ومما يؤسف له أشد الأسف أن بعض الباحثين من المسلمين في العصر الحاضر تابع أولئك المستشرقين في آرائهم دون أن يتفطن إلى حقيقة مراميهم.
والشيعة اسم كان يطلق قديما على كل من شايع عليا رضي الله عنه، وقال بإمامته وذريته من بعده نصا ووصاية، وهو يطلق الآن على الاثني عشرية خاصة.
والشيعة عموما يستندون في تشيعهم للإمام علي رضي الله عنه إلى شواهد من الكتاب والسنة.
والاتفاق بين السنة والشيعة في أصول العقائد ظاهر جلي، وذلك إذا استثنينا مسألة الإمامة، إذ يرى أهل السنة أنها قضية مصلحية تناط باختيار العامة على، حين يراها الشيعة قضية أصولية، وأن الإمام المنصوص عليه هو علي رضي الله عنه، وأن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم أو تقية، وتنحصر الإمامة عندهم في اثني عشر إماما.
والاتفاق بين السنة والشيعة في الأحكام الفقهية واضح بين، وذلك إذا استثنينا الخلاف حول بعض الأحكام الفروعية، مثل " نكاح المتعة " الذي ثبت نسخة عند أهل السنة ولم يثبت عند الشيعة.
ولم لا يقع الاتفاق بين السنة والشيعة في أصول العقائد والأحكام الفقهية إذا كان المصدر الذي يستمد منه كلاهما واحدا وهو: " الكتاب والسنة؟.
إن مدى الخلاف الموجود بين السنة والشيعة ليس فيما يبدو لنا بأبعد مما هو موجود مثلا بين مذهبي الإمام مالك وأتباعه من أهل الحديث، والإمام أبي حنيفة
فإذا عرفنا بعد ذلك أن أهل السنة جميعا يقرون بالفضل والعلم والتقوى لأهل البيت الأطهار، ويرون أن لهم منزلة خاصة لا يدانيهم فيها أحد وأن محبتهم والتقرب إليهم من كمال الدين، وباب للقرب من الله، وذلك لما ورد في حقهم من الكتاب والسنة من الشواهد وعرفنا أن الخلاف بين السنة والشيعة ليس بذي خطر!
ومع أن التشيع يستند أساسا إلى شواهد من الكتاب والسنة إلا أن بعض الباحثين من غير المنصفين نسبوه إلى مصدر غير إسلامي! وكان بالإنصاف يقتضي في هؤلاء الباحثين ألا يطرحوا هذه الشواهد من حسابهم إذا أرخوا ومن أراد زيادة في هذا الطلب فعليه الرجوع إلى الكتب المعتبرة في علم الحديث عند أهل السنة، مثل صحيح البخاري، وصحيح مسلم وغيرهما، وذلك في الأبواب الخاصة بمناقب أهل البيت رضوان الله عليهم.
ومما هو جدير بالذكر في هذا الصدد، أن شأن التشيع فيما قيل عنه من أنه دخيل على الإسلام شأن التصوف الإسلامي أيضا، فقد كان بعض الباحثين قديما وحديثا يعتبرون التصوف من صدر غير إسلامي، سواء أكان هذا المصدر فارسيا أم نصرانيا، يونانيا أم هنديا، على حين أن التصوف من حيث هو علم للمقامات والأحوال التي تعرض لقلوب المتعبدين السالكين لطريق الله عز وجل، كالتوكل والرضا، والزهد، والمحبة، والصبر واليقين، والمعرفة والأنس بالله والخوف والرجاء وما إليها، هو علم الأخلاق الدينية مستند أولا وقبل كل شئ، إلى الكتاب والسنة.
وجدير بالذكر كذلك أن بين التصوف والتشيع صلات قوية، وللإمام علي رضي الله عنه عند الصوفية منزلة خاصة رفيعة، فهم يعتبرونه مثلا أعلى في الزهد والتقوي، والورع والصبر واليقين، والرضا والتوكل، وكتبهم حافلة بذكر مناقب ذريته، رضي الله عنهم أجمعين.
