وأما إذا ما تحولت هذه الأفكار والمعتقدات إلى أعرف وتقاليد موروثة وإلى سلوك اجتماعي معين، فإنها تفقد - حينئذ - ميزاتها النطقية، وتصبح من الوضعيات التلقائية التي يمارسها الأفراد والجماعات. كجزء من ذاتها وأصالتها، ومقومات حياتها.
وفي هذه الوضعيات من السلوك التقليدي المألوف: يكمن التعصب الأعمى، ويشتبك الصراع العنيف، الذي لا يألف الهدوء ولا المهادنة، ولا يعرف التحدث ولا الحوار.
غير أن قضايا العقيدة والفكر الإنساني المعاش، يختلف أثرها في الطبقة العليا ذات الخبرة والتجريب عنه في الطبقة الدنيا من الناس، وهي تتوارث هذه العقائد والأفكار، دون أن تقف على تعليلها، ودون أن تتعمق في تحليلها، أو تدرك آثارها، أو تغور في جذورها.
وفي الواقع: أن الطبقة الدنيا من الناس لا يؤمنون إلا بالمحسوس من مدركاتهم وتصوراتهم، وبالقناعات الموروثة لديهم، وهم على العكس من الطبقة العليا، ذات البصيرة والنفاذ، والقدرات العقلية والمنطقية، الذين يعتمدون في مدركاتها وتصوراتهم على مقاييس الفكر والتأمل، فبينما تألف الطبقة العامة من الناس أن تدرك من نوافذ الحس والتجربة، فإن الطبقة المتميزة منها تألف أن تدرك بالمعايير العقلية، والمنطقية، وإذا كان المجتمع العام من الناس يعتمدون فيها على التجريب والإحساس، فإن المستوي المتميز منهم إنما يعتمدون فيها على التجريد والتعقل.
ولهذا فإن مسائل المعرفة الإنسانية ولا سيما القضايا الفكرية فيها لا يمكن أن تسوى عن طريق العامة من الناس، بل إنها تصبح عن طريقها مسائل غوغائية لا
ومن الأصوب في ذلك: أن نلتمس البحث والحوار في منطق ذوي التجريد والتعقل والثقافة، غير أنه إذا كنا نحذر في الطبقة العامة من الناس خطر التعصب الأعمى، فإن أخطر ما في المثقفين من عوامل الهدم والانحراف هو: أن يتنكبوا عن سبل الإنصاف والتجرد، وأن يجتنبوا الموضوعية في شئ من تأملاتهم وعقائدهم.
والموضوعية - إذن - هي المقياس العاصم حتى للمنطق الذي يتذرع به ذوو الإدارك والتعقل، الذين يريدون أن يبنوا قضايا الرأي والعقيدة، أو يهدموها.
تمييع الخلافات المذهبية
وأعنف ما في هذه المعتقدات هي القناعات الموروثة، والخبرات الدينية التي تألفها الأفراد والجماعات، والتي تترسب في أعماقهم عقائد مذهبية عميقة الجذور.
ولقدسية هذه العقائد، والقناعات المذهبية الموروثة تبقى آثارها، وأحكامها فوق مستوي النقد والمس والملاحقة.
وعلى هذا الأساس من الواقع.. فقد فصل الدين الإسلامي عامة معتقداته إلى العقائد، الأصول التي لا بد للعقل من أن يؤمن، ويعتقد بها الاعتقاد الجازم، وإلى الفروع التي لا بد من الاقتناع بها، والالتزام بطقوسها، على أساس هذه الأصول، وعلى أساس التسليم بها.
ومن المسائل التاريخية العميقة الجذور، التي ورثتها طوائف المسلمين منذ فجر تاريخهم هي العقائد المذهبية التي تميزت فيهم بالعنف والتعصب، والإسراف، تلك العقائد التي أبعدتهم عن رسالتهم التي وحدتهم وألفت بينهم، وتلك العصبيات التي طمست فيهم معالم الحق والإنصاف، وبدلت قوتهم إلى ضعف، وحولت منعتهم
ومن أمثل ما يجدينا في تمييع هذه الخلافات المذهبية التي تحجرت في آماق الطبقات المختلفة، هو محاولة الإقلاع عنها، وتجنب الإثارة من حولها والطعن فيها، إذ على العكس من ذلك تظل هذه الخلافات العقائدية تثير من حولها عاصفة من التعصب المقيت، والصراع المستميت.
