3 - فضيلة الأستاذ رغم أن الوقت ضيق إلا أنني أستأذن من سماحة سيدي الوالد وأقدم لكم السؤال الثالث وهو:
ما هو وضع الشيعة في مصر وهل لهم مكانة تتناسب وشأنهم؟ وهل لهم مركز ديني وثقافي؟.
الأستاذ: إن الشيعة في مصر لا مظهر لهم، وليسوا بتلك الكثرة الجالبة للنظر بل عددهم قليل جدا وقد يكونوا خارج القاهرة.
أما في نفس القاهرة فلا يتردد اسم الشيعي بكثير، وفي مختلف الأوساط بل قد يكون ذكرهم في محافل خاصة.
وإن الشعب المصري قد لا يعلم عن الشيعة شيئا وقد لا يفهم معنى الشيعة ومفهومها إلا القليل ممن امتحن الله قلبه بالإيمان وليس لهم مركز ديني وثقافي بالشكل الذي يناسب وشأنهم علما بأن المراكز الثقافية والعلمية في مصر تعود لهم من سابق الزمن فالأزهر الشريف أسسته الدولة الفاطمية وكثير من المساجد المهمة أنشأتها الدولة الفاطمية إلا أن الظروف السياسية آنذاك فرقت جمع الشيعة وشتت شملهم ونزعت من أيديهم ما كان لهم.
فضيلة الأستاذ: كنا نسمع بأن الشعب المصري يود أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين كثيرا ولقد رأيت خلال سفري إلى القاهرة في العام الماضي (1) أنهم كثيرا يتظاهرون بتمسكهم بحب أهل البيت وبولائهم ويؤدون مراسم الزيارة لمقام الإمام
____________
(1) يقصد بالعام الماضي عام 1975 م.
لماذا مثل هذا الوضع يسود عندكم، وأنتم أرباب الفضل والفضيلة، وأصحاب الأقلام والألسنة الحرة!!
الأستاذ: أولا إنك قلت: إن الشعب المصري يتظاهر بحبه لأهل البيت وهذا ليس بصحيح وإنما يظهر، وفرق بين الإظهار والتظاهر.
فالتظاهر هو الإظهار دون الواقعية.
أما الشعب المصري فيحب أهل البيت واقعا، ويودهم حقا.
والجواب عن أصل السؤال: أن التبعة في هذا الابتعاد وفي هذا النوع من النكران تقع على عاتق أصحاب السماحة: العلماء الأعلام، ورجال الدين الأفاضل فإن واجبهم أن يبعثوا إلى مصر من يبين لهم الحق والحقيقة ويهديهم إلى الصراط، فإذا لم يهتدوا ولم يقبلوا الحق يحتج عليهم.
والقرآن الكريم يقول: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الإسراء: 15.
فهل بعثتم الرسل إلى مصر حتى تحتجوا على أهلها؟
وهل أسستم مراكز ثقافية يتثقف فيها أبناء مصر بالثقافة الشيعية التي هي ثقافة أهل البيت وثقافة القرآن؟
إن عليكم علماء هذه الأمة، وقادتها أن توجهوا شطرا من طاقاتكم المعنوية نحو مصر وأبنائها الذين يشكلون عددا كبيرا من المسلمين وحينذاك ترون فيهم الثمر
س: إذن ما هو الطريق لبث عقائد الشيعة التي هي العقائد الإسلامية السليمة من كل شائبة في صفوف أبناء مصر؟ ومن الذي يلتزم هذا الموضوع؟
ج: الذي أراه هو أن نعين معلمين يتكفلون تدريس المذهب الجعفري في المدارس سواء فيها: الابتدائية، والمراحل الأخرى التعليمية حتى تنغرس الأمور في أذهانهم وبهذه الطريقة يمكننا أن نقوم بخدمة دينية كبيرة في نطاق واسع جدا!
وبأسرع وقت ممكن ومن ثم يؤسس مركز ثقافي يكون وجها للشيعة في القاهرة وضواحيها يتردد عليه المسلمون من كل صوب وحدب.
