" الكافي الشاف من كتاب الكشاف " ويظهر من اسمه أنه أتى فيه بما أطلع عليه من تفسير الزمخشري، ولم يكن قد عرفه حتى يودعه كتابه الأول، ويذكرون اسما آخر لكتاب ألفه بعد ذلك أيضا وأسماه " الوسيط " في أربع مجلدات، وكتابا ثالثا اسمه " الوجيز " في مجلد أو مجلدين، كل ذلك في تفسير القرآن الكريم، ألفه بعد تفسيره الأكبر " مجمع البيان "، وبعض هذه الكتب يعرف باسم " جامع الجوامع " لجمعه فيه بين فرائد التبيان، وزوائد الكشاف.
وقد أردت - قبل الكلام إلى القراء عن المعنى الذي يدل عليه هذا الصنيع من الإمام الطبرسي رحمه الله تعالى - أن أختبر هذا الخبر لأعلم هل هو صحيح؟ وذلك عن طريق الرجوع إلى بعض المواضع المشتركة في " الكشاف " و " مجمع البيان " كي يتبين الأمر في ضوء الواقع، فرجعت إلى أول موضع يظن أنهما يتلاقيان فيه، وهو تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم).
فأما الإمام الطبرسي في كتابه: " مجمع البيان " فقد تحدث من ناحية المعنى في موضعين:
أحدهما: معنى " لا يؤمنون " وما يتصل به من بيان عدم التعارض بين العلم الإلهي والتكليف، لأن العلم يتناول الشئ على ما هو به، ولا يجعله على ما هو به.
الثاني: معنى " ختم الله على قلوبهم " وبيان الآراء المختلفة فيه، وقد ذكر أربعة آراء وأيد الرابع منها وقواه بشواهده، وهذا هو نص كلامه في هذا الوجه الرابع، نورده لنضعه موضع المقارنة مع كلام الزمخشري حتى يتبين الفرق بينهما قال الطبرسي: " ورابعها: أن الله وصف من ذمه بهذا الكلام بأن قلبه ضاق عن النظر والاستدلال فلم ينشرح له، فهو خلاف من ذكر في قوله:
" أم على قلوب أقفالها " وقوله: " وقالوا قلوبنا غلف "، " وقلوبنا في أكنة " ويقوي ذلك أن المطبوع على قلبه وصف بقلة الفهم لما يسمع من أجل الطبع فقال:
" بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا " وقال:
" وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ". ويبين ذلك قوله تعالى: " قل أرأيتم أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم علي قلوبكم " فعدل الختم على القلوب بأخذه السمع والبصر، فدل هذا على أن الختم على القلب هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه إليه كما لا ينتفع بالسمع والبصر مع أخذهما. وإنما يكون ضيقة بألا يتسع لما يحتاج إليه فيه من النظر والاستدلال الفاصل بين الحق والباطل، وهذا كما يوصف الجبان بأنه لا قلب له إذا بولغ في وصفه بالجبن، لأن الشجاعة محلها القلب، فإذا لم يكن القلب الذي هو محل الشجاعة لو كانت فإن لا تكون الشجاعة أولى - قال طرفة:
وكما وصف الجبان بأنه لا فؤاد له، وأنه يراعة، وأنه مجوف: كذلك وصف من بعد عن قبول الإسلام بعد الدعاء إليه، وإقامة الحجة عليه، بأنه مختوم على قلبه، ومطبوع عليه، وضيق صدره، وقلبه في كنان وفي غلاف.
وهذا من كلام الشيخ أبي علي الفارسي، وإنما: قال ختم الله، وطبع الله، لأن ذلك كان لعصيانهم الله تعالى، فجاز ذلك اللفظ، كما يقال: أهلكته فلانة إذا أعجب بها، وهي لا تفعل به شيئا لأنه هلك في اتباعها.
هذا هو نص كلامه، ومنه يتبين:
1 - أنه يؤيد الرأي القائل بأن الختم ليس حقيقا، إنما هو على معنى من المجاز.
وأما الإمام الزمخشري في كتابه: " الكشاف " فقد عرض لهذا الموضوع في تفصيل أكبر، وضرب له كذلك أمثلة من الشعر والكلام العربي، وأورد فيه بعض الأسئلة ورد عليها، ومع كون الفكرة التي يؤيدها الإمام الزمخشري، هي نفس الفكرة التي رأينا الإمام الطبرسي يؤيدها، فإن عبارة الزمخشري أوسع وأشمل، وأمثلته من الشعر أوضح في بيان المقصود، وتخريجه العربي لهذا التعبير مبني على دراسة فنية بلاغية مقررة المبادئ بين العلماء.
