الصفحة 244
اطلاعه، وتمكنه من اللغة العربية وتفسير القرآن، ومن دراسته لأصول الفقه، وقد أفتى بذلك فلا أشك أنه أفتى فتوى مبنية على أساس في اعتقادي.

وفي الحق: أننا مأمورون بالتقارب عملا بقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وأنا أشعر بأنني بعد زيارتي لكثير من البلدان الإسلامية، ومخالطتي لعلمائها أشعر بشئ غير قليل من التعاطف والتفهم لوقوفهم على كثير من أسرار الإسلام، ورغبتهم الشديدة في التقارب بينهم وبين إخوانهم المسلمين في كل بقاع الأرض.

ونرجو الله أن يوفق المسلمين، ويؤلف بين قلوبهم، ففي هذا التآلف والتقارب، والتحاب خير كثير للمسلمين جميعا وخاصة في هذا العصر الذي عرفنا فيه إقبال كثير من البلاد الإسلامية التي لم تكن اللغة العربية فيها شائعة عندهم على تعلمها ونشرها ويتظافر على ذلك الشعوب وولاة الأمور.

وقلت لفضيلته: بصفتكم شيخا للأزهر وقد رأستم ثلاث مؤتمرات لعلماء المسلمين، وسافرتم إلى معظم البلاد الإسلامية، ما رأيكم في تقارب وجهات النظر بين أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها.

أجاب: هذا أمر يجب على كل المسلمين أن يتعاونوا، ويتظافروا على هذا التقارب بالسفر والزيارات المتبادلة. بل هذا:

أول واجب على المسلمين. والمعروف أن المسلم هو: كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يخرجه من إسلامه تمسكه بمذهب من المذاهب.

وقد استفدت أو أفدت من زيارتي لكل البلاد الإسلامية استعداد الجميع لهذا التقارب، ويحثنا على ذلك قول الله تعالى:

(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).


الصفحة 245
فالتعارف قد دعى إليه الإسلام من قديم الزمان لأن التعارف يهدي إلى التآلف، والتآلف يهدي إلى المحبة، والمحبة تهدي إلى التفاهم والتفاهم يهدي إلى السلام، والسلام هو الغاية النبيلة التي دعى إليها الإسلام، والإسلام دين المحبة وهذا شعار يجب على كل المسلمين أن يعرفوه.

لهذا كان كثير من الأمور التي دعى إليها الإسلام وشرعها تدور حول محبة الناس بعضهم بعضا.

من شريعة الإسلام، البدء بالتحية الإسلامية:

السلام عليكم ورحمة الله. وهذه كما أسميها أنا كلمة السر بين المسلمين.

فإذا كان الإنسان في طريق من الطرق في صحراء أو غيرها، ليل أو نهار فقبل إلقاء السلام يحصل للمرء نوع من الخوف والاضطهاد والشك لمن يلقاه ولكن ما إن يسمع منه هذه التحية حتى يستحيل خوفه أمنا واضطرابه هدوء وسكونا.

ولا ننسى هنا أن نذكر ما قاله الشاعر العربي القديم:

كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما * يغرس الود في فؤاد الكريم

ولا ننسى الأحاديث الداعية للتحاب والتواد والتعاطف بين المسلمين من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

وقوله عليه الصلاة والسلام:

مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

ومما شرع الإسلام مما يساعد على المحبة والوئام:

الحث على إكرام الضيف فقال:


الصفحة 246
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. وأيضا الحث على إكرام الجار.

ومن ذلك الحديث المشهور ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.

وقوله: رحم الله امرئ سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى. وإذا اكترى.

والأحاديث في مثل هذا الباب لا تعد. وكل الأخلاق الإسلامية والفضائل التي أنذر بها المسلمون، كلها تدعو إلى التحاب، والتواد. والتعاطف.

والواجب على المسلمين أن يخالطوا غيرهم من يخالفونهم في الدين وليشرحوا لهم من فضائل هذا الدين ويزيلوا من نفوسهم ما علق بها من الشبه التي أثارها الكثير من غير المسلمين.

