كلمة المؤلف
والصلاة والسلام على أشرف البرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الهادية المرضية.
وبعد فهذا هو القسم الثاني من كتابنا: " مع رجال الفكر في القاهرة " بطبعته الرابعة تخرج إلى الظهور بعد مضي عشرين عاما من طبعته الأولى.
وتمتاز هذه الطبعة على ما فاتها من الطبعات بزيادات كثيرة، وتعديلات مهمة، وتعليقات جديدة لا يستغني - كل باحث وطالب حقيقة - عنها.
أسأل الله أن يتقبل أعمالنا ويجعلها خالصة له، ويجعل مستقبل أمرنا خيرا من ماضيه، وما بذلناه من جهد في نشر، ودعم آثار أهل البيت (عليهم السلام) مرفوعا إليه ومقبولا عنده إنه سميع الدعاء قريب مجيب؟
القاهرة السيد مرتضى الرضوي
- 8 -
حرف السين
22- الشيخ عبد السلام سرحان
- 22 -
الشيخ عبد السلام سرحان
زارني هذا الشيخ مع الشيخ حسن زيدان طلبة في فندق ميامي بالقاهرة عام 1961 م وبعد أن استقر به المكان توجه نحوي قائلا:
هل جئت إلى مصر من قبل علماء الشيعة لنشر كتب الشيعة بمصر؟
قلت: لا، فقال:
هل - أن تجار الشيعة بعثوك لطبع ونشر كتب الشيعة هنا؟
قلت: لا. ثم قلت:
إني كنت عندما دخلت القاهرة لأول مرة قد وجدت الناس هنا لا يعرفون شيئا عن الشيعة بل العكس يرون أن الشيعة كما صورها لهم رائد المستشرقين أحمد أمين في كتابه: " فجر الإسلام "
ثم قدمت له مجموعة من الكتب التي نشرتها بالقاهرة فشكرني عليها وقال:
إهداؤك هذه الكتب للعلماء والأساتذة والمدرسين والكتاب بدون مقابل فكيف هذا وأنت رجل وراق؟!
قلت: يا أستاذ قد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل...) الآية. الأنفال: 41
فالإمامية يرون الخمس في أرباح المكاسب ويعتبرونها من ضمن الغنائم. وهذه الآية يقسمها علماؤنا إلى قسمين:
الأول: يسمى عندنا بسهم الإمام ويصرف سهم الإمام في نشر الدعوة الإسلامية، وهذا منه.
والثاني: يسمي بسهم السادة يدفع إلى المنتمين إلى أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذين لا يملكون قوت سنتهم.
وفي الأثناء شاهد الشيخ سرحان مذكرة على المنضدة كنت قد سجلت فيها أسماء العلماء والأساتذة الذين تعرفت إليهم. فرفع الشيخ سرحان المذكرة وأطال النظر فيها، وكنت قد سجلت فيها أسماء الشخصيات التي تعرفت عليها وكانت حوالي مائة شخص وكنت قد أهديتهم جميعا الكتب التي نشرتها في القاهرة.
ثم إني قلت للأستاذ الشيخ سرحان: ولو أني وجدت مائة شخص غيرهم لأهديتهم من هذه الكتب أيضا.
فقال: كيف؟
قلت: إني عندما أدفع الكتب لأصحاب المكتبات للبيع يحسم 30 % منها عمولة، ولكن، إذا قدمتها للعلماء، والأساتذة، والكتاب، أحسبها بدون حسم فتكون العمولة 30 % لي مع وزيادة 10 % ويكون مجموع الفائدة 40 %.
ثم قال: أخبرني كيف تعرفت أنت على هؤلاء واتصلت بهم، مع العلم أني هنا بمصر أسمع بهم ولم أراهم؟ فكيف أنت تعرفت عليهم وفي خلال هذه المدة استطعت أن تتصل بهم مباشرة.
فأجبته: من الذي عرفني بك؟
قلت: أليس أنك عرفتني عن فلان وفلان.
قال: نعم.
قلت: وبهذا النحو بلغ العدد كما ترى.