ومن الأصوب في إذابة هذه الخلافات وتمييعها: هو أن نلتمس لها المعاذير، وأن نتذرع فيها بالاعتدال، وأن نقتنع: أن تلك العقائد المتناقضة ليس فيها ما يستهدف العدوان، ولا يتعمد التجني والاستهوان.
وإن شأن الطائفة الشيعية مع الطوائف الأخرى شأن اختلاف المذاهب فيما بينها، ما دامت الأصول واحدة، والأساس هو الإسلام.
وانطلاقا من هذه الفكرة المنطقية العادلة: فإن حركة التشيع - في ذاتها لم تقم في مطلق تاريخها على مناهضة الاتجاهات الإسلامية الأخرى، إلا أنها سارت في مسارب التاريخ تبنى ذاتها، وتدافع عن وجودها، وتحمي مبادئها وتكتسح من طريقها كل ما يستهدفها ويناهضها، وهي تزيد من فاعليتها أو عطاءاتها، عبر رسالتها الإسلامية البناءة.
حركة التشيع وعطاءاتها
ومن الحق: أن ندرك أن حركة التشيع في التاريخ الإسلامي امتداد سليم لفاعلية الإسلام، وثورته الرسالية المتفجرة.
فمنذ أن ضربت الخلافة الإسلامية بجرانها على المجتمع الإسلامي كله: تشعب الوجود الإسلامي إلى واجهتين متميزتين:
وواجهة.. تمثل النزعة الفكرية والاتجاهات العقلية والعقيدية في حياتهم.
وإذا كانت مشايعة علي (عليه السلام) لمحمد (صلى الله عليه وآله) في أعمق وأعنف معانيها العقيدية قد تسربت إلى مشايعة أمثل الصحابة في الصدر الأول لعلي (عليه السلام) في هذا المستوى العنيف والعميق من الإيمان، فإن هذا التشيع هو امتداد واضح لفاعلية الإسلام ونفاذه في الصفوة المختارة من المسلمين الذين وقفوا إلى جانب هذه الواجهة المتميزة، وعاشوا حقها بكل وجودهم وضمائرهم.
وهكذا بدأت مشايعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من انطلاقة علي (عليه السلام) وإيمانه وانصهاره في الرسالة الإسلامية، وهكذا.. ظلت الصحابة هذه المشايعة هي المسيرة الإسلامية الحادة التي تدرجت في إيمان هؤلاء الصحابة وضمائرهم، كما تدرجت في النهج الذي انتهجه النبي (صلى الله عليه وآله)، لعامة المسلمين في دعوته الإلهية التي حدد أعادها في اتباع أهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بأهداب سنتهم وسريتهم.
وعلى امتداد هذا الخط الإسلامي القويم تقف الأجيال الرتيبة التي تفتحت لهذه الحركة الفذة، وآمنت بها، وتفاعلت معها، فأضحى التشيع في حساب هذه الأجيال خطا مستقيما تسير عليه الرسالة الإسلامية من الوجهة العقلية والعقيدية، وهو ما حمله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، كما حمله أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) عقب الرسول (صلى الله عليه وآله) وعبر الأجيال التي أعقبت جهادهم وتضحياتهم.
وبالرغم من أن الانطلاقة الأولى التي أوجدت هذه الحركة الفعالة، وكانت تتمثل في بيعة علي (عليه السلام) وتوليه أمر الوزارة والخلافة يوم الدار، إلا أن أوسمة الخلافة وشاراتها كانت تتدافع على أكتاف الإمام (عليه السلام) وواجهته حتى انتهى الأمر إلى الحد الحاسم من إعلان خلافته وولايته على المسلمين.
ومهما يكن تفسير هذا الحدث الإسلامي الفذ الذي ألح عليه الوحي، وغطاه بالموقف الصلد الحازم في حماية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من الأخطار والشرور.