ولما أن بلغ الكلام إلى هنا حان وقت رحيل الضيف الكريم فقدم إليه سماحة آية الله العظمى الشيرازي خاتما ثمينا هدية شخصية كما أنه أهدى إليه مجموعة كبيرة من الكتب المختلفة ودعا سماحته لفضيلة الأستاذ بالموفقية التامة لخدمة الدين والعلم، والعودة إلى إيران في فرصة سعيدة أخرى.
وفي ليلة الجمعة 19 من ذي القعدة الحرام المصادف 12 نوفمبر 1976 م أقمت للأستاذ حفلة في منزلي بطهران دعوت إليها عددا كبيرا من العلماء والشخصيات الأدبية البارزة ورجال الفكر وجرى الحديث حول الوصية، وهل أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى أم لا؟ فقال الأستاذ:
إن هناك وصية من حيث المبدأ سواء ظهرت في إيماءاته، أو سماته التي أعطاها للبعض ولذلك استند الخلفاء إلى هذا المبدأ حيث استند - على حد تعبير الأستاذ - الخليفة الأول في أمر الخلافة إلى الاجتماع بالصلاة وعلى هذا بايعه الخليفة الثاني.
ويرى الأستاذ أن التعيينات في أمر الخلافة استندت إلى الاستفادة من ذلك.
ومن أبرز هذه الشواهد قول عثمان حينما خيروه بين العزل، أو القتل قال: " لن
وأراد الأستاذ أن يستند في رأيه هذا إلى الاستنتاج العقلي ليتخلص من النصوص التي يتعصب لها الطرفان.
ومن رأي الأستاذ: أن المغيرة بن شعبة كان المسبب الأصلي لقتل الإمام الحسين (عليه السلام) فبعد أن ذكر مواقفه النفاقية قال:
مر المغيرة على باب بيت علي، وذلك بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرأى أبا بكر وعمر جالسين على الباب فقال لهما.
أتنتظران " حبل الحبل " ليخرج فتبايعانه؟!
قوما واجعلا من أنفسكما خليفة:
وأضاف الأستاذ أن هذا الموقف من المغيرة هو الذي جر الويلات على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى آل الأمر إلى قتل الإمام الحسين (عليه السلام).
وسئل الأستاذ هل أن المغيرة كان يعد من الصحابة العدول.
أجاب: إن الصحابي - في رأيي - هو الذي يحفظ الرسول في ذريته وشريعته وبعد هذه الأحاديث وغيرها ألقى الأستاذ " عباس الترجمان " (1) قصيدة أثنى فيها
____________
(1) بكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية الفقه النجف الأشرف - العراق ماجستير في اللغة العربية والعلوم القرآنية من جامعة طهران له: ديوان كبير باللغة العربية الفصحى، وديوان باللغة الدارجة العراقية، وديوان شعر باللغة الفارسية " ترجمة رباعيات الخيام شعرا باللهجة العراقية " " الدعاء أسلوب تربوي " " الواو مواردها وأحكامها " " صالح عبد القدوس: حياته - شعره " عبد الله بن معاوية الجعفري حياته - شعره " اللحن في اللغة العربية منذ ظهوره حتى نهاية العصر العباسي ".
ترجم كتبا عن اللغة الفارسية: أهل البيت في آية التطهير، الملكية في الإسلام وغيرهما، وهو الآن مكب على ترجمة المثنوي شعرا.
ألقيت هذه القصيدة في الحفلة التكريمية التي أقامها سماحة السيد مرتضى الرضوي للأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود بمناسبة زيارته لإيران في مساء يوم الجمعة التاسع عشر من ذي القعدة الحرام لعام 1396 هجرية.
عباس الترجمان / طهران
للشيخ حسين الطرفي
____________
(1) قد جمع الكلمات والقصائد التي ألقيت في الحفل فضيلة الأستاذ الشيخ محمد رضا
الأنصاري أيده الله تعالى وطبعت باسم " في تكريم الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود " ونشرها
نادي الخاقاني بمدينة خرمشهر برقم (12).
- المؤلف -
الشيخ باقر المقدسي يلقي كلمته (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سادتي العلماء.
أستاذي الأكرم عبد الفتاح عبد المقصود.