وهناك في كتب أهل السنة أنفهسم شواهد كثيرة على خصوصية الإمام علي في العلم، وحسبنا أن نسوق الرواية التالية على سبيل المثال لا الحصر: " عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله وقال:
إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك.
فقال علي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين بل إنه يضر وينفع، وذلك في تأويل كتاب الله تعالى في قوله: " وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) - فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر، وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان. يشهد لمن وافى بالموافاة، فهو أمين الله في هذا الكتاب؟
فقال له عمر: " لا أبقاني الله في أرض لست فيها يا أبا الحسن " (1).
فعمر بن الخطاب كما يستفاد من هذه الرواية يقبل الحجر الأسود اقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا شأن كل مسلم في الاقتداء بالنبي.
____________
(1) رواه الخمسة، وزاد الحاكم: فقال علي... إلخ، وراجع كتاب الجامع لأصول أحاديث الرسول 2 / 149، تأليف الشيخ منصور علي ناصيف، ط، القاهرة 1352 هـ.
وهو شاهد على بني آدم يوم القيامة (1)؟.
وهنا قد يعترض فيقول: إذن هذا لا يعلل بالعقل، فيرد عليه بأن كثيرا من الأحكام الشرعية لا تعلل بالعقل، لأنه فوق إدراك العقل، والدليل على ذلك أن مناسك الحج لا تعلل، فلم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود بالذات؟.
ولم تجمع الحجار من المزدلفة بالذات لرجم إبليس؟
إن لكل شئ سره ولكل مكان خصوصيته!.
فهناك إذن أمور في الاعتقاد أو في التشريع اختص الإمام علي رضي الله عنه وذريته من بعده بعلمها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولذلك لا ينبغي أن يغفل المسلمون من غير الشيعة عن قيمة تراث الشيعة في العقائد وفي الفقه، فهذا التراث يروي عن آل البيت رضي الله عنهم، وهم أئمة في الفقه والتشريع، وسادة لهم فضلهم ومكانتهم في قلوب المسلمين على اختلافهم.
لذا كان سرورنا عظيما بتلك الحركة الناهضة المباركة التي يصطلح بها الأخ الصديق السيد مرتضى الرضوي صاحب مكتبة النجاح بالنجف الأشرف بالعراق بنشر أمهات الكتب في عقائد الشيعة وفقههم. فإن استمرار هذه الحركة من شأنه أن
____________
(1) عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال في الحجر: " والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق " رواه الترمذي وحسنه، " المرجع نفسه 2 / 149 ".
ومن أجل هذه الأمهات من كتب الشيعة كتاب:
وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة " للفقيه الحجة الشيخ محمد بن الحسن الشهير بالحر العاملي و " المستدرك على الوسائل " للمحقق الميرزا حسين النوري، وقد نشرا معا في هذه الطبعة التي نقدمها للقراء.
والكتابان يتعلقان بالأحكام الفقيهة والآداب المسندة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفقا لمرويات الأئمة من أهل البيت رضي الله عنهم.
ويعد هذا الكتابان مرجعين هامين للغاية للباحثين في تاريخ الشيعة وعقائدهم، وفقههم في الشرق الإسلامي، أو في أوروبا وأمريكا.
وإنا لنرجو مخلصين أن يكون في نشر هذين الكتابين وأمثالهما، ما يحقق غاية التقريب بين السنة والشيعة، وإيجاد نوع من الفهم المتبادل بينهما، فينظر كل فريق منهما إلى الآخر نظرة إنصاف وتقدير.
نسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين جميعا إلى ما فيه خيرهم، وإلى تقوية أواصر المحبة والأخوة بينهم مصداقا لقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة).
والله ولي التوفيق.
د. أبو الوفا الغنيمي التفتازاني
مدرس الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة
القاهرة في 16 جمادى الثانية 1381 هـ
- 9 -
الشيخ الحافظ التيجاني
شيخ الطريقة التيجانية
وبعد أن دخلنا عليه - في المغربلين (1) - رحب بنا وسألني قائلا:
هل أنت شيعي؟
قلت: نعم.
