الصفحة 269

(886)
هشام وضرار

قال هشام بن الحكم لضرار بن عمرو: على ما تجب الولاية والبراءة؟ على الظاهر أم الباطن؟

قال: على الظاهر.

قال: أفكان علي أذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأقتل لاعداء الله أم فلان؟

فقال: علي ولكن فلان أشد يقينا.

قال: هذا هو الباطن الذي نفيته. قال: فإذا كان الباطن مع الظاهر؟

قال: فضل لا يدفع.

قال: أفقال النبي صلى الله عليه وآله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) إلا وهو عنده مؤمن في الباطن (2).

قال: لا قال فقد صح لعلي الظاهر والباطن ولم يصح لابي بكر شئ منهما (3).

(887)
اسكندر ومحمد بن الحارث

رسالة اسكندر باشا إلى أهل الجزائر:

بسم الله الرحمن الرحيم بعد حمد الله واهب الملك لم يشاء وهو على كل

____________

(1) الظاهر ان الضمير في (وهو) يرجع الى أبي بكر، أي قال النبي صلى الله عليه وآله ذلك لك لعلي عليه السلام وأبو بكر عنده أشد يقينا، فقال: لا، فنفى كون أبي بكر أفضل في الباطن فهو ليس بأفضل في الظاهر والباطن.

(3) الصراط المستقيم: ج 3 ص 78.

الصفحة 270
شئ قدير، والصلاة والسلام على صفوة الانبياء البشير النذير محمد وآله الطيبين وأصحابه المتقين، فليعلم الامير علي بن عليان، وقاضي المسلمين الشيخ محمد بن الحارث المنصوري، وجعفر الديلمي، وسائر المشايخ من أهل الجزائر: أننا جند الله خلقنا من سخطه وسلطانه، وسلطانا على من حل عليه غضبه، فلكم فيما مضى معتبر، وفيمن قبلنا مزدجر، فاعتبروا في غيركم، وسلموا إلينا أمركم قبل أن يكشف الغطاء، ويحل عليكم منا الخطاء، لا نرحم من بكى ولا نرق لمن شكا، فقد نزع الله الرحمة من قلوبنا، فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا، وما يؤول من عزم على حربنا، فلقد خربنا البلاد، وأيتمنا الاولاد، وفعلنا في الارض الفساد، فعليكم في الهرب، وعلينا في الطلب، وأي أرض تحويكم، وأي بلاد تنجيكم، فلا لكم من سيوفنا خلاص، ولا من سهامنا مناص، خيولنا سوابق، وسيوفنا بوارق، وسهامنا خوارق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فمن رام سلمنا سلم، ومن طلب حربنا ندم، ملكنا لا يرام، وجارنا لا يضام، فإن أنتم قبلتم شرطنا. أطعتم أمرنا فلكم مالنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم ووليتم وعلى بغيكم تماديتم فلا تلومونا ولوموا أنفسكم، فقد اعذر من أنذر، وأنصف من حذر، فالحصون من أيدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لاترد ولا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يستجاب ولا يسمع، لانكم أكلتم الحرام، وخنتم الايمان، واستحللتم البهتان والفسوق والطغيان، وأظهرتم البدع، وضيعتم الجمع، فأبشروا بالذل والهوان، فاليوم عذاب الهون بما كنتم تفسقون (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

وقد ثبت عندنا أنكم العجزة، سلطنا عليكم من بيده الامور مدبرة والاحكام مقدرة: فعزيزكم لدينا، ذليل، وكثيركم في أعيننا قليل، فالويل ثم الويل لمن هو في أيدينا طويل ولا من القضاء من اهوالنا مقيل، فنحن لنا الارض شرقا وغربا وذو الامور سلبا ونهبا، ونأخذ كل سفينة غصبا فميزوا في

الصفحة 271
عقولكم طرق الصواب، وأسرعوا إلينا برد الجواب قبل أن تضرم الحرب نارها ويلتهب شرارها وتحيط أوزارها، وتدهون بأعظم داهية، وتصلون نارا حامية لا تبقي لكم جاها ولاعزا، ولا تجدون دوننا حرزا ولا كنزا، فينادي عليكم منادي الفناء: (هل تحسن منهم من أحد أو تسمع لهم ركز ا).