إخواني الأدباء وأهل الفضل والفضيلة.
أقدم تحياتي الحارة في هذا النادي أو المنتدى أو المدرسة العلمية والأدبية بين يدي سماحة العلماء حفظهم الله.
الحديث يجري اليوم عن مصر. والحديث يجري اليوم عن العلم والعلماء، وعن الكتاب والباحثين.. وموضوع النادي وما يدور حوله موضوع الاحتفال والاحتفاء بمقدم عالم من علماء الإسلام، وكاتب من كبار كتاب الحق ورائدي الواقع. ونحن نقول: أننا منذ أن تعلمنا القراءة أخذنا نقرأ الكتب الكثيرة، ونحن في عقيدتنا وفي طريقتنا، لا نبقى على كتاب واحد جامدين، ولا على كتب جماعتنا.
وإنما نتوخى الكتب التي كتبت عن الإسلام وعن المسلمين وعن الحق أينما كتبت وبأي قلم التي كتبت. من هنا ترى مكتباتنا بصورة عامة مليئة بكتب الشرق والغرب، وخصوصا بكتب إخواننا السنة، وقلما تجد مكتبة شيعية إلا وتضاهيها الكتب الموجودة فيها من كتب علماء إخواننا السنة لأننا نعتقد أن الإسلام لم يقم على
____________
(1) مع أن كلمته كانت ارتجالية، ولكنها أعجبت الجمهور كما أعجبت المحتفى به لتعدد
المواضيع التي تطرق لها وأشبعها بحثا. وقد سقط منها بعض المواضيع التي لم تسجلها
المسجلة فذهبت من المقال ونحن نأسف لذلك. والشيخ باقر المقدسي خطيب بارع وشاعر
وأديب لامع تلقى الخطابة من أساتذة معروفين في عالم الخطابة في مدينة النجف الأشرف -
العراق إضافة إلى دراسته الدينية في مدينة النجف الأشرف وهو خريج كلية الفقه بمعدل
ليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية.
- المؤلف -
ثم أخذنا نقرأ كتبا كثيرة ظهرت في مصر. لأن مصر وخصوصا جامعة الأزهر وجامع الأزهر من أركان الإسلام، من جملة الحوزات العلمية التي أدت ما عليها إلى حد كبير من نشر الإسلام والدفاع عنه. خصوصا في أوروبا وآسيا القارة السوداء.
بالإضافة إلى ما قامت به حوزة النجف الأشرف، وحوزة قم المقدسة، والحوزات العلمية الإسلامية الأخرى.
أخذنا نقرأ الكتب، نقرأ الكتب التي صدرت من القاهرة بالذات فوجدنا كتابا ودكاترة، وأدباء، وحملة ماجستير وأمثال ذلك. فقلنا لعل دراساتهم الحديثة خففت فيهم العصبية التي ورثوها من القدماء لكن طلع علينا محمد ثابت (1) وطلع علينا
____________
(1) محمد ثابت في رحلته التي كتبها في طريقه إلى العراق وإلى إيران. جاء فيها من الكذب
والافتراء ما لا يحصى. وقد رد على بعض افتراءاته، المرحوم عبد الوهاب عزام (رحمه الله)، بالإضافة
إلى باقي العلماء.
- المؤلف -
وكأننا من أولئك الذين آمنوا بالله بحق ولكنهم لم يؤيدوا على فطرتهم وعلى عقيدتهم. والإنسان إذا كان صاحب عقيدة، وعلم عقيدته عن صدق يريد من يساعده علميا، أدبيا، فكريا في عقيدته. ولا يتراجع عن عقيدته إلا بحجة منطقية وليست ثمة من حجة.
لهذا كنا نتوخى الكتب ونقرأها، فتطلع علينا بأشياء جديدة. وجديدة. مثلما كتب محمد حسين الذهبي عن التفسير والمفسرين ثم يقول عن بعض كتب تفسير الشيعة: بأنها مجموعة خرافات وأكاذيب.
أو ما يقوله غيره: عبد الحسيب طه حميدة عن الشيعة.