وشاهدت عنده جماعة بأيديهم السبح يسبحون بها، وكأنهم يتلون شيئا خاصا أو وردا معينا ويحركون (رؤوسهم، وأكتافهم) أثناء قراءتهم.
ثم قال الشيخ لي:
الشيعة يقولون بنجاسة أهل السنة (2).
قلت: لا.
وأنكرت عليه ذلك أشد الإنكار، وأشرت إلى إناء ومشربة فيها ماء وقلت له:
إشرب حضرتك في هذا الإناء، وأشرب أنا الباقي، وهذه فرية، والشيعة لا تقول بها.
____________
(1) المغربلين: اسم لحي شعبي من الأحياء الشعبية في مدينة القاهرة.
(2) الشيعة يعتبرون في فقههم أن النواصب كالكفار: محكومون بالنجاسة، وهم الذين ينصبون العداء لأهل بيت النبي الأطهار سلام الله تعالى عليهم.
نعم: إنكم - يقصد الشيعة الإمامية - تقولون بنجاسة أهل السنة.
ولما رفع سماعة الهاتف سمعته يتحدث مع أستاذة كانت معلمة سابقا في العراق وقد عادت منذ زمن قريب، فسألها الشيخ الحافظ وقال:
أليس أنت أخبرتني أن الشيعة يقولون بنجاسة أهل السنة.
فقالت: لا؟ - وإني كنت بالقرب من الشيخ وسمعت ردها عليه - وقالت - أنا حدثتك بأن إحدى الطالبات هناك دعتني يوما إلى منزلها وقالت: إن والدتي امرأة كبيرة فلو أنك رأيت شيئا غريبا عنك لا تنزعجي، ولم أقل لك غير هذا.
فقلت: للشيخ وأسمعت الحاضرين:
لا يصح يا مولانا الشيخ أن تتهم الشيعة بمثل هذه الاتهامات، وقد سمعت أنا الأستاذة قد أنكرت عليك هذا الكلام وهذه فرية ولا يصح صدورها من مثلك.
ثم قال: أنتم الشيعة تفضلون الأئمة على الأنبياء والمرسلين.
قلت: نعم صحيح.
قال: تفضلون الأئمة حتى على أولي العزم (1).
____________
(1) الإمامية " نسبة إلى الإمام أو الإمامة ": أكبر طوائف الشيعة، سموا بذلك لأنهم احتموا بالإمام، وركزوا حوله أكثر تعاليمهم ورأوا أن الأئمة هم على وأبناؤه من السيدة فاطمة بالتعيين واحدا بعد واحد. وتقوم عقيدتهم على أن الإمامة أصل من أصول الدين فهي منصب إلهي كالنبوة، يختار الله الإمام، ويأمر نبيه أن ينص عليه، ثم ينص كل إمام على الذي يليه.
والإمام عندهم دون النبي في الكمالات، ولا يوحى إليه، ولكنه فوق البشر هو معصوم كالنبي، ووجوده ضروري، لأن الله لا يخلى الأرض من حجة على العباد من نبي أو وصي ظاهر مشهور، أو غائب مستور.
والإمامية في الفقه يتبعون جعفرا الصادق وينكرون القياس.
وأهم فرق الإمامية: الاثنا عشرية.... وتقف الاثنا عشرية بالإمامة عند اثني عشر إماما، أولهم على، وآخرهم محمد المهدي بن الحسن العسكري (360 هـ) الذي يقولون إنه اختفى وسيعود في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا.
(المعجم الكبير 1 / 488 " مادة أمم " مطبعة دار الكتب المصرية عام 1970 م).
وانظر تعليقنا على كتاب الأستاذ الخطيب السيد جواد شبر تحت عنوان: آراء ونظريات حول الكتاب وقد مر في أوائل الكتاب فراجعه.
- المؤلف -
قال: هو مذكور في كتبكم والكتاب موجود عندي وفيه مثل هذا النص.