وبعد هذا قمت مستأذنا فضيلته وانصرفت.

وإليك نص الرسالة التي كتبها الأستاذ الأكبر في ذي القعدة عام 1397 هـ إلى صاحب السماحة العلامة الكبير الحاج آقا حسن سعيد من كبار علماء الإمامية بطهران - إيران وهذا نصها:

سماحة الشيخ حسن سعيد من كبار علماء طهران - شرفني بزيارة في منزلي شارع علي بن أبي طالب ومعه سماحة العالم العلامة والصديق الكريم السيد طالب الرفاعي. وقد أهاجت هذه الزيارة في نفسي ذكريات جميلة ذكريات الأيام التي قضيتها في طهران سنة 1970 م فعرفت فيها طائفة كبيرة من طوائف العلماء الشيعة الإمامية وعرفت فيهم الوفاء والكرم الذي لم أعهده من قبل. وما زيارتهم لي اليوم، إلا مظهر وفائهم جزاهم الله كل خير وشكر لهم مسعاهم الجميل في التعريف بين المذاهب الإسلامية التي هي في الحقيقة والواقع شئ واحد في أصول العقيدة الإسلامية التي جمعت بينهم على صعيد الأخوة التي جسدها القرآن الكريم حيث يقول:


الصفحة 247
(إنما المؤمنون إخوة) هذه الأخوة من واجب علماء الأمة على اختلاف اتجاهاتها المذهبية أن يحرصوا على كميتها ونبذ كل ما يسوء إليها ويكدر صفوها من عوامل التفرقة والتي شجبها الله تعالى في كتابه العزيز (ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

ورحم الله الشيخ شلتوت الذي التفت إلى هذا المعنى الكريم فخلد في فتواه الصريحة الشجاعة حيث قال ما مضمونه:

بجواز العمل بمذهب الشيعة الإمامية باعتباره مذهبا فقهيا إسلاميا يقوم على الكتاب والسنة والدليل الأسد وأسأل الله أن يوفق العاملين على هذا الفتح القويم في التقريب بين الإخوة في العقيدة الإسلامية الحقة (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم والمؤمنون) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ".

21 من شهر ذي القعدة 1397 هـ.
محمد محمد الفحام         
شيخ الأزهر السابق         

* * *


الصفحة 248

الصفحة 249

- 34 -
الأستاذ محمد قطب
الكاتب الإسلامي الشهير بمصر


الصفحة 250

  • أهم آثاره " جاهلية القرن العشرين "، " الإنسان بين المادية والإسلام " " معركة التقاليد "، " شبهات حول الإسلام "، " منهج التربية الإسلامية "، " التطور والثبات في حياة البشرية " " منهج الفن الإسلامي " " قبسات من الرسول " " في النفس والمجتمع "، " هل نحن مسلمون ".

  • له كتب أخرى مطبوعة.

  • تعرفت إليه بالقاهرة عام 1961 م.

  • كاتب إسلامي يتصلب في أفكاره وآرائه.

  • يؤمن بأبي هريرة، ويصدق أحاديثه على العكس مما يؤمن به النقاد من إسرافه في الحديث والطعن في خلقه و...


    الصفحة 251
    تعرفت على هذا الأستاذ والتقيت به مرارا في مكتبة الأخ وهبة حسن وهبة بشارع الجمهورية خلف المحكمة الشرعية وقصدته مرة إلى الدائرة التي كان موظفا بها وأهديته كتاب عبد الله بن سبأ وطلبت منه أن يكتب لنا كلمة يعبر فيها عن رأيه حول الكتاب، وأخبرته بأن المؤلف أثبت في هذا الكتاب أن عبد الله بن سبأ هذا شخصية خيالية فهو مختلق (1) ولا وجود له وتحدثت معه حول أبي هريرة وكثرة أحاديثه.

    فقال: أبو هريرة صحابي جليل.

    قلت: صحابي جليل ويختلق الأحاديث، ويكذب على رسول الله كما يقول النقاد عنه وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار.

