الصفحة 34
أذكر إلا أنني التقيت بالأستاذ الصديق مرات كثيرة.. ولكن كم هي؟ ومتى وأين هي؟ وما الأحاديث التي جرت بيني وبينه في كل لقاء؟ وذلك ما لم أعد أذكر منه إلا ظلالا أو شبه ظلال، حتى إذا كان هذا اليوم الذي أيقظني فيه الأستاذ الصديق من تلك الغفلة، حين قدم إلي هذا الكتاب، وأطلعني منه على ما ضمت عليه صفحاته من تراجم لبعض أصدقائه الذين عرفهم في مصر، كما أطلعني على الترجمة الخاصة بي، وقد أخذني العجب والدهش، إذا رأيته يأتي بتفاصيل لأحاديثي عابرة بيننا، ويذكر زمانها ومكانها، وكأنها بنت ساعتها، حتى لقد سألت الأخ " مرتضى " في صدق وجد.

أكانت معك آلة مسجلة كنت تديرها سرا في كل لقاء تم بيننا؟ فقال في صدق وجد أيضا:

وكيف هذا؟ وهل رأيتني أحمل معي تلك الآلة المسجلة التي تقول عنها.

والحق أن ما كتبه الأستاذ " مرتضى " عن شخصياته التي ترجم لها في هذا الكتاب، لا يقل دقة - في صدق، وأمانة - عن " الشريط " التسجيلي، الذي ينقل أحداث ندوة من الندوات، أو مناظرة من المناظرات.

إلا أن ما كتبه الأستاذ " مرتضى "، مع التزامه بالدقة والأمانة والصدق، يبدي بعاطفة الحب والتقدير لأصدقائه الذين ترجم لهم، ولكن ذلك الحب وهذا التقدير، لم يحملا المؤلف على الخروج عن حدود الأمانة التاريخية.

فلم يجامل صديقا، ولم يلبسه جلدا غير جلده، ولم يرتفع به عن مقام فوق مقامه، لأنه ملتزم أمام دينه وخلقه أن يجعل من تلك الصفحات وثيقة من وثائق التاريخ، وشهادة يشهد بها حي على حي، بما رأته عينه، وسمعته أذنه ووعاه عقله...

وتلك هي مزية هذا الكتاب من الناحية التاريخية، من حيث الثقة بهما، والاطمئنان

الصفحة 35
إليهما، في مقام الحديث عن هؤلاء الأشخاص، أو الدراسة، لهم في الغد القريب أو البعيد..

وكنت قد اقترحت على الأستاذ المؤلف، بعد أن أطلعت على هذا الكتاب أن يمضي في طريقه هذا إلى الغاية التي يعينه الله تعالى على الوصول إليها، فيصنع هذا الصنع مع كثير من الشخصيات العلمية في مصر، ممن لم يترجم لهم في هذا الكتاب، كما اقترحت عليه أن يفعل ذلك مع من يلتقي بهم من أعلام العالم العربي والإسلامي ، حتى يكون ذلك وسيلة قريبة مسيرة للتعارف والتواصل بين أبناء الأمة الإسلامية التي يجاهد الأستاذ المؤلف هذا الجهاد المبرور من أجل عزتها، وسيادتها، واجتماع كلمتها على كتاب الله سبحانه، وسنة رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه.. وإنه إذا كانت المهمة شاقة، مضنية، فإن الجزاء عند الله عظيم جليل.

(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله مع المحسنين).

وإني لأسأل الله ضارعا أن يحسن جزاء المؤلف، وأن يبارك عليه، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يمنحه العون، إنه سميع مجيب.

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عبد الكريم الخطيب           
القاهرة في:               
1 / 9 / 1975 م 14 / 18 / 1395 هـ

* * *


الصفحة 36

الصفحة 37

- 2 -
الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود
مدير مكتب رئيس الجمهورية المصرية
في عهد الرئيس جمال عبد الناصر


الصفحة 38
أراني، وأنا أمر بلمح الذهن بعد رأى العين، على صفحات هذا الكتاب: " مع رجال الفكر في القاهرة " إنما أمر على " ألبوم " يضم بين غلافيه مجموعة صور لطائفة غير قليلة من حملة الأقلام الأعلام الذين لهم فضل غير منكور في بناء النهضة الفكرية التي تلألأت بأرض مصر طوال ما انقضى من سنى هذا القرن العشرين، وأشعت بعض نورها على ما حولها من ديار وأقطار... فما يغيب عن بال منصف أن أي كاتب منهم إنما أضاف سطرا أو عبارة إلى موسوعة المعارف الإنسانية التي تهم هذا الشطر الشرقي من العالم وتشوقه.. أو وضع لبنة في بنائنا الثقافي ترتفع فترا، أو شبرا، وربما قامة بصرحنا الحضاري العربي الذي كان - من مئات السنين - منارة تنير طريق البشرية، نأمل اليوم ونعمل على أن تغدو كسابق عهدها، هادية شماء، تكسف إشراقة النهار، وتطاول رفعة السماء!..