فلقد أنصفنا لكم فيما أرسلنا إليكم فردوا لنا جواب الكتاب قبل حلول العذاب، وكونوا على أمركم في المرصاد وعلى رأيكم بالاقتصاد، فإن قرأتم الكتاب فاقرأوا النحل وآخر صاد، والسلام على أهل الاسلام.

جواب الرسالة من أهل الجزائر وهو من إنشاء الشيخ الجليل العالم المحقق الشيخ محمد بن الحارث من تلاميذ شيخنا المحقق الثاني الشيخ علي بن عبدالعالي طيب الله ثراه:

بسم الله الرحمن الرحيم قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شئ قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، أما بعد: فقد ورد إلينا كتاب مخبر عن الحضرة الخاقانية والدولة الرفيعة السلطانية الاسكندر باشا - نصره الله وأرشده - فهو عندنا ذو صدر صحيح وذو عقل رجيح ولسان فصيح.

اعلم هداك الله إلى طريق الرشاد: أما قولك: فإننا مخلوقون من سخطه ومسلطون على من حل عليه غضبه، لا نرق لمن بكى ولا نرحم لمن شكا، فقد نزع الله الرحمة من قلوبكم فذلك من أكبر عيوبكم، لان هذا من صفات الشياطين لا من صفات السلاطين وكفى هذا شاهدا وموعظة (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين).

وقلتم: إننا أظهرنا البدع، وضيعنا الجمع، ونكسنا الاديان، وأظهرنا

الصفحة 272
الفسوق والعصيان. فإن كان الشرك بفرعون معكزا فأنتم صرفتم للشر مركزا، ألا إنكم أشر من قوم لوط وصالح وما علمكم بنافع ولا صالح، فنحن الموفون حقا المعترفون بالولاية صدقا، لا يدخلنا عيب، ولا يخالطنا ريب، القرآن علينا نزل، والرب بنا رحيم، لم يزل تحققنا تنزيله وعرفنا تأويله، فنحن العارفون بالاصول والفروع، والعاملون بما امرنا من المشروع، إنما النار لكم خلقت ولجلودكم اضرمت، لانكم منكرون أهل الولاية ومقدمون عليهم الذين هم ليسوا من أهل الهداية، فالعجب العجب تهددون الليوث بالتيوس والسباع بالضباع والكماة بالقراع، خيولنا سوابق برقية، وترسنا مصرية، وأسيافنا يمانية وأكتافنا شديدة المضارب، وسلطاننا شاع ذكره بالمشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وخيولنا سوابق إذا طلبت، وسيوفنا قواطع إذا ضربت، ودر وعنا جلودنا، وحواشيننا صدورنا، قلوبنا قوية لا تفزع، وجمعنا لا يروع، وقولكم عندنا تهديد، فنحن أهل الوعد وأنتم أهل الوعيد بقوة الله العزيز الحميد، لا يهولنا منكم تخويف ولا يرجفنا منكم ترجيف، فإن أطعناكم فذلك طاعة وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قتلتمونا فبيننا وبين الجنة ساعة.

وأما قولكم: قلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال. فاعلموا أن القصاب لا يهوله كثرة الغنم، وكثير من الحطب يكفيه قلل من الضرم، أيكون من الموت فرار وعلى الذل قرار؟ ألا ساء ما تحكمون، الفرار من الرزايا لامن المنايا، فنحن إن عشنا سعداء، وإن متنا شهداء، فنحن المقربون بولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين خليفة رسول الله رب العالمين، فنحن والله الشيعة المؤمنون، ألا، إن حزب الله هم الغالبون، تريدون منا طاعة؟ لا سمعا ولا طاعة، قلتم: إن سلمتم لنا أمركم قبل أن يكشف الغطاء ويحل عليكم منا الخطاب. فهذا الكلام في نظمه تركيك وفي سلكه تشكيك، فقولوا لكاتبكم الذي وصف مقالته ان يحسن رسالته، والله ما كان جوابكم عندنا إلا كصرير باب أو كطنين ذباب،

الصفحة 273
أنكم استخففتم النعمة واستوجبتم النقمة، ولكم منا الخطاب، وسيأتينا منكم رد الجواب، أتى أمر الله فلا تستعجلوه، والسلام على من اتبع الحق المبين (1).