ومهما تكن طبيعة هذا البلاغ الخطير في يومه المشهود، الذي تم فيه الأمر لعلي - فإن الشخصية النموذجية التي استطاع النبي (صلى الله عليه وآله) أن يواجه به المسلمين، وهي أصدق صورة لنفسه وسيرته، هو هذا النموذج الأمثل الذي كان (صلى الله عليه وآله) على أشد ثقة من سابقته التي بدأها بالإيمان والفطرة، وعاشها بالصبر والجهاد، ومارسها بالطهر والعمسة، وختمها بالتضحية والشهادة كما كان على أشد ثقة بكل مراحل حياته التي استقام فيها، وكابد المكاره من أجلها، وجرع الغصص في سبيلها.
وحين قدم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المسلمين هذا الأنموذج الفذ الذي تمثل فيه واقع الإسلام وجوهره، لم يرد الرسول (صلى الله عليه وآله) من أمر الخلافة وتجسيد واقعها بأكثر من ذلك، ولا بأكثر من أن يظل هذا الأنموذج الفذ هو القائد والرائد، والهادي، والمستحفظ، الذي لا يتخطاه المسلمون، ولا يعدلون عنه، ولا يختارون غيره - إن كان لهم الخيرة في ذلك - اتباعا للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والذي نص عليه، وانقيادا للوحي الإلهي الذي اختاره واصطفاه، فأكمل به دينه الذي ارتضاه، وأتم به نعمته على المسلمين.
وقد صدقت نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) عند المسلمين في كل ما مارسه الإمام (عليه السلام) من مسئوليات الإمامة التي تجلت في جهاده للإسلام وفي ريادته للمسلمين، وفي نصحه
وكما بدأت تفاعلات هذه الحركة - في أعقاب هذا الحدث الفذ - كذلك بدأت الحركة المضادة لها، وهي تتفاعل في أعماق السياسة التي ظهرت - بعد ذلك - على مسرح الأحداث الإسلامية التي أعقبت عهد النبي (صلى الله عليه وآله) بصورة مباشرة.
وقد ظلت هذه التيارات المتصارعة تسير في خط متناقض، تشتبك فيها السياسة مع العقيدة، حتى انتهت إلى النهاية التي ألحت على حتمية النهوض والإصلاح.
وعلى امتداد الخلافة التي مارسها الإمام (عليه السلام) ومارس فيها تصفية الأوضاع والاتجاهات التي أدت بكثير من فرق المسلمين إلى المروق والانحراف عن السلوك السوي الذي انتهجه الإسلام، وخططه للمسلمين: كان لا بد لحركة التشيع في ظل هذه الخلافة من أن تنمو وتنفتح، وتزداد عطاءاتها وتزدهر آثارها، إلا أن القوى المضادة التي مارستها السياسة الأموية - بكل جهدها وطاقاتها - كانت تحاول - هي الأخرى - هدمها والإطاحة بها، ومصادرتها، ونقض شروط المصالحة معها، وهي تلك الشروط التي صادق عليها الإمام الحسن (عليه السلام) وسحقتها السياسة الأموية، وتنكرت لها، وخرجت عليها.
وقد برز في هذا الصراع العنيف الدور القائد للتضحية والفداء، فتمخضت هذه الحركة الجبارة عن ثورة خالدة، ظلت تمارس - في كل جيل - مقارعة الانحراف، ومجابهة المروق عن الدين، وهي تدفع بحركة التاريخ الإسلامي إلى أن تسير في طريقها الرسالي الواضح من جديد، وتنحدر في مسارب الأجيال والمجتمعات التي أعقبت هذه الانتفاضة الجبارة.
وإذ كانت حركة التشيع - في جميع أدوارها ومراحلها - حركة إيجابية ترتكز على العقل والعقيدة، كان من المحتم أن يبرز فيها الدور الجبار الذي بدأ يجسد لأجيال المسلمين الواقع الفكري والحضاري للإسلام، وهو يتمثل في المدرسة العقلية والفكرية التي مارسها الإمام الصادق (عليه السلام) وقد ألهم العلم والمعرفة، وأفاض الفقه والحديث، وأعد العلماء الذين ظلوا خزنة للعلم وسدنة للدين إلى عصرنا هذا.
