وكان علي أن أنتظر سانح فرصة لأسجل بعض ما خطر في ذهني عن هذا الرجل العظيم.
وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما ورد في " الإصابة ": قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام " فهل كانت شهرته قاصرة على هذا المجال فحسب؟!
لقد أجمع الرواة - وترى ذلك متواترا طبقة عن طبقة -: أن علي بن أبي طالب هو أول فتى دخل في الإسلام، وسارت الركبان بهذا الحديث يسوقونه على أنه ميزة لعلي، بمعنى أنه لم يعش الجاهلية، وإنما يكاد يكون مسلما - منذ أدرك - فهل كانت هذه هي ميزته فحسب؟!
كان علي ابن عم الرسول الأعظم ومتبناه.
وكان علي أخا لرسول الله والرسول أخوه (1) كما يروي الرواة الثقات - نقلا عن
____________
(1) حديث مؤاخات الرسول مع الإمام علي (عليهما السلام) تجده في المصادر الآتية:
1 - الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 2 / 507 ط مصر.
2 - البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي: 7 / 348 حديث المؤاخاة.
3 - إحياء العلوم لأبي حامد الغزالي: 2 / 173 الباب الثالث في حق المسلم والرحم ط دار القلم بيروت.
4 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير: 2 / 221 ط مصر.
5 - إسعاف الراغبين للصبان: ص 149 - 155 بهامش نور الأبصار للشبلنجي ط مصر عام 1321 هج.
6 - الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: 3 / 1103 تحقيق علي محمد البجاوي ط نهضة مصر بالقاهرة.
7 - أسمى المطالب للجزري الدمشقي: ص 62 ط بيروت.
8 - الأعلام للزركلي: 4 / 295 طبعة سابعة عام 1986 م بيروت دار العلم للملايين.
9 - الإمام جعفر الصادق لعبد الحليم الجندي ص 20 ط مصر عام 1977 (توفيق عويضه).
10 - تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري: 2 / 217 الطبعة الأولى المطبعة الحسينية بمصر.
11 - تاريخ الخلفاء للشيخ عبد الرحمن السيوطي ص 166 - 170 تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط القاهرة.
12 - تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 30 ط مؤسسة أهل البيت بيروت عام 1401 هـ.
13 - ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر: 1 / 117 - 125 ط بيروت.
14 - ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر: 2 / 442 ط بيروت - لبنان.
15 - تلخيص المستدرك للذهبي: 3 / 14 ط حيدر آباد - الهند.
16 - جامع الأصول لابن الأثير الجزري: 9 / 468 ط مصر.
17 - جريدة السياسة المصرية ملحق عدد 2751: صادر في 19 مارس عام 1932 م بالقاهرة.
18 - حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني: 7 / 256 ط مؤسسة الخانجي بالقاهرة.
19 - حياة محمد، محمد حسين هيكل: ص 104 الطبعة الأولى بمصر عام 1954 م.
20 - خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص 18 - 19 ط مصر عام 1348 هـ.
21 - ذخائر العقبى للمحب الطبري: ص 65 ط حسام الدين صاحب مكتبة القدسي بالقاهرة.
22 - الرياض النضرة للمحب الطبري 3 / 111 - 113 دار الندوة الجديدة بيروت.
23 - السنن لابن ماجة القزويني: 1 / 44 ط مصر تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
24 - سنن الترمذي لأبي عيسى محمد: 5 / 636 تحقيق إبراهيم عطوة عوض ط مصر.
25 - السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 505 تحقيق مصطفى الصفا، ط مصر.
26 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 284 - 399 الطبعة الأولى عيسى البابي الحلبي بمصر.
27 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2 / 61 - 429 الطبعة الأولى عيسى البابي.
28 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 259 - 261 الطبعة الأولى.
29 - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: 1 / 274 ط بيروت.
30 - الشرف المؤبد لآل محمد للنبهاني: ص 62 ط بيروت عام 1309 هج.
31 - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 1 / 50 ط القاهرة.
32 - شذرات الذهب لابن العمار الحنبلي: 3 / 383 ط القاهرة.
33 - الطبقات الكبرى لابن سعد: 3 / 14 ط ليدن 3 / 22 ط بيروت.
34 - علي وحقوق الإنسان جورج جرداق: 1 / 60 ط بيروت.
35 - علي بن أبي طالب عبد الكريم الخطيب ص 110 ط مصر عام 1969 ط دار الفكر العربي.
36 - فرائد السمطين للحمويني الشافعي: 1 / 111 - 117 - 121 طبع بيروت.