فأنكرت عليه، وقلت له: هات الكتاب ولا يمكن أن يكون فيه مثل هذا.
نعم: الشيعة تفضل الأئمة على الأنبياء حتى على أولي العزم (1) باستثناء نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعند ذلك قام الشيخ ومد يده إلى جيبه وأخرج مفتاحا لصندوق خشبي كان قريبا منه ففتح الصندوق وأخرج رسالة (الشريعة السمحاء) لآية الله السيد ميرزا حسن اللواساني المطبوعة بمطبعة العرفان صيدا - لبنان.
فقلت للشيخ: هات هذا الكتاب يا مولانا الشيخ.
فأخذت الكتاب منه وفتحته وإذا بالصفحة العاشرة منه يقول:
وهؤلاء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) كانوا أيضا كلهم معصومين من جميع الذنوب، ومبرئين من جميع الرذائل والعيوب، طاهرين من الأرجاس في النسب ومطهرين من الأدناس في الحسب كالأنبياء السابقين بل أنهم أفضل من جميعهم بعد نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
____________
(1) أولوا العزم من الأنبياء هم: أصحاب الشرائع: وهم: نوح، وإبراهيم وموسى، وعيسى، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولا يجوز يا مولانا الشيخ أن تنسب إلينا شيئا لم نقله فإننا لم نفضل الأئمة على نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتأثر كثيرا، وتأثر الحاضرون من جماعته، وأصحابه الذين بيدهم (السبح) يسبحون بها.
وكانت الساعة الثانية عشرة مساء.
وعند ذلك قمت وقام فضيلة الشيخ محمد سيد جاد الحق وأستاذنا وانصرفنا.
وفي رحلتي إلى القاهرة عام 1395 هـ موافق 1975 م زرت أحد أصدقائي السادة الأفاضل في داره العامرة يوم الاثنين عاشر شهر رمضان المبارك عام 1395 هـ وكان الحديث يدور حول الشيخ الحافظ التيجاني بعد أن قرأت عليه ما كنت كتبته عنه من خلال لقائي به وما ذكرته عنه من تعصب شديد بإزاء معتقداته ظهر لي من خلال حديث الأخ الصديق الفاضل أنه ينطوي على تعصب شديد أيضا لبني أمية باستثناء يزيد بن معاوية وقد سرد لي قصة تكشف عن هذا التعصب بوضوح وهي:
إن شاعرا يدعى الأستاذ " عباس الديب " قال قصيدة فاخرة بمناسبة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في عام 1393 هـ موافق عام 1973 م في الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة في المقر العام لجمعية الشبان المسلمين بالقاهرة وقد كانت القصيدة ملتهبة حماسا وقد تناول فيها الشاعر مساوئ يزيد بن معاوية وتناول في ذم سلفه أيضا، وقد استعيدت أدوار القصيدة مرارا لشدة إعجاب الحاضرين بها، ولم يعترض عليها أحد فيما تناولت من ذم مقذع للأمويين وعلى رأسهم يزيد.
ثم بعد أن قرأ الأستاذ الشاعر القصيدة على الشيخ التيجاني تأثر الشيخ من ذم الشاعر لبني أمية وأصر عليه أن يعدله عن هذا الرأي باعتبار أن في عداد بني أمية
هكذا يكشف بوضوح عن تقدير الشيخ التيجاني لسلف الأمويين وخلفهم وقد رأيت أدلته التي هي من قبيل " ألف عين لأجل عين تكرم " و " سب اليزيد ولا تزيد ".
هذه الأدلة للشيخ التيجاني التي لا تزن شيئا، وهذا القياس الفاسد الذي تعود الناس في الأمثال الجارية أن يتخذوه لا يجوز أن يكون موضع الاعتبار، إذ لو سايرنا ذلك لكان لنا أن نحذف من القرآن سورة المسد (1).