أو يخرج إنسان آخر في بقعة أخرى إسلامية عربية فيقول: الشيعة لا حياة لهم تحت الشمس. لماذا؟ أخرجنا عن الإسلام نحن؟ من الذي ينتشلنا مما وقعنا فيه؟
ومن يرفع عنا حجب سوء الظن هذا؟ صرنا ولا نستطيع أن نعتمد على كاتب، سواء كان كاتبا أزهريا، أو كاتبا دكتورا حاملا لشهادة لأنه يسير على الوتيرة التي سار عليها الأقدمون. ولكن في الأخير جاد علينا الزمن بمجموعة من الفحول الذين أدوا الحق وقالوا: كلمة الصدق ولم يخشوا من مجتمعهم، ولم يتأثروا برواسبهم وكانوا يتحلون بروح الصبر والشجاعة والإقدام والمرونة إلى حد كبير.. ورائد هؤلاء أولا
____________
(1) أحمد أمين. في كتابه " فجر الإسلام " و " ضحى الإسلام " ولما عوتب على ذلك في زيارته للنجف الأشرف اعتذر بأنه لم يطلع على كتب الشيعة. وهذا عذر أقبح من فعل. وقد كتب - في آخر أيامه - كتابا قال فيه: بالمهم من مقالات الشيعة في الخلافة. ورد عليه الشيخ السبتي.
وقد نشر بالقاهرة عام 1398 هـ عام 1978 م كتاب: " تحت راية الحق " لفضيلة العلامة الجليل الشيخ عبد الله السبيتي صاحب الآثار الخالدة وقدم له الدكتور حامد حفني داود رئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس بالقاهرة.
- المؤلف -
وإن كان لا ننسى أو يجب أن لا ننسى الأستاذ محمد حسين هيكل في كتابه:
" حياة محمد " ولكنه بعد ذلك هدد ونزولا عند رغبة المهددين والمغرضين، أو نزولا تحت رغبة المغريات والتطميع والتهديد في الطبعات الأخرى، من الطبعة الثانية فما فوق، حرف بعض ما جاء به في الطبعة الأولى من كتابه (2).
أظهر له الحق بعد حين؟
أم أثرت فيه المغريات والتهديدات؟ وإذا كان الإنسان كاتب حق فليقل كلمة الحق مهما كان. وصدق أمير المؤمنين سلام الله عليه عندما يقول: " لا تستوحشوا من طريق الحق لقلة سالكيه ".
ثم طلع علينا الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود فكتب في الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وأجاد في كتابته.
إنه كتب عن الإمام سلام الله عليه وما يدور حوله من عقيدة، وموضوع
____________
(1) وممن ذكره وسقط ذكره من المسجلة هو: المرحوم الشيخ محمود أبو رية صاحب كتاب:
" أضواء على السنة المحمدية " و " شيخ المضيرة " (*) و " علي وأدوار حياته " فقد أنصف الشيعة وأئمتهم في بعض كتبه المطبوعة وغير المطبوعة.
(*) هذان الكتابان نشرتهما دار المعارف بطبعتها الثالثة بمصر والكتاب الأخير مخطوط ولم يطبع وقد حققه وراجعه أحد الأساتذة اللامعين وسوف يطبع إن شاء الله تعالى.
- المؤلف -
(2) ذكرنا عدد طبعات الكتاب المحرفة بعد الطبعة الأولى من كتاب: " حياة محمد " في حديثنا مع الأستاذ خالد وقد تقدم في المجلد الأول من هذا الكتاب " تحريف صريح في حياة محمد وشرح نهج البلاغة ".
- المؤلف -
ثم.. لماذا نحن نحب أمير المؤمنين؟ ونحب من كتب الحق في الإمام وما الذي ينفعنا " علي " اليوم وهو في قبره؟ وقد مرت السنين الطوال على وفاته.
ما الذي نستفيده اليوم نحن من علي سلام الله عليه، حتى نقيم الدنيا ونقعدها مدحا له، وذكرا لفضائله وإشادة بمجده وذكرياته. واحتراما لمن يكتب الحق فيه؟
إننا نحب عليا لأنه " صوت العدالة الإنسانية " كما يقول الأستاذ: جورج جرداق، وإذا كان الإنسان يحب العدالة والسعادة في حياته، ليسعد هو والمجتمع البشري، فيجب عليه أن يحب عليا سلام الله عليه.
