ما من أحد في العالمين وصل إلى هذه المنزلة، وما من أحد يمكن أن يصل إليها.
إني عندما كتبت عن الإمام. لم أظن أن هناك من سوف يترصد لي بكلمة سوء من هنا، أو بكلمة من هناك. فما كتبت وما قلت غير ما اعتقدت أنه الحق. وما وجدت في الأسفار أنه حق، وما دلتني مقارناتي واستقراءاتي على أنه الحق.
فإذا وقف امرؤ من الناس فنالني بسوء، بكلمة سوء، بإشارة سوء بأي شئ من هذا القبيل، فليقل، ولينل كيفما شاء، فذلك لا قيمة له ما دمت أعتقد أن ما كتبته هو الصواب، وإنه لصواب فيما أظن. فبالأمس كنت أتكلم. فخاض بي الحديث في ذكر بعض الصحابة. الأذى الذي نالني في عقيدتي وفي سمعتي كان لأنني تكلمت عن بعض الصحابة في شئ من الصراحة ولم أكن جاوزت في حديثي عنهم ما قالوه هم عن أنفسهم، وما قاله معاصروهم أو ما فعلوه هم بأيديهم.
ومع ذلك: قال قائل: إنني في كتابي عن الإمام تطاولت على مقام أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
من هؤلاء الأصحاب الذين تطاولت عليهم؟
معاوية؟ عمرو بن العاص؟ المغيرة بن شعبة؟ إلى آخر هذا النمط من الناس.
معاوية على سبيل المثال: هل يمكن أن أقول عنه: إلا أنه قد قلب الحق إلى باطل، وقلب الباطل إلى حق واستطاع بهذا أن يجر الناس خلفه أو بعض الناس ليعينوه على باطله.
يدعي: أن الإمام (عليه السلام) قد قتل عثمان، ثم يدعي أنه حرض على قتل عثمان. هل هذا صحيح؟
الحق الذي يعلمه معاوية نفسه أن الإمام كان أكبر من دافع عثمان في محنته.
معاوية نفسه يعلم هذا، ثم يعلم: أنه هو - أي معاوية - بعث قوة من رجال
هل كان من الممكن أن أمدح عمرو بن العاص وهو القائل بنفسه، أو الآخذ بقول أحد أولاده، إن أردت الدنيا فكن مع معاوية. وإن أردت الآخرة فكن مع علي. فاختار الدنيا وذهب إلى معاوية.
هل يمكن أن أمدح مثل هذا الشخص؟
هل أقول عن المغيرة الذي كان أول هادم لحق آل بيت رسول الله في الخلافة؟
هل أقول عنه كما يقولون إنه كان داهية أريبا؟ لا بل أقول عنه إنه كان دساسا خسيسا خبيثا.
ومعلوم، إنه بعد وفاة رسول الله - كما جاء في بعض الكتب - مر المغيرة بن شعبة فوجد أبا بكر وعمر جالسين على باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وسألهم ما تنتظران؟
قالا: ننتظر هذا الرجل ليخرج إلينا فنبايعه - وهما يعنيان عليا - فتهكم وسخر:
وقال: أو تنتظران حبل الحبلة من بني هاشم لتبايعاه؟ وسعوها في قريش لتتسع.
فلفتهما عن حق علي وجعلهما يسعيان في جانب آخر.
كل أولئك - كان يريد من كتب فغمز وآذى وأسرف في الإيذاء - كان يريد مني أن أقول إنهم كانوا رجالا مطهرين لا يأتون الباطل ولا يأتيهم الباطل وما كان لي أن أقول هذا إطلاقا. لا يمكن أن أدعي أن الشمس غير ظاهرة وهي ظاهرة.
ما كان لي أن أدعي ما ليس بحق. ولا هو من حقي أصلا. ولا هو من حقي أن أدعي.