فلو كان الطبرسي قد اطلع على كتابه: " الكشاف " لكان قد أيد ما ذهب إليه بما ذكره الزمخشري نقلا عنه أو تلخيصا له، ولكننا لا نجد بين العبارات في الكتابين تلاقيا إلا على الفكرة.
أما الأمثلة والعرض وأسلوب البحث فمختلفة.
والآن نورد نص الإمام الزمخشري، كما أوردنا نص الإمام الطبرسي، وندع للقراء أن يتأملوا النصين، على ضوء ما قلناه، فسيتضح لهم أن الطبرسي قطعا لم ير " الكشاف " وهو يؤلف " مجمع البيان ".
قال الزمخشري:
" فإن قلت ما معنى على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت:
لا ختم ولا تغشية ثم على الحقيقة، وإنما هو من باب المجاز ويحتمل أن يكون من
أما الاستعارة فأن تجعل قلوبهم - لأن الحق لا ينفذ فيها، ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه، واستكبارهم عن قبوله واعتماده - وأسماعهم - لأنها تمجه، وتنبو عن الاصغاء إليه، وتعاف استماعه كأنها مستوثق منها بالختم، وأبصارهم لأنها لا تجتلي آيات الله المعروضة، ودلائله المنصوبة، كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين - كأنما غطى عليها، وحجبت، وحيل بينها وبين الادراك، وأما التمثيل فإن تمثل حيث لم ينتفعوا بها في الأغراض التي كلفوها وخلقوا من أجلها - بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية.
وقد جعل بعض المازنيين الحبسة في اللسان والعي ختما عليه فقال:
" فإن قلت " لم أسند الختم إلى الله تعالى، وإسناده إليه يدل على المنع قبول الحق والتوصل إليه بطرقه، وهو قبيح، والله يتعالى عن فعل القبيح علوا كبيرا، لعلمه بقبحه، وعلمه بغناه عنه.
وقد نص على تنزيه ذاته بقوله: " وما أنا بظلام للعبيد "، " وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين "، " إن الله لا يأمر بالفحشاء ".
ونظائر ذلك مما نطق به التنزيل؟
" قلت " القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها، وأما إسناد الختم إلى الله عز وجل، فلينبه على أن هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشئ الخلقي غير العرضي.
ألا ترى إلى قولهم فلان مجبول على كذا،، مفطور عليه، يريدون أنه بليغ في
ويجوز أن يستعار الإسناد في نفسه من غير الله، فيكون الختم مسندا إلى اسم الله على سبيل المجاز، وهو لغيره حقيقة، تفسير هذا: أن للفعل ملابسات شتى:
يلابس الفاعل، والمفعول به، والمصدر، والزمان، والمكان، والمسبب له، فإسناده إلى الفاعل حقيقة، وقد يسند إلى هذه الأشياء عن طريق المجاز المسمى استعارة، وذلك لمضاهاتها للفاعل في ملابسة الفعل، كما يضاهي الرجل الأسد في جراءته، فيستعار له اسمه، فيقال في المفعول به: عيشة راضية، وماء دافق، وفي عكسه: سيل مفعم، وفي المصدر: شعر شاعر، وذيل ذائل، وفي الزمان: نهاره صائم، وليله قائم، وفي المكان: طريق سائر، ونهر جار،، أهل مكة يقولون:
____________
(1) جمع أغتم، وأصل الغتمة اللون المائل إلى السواد، كأنه وصف به من ليس له قلب صاف، قال المؤلف في كتابه " أساس البلاغة " فلان أغتم، من قوم غتم، وأغتام، وفيه غتمة، وهي العجمة في المنطق من الغتم، وهو الأخذ بالنفس.
هذا هو نص كلام الزمخشري في الكشاف، وبينه وبين كلام الطبرسي فرق بعيد، ومثل هذا الذي جعل مؤلف " مجمع البيان " لا يقنع بما وصل إليه، حتى يصله بما جد له العلم، فيخرج ما أخرج من كتاب جديد، جمع فيه بين الطريف والتليد!.
