الصفحة 292
فأخرجوه فلما أرادوا أن يذهبوا به وكان عزيز النفس إمتنع منهم فحاربهم وقاتلهم فشجوه ورموه بالحجارة حتى سقط فنادت ميثاء أخته: يا معشر طئ! أتسلمون ابن خليفة لسانكم وسنانكم؟ فلما سمع الأحمري نداءها خشي أن تجتمع طئ فيهلك فهرب فخرج نسوة من طئ فأدخلنه دارا وانطلق الأحمري حتى أتى زيادا فقال: إن طيئا اجتمعت إلي فلم أطقهم فأتيتك، فبعث زياد إلى عدي وكان في المسجد فحبسه وقال: جئني به وقد أخبر عدي بخبر عبد الله، فقال عدي: كيف آتيك برجل قد قتله القوم؟ قال: جئني حتى أن قد قتلوه، فاعتل له وقال: لا أدري أين هو ولا ما فعل فحبسه فلم يبق رجل من أهل المصر من أهل اليمن وربيعة ومضر إلا فزع لعدي فأتوا زيادا فكلموه فيه وأخرج عبد الله فتغيب في بحتر فأرسل إلى عدي إن شئت أن أخرج حتى أضع يدي في يدك فعلت، فبعث إليه عدي: والله لو كنت تحت قدمي ما رفعتهما عنك. فدعا زياد عديا فقال له: إني أخلي سبيلك على أن تجعل لي لتنفيه من الكوفة ولتسير به إلى جبلي طئ قال: نعم فرجع وأرسل إلى عبد الله بن خليفة: أخرج فلو قد سكن غضبه لكلمته فيك حتى ترجع إن شاء الله. فخرج إلى الجبلين ومات بهما قبل موت زياد.

الشهادة المزورة على حجر

جمع زياد من أصحاب حجر بن عدي أثنى عشر رجلا في السجن ثم دعا رؤساء الأرباع وهم: عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة. وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان. وقيس بن الوليد على ربع ربيعة وكندة. وأبو بردة بن أبي موسى على ربع مذحج وأسد، فشهد هؤلاء أن حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب، وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه، وأن هؤلاء الذين معه هم رؤس أصحابه وعلى مثل رأيه. ونظر زياد في شهادة الشهود وقال: ما أظن هذه شهادة قاطعة وأحب أن يكون الشهود أكثر من أربعة فدعا الناس ليشهدوا عليه وقال زياد:


الصفحة 293
على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق فقام عثمان بن شرحبيل التيمي أول الناس فقال: اكتبوا اسمي فقال زياد: ابدؤا بقريش ثم اكتبوا إسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالصحة والاستقامة (1) فشهد عليه سبعون رجلا فقال زياد: ألقوهم إلا من عرف بحسب وصلاح في دينه فألقوا حتى صيروا إلى هذه العدة [وهم أربع وأربعون فيهم: عمر بن سعد بن أبي وقاص. شمر بن ذي الجوشن شبث بن ربعي. زجر بن قيس].

وممن شهد شداد بن المنذر أخو الحضين وكان يدعى: ابن بزيعة. فكتب: شهادة ابن بزيعة. فقال زياد: أما لهذا أب ينسب إليه؟ ألغوا من الشهود فقيل له: إنه أخو الحضين بن المنذر؟ فقال: انسبوه إلى أبيه فنسب، فبلغ ذلك شدادا فقال: والهفاه على ابن الزانية أو ليست أمه أعرف من أبيه؟ فوالله ما ينسب إلا إلى أمه سمية.

وكتب في الشهود شريح بن الحرث، وشريح بن هانئ. فأما شريح بن الحرث فقال: سألني عنه فقلت: أما إنه كان صواما قواما. وأما شريح بن هانئ فقال:

بلغني إن شهادتي كتبت فأكذبته ولمته، وكتب كتابا إلى معاوية وبعثه إليه بيد وائل بن حجر وفي الكتاب: بلغني إن زيادا كتب شهادتي، وإن شهادتي على حجر إنه ممن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويديم الحج والعمرة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال، فإن شئت فاقتله، وإن شئت فدعه. فلما قرأ معاوية الكتاب قال:

ما أرى هذا إلا قد أخرج نفسه من شهادتكم.