    فرأيته وقد ظهر عليه آثار التأثر ولا يرغب سماع حديث كهذا عن أبي هريرة (2) فتركت الكتاب عنده واستأذنته وانصرفت.

    ____________

    (1) راجع لقاءنا مع الدكتور طه حسين وقد تقدم في حرف الحاء في المجلد الأول من هذا الكتاب وقال الدكتور طه حسين:

    إن عبد الله بن سبأ شخصية خيالية أوجدها خصوم الشيعة للطعن بهم " ما فيش حاجة اسمها عبد الله بن سبأ " لم يخلق الله شيئا اسمه عبد الله بن سبأ... الخ.

    (2) ظهر كتاب عن أبي هريرة باسم أبو هريرة للإمام شرف الدين العاملي وصدر كتاب عن أبي هريرة باسم شيخ المضيرة أبو هريرة بقلم فضيلة العلامة الكبير الأستاذ الشيخ محمود أبو رية (رحمه الله) مؤلف كتاب أضواء على السنة المحمدية وقد تكرر طبع هذين الكتابين في مصر ولبنان وإيران.

    الصفحة 252

    الصفحة 253

    - 35 -
    الدكتورة سعاد ماهر
    عميدة دار الآثار بجامعة القاهرة


    الصفحة 254

  • أستاذة التاريخ الإسلامي والآثار الإسلامية وعميدة دار الآثار بجامعة القاهرة
  • عميدة دار الآثار بجامعة القاهرة
  • أهم آثارها: " مشهد الإمام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف "
  • تعرفت إليها بالقاهرة عام 1395 هـ - 1975 م.

  • مؤلفة فاضلة وكاتبة مجيدة.

  • تتميز بحرية الرأي في عرض آرائها.

  • كاتبة أخصائية بالآثار الإسلامية.

  • تتحلى بالمرونة وتتقبل الفكرة.

  • لها خدمات كثيرة في إحياء الآثار الإسلامية.

  • ترى أن مذهب الشيعة الإمامية مذهب له أصول ثابتة ومستمد من آل بيت الرسول (عليهم السلام).


    الصفحة 255
    تعرفت إلى هذه الدكتورة الفاضلة بواسطة التاجر الوجيه محمود علي رضا (1) والأستاذ المهندس محمد عزت مهدي رضا.

    ففي صباح يوم السبت 18 / 10 / 1975 م اتصل بي الأستاذ المهندس (2) وقال:

    إذا أردت أن تعمل حديثا مع الدكتورة سعاد ماهر عميدة دار الآثار بجامعة القاهرة فأنا منتظرك في صباح غد في الساعة الثامنة والنصف.

    وحيث أني كنت أسمع دوما من أصحاب الفضيلة: الأساتذة والعلماء أحاديث كثيرة تدل على فضل هذه الدكتورة وعلمها وولائها لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) رغبت نفسي لزيارتها وللاستماع إلى حديثها.

    ____________

    (1) محمود رضا هو نجل التاجر الكبير المعروف محمد باقر القزويني المتوفى 8 / 2 / 1933 والمدفون في القاهرة وسبط التاجر الوجيه الحاج ميرزا محمد رفيع مشكي الذي كان رئيسا للجالية الإيرانية بمصر وقد ورد إلى القاهرة عام 1864 م وكان خلفه الأستاذ الكبير والأديب الفاضل الوجيه مهدي رفيع مشكي وقد تعين رئيسا للجالية المذكورة في القاهرة بعد رحيل والده إلى الرفيق الأعلى وإني كنت قد زرت هذا الأستاذ والتقيت به في عام 1960 م وما قبله وكنت قد أهديته بعض مطبوعاتنا في القاهرة وتوفي إلى رحمة الله ودفن بالقاهرة تغمده الله برحمته الواسعة وحشره مع أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

    (2) رئيس جمعية أهل البيت اليوم بمصر ومدير الإدارة العامة للتنفيذ - شركة القاهرة العامة للمقاولات.