(888)
رجل وعلماء السنة

كان عند سلطان البصرة رجل من الشيعة يقوم بحوائج المؤمنين، وأنا رأيته وكنت في منزله، فسأله يوما وعلماء السنة في مجلسه وقال:

أيما أفضل فاطمة أم عائشة؟ فقال الشيخ: عائشة.

فتعجب السلطان لانه خلاف مذهب الشيخ، فقال: كيف؟!

قال: لان الله سبحانه فضل المجاهدين على القاعدين، وعائشة جاهدت في حرب البصرة، وفاطمة ما خرجت من بيتها.

فقال السلطان: هذا تشنيع لطيف (2).

(889)
أبو الاسود وبنو قشير

روي: أن أبا الأسود كان يتشيع وكان ينزل في بني قشير وهم عثمانية، وكانوا يرمونه بالليل، فشكاهم مرة، فقالوا له: ما نحن نرميك ولكن الله يرميك، فقال: كذبتم والله لو كان الله يرميني لما اخطأني (3).

(890)
أبو العيناء وبعض العلويين

قال بعض العلويين لابي العيناء: أتبغضني، ولا تصح صلاتك إلا بالصلاة علي إذا قلت: اللهم صل على محد وآله؟

____________

(1) زهر الربيع: ج 2 / 126 - 129.

(2) زهر الربيع: ج 2 / 184.

(3) زهر الربيع: ج 2 / 183 والكنى والالقاب: ج 1 / 7.

الصفحة 274
قال أبو العيناء: إذا قلت: الطيبين الطاهرين، خرجت منهم (1).

(891)
ابنة أبي الاسود ومعاوية

روي: أن معاوية أرسل إإليه - أي إلى ابي الاسود - هدية مها حلواء، يريد بذلك استمالته وصرفه عن حب أمير المؤمنين علي عليه السلام، فدخلت ابنة صغيرة له خماسي أو سداسي عليه، فأخذت لقمة من تلك الحلواء، وجعلتها في فمها، فقال لها أبو الاسود: يا بنتي ألقيه فإنه سم، هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين، ويردنا عن محبة أهل البيت عليهم السلام، فقالت الصبية: قبحه الله يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر، تبا لمرسله وآكله، فعالجت نفسها حتى قاءت ما أكلتها (2) ثم قالت:

أبا لشهد المزعفر يا با ابن هند * نبيع عليك أحسابا ودينا
معاذ الله كيف يكون هذا * ومولانا أمير المؤمنينا (3)

(892)
ابن شهاب والامام البخاري

لم يرو الامام البخاري في صحيحه حديثا عن الامام الصادق عليه السلام، وعلل بان في نفسي منه شئ - كما نقل عنه - فقال فيه ابن شهاب أبو بكر الحضرمي الامامي هذه الابيات:

قضية تشبه بالمرزئة * هذا البخاري إمام الفئة
بالصادق الصديق ما احتج في * صحيحه واحتج المرجئة
ومثل عمران بن حطان ومر * وان وابن المرأة المخطئة

____________

(1) زهر الربيع: ج 2 / 178.

(2) هكذا في المصدر والصحيح (ما أكلته).

(3) الكنى والالقاب: ج 1 / 8.

الصفحة 275

مشكلة ذات عوار إلى * خيرة أرباب النهى ملجئة
وحق بيت يممته الورى * مغذة (1) في السير أو مبطئة
إن الامام الصادق المجتبى * بفضله الاي أتت منبئة
أجل من في عصره رتبة * لم يقترف في عمره سيئة
قلامة من ظفر إبهامه * تعدل من مثل البخاري مائة (2)

(893)
الفضل وبنو امية

كتب هشام الى عامل المدينة: أن يمنع أهل مكة والمدينة عطاءهم سنة، لانه عرف منهم الميل إلى زيد، وأظهروا الحزن أيام مجئ خبره، وكتب أيضا الى عامل المدينة: أن يحبس قوما من بني هاشم ويعرضهم كل اسبوع مرة، ويقيم لهم الكفلاء ألا يخرجوا.