على امتداد مسيرة العقل الإنساني الخلاق، وفي مختلف اتجاهات نشاطه يطوف واضع الكتاب: صديقنا " المرتضى " فوق صفحاته طوفا سريعا بقارئه في صحبة كتاب أعلام قد تناولوا بأقلامهم ألوانا شتى من خطوات الفكر وسبحاته: عرضا وسردا، أو وزنا ونقدا، أو بحثا ودراسة... فكيف تمضي بنا هذه الرحلة، وإلى أين تقود؟..

إنه لحدس صواب، أو حدس توفيق، كما أشتهي وأرجو، أن أتلفت ويتلفت معي كل من يطالع الكتاب، فإذا مجال " المطاف " - من أية زاوية تلقته العين - محمود

الصفحة 39
مشكور... وإذا جهد " المطوف " - بأي مقياس قاسه الفهم - محمود مشكور.

اشتهاء ورجاء!..

نعم!...

ولكنه الاشتهاء الذي لا يغوص بالأمنية في أغوال المحال، والرجاء الذي لا يسدر براجيه في غلواء الخيال.. ولست أعني بما أسلفت إشادة بالكتاب، ولا إعلاء بشأن واضعه، إذ الإشادة صدى لتقدير القارئ وحده وإنه لتقدير - في اعتقادي - وارد لا خلاف فيه. والإعلاء تكريم للمؤلف يغنيه عنه جزاء ما عرف من حسن بلائه فيما نشر له من قبل، وما قد أخذ نفسه بنشره على أبناء العربية من ذخائر فكرية بعضها بقلمه وبعضها بأقلام سواه من المؤلفين بلسانها المبين.. إنما أحببت، في حقيقة الأمر، أن أشير بحركة مومئة، إلى أن الكتاب المعروض الآن على القراء قد جاءنا بنحو فريد المثال من كتب السير والتراجم لم يتكلف فيه صاحبنا " المرتضى " تقديم عرض فني كامل لحياة بعض " رجال الفكر في القاهرة " يتناول مراحلهم العمرية بالتقصي والتفصيل أو يحاول التصدي لأعمالهم الفكرية بالدراسة والتحليل... بل هو أقرب إلى أن يكون مجموعة من خطوط نقاط قلمية خفيفة: لينة كبسمة حانية، رقيقة كنسمة وانية.. لكأن أولاها أسلاك صلب مغزول تمتد وحداته وتنتشر، ثم تستقيم، ثم تلتحم في هيئة قوائم ودعائم رأسية وأفقية فتكون ما يشبه الأطر. وكأن ثانيتها نثار تبر مبدور تتدانى ذراته وتقترب، ثم تلتئم، ثم تنتظم في هيئة فرائد فقلائد، مكونة أجساما شتى لونية أشبه بصور!..

على السجية الطليقة الرخية يمشي بنا واضع كتابنا هذا فوق الصفحات، فإذا هو، في سهولة ويسر، ينقل لنا - كما أسلفت القول - صورا في أطر... الأطر: حياة أرباب الفكر، والصور كنه الأفكار.. فما أن تلتقى بما يقدم حتى ترى في كل منها

الصفحة 40
صورة في إطار، لا مجلوة الجلاء كله، ولا مطموسة الطموس كله، وإنما تحتوي من الأضواء والظلال ما يوشك أن يضع الأعمال الفكرية لهؤلاء الأعلام على نحو يسعها معه التعبير عن محتوياتها ومضامينها بالإيماء والتلميح، إن يكن فاته التفسير بالمجاهرة والتصريح.

ولا إخالني أغالي لو أنني قلت إن المؤلف قد اختار لنفسه، بهذا الإيجاز الطريق الأصعب، إذ نراه يؤثر الكلمة على العبارة، والسطر على الصحيفة، ولو استطاع فربما لجأ في تعبيره إلى الرمز دون الإفصاح متبعا مثل أسلوب الاختزال!..

والحق معه!..

فلقد شاء أن يجمع لقرائه أكبر قدر ما يعلم في أصغر حيز مما يكتب!..