وإذا كان أولئك النفر وأمثالهم قد سموا صحبا لرسول الله فهذا تجاوز مخالف
فما هو الصاحب؟
هل صاحبك الذي تلقاه لساعة أو سويعات، ثم تمضيان كل في سبيله؟
هل صاحبك الذي يسكن إلى جوارك شهرا أو سنة أو اثنتين؟
هل صاحبك هو الذي يحادثك، طال الحديث أو قصر؟
هل صاحبك هو الذي يعيش معك في مجتمعك، ولو طالت مدة المعيشة؟
في رأيي. أن الصاحب، صاحبك هو الذي يحفظك في غيابك وفي حضورك.
يحفظك في أهلك. يحفظك في مالك. يحفظك في سرك. يحفظك في كل شئ لك. يقوم مقامك، ويدفع عنك، حضرت أم غبت عنه.
فمن من هؤلاء حفظ رسول الله؟ من حفظه في بنيه؟ في أولاده؟ في أهله؟ في سمعة الإسلام؟ - أي سمعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... - لا أحد على الإطلاق.
ومع ذلك أيها الإخوة. فإنني لا أحب أن أطيل الحديث في مهاجمة. إنما أقول:
إننا في مصر نحب أهل البيت حبا أستطيع أن أصفه بأنه حب غريزي خلق فينا، لا ندري كيف؟... انحدر إلينا في دمائنا على الأجيال المتعاقبة ولا ندري كيف؟ ولكننا نحبهم.
وقد يوجد منا من يسئ غير عامد إلى أهل البيت. لكنه يسئ إما عن جهل وإما عن مسايرة لبعض آراء المستشرقين الذين خرجوا لنا بأفكار تباين الحقيقة الإسلامية وأرجوكم أن تلتمسوا لهم العذر، وأنا ألتمس أيضا لهم العذر لكنني مع ذلك لا ألتمس لكم أنتم العذر.
دعوني أقولها بصراحة. إني - كما سبق أن قلت في مجتمع كهذا المجتمع أشكو
الأخ تفضل فقال الكثير عن وجود الكتب الشيعية أو السنية - أقصد في مكتبات الشيعة - وعدم وجود الكتب الشيعية في مكتبات السنة.
هذا حق إلى حد كبير. لكن ليس المعول على وجود الكتب في المكتبات المعول على من هؤلاء الذين يقرأون هذه الكتب. فلتمتلئ المكتبة السنية بكتب شيعية. من تظنون سيقرأون مثل هذه الكتب العميقة الجادة التي تحتوي الكثير من البحوث والمناقشات. إلا أن يكون القارئ عالما من العلماء، باحثا من البحاث، يريد أن يصل إلى شئ ليقارن بينه وبين شئ آخر.
ومع احترامي للعلماء من الطرفين، إلا أنني أقول: العلماء ليسوا الأمة كلها، قد يكونون على رأس الأمة الإسلامية. ولكن ما يبلغ الناس العاديين عن السنة وعن الشيعة ليس بكثير...
أما السنة فكثرتهم أو كثرة توالي الحقب والعصور التي تولوا فيها الحكم في الدول الإسلامية المختلفة قد مكن للمذهب السني في البلاد أو في كثير من البلاد الإسلامية.
الشيعة - كما هو معروف - كانوا مضطهدين في كل الحقب الإسلامية إلا قليلا، حتى من بني عمومتهم بني العباس (1)، كانوا مضطهدين أشد الاضطهاد.
إذا. الذي أريده، والذي أرجوه، أن تكتبوا للرجل العادي المسلم، العادي الذي يشكل تسعة وتسعين في المئة (99 %) من الأمة الإسلامية، تسعة وتسعون في المئة (99 %) إن لم يكن من الأمة الإسلامية فمن السنة والسنة تجهل كثيرا...
إذا كتبتم لهؤلاء: الكتاب الميسر السهل الذي يستطيعون فهمه من الممكن جدا
____________
(1) غرضه: بني عمومة أيمتهم (عليهم السلام).
فقد كان لي رأي قاطع أحببت أن أسوقه، فسقته لبعض الصحاب وهو أن نبدأ بتنشئة جيل جديد يعرف حقيقة الشيعة من الطفل الصغير، من الصبي، من الشاب.