فقال الفضل بن عبد الرحمان بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب من قصيدة طويلة:

كلما أحدثوا بأرض نقيقا * ضمنونا السجون أو سيرونا
قتلونا بغير ذنب إليهم * قاتل الله امة قتلونا
مارعوا حقنا ولا حفظوا في * نا وصاة الاله بالاقر بينا
جعلونا أدنى عدو إليهم * فهم في دمائهم يسبحونا
انكروا حقنا وجاروا علينا * وعلى غير إحنة ابغضونا
غير أن النبي منا وإنا * لم نزل في صلاتهم راغبينا
إن دعونا الى الهدى لم يجيبوا * نا وكانوا على الهدى ناكبينا

____________

(1) مغذة، مسرعة.

(2) الكنى والالقاب: ج 1 / 24.

الصفحة 276

فعسى الله أن يديل اناسا * من اناس فيصبحوا ظاهرينا
فتقر العيون من قوم سوء * قد أخافوا وقتلوا المؤمنينا
من بني هاشم ومن كل حي * ينصرون الاسلام مستنصرينا
في اناس آباؤهم نصروا الدين * وكانوا لربهم ناصرينا
تحكم المرهفات في الهام منهم * بأكف المعاشر الثائرينا
أين قتلى منهم نعيتم عليهم * ثم قتلتموهم ظالمينا
ارجعوا هاشما وردوا أبا ال * يقظان وابن البديل في آخرينا
وارجعوا ذا الشهادتين وقتلى * أنتم في قتالهم فاجرونا
ثم ردوا أبا عمير وردوا * لي رشيدا وميثما والذينا
قتلوا بالطفوف يوم حسين * من بني هاشم وردوا حسينا
أين عمرو وأين بشر وقتلى * معهم في العراء ما يدفنونا
أرجعوا عامرا وردوا زهيرا * ثم عثمان فارجعوا غارمينا
وارجعوا هانيا وردوا إلينا * كل من قد قتلتم أجمعينا
إن تردوهم إلينا ولسنا * منكم غير ذلكم قابلينا (1)

(894)
ابن الجوزي وجماعة

يحكى أنه وقع النزاع بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وأمير المؤمنين علي، فرضي الكل بما يجيب به أبو الفرج عن ذلك فأقاموا شخصا سأله عن ذلك وهو على الكرسي في مجلس وعظه فقال: أفضلهما بعد النبي - صلى الله عليه وآله من كانت ابنته تحته. ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك (2).

____________

(1) الكنى والالقاب: ج 1 / 227 - 228.

(2) الكنى والالقاب: ج 1 / 242.

الصفحة 277

(895)
محمد بن عبد الله ومعاوية

روى صاحب بشارة المصطفى عن هشام بن محمد عن أبيه قال: اجتمع الطرماح وهشام المرادي ومحمد بن عبد الله الحميري عند معاوية بن أبي سفيان، فأخرج بدرة فوضعها بين يديه، ثم قال: يا معشر شعراء العرب، قولوا قولكم في علي بن أبي طالب - عليه السلام - ولا تقولوا إلا الحق، وأنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلا من قال الحق في علي.

فقام الطرماح فتكلم وقال في علي ووقع فيه.

فقال معاوية: اجلس فقد عرف الله نيتك ورأى مكانك.

ثم قام هشام المرادي، فقال أيضا ووقع فيه.

فقال معاوية: اجلس مع صاحبك، فقد عرف الله مكانكما.

فقال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحميري، وكان خاصا به: تكلم ولا تقل إلا الحق.

قال: يا معاوية، قد آليت ان لا تعطي هذه البدرة إلا قائل الحق في علي؟

قال: نعم أنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيتها منهم إلا من قال الحق.

فقام محمد بن عبد الله فتكلم، ثم قال:

بحق محمد قولوا بحق * فان الافك من شيم اللئام
أبعد محمد بأبي وامي * رسول الله ذي الشرف التمام
أليس علي أفضل خلق ربي * وأشرف عند تحصيل الانام
ولايته هي الايمان حقا * فذرني من أباطيل الكلام
علي إمامنا بأبي وامي * أبو الحسن المطهر من حرام
إمام هدى أتاه الله علما * به عرف الحلال من الحرام
ولو أني قتلت النفس حبا * له ما كان فيها من أثام


الصفحة 278

يحل النار قوم أبغضوه * وإن صاموا وصلوا ألف عام
ولا والله ما تزكو صلاة * بغير ولاية العدل الامام
أمير المؤمنين بك اعتمادي * وبالغر الميامين اعتصامي
برئت من الذي عادى عليا * وحاربه من اولاد الحرام
تناسوا نصبه في يوم (خم) * من الباري ومن خير الانام
برغم الانف من يشنأ كلامي * علي فضله كالبحر طامي
وأبرا من اناس أخروه * وكان هو المقدم بالمقام
على آل النبي صلاة ربي * صلاة بالكمال وبالتمام

فقال معاوية: أنت أصدقهم قولا، فخذ هذه البدرة (1).