إنني أقف هنا موقف الإكبار والإجلال لهذا الخلق العلمي، بل لهذه العظمة في الإخلاص للعلم والمعرفة، فهذا الصنيع يدل على أن الرجل كان قد بلغ به حب الدراسات القرآنية حدا كبيرا، فهو يتابعها في استقصاء، ثم يجهد نفسه في تسجيلها وترتيبها على هذا النحو الفريد الذي ظهر في " مجمع البيان "، ثم لا يكتفي بما بذل في ذلك من جهد كفيل بتخليد ذكره، حتى يضيف إلى آثاره العلمية ما جد له بعد أن انتهى من تأليف كتابه، ولعله حينئذ كان قد بلغ السبعين أو جاوزها!.
إن هذا اللون من المتابعة ومن النشاط العقلي، أو المراقبة العلمية العقلية لفن من الفنون، ما كان منه، وما جد فيه، وما يمكن أن يضاف إليه، هو السمة الأولى التي يتسم بها العالم المخلص المحب لما يدرس، الذي يؤمن بالعلم، ويعرف أن بابه لم يقفل، وأنه ليس لأحد أن يزعم أنه في شئ منه الكلمة الأخيرة، فهو يتابع " السوق العلمية " إن صح هذا التمثيل، ويراقبها مراقبة الهواة الذين يحرصون على اقتناء الطرف والتحف، ونحن نجد هذا الخلق العلمي في عصرنا الحاضر هو الذروة التي
____________
(1) ضبث بالشئ وعليه: قبض قبضا شديدا، وهو مثله في الوزن أيضا، فالناقة الضبوث ضد الناقة الحلوب.
إن هذا السلوك العلمي الرفيع هو الذي يوحي به القرآن الكريم، فإن الله تعالى يقول:
" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " ويأمر رسوله بأن يستزيده من العلم، ويجعله من أعز آماله التي يتوجه فيها بالدعاء إلى ربه فيقول: " وقل رب زدني علما " فإذا كان الإنسان مهما أوتي من العلم لم يؤت إلا قليلا منه.
وإذا كان المثل الأعلى للبشرية الكاملة، وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم محتاجا إلى أن يتزيد ربه علم ما لم يعلم، فما بالنا بالإنسان المحدود علما وعقلا، أليس من واجبه أن يتطلع دائما إلى كل أفق ليعلم ما لم يكن يعلم.
ولذلك طربت وأخذ تني روعة لصنيع هذا العالم الشيعي الإمامي، حيث لم يكتف بما عنده وبما جمعه من علم شيخ الطائفة ومرجعها الأكبر في التفسير " الإمام الطوسي صاحب كتاب التبيان " حتى نزعت نفسه إلى علم جديد بلغه، هو علم صاحب الكشاف، فضم هذا الجديد إلى القديم، ولم يحل بينه وبينه اختلاف المذهب، وما لعله يسوق إليه من عصبية، كما لم يحل بينه وبينه حجاب المعاصرة، حجاب، فهذا رجل قد انتصر بعد انتصاره العلمي الأول نصرين آخرين: نصرا على العصبية المذهبية، ونصرا على حجاب المعاصرة، كلاهما كان يقضي المعارضة والمنافسة، لا المتابعة، الناقدة، وإن جهاد النفس لهو الجهاد الأكبر لو كانوا يعلمون.
- 4 -
فإذا كنت أقدم هذا الكتاب للمسلمين في مذهب، وفي كل شعب، فإنما أقدمه لهذه المزايا وأمثالها، وليعتبروا بخير ما فيه من العلم القوي والنهج السوي، والخلق الرضي.
وقد يكون في كتاب بعد ما لا أوافق أنا عليه، أو ما لا يوافق عليه هؤلاء أو أولئك من قارئيه أو دارسيه، ولكن هذا لا يغض من عظمة هذا البناء الشامخ الذي بناه الطبرسي، فإن هذا شأن المسائل التي تقبل أن تختلف فيها وجهات النظر، فليقرأ المسلمون بعضهم لبعض، وليقبل بعضهم على علم بعض، فإن العلم هنا وهناك، والرأي مشترك، ولم يقصر الله مواهبه على فريق من الناس دون فريق، ولا ينبغي أن نظل على ما أورثتنا إياه عوامل الطائفية، والعنصرية من تقاطع وتدابر وسوء ظن، فإن هذه العوامل مزورة على المسلمين، مسخرة من أعدائهم عن غرض مقصود لم يعد يخفى على أحد.