وتابع هذه الحركة كل واحد من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، فخلف لها الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) أصولا ترتكز عليها ديمومتها وبقاؤها، فقد بنى الإمام الغائب (عليه السلام) على أعقاب غيبته الكبرى صروح النيابة العامة، التي ترجع إليها أجيال الشيعة في عامة شئونهم وأحداثهم.
وكان من العوامل الفعالة التي ساقت حركة التشيع هذه إلى الديمومة والاتساع هو دور العلماء الذين جاهدوا في أداء رسالتهم، وبذلوا دماءهم ومدادهم في سبيل نشر الفكر الشيعي، ودعمه وتركيزه.
ثم كان من العوامل الفعالة في انتشار الفكر الشيعي، واتساع رقعة التشيع، واستمراريته: هو ظهور عديد من الحكومات الشيعية التي أقامت حكمها في قطاعات مختلفة من العالم، خلفت آثارا حضارية وفكرية لا يزال المسلمون ينعمون بها، وتتمثل ذلك بالأزهر الشريف، وبما ينوء به من المسئوليات الفكرية والثقافية في أوسع رقاع العالم الإسلامي وأشملها.
في هذا الكتاب
والكتاب - بعد هذا - إسهام فعال في حركة التقارب بين المسلمين، يستعرض صورا من الفكرة البناءة، ونماذج من محاولات الإنهاء للصراع الفكري العنيف، الذي أجهز على منعة المسلمين، وعزتهم عبر التاريخ.
وللمرة الأخرى.. نجد من يتابع هذا الخط الفكري والعقائدي الذي يعني بالمسائل المذهبية الصريحة في حوار مفتوح.
وإذا كان الإمام الخالد السيد شرف الدين - في يومه - قد طرح أمهات المسائل الإسلامية في صيغتها العميقة من البحث والمداولة، مع شيخ الأزهر، فإن الأستاذ الرضوي قد تابع - هو الآخر - عددا من مسائل العقيدة والتاريخ - بأسلوب آخر - مع كثير من رجال الفكر والثقافة، وانتهى فيها إلى شئ بارز من التفهم والتقارب.
وامتزج - فعلا - بالنخبة الممتازة من الرجال المثقفين، وهو يحاورهم ويطرح عليهم شيئا من المسائل المذهبية الشائكة، التي استدرجهم فيها إلى تصريحات وأقوال تثمن ما تفرد به فقه الشيعة من الخصائص والامتيازات وما تميزت به
وقد تدفقت أقلام هؤلاء الرجال حول ما تميزت به طائفة كبيرة من طوائف المسلمين، ظل التاريخ المعادي لها يطمس معالمها، ويتجنى عليها ويتنكر لمعارفها، غير أن هؤلاء الرجال قد عنى لهم أن يتداركوا ذلك، فأشادوا بخصائصها في الفقه، والحديث، والعقيدة، والتاريخ.
وكان من العوامل التي حققت هذا الهدف المنشود هو: وعى هذه الثلة من الرجال الذين تعيش قراء العربية ثقاتهم واتجاهاتهم وأحكامهم، كما كان من العوامل الفعالة في ذلك - أيضا - نشوب هذا الحوار الصريح في أرضية خصبة، ذات ثروة فكرية وحضارية - هي أرض الكنانة، التي تمتد ثقافتها إلى عمر الحضارة الإنسانية العريقة لأمتها - وذات نزعة تشيعية تمتد إلى عصر الفاطميين الذي أشاع فيهم هذه الروح، وهذا الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، ولذلك فقد تخير الأستاذ المؤلف هذه الأرضية، كما تخير عددا من رجال الفكر في القاهرة، ليؤدي معهم هذه المهمة الإسلامية الواعية.
وهكذا كان " المحاور " ذكيا، حينما اختار هذه الأرضية الخصبة الثرية، بالأدمغة المجنحة التي تقدح بالجدة والابتكار، وتتدفق بالفكر الواعي المسئول، وبالإدارك الصائب النير.