(896)
ابن هرمة وأهل السنة

كان أبو اسحاق ابراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة القرشي المدني أحد الشعراء المخضرمين، وكان حيا سنة 146 هـ، وكان ممن اشتهر بالانقطاع الى الطالبيين، وقد أكثر من مدائحهم ورثائهم، وكان ذلك دليلا واضحا على تشيعه. حكي أنه قيل له في دولة بني العباس: ألست القائل:

فمهما الام على حبهم * فإني احب بني فاطمة
بني بنت من جاء بالمحكمات * والدين والسنن القائمة
ولست ابالي بحبي لهم * سواهم من النعم السائمة؟

فقال: اعض الله قائلها بهن امه، فقال له من يثق به: ألست قائلها؟

فقال: بلى، ولكن اعض بهن امي خير من أن اقتل (2).

____________

(1) الكنى والالقاب: ج 1 / 406، والغدير: ج 2 / 178 عن الحموي في فرائد السمطين: الباب 68، وبشارة المصطفى، ورياض العلماء: في ترجمة السيد الشريف المرتضى رحمه الله.

(2) الكنى والالقاب: ج 1 / 447.

الصفحة 279

(897)
الصوري مع النابلسي

قال عبد الغني النابلسي الصوفي في قصيدته الشطحية:

وجودي جل عن جسمي * وعن روحي وعن عقلي
وعن شرعي وتكليفي * وعن حكمي وعن نقلي
وعلمي ليس يدركه * سوى من لم يزل مثلي
ولو زال الغطا عن عل * م أهل العقد والحل
لاضحى علمهم في بحر علمي * قطرة الطل
وعلم الجفر من علمي * وموسى رشحة البل
وإني هد هد الاخبار لل * قوم الاولى قبلي
ووجهي قد غسلت الكون * عنه أيما غسل
وإني لست مخلوقا * ولا شربا ولا أكل
ولا إني أنا الخلاق * ذو صنع وذو فعل
أنا الشامي أنا الهندي * أنا الرومي أنا الصقلي
أنا الاكوان بي قامت * أنا الافلاك من أجلي
أنا المعروف في الدنيا * وفي الاخرى بذي الفضل
وإني لست إنسانا * ولا من ذلك النسل
ولا إني جنين * أو بمولود ولا طفل
وما عبد الغني اسمي * وهذا مقتضى شكلي
ولكن عالم الاوها * م يمشي بي على مهل
فيامن رام في الدنيا * يراني طالبا وصلي
تجرد وانتزح واخر * ج عن الاكوان بالعقل
وكن خمرا بلا كأس * وكن شمسا بلا ظل


الصفحة 280

وحقق واقطع الاحبال * وأمسك دونها حبلي

الابيات، ورد عليها الشيخ ابراهيم الحر الصوري الشيعي بقوله:

رويدا يا أخا الفضل * مزجت الشهد بالخل
أذعت السريا هذا * شربت الجور بالعدل
ايا عبد الغني مهلا * فليس القول كالفعل
لقد أكثرت من هذر * يضاهي صفوة الطفل
دعا ولا يدانيها * سوى عار من العقل
فما هذا الذي تهذي * رويدا يا أبا الجهل
حلول واتحاد * ثم تشبيه مع البطل
فيا عبد الغني الشامي * تفطن واستمع نقلي
فما المشكاة يا رومي * وما المصباح يا صقلي
وما الزيتون يا هندي * فقل يا فاتح العقل
ألا يا هدهد الاخبار * خبر بالورى واجل
أيا عبد الغني أكثر * ت من هذر وعن هذل
لقد أبرزت مكنونا * خلاف العقل والنقل (1)

(898)
أبو هاشم الجعفري ومحمد بن عبد الله بن طاهر

لما قتل يحيى بن عمر - رحمه الله تعالى - وحمل رأسه الى محمد بن عبد الله بن طاهر ببغداد، فجلس محمد للهناء بذلك، فدخل الناس عليه أفواجا يهنئونه وفي جملتهم رجل من ولد جعفر بن أبي طالب فقال:

أيها الامير، إنك تهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله

____________

(1) راجع الكنى والالقاب: ج 2 / 138 - 139.