وكتب شهادة السري بن وقاص الحارثي وهو غائب في عمله.

قال الأميني: هذه شهادة زور لفقها ابن أبيه أو ابن أمه على أصناف من الناس منهم الصلحاء والأخيار الذين أكذبوا ذلك العز والمختلق كشريح بن الحرث وشريح بن هانئ ومن حذا حذوهما، وشهدوا بخلاف ما كتب عنهما ومنهم من كانوا غائبين عن ساعة الشهادة وساحتها، لكن يد الإفك أثبتتها عليهم كابن وقاص الحارثي ومن يشاكله.

ومنهم رجرجة من الناس يستسهلون شهادة الزور ويستسوغون من جرائها إراقة

____________

(1) يعني المعروفين بالاستقامة في عداء أمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل بيته.

الصفحة 294
الدماء ليس لهم من الدين موضع قدم ولا قدم كعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وزجر بن قيس، فتناعقوا بشهادة باطلة لأجلها وصفهم الدعي بأنهم خيار أهل المصر وأشرافهم، وذوو النهى والدين. وإن معاوية جد عليم بحقيقة الحال لكن شهوة الوقيعة في كل ترابي حبذت له قبول الشهادة المزورة والتنكيل بحجر وأصحابه الصلحاء الأخيار، فصرم بهم أصول الصلاح وقطع أواصرهم يوم أودى بهم، ولم يكترث لمغبة ما ناء به من عمل غير مبرور فإلى الله المشتكى.

تسيير حجر وأصحابه
إلى معاوية ومقتلهم

دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب وأمرهما أي يسيرا بهم إلى الشام فخرجوا عشية وسار معهم صاحب الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهي في جبانة عرزم فإذا بناته مشرفات فقال لوائل وكثير: إئذنا لي فأوصي أهلي. فأذنا له، فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ساعة ثم قال: أسكن فسكتن. فقال: اتقين الله عز وجل واصبرن فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين: إما الشهادة وهي السعادة، وإما الانصراف إليكن في عافية، وإن الذي يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تعالى وهو حي لا يموت، أرجو أن لا يضيعكن وأن يحفظني فيكن. ثم انصرف فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية.

فساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق وهم اثنى عشر رجلا:

حجر بن عدي، الأرقم بن عبد الله، شريك بن شداد، صيفي بن فسيل، قبيصة بن ضبيعة، كريم بن عفيف، عاصم بن عوف، ورقاء بن سمي، كدام بن حيان، عبد الرحمن بن حسان، محرز بن شهاب، عبد الله بن حوية. وأتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الأسود فتموا أربعة عشر رجلا فحبسوا بمرج عذراء فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذ كتابهما فقرأه على أهل الشام فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان أما بعد: فإن الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء، فأدا له من عدوه وكفاه مؤنة من بغى عليه

الصفحة 295
، إن طواغيت الترابية الصبائية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.

فلما قرأ معاوية الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال: ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تسمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي: أرى أن تفرقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها وكتب معاوية إلى زياد: أما بعد: فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه وشهادة من قبلك عليهم فنظرت في ذلك فأحيانا أرى قتلهم أفضل من تركهم، وأحيانا أرى العفو عنهم أفضل من قتلهم، والسلام.

فكتب إليه زياد مع يزيد بن حجية التميمي: أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت رأيك في حجر وأصحابه فعجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم، فإن كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردن حجرا وأصحابه إلي.

فأقبل يزيد بن حجية حتى مر بهم بعذراء، فقال: يا هؤلاء! أما والله ما أرى برأتكم ولقد جئت بكتاب فيه الذبح فمروني بما أحببتم مما ترون إنه لكم نافع أعمل به لكم وأنطق به. فقال حجر أبلغ معاوية: أنا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وإنما شهد علينا الأعداء والأظناء فقدم يزيد بالكتاب إلى معاوية وأخبره بقول حجر فقال معاوية.

زياد أصدق عندنا من حجر. فقال عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي. ويقال: عثمان بن عمير الثقفي: جذاذها جذاذها. فقال له معاوية: لا تعن أبرا. فخرج أهل الشام ولا يدرون ما قال معاوية وعبد الرحمن فأتوا النعمان بن بشير فقالوا له مقالة ابن أم الحكم فقال النعمان: قتل القوم.