أن نقدم لهم كتبا ميسرة سهلة نطلعهم على حقيقة الشيعة.
إنكم تعلمون أن كثيرا من السنة لا يجهلون - فقط - كل شئ عنكم بل يتهمونكم اتهامات أنتم منها براء.
يتهمونكم - أحيانا - بالكفر، بالخروج عن الإسلام.. هذا ما يقال، بالخروج عن الإسلام. يتهمونكم - مثلا - بأنكم تقولون: أن الرسالة نزلت خطأ من السماء على محمد وكان مقصودا بها علي. يتهمونكم بأشياء كثيرة جدا وترون في العامة بل منهم من يتهمونكم بأنكم تؤلهون عليا.
سمعت هذا من أناس لا أقول: إنهم: جهلاء. بل أقول: إنهم متعلمون وبعضهم يعتبر من المثقفين.
ماذا عليكم لو بدأتم وكتبتم قصصا سهلة للأطفال الصغار... لا للرجال العظام، أي مشهد من المشاهد التي تعلم الطفل الصغير الذي يقرأ: إن الإسلام واحد، كما هو في السنة هو في الشيعة.
من السهل جدا أن تكتب هذه ومن السهل جدا - في سياق الكلام القصصي والروائي البسيط الذي يغري الطفل ويستهويه - أن تدس المعلومات المطلوبة عن حقيقة الشيعة.
إني أرجو هذا رجاء منكم لا من أجل نشر المذهب الشيعي، وإنما من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية. بين المذهبين الكبيرين الذين يعتبران جناحي
إذا تم هذا ففي اعتقادي أنه من الممكن أن يتآخى المسلمون بزيادة اقترابهم بعضهم من بعض، وبهذا يمكن أن يقف الإسلام على قدميه مرة أخرى. ولربما نستطيع أن نستعيد عصر الإمام علي بن أبي طالب الذي اعتبره امتدادا لعصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). والسلام عليكم (1).
____________
(1) إلى هنا انتهت كلمة الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود التي ألقاها في الحفل الكبير الذي أعده
له صديقنا صاحب السماحة فضيلة العلامة الكبير الشيخ سلمان الخاقاني في مدينة خرمشهر
- إيران وبها قد تم ما أردنا الكتابة والحديث مع الأستاذ عبد الفتاح.
- المؤلف -
- 28 -
الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف
وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر
تعرفت إلى هذا الأستاذ بواسطة الأستاذ شيخ محمد عبد المنعم خفاجي وفي أحد الأيام ذهبت برفقة الأستاذ خفاجي إلى داره القديمة في شارع اللبودية بدرب الجماميز بحارة عبد الباقي في نفس البناية التي يقيم فيها الأستاذ حسن جاد (1) شاعر الأزهر الشريف والمحقق المعروف. وعندما دخلنا عليه حيانا بأحسن تحية، ورحب بنا كثيرا، وأحضر لنا الشاي، وعمل لنا القهوة وحدثه الأستاذ خفاجي عني وقال له:
إن السيد مرتضى الرضوي من أصدقائنا في النجف الأشرف - العراق وله دار نشر باسم مكتبة النجاح في النجف وطبع كتبا كثيرة وجاء إلى القاهرة لطبع ونشر بعض الكتب الإسلامية المؤيدة لفكرة التقريب بين الشيعة والسنة، - فأيد فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف هذه الفكرة وشكرني كثيرا على هذا الشعور ودعا لي بالخير.
وصرت أتردد إليه في كثير من الأيام التي قضيتها في القاهرة.
وفي بعض زياراتي له في داره كنت ألتقي بالأستاذ الكبير، والشاعر العبقري.
والكاتب الألمعي الأستاذ حسن جاد حسن وكان الحديث الذي يدور بيننا هو مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية لدعم قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
وفي أحد الأيام كنت خارجا من دار الكتب المصرية ماشيا على قدمي قاصدا زيارة ضريح السيدة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإذا بي
____________
(1) تقدم في محادثاتنا معه برقم 10 في القسم الأول من هذا الكتاب.