    الصفحة 256
    وفي صباح الأحد 13 شوال عام 1395 هـ الموافق 19 / 10 / 1975 م زرت الأستاذ المهندس بداره العامرة ومنها توجهنا إلى دار الوجيه محمود رضا ليكون معنا في زيارة الدكتورة.

    وعند وصولنا الجامعة دخلنا غرفة السكرتارية وتكلم الأخ محمود رضا مع موظف هناك لتحديد موعد لمقابلة الدكتورة سعاد ماهر.

    فكان التحديد من الدكتورة يوم الأربعاء 22 / 10 / 1975 م بعد الساعة العاشرة صباحا.

    وفي يوم موعد المقابلة حضرنا الجامعة وقعدنا في غرفة السكرتارية حتى جاء دورنا وقصدنا مكتبها وإذا بها على بابه تودع زائريها وعندما شاهدتنا رحبت بنا كثيرا وحيتنا ومدت يدها لتصافحني فصافحتها من وراء منديل وقلت:

    نحن الشيعة الإمامية يحرم عندنا لمس بدن الأجنبي للأجنبية ولا مانع عندنا من وراء حاجز (1) فضحكت وقالت تفضلوا.

    فدخلنا المكتب وجلسنا فترة وبعدها قام الأخ محمود رضا وتكلم معها وقال:

    السيد مرتضى الرضوي جاء إلى مصر وعنده أسئلة ويريد أن يتحدث معك حولها. فأخذت في إنهاء أعمال بعض الحاضرين وصرفتهم وأشارت إلينا أن نكون بالقرب من مكتبها، فجاءت إلينا ورحبت بنا وقعدت بالقرب منا.

    فقلت: هل سافرت إلى العراق وإيران وما هي انطباعاتك عنها؟؟

    ____________

    (1) كل من يحرم النظر إليه يحرم مسه، فلا يجوز مس الأجنبي الأجنبية وبالعكس، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفين في الأجنبية لم نقل بجواز مسهما منها، فلا يجوز للرجل مصافحتها. نعم لا بأس من وراء الثوب انظر " وسيلة النجاة " بتعليقة آية الله الفقيه الكلپايگاني 3 / 147، 148 طبع مطبعة مهر استوار - قم - إيران.

    - المؤلف -


    الصفحة 257
    قالت: سافرت إلى العراق وإيران وذهبت إلى سامراء والكاظمية، وكربلاء، والنجف ومشهد وكتبت عن الآثار الإسلامية التي شاهدتها وكتبت شيئا لم يذكر في الآثار الإسلامية عنه في كتابي: (مشهد الإمام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف) وسأقدم لك نسخة منه وقالت:

    شاهدت في حرم الإمام علي في النجف وفي كربلاء (تربا يسجدون عليها).

    سألتها عن رأيها في السجود على هذه الترب؟؟

    أجابت: الرسول كان يستعملها وكان يضعها في قميص ويصلي عليها. وإني عندما أسافر أصحب معي التربة الحسينية في جيبي وأسجد عليها - في أوقات الصلاة.

    قلت: كيف رأيت مذهب الشيعة الإمامية؟؟

    قالت: مذهب فيه أصول ثابتة، وهو مذهب عظيم، وأئمته آل البيت ويكفي هذا ونحن نأخذهم وساطة إلى رسول الله. هم الشجرة العطرة.

    قلت: ما هي انطباعاتك عن الشيعة الإمامية؟

    قالت: دراستنا للشيعة كمذهب من مذاهب الإسلام كانت ناقصة ولم نكن نقرأ المذهب الشيعي كما يجب. ودرست مذاهب أهل السنة، ومذهب الشيعة ولم أتعمق في دراستي لكلا المذهبين كما يجب لأن مدرس الدين لم يكن رجل دين وأنا لا أفرق بين الشيعة الإمامية من غيرها من المذاهب.

    وقلت: متى قرأت كتب الشيعة؟؟

    قالت بدأت هذه الدراسة منذ عام 1952 م وأدخل المذهب الشيعي إلى الأزهر والشيخ شلتوت وقف في المؤتمر وقال:


    الصفحة 258
    يجب أن تبحثوا عن المذاهب الإسلامية.