37 - فيض القدير لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي: 4 / 355 ط مصر.
38 - كفاية الطالب للگنجي الشافعي: ص 168 - 193 - 238 ط دار إحياء التراث - بيروت.
39 - كنوز الحقائق للمناوي: 1 / 51 بهامش الجامع الصغير للسيوطي ط القاهرة.
40 - كنز العمال للمتقي الهندي: 11 / 598 رقم الحديث 23879 ط مؤسسة الرسالة. بيروت.
41 - مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد لابن حجر الهيثمي: 9 / 111 - 112 - 209 ط مصر.
42 - مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 14.
43 - مسند الإمام أحمد بن حنبل: 1 / 159 - 230 ط مصر.
44 - معجم المؤلفين عمر رضا كحالة: 7 / 112 ط بيروت.
45 - مناقب علي بن أبي طالب للمغازلي: ص 37 - 39.
46 - منتخب كنز العمال للمتقي الهندي: 5 / 32 - 46 - 117 ط مصر.
47 - معجم الشيوخ لابن الأعرابي: (مخطوط) الورق 17 كما في ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر.
48 - نزل الأبرار للبدخشي: ص 65 ط بمبئ - الهند.
49 - نظم درر السمطين للزرندي: ص 94 ط - العراق.
50 - نور الأبصار للشيخ مؤمن الشبلنجي: ص 5 ط مصر.
51 - وفيات الأعيان لابن خلكان: 5 / 231 ط مصر.
52 - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 1 / 56 ط استانبول عام 1301.
وكان بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لم يكن ثمة نبي بعد محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).
وتلك نصوص قاطعة عن الرسول، قاطعة الدلالة على إمامة علي فهل تكفي هذه الإشارات اللامحة للكشف عن أحقيته في الإمامة (عليه السلام)؟
قال ابن مسعود في شأن الإمام: كنا نتحدث عن أن أفضل أهل المدينة هو علي ".
بل إن عمر نفسه كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن، وكان يقول: " لولا علي لهلك عمر ".
وهناك جوانب أخرى عديدة يجب أن نجليها لأنفسنا وللعالم كله على السواء...
لقد نقض بعض الذين بايعوا عليا، ونقضوا ما عقدوا عليه العزم وكانت الحروب بين المسلمين إلى أن انتهى صراعها بانتصار الأقوياء، ولم تنته المعارك بانتصار الحق، إذ لو انتصر الحق لكان علي (عليه السلام) هو الحقيقة المجسدة، وكان نصره فوق كيد الكائدين، وقوة المال والسلاح، وسطوة البغي والغرض، والدهاء والإغراء..
ولأمر ما أراد الله أن تدخل دولة المسلمين في محنة كبرى، ولما تستقر أصول الإسلام في نفوس الناس، ولا سرت روحه في دمائهم على الوجه الذي كنا نظنه في أول دراسة لنا لقضية صدر الإسلام، ومن المعلوم الذي يجب أن يكون بديهة في نفوس الباحثين أن نعلم أن الإسلام هو صحوة المستقبل للعالم كله. ولم يكن - كما كنا نتخيل أحيانا - دعوة الزمن الذي ظهر فيه وحده... لأن إطاره المكاني هو العالم كله، والإطار الذي يتحرك من خلاله - من حيث الأزمنة والعصور - هو كل الأزمنة
____________
(1) أنظر " المستدرك على الصحيحين " 3 / 109، " مسند الإمام أحمد " 4 / 281 الطبعة الأولى " خصائص الإمام علي " للنسائي ص 21 طبعة مصر - " تفسير الفخر الرازي " 13 / 48، 49 - " أسباب النزول " للواحدي ص 125 طبعة مؤسسة الحلبي - " حياة محمد " للأستاذ محمد حسين هيكل الطبعة الأولى ص 104 - " جريدة السياسة المصرية " ملحق عدد 2751.
ولقد علمنا من الصراع بين علي (عليه السلام) وبين معاوية أن السلطة قد انتقلت إلى معاوية بن أبي سفيان بن حرب... وأمه هند آكلة الأكباد.. التي نهشت جسد عم الرسول حمزة (عليه السلام)، وفلقت رأسه.. وأكلت كبده... شفاء لحقدها على الرسالة وأهلها - حينذاك - واستبد معاوية بالناس، وأحال الخلافة ملكا عضوضا، واستحصل من الناس - جبرا وقسرا - على عهد لابنه " يزيد ".. ونحن نعلم من هو " يزيد " وما كان عجبا أن يكون هو " يزيد " لأنه وارث القسوة والفجور، ومستمد الفساد من شجرة الفساد... والعرق دساس... ونحن لا نجري الأبحاث - مع الأسف الشديد - عن شجرة الرجال، وأصول الرجال.