وكان هذا الشيخ قد دعاني في ظهر يوم من الأيام ودعا الشيخ حسن زيدان، والشيخ عبد الرحيم أحمد عرابي (1) في منزله وكان قد هيأ لنا أنوع اللحوم والأسماك، وألوان الطعام والفواكه وجلس معنا هو وأولاده على المائدة وبعد أن أصبنا حاجتنا من الأكل ذهبنا إلى غرفة الاستراحة وشربنا هناك الشاي، والقهوة وهناك جري حديث طبع الكتب وتحقيقها، ورغب الشيخ سرحان أن يحقق لنا كتابا، فعرضت عليه تحقيق كتاب: " أنوار الربيع " في أنواع علم البديع، وكنت قد صحبت هذا الكتاب معي من العراق لتحقيقه وطبعه في القاهرة.
ومؤلف هذا الكتاب هو: السيد علي خان المدني صاحب كتاب " سلافة العصر " (2) و " الدرجات الرفيعة " في طبقات الشيعة (3) وشرح الصحيفة السجادية وقد طبع على الحجر مرتين وله أكثر من ثلاثين مؤلفا بين مخطوط ومطبوع.
واتفقنا مع الشيخ سرحان على مبلغ معين لكل ملزمة ندفعها له بعد تحقيقها، وبعد مدة غادرت القاهرة وعدت إلى العراق، وبعد شهور أرسلت رسالة للأخ الصديق الوفي الحاج سعد خضر المجلد الفني بدرب سعادة بشارع بور سعيد قرب
____________
(1) أنظر محادثاتنا مع الشيخ عبد الرحيم أحمد عرابي في حرف العين.
(2) هذا الكتاب نشره لأول مرة محمد أمين الخانجي بمصر وأعيد طبعه بالأوفست أكثر من مرة في إيران وغيرها.
(3) هذا الكتاب نشره لأول مرة محمد كاظم الكتبي في النجف وتوجد منه نسخة في مكتبة الإمام كاشف الغطاء في النجف الأشرف.
ولما عدت إلى القاهرة راجعت الأخ الوفي الحاج سعد خضر وسألته:
هل دفعت للشيخ سرحان شيئا؟
قال: لا.
قلت: لماذا؟
قال: لأنه لم يحقق شيئا من الكتاب، وقد جاءني وطلب مني مبلغا ولم أكن لأدفع له شيئا، وبعد أيام راجعت الشيخ سرحان في داره وعاتبته على عدم إنجازه لتحقيق الكتاب فقدم أعذارا وقال:
إن الحاج سعد خضر لم يدفع لي أي مبلغ.
فأجبته: يدفع لك الحاج سعد لقاء أي عمل أنجزته.
هل حققت شيئا من الكتاب؟ فإني قد أوصيت الحاج سعد خضر أن يدفع لك بدل ما قمت به من التحقيق حسب اتفاقنا معك عن كل ملزمة، وحيث أنك لم تحقق شيئا توقف الحاج سعد عن دفع أي مبلغ لك فلو أنك كنت قد حققت ملزمة واحدة لاستلمت منه بدلها حسب اتفاقنا معك وبعد ذلك قمت مستأذنا وانصرفت.
وبعد أيام ذهبت إلى داره ثانيا مطالبا له بإعادة نسخة كتاب: " أنوار الربيع "، التي دفعتها له ليكون التحقيق عليها وقد سبق أني أودعت عنده " أكليشيهات " يتجاوز عددها المائة والخمسين " أكليشية " قد خطها لي الخطاط الشهير محمد حسني وعملتها لأبواب الكتاب وفصوله ظانا عند وصولي القاهرة أجد " أنوار الربيع قد أتم لي تحقيقه الشيخ سرحان كي أشرع بطبعه. وكنت قد جهزت هذه " الأكليشيهات " قبل أن أتفق مع أي أستاذ حول تحقيق الكتاب.
لعل الله تعالى يأخذ لنا حقنا منه، ويكفينا الرجوع إلى المحاكم (1).
