وثمة خلافات أخرى في جوانب من الفقه.. هذا يرى أن لمس الزوجة ينقض الوضوء، وأن مس الذكر أيضا ينقض الوضوء.. ولا أرى أنا شخصيا أن لمس الزوجة أو مس الذكر ينقض وضوء.. وإذا رأى أهل السنة غير ذلك فلهم مطلق الحرية ولست مانعهم حين يتوجهون للوضوء مرة أو مرات.. ولكني أمنعهم حين يجعلون من هذا السبب مناطا للاختلاف بينهم وبين أهل الشيعة فيكون هذا الاختلاف وسيلة لإضعاف الإسلام..
لقد اتفقت جميع الأديان في أسس أصيلة هي الإيمان بوجود خالق للكون، وأن هذا الخالق العظيم يدعو الناس إلى الخير، وأن هذا الخير يتلخص في عدم الإضرار بالناس.. وقد أرسلت هذه الدعوة إلى الناس عن طريق الرسل..
وقد جاء الإسلام يخاطب العقل دائما، ويستحث التفكير وطالب به ويلح إلحاحا كثيرا في أن نتدبر في أنفسنا، وفي معاشنا ومعادنا، وأن الله لا ينظر إلى صورنا بل ينظر إلى قلوبنا، وأنه فرض علينا عبادات لا تقصد لذاتها وإنما لتكون لنا ذكرى تجدد أرواحنا، وتروضنا على الطاعة والامتثال لما فيه صلاحنا، فهي لم تكن - وإن تكن مفروضة علينا - هدفا في حد ذاتها.. فضلا عن أن تكون موضع خلاف أو اختلاف بين صفوفنا الموحدة..
ولهذا وعلى هذا الضوء يجب أن نتناول قضية المذاهب في الإسلام.. ننظر إلى الخطوط الكبرى، والأسس الثابتة:
هل يدعو مذهب من المذاهب إلى الظلم وإلى الاستبداد؟!
هل يدعو إلى السرقة.. أو إلى الزنا.. أو إلى الربا أو إلى كبيرة من الكبائر؟!
هل يختلف مع ما ورد في كتاب الله؟! هذا هو مقياسنا.. وعلى هذا الضوء نستطيع أن نقرر مخالفة هذا المذهب أو ذاك لدين الله..
ومقياسنا في فهم آي القرآن هو اللغة.. ولغة هذه الآية واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ولو احتكمنا إلى العقل - والعقل أصل من أصول الدين - لما رأينا في ذلك نقصا..
ولست أرى - من الناحية العلمية - فرقا كبيرا بين زواج المتعة والزواج الذي نأخذ به عند أهل السنة.. فزواج المتعة المحدود بزمان معين لصاحبه مطلق الحرية في أن يمده إلى نهاية العمر.
وزواج أهل السنة - ذاك الذي لا يتقيد فيه بزمان - لصاحبه أيضا وبنص القرآن الكريم أن يقطعه بالطلاق.
فالزواج المباح عند أهل السنة دائم إلى انقطاع، وزواج المتعة أيضا منقطع إلى اتصال.. وهذا هو الفرق العملي بينهما.
وليس هذا الفرق يهمنا بقدر ما هو غير موجود بالفعل.
وإنما الذي يهمنا أن نسجله هو أنه في الوقت الذي يدعو فيه الإسلام إلى الشورى. ويدعو إلى حسن المعاملة، وانتزاع عوامل الفرقة والسوء، ونوازع الاستبداد من نفوس الناس، ونفوس القادة والزعماء:
(فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله) آل عمران: 159.
(والذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم) 38 / 42.
في هذا الوقت الذي يدعو فيه الإسلام إلى عدم الاستبداد بالرأي نرى البعض
ونحن لا نرى هذا الرأي.. بل نرى عكسه تماما.. فالاختلاف في الرأي وسيلة الوصول إلى الصواب.
وفي الوقت الذي يدعو الإسلام فيه هذه الدعوات القوية نرى فئة تتلمس أوجه الخلاف في المذاهب، وتحاول التعمق فيها، وتسب غيرها دون وجه من الحق أو الصواب.
ونحن لا نرى السب أو الطعن وسيلة للإقناع والاقتناع... وإنما نراه وسيلة للقطيعة وسببا للكراهية... والله تعالى يقول:
(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) الآية.