إنه يعرف لهم بضعة وثلاثين علما من أعلام الفكر في صفحات معدودات يسهل عليه - لو شاء - أن يفردها لواحد منهم.

وهو يتخلل أذهان أعلامنا هؤلاء ليستخلص منها من ثمرات عقولهم ما قد يشبع بعض نهم المنهومين بالمعرفة واستقصاء الآراء.

وهو يجري في معالجة هذا الأمر على طريقة من المناقشة الميسرة بينه وبين من أسكنهم بين غلافي كتابه، فإذا الحوار سهل هين، وإذا الحديث رقيق لين، وإذا المعاني لا تشق على قارئ متخصص ولا على قارئ يتخطف الكلمات تخطفا ويعبر السطور عبور من يزجى وقت فراغ!..

بل النقاش الذي يسوقه المرتضى لمدخل عرف كيف ينفذ منه إلى بث أفكاره العقيدية والدفاع عنها، دون أن يتبدى للناس في ثوب دعوة، أو في زرد دفاع!

بل حديثه كله إغراء للقراء بمتابعة السير من أجل ارتياد منابع المعرفة التي

الصفحة 41
وضع لهم - بمواجزاته تلك - معالم واضحة على طريقها، تهديهم إليها، لينهل منها من شاء كيف شاء...

وأتساءل:

أفليست تلك المناقشات - وإن قصرت - " مشهيات " تضيف إلى تشهي المشتهي، ونهم المنهوم، وتهئ المقل العيوف للكظة وتناول أغلظ الطعام!؟

عبد الفتاح عبد المقصود   
الإسكندرية 20 / 11 / 1975

* * *


الصفحة 42

الصفحة 43

- 3 -
الأستاذ عبد الله يحيى العلوي
من مشاهير الكتاب في العالم الإسلامي


الصفحة 44

مع رجال الفكر في القاهرة

((مع الأستاذ الرضوي)) في ((مع رجال الفكر في القاهرة))

لو وجد فوج من طراز الأستاذ العالم السيد مرتضى الرضوي، ممن يصيب شواكل السداد ويطبق مفاصل الصواب، ويمزق ظلمات الأشكال، ويجلي ليل الخطوب، ويخلص بين الماء والراح، ويضربون في الأرض، ويجوبون المدائن الإسلامية، للتعرف إلى علماء الإسلام، وتجاذب الأحاديث الحسنى حول مختلف الشؤون الإسلامية، سعيا في التقريب بين مذاهب المسلمين وإجماع الرأي، واتخاذ الكلمة، والوجهة، وتوخى مناهج الرشد، وتبصر وجوه الحق، ولانحسرت عن الخلافات المذهبية، ضلال الإيهام، وانزاح عنه حجاب الريب. وخلص إلى نور البيان، وسطعت عليه أشعة الظهور، وانكشف المؤدي، واتضح المعمى وصرح الحق عن محضه، وأبدل الرغوة عن الصريح، وبان الصبح لذي عينين.

لو وجد زمرة من طراز الأستاذ " الرضوي " الدائب في المنافحة عن المذهب الجعفري، يبين فقهه في رفق وأناة، ويكشف عن خباياه وزواياه، ويغرق في البحث، ويمعن في التنقيب، ويستقصي في التنقير، ويقلب الأمور ظهرا لبطن، ويتطلب دخلته ويتعرق مخبره وينظر في إعطافه وأحناثه، ومطاويه وأثنائه، ويبلو سره، ويعجم عوده، لكان الإسلام غيره بالأمس، ولكان المسلمون في مختلف بقاع الأرض كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.


الصفحة 45
لو وجد نفر ممن يعملون بإخلاص في التقريب بين آراء علماء المذاهب الدينية، ويغشون الأندية، والمجامع، ويطرقون أبواب العلماء والدارسين، ويتعرفون إليهم، ويتلمسون آراءهم، ويسعون بكل ما أوتوا من علم وبيان في إزالة السحب القاتمة على قلوب الجامدين، والمتعصبين من العلماء يعملون مخلصين وجاهدين، وكانوا همزة وصل بين علماء الإمامية، وعلماء أهل السنة يزيحون الشبهات وما علق بالأذهان من مسائل خلافية، لا تمس جوهر الدين ولا أصله، ويدعون إلى مؤتمرات، وندوات، ليفهم بعضهم بعضا عن قرب لذابت ثلوج التعصب والجهالة، والضلال، ولتقطعت حلقات الأغلال، ولكان المسلمون في خير، وإلى خير كثير.