ففي صباح يوم الثلاثاء 7 / 9 / 1965 قصدت إدارة كلية اللغة العربية في حي الأزهر ودخلت الإدارة سائلا عن فضيلة شيخ الكلية وعميدها:
الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد فرأيت الأستاذ أحمد محمد غنيم وكيل الكلية حاضرا فسألته عن فضيلة عميد الكلية فأجاب:
أنه قد خرج منذ ساعة ولن يعود اليوم. ثم قال:
يمكنك أن تلتقي به غدا في الساعة العاشرة صباحا في مكتبه في الكلية. فحضرت الموعد الذي عينه الأستاذ محمد غنيم وكيل الكلية والتقيت بالأستاذ وأخبرته بجميع ما حدث ودار بيني وبين الشيخ عبد السلام سرحان حول تحقيق كتاب: " أنوار الربيع " وودعته وانصرفت.
____________
(1) قدمت شكوى بهذا إلى الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر صاحب الفضيلة الشيخ حسن مأمون، وصورة منه إلى فضيلة الشيخ الباقوري المدير العام لجامعة الأزهر وإلى عميد كلية اللغة العربية الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد.
- 9 -
حرف الشين
23- الأستاذ الأكبر محمود شلتوت
24- الأستاذ محمود شاكر
- 23 -
الأستاذ الأكبر محمود شلتوت
شيخ الجامع الأزهر
تعرفت إلى فضيلته بسبب اتصالاتي بدار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة.
وفي أحد الأيام قصدت زيارته في إدارة الجامع الأزهر وأتيت إلى مكتبه - مكتب شيخ الأزهر - وكنت قد صحبت معي كتاب وسائل الشيعة ومستدركاتها المجلد الأول والثاني منه مع بقية الكتب التي كنت قد نشرتها آنذاك بالقاهرة.
وعندما دخلت عليه شاهدت أستاذا يرتدي العمة وأمامه التليفون يمسك بإحدي يديه سماعة التليفون فتأملته وإذا به مدير مكتب شيخ الأزهر فقدمت إليه بطاقتي الشخصية أرفقتها بورقة طلبت فيها مقابلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت وذكرت فيها قدومي من العراق وحملي مجموعة من الكتب إلى سماحته. فاستلم مني البطاقة وعين لي مكانا للجلوس، وكان قبلي جماعة قد حضروا لمقابلة الأستاذ الأكبر فجلست منتظرا دخول الجماعة عليه وعندما وصل دوري وحان وقت دخولي عليه قام الأستاذ - مدير المكتب - وأدخلني على سماحة شيخ الأزهر.
ولما دخلت عليه حييته بتحية الإسلام وقلت:
السلام عليكم يا مولانا ورحمة الله!!
فرد علي الجواب بترحيب كله عطف، وحنان، وتقدير وأجلسني على كرسي إلى جنبه.
وقال من أي البلاد؟
قلت: من النجف الأشرف - العراق ومن الشيعة الإمامية الذين يحملون لسيادتكم المودة والإخلاص لقيامكم بتوحيد كلمة الإسلام، ولم شعث المسلمين وجمع كلمتهم. وجئت حاملا لكم تحيات علماء الشيعة الإمامية في النجف الأشرف.
وبعد أن أتم حديثه دعا لي بشاي فشربت.
ثم تناول مني الكتب التي أهديتها لسماحته كان منها كتاب: " وسائل الشيعة ومستدركاتها ".
وقد شاهد فضيلته ما كتبه العلماء والكتاب من تقديم. وقلت:
سأقوم بطبع بقية أجزاء هذا الكتاب إن شاء الله فوعدني سماحته بتصدير أحد الأجزاء القادمة للكتاب فشكرته وبعد ذلك قمت مودعا إياه فاستأذنته وانصرفت.
وقبل رحلتي هذه إلى القاهرة بعام واحد وهو عام 1377 هـ. الموافق 1958 م زرت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية على - عادتي في جميع رحلاتي إلى مصر.