والذي نراه اليوم أن ندرس الدراسة الواعية دون الدراسة القائمة. والذي نستهدفه من ديننا أن نصل إلى الفهم الصادق عن طريق الثقافة المتعمقة لا السطحية.. وعن طريق النهوض بمجتمعنا إلى المكان الذي يتناسب مع جلال هذا الدين المتين.
ومن أجل هذا كله.. نكتب هذه المقدمة لكتاب يتناول فقه الشيعة ويتعرض للأحكام التي آمن بها الأئمة من الفقهاء عند الاثني عشرية أو الإمامية. حتى يرى أهل السنة أن ليس بينهم وبين الشيعة اختلاف أصيل.. وإنما هم جميعا وحدة واحدة.. يستهدفون رفعة الدين ونصرة المسلمين أجمعين.
القاهرة: عبد الهادي مسعود
مدير المكتبات بدار الكتب المصرية " سابقا "
- 2 -
المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي
الإسلام اليوم بحاجة إلى تجديد، ومن واجب المجدد إذا تجنب الهوى أن يدرس الموضوع دراسة متعمقة، وموضوعنا اليوم هو المتعة في الإسلام ونريد عرض هذا الموضوع عرضا محايدا، لا تحيز فيه ولا تهيب، ولا سطحية فيه ولا ابتسار.
والإسلامية مذهب ديني فلسفي تتمثل خطوطه كما تتمثل أركانه وأسسه في كتاب الله، هذه الإسلامية التي امتدت من حيث المكان من " طنجة " على المحيط الاطلنطي غربا، إلى أقصى الصين على المحيط الهادي شرقا، ومن أواسط أوربا شمالا إلى الركن القصي من إفريقيا جنوبا. والتي امتدت من حيث الزمان من عهد محمد صلوات الله عليه إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم، هذه الإسلامية إنما امتدت هذا الامتداد مكانا وزمانا لأنها تتفق مع طبيعة البشر في كل زمان وفي كل مكان، ولأنها توافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتضمن للإنسان نوعا من السعادة، وتوفر له جانبا كبيرا من الاستقرار والاطمئنان.
ومعنى الإسلام القريب هو الخضوع والاستسلام لأوامر الله، فالمسلم هو الذي يسلم لله ويخلص له، فيأتمر بأمره ويخضع للحق مهما خالف هواه، ومهما خالف ما ورثه عن أهله ومن حوله من آراء.
إن الخضوع المطلق لله تعالى يوجب الصدق المطلق مع ذات نفسك، كما يوجب، الصدق المطلق مع آلك وأولادك والصحاب والإخوان، وغير الإخوان، ما لم يكن ذلك متعارضا مع أمر من أوامر الله.
(إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).
كانت أول آية نزلت علينا من الملأ الأعلى هي قوله تعالى " إقرأ " هذا الأمر الذي يعتبره المسلمون، أو يجب أن يعتبروه شعارا لهم يقرونه ويخضعون له، فتصبح الكلمة المقروءة والكلمة المكتوبة وسيلتهم وأدائهم في كل مكان ومجال.
وقد حدد الله تعالى معالم الطريق: نبدأ أولا بإدراك ماهية الإنسان منذ يولد، هذا الإنسان الذي خلق من علق... هذا الإنسان كيف ومتى وجد، وكيف ومتى ينتقل في مراحل التكوين من العلقة إلى المضغة المخلقة إلى غير ذلك من أطوار...
وأن ندرس خصائص هذه الأطوار جميعا.
إن من واجبنا بمقتضى القرآن الذي هو كتاب الإسلامية الأكبر أن نبحث وأن نقرأ، وأن نتابع البحث والقراءة والاستزادة منهما حتى ندرك الإنسان الذي خلق من علق، وحتى نكتب بالقلم، ونتعلم به ما لم نكن نعلم، ذلك لأن الله تعالى هو الذي يعلمنا، وهو الذي يهذبنا، وهو الذي يثقف أفهامنا وأفكارنا لندرك بعض ما لم ندركه إلى اليوم، وإلى ما بعد اليوم من أجيال وقرون.