إن المسلمين ليسوا أرباب مختلفة، أديان مختلفة، ولا أناجيل مختلفة، وإنما هم أرباب دين واحد، وكتاب واحد، وأصول واحدة، فإذا اختلفوا فإنما هو اختلاف الرأي مع الرأي، والرواية مع الرواية، والمنهج مع المنهج، وكلهم طلاب الحقيقة المستمدة من كتاب الله، وسنة رسول الله، والحكمة ضالتهم جميعا ينشدونها من أي أفق.
فأول شئ على المسلمين وأوجبه على قادتهم وعلمائهم أن يتبادلوا الثقافة والمعرفة، وأن يقلعوا عن سوء الظن وعن التنابز بالألقاب، والتهاجر بالطعن والسباب، وأن يجعلوا الحق رائدهم، والإنصاف قائدهم، وأن يأخذوا من كل شئ بأحسنه:
" فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب "
محمود شلتوت
- 24 -
الأستاذ محمود محمد شاكر
وكتاب " جمهرة نسب قريش " للزبير بن بكار، و " طبقات فحول الشعراء " لابن سلام
تعرفت إلى هذا الأستاذ والتقيت به مرارا عند المجلد الفني الحاج سعد خضر وكان أحد علماء الأزهر الشريف جالسا عن شماله فجلست عن يمينه وبعد أن عرفني قال لي:
هات المذكرة " اللي " معك فأخرجتها من جيبي ودفعتها إليه - وكنت قد سجلت فيها بعض الحقائق التاريخية - وصار يقلب أوراقها وينظر في صفحاتها وجد فيها ما يخالف رأيه وعقيدته وما يغيضه وبعد ذلك قال:
سأغيضك الآن:
وأخذ يكتب عنوان داره في المذكرة وأول شئ كتبه: رسم " خريطة " موصلة إلى داره، وأول ما كتب فيها شارع أبو بكر " الصديق ".
وفي أثناء ما كان يكتب قلت له:
صديق ايه يا أستاذ:
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين علي (عليه السلام):
يا على: أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر (1). وقد قالهما في حق أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وبعد ذلك سجل في المذكرة رقم تليفون منزله بمصر الجديدة وقال:
____________
(1) أخرجه القندوزي الحنفي في ينابيع المودة 2 / 495 طبعة استانبول.
هذا لا أقدر عليه.
وبعد أن عرفته أن لي دار نشر في العراق سألني عن الكتب التي قمت بطبعها في القاهرة فذكرتها له ومنها كتاب: " المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي " للأستاذ المحامي توفيق الفكيكي.
فقال الأستاذ: هل هناك متعة (1) الآن؟
____________
(1) يقصد به الأستاذ كتاب المتعة للأستاذ الفكيكي وزواج المتعة وارد في القرآن الكريم قال الله تعالى: * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) *.
1 - أخرج البخاري عن قتادة أنه قال: حدثني مطرف عن عمران (رضي الله عنه) قال:
تمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فنزل القرآن - قال رجل برأيه ما شاء.
صحيح البخاري: 1 / 274 باب التمتع على عهد النبي.
2 - وقال القسطلاني: (فرخص لنا بعد ذلك بالثوب) أي إلى أجل، وهو نكاح المتعة، وليس قوله بالثوب قيدا فيجوز بغيره، مما يتراضيان عليه، ثم قرأ ابن مسعود:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) *
قال النووي: في استشهاد ابن مسعود بالآية كان يعتقد إباحة المتعة كابن عباس.
إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 7 / 107.
3 - وأخرج الترمذي، عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله حدثه أنه سمع رجلا من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج
فقال عبد الله بن عمر: هي حلال.
فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها.
فقال عبد الله بن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أأمر أبي نتبع، أم أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟! فقال الرجل: بل أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فقال [ عبد الله بن عمر ]: قد صنعها رسول الله. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
صحيح الترمذي: 2 / 195 رقم حديث 823 تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان.
4 - قال السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب أنه قال: نهى عمر عن متعتين: متعة الحج، ومتعة النساء.
الدر المنثور: 1 / 141
5 - أخرج ابن شبة عن جابر (رضي الله عنه) عنه أنه قال: لما ولي عمر (رض) خطب الناس وقال:
إن القرآن هو القرآن، وإن الرسول هو الرسول وإنهما كانتا متعتين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء فأفصلوا بين حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم، والأخرى: متعة النساء. فلا أوتي برجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته في الحجارة.