لقد قام الأستاذ " الرضوي " أرضاه الله، بمجهود كبير في كتابه " مع رجال الفكر في القاهرة " حيث تحدث إلى نفر من علماء القاهرة ورجالات الفكر، وأجلى لنا صورا شتى من آرائهم، ومعتقداتهم حول فقه آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان همزة وصل بين معتنقي مذهب الإمامية ومعتنقي مذاهب أهل السنة، يعمل لكي لا يجعل الخلافات في جوانب من الفقه للنفور والابتعاد، ومناطا للاختلاف، بين بعضهم البعض، مما يوهي عرى الإسلام والوحدة، كما يدعو إلى تناسي الأحقاد وإلى إحلال الوفاق والتفاهم، محل الخلاف، والتباغض، الخ.

إن وجود فرد من أمثال الأستاذ " الرضوي " الذي تعتز به أندية العلم والفضل، كون في محيطه آثارا طيبة مباركة.

فهذا كتابه " مع رجال الفكر في القاهرة " وقد استفرغ فيه وسعه، واستنفذ طاقته، وأنضى إليه ركائب الطلب، وسلك إليها كل سبيل، وركب فيها كل صعب وذلول، ولم يدخرونه سعيا، ولم يأل جهدا، خير جسر يصل بين فريقين عظيمين،

الصفحة 46
فكيف ولو كان مثله كثيرون، لرأيت شمل المسلمين وقد التأم، وعقدهم قد انتظم، وبات بعضهم في بعض بمكان الكليتين من الطحال، حبل متصل، ومذهب ملتئم، وشعب موحد، وتسامح وتآخي، ولرأيت ثم نعيما وملكا كبيرا عظيما...

عبد الله يحيى العلوي               
القاهرة في 29 ابريل 1976 م 29 ربيع الثاني 1397 هـ

* * *


الصفحة 47

- 4 -
عبد المنعم خفاجي
الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
وعميد كلية اللغة بأسيوط


الصفحة 48

مع رجال الفكر في القاهرة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وبعد:

فقد تفضل أخي الصديق سماحة السيد مرتضى الرضوي فأهداني كتابه القيم " مع رجال الفكر في القاهرة " الذي تناول فيه قصص لقائه بالكثير من رجال الفكر أدباء، وكتابا ونقادا، وصحفيين، وعلماء، ومؤلفين، في القاهرة، وذكر طرفا من سيرة حياتهم: الأموات منهم والأحياء، أطال الله في عمرهم.

وقد سعدت كل السعادة بهذا الكتاب القيم المفيد النافع لعدة أسباب:

الأول: إنه سيرة ذاتية للمؤلف في فترة من فترات حياته الطويلة المديدة المباركة بإذن الله.

الثاني: أن مؤلفه كتبه بموضوعية كاملة، وتحر دقيق، واستيعاب شامل لموضوعاته.

الثالث: أنه يؤرخ لكثير من الأعلام الذين التقى بهم المؤلف في القاهرة في ترجمات مفيدة نافعة.

الرابع: أنه يمثل لنا كتب تاريخ الطبقات، والتراجم، والرحلات القديمة في تاريخ

الصفحة 49
الفكر الإسلامي.

الخامس: أنه حفظ تاريخ أعلام كثيرين توفوا إلى رحمة الله عز وجل، وليس عنهم مراجع، أو مصادر تدون تاريخ حياتهم بالتفصيل أو بالإجمال.

والمؤلف العلامة سماحة السيد مرتضى الرضوي يمثل الرحالة المسلمين في القديم، فهو جواب آفاق، ورحالة يسير إلى كل مكان في سبيل تحقيق موضوع أو مراجعة مخطوط، أو نشر كتاب.

وهو يجمع بين صفة العالم والناشر، فهو كاتب ومؤلف وصاحب دار نشر وهو مجاهد يتحمل من حر ماله كل شئ من أجل خدمة فكرة، أو الدفاع عن عقيدة، أو نشر مأثرة من مآثر السلف الصالح، وال البيت الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

إن كتاب " مع رجال الفكر في القاهرة " يعد أثرا نفيسا مفيدا للإسلام والمسلمين وللتاريخ المعاصر ولأعلام الفكر الحديث.

نفع الله به، وأعزه وأبقاه.

القاهرة: 23 ربيع الثاني 1396 هـ
الجمعة: 23 ابريل 1976 م   
محمد عبد المنعم خفاجي     


الصفحة 50

الصفحة 51

- 5 -
فكري عثمان أبو النصر
محرر في جريدة الأهرام المصرية


الصفحة 52

مع رجال الفكر في القاهرة

لسماحة السيد الكبير الأستاذ مرتضى الرضوي

الحديث عن كتاب: " مع رجال الفكر في القاهرة " وبالضرورة حديث عن شخص مؤلفه الكريم في المقام الأول.