الصفحة 281
حيا لعزي به.

فأطرق محمد ساعة، ثم نهض وصرف الناس.

فقال أبو هاشم الجعفري (وهو الرجل المذكور في النقل):

يا بني طاهر كلوه وبيئا * إن لحم النبي غير مرئ
إن وترا يكون طالبه الله * لوتر بالقوت غير جرئ (1)

(899)
جابر وعائشة

روى نور الابصار للشبلنجي: أن محمد الباقر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سأل جابر بن عبد الله الانصاري - رضي الله تعالى عنه - لما دخل عليه عن عائشة وما جرى بينها وبين علي عليه السلام.

فقال له جابر: دخلت عليها يوما وقلت لها: ما تقولين في علي بن أبي طالب؟

فأطرقت رأسها ثم رفعته وقالت:

إذا ما التبر حك على محك * تبين غشه من غير شك
وفينا الغش والذهب المصفى * علي بيننا شبه المحك (2)

(900)
سني وسني

قال جعفر بن محمد الطالبي: صلى أحمد بن حنبل ويحى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهما قاص، فقال:

حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق قال:

____________

(1) راجع الكنى والالقاب: ج 2 / 230.

(2) راجع الكنى والالقاب: ج 2 / 324.

الصفحة 282
حدثنا معمر بن قتادة عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -:

من قال: لا إله إلا الله يخلق بكل كلمة منها طائر منقاره من ذهب وريشه مرجان، وأخذ في قصة من نحو عشرين ورقة.

فجعل أحمد ينظر الى يحيى، ويحيى ينظر الى أحمد، فقال: أنت حدثته بهذا؟ فقلت: ما سمعت بهذا إلا هذه الساعة.

قال: فسكتا جميعا حتى فرغ، فقال يحيى بيده أن تعال فجاء متوهما لنوال يجيزه، فقال له يحيى: من حدثك بهذا؟ فقال له: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.

فقال: أنا ابن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله - فإن كان ولا بد لك من الكذب فعلى غيرنا.

فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم.

قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق وما علمته الى هذه الساعة.

قال له يحيى: وكيف علمت أني أحمق؟ قال: كأنه ليس في الدنيا يحيى ابن معين وأحمد بن حنبل غيركما، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا.

قالا: فوضع أحمد كمه وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما (1).

(901)
القاضي التنوخي وابن المعتز

قال عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي قصيدة يفتخر فيها على بني أبي طالب وهي:

أبي الله إلا ما ترون فما لكم * عتاب على الاقدار يا آل طالب
تركناكم فهلا أخذتم * تراث النبي بالقنا والقواضب

____________

(1) الكنى والالقاب: ج 2 / 417.

الصفحة 283

زمان بني حرب ومروان * تمسكوا أعنة ملك جائر الحكم عاصب
ألا رب يوم قد كسوكم عمائما * من الضرب في الهامات جمر الذوائب
فلما أراقوا بالسيوف دماءكم * أبينا ولم نملك حنين الاقارب
فحين أخذنا ثأركم من عدوكم * فعدتم لنا تورون نار الحباحب
وحزن التي اعيتكم قد علمتم * فم ذنبنا هل قاتل مثل سالب
عطية ملك قد حبانا بفضله * وقدرة رب الجزيل المواهب
وليس يريد الناس أن تملكوا * فلا تثبوا فيهم وثوب الجنادب
وإياكم إياكم وحذار من * ضراغمة في الغاب حمر المخالب
ألا إنها الحرب التي قد علمتم * وجربتم والعلم عند التجارب (1)

وقد تصدى غير واحد من الشعراء لنقض حججه الداحضة منهم:

القاضي التنوخي أبو القاسم علي بن محمد الانطاكي البغدادي فقال:

من ابن رسول الله وابن وصيه * الى مدغل في عقبة الدين ناصب
نشا بين طنبور وزق ومزهر * وفي حجر شاد أو على صدر (2) ضارب
ومن ظهر سكران الى بطن قينة * على شبه (3) في ملكها وشوائب
يعيب عليا خير من وطأ الحصى * وأكرم سار في الانام وسارب
ويزري على السبطين سبطي محمد * فقل في حضيض رام نيل الكواكب
وينسب أفعال القراميط كاذبا * الى عترة الهادي الكرام الاطائب
الى معشر لا يبرح الذم بينهم * ولا تزدري أعراضهم بالمعائب
إذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم * وإن ركبوا كانوا شموس المواكب
وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى وإن ضحكوا أبكوا عيون النوادب

____________

(1) ديوان ابن المعتز: ص 46.