وعندما دخلت شاهدت الأستاذ عبد الهادي - السكرتير العام المساعد لجماعة التقريب - فاستقبلني ورحب بي وأجلسني على كرسي عن يمينه وبعد تبادل التحيات سألته عن الأستاذ صاحب السماحة الشيخ محمد تقي القمي وقلت: جئت قاصدا زيارته فأجاب: عنده الآن جماعة فجلست أتحدث معه وعندما خرجوا دخلت على سماحته فقام سماحته من مكانه منتصبا مرحبا بي وضمني إلى صدره وقال:
أنت من دعاة التقريب، وبعد أن جلسنا معا عرضت على سماحته فكرة طبع كتاب (أصل الشيعة وأصولها) لصاحب السماحة الإمام الأكبر الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في القاهرة وأخبرته أن بعض الأساتذة والكتاب هنا بمصر يرغبون كثيرا في التعرف على كتب الشيعة الإمامية لاقتنائها والاطلاع عليها فرحب سيادته بهذه الفكرة، وقال:
من النجف الأشرف 8 جمادى 2 / 67
بواسطة حضرة العالم محمد التقي القمي أيده الله. دار التقريب بين المذاهب الإسلامية - القاهرة العالم الجليل الشيخ محمود شلتوت أيده الله.
غب السلام والتحية اطلعت على كلمة لكم في بعض الصحف، كان فيها لله رضا، وللأمة صلاح فحمدناه تعالى على أن جعل في هذه الأمة، وفي هذا العصر من يجمع شمل الأمة ويوحد الكلمة، ويفهم حقيقة الدين، ويزيد الإسلام لأهله بركة وسلاما.
وما برحنا منذ خمسين عاما نسعي جهدنا في التقريب بين المذاهب الإسلامية وندعو إلى وحدة أهل التوحيد وعسى أن تكونوا نظرتم مؤلفنا: أصل الشيعة الذي طبع ست مرات إحداها في القاهرة، هناك تجدون في مقدمته ما يسركم، ويسر كل ذي غيرة إسلامية.
وفقكم الله وجعلكم وأخوانكم من العاملين عليها بخير. بدعاء
محمد الحسين آل كاشف الغطاء
صدر من مدرستنا العلمية بالنجف الأشرف
حضرة صاحب الفضيلة العلامة الأكبر أستاذنا العظيم
الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فمن أعظم بواعث السرور في نفسي، وفي نفوس، إخواني، حضرات أعضاء جماعة التقريب أن يكون أستاذنا من أقوى العمد التي يعتمدون عليها في نجاح فكرتهم، والوصول، إلى الهدف الذي يسعى فضيلته إليه منذ خمسين سنة، أو يزيد، وليس ذلك من هذا الخطاب الذي شرفنا به فضيلته، وإنما هو شئ عرفناه من قبل وقر في نفوسنا منذ أن سمعنا بأثر الشيخ وجهوده، وقرأنا كتبه وفصوله، التي كان في مقدمتها مؤلفه السهل الممتع الذي كشف فيه بحق الغطاء عن حقيقة المذاهب الإسلامية الشرقية أمام هؤلاء الذين ألبسوها ثوبا قاتما أخفى حقيقتها ووضعها بين المذاهب الإسلامية عامة.
وما كانت المذاهب في الإسلام إلا نتيجة ليسر هذا الدين وسماحته الذي لم يرد صاحبه أن يكبل الناس بأغلال التعيين والتجديد للأحكام التي تتطلبها الحضارات المختلفة، وتختلف فيها المصالح، وأوجه النظر باختلاف الأقاليم والأزمنة والفصول، ولكنه منح عقولهم حرية الفهم والتخريج والتطبيق.
وجعل هذه المنحة خالدة دائمة بدوام القرآن الكريم الذي هو حبل الله المتين الذي طلب إلينا الاعتصام به، والتمسك بإرشاده وهدايته.
هذا بعض ما أوحى به كتابكم إلي بمناسبة اقتراح نبذ كلمة طوائف فيها بين المسلمين.