والحق إن الإسلام اليوم في محنة، فهو في موضع التجربة اليوم أكثر من أي وقت مضى، واليوم حيث تقدم العلم، وتقدم الإنسان، وتعلم هذا الإنسان كثيرا مما لم يكن يعلم، تعلم الزراعة والصناعة، وتعلم السيارة والطيارة، وتعلم الطب والهندسة والتجارة، وتعلم الفلك، وتعلم الجدل، والشعر والأدب، وتعلم الاحصاء بالقلم، كما
ويقف المسلمون: حائرين، أيظلون على إيمانهم بكتابهم أم يتراجعون ليؤمنوا بالعلم الذي أدهشهم وكشف لهم عن كل غريب؟!
أيتعارض هذا القرآن مع العلم أم يتفق معه؟!
أيوافقه في كل ما يذهب إليه، أم يدعو إلى تثقيفه وتهذيبه؟!
بل أيتفق هذا العلم بالأشياء والغرائب مع القرآن الذي ندين به أم يتعارض ويعارض ويواجهه المسلمين بغير ما يريدون وغير ما يؤمنون؟!
ولم يثبت المسلمون أمام تيار العلم الجارف، واعتبروا - لمدة من الزمن - أن تقدم الشعوب الأخرى بالعلم دليل على جواز تخلف الإسلام عن الحضارة واضطرتهم قوة الدفع الاستعماري إلى التخلف بالفعل عن ركب الإنسانية الزاحف، ولكن بعض المسلمين لم يجرفهم التيار ولم يرهبوه، وعكفوا يقرأون ويبحثون، وفهموا أن الإسلام ليس هو الإيمان والطاعة فحسب، وإنما هو الإيمان عن وثوق، والطاعة عن اقتناع، وهو فوق ذلك علم وبحث ودراسة واستقصاء وهو بعد ذلك دعوة يجب نشرها وإذاعتها بين الناس.
أخذ الاستعمار يبسط سلطانه، وينثر ذهبه، ويضع الجلادين على رؤوس الشعوب ليخضعها وينحرف بها عن دينها، وأخذ يبث صنائعه في كل بلد وفي كل قطر، وانتشر الباحثون المسلمون فامتصوا آراء المستعمرين وعلومهم، وتمثلوها وأدخلوا عليها ما شاءوا من الاصلاح والتعديل، كما سلطوا عليها أضواء من الدين لصقلها وجعلها أداة للإفادة دون التدمير.
وتحركت جموع المسلمين يمنة ويسرة، بعضهم يواصل رسالة الحق، وبعضهم
وقد رأينا أن الإسلام دعا إلى الفكر، وجعله عماده وأساس دعوته، وجعل مرتبة المسلم الذي يرث الإيمان مرتبة دنيا... ومرتبة المؤمن بعد البحث والشك مرتبة لا تعلى في مراتب اليقين...
كان الإسلام ولا يزال دين حق.. يبحث عن الحق ويسعى إليه، ويدعو الناس إلى الدفاع عنه.. دين جاد يواجه الحياة ويرسم الحلول لما بها من مشاكل...
دين جاد يدعو الناس إلى الاستسلام للحق وحده، وإن أتى من أقصى الأرض، ويدعوه للإذعان لسلطان الحق فلا سلطان إلا للحق أينما كان...
يدعو الإنسان إلى الإيمان الجاد الذي يواجه الحقائق قبل أن تأتيه الحقائق فتهز في الإنسان أصول إيمانه، بل قبل أن تواجهه المشاكل فتقضى على ما تبقى في نفسه من اليقين...
والقرآن يرفع شأن العلم بطريقة لا تخلو من التحريض والتحقير لكل جهالة، قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟).
ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من تعلم بابا من أبواب العلم ليعلمه للناس أعطي ثواب سبعين صديقا ".
رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس عن ابن مسعود.
ولا يعلم غير المسلمين ما مقام الصديقين عند الله... إنهم بمنزلة الشهداء الذين يموتون في سبيل المبدأ والعقيدة والإصلاح، بل إنهم ذكروا بعد الأنبياء وقبل الشهداء في آيات من القرآن... وذلك أنه تعالى جعل العلماء ورثة الأنبياء في الأقوال والأفعال وجعل الشهداء منفذين لأقوال العلماء حين يؤمنون بما يقول العالم المخلص
وبعد فإننا بصدد بحث عن " المتعة " ومشروعيتها في الإسلام...
" والمتعة " يدعو لها " الشيعة "... والشيعة بالنسبة لأبناء إقليمنا بحاجة إلى تعريف...
