- 17 -
إبراهيم التيمي يواصل أربعين
عن الأعمش قال: قلت لإبراهيم التيمي المتوفى 92: بلغني إنك تمكث شهرا لا تأكل شيئا. فقال: نعم وشهرين، وما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها ثم لفظتها في الحال.
كذا في طبقات الشعراني 1: 36، وفي إحياء العلوم للغزالي 1: 309: إنه كان يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب.
لعل النطس وعلماء الطب يضحكون على هذه العقلية السخيفة، غير إن قصة الطوي عند القوم مشكلة لا تنحل، يحار دونها العقل، ولا يسمع فيها قضاء الطبيعة، ولا يتخذ فيها الناموس المطرد مما خلق الله عليه البشر، ولا يصححها إلا المغالاة في الفضائل، وهناك فئة تضاهي إبراهيم التيمي في هذه الدعوى المجردة، أو تربو عليه في الفضيلة، وسيوافيك ذكر بعضها.
- 18 -
حافظ دعا على رجل فمات
روى غيلان بن جرير البصري: إن رجلا كذب على مطرف بن عبد الله الحافظ البصري المتوفى سنة 95 فقال مطرف، اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر مكانه ميتا (2).
قال الأميني: ليس هذا المستجاب دعوته ببعيد في القسوة عن أبي مسلم الخولاني الذي أعمى المرأة من غير ذنب، والكذب وإن كان محرما لكن ليس الجزاء عليه إعدام صاحبه، وليس من السهل السائغ أن تستجاب دعوة كل غير معصوم على من عادى عليه وفيهم من رجال الغضب الثائر مثل أبي مسلم الخولاني ومطرف البصري، وإلا لوجب على الأمة المستجابة دعوتهم أن تدعو على الكذبة، وعلى الله أن يجيبهم بقتل رواة هذه
____________
(1) راجع تفسير روح البيان 4: 347.
(2) طبقات الحفاظ الذهبي 1: 60، دول الاسلام 1: 47، الإصابة 3: 479، تهذيب التهذيب 1: 173.
- 19 -
سحابة تظل كرز بن وبرة
عن أبي سليمان المكتب: قال صحبت كرز بن وبرة إلى مكة فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرحل ثم تنحى للصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل، فاحتبس يوما عن الوقت، فانبث أصحابه في طلبه فكنت فيمن طلبه قال: فأصبته في وهدة يصلي في ساعة حارة وإذا سحابة تظله فلما رآني أقبل نحوي فقال: يا أبا سليمان! لي إليك حاجة، قال: قلت: وما حاجتك يا أبا عبد الله؟! قال: أحب أن تكتم ما رأيت. قال: قلت ذلك لك يا أبا عبد الله! فقال: أوثق لي فحلفت ألا أخبر به أحدا حتى يموت. حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم 5: 80، الإصابة 3: 321.
- 20 -
فقير يجعل الأرض ذهبا
عن الحسن البصري رحمة الله عليه قال: كان بعبادان رجل فقير أسود يأوي إلى الخرابات فحصل معي شيئ فطلبته فلما وقعت عينه علي تبسم وأشار بيده إلى الأرض فصارت الأرض كلها ذهبا تلمع ثم قال: هات ما معك. فناولته وهالني أمره فهربت. الروض الفائق ص 126.
إقرأ وتعجب. اضحك أو ابك.
- 21 -
الغطفاني ميت يتبسم
عن الحارث الغنوي قال: آلى ربعي بن حراش الغطفاني المتوفى 101 / 4، أن لا يضحك حتى يعلم في الجنة هو أو في النار، فلقد أخبرني غاسله إنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه. صفة الصفوة لابن الجوزي 3: 19، طبقات الشعراني 1: 37، تاريخ ابن عساكر 5: 298.
- 22 -
عمر بن عبد العزيز في التوراة
عن خالد الربعي قال: مكتوب في التوراة: إن السماء والأرض لتبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا.
الروض الفائق للحريفيش ص 255.
لعل هذه الخاصة لعمر بن عبد العزيز خاصة بتوراة الربعي فإن توراة موسى عليه السلام ما كانت موجودة في تلكم العصور، فلا يقف عليها الربعي وغيره، وأما التوراة المحرفة فأي حجة لما فيها من أساطير، على إن نسخ التوراة الموجودة الآن على اختلاف طبعاتها خالية عن هذا العز والمختلق.
وحسبك في عرفان خطر عمر بن عبد العزيز قول الإمام أحمد بن حنبل لما سئل:
أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز: فقال: لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز (1).
وقال عبد الله بن المبارك: تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز. و في لفظ: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز. (2) فما خطر رجل يكون تراب منخر ابن هند أو منخر جواده أفضل منه حتى يذكر في التوراة؟ أو تبكي عليه السماء والأرض أربعين يوما؟ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.