وإن جماعة التقريب التي يرجع الفضل في تكوينها إلى أخي العالم صاحب
ونسأل الله سبحانه أن يطيل في حياتكم المباركة ويمنحكم الصحة والعافية فإن في قوتكم وعافيتكم، قوة وعافية للمسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمود شلتوت
عضو جماعتي كبار العلماء والتقريب
ولقد أعلن فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر كلمة الإسلام في العصبية، والتفرقة المذهبية (1).
قال الأستاذ الأكبر: لا عصبية في الإسلام
لقد مضى زمان العصبية الجاهلية كلنا مسلمون ومذاهبنا جميعا تنبثق من أصل واحد هو رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) كتاب الله وسنة رسوله.
وقال: إن بيني وبين كثير من أئمة الشيعة رسائل تلاقت عند وجوب التقريب، ونزع ما بين السنة والشيعة من عصبية انتهزها الأعداء، والمستعمرون للتفريق بين الشعوب الإسلامية الواحدة في مصر، والعراق، وإيران.
وقال الأستاذ الأكبر: إن الاستعمار يحاول أن يجد ثقوبا ينفذ منها إلى وحدة المسلمين. ليمزقها ويفرق شملها، ويبعث بين أهلها العداوات والبغضاء.
والدين من وراء المسلمين يدعوهم إلى كلمة الله:
____________
(1) الموضوع نشر في جريدة (اليقظة) البغدادية " 3096 " السنة " 35 " تاريخ 7 شعبان 1378 هـ - (15) شباط سنة 1959 م تحت عنوان: " تدريس جميع مذاهب الفقه الإسلامي في الأزهر ".
وقال الأستاذ الأكبر: لقد رجحت مذهب الشيعة خضوعا لقوة الدليل في كثير من مسائل المسلمين، أخص منها ما تضمن قانون الأحوال الشخصية.
وقال: إن الباحث المستوعب سيجد في مذهب الشيعة ما يقوي دليله، ويلتئم مع أهداف الشريعة من صلاح الأسرة والمجتمع.
ثم أعلن الأستاذ الأكبر عن اعترافه تدريس الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بجميع المذاهب ومن بينها مذهب الشيعة، إمامية وزيدية.
وقال: لقد اتفقت مع الأستاذ الباقوري على الرجوع بأهل المذهبين إلى الاعتصام بحبل الله والالتفاف حول المحور المقدس رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم).
واستجاب الوزير " الباقوري " للدعوة استجابة فعلية وعملية، ففي حديث سابق لفضيلة الأستاذ الأكبر مع جريدة " الشعب " تحدث فضيلته حديثا عابرا عن الشيعة والتفرقة المذهبية وانهالت على " الشعب " كثير من الاستفسارات عن دور " الأزهر " في مثل هذا الموقف،.
وذهب مندوبها بهذه الاستفسارات جميعا إلى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر ليعلن للمسلمين كلمة الإسلام.
وقد استهل فضيلة الأستاذ الأكبر حديثه معي قائلا:
لقد دعا الإسلام إلى الوحدة وجعل المحور الذي يتمسك به المسلمون ويلتفون حوله هو الاعتصام بحبل الله وقد جاء ذلك في آيات الذكر الحكيم.
وأصرحها في ذلك قوله تعالى - في سورة آل عمران -:
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
نهى عن التفرق: والتفرق بعمومه يشمل التفرق بسبب المذهبية، وقد انبثقت
كتاب الله وسنة نبية.
وبدأ الأستاذ الأكبر يتحدث عن أثر الاجتهاد في الأحكام.
فقلت لفضيلته:
نحن لا ننكر الاجتهاد، ولكن الذي حدث هو أن المذاهب قد تفرقت به وتعددت، فما رأي فضيلتكم فيما وصل به الاجتهاد إلى التفرقة المذهبية التي نراها بين المسلمين؟.
فأجاب الأستاذ الأكبر قائلا:
وعلى رغم تعددها واختلافها في كثير من الأحكام، وتعدد الآراء في المسألة الواحدة فقد كان الجميع يلتقون عند حد واحد وكلمة سواء هي الإيمان بالمصادر الأولى وتقديس كتاب الله وسنة الرسول، وقد صح عن جميع الأئمة: " إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط ".