وفي محتوى هذه " المحاورات " لفتات ذكية منصفة، انطلقت من أجواء وذهنيات حادة، نفذت إلى أعماق من الحقائق والموضوعات، كانت موصدة الأبواب والمسارب،، لولا هذا الجو الملائم الذي ساعد عليه هذا " المحاور " الذكي الذي استقطب - في حوار هذا - عددا من الآراء الإسلامية البارزة. وكان هذا هو العمل المخلص الذكي الذي استطاع أن ينزع به تلك التصريحات والحقائق
وعند ما يستبين القارئ الممعن روح التجرد والإنصاف، التي تشيع في ضمائر هؤلاء الرجال المثقفين، وتدور على ألسنتهم، وتجري في أقلامهم، وهم يتحدثون عن الإسلام، وعن واقع ما ينبغي أن تتمثل به السنة والشيعة من التعاطف والتسامح والنزاهة فيما بينهم.. فما الذي يدفع - بعد ذلك - بأحد من المسلمين إلى أن يتذرع بسلاح التعصب المقيت، وما الذي يلجئه إلى أن يدافع عن مذهبه، أو أن ينكمش عليه.
ويشكل العمود الفقري لهذا الكتاب القيم حوار صريح بناء، استوعب عددا من المسائل المذهبية الجديرة بالبحث والتحدث، تعاهد فكرتها هؤلاء الرجال الذين أرادوا أن يصارحوا المسلمين بآرائهم فيها، وهم في صدد أن يتلمسوا حركة التشيع على حقيقتها وواقعها، وأن يتفهموا - جهد طاقتهم - أبعادها وجذورها.
وكان هذا هو السبيل الأقوم في أن يدرك هؤلاء الرجال مسئولياتهم في توعية المسلمين، وتوجيه أفكارهم، وتصحيح عقائدهم، وذلك في أخصب بقعة للفكر، والثقافة، وأعمقها في الوعي والإدراك.
ولم يكن للمؤلف المجاهد " السيد مرتضى الرضوي " ما يستهدفه في رسالته هذه، ولا في أي من نشاطاته الإسلامية إلا أن يدفع عن طائفته الشيعية ما لحقها من التجني وضروب الحيف، وعن أمته الإسلامية ما أصابها من الاختلاف وآثار الضعف.
والله الموفق للصواب والهادي إلى سواء السبيل.
مرتضى الحكمي
20 ذو القعدة 1394 هـ
- 9 -
السيد محمد حسن القاضي
السيد محمد حسن القاضي نجل سماحة آية الله السيد علي القاضي (1) خريج كلية الفقه في النجف الأشرف. أستاذ وأديب فاضل قيم كتابنا: مع رجال الفكر في القاهرة. فله منا جزيل الشكر |
جهاد وتضحية... ومحاولة جديدة بارعة... ومن نوع مبتكر... في سبيل نشر عقائد الإمامية... هو أسلوب الصداقة، وإيجاد العلاقات الودية، والروابط الأخوية مع الآخرين من أبناء العامة والسنة... وشد الرحال لهذا الغرض السامي إلى بلادهم... ثم المحاججة معهم... بأسلوب هادئ، ونقل الأحاديث التي يعترفون بصحتها والموجودة في معتمداتهم من الكتب، ومن ثم حملهم على الإذعان والرضوخ لحقايق ظلت سنين طويلة مجهولة عندهم، أو أنهم تغابوا، أو تعاموا عنها ... لأسباب تعود إلى قلة الدعاة عندهم... أو عدم معرفة الطرق الصحيحة المؤثرة فيهم...
____________
(1) أستاذ العلامة الفيلسوف السيد محمد حسين الطباطبائي مؤلف: الميزان في تفسير القرآن صدر في عشرين مجلدا وقد طبع هذا الكتاب في طهران، وبيروت أكثر من مرة.
وبالأخير حملهم على أن يدونهم ما اتضح لهم من هذه الحقايق، وما وضح لهم من مجهول يدونوا ذلك في مقدمات كتب هي من أهم كتب الشيعة الإمامية، وأكبر موسوعاتهم لأحاديث وروايات العترة الطاهرة.
حقا إنه جهاد، وتضحية، ومن نوع جديد يبتكره، ويدعو إليه:
السيد مرتضى الرضوي حفظه الله فله منا ألف شكر، وألف ثناء... وعند الله تعالى الأجر والمثوبة...