تاريخ المدينة المنورة: 2 / 702 مسند الإمام أحمد 1 / 52 ط القاهرة
6 - قال الفخر الرازي " والقول الثاني أن المراد بهذه الآية:
* (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) *.
حكم المتعة وهي عبارة أن يستأجر الرجل: المرأة بمال معلوم، إلى أجل معين فيجامعها.
واتفقوا: أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام.
وروى: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) طول العزوبة فقال: " استمتعوا من هذه النساء ".
تفسير مفاتيح الغيب 10 / 50 ط بيروت.
قلت: طبعتها للعقول المتحررة، لا المتحجرة. فازداد غيضا وسكت.
وذهبت مرة أنا والأستاذ رشيد الصفار (1) إلى داره في مصر الجديدة فسألني عن أبي هريرة فقلت له: رجل يقول عنه النقاد والمحققون بأنه وضاع (2) فقال لماذا؟
____________
(1) من رجال التحقيق للآثار الإسلامية المعروفين في أنحاء العراق ومصر حقق كتبا نفيسة منها:
" ديوان الشريف المرتضى " في ثلاث مجلدات طبع بمصر و " جمل العلم والعمل " للشريف المرتضى طبع في العراق و " نسمة السحر فيمن تشيع وشعر " وغيرها. وكان رئيس ملاحظي الحقوق في المصرف الزراعي المركزي - بغداد.
(2) أنظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2 / 106 ونصه: " أن الصحابة أنكرت على أبي هريرة كثرة روايته حتى قالت عائشة: (رض) رحم الله أبا هريرة لقد كان رجلا مهذارا، وفي لسان العرب مادة هذر: الهذر هو الكلام الذي لا يعبأ به. وهذر في كلامه كفرح: أكثر من الخطأ والباطل. والهذر: الكثير الردى.
فقام الأستاذ شاكر، وتناول كتابا من مكتبته بحجم متوسط ودفعه إلي وقال:
أنظر صفحات هذا الكتاب وعلى كم صفحة يحتوي.
قلت: 230 صفحة فقال: الصفحة فيها كم سطر قلت 23 سطرا.
فقال: إضرب أسطر الكتاب بالصفحات فكم يكون الحاصل.
قلت: - بعد أن قمت بعملية الضرب - 5290 سطرا.
فأخذ الكتاب بيده وقال:
أنت تستكثر حفظ هذا الكتاب على أبي هريرة.
فقلت له يا أستاذ: كيف اختص أبو هريرة بسماع هذه الأحاديث وحفظها من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يختص بها غيره من هو أخص الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فأجابني قائلا:
أبو هريرة كان ملازما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فأجبته: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحضر أوقات الصلوات في المسجد، وكان عنده تسعة
____________
(1) الصفة بالضم: اسم لبيت صيفي وقيل: الصفة في المسجد كانت مسقوفة بجريدة النخل.
انظر: أقرب الموارد.
وإن أبا هريرة لم يحضر عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى سنة وتسعة أشهر لأنه أسلم في سنة من الهجرة وأقصاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي في سنة ثمان من الهجرة (1).
فكيف استطاع حفظ هذه الأحاديث وسماعها من النبي (صلى الله عليه وآله) بشكل مباشر، مع أن سماعها يستلزم زمنا طويلا لا يحتاج إليه الحفظ عن ظهر القلب فلم يحر جوابا، وبعد فترة استأذناه وانصرفنا.
وعند ما كنت في القاهرة ذهبت لزيارته في داره في أحد الأيام فخاطبني قائلا:
لما ذا لا تطبع كتب علماء الإمامية في القرن الرابع؟!
قلت: كتب أي عالم منهم.
قال: كتب الشريف المرتضى.
قلت: حملت الآن في هذه الرحلة كتاب " الشافي " في الإمامة للشريف المرتضى وحيث أن هذا الكتاب هو نقد لكتاب: " الإمامة " للقاضي عبد الجبار المعتزلي وهو أحد مجلدات كتب " المغنى " وقد طبع منه عدة مجلدات وكتاب " الإمامة " عنه لم يطبع لحد الآن وإني في انتظار طبعه وبعده فسوف نقوم بطبعه إن شاء الله تعالى والشريف المرتضى كثيرا ما ينقل منه في كتاب " الشافي " ولأني أخشى سقوط بعض الكلمات أثناء النقل من الناسخ لذلك لا أرى من الصالح نشر هذا الكتاب قبل صدور كتاب: " الإمامة " للقاضي عبد الجبار والغرض من ذلك هو مقابلة بعض النصوص منه لمطابقتها مع الأصل تحريا للأمانة العلمية.