أقبل عامر بن الأسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه بالرجلين اللذين بعث بهما زياد ولحقا بحجر وأصحابه فلما ولى ليمضي قام إليه حجر بن عدي يرسف في القيود فقال: يا عامر! اسمع مني أبلغ معاوية: إن دماءنا عليه حرام. وأخبره أنا قد أومنا وصالحناه فليتق الله ولينظر في أمرنا. فقال له نحوا من هذا الكلام فأعاد عليه حجر مرارا. فدخل عامر على معاوية فأخبره بأمر الرجلين فقام يزيد بن أسد البجلي فاستوهب

الصفحة 296
الرجلين وكان جرير بن عبد الله كتب في أمر الرجلين إنهما من قومي من أهل الجماعة و الرأي الحسن سعى بهما ساع ظنين إلى زياد وهما ممن لا يحدث حدثا في الاسلام ولا بغيا على الخليفة فلينفعهما ذلك عند أمير المؤمنين. فوهبهما له وليزيد بن أسد.

وطلب وائل بن حجر في الأرقم الكندي فتركه.

وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له.

وطلب حمزة بن مالك الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له.

وطلب حبيب بن مسلمة في عبد الله بن حوية التميمي فخلى سبيله.

فقام مالك بن هبيرة فسأله في حجر فلم يشفعه فغضب وجلس في بيته، فبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي من بني سلامان بن سعد والتحصين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدي - في الأغاني: أبا حريف البدري - فأتوهم عند المساء فقال الخثعمي حين رأى الأعور مقبلا: يقتل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران: أللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض. فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي: أللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم وأنت عني راض فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى الله إلا ما أراد. فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسل معاوية: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم هذا تركناكم وإن أبيتم قتلناكم، وإن أمير المؤمنين يزعم إن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم غير إنه قد عفا عن ذلك فابرؤا من هذا الرجل نخل سبيلكم قالوا: لسنا فاعلين فأمروا بقيودهم فحلت، وبقبورهم فحفرت، وأدنيت أكفانهم، فقاموا الليل كله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء!

قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا:

هو أول من جار في الحكم، وعمل بغير الحق. فقال: أصحاب معاوية أمير المؤمنين كان أعلم بكم، ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرؤن من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله فوقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدي فقال له قبيصة:

إن الشر بين قومي وقومك أمن - أي: آمن - فليقتلني غيرك فقال له: برتك رحم فأخذ الحضرمي فقتله. وقتل القضاعي صاحبه.

قال لهم حجر: دعوني أصلي ركعتين، فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين.


الصفحة 297
فقالوا له: صل. فصلى ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن تروا إن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها. ثم قال: أللهم إنا نستعديك على أمتنا فإن أهل الكوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى إليه هدبة الأعور بالسيف فأرعدت فصائله فقال: كلا زعمت إنك لا تجزع من الموت فأنا أدعك فابرأ من صاحبك. فقال: مالي لا أجزع؟ وأنا أرى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا، وإني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب فقيل له: مد عنقك. فقال: إن ذلك لدم ما كنت لأعين عليه، فقدم فضربت عنقه وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة.

الخثعمي والعنزي
من أصحاب حجر

قال عبد الرحمن بن حسان العنزي، وكريم بن عفيف الخثعمي: إبعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه فبعث ائتوني بهما فالتفتا إلى حجر فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر! ولا يبعد مثواك، فنعم أخو الاسلام كنت. وقال الخثعمي نحو ذلك ثم مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثلا.

كفى بشفاة القبر بعدا لهالك * وبالموت قطاعا لحبل القرائن

فلما دخل عليه الخثعمي قال له: الله الله يا معاوية! إنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ومسئول عما أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا؟ فقال معاوية: ما تقول في علي؟ قال أقول فيه قولك، أتتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به؟ فسكت وكره معاوية أن يجيبه فقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه. فقال: هو لك غير إني جالسه شهرا فحبسه فكان يرسل إليه بين كل يومين فيكلمه، ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان فنزل الموصل فكان يقول: لو قد مات معاوية قدمت المصر فمات قبل معاوية بشهر.