وذهبت مرة إلى داره الجديدة بشبرا (3) وأهديته " تفسير القرآن " للسيد عبد الله شبر الذي نشرته في القاهرة عام 1385 هـ 1965 م و " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " بقلم العلامة المحقق السيد عبد الزهراء الخطيب وكان الدكتور حامد حفني داود قد كتب عنه كلمة رائعة نشرت في أوله فقرأ سيادته الكلمة بدقة وأعجب بها وأخذ يطالع التفسير بإمعان وتدبر فسر كثيرا وشكرني على هذا الإهداء.
وفي إحدى زياراتي للأستاذ بداره الجديدة بشبرا قال:
هل للسيد مير داماد تأليف غير كتاب " القبسات " وكتابه هذا عظيم جدا وهو رجل عالم وكتابه في غاية الدقة والمتانة ولا أدري، لماذا أنتم الشيعة لا تهتمون في نشر مؤلفاته، وإحياء آثاره (4).
____________
(1) تقدم ذكره في محادثاتنا معه في رقم 15 من هذا الكتاب.
(2) تقدم ذكر الأرجوزة هذه في محادثاتنا مع الأستاذ أحمد خيري باشا في القسم الأول من هذا الكتاب.
(3) شارع الترعة البولاقية - شارع المحمودي 27 الدور الثالث.
(4) من مؤلفاته: في الحكمة " القبسات " و " الصراط المستقيم " و " الحبل المتين " وفي الفقه " شارع النجاة " وله حواشي على " الكافي " في الفقه و " الصحيفة الكاملة " وغير ذلك توفي:
سنة إحدى وأربعين بعد الألف.
أنظر " سلافة العصر " ص 478 طبعة مصر، " روضات الجنات " 2 / 65.
1 - المختصر في علم رجال الأثر من أهل السنة والشيعة الإمامية والزيدية.
2 - التكملة في تواريخ العلماء والنقلة من أهل السنة والشيعة الإمامية والزيدية وكتب عليهما الإهداء تذكارا لهذه الصداقة.
وكان قد كتب فضيلته قبل أعوام بطلب مني كلمة عن " وسائل الشيعة ومستدركاتها " عبر فيها عن رأيه حول هذه الموسوعة الفقهية الخالدة وهذا نصها:
وسائل الشيعة
الشيعة والفقه الإسلامي (1):
إختلفت مصادر الفقه الإسلامي وأصبح للشيعة أصول خاصة من تفسير أئمتهم لكتاب الله ومن السنة المتصلة برجالهم لأنهم الموثقون وعلى أخبار أئمتهم وتنزيلها منزلة الوحي لعصمتهم، وانقطعوا عن النظر في أخبار أهل السنة وقواعد استنباطهم في فقه آل البيت ما يكفل للمستفيد حاجته من الأحكام وشمولها لكل شئونه مع ورع وأدب منقول عن أئمتهم الذين لم تظهر منهم عصبية ولا إسراف.
وتجدون لعلمائهم اليد والفكرة الصائبة في كثير من الأحكام التي تتحقق بها مقاصد الشريعة وإن كانت لا تخضع كثيرا لقوانين الاستنباط عند أهل السنة.
____________
(1) قد طبعت في أوائل المجلد الثاني من كتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها " في الطبعة الأولى بمطبعة دار العهد الجديد للطباعة لكامل مصباح في ص 10 و 11 تحت عنوان: آراء العلماء والكتاب حول الكتاب.
- المؤلف -
ومع ذلك فالخلاف في الفروع ليس بالشئ الكثير فمن قرأ كتاب: الإنتصار للسيد المرتضى علم أنه ما اختلف فيه الشيعة وأهل السنة من الأحكام قليل واختلاف الرأي بين العلماء لا يصح أن يكون سببا مانعا من العلم بأسرار الاستنباط، والوقوف على وجهات الأنظار في التخريج والاعتبار وليس هو كذلك مباعدا بين العلماء، ولا موسعا بهوة الخلاف.