وأما " سب اليزيد ولا تزيد " المثل الأحمق المشهور يدلنا على مدى تأثير جهاز إعلام " معاوية " الذي قام بنشر أحاديث كثيرة تكشف عن قيمته وقيمة سلفه من الأمويين. وللأسف الشديد أن هذه الأحاديث لم يزل تأثيرها وأثرها باق إلى هذه الساعة مع أن جميع من تعرض للحديث من نقاده رماها بالوضع.
____________
(1) وهي تبت يدا أبي لهب وتب... السورة.
- 4 -
حرف الحاء
10- الأستاذ حسن جاد حسن
11- الأستاذ محمد عبد الغني حسن
12- الأستاذ محمود حجازي
13- الأستاذ محمد سيد جاد الحق
14- الدكتور طه حسين
- 10 -
الأستاذ حسن جاد حسن
الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
" الأدب العربي المهاجر " و " الأدب المقارن " وكتاب: " ابن زيدون " وكتاب:
" الأدب العربي بين الجاهلية والإسلام " " الأدب العربي في ظلال الأمويين " " والعباسيين " وكتاب " ميزان الشاعر " في العروض.
وقصدت دار هذا الأستاذ وحدي مرة ثانية وصحبت معي الكتب التي قمت بنشرها في القاهرة فأهديتها لفضيلته - وتقع داره في درب الجماميز بشارع اللبودية قرب شارع السيدة زينب (عليها السلام) في حارة عبد الباقي - وبعد أن قدمت الكتب لفضيلته طلبت منه أن يكتب تقديما لنصدر به الجزء الثاني من كتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها " ويعبر عن رأيه حول هذه الموسوعة الفقهية الخالدة ووعدني، بالكتابة ووفى بوعده.
وقد ذهبت إلى داره العامرة بعد هذه المرة ودفع لي التقديم الذي كتبه حول كتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها " وقد نشر سابقا في الصفحة الرابعة من المجلد الثاني من الكتاب وهذا نصه:
____________
(1) سيأتي في محادثاتنا معه في رقم (17) من هذا الكتاب.
تحية شاعر:
جهد مشكور، وعمل مبرور، ذلك الذي بذله صديقنا السيد مرتضى الرضوي، في نشر كتاب: " وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للعلامة الفقيه العاملي، ومستدركه للعلامة النوري ".
تلك الموسوعة الضخمة في فقه الأحكام، والسنن والآداب، والأخلاق المسندة إلى الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه بروايات الأئمة من آل بيته الكريم.
لقد أسدى بهذا الكتاب خيرا كثيرا، ففي هذا الفقه الصحيح، والأدب الكريم، ما يدحض شبه المغرضين، ويسد المنافذ على المغالين، ويقطع الطريق على مثيري الفتنة، والفرقة بين المسلمين.
فمهما أمكن من شأن الخلاف اليسير بين الشيعة وأهل السنة، فإن الأصل واحد، والمنبع واحد، وأصول الدين واحدة، مما يقرب مسافة الخلف، ويوحد صفوف المسلمين.
وإلى صديقي الناشر هذه الأبيات:
حسن جاد حسن
أستاذ بكلية اللغة العربية بالأزهر / القاهرة
- 11 -
الأستاذ محمد عبد الغني حسن
المدير العام لمؤسسة المطبوعات الحديثة بالقاهرة
الغدير فيما أثر عنه من الشعر والنثر.
فقلت له يا أستاذ: ما رأيك في كتاب الغدير.
فقال: الغدير دائرة معارف إسلامية كبرى، إلا أن فيه بعض الشئ فسألته عن ذلك؟
فأجاب: قد جعل الشيخ الأميني جهل الخليفة عمر عنوانا في رأس الصفحة ولم يكن من الضروري ذكر ذلك في رأس الصفحة لأنه قد ذكره في المتن.
فقلت له: هل تنكر عليه ذلك؟ وهل هذا الذي جاء به الشيخ الأميني غير موجود في كتبكم.
فأجاب قائلا:
أنا لا أطعن بالحديث ولكن لا أستحسن أن يجعل مثل عنوانا في رأس الصفحة.