ولا بأس من أن أرجع في تقديمي لهذا الكتاب إلى مقدمتي التي صدرت بها كتابا أخر لإمام من فقهاء الشيعة المتقدمين وهو: " الحر العاملي " في كتابه " وسائل الشيعة " والذي كمل الانتفاع به بانضمام " مستدركاتها " إليها للميرزا " حسين النوري " قلت: في تقديمي لهذا الكتاب في تعريف مركز عن الشيعة تعرضت من خلال لقضية " المتعة ":
ونحن إذ نجدد فهمنا للدين في هذا العصر، وإذ ننطلق بأبصارنا وأفهامنا لإدراك الأسس الأصيلة فيه نستطيع أن نحدد لهذا الفهم مراحله وأن نرسم لتحقيق هذا الهدف وسائله...
وأول هذه المراحل، وأهم هذه الوسائل هو البحث فيما ورثناه عن أسلافنا كدين.. هل خلا من الشوائب؟ هل بانت معالمه وهل تكشفت لنا خباياه دون أن يدخل في أوساط رجال الدين مزيفون للحديث، موسعون لشقة الخلاف ليستطيع المستعمر أو المستغل أو الخصم أيا كان الخصم أن يلعب دوره البغيض في الإفادة من هذا الزيف، وفي استغلال هذا الاختلاف؟!
إن الإجابة عن مثل هذا السؤال واضحة لكل صاحب إيمان... فاليهود الذين كان من مصلحتهم أن يخضع الناس لسلطان المال بأكثر من خضوعهم للدين والحق، لهم دور كبير في بلبلة الفكرة الإسلامية، ورجال الدولة الذين كانوا يحكمون على مر العصور كانوا يلعبون دورهم في إخفاء بعض الحقائق، وفي تخريج معان جديدة قد لا
والمستشرقون - وهم عيون الاستعمار - لعبوا دورهم الكبير في إفساد ذات البين، وشق الصفوف لأسباب هي في حد ذاتها واهية ضعيفة وإن كانت نتائجها أخطر مما يظن الظانون.
هذه مرحلة من مراحل الفهم..
وثمة مرحلة أخرى تلك هي البحث الجاد في هذه الفرعيات التي اتخذت أسبابا لخلاف لعله أن يكون خطيرا، وقد كان خطيرا بالفعل في قابل الزمان...
علينا أن نقتل القديم بحثا لنخلق وعيا إسلاميا جديدا، فما من حق لرجل غير دارس أن يتحدث فيما لا يعلم. وليس من شك في أن المذهب الشيعي - وهو فرع من أهم فروع المذاهب في الإسلامية العامة - والذي يدين به أكثر من مائة مليون مسلم في أنحاء الهند وباكستان والعراق وإيران... هذا المذهب الشيعي بحاجة إلى كل دراستنا لنستطيع فيما بعد أن نصل إلى هدفنا، وهو التوفيق بين شتى المذاهب الإسلامية في داخل إطار من كتاب الله - القرآن الكريم.
إن هذا المذهب الإسلامي له مقوماته الفكرية كأي مذهب آخر من مذاهب الدين، وله لواؤه الخفاق ما في ذلك ريب. والعلماء الشيعة كعلماء أهل السنة إنما يدركون كل شئ في حدود القرآن، وفي حدود ما ورد على لسان نبي الإسلام. وقد نظموا دراسات وبحوثا لها قيمتها في ميدان الإسلامية الكبرى، وكان لهم في إحياء التراث الديني مجالات ومجالات.. ".
ولقد تابعت كثيرا من كتب الشيعة، وتابعت مختلف الآراء التي قيل بأنها تختلف عما يتجه إليه أهل السنة فوجدته خلافا على شكليات لا أصل لها من جوهر الأمور، فالخلاف حول تفضيل " علي " كرم الله وجهه خلاف لا يمس صميم الدين
ولعل من أخطر وجوه الخلاف ذلك الذي دار حول " المتعة ".. التي يحلها فقهاء الشيعة (1) في الوقت الذي يحرمها فقهاء السنة.
وقبل أن أناقش هذا الموضوع أحب أن أضع أمام الأنظار إحصاء كان اتحاد الأزهر قد طبعه ووزعه منذ حوالي خمسة عشر عاما يقرر فيه ما يلي:
1 - بلغ عدد الحوادث سنة 1941 في مدينة القاهرة وحدها 354046 حادثة بينها 1359 جناية " إحصاء سكرتير نيابة مصر - الأهرام في 27 فبراير سنة 1942 ".