- 23 -
رعاء الشاة في خلافة عمر بن عبد العزيز
قال اليافعي في - روض الرياحين - ص 165: حكي إنه لما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة قال رعاء الشاة في رأس الجبال: من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس؟ فقيل لهم: وما أعلمكم بذلك؟ قالوا: إنه إذا قام خليفة صالح كف الذئاب والأسد عن شياهنا.
____________
(1) شذرات الذهب 1: 65.
(2) تاريخ ابن كثير 8: 139، الصواعق ص 127.
- 24 -
كتاب براءة لعمر بن عبد العزيز
كان عمر بن عبد العزيز يأتي المساجد المهجورة في الليل فيصلي فيها ما يسر الله عز وجل، فإذا كان وقت السحر وضع جبهته على الأرض، ومرغ خده على التراب، ولم يزل ييكي إلى طلوع الفجر، فلما كان في بعض الليالي فعل ذلك على العادة، فلما فرغ ورفع رأسه من صلاته وتضرعه وجد رقعة خضراء قد اتصل نورها بالسماء مكتوب فيها: هذه برائة من النار من الملك العزيز لعبده عمر بن عبد العزيز.
وأخرج ابن أبي شيبة بإسناده عن عبد العزيز بن أبي سلمة: إن عمر بن عبد العزيز لما وضع عند قبره هبت ريح شديدة فسقطت صحيفة بأحسن كتاب فقرأوها فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. فأدخلوها بين أكفانه ودفنوها معه.
تاريخ ابن كثير 9: 210، الروض الفائق للحريفيش ص 256.
وروى ابن عساكر في ترجمة يوسف بن ماهك قال: بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا من السماء كتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار.
قال الأميني: سوف يتبين الرشد من الغي يوم العرض الأكبر.
- 25 -
امرأة تلد بدعاء مالك ابن أربع سنين
أخرج البيهقي في السنن الكبرى 7: 443 بإسناده عن هاشم المجاشعي قال: بينما
قال الأميني: ليس من المستحيل التلفظ بالمحال، لكن التقوى أو الحياء يزع كل منهما الانسان عن أن يلهج بما هو خارج عن مستوى المعقول. ألا من مسائل هذا الراوي عن إن رحم المرأة هل فيها تمطط فتبلغ من السعة ما يقل ابن أربع سنين وقد استوت أسنانه ونبت شعره ويركب الرقاب؟ وهب إن فيها تمططا فهل ما يحويها من بنية البدن له مثل ذلك التمطط؟ فيجب عليه أن يكون في هيئة الحامل إذن تضخما أكثر من النساء العاديات، فهل كانت أم الغلام هكذا؟ أو إنها بقيت على حالتها وهي كرامة أخرى لأحد من عباد الله؟ سبحان الذي تولى كلائة هذه المرأة المسكينة عن أن تنكسر عظامها، وتنقطع عروقها، وينفتق جلدها ولحمها، وقد فعل سبحانه ما أراد في الزمن من الماضي.
ورحم الله مالك بن دينار لولا دعائه للمرأة المسكينة لكان يبقى جنينها في بطن أمه أربعين عاما أو إلى ما شاء الله.
ثم هل كان المولود في بطن أمه أنثى فأبد له دعاء ابن دينار ذكرا؟ أو أنه كان ذكرا ولا صلة للدعاء المذكور به، وأن الله هو الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور؟ وإن من المقطوع به إن في تلك الساعة كان قد أفرزت خلقة المولود وصور مثاله فلم يبق فيه بعد مجال للتغير والتأثر وإنه إما ذكر أو أنثى، فلا محل من الإعراب لدعاء ابن دينار: [وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما] غير أنه دعا، وهل كانت له هذه
- 26 -
ناصبي مستجاب الدعوة
قال الجريري سعيد بن إياس المتوفى 144: كان عبد الله بن شقيق العقيلي أبو عبد الرحمن البصري مجاب الدعوة كانت تمر به السحابة فيقول: أللهم لا تجوز كذا و كذا حتى تمطر. فلا تجوز ذلك الموضع حتى تمطر. حكاه ابن أبي خيثمة في تاريخه [تهذيب التهذيب 5: 254].