فإن أهل السنة فيهم المذاهب الفقهية المتعددة ولكنهم يستفيدون ملكة الفقه بالاطلاع على الكتب التي تختص بعلم الخلاف والفقه المقارن.
وليس أضر على الدين من العصبية. ولا أشد فتكا بالعقول، والرجال من سوء الظن والأنانية.
فالفقه الإسلامي لكل المكلفين شريعة واحدة يتعبد بها أهل الأمصار على اختلاف الأنظار فيما حبذا لو تبادل الشيعة وأهل السنة ما عندهم من العلم حتى إذا امتزج البحران ظهر منهما اللؤلؤ والمرجان.
نسأل الله أن يجمع الشتات. وأن يخلص لنا النيات. وأن يوحد الكلمة ويجمع القلوب إنه على ما يشاء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه آمين.
القاهرة في: 15 من جمادى الآخرة سنة 1377 هـ
كتبه عبد الوهاب عبد اللطيف
المدرس في كلية الشريعة بالأزهر من يناير سنة 1958 م.
- 29 -
الأستاذ الشيخ محمود فرج العقدة
الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
تعرفت إلى فضيلته بمعرفة الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي وهذا الأستاذ زميل الأستاذ خفاجي في كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر، والتقيت به أكثر من مرة مع الشيخ محمود النواوي المفتش بالأزهر الشريف - وغيره من الأساتذة والعلماء، وقدمت له مطبوعاتنا التي قمنا بطبعها في القاهرة.
وفي أحد الأيام كنت ماشيا مع الأستاذ الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي وكان قد عزم على الرواح إلى منزل الأستاذ الشيخ العقدة، وطلب مني الرواح معه للزيارة فذهبت بصحبته إلى دار الأستاذ ولما دخلنا عليه المنزل رحب بنا فضيلة الشيخ العقدة، وأدخلنا غرفة الاستقبال، وأحضر لنا الشاي وبعده عمل لنا القهوة وجلسنا معه مدة طويلة حتى حان وقت الصلاة - وكنت على وضوء - فطلبت من الأستاذ العقدة أن يحضر لي (مصلى) فجاءني بسجادة صنعت في إيران بسطها تجاه القبلة، وكنت حاملا قطعة من ورق الأشجار طرحتها على (السجادة). فتوجه نحوي الأستاذ العقدة وقال:
لماذا لا تسجد على السجادة؟
قلت: هذه ليست أرضا وعندنا - نحن الشيعة الإمامية - لا يصح السجود إلا على الأرض، أو ما ينبت منها من غير المأكول والملبوس.
فقال: يا سبحان الله؟
إن هذه السجادة حينما وصلتني وأردت أن أصلي عليها فجاء الصبي وبال عليها ولم أصل عليها وقد تكرر هذا العمل.
قلت:
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسجد على خمرة (2) ولم يكن ليسجد على الفرش ونحن الشيعة الإمامية أتباعه.
وتعتقد الشيعة الإمامية بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) وأن عمره الشريف لغاية هذا العام 1419 هـ يكون 1173 سنة وهو حي يرزق وغائب عن الأبصار يرانا ولا نراه.
وقد ورد في الحديث الشريف أن الخضر (عليه السلام) لا يزال حيا.
وهكذا قد اقتضت المصلحة والحكمة الإلهية في امتداد عمر الإمام (عليه السلام) نظير نوح، والخضر (عليهما السلام) ولله سبحانه ما أراد وهو على كل شئ قدير.
وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم عن نبيه نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام أنه مكث في قومه: ألف سنة إلا خمسين عاما، وأن علماء الفيسيولوجيا في هذا اليوم يؤيدون هذه النظرية ويقولون: بنظرية إمكان أن يعمر الإنسان أطول مدة في هذه الحياة. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
____________
(1) أنظر صحيح البخاري 1 / 13 ط مصر.