فقلت: لا أرى به بأسا والباحث يجب أن يكون صريحا غير محاب.
وللأستاذ محمد عبد الغني تقريض لكتاب " الغدير " شعرا مطبوع في كتاب
وإلى القارئ ما نشر في موسوعة " الغدير " التاريخية:
____________
(1) مجلة الرسالة المصرية السنة 18 العدد 882 الصادر يوم الاثنين 11 شعبان 1369.
في ظلال الغدير
ليس في هذا العنوان أثر لروح شاعرية أو جنوح إلى عاطفة من عواطف الخيال المقتنص، أو ميل إلى شوارد التعبير عما يجول في الخاطر الكليل...
وإنما هي حقيقة ناصعة الوجه واليد واللسان حين نقرر أن القارئ " للغدير " يفئ منه إلى ظل ظليل، ويلتمس عنده من راحة الاطمئنان، وحلاوة القرار، ورضى الثقة ما يجده المرء حين يأوي إلى الواحة المخضرة بعد وعثاء السفر، في بيداء واسعة المتاهات، فيجد في ظلالها أنس الاستقرار، وسلامة المقام، ودعة المصير.
وأن أكون في هذه الكلمة جانحا إلى خيال، أو محلقا في جواء من التصور الحالم، أو الوهم الهائم.. ولكنني سأجتاز هذا " الغدير " عابرا، مفكرا، مقلبا النظر في صفحاته الرجراجة بكل فكرة متموجة بكل مبحث مستخرجا من أصفى لآلئه، وأكرم عناصره ما يعينني عليه تقليب النظر في شطآنه، وإطالة الفكر بين دفتيه، وكثرة الوقوف على مباحثه كما يقف ربى على الديار التي لم يبلها القدم...
ولقد بلغ الجزء الأول من " الغدير " ما حسبت معه أن الجهد قد أوفى فيه على الغاية واستشرف على نشر الكمال في صفحاته التي تساوي أيام السنة الهجرية عدا...
وقد كان يحسب العلامة المكب الدؤوب الجليل الأستاذ " عبد الحسين الأميني " أن يرضى منه بحث " حديث الغدير " بجزء واحد أو بجزئين أو ثلاثة يستوفى فيها
نعم: قد كان يحسب العلامة " الأميني " هذا حين يحتج لحديث الغدير - غدير خم - وحين يحقق روايته وسنده.. ولكنه ذهب في البحث عن " الغدير " وراء كل مذهب، وجاوز في تعمق الدرس والتقصي كل حد معروف عند المؤلفين حين يؤلفون، وعند الباحثين حين يبحثون...
نعم: لقد مضى " الأميني " الجليل في البحث على طريق وعر المسالك، ومتشعب النواحي، كثير المسائل، ولم يزده السير في الطريق إلا مواصلة السير كوجه البدر المنير يزيدك حسنا إذا ما زدته نظرا...
ورأينا كتاب " الغدير " يمتد به الطريق إلى أجزاء تسعة ضخام تبلغ من الصفحات بضعة آلاف... ولا يزال الكتاب ينتظر من صبر العلامة " عبد الحسين " وإكبابه وتوفره على التنقير والتنقيب ما يمضي به إلى الغاية التي يستهدفها المؤلف، حتى يتم الكتاب على الوجه الذي يرضى عنه الله، والعلم الصحيح، والضمير السليم.
وقد يكون العلامة " الأميني " النجفي مشربا بحب الإمام علي وشيعته حين يبذل من ذات نفسه، وحين يبذل من ماء عينيه ما يبتغي به الوسيلة عند أهل البيت العلوي الكريم..
وقد يكون في عمله هذا مستجيبا لنداء المذهب الذي يدين به.. فإن الحب يفرض على المحب من الالتزامات والارتباطات ما يسقط به وجه الاعتراض.
إن العلامة الأستاذ " عبد الحسين الأميني " لم يكن محبا متعصبا، ولا ذا هو متطرف جموح، وإنما كان عالما وضع علمه بجانب محبته لعلي، وشيعته، وكان باحثا وضع أمانة العلم ونزاهة البحث فوق اعتبار العاطفة.