    وقلت بعد أن قدمت لسعادتها مجموعة من مطبوعاتنا في القاهرة وغيرها والمراجعات ومن ضمنها: كتاب: (علي ومناوئوه):

    أرجو أن تطالعي هذا الكتاب وتكتبي انطباعاتك عنه.

    قالت: الإمام علي في القلب، وكل حاسد منافق، لأنه مناوئ للإمام علي.

    ثم قالت:

    مصر كانت شيعية وجامع ابن طولون جامع سني وجد فيه خمسة محاريب أربعة كتب فيها: آيات قرآنية وكتب على الباقي.

    لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله.

    ووضعت هذه المحاريب الدولة الفاطمية، ولولا قراءتنا لكتب الفاطميين لم نكن لنعرف شيئا عن الشيعة.

    ورجال السنة قبل الثورة (كانوا يتحرجوا) من الصلاة أمام أي محراب.

    وجاء صلاح الدين، وبنى مدارس وقضى على المذهب الشيعي.

    وقلت: ما رأيك في تحريم عمر المتعة مع أن الراغب الأصبهاني ذكر في كتابه (المحاضرات) رواية فقال:

    سأل يحيى بن أكتم شيخا من أهل البصرة فقال له بمن اقتديت في جواز المتعة.

    فقال: بعمر بن الخطاب، فقال له كيف وعمر من أشد الناس فيها!؟.

    قال نعم: صح الحديث عنه أنه صعد المنبر فقال:

    يا أيها الناس، متعتان أحلهما الله ورسوله لكم وأنا أحرمها عليكم وأعاقب

    الصفحة 259
    عليهما فقبلنا شهادته - من أنها كانت قائمة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - ولم نقبل تحريمه انتهى - وقريب منها ما ينقل عن ابن عمر.

    قالت الدكتورة: هذه اجتهادات شخصية، ما دام أفتى بها والحالة كانت قائمة، إذا تحريمها في عصر آخر لوجود ضرورة معينة.

    ثم قالت: المتعة حلال، لأنها كانت حلالا، لما أفتى به في عصر الرسول والصحابة واستخدام هذه الرخصة جائز.

    وفي مجرى الحديث مع الدكتورة سعاد ورد: ذكر أبي هريرة فسألتها وقلت:

    ما رأيك في أبي هريرة وكثرة أحاديثه.

    أجابت: أخشى أن لا أستطيع أن أدافع عن رأيي وأرجو أن تعذرني وإنه خارج عن موضوعي، والدين من عصر الأمويين دخل في السياسة.

    وقلت: هل كتبت بحثا عن موضوع التربة الحسينية:

    قالت: إني أقول: التربة الزكية التي دفن فيها سيد الشهداء وأنا رأيت حديثا عن الرسول أنه كان يحمل معه ترابا ليسجد عليه.

    ونشرت عن موضوع التربة في كتابي الذي نشرته دار المعارف بمصر (1).

    ثم قالت: أنا مستعدة للإجابة على أسئلة إن كانت لديك.

    فشكرتها كثيرا واستأذنتها وانصرفت:

    وإلى القارئ ما نشرته الدكتورة في كتابها (مشهد الإمام) عن موضوع التربة الحسينية وهذا نصه:

    ____________

    (1) مشهد الإمام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف.

    الصفحة 260

    تربة كربلاء والنجف

    (يحتفظ الشيعة بألواح من تربة كربلاء مما يصنع عادة في قوالب مختلفة يتخذون فيها لطهارة تربتها موضعا للجبهة ليتحقق السجود عليها لأداء الصلاة لله تبارك وتعالى، اهتماما بشأن الصلاة ومحافظة على صحتها.

    وتزدحم مخازن مشهد الإمام علي، بآلاف من ألواح تربة كربلاء، والتي تعرف عند الشيعة باسم (التربة) الأمر الذي حداني إلى التعرف على أصل هذا التقليد الذي ينفرد به الشيعة دون غيرهم من عامة المسلمين فيما أعلم.