(2) في ذ: (ظهر).

(3) في ذ: (شبهة).

الصفحة 284

نشوا بين جبريل وبين محمد * وبين علي خير ماش وراكب
وزير النبي المصطفى ووصيه * ومشبهه في شيمة وضرائب
ومن قال في يوم الغدير محمد * وقد خاف من غدر العداة النواصب
أما إنني أولى بكم من نفوسكم * فقالوا: بلى قول المريب الموارب
فقال لهم: من كنت مولاه منكم * فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي
أطيعوه طرا فهو مني بمنزل * كهارون من موسى الكليم المخاطب (1)

وفي الغدير نقلا عن معجم الادباء: ج 14 ص 181 بعد قوله: (على شبه في ملكها وشوائب) نقلها هكذا:

وقلت بنو حرب كسوكم عمائما * من الضرب في الهامات حمر الذوائب
صدقت منايانا السيوف وإنما * تموتون فوق الفرش موت الكواعب
ونحن الاولى لا يسرح الذم بيننا * ولا تدري أعراضنا بالمعائب
إذا ما انتدوا كانوا شموس نديهم * وإن ركبوا كانوا بدور الركائب
وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى * وإن ضحكوا أبكوا عيون النوائب
وما للغواني والوغى فتعودوا * بقرع المثاني من قراع الكتائب
ويوم حنين قلت حزنا فخاره * ولو كان يدري عدها في المثالب
أبوه مناد والوصي مضارب * فقل في مناد صيت ومضارب
وجئتم مع الاولاد تبغون إرثه * فأبعد بمحجوب بأحجب حاجب
وقلتم: نهضنا ثائرين شعارنا * بثارات زيد الخير عند التجارب
فهلا بإبراهيم كان شعاركم * فترجع دعواكم تعلة خائب (2)

قال الاحمدي: لما ساقنا التقدير الى ذكر القصائد الاحتجاجية بين الشيعة

____________

(1) الكنى والالقاب: ج 2 / 113، والغدير: ج 3 / 377 - 379.

(2) المصدران المتقدمان.

الصفحة 285
وغيرهم، تذكرت ما قاله شعراء الشيعة من قصائد احتجوا فيها كقصائد الكميت والشيخ الازري وغيرهم من كبار الاسرة الطيبة، ولكن رأيت أن نقلها خارج عن شرط الكتاب، إذ هو مختص بالمواقف والجدال بين الشيعة وخصومهم دون ما قيل من شعر أو كتب من كتاب استدلالي، والذي وقفت عليه الان من قصيدة احتجاجية اوردها هنا وإن كان خارجا عن شرطنا لما فيه من الفوائد الغرر:

روي عن الحجة المدقق العلامة المتتبع السيد محسن الامين - طاب ثراه - في مجالسه السنية ما لفظه:

وجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الاول محمد بن مكي العاملي الجزيني - قدس الله روحه - وهي فريدة في بابها، ويظهر من آخرها أنها لبعض أشراف مكة المكرمة، وتوهم بعضهم أنها للجذوعي ناشئ من البيت الذي فيه اسمه مع أنه ظاهر في أن الجذوعي منشدها وأن منشئها غيره، وهي:

ما لعيني قد غاب عنه كراها * وعراها من عبرة ما عراها
الدار نعمت فيها زمانا * ثم فارقتها فلا أغشاها
أم لحي باتوا بأقمار تم * يتجلى الدجى بضوء سناها
أم لخود غريرة الطرف تهواني * بصدق الوداد أو أهواها
أم لصافي المدام عن مزة * الطعم عقار مشمولة أسقاها
حاش لله لست اطمع نفسي * آخر العمر في اتباع هواها
بل بكائي لذكر من خصها * الله تعالى بلطفه واجتباها
ختم الله رسله بأبيها * واصطفاه لوحيه واصطفاها
وحباها بالسيدين الزكيين * الامامين منه حين حباها
ولفكري في الصاحبين اللذين * استحسنا ظلمها وما راعياها
منعا بعلها من العهد والعقد * وكان المنيب والاواها