محمد حسن القاضي
29 / 4 / 1395 هـ / طهران
- 10 -
الأستاذ عبد الله الخنيزي
الأستاذ عبد الله الخنيزي مؤلف كتاب: " أبو طالب مؤمن قريش " الذي حكم عليه بالإعدام من قبل السلطات العربية السعودية ثم أعفى عنه في حاضرة: النجف الأشرف - العراق يتابع قضايا الفكر، والعقيدة الإسلامية (1): |
وكل هذه مما يجب على المرء أن يتوخاها، ويهدف إلى الوصول إليها، ما دام يبحث عن الحقيقة ويحوم حول الحق وحده، حيث يكون الخضوع للدليل، والاحتكام للحجة، ليس يهدف لغلبة وانتصار، بأي ثمن.
____________
(1) - للأستاذ الخنيزي عدة مؤلفات مخطوطة ومطبوعة ومن آثاره التي طبعت أخيرا: " أدواءنا " و " ضوء في الظل " و " نسيم وزوبعة " وطبعت الثلاثة في القاهرة عام 1397 هـ. - 1977 نشرتها:
مكتبة الأنجلو المصرية 165 شارع محمد فريد - بالقاهرة.
وهذا الأسلوب من الحوار، معتمدا العنصر الأساسي:
الوصول إلى الحق - هو ما دل عليه القرآن الكريم:
(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن). فسواء كانت هناك دعوة إلى الحق، ودلالة على سبيل الله، أو كان هناك دفاع لصد هجوم، ورد معتد، فإن السبيل اللاحب، والطريق القويم إلى ذلك، والدعوة الحكيمة، والجدل بالحسنى، إن لم يكن بالتي هي أحسن.
وإن المردود في هذا الأسلوب، لهو الوصول - معا - إلى الحق، والكشف عن الحقيقة، وتضيق هوة الخلاف، واجتناب أسباب الفرقة.
أو - على أقل تقدير - توضيح الرؤية: وتمزيق الحجاب، الذي يحجب عنها، وإزالة اللبس والشبهة التي قد تحصل من تكثيف الضباب، وما خلفه من تراكمات...
وما كتاب الأخ الصديق الفاضل الحسيب السيد مرتضى الرضوي، سوى شاهد على ما يفيده هذا، وما يقدمه النقاش المستقيم من فتح خير.
فهو قد سار على هذا النهج القويم، حيث قام باتصالات مع بعض رجال الفكر في مصر، وأجرى معهم أحاديث هادفة، ذات أبعاد في تاريخنا الإسلامي، يستهدف منها إزالة شبهة، أو توضيح رؤية، أو تقريبا نحو نقطة التقاء.
وإن مردود هذا الأسلوب الهادف، ليلمسه القارئ: عندما يقف على تلك المناقشات العلمية، التي ضمها الكتاب بين دفتيه.
الشيعة - شيعة أهل البيت عليهم السلام - وأهل السنة، وخصوصا تلك التي تتصل اتصالا مباشرا بالإمامة والخلافة، التي هي أهم نقطة تختلف الطائفتان في تقويمها، وفى النظر إليها من حيث اعتبارها - عند الشيعة - الضرورة الحتمية لاستمرارية الرسالة المحمدية في شمولها وبقائها.
وقد أزالت هذه المناقشات كثيرا من الشبه، ووضحت الرؤية في جوانب أخرى، وكان لدى البعض - أو كثير - جانب كبير من الإنصاف وحرية الرأي، وصفاء الرؤية.
فهي تعطي القارئ معلومات شاملة لا يحس معها بجفاف البحث الجاد، لأن السيد الرضوي طعمها - أو وشاها - بأحاديث جانبية، وكان بإمكانه أن يستغني عنها: حذفا وبترا، دون أن يمس الموضوع الجاد، بأي شئ من نقص، ولكنه شاء أن ينقل للقارئ صورة حية متحركة، بأمانة كالمسجل المفتوح الذي يسجل الصوت، والحديث، ويضم إلى جانبه النحنحة، أو الضربة، أو الوقفة، وما إلى ذلك.
فهو لا يدع أن يسجل مثلا - بأنه ذهب إلى " فلان " فضغط الجرس، فأقبلت " حرمه " لتنهى إليه بأن فلانا غير موجود، ليعود أدراجه، على أن يعود إليه - مرة أخرى.