    روى أبو نعيم في حديث (أن النبي رأى غلاما لنا يقال له: أفلح ينفخ إذا سجد فقال (صلى الله عليه وسلم) يا أفلح ترب وجهك.

    وروى ابن عساكر عن أبي نعيم قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لغلام أسود:

    يا رباح ترب وجهك) (1).

    ويقول البيهقي (2) عن الخباب بن الأرت قال: (شكونا إلى رسول الله: (صلى الله عليه وسلم) شدة الحر في جباهنا، وأكفنا فلم يشكنا ولو جاز السجود على غير الأرض لأذن النبي لهم في أن يسجدوا على شئ يمنع عن وجوههم رمضاء الهجير).

    وفي رواية أخرى للبيهقي (3) عن ابن الوليد قال: سألت ابن عمر عن سبب وجود الحصباء في المسجد؟ قال نعم: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل

    ____________

    (1) أبو نعيم: كنز العمال 3 / 212.

    (2) البيهقي: السنن الكبرى: 2 / 105.

    (3) البيهقي: السنن الكبرى: 2 / 440.

    الصفحة 261
    الرجل يمر على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصاء فيصلي عليه.

    فلما رأى رسول الله ذلك قال: ما أحسن هذا البساط!!

    فكان ذلك أول بدئه).

    وتأييدا لرواية ابن عمر فإن المراجع التاريخية (1) تذكر لنا أن المساجد الأولى في الإسلام مثل مسجدي البصرة، والكوفة، ومسجد عمر ببيت المقدس، ومسجد عمرو بمصر، كانت على عهد الخلفاء الراشدين، وأوائل العصر الأموي، مفروشة بالحصباء.

    كذلك روى البيهقي عن أنس بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، كان يسجد على بساط من جريد النخل.

    وهناك أحاديث متواترة مشهورة أخرجها الحفاظ في كتب السيرة والفقه كالشيخين في الصحيحين والبيهقي (2) تدل على أن النبي يصلي على الخمرة، وهي حصيرة صغيرة قدر ما يسجد عليه، ينسج من السعف، ففي الحديث لأم سلمة، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لها ناوليني الخمرة. (3) وجاء في تاج العروس يقال: صلى فلان على الخمرة، وهي حصيرة صغيرة تنسج من السعف - أي سعف النخيل - وترمل بالخيوط - وسميت (خمرة) لأن خيوطها مستورة بسعفها.

    ويقول الشهرستاني في وصف الخمرة، وهي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه

    ____________

    (1) الطبري: تاريخ الدول والملوك 3 / 103. ابن دقاق: الإنتصار بواسطة عقد الأمصار 4 / 59، المعارف لابن قتيبة ص 124، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص 199، النجوم الزاهرة 1 / 68.

    (2) البيهقي: السنن الكبرى: 3 / 421.

    (3) البيهقي السنن 2 / 436.

    الصفحة 262
    في سجوده من حصير أو نسيجة، خوص ونحوه من النبات ثم يضيف: ولا تكون الخمرة إلا في هذا المقدار، وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة " بسعفها ".

    وهناك مع ذلك سؤال يفرض نفسه للإجابة عليه وهو:

    ما حكم السجود على التربة شرعا؟ ومتى بدأ العمل به؟

    فيجيب الشهرستاني عن الشق الأول عن السؤال بقوله:

    (إن اتخاذ شئ معين للسجود جائز وغير بدعة من وجوه أخبار الخمرة السابقة إذ يفهم منها: أن اتخاذ قطعة صغيرة مما يصح السجود عليه كالنبات والحصاة، والطين، والتراب، لا مانع منه، بل راجح معمول به بين المسلمين منذ عهد الصحابة والتابعين).

    ويجيب الشهرستاني على الشق الثاني من السؤال بما يلي:

    " إنه في السنة الثانية للهجرة لما وقعت الحرب بين المسلمين وقريش في غزوة (أحد) وقتل فيها أقوى حماة الإسلام وهو: حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عظمت المصيبة على النبي وعلى المسلمين عامة ولا سيما وقد مثلت به هند أم معاوية، أمر النبي نساء المسلمين بالنياح عليه في مأتم واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى ويعملون المسبحات منه (1).