(2) أحاديث الخمرة متواترة مشهورة أخرجها الحفاظ في كتب الحديث والفقه كالشيخ في الصحيحين والبيهقي في السنن 3 / 421. وراجع حديثنا مع الدكتورة سعاد ماهر حول أحاديث الخمرة والسجود على التربة الحسينية وسيأتي برقم 35 من هذا الكتاب.
وقد جاء هذا الحديث بلفظ آخر:
وقال الشيخ عبد الجليل قاسم في كتابه: " المنار الهادي " في خصائص شيخنا القاضي ص 177.
قال: أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه):
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي.
وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفونني فيهما ".
فهذا دليل على حفظ أهل البيت وبقاء عترته إلى جنب الكتاب إلى يوم القيامة.
(انتهى).
وقد تبين من هذا الحديث " حديث الثقلين (2) " أن عترته (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تفترق عن
____________
(1) أخرجه ابن الأثير الجزري في " أسد الغابة " 2 / 12 عن زيد بن أرقم وأخرجه النسائي في خصائص أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ص 31 طبعة مطبعة التقدم العلمية بمصر عام 1348 هـ، والحاكم في المستدرك 3 / 109.
(2) حديث الثقلين متواتر أخرجه الحفاظ وأصحاب السنن بعدة طرق في صحاحهم ومسانيدهم وجمع العلامة الكبير المحقق الثبت سماحة المغفور له: السيد مير حامد حسين الهندي اللكهنوي رواة هذا الحديث وطرق أسانيده وأثبته في كتابه الخالد:
عبقات الأنوار في أكثر من مجلد وطبع في الهند.
وقد مر ذكر هذا الحديث تحت عنوان حديث الثقلين وعصمة أهل البيت (عليهم السلام) في المجلد الأول من هذا الكتاب ضمن حديثنا مع الدكتور طه حسين فراجعه.
- المؤلف -
ولذا نحن الشيعة الإمامية نعتقد بوجود الإمام المهدي (1) (عليه السلام) وهو: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وقد قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):
من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية (2).
وأخرج القندوزي الحنفي عن ابن عباس قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن الله فتح هذا الدين بعلي وإذا قتل فسد الدين ولا يصلحه إلا المهدي (3).
وروى ابن الطقطقي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:
لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتي... الخ (4).
____________
(1) وقد ألف وترجم فضيلة الأستاذ العلامة الشيخ علي الدواني الخطيب الإيراني الشهير ثلاثة كتب حول الإمام المهدي (عليه السلام) أحدها باسم " مهدي موعود " يحتوي على 1284 صفحة بالقطع الكبير وثانيها باسم: " الموعود الذي ينتظر العالم ظهوره " طبع للمرة الرابعة باللغة الفارسية وثالثها باسم: " علماء السنة والمهدي الموعود " ذكر فيه اعتراف 117 عالما من علماء السنة في القرن الثالث الهجري إلى هذا القرن الحاضر - أي الرابع عشر - بأن المهدي الموعود هو محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) المولود في سامراء عام 255 هـ.
وتقدم تحقيق وتطبيق حديث خلفائي بعدي اثنا عشر على أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) بقلم أعلام أهل السنة. في القسم الأول من هذا الكتاب ص 172.
(2) ينابيع المودة 2 / 445 طبعة الأستانة.
(3) راجع الآداب السلطانية للماوردي ص 148.
(4) أخرجه القندوزي الحنفي في الينابيع 2 / 483.
وبعد هذا كله طلبت من فضيلته أن يقدم لنا كلمة نفتح بها الجزء الثاني من الموسوعة الفقهية الحديثية " وسائل الشيعة ومستدركاتها " فتفضل سيادته مشكورا بهذه الكلمة الخالدة وإليك نصها.