وفي هنا تعاون الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي والسني والشيعي ولم يبرز خلاف بين أرباب المذاهب إلا حينما نظروا إلى طرق الاجتهاد الخاصة وتأثروا بالرغبات، وخضعوا للإيحاءات الوافدة فوجدت ثقوب نفذ منها العدو المستمر.
وأخذ يعمل على توسيع تلك الثقوب، حتى استطاع أن يلج منها إلى وحدة المسلمين ليمزقها ويفرق شملها ويبعث العداوة بين أهلها: وبذلك دبت فيها بينهم عقارب العصبية المذهبية وكان من آثارها السيئة ما كان يحفظه التاريخ من تنابز أهل المذاهب بعضهم مع بعض وتحين الفرص لإيقاع بعضهم لبعض، والذين من ورائهم يدعوهم: هلموا إلى كلمة الله: (ولا تنازعوا فتفشلوا، وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).
فقال فضيلته:
لا أنسى أني درست المقارنة بين المذاهب بكلية الشريعة بالأزهر فكنت أعرض آراء المذاهب في المسألة الواحدة - وأبرز من بينها مذهب الشيعة - وكثيرا ما كنت أرجح مذهبهم خضوعا لقوة الدليل.
ولا أنسى أيضا أنى كنت أفتي في كثير من المسائل بمذهب الشيعة وأخص منها بالذكر ما تجد الناس في حاجة ملحة إليه.
وهو يختص بالقدر المحرم من الرضاع.
كما أخص بالذكر ما تضمنه " قانون الأحوال الشخصية " الأخير.
ونذكر على سبيل المثال المسائل الآتية:
أولا: - الطلاق الثلاث بلفظ واحد فإنه يقع في أكثر المذهب السنية ثلاثة ولكنه في مذهب الشيعة يقع واحدة رجعية.
وقد رأى القانون العمل به.
وأصحبت الفتوى بمذهب أهل السنة لا يقام لها وزن في نظر القضاء الشرعي السني.
ثانيا: - رأى قانون الأحوال الشخصية في تنظيمه الأخير أن الطلاق المعلق منه ما يقع ومنه ما لا يقع تبعا لقصد التهديد أو قصد التطليق، ولكن مذهب الشيعة يرى أن تعليق الطلاق مطلقا - قصد به التهديد أو قصد التطليق ولا يقع به الطلاق.
وقد رجحت هذا الرأي، وكثيرا ما أفتيت به، وكثيرا ما أذعته وكتبته في أحاديثي المتعلقة بالطلاق وأجوبة السائلين عن إيقاع الطلاق.
والباحث المستوعب المنصف سيجد كثيرا في مذهب الشيعة ما يقوي دليله ويلتئم مع أهداف الشريعة من صلاح الأسرة والمجتمع، ويدفعه إلى الأخذ به والإرشاد إليه.
وقلت: هل ترى فضيلتكم أن شقة الخلاف بدأت تضيق بين السنة والشيعة؟
وما مظاهر ذلك؟
فقال: لقد مضى زمن تلك العصبية الجاهلية، وانطوت صفحتها المظلمة وعرف المسلمون أن اختلاف الأشقاء لا يمكن أن يدوم ولا أن يطرد، فلا بد أن يأتي عليهم يوم يحققون فيه نسبهم إلى أبيهم، وينتمون فيه إلى أصلهم الذي انبثقوا منه وتفرعوا عنه، وأخذت هذه الروح تنمو وتضيق بها شقة الخلاف بين أهل المذاهب حتى اقتدى الحنفي بالشافعي، والسني بالشيعي، وتبادلت المنافع بينهم، واتصلت الآراء وأخذ كل ينتفع بما في مذهب الآخر حتى وصلنا إلى وقتنا هذا، وقد رأينا تعرض كتبنا - وخاصة كتب الحديث المعتبرة - تعرض لمذاهب أهل السنة ومذاهب الشيعة المعتدلة من إمامية، وزيدية وقد ترجح غير مذهب أهل السنة
وعدت أسأل: هل هناك خطوات اتخذت أو تتخذ للقضاء على العصبية بين السنة والشيعة وما هو برنامجكم في هذا المجال؟.