    * * *

    ____________

    (1) مشهد الإمام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف ص: 186 - 188.

    الصفحة 263

    - 36 -
    الأستاذ أبو الوفا المراغي
    مدير المكتبة الأزهرية في الجامع الأزهر


    الصفحة 264

  • ولادته: ولد بمراغة " محافظة سوهاج " إحدى بلاد الصعيد في يوم 26 / 11 / 1905 م.

  • تخرج بتخصص في البلاغة والأدب عام 1933 م.

  • درس بالمعاهد الدينية التابعة لجامعة الأزهر.

  • عين مديرا لمكتبة جامع الأزهر عام 1946 م ثم أمينا مساعدا لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر عام 1969 م.

  • أهم آثاره: فهرست " مكتبة الأزهر " في ثمان مجلدات، " المعجم الأصغر في تراجم علماء الأزهر "، تاريخ نشأة علوم البلاغة " - مخطوط - بمكتبة جامع الأزهر " الباب البحث " في شرح كتاب البعث لابن أبي داود السجستاني " اللباب " في شرح الشهاب للقضاعي " من رياض السيرة النبوية " " السلوك الخلقي الاجتماعي في الإسلام " " مبادئ الإسلام في تنظيم الأسرة " " رمضان والأعياد " " الشيخ المراغي بأقلام الكتاب ".

  • حقق كتبا كثيرة منها: " إعلام الساجد في أحكام المساجد " للزركشي، كتاب " السماع " لابن القيسراني.

  • له مقالات كثيرة نشرت في المجلات الإسلامية كمجلة " الأزهر " و " الوعي الإسلامي " بالكويت، و " الهدى النبوي " بليبيا، و " قافلة الزيت " في المملكة العربية السعودية.

  • له أحاديث في التلفزيون والإذاعة.


    الصفحة 265
    تعرفت إليه في المكتبة الأزهرية بالقاهرة عام 1957 م.

    وهو من رجال الفكر والثقافة.

    يتحرق سيادته على الحرمان من كتب الشيعة وثقافتها ويدعو إلى نشرها في القاهرة ويحرض على تحقق ذلك، وينحى باللائمة على القدرات الضائعة التي تمكن هذه الطائفة من أن تجد بها ثروتها العلمية، وهي معرضة عنها.

    ولما دخلت القاهرة ومكثت فيها مدة تعرفت خلالها على المكتبات العامة والخاصة، وعلى العلماء والأساتذة والكتاب، بدأت أنشر مجموعة من كتب الشيعة الإمامية في مختلف العلوم والفنون: في التفسير، والفقه، والعقائد، والأخلاق: فحملت من هذه الكتب مجموعة وأتيت بها إلى فضيلة الشيخ المراغي مدير المكتبة الأزهرية مهديا هذه الكتب إلى مكتبة الأزهر فرحب بي كثيرا وقال:

    نحن مستعدون لدفع ثمنها، والمكتبة الأزهرية لها رصيد لشراء الكتب.

    فقلت يا أستاذ: إني أهديت كثيرا من هذه الكتب إلى جماعات كثيرة ومكتبات عامة ليطلعوا عليها ويسجلوا ما يبدو لهم عنها من وجهات نظر أو ملاحظات.

    فأجاب: كتابكم يكتبون اللباب.

    ثم سأل: هل الشيعة فيهم علماء وتجار؟؟

    قلت نعم: فيهم علماء وتجار.


    الصفحة 266
    فقال: لماذا لا يأتون هنا، ويحضرون المؤتمرات العلمية التي تنعقد بمصر عندنا.

    ثم قال: الوهابية يختلف معها جميع الطوائف الإسلامية، ومع ذلك فإنهم جاؤوا إلى مصر ونشروا كتب ابن تيمية وغيره، وأخذ المصريون في نشر كتب الوهابية، عندما تصوروا أن لها سوقا رائجة.