والكتاب ثمرة لجهوده ونشاطاته ولقاءاته المعقودة بالجم الغفير من العلماء، والباحثين، والمفكرين في مصر... وأحاديثه معهم في أمور الدين بعامة ومذهب الإمامة الجعفرية - المعروف بالمذهب الشيعي الإمامي - بصفة خاصة.. مما أتاح له القرب منه وفي قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم.. فأحبهم وأحبوه، ووثق فيه، وأعجب بهم وأعجبوا به وإخلاصا منه لهم من جهة ولمذهب الشيعة الإمامية من جهة أخرى - قدم هذا الكتاب ترجمة لهم وإبرازا لآرائهم في المذهب الشيعي الإمامي وما يرونه جميعا من وجوب اطلاع أهل السنة على تراث إخوانهم الشيعة الإمامية من جهة أخرى - قدم هذا الكتاب ترجمة لهم وإبرازا لآرائهم في المذهب الشيعي الإمامي وما يرونه جميعا من وجوب اطلاع أهل السنة على تراث إخوانهم الشيعة الإمامية في العقائد وفي الفقه من مصادره وأسانيده الحقة، لا من مصادر خصومهم الذين لا يرعون فيهم إلا ولا ذمة بدافع من دوافع مغرض، أو اعتمادا على مصادر مشكوك في صحتها، وينسون أو يتناسون أن الشيعة الإمامية يستندون في تشيعهم للإمام علي وذريته رضي الله عنهم أجمعين إلى شواهد ثابتة وصحيحة من الكتاب والسنة.


الصفحة 53
وما يهزني حقا أن المكتبة العربية في مصر بل والأزهرية للأسف الشديد..

تكاد تكون خلوا من كتب الشيعة الإمامية بالذات... اللهم إلا ما يغذيها من آن لآخر " الأستاذ مرتضى " وما يهديه منها لأصدقائه العديدين من أعلام الفكر والثقافة.

وما يوجد بالمكتبات غير ذلك فلا يشفى غلة، ولا يعكس صورة صادقة للعقائد الشيعية الإمامية، وفلسفتها، وتحليلها لأمور الدين ونوازع الخلافات حول الخلافة..

وإيمان الشيعة المطلق بأن الإمام عليا وآل البيت النبوي الكريم كانوا أحق بها وأهلها صلاحا لأمر الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.. وهو ما يؤمن به ويتفق معهم صفوة كبيرة من علماء السنة كذلك. فلا يستطيع سني واحد أن يذكر هنة مهما كانت بسيطة إلى الإمام علي كرم الله وجهه من عبادة الأوثان من دون الصحابة رضي الله عنهم ولا إلى أهله وذريته من آل البيت النبوي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).

فأي سني ينكر على آل البيت طهرهم، وأحقيتهم في الخلافة الدينية للمسلمين، أو ينكر تشيعه لهم والاستضاءة بنورهم؟! كل ما هنالك خلافات على الفروع في العبادات لا ترقى إلى درجات الشقاق والخصومة بأي حال والذين تناولوا المذهب الشيعي بالبحث والدرس والتنقيب قديما وحديثا وقعوا في أحكام خاطئة لا تستند إلى أدلة. أو شواهد نقلية جديرة بالثقة وتداول بعض الناس هذه الأحكام فيما بينهم بلا روية أو تمحيص.

وأي باحث منصف يتصدى للبحث عن تاريخ الشيعة أو عقائدهم أو أحكامهم الفقهية، لا مناص له من الاعتماد أساسا على تراث الشيعة أنفسهم وتحرى الصدق

الصفحة 54
والنزاهة في الروايات التاريخية في كتب خصومهم، والتجرد من كل هوى مذهب سابق قد يؤثر عليه في إصدار أحكامه، وصولا إلى الحقيقة ذاتها.

ولا يخفى كذلك أن الاستعمار الغربي كان من بين أهدافه التفريق بين المسلمين وإثارة الخصومات والفتن فيما بينهم، وبخاصة في الشرق العربي، وتوسيع هوة الخلاف بين السنة والشيعة.. جناحي الأمة الإسلامية، وبذلك تصاب بداء الفرقة والانقسام، تمكينا لأهدافه ومراميه.. وذلك عن طريق دفع بعض المستشرقين من رجاله وأعوانه إلى تحقيق هذه الغاية باسم البحث الأكاديمي الحر.. فيأخذ عنهم باطلهم وزورهم بعض الباحثين من المسلمين، بلا دراية، ويروجون آراءهم، دون أن يفطنوا إلى حقيقة مراميهم وأغراضهم.