لقد عمل اليهود - من خلال كل الجهود - على تدمير علم الأنساب لتختلط العائلات ويمكن من خلال هذا الاختلاط أن يندس في وسط كل قطر من أقطار الإسلام طبقة من اليهود يدعون الإسلام ليفسدوا فيه، وكانوا يناصرون كل من يدعو للفتنة.
ولكن بنية الإسلام القوية رغم كل ما مر بها لم تتوقف عن النماء ولم يزعزع عقيدة الإسلام ما مارسه بنو أمية من طغيان.
ولقد أحاط المفسدون بحكام الدولة الإسلامية ليحولوا بينهم وبين كل إصلاح ... محاولين إيقاع الفتنة في دولة المسلمين.
لقد قيل إن بناء الجماعة تصدع على عهد علي، ومن قبله كان الثائرون محاصرون بيت " عثمان " فهل قرر هذا أو ذاك: مصير الإسلام والقرآن؟!
إن هذا الدين الخالد مر بهذه المحنة وبغيرها من المحن وخرج منها أقوى مما كان
أكلت الحروب بين علي وخصومه عددا كبيرا من المسلمين ولم يكن متوقعا أن يحدث ذلك على وجه من الوجوه إلا أن اتساع الملك والسلطان كان يقتضي ذلك، وكان يقتضي غيره من ألوان الصراع... وكانت هذه المحن - في رأيي - هي درجة الغليان التي أحاطت بالدين الجديد فحفظت الشعب أن ينهار أمام الحضارات المجاورة، وأمام الفتوحات الوسيعة المدى بما تحتويه من أفكار جديدة واتجاهات متعددة مختلفة الألوان والأحجام.
إن علينا أن ندرس كل أولئك حين ندرس شخصية هذا البطل العظيم في تاريخ الإسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وعلينا أن نعلم: أن انفصام عرى الوحدة بين المسلمين، وتفرقهم في الآراء والمذاهب والأحزاب كل ينصر رأيه بالقول وبالعمل على رأي خصمه، وكل يصارع في سبيل عقيدته هذه أو تلك بالفكر حينا وبالسلوك أحيانا، وعلينا أن ندرك أن هذا كله وغيره ليس إلا دلائل صحة، لا دلائل وهن أو هزيمة، وأن الصراع دائما يدل على اليقظة لا على الموت، ما دام لا يفضي إلى انشقاق في صفوف الأمة، أو مواجهة عدائية بين الطوائف.
وقد اكتمل الدين حينما اكتمل نزول القرآن، ولقد كان الإسلام على عهد الرسول دعوة وفكرة - أكثر منه دولة وسلطانا، وإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أقام دولة على أساس من التشريع القرآني، فقد كانت دولة صغيرة الحدود على أية حال، ولكنها كانت نوبة قوية، قابلة دائما على النمو والازدهار، وبقي أن تكتمل الدولة بعد ذلك فتوسع من آفاقها وتنشر من سلطانها على هذه الأسس السليمة، كانت نواة في مثل صلابة " الجرانيت " يحمل لواءها نفر من المؤمنين الأتقياء لا يبالون أين يكون
كانت الدولة وليدة في المهد، وقد تعرض الوليد لكل ما يتعرض له الوليد من محن تكبر في عينه هو، وإن صغرت في عين الزمن، الذي أثبت دائما أن البقاء للأصلح وأن الخلود للإيمان.
مرت دولة المسلمين في محنة كبرى فآذت المحنة دولتهم، ولم تنل من دينهم، وللنشأة الجديدة ثورات وحركات وصراعات، سنرى جوانب منها حين ندرس الإمام، وما أحاط به، وبالمسلمين من حوادث، وأحداث...
وسنرى جوانب منها حين نطالع صفحات هذا الكتاب.
عبد الهادي مسعود
وكيل وزارة الثقافة والإرشاد القومي
القاهرة في: 18 شعبان 1394 هـ 5 سبتمبر 1974 م
وفي 10 / 5 / 1970 م أرسلت من النجف الأشرف - العراق خطابا للأستاذ عبد الهادي مسعود إلى القاهرة طلبت منه أن يكتب تقديما لكتاب " المدخل لدراسة التشريع الإسلامي " لمؤلفه العلامة الكاتب القدير الشيخ محمد مهدي الآصفي
أخي الأستاذ السيد مرتضى الرضوي:
بكل ما في نفسي من مشاعر الود والمحبة أحييك وأرجو لك - أيها الصديق الصدوق - كل سعادة وهناء.