ثم أقبل على عبد الرحمن بن حسان فقال له: إيه يا أخا ربيعة! ما قولك في علي؟


الصفحة 298
قال: دعني ولا تسألني فإنه خير لك قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه. قال: أشهد إنه كان من الذاكرين الله كثيرا، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر (1) والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أول من فتح باب الظلم وارتج أبواب الحق. قال: قتلت نفسك. قال بل إياك قتلت لا ربيعة بالوادي - يعني إنه ليس ثم أحد من قومه فيتكلم فيه - فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: أما بعد: فإن هذا العنزي شر من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شر قتلة. فلما قدم به على زياد بعث به إلي قس الناطف (2) فدفن به حيا.

فقتل من أصحاب حجر معه.

شريك بن شداد الحضرمي صيفي بن فسيل الشيباني قبيصة بن ضبيعة العبسي
محرز بن شهاب المنقري كدام بن حيان العنزي عبد الرحمن بن حسان العنزي
ونجا منهم:

كريم بن عفيف الخثعمي عبد الله بن حوية التميمي عاصم بن عوف البجلي
ورقاء بن سمي البجلي أرقم بن عبد الله الكندي عتبة بن الأخنس السعدي
سعد بن نمران الهمداني    
أخذنا ما في هذا الفصل (3) من الأغاني 16: 2 - 11، عيون الأخبار لابن قتيبة 1: 147 تاريخ الطبري 6: 141 - 156، مستدرك الحاكم 3: 468، تأريخ ابن عساكر 4: 84، ج 6: 459، الكامل لابن الأثير 3: 202 - 208، تاريخ ابن كثير 8: 49 - 55.

قال الأميني: من حجر بن عدي؟ ومن الذين كانوا معه؟ وما الذي كانت غايتهم في تلكم المواقف الهائلة؟ وماذا اقترفوه من ذنب حتى قتلوا تقتيلا؟ ولماذا هتكت حرمانهم، وقطعت أوصال حياتهم وهم فئة مسلمة!؟

حجر بن عدي من عدول الصحابة، أو أحد الصحابة العدول، راهب أصحاب محمد صلى الله عليه وآله كما قاله الحاكم (4) من أفاضل الصحابة وكبارهم مع صغر سنه مستجاب

____________

(1) في الأغاني: من الأمرين بالحق والقائمين بالقسط.

(2) موضع قرب الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي.

(3) المذكور تحت عنوان [معاوية وحجر بن عدي وأصحابه] ص 37.

(4) مستدرك الحاكم 3: 468.

الصفحة 299
الدعوة كما في الاستيعاب (1) وكان ثقة معروفا كما قاله ابن سعد (2) وقال المرزباني:

إنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من عباد الله وزهادهم وكان بارا بأمه، وكان كثير الصلاة والصيام (3) وقال أبو معشر: كان عابدا وما أحدث إلا توضأ وما توضأ إلا صلى (4) وكان له صحبة ووفادة وجهاد وعبادة كما في الشذرات (5) وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء مع التسليم إلى الله، روى ابن الجنيد في كتاب الأولياء: إن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به: اعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا. فقال: أخاف أن تموت عطشا فيقتلني معاوية قال: فدعا الله فانسكبت له صحابة بالماء فأخذ منها الذي احتاج إليه، فقال له أصحابه: أدع الله أن يخلصنا. فقال: أللهم خر لنا (6).

وقالت عائشة: أما والله إن كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا (7) وقالت لمعاوية : قتلت حجرا وأصحابه، أما والله لقد بلغني أنه سيقتل بعذراء سبعة رجال - وفي لفظ:

أناس - يغضب الله وأهل السماء لهم (8).

وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل الكوفة! سيقتل فيكم سبعة نفر هم من خياركم بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود. وفي لفظ: حجر بن عدي وأصحابه كأصحاب الأخدود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (9).

وفيما كتب (10) الإمام السبط الحسين عليه السلام إلى معاوية: ألست قاتل حجر وأصحابه

____________

(1) ج 1: 135.