قال الأميني: لعلك لا تستبعد إجابة دعوة ولي من أولياء الله وتراها غير عزيز على المولى سبحانه كرامة لصالحي عباده، بيد إن هذه النسبة تبعد من العقيلي بعد المشرقين بعد ما عرفه الملأ ممن نصب العداء لسيد العترة قال ابن خراش: كان عثمانيا يبغض عليا، وقال أحمد بن حنبل: كان يحمل على علي (1) فأي كرامة لابن أنثى لا يوالي سيد العرب أمير المؤمنين فضلا عن أن يعاديه بعد ما ثبت عن النبي الأقدس من الدعوة المستجابة بقوله في علي عليه السلام: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، (2) وبعد عهد النبي صلى الله عليه وآله إليه سلام الله عليه إنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (3) وبعد قوله صلى الله عليه وآله: يا علي لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق (4) وبعد قوله صلى الله عليه وآله: لا يحب عليا المنافق، ولا يبغضه مؤمن (5) وبعد قوله صلى الله عليه وآله: لولاك يا علي! ما عرف المؤمنون بعدي (6) وبعد قوله صلى الله عليه وآله: والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان (7) وبعد قوله صلى الله عليه وآله:
____________
(1) تهذيب التهذيب 5: 254.
(2) راجع حديث الغدير في الجزء الأول من كتابنا هذا.
(3) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 161.
(4) راجع ما مر في الجزء الثالث 162.
(5) راجع ص 163 من الجزء الثالث.
(6) راجع ص 164 من الجزء الثالث.
(7) يأتي في مسند المناقب بمصادره.
فكيف يسع لمسلم يصدق رسول الله صلى الله عليه وآله في أقواله هذه أن يذعن بكرامة ابن شقيق مبغض علي عليه السلام والمتحامل عليه بالوقيعة فيه، ويراه مستجاب الدعوة، نافذ المشيئة في السحاب. نعم يسوغه الغلو في الفضائل لا عن دراية.
وأما الجريري راوي هذه المهزأة فقد عرفت في ما مر في هذا الجزء: إنه اختلط قبل موته بثلاث سنين، وهذه الرواية من آيات اختلاطه.
- 27 -
السختياني ينبع الماء
أخرج أبو نعيم في (حلية الأولياء) 3: 5 بالإسناد عن عبد الواحد بن زيد قال:
كنت مع أيوب السختياني (4) على حراء فعطشت عطشا شديدا حتى رأى ذلك في وجهي فقال. ما الذي أرى بك؟ قلت: العطش، وقد خفت على نفسي، قال: تستر علي؟ قلت: نعم. قال: فاستحلفني فحلفت له أن لا أخبر عنه ما دام حيا، قال: فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت حتى رويت وحملت معي من الماء قال: فما حدثت به أحدا حتى مات.
وفي [الروض الفائق] ص 126: كان جماعة مع أيوب السختياني في سفر فأعياهم طلب الماء فقال أيوب: أتسترون علي ما عشت؟ فقالوا: نعم. فدور دائرة فنبع الماء قال: فشربنا فلما قدموا البصرة أخبر به حماد بن زيد. قال عبد الواحد بن زيد: شهدت معه ذلك اليوم.
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 ص 128 وصححه ووثق الذهبي رواته.
(2) مستدرك الحاكم 3 ص 135 وصححه.
(3) مستدرك الحاكم 3 ص 142 صححه الحاكم والذهبي.
(4) توفي سنة 121 توجد ترجمته في حلية الأولياء 3: 3 - 14
- 28 -
شيخ يبيع القصر في الجنة
أتى رجل من أهل خراسان حبيب بن محمد العجمي البصري يريد مكة وقال له:
يا شيخ! اشتر لي دارا ودفع إليه مالا وخرج إلى مكة فأخذ حبيب المال فتصدق به فلما قدم الرجل قال له: إذهب بي إلى الدار التي اشتريتها فأرنيها فقال له: إنك لا تراها اليوم ولكن إذا مت تراها فقال له الخراساني: اكتب إلي عهدتها حتى أذهب بها إلى خراسان فكتب له حبيب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى حبيب قصرا في الجنة كذا وكذا، وارتفاعه كذا كذا في الجنة. ثم ختم الكتاب ودفعه إليه فأخذه الرجل فذهب به إلى خراسان إلى أهله فقالوا له: أنت مجنون لولا إنك ضيعت مالك لذهب بك إلى الدار، ولكن هذا شأن مجنون، فبقي الرجل ما شاء الله، فلما حضره النزع قال لأهله: إجعلوا هذا الكتاب في كفني، فلما مات وضعوه في أكفانه وحملوه إلى القبر فأصبح حبيب بالبصرة وإذا الكتاب عنده في بيته وفي ذيله: يا أبا محمد! إن الله قد سلم إليه القصر الذي اشتريته له فذهب إلى أهل الرجل وقال لهم: إن الله قد سلم إلى أبيكم القصر، وهذه العهدة فبصروا بها فإذا هي الكتاب الذي وضعوه معه في القبر.