أو أن يسجل بأنه طلب موافاة الدكتورة يذهب مع زيد وبكر، فيأخذ من " أمينة السر " موعدا يحدد الزيارة في الساعة المعينة، من اليوم المحدد، حتى يجئ ذلك الوقت فيكون هناك، ويعطى الصورة كاملة من حين تطأ قدمه العتبة: داخلا، حتى تطأها - كذلك - مودعا أو مودعا.
فهو - كما قلت - مسجل يعطي الوقائع، ويبرز الصورة في ما هو يقدم الحديث، ويعرض الحوار.
وهذا يعني صدق في حديثه، وأمانته في نقله، وعدم تحويره لما يقدم.
وهذا يعطي القارئ محطات استراحة، ينضو عنه تعب السفر المجهد وعناء مواصلة المسيرة الجادة.
وهو - من جانب آخر - آثر أن يعطي عن كل من تحدث معه نبذة عن حياته، هي ترجمة مختصرة، يقدمها للقارئ وليكون عن المتحدث صورة، يستطيع أن يتمثل بها تلك الشخصية، من حيث المستوى العلمي، أو الأخلاقي على أنه ضم إلى ذلك - بالنسبة للبعض منهم - صورة تعين القارئ، كذلك، على هذا التمثيل.
ولكن شيئا أريد تسجيله على الأخ السيد الرضوي - بعد أن همست في أذنه - هو أن بعض النقاط في محادثاته، لا تترجم، ولا تعكس سوى رأيه الشخصي " دون أن يكون له مساس، من قليل أو كثير، بالعقيدة لدى الشيعة، إن لم يكن ذلك على العكس.
ولا أريد هنا أن أناقشه في ذلك، أو أضع هذه النقطة أمام القارئ، بعد أن وعد مشكورا يستبعدها من كتابه، في هذه الطبعة التي ضم إلى كتابه ما جد من أحاديث، وأعطاه شيئا من التطوير ولكني أشير أن في الكتاب بعض الكلمات التي تمردت على قواعد اللغة، فحبذا لو أعطاها شيئا من عنايته، ورد في هذا الجماح، لئلا يغضب منه:
الفيروزآبادي أو ابن منظور، أو الطريحي، ومن إليهم من أرباب قواميس اللغة.
كما لا أريد أن أطري الأخ الصديق. أو أقوم ما قام به من نشاط، تعدى هذا الجانب من المحاورات، بل سبقته في ما نشر من كتب قيمة، تهدف إلى ذات الغرض،
أسأل الله أن يمده بفيض من عنايته، ويأخذ بيده في تسديد وعناية يواصل مسيرته الخيرة الهادفة، ويحقق على يديه بعض الأماني الحلوة، والرحاوات الخميلة - إنه سميع مجيب.
عبد الله الخنيزي
18 / 8 / 1396 هـ
15 / 8 / 1976 م / القاهرة
- 11 -
الأستاذ الخطيب السيد جواد شبر
الأستاذ الخطيب السيد جواد شبر من مشاهير الخطباء البارزين في العراق له: مؤلفات وآثار خالدة أهمها: (أدب الطف) صدر في عشرة أجزاء كبار دون فيه تراجم وقصائد الأدباء والشعراء الذين تناولوا ذكر مقتل الإمام الحسين (عليه السلام). |
السيد الشريف فرع الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
سيدنا المجاهد دون الحق السيد المرتضى دامت أيامه وارتفعت أعلامه.
إن كتابكم " مع رجال الفكر في القاهرة " له أكبر الأثر في نفسي، ولو أتسع نشره لأرشدت إليه أبناء العصر فإنه يغرس العقيدة، وينبه الفكر.
" اللهم أرنا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه، ولا تجعله متشابها فأتبع هواي بغير هدى منك ".
لا زلت في مواقفي الخطابية أرشد الشباب والشابات إلى مطالعة " أصل
أتفأل لمؤلفكم بإعادة نشره مرات، ومرات وأرجو أن تعيدوا النظر في مواضع منه وهي بسيطة منها:
1 - إن كلمة ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد هي لأبي حنيفة وليست لمالك (1).
2 - تخميس المرحوم والدكم لأبيات الشيخ بهاء الدين العاملي. " فدع عنك قول الشافعي ومالك - وأحمد والمروي عن كعب أحبار " الأبيات.