وللحق.. لم نر حتى الآن في عصرنا الحديث.. مسلما سنيا كان أو شيعيا يهب للدفاع عن دينه وعن مذهبه، ويعمل بكل هذا الإخلاص والجد على التقريب بين المذهبين الكبيرين - بمثل ما يفعل الصديق العزيز الأستاذ مرتضى الرضوي.. هجرة دائمة دائبة إلى بلاد الإسلام وبخاصة مصر.. وصبر طويل في كفاحه وسعيه، يغش الأندية والمحافل الدينية والعلمية، ويطرق أبواب العلماء، والباحثين دارسا، باحثا، منقبا، ومجاهدا في سبيل الله بعلمه وبدنه وماله.. على محياه ترتسم آيات العلم والتواضع والخلق السمح الكريم.. مما يجعل القلوب تهفو دائما إلى طلعته، والأبواب مفتوحة أمامه، والآذان صاغية إلى أحاديثه والقلوب صافية في حبه.. جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، ووفقه في سعيه، وأمده بأسباب القوة، وحقق على يديه آمال الغيورين على ضم الصفوف... حتى يعود الإسلام قويا عزيزا مرهوبا بأهله - هاديا للبشرية بنقاء تعاليمه. والله ولي التوفيق والسداد.

القاهرة: فكري أبو النصر


الصفحة 55

- 5 -
عبد الهادي مسعود
معاون وزير الثقافة والإرشاد القومي
في القاهرة


الصفحة 56

مع رجال الفكر في القاهرة

يتحدث المتحدثون عن علم التاريخ وأهميته، وعلم التراجم وخطورته، فمن خلالها ندرك سنن الحياة وقواعد السلوك للأفذاذ من أفراد الناس.

ومن التراجم ما يكون موضوعيا خالصا يعرض ما للمترجم له وما عليه، ومنه ما يكون ذا صبغة مستمدة من ذاتية المترجم ومذهبه وعقيدته.

ومؤلف هذا الكتاب وجامعه قد آثر هذا اللون الأخير، فقد جعل من عقيدته الشيعية الإمامية مقياسا للرجال، من آمن بها فهو قريب منه، ومن نفر عنها فهو بعيد عنه، فهو يقدم مذهبه من خلال مفكرين قابلهم في القاهرة وتعامل معهم.

والسنة، والشيعة وغيرهما من مذاهب لم تخرج على القواعد الإسلامية الكبرى بل تذوبان فيها، ولها بوتقة تذيب فيها ما قد يزيد عن ذلك وينقص، وكل أولئك جدير بكل اهتمامنا ووعينا لنخلص إلى أسلم الآراء وأكثرها قربا لعقيدتنا وتجديدا لمصائرنا، وتدعيما لمستقبلنا المشرق.

وإذا كان للصداقة المجردة حقوقها ما دامت صادقة، (فللصداقات) في مجال الفكر أثرها، وتلك قاعدة لا تخرج عن طبيعة البشر.

وقد ألمست للسيد مرتضى أعذارا ما دام يكتب صادق النية، صادق الاعتقاد، والتمست لنفسي كذلك عذرا، فهو وقد كتب عني ضمن المفكرين في القاهرة قد أغفل ذكر عدد من كتبي قال:


الصفحة 57
بأنها سياسية لا تدخل في الموضوع مع أن الخلاف بين علي (عليه السلام) ومخالفيه كان على سياسة الرعية وإصلاح شأنها.

وكأن يتوجب علي فيما يرى البعض أن أثور، ولكن ذلك وغيره لم يكن له من أثر على نفسي وكحفيد لآل البيت غلبني حبي لهم، وحبي لمن يتصدون للدفاع عنهم، وكشف تاريخهم المشرق، وكيف حوربوا في أقدارهم وحقوقهم، والمتحابون في الله كما سيظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، يجب أن يتضامنوا في حياتهم هذه التي يحيونها، حتى لا تغيب شمس دنياهم عن الكون كله.

وهذا هو جوهر كتابنا: " مع رجال الفكر في القاهرة " معرفا بالإنتاج الثقافي والفكري لدى بعض رجال الفكر والثقافة. ونحن إذ نحييه، نحيي المترجم عنهم، ونحيي مؤلفه وجمهور قارئيه، ونحيي ما في الكتاب من معان أصيلة، ونرجو أن نقف صفا واحدا لنصرة الإسلام والمسلمين، وأن يعكف القراء فترة من وقتهم على دراسة أعلامه للتعرف بهم والأخذ عنهم، ومنحهم من الحب والاحترام والمساندة الفعلية الإيجابية قدر ما يستطيعون لأنه بغير ذلك لن يقوم ديننا... بل بغير ذلك لن يسير ركب، ولن ينهض اجتماع.