2 - عثر في القاهرة على 1005 غلام في 100 فندق وحمام مصابين جميعا بأمراض خبيثة - وثبت بالتحقيق أن عصابة قبض منها على سبعين فردا كانت تتجر في الغلمان وتبيع الغلام بثلاثة جنيهات " عن المقطم والأهرام في 24 و 25 ديسمبر 1941 م ".
____________
(1) قال أبو جعفر محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 هجرية في كتاب المحبر: ص 289 تحت عنوان: " من كان يرى المتعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم).
خالد (*) بن عبد الله الأنصاري و " زيد " بن ثابت الأنصاري وسلمة بن الأكوع السلمي، وعمران بن الحصين الخزاعي، وعبد الله بن العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) " انتهى " - المحبر ط بيروت: المكتب التجاري.
(*) كذا في الأصل ولعله جابر عن هامش " المحبر " ص 289.
4 - قبض المكتب على 719 - غلاما مشردا.
94 - امرأة تحرض على الفساد بينهن 8 فتيات قاصرات.
105 - امرأة في منازل سرية.
65 - بنسيونا وفندقا يدار للدعارة.
34 - بلطجيا.
112 - مرة دهم فيها بيوت الدعارة.
13 - قضية فعل فاضح في الصالات.
1054 - شكوى هتك عرض حقق فيها المكتب.
3 - قضايا بيع كتب مخلة بالآداب.
وهذه هي حصيلة شهر في مدينة كبرى هي عاصمة البلاد... فما بالنا بحصيلة الأيام والشهور والأعوام التي تلت ذلك... وقد كانت هذه الحصيلة في وقت كان فيه البغاء العلني المصرح به موجودا وقائما ويمارس خدماته الوضيعة. فما بالنا وقد ألغي هذا البغاء...؟
لقد بلغ عدد المصابين بالزهري من بيوت الدعارة سنة 1931 م ربع مليون من الزناة أي 250 ألف نسمة...
ولا تقول إن هذا يمثل الحقيقة في بلادنا في الماضي وفي الحاضر، وإنما هو يمثل جانبا من الحقيقة، وما خفي كان أعظم.
إن ما يحدث في المدارس الداخلية بنين وبنات لا يخفى على الناس...
وتجارة الرقيق يمارسها جميع الشباب في السن الذي ينتظرون فيه الزواج، ولا نقصد المعنى الحرفي لتجارة الرقيق، وإنما نقصد علاقة الذكر بالأنثى بالطريقة التي لا يسيغها العقل ولا يسيغها الدين، ولا تسيغها الأخلاق...
وما تعرضه الجرائد والمجلات من مآسي تتكرر صورها وتتكرر وقائعها لا يحتاج إلى بيان.
بل إن ما يحدث في أعماق الريف يفوق كل ذلك في النوع وفي المقدار.
وآخر ما قرأت في جريدة الأخبار منذ أيام... أن موظفة بمصلحة التليفونات في القاهرة استغاثت عن طريق إحدى زميلاتها بالنجدة حيث هاجمت منزلا في دائرة عابدين وجدت به الفتاة، ووجدت معها شابا عثر معه على قطعتي حشيش، وحبوب تخدير، وحقن طبية لمنع الحمل، وتولى المقدم " علي الحديدي " مأمور قسم التحقيق حيث قررت الفتاة أنها كانت تقف على محطة الأتوبيس بشارع الجلاء فشعرت بالدوار، وحينما أفاقت وجدت نفسها في مسكن الموظف، وحينما أرادت الانصراف حبسها، وحاول هتك عرضها، واستبقاها في منزله أربعة أيام...
والحادث خطير في مدلوله، خطير في خطته الجديدة المثيرة...
حبوب تخدير يمكن أن تستخدم مع أية أنثى تسير في الطريق...
وقطعتان من حشيش، رغم المقاومة الجبارة لتجارة الحشيش...
وحقن طبية لمنع الحمل قد تكون آثارها الصحية مدمرة بالنسبة للمرأة وللفتاة على حد سواء..
وكل هذا يحدث في " القاهرة " وهي مدينة كبيرة، حيث الحراسة متوفرة، وحيث الشوارع تضج بالناس..
وليس هذا الحادث فرديا.. بقدر ما هو حادث يتكرر.. ويتكرر ما هو أسوأ منه في كل وقت... وقد سمى حادثا لأنه ظهر سواء كان باختيار البنت أو برغمها...