(2) طبقات ابن سعد، تاريخ ابن عساكر 4: 85، تاريخ ابن كثير 8: 50.

(3) تاريخ ابن كثير: 8: 50.

(4) تاريخ ابن عساكر 4: 85، 420، ج 5، تاريخ ابن كثير 8: 50.

(5) 1: 57.

(6) الإصابة 1: 315.

(7) الأغاني 16: 11، تاريخ الطبري 6: 156، الكامل 4: 209.

(8) تاريخ ابن عساكر 4: 86، تاريخ ابن كثير 8: 55، الإصابة 1: 315.

(9) تاريخ ابن عساكر 4: 66، تاريخ ابن كثير 8: 55، شذرات الذهب 1: 57.

(10) مر تمام الكتاب في الجزء العاشر ص 160، 161.

الصفحة 300
العابدين المخبتين؟ الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة جرأة على الله واستخفافا بعهده؟

أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من سقف الجبال؟

أو لست قاتل الحضرمي (1) الذي كتب إليك فيه زياد: إنه على دين علي كرم الله وجهه، ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه وسلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا، منة عليكم.

هذا حجر وأصحابه، وأما غاية ذلك العبد الصالح والتابعين له بإحسان في مواقفهم كلها فهي النهي عن المنكر الموبق من لعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على صهوات المنابر فكانوا يغبرون في وجه من يرتكب تلكم الجريمة من عمال معاوية وزبانيته الأشداء على إمام الحق وأوليائه، ولم ينقم القوم منهم غير ذلك من عيث في المجتمع، أو إفساد على السلطان، أو شق لعصا المسلمين وكان حجر وهو سيد قومه يقول: ألا إني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس. ويقول ليزيد بن حجية: أبلغ معاوية إنا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وإنه إنما شهد علينا الأعداء والأظناء. ويقول: ما خلعت يدا عن طاعة ولا فارقت جماعة وإني على بيعتي. ولما أدخل على معاوية سلم عليه بإمرة المؤمنين (2).

لم يكن صلاح الرجل وأصحابه يخفى على أي أحد حتى على مثل المغيرة الذي كان من زعانف معاوية الخصماء الألداء على شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام فإنه لما أشير إليه بالتنكيل بحجر وأصحابه قال: لا أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل

____________

(1) يعني شريك بن شداد الحضرمي، كان من أصحاب حجر الذين بعث بهم زياد إلى معاوية وقتل مع حجر.

(2) الأغاني 16: 6، تاريخ الطبري 6: 153، الكامل لابن الأثير: 4: 210، مستدرك الحاكم 3: 469، 470، الاستيعاب 1: 357، الإصابة: 1: 315.

الصفحة 301
خيارهم وسفك دماءهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز في الدنيا معاوية ويذل يوم القيامة المغيرة، ورأى أصحاب معاوية منهم آخر ليلة حياتهم بعذراء حسن صلاة ودعاء فأعجبهم نسكهم وأكبروا موقفهم من طاعة الله غير أنهم ألقوا عليهم البراءة من علي أمير المؤمنين عليه السلام بأمر من معاوية برائة يتبعها الأمان والسلام فلم يفعلوا، فقتلوا في موالاة علي عليه السلام كما قاله الحاكم في المستدرك 3: 470، وسمعت في كلمة الإمام السبط عليه السلام قوله: أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد: إنه على دين علي كرم الله وجهه. فلم يك ذنبهم إلا موالاة من قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله.

ونحن لا ندري هل ثبت في الشريعة أن البراءة من إمام الهدى ولعنه مجلبة للأمان على حين أن الرجل مستحق للإعدام؟ أو أن ذلك نفسه فريضة ثابتة قامت بها الضرورة من الدين فيهدر به دم تاركها، ويكون قتله من أحب ما يكون إلى معاوية كما جاء فيما رواه ابن كثير في تاريخه 8: 54 من أن عبد الرحمن بن الحارث قال لمعاوية:

أقتلت حجر بن الأدبر؟ فقال معاوية: قتله أحب إلي من أن أقتل معه مائة ألف.