عبد الهادي مسعود             
وكيل وزارة الثقافة والإرشاد القومي / القاهرة

* * *


الصفحة 58

الصفحة 59

- 6 -
الدكتور حامد حفني داود
أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا
ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس


الصفحة 60

مع رجال الفكر في القاهرة

الناشر الإمامي السيد: مرتضى الرضوي صاحب مكتبة النجاح من خيرة الناشرين الجامعين بين المعرفة بأساليب النشر والوقوف المكين على أنواع الثقافات الإسلامية. ولذلك كان موفقا كل التوفيق حين خرج للقارئ المسلم بعامة والقارئ المصري السني بخاصة بكتابه القيم: " مع رجال الفكر في القاهرة " وقيمة الكتاب تتجلى في هذا الحوار البناء بين الناشر وصفوة المفكرين في مصر تعرض فيه كلا الطرفين لما أثير حول الشيعة الإمامية من مزاعم تخرجهم عن دائرة العقيدة السليمة. ومن ثم كان لهذا الكتاب الجليل رسالتان عظيمتان:

الرسالة الأولى: تبرئة الإمامية من المزاعم الكاذبة التي ألصقت بهم ظلما وعدوانا وكان لها خطرها في معارج التاريخ الإسلامي (1).

والأمر الذي لا يرضاه المؤرخ المنصف، ولا يحبه دعاة الوئام والسلام والتقريب بين أطراف أمة سيد الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو القائل: - جزاه الله خيرا - ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام والصدقة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟. قالوا: بلى يا رسول الله!.

قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر،

____________

(1) من مؤلفات الدكتور حامد. " الصاحب ابن عباد بعد ألف عام " رسالة الماجستير في الأدب العربي. " الكتابة الديوانية في العراق " رسالة الدكتوراه " الأدب العباسي " " المأساة الكبرى " " مع أحمد أمين " " مع طه حسين " وغيرها.

الصفحة 61
ولكن تحلق الدين.

وقديما كان الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) من أدى هذه الرسالة في أسمى صورها الظاهرة والباطنة حيث آثر المصلحة العامة للمسلمين وحقن الدماء على مصلحته الشخصية (1) مع أنه كانت له الشرعية الكاملة في الخلافة.

وفي هذا الموقف طبق بكل إخلاص قول جده عليه تحيات الله وبركاته:

إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين من المسلمين (2).

وهذا في نظر المنهج العلمي الحديث - الذي وضعنا أسسه - خير رد يضحد مزاعم المتعصبين لمذهب ضد مذهب، ويشد من أزرنا دعاة التقريب بين أطراف خير أمة أخرجت للناس.

الرسالة الثانية: هي التنويه برجالات الفكر الأجلاء الذين يدعون إلى خير الأمة الإسلامية، ويؤثرون وحدة الصف الإسلامي ويقدمون ذلك على كل هدف سواه وهو نهج سليم من الناشر الكريم يستحق عليه التقدير والتكريم، فقد ترجم لهؤلاء الأفذاذ من مفكري مصر، وعرف قراء العربية والإسلام بحياتهم وآثارهم

____________

(1) لم يكن للإمام الحسن (عليه السلام) في الخلافة الإسلامية أية مصلحة شخصية بل كان عليه أن يؤدي رسالته ومسؤوليته حسب الظروف ومقتضيات المصلحة الإسلامية العامة.

- المؤلف -

(2) لم تثبت صحته عندنا، وذكر الأستاذ العلامة الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه: " الشيعة والحاكمون " في الطبعة الثانية ص 63 فقال: أما ما نسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه قال مشير إلى الحسن: " إن ابني هذا سيد وسيصلح الله بن بين فئتين من المسلمين " فهو من وضع الوضاع الذين استأجرهم معاوية للكذب والافتراء على الرسول أمثال: أبي هريرة وسمرة بن جندب، والغاية من وضعه التضليل والتمويه، وطمس الحديث المتواتر: " يا عمار تقتلك الفئة الباغية " وجعل معاوية ومن معه بمنزلة علي ومن معه كلاهما من المسلمين. انتهى.