إن العدل الذي كان عند علي سلام الله عليه هو الذي جرنا إليه.
إن الإنسانية التي كانت عند الإمام أمير المؤمنين، هي التي أدخلت حبه في قلوبنا.
ولو سار الناس على نهج أمير المؤمنين. ولو استفاد الناس من إصلاحات الإمام أمير المؤمنين، لعاشوا عيشة راضية مرضية. كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
والله لو وليتموها عليا لوجدتموه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء
ومهما كان من أمر. إننا نحب أمير المؤمنين سلام الله عليه لأنه لو وليها لكانت الدنيا كلها مسلمة..
أنا لا أقول ذلك من نفسي.. وإنما أقولها عن خبير ألماني.
يقول - بعض أشراف مكة لما مضوا إلى برلين قبل اقتسامها: - التفت إليهم أحد المسؤولين الألمان. فقال لهم: هل لمعاوية صورة عندكم، أو تمثال؟ قالوا لا. ثم قال له:
ما أنت ومعاوية؟ قال: لو وجدنا له صورة لصنعنا له تمثالا من ذهب، ووضعنا التمثال في أكبر ساحة في برلين. فسألوه ولماذا؟ ما أنتم ومعاوية؟ فقال: لو لم يقف معاوية في وجه علي وإصلاحاته، لكانت أوروبا - ومنها ألمانيا - كلها مسلمة اليوم. ولكن معاوية هو الذي وقف في وجه إصلاحات علي، وهو الذي منع الإسلام أن ينتشر ويكتسح الأديان الأخرى والمذاهب الأخرى.
إذا نحن نحب عليا سلام الله عليه، لأنه رائد الحق، ورائد العدل، و " صوت العدالة الإنسانية ". ومن يحب أمير المؤمنين علي يحب الحق ومن يحب العدل يحب عليا، ومن يريد سعادة الدنيا والآخرة فليحب عليا سلام الله عليه.
ونحن إذا لم نستحصل شيئا من أيام علي سلام الله عليه، فقد استحصلناها نظريا. فجمهورية أفلاطون وإن لم تطبق، لكنها بقيت في المكتبات ويقرؤها الأدباء والعلماء، لأنها أمثولة الخير. وأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه إصلاحاته، وأقواله، وحكمياته، وخطواته، وأفكاره، كلها لأجل الإنسانية والخير والعدالة.
ونحن نحب الإنسانية، ونحب العدالة، ونحب كل من يدافع عن الحق والعدل.
____________
(1) كما أكد ذلك الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عندما ترجم أعضاء الشورى قبيل وفاته - بقوله لعلي: ".. أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء ". شرح " نهج البلاغة " لابن أبي الحديد 1 / 186.
فالإنسان الذي يطلب الحق والعدل والنور، يركض وراءه أينما كان ولا يلتفت إلى من قال: أو ماذا قيل في أمره.
إذا الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود، فتح لنا أبوابا جديدة على عالم مصر وعلى العالم السني، وعلى العالم العربي والإسلامي، فصرنا نحن أن نقرأ كثيرا من الكتب التي أسأنا الظن بالنسبة إلى كتابها، وصرنا نستفيد منها أدبيا وتاريخيا وعلميا وأننا نطلب منه أن يكون همزة وصل بين الحوزات العلمية في عالم التشيع والحوزات العلمية الإسلامية في العالم الآخر.
فإذا كان همزة وصل، تمكن أن يوصل صوتنا إليهم، وتمكن أن يوصل أصواتهم إلينا أيضا. وبهذه الطريقة نستطيع أن نتكاتف جميعا لنخدم الإسلام، وخصوصا في عصرنا الحاضر خصوصا في أيامنا التي تلاحمت - ضد الإسلام - الكثير من قوى الشر...