فقال الأستاذ الأكبر: لقد قر رأيي - إن شاء الله - على أن أعمل علي دراسة الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بجميع المذاهب الفقهية المعروفة الأصول البينة المعالم والتي من بينها دون شك - مذهب الشيعة إمامية، وزيدية.
وقد تحدث مع السيد وزير الأوقاف المركزي الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري الأزهري السني في موضوع العصبية بين أهل السنة والشيعة وواجبنا نحوها من القضاء عليها والرجوع بأهل المذهبين إلى الاعتصام بحبل الله والالتفاف
وقلت لشيخ الأزهر:
هل هناك اتصال الآن بين فضيلتكم وبين أحد من علماء الشيعة الإمامية؟
فقال فضيلته: إن بيني وبين كثير من أئمة الشيعة الإمامية رسائل تلاقت عند حد وجوب التقريب ونزع ما بين الطرفين من عصبية انتهزها الأعداء المستعمرون للتفريق بين الشعوب الإسلامية في مصر وإيران والعراق (1) ومن حديث فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر مع مندوب جريدة " اطلاعات " الإيرانية. (2) قال مندوب الجريدة: قلت لفضيلته:
ما هي رسالة الأزهر في عهده الحالي؟.
قال: إن أهم نقطة في برنامجي هي محاربة العصبية المذهبية ودراسة العلوم
____________
(1) دليل القضاء الشرعي 3 % 408 لسماحة العلامة المحقق الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم تغمده الله برحمته الواسعة.
(2) نشرته: (رسالة الإسلام) لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية. القاهرة العدد 2 السنة 11.
واتباع الدليل من أي أفق ظهر.
إن المسلمين إذا وصلوا إلى تحقيق ذلك أصبحوا قوة متماسكة متفرغة لما يرفع شأنها، مخففة من أثقال الماضي التي حملتهم إياها العصبية وجعلتهم يبدون أمام العالم كأنهم أتباع أديان مختلفة بينها هم أتباع دين واحد يؤمنون بإله واحد، ورسول واحد، وكتاب واحد.
فقلت لفضيلته: إن الدراسة عادة تجر إلى الاختلاف الفكري وقد رأينا كثرة المجتهدين في تاريخ العلوم الإسلامية، وكثرة الآراء حتى في المذهب الواحد، فكيف يمكن إذن أن يجتمع المسلمون على مذهب واحد، أو فكرة واحدة.
فأجاب فضيلته: إن الخلاف في الرأي ضرورة اجتماعية، وشأن طبيعي لا يمكن دفعه، ولكن هناك فرق بين الاختلاف الذي تمليه العصبية المذهبية والجمود على فكرة معينة ولو ظهر أنها على خلاف الدليل والمنطق، هناك فرق بين هذا، وبين الاختلاف الذي تمليه الحجة والبرهان، فالأول خلاف مذموم ومن مساوئه أنه يقطع بين المسلمين، ويغرس العداوة والبغضاء في قلوبهم، أما الخلاف الثاني فهو خلاف الإنصاف والبحث وراء الحقيقة مع احترام كل فريق لرأي مخالفيه، ما داموا جميعا محترمين للأصل الجامع بينهم وهو مصادر الإسلام الأولى، وقواعده الأصلية.
وقد كان الأئمة الأولون يختلفون علميا ومع ذلك يحترم بعضهم بعضا، ويعذر بعضهم بعضا، ويتشاورون، ويتبادلون الآراء، ويرحل بعضهم إلى بعض، ويأخذ بعضهم من بعض.
وإذن فنحن لا نريد ولا ندعو بين الناس على مذهب واحد لا نريد أن يندمج
مذهب الشيعة في مذهب السنة، ولا مذهب السنة في مذهب الشيعة، ولكن نريد أن
يصل المسلمون في مختلف طوائفهم إلى لون واضح من ألوان التعاون القائم على