الإسلام دين الوحدة الجامعة (1)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة على من أرسله الله رحمة عامة، وهداية تامة لجميع العالمين: سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وبعد فإن الصورة الجامعة لمشاعرنا معشر المؤمنين، الصادقين بهذا الدين العظيم أنه دين الوحدة الجامعة: في الأصول والفروع، والوسائل والغايات والمشاعر والأفكار. بل والأخلاق والعادات (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون).
ذلك بأن الله جمع هذه الأمة على كتاب واحد يسره للذكر، وأنزله تبيانا لكل شئ وأكمل به الدين، وجعله هدى ورحمة وبشرى للمسلمين، ونعى فيه على أهل الكتاب اختلافهم في الدين بعد أن أنزل عليهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما
____________
(1) قد طبعت في أوائل المجلد الثاني من كتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها " في الطبعة
الأولى بمطبعة دار العهد الجديدة للطباعة لكامل مصباح في ص 10 و 11 تحت عنوان آراء
العلماء والكتاب حول الكتاب.
- المؤلف -
لقد سررت من عهد قريب بإخراج وزارة الأوقاف لكتاب " المختصر النافع " وإن كانت أحكامه ليست في الصحة بسواء، ولا أقول بأن ذلك شعورا اختصصت به هذا الكتاب من كتب الفقه فإن هذا الشعور قد أجده في أي كتاب من كتب المذاهب الأخرى أمام حكم خاص، ولقد أجد من صباحة الحق، وصراحة في حكم من أحكام الشيعة ما لا أجده في حكم لغيرهم من الفقهاء.
ثم سررت أيما سرور حين أهداني " السيد مرتضى الرضوي " صاحب مكتبة النجاح في النجف الأشرف - الجزأين الأولين من كتابي " وسائل الشيعة ومستدركاتها " (1) اللذين بدأ في طبعهما مجتمعين لأكمل نفسي بما أدعو الفقهاء إلى التكمل به، ولأزداد بهما إدراكا فيما نحن في أشد الحاجة إلى إدراكه، وإني لأرى من قراءتي العاجلة، لبعض مباحثهما في كتاب الطهارة أنهما يمنحان المسلم في فقهه، ودينه ما لا ينبغي له - بوصفه طالبا للحق - أن يغفل عنه، ولا أن يحرم نفسه من
____________
(1) قال الأستاذ العقدة بعد مطالعة الجزئين:
لقد ظهر لي بعد أن تيقنت أن أكثر الأحاديث في الصحاح الستة والمسانيد، وكتب الحديث الأخرى عند السنة كلها بل جلها واردة بالمعنى وليست باللفظ - أي أنها غير واردة بلفظ الرسول - وقد رأيت حديثا واحدا ورد ذكره عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه وذكره الرواة بألفاظ متعددة، ومتقاربة، ومختلفة، مع العلم أنه لم يتكرر ذلك الحديث منه صلوات الله عليه.
ولكن عندما أقرأ الحديث في كتب الشيعة المروي عن طريق أهل البيت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أجد فيه متعة، ولذة والسبب في ذلك أنه وارد بلفظ الرسول (صلى الله عليه وسلم).
ولعلي حينما يتم طبع هذين السفرين العظيمين اللذين يبلغان فيما رواه لي السيد الناشر عدة مجلدات، وحينما يتاح لي أن أقرأهما أعرف منهما ما ينبغي أن يكتمل به غيره، وما ينبغي أن يكمل بغيره لنخرج للناس - إن قدر لنا وللمسلمين الخير في هذا العصر المنذر بالأخطار الجسام - بما عسى أن يكون أيسر فيما بعد على أولي النيات الصالحة في التقريب بين مذاهب المسلمين والحمد لله رب العالمين.
محمود فرج العقدة
أستاذ البلاغة والأدب
بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
القاهرة 12 جمادى الآخرة 1377 هـ
2 يناير 1958 م
- 30 -
الأستاذ عبد الله يحيى العلوي
من مشاهير الكتاب في العالم الإسلامي
عين: سفيرا لليمن في أندنوسيا في أواخر عهد سيف الإسلام محمد البدر.