وأنكم تقولون لا أدري لمن وقد ذكرها الكثير ومنهم السيد الأمين في الأعيان بأنها للبهائي.
3 - نرجو التحقيق التام حول تفضيل الأئمة على الأنبياء - عدا أولي العزم - وإشباع الموضوع، فقد كتب الكثير حول ذلك (2).
____________
(1) راجعنا مصادر هذه الكلمة فوجدناها كما قال الأستاذ السيد أيده الله تعالى أنها لأبي حنيفة.
- المؤلف -.
(2) المؤلف يقول:
1 - قال القندوزي الحنفي: أخرج أحمد بن حنبل في مسنده، وأحمد البيهقي في صحيحه عن أبي الحمراء " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في عزمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب،.
وقد نقل هذا الحديث في شرح المواقف. والطريقة المحمدية
أنظر: ينابيع المودة 1 / 121 طبعة الآستانة. الباب الأربعون في كون علي شبيها بالأنبياء (عليهم السلام) وكون فضائله كثيرة لا تحصى.
2 - وروى أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار " المتوفى عام 290 هـ " بإسناده عن الحسين بن علوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إن الله خلق أولي العزم من الرسل وفضلهم بالعلم، وأورثنا علمهم وفضلهم، وفضلنا عليهم في علمهم، وعلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم يعلموا، وعلمنا علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلمهم.
ورواه أيضا عن الحسين بن علوان بزيادة في اللفظ.
3 - روى الصفار بإسناده عن عبد الله بن الوليد قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: ما يقول أصحابك في أمير المؤمنين (عليه السلام) وعيسى وموسى أنهم أعلم قال: قلت: ما يقدمون على أولي العزم أحدا. قال: أما أنك لو حاججتهم بكتاب الله: لحججتهم، قلت وأين هذا في كتاب الله قال:
إن الله قال في موسى: " وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة " ولم يقل: كل شئ.
وقال في عيسى: " ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه " ولم يقل: كل شئ.
وقال في صاحبكم: كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب.
بصائر الدرجات ص 227 ط تبريز عام 1380 هـ
" باب أمير المؤمنين وأولو العزم أيهم أعلم "؟
4 - وروى الصفار بإسناده عن عبد الله بن وليد السمان قال:
قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ما تقول الشيعة في علي (عليه السلام)، وموسى وعيسى قال:
قلت جعلت فداك: فما عسى أقول فيهم فقال: هو والله أعلم منهما.
ثم قال أبو عبد الله: أليس يقولون:؟!
إن لعلي ما للرسول من العلم قال: قلت بلى:
قال: فخاصمهم فيه. قال:
إن الله تبارك وتعالى قال لموسى:
" وكتبنا له في الألواح من كل شئ ". (الأعراف: 145) فأعلمنا أنه لم يبين لهم الأمر كله.
وقال تعالى لمحمد ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. النحل: 89.
والآية هكذا: وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ.
5 - وروى الكليني بإسناده عن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه الرضا (عليه السلام):
أما بعد فإن محمدا ((صلى الله عليه وآله وسلم)) كان أمين الله في خلقه فلما قبض كنا أهل البيت ورثته فنحن أمناء الله في الأرض وعندنا علم المنايا، وأنساب العرب... الحديث.
أصول الكافي 1 / 123 باب الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.
6 - وروى الكليني بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) يمصون الثماد، ويدعون النهر العظيم قيل له: وما النهر؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعلم الذي أعطاه الله.
إن الله عز وجل جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سنن النبيين في آدم وهلم جرا إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قيل له:
وما تلك السنن؟ قال:
علم النبيين بأسره، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صير ذلك عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له رجل:
يا بن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام):
اسمعوا ما يقول:
إن الله يفتح مسامع من يشاء، إني حدثته:
إن الله جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) علم النبيين، وإنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين وهو يسألني:
أهو أعلم أم بعض النبيين؟!.
أصول الكافي: 1 / 222 باب إن الأئمة (عليهم السلام) ورثة العلم ميراث بعضهم بعضا العلم.
الخطيب السيد جواد شبر
التاريخ 22 / 2 / 1397 هـ
الهاتف 378 مسكن