ومن لا يحب المحجة البيضاء والصراط المستقيم؟ ومن الذي لا يحب العدالة والخير؟
وهل يضاهيه أحد في علمه، وفي شجاعته، وفي صبره، وفي إقدامه، وفي ورعه، وفي تقواه، وفي أي شئ آخر؟
وأظن اليوم. إنما رفعت الستائر عن حقيقة أمير المؤمنين، لأن العصر عصر الحرية في المبادئ والآراء والفكر. ولأن الديمقراطية - كما يقولون - الديمقراطية الفكرية تؤثر أثرها خصوصا بالنسبة إلى الحكم. فيعرف الناس إن عليا كان أولى من غيره.
ومهما كان فإننا نرحب به أولا وآخرا ونقول:
والأذن تعشق قبل العين أحيانا.
وقد عشقناه من كتابه ومن كتاباته، ومما قاله وكتبه في كتبه، واليوم رأيناه بأم أعيننا والفضل يعود لسماحة حجة الإسلام الشيخ سلمان الخاقاني. إذ سهل لنا الوصول إلى الأستاذ الكريم، والتعرف عليه عن كتب، ثم الاستفادة منه. ونسأل الله تعالى أن يجمع شمل المسلمين بكتابات روادها وعلمائها وكتابها وباحثيها الذين يحملون راية الإصلاح والحق وجمع الكلمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود
أيها الإخوة الكرام كرم الغيث، الأعزة عزة الحق، القريبون إلى القلب كسويدائه، الأجلاء جلال العلم، أحييكم بتحية الإسلام فأقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم أتساءل أيضا.. كيف لي أن أشكركم وقد سبقوني ببلاغة غمرتني بتقدير لا أستطيع أن أقول: إنني أهل له.
أنا أقل مما قالوا كثيرا، وكثيرا جدا.
أقل من حسن ظنكم في.
أقل من تقديركم لي.
أقل من هذا العطف الذي ألمحه على كل وجه منكم.
أجل: أنا أقل من هذا بكثير وإذا كنتم رأيتم أن تهبوني كلمة تقدير إكراما لحق الإمام علي بن أبي طالب، فكرم الإمام علي قد غمرني غمرا شديدا حتى لا يمكن أن أنكره، أو أقدره.
بفضل الله تعالى قد كتبت عن الإمام.
بفضل الله تعالى حزت منكم هذا التقدير الجميل. ولكنني في الحقيقة لا أستطيع أن أقول: إنني كتبت عن الإمام شيئا يذكر. فالإمام أكبر من أن يتسع له سفر مهما كبر وضخم.
الإمام أكبر من أن يستطيع قلم أن يتناوله بسنه مهما فاض مداده.
الإمام أكبر من أن يصفه ويقدره حق قدره بليغ أو فصيح مهما بلغ من البلاغة ومن الفصاحة.
الإمام - أيها الإخوة - بحر لجي، وما أظنكم تجهلون هذا. وإذا كنت قد استطعت
الإمام (عليه السلام) كان مجموعة من الفضائل، من المثل العليا، من المكارم من القوة، من الشجاعة، من الولاء للإسلام، من الفناء في الإسلام.
لذلك حينما تناولت الإمام، حاولت - قدر جهدي المتواضع - أن أكتب عنه وأنا أريد أن أظهر منه ناحية واحدة أهم من التاريخ الذي يعرفه الصغير والكبير أردت أن أظهر منه: أنه الرجل الذي عرف كيف يطبق الإسلام التطبيق الحقيقي في مقتبله بادئا بنفسه قبل غيره، متوخيا في كل سلوك يسلكه خطوات رسول الله عليه الصلوات والسلام.
كان الإمام في سلوكه يترجم الكتاب الكريم، كتاب الله، إلى أسلوب حياة يومية لكل الناس، لكل البشر.
كان لا يهمه أن يتبعه هذا المسلم أو يتبعه الآخر، إنما كان يهمه أن يفضح عما في القرآن من خفايا تستطيع أن تقود البشرية كلها إلى الخير والعدل والحق.
الإمام - أيها الإخوة - شخصية لم تجد بها البشرية قط، باستثناء محمد عليه الصلاة والسلام.
ولا عجب في ذلك. فمن هو الإمام؟
إن ابن رسول الله أخو رسول الله. ابن عم رسول الله. ربيب رسول الله. زوج ابنة رسول الله. والد أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).