الصفحة 286

واستبدا بإمرة دبراها * قبل دفن النبي وانتهراها
وأتت فاطم تطالب بالارث * من المصطفى فما ورثاها
ليت شعري لم خولفت سنن * القرآن فيها والله قد أبداها؟
رضي الناس إذ تلوها بما لم * يرضى فيها النبي حين تلاها؟
نسخت آية المواريث منها * أم هما بعد فرضها بدلاها؟
أم ترى آية المودة لم تأت * بود الزهراء في قرباها؟
ثم قالا: أبوك جاء بهذا * حجة من عنادهم نصباها
قال: للانبياء حكم بأن لا * يورثوا في القديم وانتهراها
أفبنت النبي لم تدر أن كان * نبي الهدى بذلك فاها
بضعة من محمد خالفت ما * قال؟ حاشا مولاتنا حاشاها
سمعته يقول ذاك وجاءت * تطلب الارث ضلة وسفاها؟


هي كانت الله أتقى وكانت * أفضل الخلق عفة ونزاها
أو تقول: النبي قد خالف القرآن * ويح الاخبار ممن رواها
سل بإبطال قولهم سورة النمل * وسل مريم التي قبل طاها
فهما ينبئان عن إرث يحيى * وسليمان من أراد انتباها
فدعت واشتكت الى الله من ذاك * وفاضت بدمعها مقلتاها
ثم قالت: فنحلة لي من والدي * المصطفى فلم ينحلاها
فأقامت بها شهودا فقالوا: * بعلها شاهد لها وابناها
لم يجيزوا شهادة ابني رسول * الله هادي الانام إذ ناصباها
لم يكن صادق علي ولا فاطمة * عندهم ولا ولداها
كان أتقى لله منهم عتيق * قبح القائل المحال وشاها
جرعاها من بعد والدها االغيظ * مرارا فبئس ما جرعاها
أهل بيت لم يعرفوا سنن الجواد * التباسا عليهم واشتباها


الصفحة 287

ليت شعري ما كان ضرهما الحفظ * لعهد النبي لو حفظاها
كان إكرام خاتم الرسل الهادي * البشير النذير لو أكرماها
إن فعل الجميل لم يأتياه * وحسان الاخلاق ما اعتمداها
ولو ابتيع ذاك بالثمن الغالي * لما ضاع في اتباع هواها
ولكان الجميل أن يقطعاها * فدكا لا الجميل أن يقطعاها
أترى المسلمون كانوا يلمونهما * في العطاء لو أعطياها؟
كان تحت الخضراء بنت نبي * صادق ناطق أمين سواها؟
بنت من؟ ام من؟ حلية من؟ * ويل لمن سن ظلمها وأذاها
ذاك ينبيك عن حقود صدور * فاعتبرها بالفكر حين تراها
قل لنا أيها المجادل في القول * عن الغاصبين إذ غصباها
أهما ما تعمداها كما قلت؟ * بظلم كلا ولا اهتضماها؟
فلماذا إذ جهزت للقاء الله * عند الممات لم يحضراها؟
شيعت نعشها ملائكة الرحمان * رفقا بها وما شيعاها
كان زهدا في أجرها أم عنادا * لابيها النبي لم يتبعاها؟
أم لان البتول أوصت بأن لا * يشهدا دفنها فما شهداها؟
أم أبوها أسر ذاك إليها * فأطاعت بنت النبي أباها؟
كيف ما شئت قل كفاك فهذي * فرية قد بلغت أقصى مداها
أغضباها واغضبا عند ذاك الله * رب السماء إذا أغضباها
وكذا أخبر النبي بأن الله * يرضى سبحانه لرضاها
لانبي الهدى اطيع ولا * فاطمة اكرمت ولا حسناها
وحقوق الوصي ضيع منها * ما تسامى في فضله وتناها
تلك كانت حزازة ليس تبرأ * حين ردا وقد خطباها
وغدا يلتقون والله يجزي * كل نفس بغيها وهداها