وسواء أقتلها أهلها، أم وقع القانون على المعتدي.. أو أخذ بثأرها واحد أو آخر من إخوتها أو الأقربون...
كل هذا وغيره لا ينهي الموقف، ولا يحل المشكلات..
ونزل القرآن لإصلاح المجتمع وحمايته، ورعاية الأسرة والدفاع عنها.. نزل ليضمن سعادة الإنسان، ونزل مناسبا لجميع الناس على اختلاف ظروفهم وأحوالهم..
وقد أوجب الزواج عند خشية الزنا، ولكن الزواج يحتاج إلى المهر وإلى الاستعداد، وفي الإنسان طاقات تتنفس، ولا بد أن تكيف علاقات الذكر بالأنثى تكييفا سليما لا تتحطم معه خلقية الإنسان، ولا تنهار معه الأسرة حين يرتبط الرجل بعلاقات.. وترتبط الأنثى بعلاقات.. وسواء أكان هذا بالإغراء من طرف من الأطراف المعنية أو من الطرفين معا فالنتيجة هي النتيجة.. والحل ليس هو الزنا أو اللواطة أو السحاق بأية حال من الأحوال.. هذه الأمراض التي نشأت لأننا لم نفهم ما في القرآن من مثالية نتلمسها في " التصوف ".. وما فيه من واقعية معتدلة صافية نتلمسها في وقوله تعالى:
(خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها).
وما فيه من واقعية أكثر في مرونتها من ذلك، أو قل أقرب إلى طبيعة الإنسان بما فيه من هذه الغريزة المقيمة حين يجيز له الزواج من اثنتين وثلاث ورباع، بل إنه
(والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم).
ثم يقول جل من قائل عقب هذا النص من الآية مباشرة:
(وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليما حكيما).
وبهذه الآية (وأحل لكم ما وراء ذلكم...) تمسك فقهاء الشيعة من المذاهب الإسلامية الكبيرة...
ويحاول بعض الدارسين من معتنقي مذاهب أهل السنة أن يقول: بأن " المتعة " هنا هي الزواج العادي الدائم، ومثل هذا الكلام مردود، إذ من المحقق أن اصطلاح " المتعة " معروف ومقرر، ومن المقطوع به أنه أبيح على عهد رسول الله صلوات الله عليه، وعلى عهد أبي بكر، وجانب من خلافة عمر.. وهو عند الشيعة لا يزال مباحا إلى اليوم..
كما يحاول بعض الدارسين على اتجاه أهل السنة أن يفسره أحيانا على أنه " ملك اليمين " وهي محاولة ساذجة للتهرب من الحقيقة، فملك اليمين لا يحتاج إلى بيان، وليس هو المقصود بهذه الآية على وجه من الوجوه، وملك اليمين هو ملك اليمين وليس شيئا آخر، هذا كله فوق أنه مذكور في صدر هذه الآية الكريمة موضوع الاستشهاد.
أما " ما وراء ذلكم " فما استمتعتم به منهن، ومن واجبكم حينئذ أن تلتزموا شروط ذلك، وأول هذه الشروط والأوامر:
" فآتوهن أجورهن فريضة ".. " محصنين غير مسافحين " متعففين غير مرتكبين للزنا، ملتزمين لكل شروط " المتعة " التي لا تضيع حقا لذي حق، إذ " المتعة " لا تتم
هذا هو التفسير الذي وضحه لنا أئمة المجتهدين من الشيعة، وكل تكلف في التفسير والتخريج على غير هذا الوجه - إنما هو عندهم من باب تحريم ما أحل الله، وهو.. فيما نرى تعسف لا يحتمله النص على وجه من الوجوه..
وقد رأينا أن نختار نصا من كتاب " المحلى " للإمام ابن حزم المتوفى عام 654 هـ بالجزء التاسع في باب أحكام النكاح يتميز بعرض واضح، وتعريف محدد للمتعة.
وقد أشار الأستاذ الفكيكي إلى هذا النص في ص 38 من هذا الكتاب، غير أنني أنصح بالرجوع إليه كاملا في كتاب " ابن حزم " حيث يعرضه هذا الإمام بين يدي القارئ الكريم وعقله ليكون موضع الاحتكام.
على أننا نضيف إلى هذا بعد الدراسة الطويلة - أن أكثر من تسعين في المائة من المجتهدين، من سنة وشيعة أجمعوا على أن " المتعة " المذكورة في الآية الكريمة هي الزواج إلى أجل، وأن هذه الآية هي المرجع الأول في الإباحة.