- المؤلف -


الصفحة 62
وأعمالهم الدينية والأدبية، وما قدموه للقراء من خدمات جليلة في عالم الفكر الإسلامي.

وإني إذ أكتفي بهذه العجالة المقتضية التي أصدر فيها انطباعاتي الخاصة عن هذا الكتاب القيم فإني أرجو للسيد مرتضى الرضوي أن يهبنا الله وإياه الإخلاص في القول والعمل، وأن ينزه ألسنتنا عن هجر القول وفحشه حتى يتم رأب هذا الصدع وإكمال هذا البناء من أجل رفعة شأن الإسلام والمسلمين مبرئين أنفسنا من التعصب والعصبية إلا ما كانت لله ورسوله من دعوة الحق والخير. والله المستعان.

الدكتور حامد حفني داود         
القاهرة: الموافق 19 من أغسطس 1986 م
في 23 من شعبان 1397 هـ     

* * *


الصفحة 63

- 7 -
الدكتور جواد الخليلي
طبيب، ومؤلف، وكاتب


الصفحة 64
الدكتور محمد جواد الخليلي
خطاب كريم تفضل به الأستاذ الخليلي
المقيم حاليا بكندا - وفي محكمة القضاء
بطهران - إيران سابقا.


يا ملهما للانتصار على الطليقة واللصيقه * يا كاشفا وجه الصواب بما أنار بها طريقه
ومقرب الانذار بالحسني وأخبار وثيقه * يا منذرا خوف التردي من مهاويها السحيقه
المرتضى وسليله خير الهداة إلى الحقيقة

حفيد طه ونجل المرتضى وسليل الأئمة الهداة، وأهل بيت العلم والحكمة والعصمة الذين طهرهم الله من الدنس وحفظهم من الزلل، القادة إلى الخير والمنجاة من الشر.

كان كتابك " مع رجال الفكر " الذي أتحفتني به سهلا ممتنعا وداحضا للخصوم مقنعا.

لما اعترف بحقائقه العلماء الأعلام والمفكرين العظام من كل ذي علم، وأدب ضليع ومكانة وحسب رفيع.

أولو الخبرة والدراية وحفاظ الحديث والرواية، فكان سؤالك للاستفسار إلهاما، وجوابهم للحقيقة إحكاما فأصاب الله بسعيك مواضعه وببرك منافعه، وفتح بك لسنة جدك الكريم بابا أسدل عليه الستار، وكشف بك حقيقة سترها المغرضون

الصفحة 65
والأغيار، وأزال إبهاما وشبهاتا...

دمتم للخير أهلا ولدرك الإفاضات والسعادات منهلا.

المؤمن بك وبآلك في دعوتهم، والمخلص في محبتهم.

جواد (1)             
18 ذي القعدة الحرام 1369 هـ / كندا

* * *

____________

(1) انتقل إلى جوار ربه في مدينة مونتريال - بكندا وذلك في يوم الخميس 17 محرم الحرام عام 1419 هـ تغمده الله برحمته الواسعة، وحشره مع الرسول، وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. (المؤلف)

الصفحة 66

الصفحة 67

- 8 -
السيد مرتضى الحكمي
خريج كلية الفقه في النجف الأشرف


الصفحة 68
السيد مرتضى الحكمي
من الأساتذة والعلماء البارزين.
بدأ دراسته في الحوزة العلمية في
النجف الأشرف وحصل على دراسته
المنهجية فحاز شهادة اليسانس في
الشريعة، واللغة من كلية الفقه في النجف
الأشرف - العراق.


في هذا التقديم: مسئولية بالغة الأهمية، تتطلب الملاءمة والانسجام، مع الخطة الموضوعية، والنهج البناء الذي يرسمه هذا الكتاب، كما يتطلب التماس سبل التقارب الذي هو رسالة المؤلف في هذا الحوار الفكري، مع رجال الفكر المعاصرين.

ظاهرة الاختلاف

ومن الظواهر الطبيعية: أن تتفاوت الآراء والمعتقدات، وأن تقوم في المجتمع الواحد ظاهرة الصراع والتناقض، كما أنه من الطبيعي أن تتحكم في هذه التناقضات اتجاهات عقائدية مختلفة، تقضى إلى أدوار من المجابهة العنيفة، وأطوار من الحوار الصريح.

ففي الطبقات الدنيا من الأفراد والمجتمعات تتحول هذه الخلافات العقائدية إلى صراع عنيف يخرج عن نطاق العقل، والأسس المنطقية السليمة، إلا أن هذا التناقض والاختلاف في الطبقات العليا من أفراد المجتمع الإنساني يأخذ طابع