أرسلت إلي منذ أشهر تطلب مقدمة لكتاب " المدخل إلى دراسة التشريع الإسلامي " وتهاونت من جانبي في الرد لأن في قلبي ونفسي شيئا بالغ الخطورة نحوك، ولقد مكثت في القاهرة طويلا وسألت عنك كثيرا ولم تكلف نفسك بالنسبة لي سوى زيارة يتيمة، ولم تكن سيادتكم تمكث في " اللوكاندة " إلا سويعات نومك وما أقلها والتليفونات لا تجدي فتيلا، فهل بمثل هذه المعاملة تنتظر مني أن أتوجه إلى القلم لأكتب إليك بمجرد وصول خطابك؟ سامحك الله.
المقدمة: اقتنعت بها وبدأت أسطرها وما أظنني منتهيا منها إلا بعد ثلاثة أسابيع - أخطرني فورا بأنك لا تزال تنتظرها ولم تكلف أحدا غيري بها، وإلا فأخطرني بعكس ذلك إذا كان الأمر قد أحوجك إليه.
تحياتي إليك وإلى السادة: السيد الأستاذ محمد تقي الحكيم، مشكور الأسدي والسيد جواد شبر، والقصصي الكبير جعفر الخليلي وكل الأحباء في العراق، وقد
وأساتذته والنابهين من علمائه، ورجالات الشيعة الأجلاء نفعنا الله بهم.
والسنة أيضا أيها الحبيب أنا أعلم مقدار ثورتك حين تثور ولكن الحب يعم ولا يخص، وكل عراقي بالنسبة لي شقيق ما دام مخلصا لقضية الإسلام، ذائدا عن حوضه، منبعثا عن إيمان صادق بالله وبالمستقبل الوضئ.
منتظر خطابك بعنواني: 14 شارع شبر " وتحياتي لك.
القاهرة: 28 / 6 / 1970
عبد الهادي مسعود
الإبياري
وقد وصل هذا الخطاب إلى شقيقي المهندس السيد مهدي الرضوي حفظه الله تعالى وأبقاه، وكنت حينذاك في باكستان استكمل أداء الرسالة التي وضعت كل جهودي لتدعيمها، وكان الوالد تغمده الله برحمته الواسعة يعاني من مرض ألم به، ورأى شقيقي أن يسارع بالرد على هذا الخطاب خشية أن يمتد حبل العتاب فكتب إلى سيادته يقول:
بغداد في 10 / 8 / 1970
سيادة الأخ الأستاذ عبد الهادي مسعود.
تحية عطرة مفعمة بالمودة والتقدير.
وبعد.. فهذه الرسالة يا سيدي العزيز من شخص يعرفك على البعد ومنذ زمن غير قصير، وإن لم تتح له فرصة التشرف بلقائك، والتي أرجو أن تتاح لي في المستقبل إن شاء الله.
ولا أشك أن سيادتك عرفت بعد هذه المقدمة أني تعرفت عليك من خلال كتبك وبحوثك وهذا صحيح إلا أن معرفتي بكم تمتد إلى أبعد من معرفة القارئ بالكاتب فطالما كنت أسمع اسمكم الكريم مشفوعا بالذكر العاطر والثناء الجميل من شقيقي الأكبر " مرتضى الرضوي " الذي يعتز برباط الأخوة الصادقة التي جمعتكما رغم بعد الديار، وهكذا فقد وجدت الفرصة سانحة لأقوم بواجب الرد على رسالتكم الكريمة نيابة عن أخي الذي مضى على سفره شهران وبضعة أيام وأظنه الآن في " باكستان " إذ لم يصلني منه خلال هذه المدة غير خطابين، ومن هذا ترون سيادتكم إننا معا محقان في أن نعتب عليه كما أننا متفقان على سؤالكم الله أن يسامحه، وأؤكد لكم أن أخي إن تهاون يوما في أداء الواجبات تجاه إخوانه فهو لا ينساهم أبدا.
بالنسبة لي فأنا أعيش في بغداد، وأقول " أعيش " ولا أقول " أعمل " لسبب بسيط هو إنني دون عمل، فقد تخرجت من كلية الهندسة قبل زهاء شهرين ولم أرتبط
أما بالنسبة للمقدمة التي طلبها الأخ فلا أذكر أنه حدثني بشئ عن موضوعها ولكنه بالطبع ينتظرها. وأود أن أضيف لكم أنه ليس وحده الذي ينتظرها. كما وإني واثق أنه لم يطلب من غيركم ذلك، وأكثر ثقة بأنه لن يطلب من سواكم تقديم الكتاب خاصة بعد اقتناعكم بفكرتها وابتدائكم بكتابتها كما تفضلتم بذكره في رسالتكم.