    فهل ينتبه أحد منكم إلى هذا ليأتي إلى هنا ويطبع كتبكم وينشرها، فإن الكتاب الذي يطبع في مصر يصل إلى جميع أنحاء العالم، ولا أدري لماذا لا ينتبه علماؤكم، ولا يتحرك تجاركم؟!.

    ثم أهدى فضيلته لي مؤلفه: " الشيخ المراغي " فأخذته شاكرا واستأذنته وانصرفت.

    وفي جميع رحلاتي إلى القاهرة كنت أزوره في المكتبة الأزهرية الموقرة وفي داره العامرة.

    * * *


    الصفحة 267

    - 37 -
    الأستاذ عبد الهادي مسعود
    بوزارة الثقافة والإرشاد القومي
    ومدير الفهارس العامة بدار الكتب المصرية


    الصفحة 268

  • ولادته: ولد بمدينة الفيوم في 19 / 2 / 1924 م.

  • حصل على ليسانس الآداب عام 1946 م.

  • رائد دار المنتدى الثقافي وشعارها " الثقافة سبيل الحرية ".

  • اختير: مديرا للمكتبات الفرعية بدار الكتب المصرية عام 1955 م.

  • عين: وكيلا لدار الكتب المصرية عام 1968 م.

  • أهم آثاره: " شخصيات في السياسة والمجتمع " " والثورات الحديثة في الشرق " " ثورات مصر من أول عهد سعيد إلى آخر عهد توفيق " وله: مقدمة لكتاب " حقيقة الفلسفات الإسلامية " ومؤلفات أخرى مطبوعة.

  • تعرفت إليه عام 1958 م.

  • رجل الثقافة والعلم، والأبحاث العميقة في مختلف حقول المعرفة.

  • له: مقدمة لكتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها " تعرض بها لما يمتاز به الفقه الشيعي من الأصالة والدقة والعمق.

  • كتب مقدمة أخرى لكتاب " المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي " استعرض فيها أوجه ضرورتها للمجتمع الإسلامي وأصالة تشريعها في الكتاب والسنة.

  • كتب مقدمة ثالثة لكتاب " علي ومناوئوه " عرض فيها الأحاديث الدالة على أحقية الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين علي هو وزير النبي وخليفته من بعده، ثم ذكر معاوية بن أبي سفيان وأنه من شجرة الفساد " بني أمية " وأن أمه آكلة الأكباد وهي التي نهشت جسد حمزة عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاكت كبده... إلخ.


    الصفحة 269

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تعرفت إلى هذا الأستاذ الكبير في مكتب الأخ حسين محمد كاظم (1) وكنت دائما على اتصال بهذا الأستاذ في دار الكتب المصرية، وفي داره العامرة، ودعاني كثيرا إلى تناول الطعام نهارا وليلا في شقته العامرة 14 شارع شبرا - بعد الكوبري - بميدان باب الحديد.

    وكنت عنده ذات يوم في دار الكتب إذ دخل عليه بعض الأساتذة وسلم، وجلس ثم سأله عني فأجاب:

    هذا رجل جرئ؟

    فقلت نعم: الذي يتكلم بالحق يجب أن يكون جريئا.

    وفي إحدى الليالي زرته في داره بشبرا، وجلسنا نتحدث إذ جاء نجله عصام - وهو طفل لم يبلغ الحلم - ووقف إلى جانبه وضربه على كتفه وقال لوالده:

    قم هات الفاكهة للعم مرتضى.

    وعند ذلك قام الأستاذ واقفا وقبل ولده عصام وضمه إلى صدره وقال:

    أمرك يا سيدي:

    ودخل إلى داخل الدار وبعد لحظة أحضر الفاكهة، وجاء بالشاي.

    ____________

    (1) صاحب زنكوغراف النصر 2 شارع دار الكتب. وتقدم ذكره في محادثاتنا مع الأستاذ العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رية في حرف الألف في القسم الأول في هذا الكتاب.