أما النسخ فالمجتهدون من السنة يقررون أنه ورد بحديث عن النبي صلوات الله عليه، ونهيه عن ممارسة هذا الحق الذي منحه القرآن الكريم.
وقد عودنا القرآن حين يحرم شيئا أن يفصله ويكرره ويؤكده، بل غالبا ما يضع العقوبات للمخالفين...
قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم).
وترتيبا على ذلك محال أن يحرم الله تعالى علينا ما لم يبينه لنا، وما لم يفصله على حد تعبيره تعالى في هذه الآية المحكمة...
وإذا كانت المتعة قد أبيحت بنص من القرآن فلا بد من أن تحرم - إذا كان ثمة تحريم - بهذه الطريقة من البيان والتفصيل.
ونقول إنه على الرغم من إباحة الطلاق عند أهل السنة وأهل الشيعة على السواء فلا يزال كل متزوج حريصا على عدم استغلال هذه الرخصة المباحة حفاظا على الولد، ورعاية لجمع الشمل، ولا يلجأ إلى استخدام الطلاق إلا جاهل؟؟؟، أو رجل لا يقدر المسئولية، أو في حالة الاضطرار وهو الأمر الذي من أجله شرع هذا الترخيص.
وكم من زوجات آذين أزواجهن بالحق حينا، وبالباطل أحيانا بل غالبا، ألحقن بأزواجهن أضرارا جسيمة نتيجة لغيرة مفاجئة أو تحريض محكم من حماة أو جارة أو زميلة لا تريد بها وبزوجها إلا الشر والسوء لسبب أو لآخر من الأسباب، ومع ذلك آثر الأزواج المحافظة على البيت حرصا على ولد صالح أو بنت يؤذيها الانفصال كل الايذاء... ولأمر ما جعل هذا الترخيص في يد الرجل ولم يترك لأهواء المرأة حتى لا تكون - ولا نقول حتى لا يكون سببا للنكبات...
وجاءني صديق من أصدق شباب العراق، وهو أخي " مرتضى الرضوي " وطلب إلي أن أقدم هذا الكتاب، " وكنت قدمت له كتاب " وسائل الشيعة " من قبل وترددت، أستخير الله وأطلب السداد في الرأي، وطالعت الموضوع وتابعته أياما وشهورا وأنا أخلف موعد الزميل " المرتضى " وهو يلتمس الأعذار، وساعدني زميل مصري بإدارة الثقافة هو الأستاذ سعيد عبده، وأحضر لي بعض مخطوطات مصورة نادرة من كتابين جليلين هما:
2 - نواسخ القرآن لابن الجوزي.
وأوجب علي الموقف بعد المطالعة والبحث أن أعرض هذا الموضوع هذا العرض العلمي الحيادي الإيجابي معا، لعله أن يكون موضع الدراسة لدى المختصين على منهج مثل هذا المنهج، واتجاه يتقارب مع هذا الاتجاه..
وليس من شأني في هذا التقديم أن أتعرض لتفصيلات " المتعة " ولها شروطها وقيودها التي بينها لنا العالم أو المحامي " توفيق الفكيكي " في كتابه الذي نقدمه الآن.
أما المتعة عند الشيعة فهي تدفع جرائم عديدة تهدد المجتمع كله بالدمار. وقد أوردنا إحصاء يكشف عن بعض هذه الجرائم، فيها المتزوج وفيها المتزوجة، وفيها الجيران، والقريب الذي يدخل البيت مستظلا بقرابته، والصديق المستظل بصداقته.
والذي يغري المرأة، والذي تغريه المرأة.
وثمة ألوان غير هذه الجرائم من الشذوذ يعرفها الجميع، بل ويرونها حتى بين أولادهم وفلذات أكبادهم، فيخفون رؤسهم في الرمال دفعا للأخطار وما هكذا تحل مشاكل المجتمعات..
المتعة تقضي على الدعارة الرسمية، ونصف الرسمية، وغير الرسمية. وتقضي على الزاني الذي ينطلق كالحيوان إلى هذه وتلك.. والزانية التي تسلم نفسها لهذا وذاك دون عقد ودون شهادة من الشهود، ودون اعتبار " للعدة " التي تستغرق في المتعة المباحة عند الشيعة حيضتين كاملتين أو خمسا وأربعين يوما كاملا " حتى إذا كان ثمة " حمل " انكشف في خلال هذه المدة فألحق بأبيه، وصار مسئولا عنه مما يدفع إلى إستدامة العلاقة الزوجية بالفعل..