يوم أمس وفي سوق الكتب ببغداد قابلت السيد جواد شبر وبلغته سلامكم أما الباقون فسأترك ذلك إلى الأخ لأن معرفتي بأكثرهم لا تتعدى الأسماء، ويجهلني من أعرفه منهم إلا الأستاذ " جعفر الخليلي " فهو من أقربائنا وهو بالضبط ابن خال جدي لأمي!
أخيرا أود أن أشير إلى الكلمة اللطيفة التي ختمتم بها رسالتكم " وإن كنت لم أجد في كل كلماتها إلا اللطف " تلك هي قولكم: " وأنا أعلم مقدار ثورتك حين تثور إلا أن الحب يعم ولا يخص ". حقا يا سيدي الفاضل إن الحب يعم ولا يخص، وهذا القول أكثر انطابقا على المحبة التابعة من أخوة العقيدة ووحدة الهدف وهي ما يجمع أهل القبلة كلهم بحمد الله.
وتقبلوا في الختام أطيب تحياتي وأحر سلامي؟
بغداد:
مهدي الرضوي
ومن الأسف أنه حتى الآن لم تتم كتابة المقدمة التي وعدنا بها الأستاذ:
عبد الهادي مسعود لكتاب: " المدخل لدراسة التشريع الإسلامي "...
وبإعادة الاتصال به في أوائل عام 1974 م وعد سيادته بكتابة المقدمة من جديد... وإن كان قد تعذر الوفاء، عن ظروف عدم وفائه بما طلبنا إليه.
أطلعني أخي " السيد مرتضى " على الأسطر الأخيرة بما كتب عني في مؤلفه القيم " مع رجال الفكر في القاهرة " وهو عتاب عن تأخير كتابة المقدمة لكتاب: " المدخل لدراسة التشريع الإسلامي " للأستاذ العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي.
والطلب فيما أرى يسير عسير، سهل ممتنع، ولكنه يحتاج إلى وقت وجهد، ولو قد عشت في بلدي حياة طبيعية في العشرين سنة الأخيرة لأمكنني بإذن الله وعونه أن آتي في مثل هذه المقدمة التي يطلبها الأخ " السيد مرتضى " بجديد يشفي غلتي ويرضي ضميري فأدفعه إليه ليدفعه بدوره إلى المطبعة ثم إلى القارئ الذي نجله ويجب أن نجله، ونحترمه ويتحتم علينا أن نحترمه.
لقد تعودت أن أعرض على قرائي الذين أحببتهم شيئا جديدا أو مبتكرا أو
أما الكتابة المرتجلة فقد تكون ميسرة لمن لا يقدر المسئولية حقها.
والحق إنني أعاني منذ عشر سنوات بصفة خاصة اضطهادا حادا في مجال العمل يحجبني ولا يزال عن أي دراسة جادة، بل إنه قد أصابني بأضرار جسيمة عديدة، أصابتني وأصابت الفكر وموازين المنطق والعدالة في الصميم، يكفي أن أستدل في هذا المجال بقضية أودعت صحيفتها في مجلس الدولة في 23 / 11 / 1968 ولم يكتب عنها تقرير المفوضين - وهو تقرير تمهيدي - إلى اليوم.
إن فكرة العدالة مرتبطة تماما بالتشريع الإسلامي العظيم، فإذا تهددتها عوارض فذلك هو الكيد في الخصومة الذي لا يرتضيه المشرع الوضعي فضلا عن التشريع الإلهي السماوي، ولقد مارست التقاضي بمجلس الدولة بما جعلني مؤهلا لكتابة المقدمة التي تريدها أيها الصديق.
لم يدخلني الشك في أن آخر قلعة من قلاع الشعب في مصر اليوم هي السلطة القضائية، تلك القلعة المصونة التي اهتزت اهتزازا بشعا ورهيبا ولمرات عديدة في الآونة الأخيرة، ومع ذلك فإنني أرجو أن أقول:
لا تزال حتى الآن تنال احترام العالم كله، ولقد رد لها رئيسنا المحبوب " محمد أنور السادات " كرامتها، غير أن التشريع الإسلامي هو ملاذنا الأول والأخير بعد هذه المراحل الطويلة التي كان مصدرنا للتشريع خلالها هو القانون الوضعي.
إن التشريع الإسلامي الذي يستمد من القرآن الكريم، هو الكفيل وحده بردع
الظالمين الذين لا يرعون في الحق إلا ولا ذمة، ويوقع أشد العقوبات على المنحرفين