) الكنى والالقاب: ج 1 / 442.

(2) دعائم الاسلام: ج 1 / 89.

الصفحة 268

(885)
سلطان مع المفتي

حدثني من أثق به: أن سلطان الروم سلطان سليمان الذي أجرى الماء من الفرات الى مشهد الامام أبي عبد الله عليه السلام، وهو النهر الموسوم بالحسينية لما أتى إلى زيارة أمير المؤمنين، فصار بالقرب من المشهد الشريف نزل عن فرسه وقصد زيارته ماشيا، فغضب المفتي وهو قاضي العسكر، لانه كان ناصبيا، وقال:

أنت سلطان في الحياة وعلي بن أبي طالب خليفة مات فكيف تمشي لزيارته؟ وكيف لم تبق راكبا؟ فتجاذبا الكلام، فقال له المفتي: إن كنت شاكا في كلامي فتفأل بالقرآن يتضح لك حقيقة الحال، فلما فتح القرآن كانت الاية هكذا: (فاخلع نعليك أنك بالواد المقدس طوى).

فالتفت الى المفتي وقال: ما زادنا كلامك إلا زيارة نزع النعل والمشي حافيا الى الروضة، وقد أصابت الارض قدميه بجراح، فلما فرغ من زيارة الروضة المقدسة، قال له المفتي:

إن في هذا المشهد قبر رجل من علماء الرافضة، وهو الذي روج مذهب الشيعة، فأخرج عظامه وأحرقها بالنار. فقال: من هو؟ قال: هو الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.

فقال له السلطان: هذا الرجل ليس داخلا تحت سلطاني وإنما سلطاني على من فوق الارض، وهذا تحت سلطان الله سبحانه، فكلما استحقه من الثواب والعقاب أوصله إليه... الخ (1).

* * *

____________

(1) زهر الربيع: ج 2 / 104.