____________
(1) راجع شيخ المضيرة أبو هريرة ص 63 الطبعة الثالثة طبعة دار المعارف بمصر.
- 10 -
حرف الضاد
25- الدكتور شوقي ضيف
- 25 -
الدكتور شوقي ضيف
من كتاب مصر البارزين
" تاريخ الأدب العربي " 4 أجزاء " المدارس النحوية " البلاغة تطور وتاريخ " " النقد "، " دراسات في الشعر العربي المعاصر "، " الرثاء "، " الرحلات "، " المقامة "، " ابن زيدون " " البحث الأدبي " الفن ومذاهبه في النثر العربي " " الفن ومذاهبه في الشعر العربي "، " في النقد الأدبي " " الأدب العربي المعاصر في مصر " " شوقي شاعر العصر الحديث ".
عرفني إلى هذا الدكتور وحدثني عنه: الدكتور حامد حفني داود أستاذ الأدب العربي في كلية الألسن وقد رغب الدكتور حامد أن نحدد معه وقتا للمقابلة في مسكنه.
فاتصل به الدكتور حامد ذات يوم وحدد معه الوقت للمقابلة فذهبت بصحبة الدكتور حامد إلى داره وصحبت معي كتاب: عبد الله بن سبأ الطبعة الثانية التي طبعتها في القاهرة بمطابع الحاج محمد حلمي المنياوي.
ولما دخلنا عليه داره وجلسنا عنده أخرجت الكتاب وأهديته له وقلت:
إن عبد الله بن سبأ هذا شخصية خيالية وهمية لا وجود لها.
ثم طلبت منه أن يكتب تقديما للكتاب فأبى وقال:
لا يمكن أن يكون شخصا خياليا.
فأجبته: أستاذك يقول:
إن عبد الله بن سبأ شخصية خيالية أوجدها خصوم الشيعة للطعن بهم " مفيش حاجة اسمها عبد الله بن سبأ " لم يخلق الله شيئا اسمه عبد الله بن سبأ قال:
من أستاذي؟ وقد علا وجهه الغضب.
قلت: الدكتور طه حسين يقول هذا.
وقد ذكر كتابه الفتنة الكبرى 2 / 98 طبعة القاهرة عام 1953 م وقال:
إن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا، قد اخترع بأخرة حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية الخ.
فعند ذلك سكن غضبه، وتركت الكتاب عنده وانصرفت مع الدكتور حامد حفني داود.
وحكى لي الدكتور حامد حفني داود شيئا عن عقيدة الدكتور شوقي ضيف " وسيكلوجيته " في تناول قضايا التاريخ فكان مما ذكر أنه ذات يوم فتح معه الحديث عن الخلاف بين الإمام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ومعاوية ابن أبي سفيان فما كان من الدكتور شوقي ضيف إلا أن قال محتدا:
ما الذي حمل عليا للذهاب إلى معاوية في " صفين " ليحاربه ففهم الدكتور حامد أن المتحدث معه يتحامل على الإمام أمير المؤمنين علي ولذلك قطع الحديث معه إلا أن الحديث معه لا يجدي فتيلا في إقناعه، وكذلك الأمر مع الذين لا يتناولون البحث العلمي تناولا موضوعيا مجردا عن الهوى والعاطفة.
على أنه - ومهما يكن من أمر فإن صلتنا بالدكتور شوقي ضيف لم تسمح لنا بالقدر الكافي أن ندرس شخصيته من كافة جوانبها، ولعل أن تتاح فرصة للقائه من جديد وهو:
الرجل المعروف لدى بعض أصدقائه وتلامذته بحرية الرأي وسعة الأفق.
وفي رحلتي إلى القاهرة عام 1395 هـ الموافق عام 1985 م زرت أحد أصدقائي
السادة الأفاضل في داره يوم الثلاثاء رابع شهر رمضان المبارك وكان قد جري
حديث عن الدكتور شوقي ضيف وأطلعته على محادثتي معه فذكر لي حادثة تتعلق