نعم: نحن لا ندري، لكن فقه معاوية وشهواته يستسيغان ذلك، فلا يصيخ إلى نصح أي ناصح، فإنه لما استشار أصحابه في أمر حجر وهو في سجن عذراء قال له عبد الله بن زيد بن أسد البجلي: يا أمير المؤمنين! أنت راعينا ونحن رعيتك، وأنت ركننا ونحن عمادك، إن عاقبت قلنا: أصبت. وإن عفوت قلنا: أحسنت. والعفو أقرب للتقوى، وكل راع مسؤول عن رعيته (1).

وما ذنب حجر وأصحابه الصلحاء ومن شاكلهم من أهل الصلاح وحملة الاسلام الصحيح إذ عبسوا على إمارة السفهاء؟ إمارة الوزع ابن الوزغ، إلى أزنى ثقيف مغيرة، إلى طليق إسته بسر بن أرطاة، إلى ابن أبيه زياد، إلى خليفتهم الغاشم ابن هند. و حجر وأصحابه هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأخبتوا إلى ما جاء به نبي الاسلام، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله أنه قال لجابر بن عبد الله: أعاذك الله من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردوا علي

____________

(1) مستدرك الحاكم 3: 469.

الصفحة 302
حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، و سيردوا علي حوضي (1).

وقال صلى الله عليه وآله: إن هلاك أمتي أو فسادا أمتي رؤس أمراء أغيلمة سفهاء من قريش (2) وعن كعب بن عجرة مرفوعا: سيكون أمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولا أنا منه، ولا يرد علي الحوض يوم القيامة، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، ولا يرد علي الحوض يوم القيامة (3).

وقال صلى الله عليه وآله: ستكون عليكم أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة حتى يؤخروها عن وقتها، فصلوها لوقتها (4) وابن سمية من أولئك الأمراء الذين أخروا الصلاة وأنكره عليه ذلك حجر بن عدي كما مر حديثه في الجزء العاشر ص 120.

ولم يكن لمعاوية عذر في قتل أولئك الصفوة إلا التشبث بالتافهات فكان يتلون في الجواب بمثل قوله: إني رأيت في قتلهم صلاحا للأمة، وفي مقامهم فسادا للأمة.

وقوله: إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خيرا من استحيائه في فسادهم (5) وهل صلاح الناس في الالتزام بلعن علي أمير المؤمنين عليه السلام والبرائة منه والتحامل على شيعته، وفسادهم في تركها أو النهي عنها؟ انظر لعلك تجد له وجها في غير شريعة الاسلام.

وبمثل قوله: لست أنا قتلتهم إنما قتلهم من شهد عليهم (6) ولقد عرفت حال تلك الشهادة المزورة، أو إنها من قوم لا خلاق لهم، وكان معاوية أعرف بها وبهم، ومع ذلك استباح دماء القوم، وتترس بقيله عن مراشق العتاب، والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.

____________

(1) مسند أحمد 3: 321.

(2) مسند أحمد 2: 299، 304، 328، 520.

(3) مسند أحمد 4: 243، تاريخ الخطيب 5: 362.

(4) مسند أحمد 5: 315، تاريخ الخطيب 13: 185.

(5) تاريخ ابن كثير 8: 55.

(6) تاريخ الطبري 6: 156، الاستيعاب 1: 135.

الصفحة 303
وبمثل قوله: فما أصنع كتب إلي فيهم زياد يشدد أمرهم ويذكر إنهم سيفتقون علي فتقا لا يرقع (1) وقوله: حملني ابن سمية فاحتملت (2) قبح الله الصلف والوقاحة أكان زياد عاملا له أو هو عامل لزياد؟! حتى يحتمل الموبقات بإشارته. وهل يهدر دماء الصالحين - وبذلك عرفهم المجتمع الديني - بقول فاسق مستهتر؟! والله يقول: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (3) لكن معاوية بعد أن استلحق زيادا بأبي سفيان راقه أن لا ينحرف عن مرضاته وفيها شفاء غلته وإن زحزحته عن زمرة أناس خوطبوا بالآية الشريفة.