ولا يلام المرء حين يحب فيسرف في حبه، أو حين يهوى فيشتد به الهوى..
ولكن اللوم يقع حين تميل دواعي الهوى بالمرء عن صحيح وجه الحق...
وما كان أستاذنا الجليل في شئ من هذا، وإنما كان باحثا وراء الحقيقة، كاشفا النقاب عن وجهها، معنيا نفسه بالوصول إليها سافرة الوجه، واضحة المعالم.
ونجد في الجزء الأول من " الغدير " رواة الحديث من الصحابة رضي الله عنهم وقد رتبهم المؤلف وفق حروف الهجاء، فبلغوا مائة عشرة من أجلاء أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) يبتدون بأبي هريرة، وينتهون بأبي مرازم يعلى بن مرة وهب الثقفي.
والمؤلف هنا لا يكتفي بذكر أسماء الرواة من الصحابة، بل يذكر الكتب التي جاء فيها هذا الحديث مسندا إلى الصحابي، ثم لا يكتفي بذلك بل يذكر أجزاء الكتب وأرقام الصفحات.
وهنا يجد المتصفح " للغدير " سيلا وافرا بل بحرا زاخرا من الكتب كأسد الغابة، والإصابة، وتهذيب التهذيب، والاستيعاب، وتاريخ بغداد للخطيب، وتهذيب الكمال، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، والبداية والنهاية لابن كثير، ونخب المناقب، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وعشرات وعشرات، وعشرات، من كتب الحديث والتفسير، والتاريخ التي روى فيها الرواة من الصحابة حديث الغدير.
فإذا فرغ المؤلف من ذكر طبقات الرواة من الصحابة انتقل إلى الرواة من التابعين، ثم من العلماء مرتبا هؤلاء الأخيرين وفق ترتيب الوفيات قرنا فقرنا
ولما كانت واقعة غدير خم - من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل وكان الحديث - حديث الغدير - مما كان ينعقد إجماع الأمة الإسلامية سنة وشيعة - على صحته، فقد حدث الحجاج به ومناشدته بين الصحابة والتابعين ولهذا عقد العلامة عبد الحسين فصلا في المناشدة والحجاج بحديث الغدير. وممن احتج به فاطمة بنت الرسول، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر، وعمر بن عبد العزيز، والخليفة المأمون العباسي.
ولما كان حديث الغدير قد بلغ من الصحة والتواتر، وقوة السند مبلغا لا يحتاج معه إلى إثبات مثبت، أو تأييد مؤيد، فقد كان المؤلف الجليل في غنى عن أن يخص صحة إسناد الحديث بفصل، فإنه لا يصح في الأذهان شئ إذا احتاج النهار إلى دليل... ولكنه جرى في المنهج العلمي على سفن الجادة واستقامة القصد فذكر في صفحة 266 وما بعدها كلمات الرواة والحفاظ حول سند الحديث.
فالترمذي يقول في صحيحه: إن هذا حديث حسن صحيح. والحافظ ابن عبد البر القرطبي يقول بعد ذكر حديث المؤاخاة، وحديثي الراية والغدير:
هذه كلها آثار ثابتة. وهكذا يمضي في هذا الفصل حتى يستوفي كلمات الحافظ حول سند الغدير.
وعلى الرغم من مقاربة الإجماع على صحة حديث الغدير، فقد نظر إليه بعض رجال المسلمين نظرة تخالف منعقد الإجماع... وهنا يظهر صاحب كتاب " الغدير " في مظهر المحب الغاضب... الغاضب على مخالفيه، فيوقفهم موقف المقاضاة، وينزلهم منزل المحاكمة، بل يعقد فصلا عنيفا عن " ابن حزم " الأندلسي الذي فتح الباب واسعا حول الشك في صحة الحديث.
ولو أن كتاب " الغدير " كان احتجاجا لحديث غدير خم، وتأييدا لصحته،