أما الإسلام فقد وجد ليحارب كل هذا، لا ليحاربه بالسيف.. فالسيف أضعف
السيف حين يحارب السرقة ينسى أن الرشوة أشد نكاية في هدم الشعوب من السرقة.
والسيف حين يحارب البغاء بالإلغاء - دون خطة واعية وتيسير للزواج والإحصان - ينسى أن الطبيعة البشرية أقوى من الإلغاء، وأقوى من المياه الهادرة، والأمواج الثائرة، والنيران المشتعلة.
والسيف حين يسلط حده على الظهور يتهرب الناس - جموع الناس - بظهورهم ليزحفوا إلى الرذيلة والفساد على بطونهم، متظاهرين بالتزلف إلى جلاديهم، والتقرب إلى الطغاة والمفسدين.. إلى أن ينفسخ كيانه وكيانهم..
وأساس الإسلام هو العقيدة قبل السيف..
وهو الفكرة القوية التي نعتقد أنها أقوى من كل الجيوش في أرجاء الأرض..
وهي أساس تكوين الشعوب في أي ركن من الأرض.. وهو بفكرته الثقافية يساير طبيعة الإنسان لينظمها ويشرع لها لا ليشرع ضدها أو يعترض طريقها.
وأخيرا وليس آخرا نقرر الفرق بين زواج المتعة، والزواج الذي نأخذ به عند أهل السنة:
فزواج المتعة المحدود بزمان معين لصاحبه مطلق الحرية في أن يمده إلى نهاية العمر.
وزواج أهل السنة - ذاك الذي لا يتقيد فيه بزمان - لصاحبه أيضا وبنص من القرآن أن يقطعه بالطلاق.
فالزواج المباح عند أهل السنة دائم إلى انقطاع، وزواج المتعة أيضا منقطع إلى اتصال.. وهذا هو الفرق العملي بينهما.
وأخيرا نقول بأن: هذا الدين متين، وعلى الدارسين أن يوغلوا فيه برفق، وعليهم دراسة المشكلات دراسة متحررة من كل جمود، محررة من كل شوائب، وعرضها من كافة وجوهها بحيث لا يوجد بين المسلمين خلاف يفضي إلى ضرر أو ضرار.
القاهرة: عبد الهادي مسعود
- 3 -
علي ومناوئوه
لقد كان من واجبي أن أعترف على نفسي بالتقصير أو القصور إذ كتبت ترجمات عديدة من شخصيات أوروبية أو أجنبية ولم أتمكن من الكتابة عن عظماء التاريخ الإسلامي، وعلى رأس هؤلاء الإمام علي (عليه السلام).
ولم يكن بد - كما يحدث غالبا - أن ألقى بظلال هذا العتاب على الظروف والملابسات التي مرت ولا تزال تمر بي لأدفع عن نفسي هذا القصور والتقصير أمام جمهور أحبه كل الحب - بل أحبه إلى حد العشق - وهو جمهور القارئين في الأقطار العربية والإسلامية الشقيقة.
وتقدم إلي الأستاذ " مرتضى الرضوي " لأكتب مقدمة لكتاب الدكتور نوري جعفر " علي ومناوئوه "، وكان ذلك في منتصف شهر شعبان 1394 هـ الموافق أواخر الشهر الثامن أغسطس 1974 فقلت ما لنا ومناوئيه ولست منهم ولا شك أيها القارئ الكريم، كما وأنني لست منهم على التحقيق، ولقد أقبل الموسم القضائي - أيها الصديق مرتضى - ولنا فيه معارك على ساحة مجلس الدولة مما قد يشغلنا عن كثير مما يتوجب بذل الجهد والوقت فيه من قضايا الفكر والعقيدة والإيمان.
كنت أتوقى إلى الكتابة عن الإمام علي بن أبي طالب - منذ أمد بعيد - وهو أول فتى في الإسلام وفارس فرسانه، وكنت ولا زلت أتوق لأن تكون الكتابة عنه تمهيدا لي وتمهيدا وللقراء أن أكتب عن الرسول (صلى الله عليه وسلم).
والكتابة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كتابة عن الإيمان وكتابة عن