وبمثل قوله لعائشة لما عاتبته على قتله حجرا وأصحابه: فدعيني وحجرا نلتقي عند ربنا عز وجل. وقوله لها حين قالت له: أين عزب عنه حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه؟: حين غاب عني مثلك من حلماء قومي (4) إن هو إلا الهزء بالله و بلقاءه، أو لم يكف من آمن بالله واليوم الآخر نصح القرآن وحده وشرعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم معه في حرمة دماء المؤمنين الأبرياء؟ هل يسع معاوية أو يغنيه يوم لقاء الله التمسك بالترهات تجاه قوله تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق (5) وقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ. ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (6) وقوله تعالى: إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم (7) وقوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هونا - إلى قوله - ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك

____________

(1) الاستيعاب 1: 134، أسد الغابة 1: 386.

(2) الأغاني 16: 11، تاريخ الطبري 6: 156، كامل ابن الأثير 4: 209.

(3) سورة الحجرات: 6.

(4) الأغاني 16: 11، الاستيعاب 1: 134، أسد الغابة 1: 386، تاريخ ابن كثير 8: 55.

(5) سورة الاسراء: 33.

(6) سورة النساء: 92، 93.

(7) سورة آل عمران: 21.

الصفحة 304
يلق أثاما؟! (1).

أو لم يكف معاوية ما رواه هو نفسه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا؟ مسند أحمد 4: 96.

أو ما كتبه بيده الأثيمة إلى مولانا أمير المؤمنين من كتاب: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لو تمالا أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على مناخرهم في النار؟.

أو ما رواه ابن عمر مرفوعا: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما؟.

أوما جاء به البراء بن عازب مرفوعا: زوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق. رواه ابن ماجة والبيهقي، وزاد فيه الاصبهاني: ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم النار.

وفي رواية لبريدة مرفوعا: قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.

وفي حديث لأبي هريرة مرفوعا: لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار.

ومن حديث لابن عباس مرفوعا: لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء.

ومن حديث لأبي بكرة مرفوعا: لو إن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعا على وجوههم في النار.

ومن طريق ابن عباس مرفوعا: أبغض الناس إلى الله ملحد في الحرم. ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه، صحيح البخاري، سنن البيهقي 8: 27.

ومن طريق أبي هريرة مرفوعا: من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة الله.

____________

(1) سورة الفرقان: 68.

الصفحة 305
ومن حديث أبي موسى مرفوعا: أصبح إبليس بث جنوده فيقول: من أخذل اليوم مسلما ألبسه التاج. فيجئ هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته. فيقول: أوشك أن يتزوج. ويجئ هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه. فيقول: يوشك أن يبرهما ويجئ هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك. فيقول: أنت أنت ويجئ هذا فيقول:

لم أزل به حتى قتل فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج.

ومن حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما. وفي لفظ أحمد: من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حرم الله تبارك وتعالى عليه الجنة لم يشم ريحها.

إلى أحاديث جمة أخرى أخرجها الحفاظ وأئمة الحديث في الصحاح والمسانيد وجمع شطرا منها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 3: 120 - 123.

ما أحوج معاوية مع هذه كلها إلى نصح ضرائب عائشة في هذه الموبقة الكبيرة و هي نفسها لم تكترث لسفك دماء آلاف مؤلفة ممن حسبتهم أبنائها على حد قول الشاعر:

جاءت مع الأشقين في هودج * تزجي إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها هرة * تريد أن تأكل أولادها

نعم: مضى حجر سلام الله عليه إلى ربه سجيح الوجه، وضئ الجبين، حميدا سعيدا مظلوما مهتضما، مضرجا بدمه، مصفدا بقيود الظلم والجور، خاتما حياته الحميدة بالصلاة، قائلا: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، وادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. وفي لفظ: فإنا نلتقي معاوية على الجادة. (1) وأبقت تلك الموبقة على معاوية خزي الأبد، وعد الحسن من أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: قلته حجرا، وقال: ويلا له من حجر و أصحاب حجر (2).

ونحن على يقين من أن الله تعالى سيأخذ ابن آكلة الأكباد بما خطته يده

____________

(1) مستدرك الحاكم 3: 469، 470، الاستيعاب 1: 135، كامل ابن الأثير 4: 210، أسد الغابة 1: 386، الإصابة 1: 315.

(2) مرح تمام حديث الحسن في ص 225 من الجزء العاشر.