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 4: 32 وقال مهذبه: قد روى الحافظ هذه القصة بإسناده من طريقين مطول ومختصر والمعنى واحد، وهذه القصة كانت لحبيب، وأرجو أن؟ لا يحوم حولها المدعون فيجعلونها سلما لأكل مال الناس بالباطل، فإن أحوال أمثال حبيب لا يقاس عليها ولا تكون قاعدة للعمل.
- 29 -
حضور غائب بدعاء معروف
ذكر الإمام أبو محمد ضياء الدين الشيخ أحمد الوتري الشافعي المتوفى بمصر في عشر الثمانين والتسعمائة في كتابه (روضة الناظرين) ص 8 نقلا عن خليل بن محمد الصياد إنه قال: غاب أبي فتألمت فجئت إلى معروف - الكرخي المتوفى 200 / 1 / 4 - فقلت: غاب أبي فقال: ما تريد؟ قلت: رجوعه. قال: أللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك وما بينهما لك ائت بمحمد، فأتيت باب الشام فإذا هو واقف فقلت: أين كنت؟
عجبا العقول تسوغ مثل هذا لكل معروف ومنكر، ولا تسوغه في أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه يوم حضر تغسيل سلمان بالمدائن وكان سلام الله عليه بالمدينة. راجع الجزء الخامس ص 15 - 21 ط 2.
- 30 -
رجل متربع في الهواء
أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 4: 245 عن حذيفة بن قتادة المرعشي المتوفى 207 قال: قال: كنت في المركب فكسر بنا فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة أيام فقالت المرأة: أنا عطشى. فسألت الله تعالى أن يسقينا فنزلت علينا من السماء سلسلة فيها كوز معلق فيه ماء فشربت، فرفعت رأسي أنظر إلى السلسلة فرأيت رجلا في الهواء متربعا فقلت: من أنت؟ قال: من الإنس. قلت: فما الذي بلغك هذه المنزلة؟ قال: أثرت مراد الله عز وجل على هواي فأجلسني كما تراني.
وإن تعجب فعجب من أقوام يقبلون هذا ويبهظهم حديث البساط لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام
- 31 -
جنية تكلم الخزاعي
أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 2: 205 عن أحمد بن نصر الخزاعي (2) أحد أئمة السنة الإمام الشهير المتوفى 231، قال: رأيت مصابا قد وقع فقرأت في أذنه فكلمتني الجنية من جوفه: يا أبا عبد الله! بالله دعني أخنقه، فإنه يقول: القرآن مخلوق.
ما ألطفها من دعاية إلى المبدأ الباطل؟ ولله در الجنية العالمة التي بلغ من علمها إنها قالت بعدم خلق القرآن. ونحن نشكر الله سبحانه على إبطال هذه السخافة القديمة على ممر الأيام فلم تجد اليوم جانحا إليها ولا محبذا إياها.
____________
(1) الأنبار، مدينة قرب بلخ. ومدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ.
(2) قتل في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فعلقت على أذنه رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون وهو الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره.
- 32 -
رأس أحمد الخزاعي يتكلم
ذكر الخطيب وابن الجوزي بالإسناد عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال:
كان أحمد بن نصر خلي، فلما قتل في المحنة وصلب رأسه أخبرت: أن الرأس يقرأ القرآن، فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عليه، وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه، فلما هدئت العيون سمعت الرأس تقرأ: الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون فاقشعر جلدي.
وعن أحمد بن كامل القاضي عن أبيه أنه قال: وكل برأس أحمد من يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر، وإن الموكل به ذكر: إنه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه فيقرأ سورة يس بلسان طلق، وإنه لما أخبر بذلك طلب فخاف على نفسه فهرب.
وعن خلف بن سالم أنه قال: عندما قتل أحمد بن نصر وقيل له: ألا تسمع ما الناس فيه يا أبا محمد؟ قال: وما ذلك؟ قال: يقولون إن رأس أحمد بن نصر يقرأ القرآن، قال: كان رأس يحيى بن زكريا يقرأ (1).
لا تبهظ الخطيب وابن الجوزي هذه الأضحوكة، ولا أحسب إنهما يصدقانها ولكن لما كان يبهظهما وأمثالهما ما يؤثر (2) من أن رأس مولانا أبي عبد الله السبط الشهيد صلوات الله عليه كان يقرأ القرآن الكريم على عامل السنان، ولقد كانت هذه الأكرومة متسالما عليها في العصور الخالية، فنحتوا هذه الأفائك تجاهها تخفيفا لتلك المنزلة الكريمة الخاصة ببضعة المصطفى صلى الله عليه وآله.
- 33 -
النبي يفتخر بأبي حنيفة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن سائر الأنبياء تفتخر بي، وأنا افتخر بأبي حنيفة
____________
(1) تاريخ بغداد 5: 179، صفة الصفوة 2: 205.
(2) سيوافيك حديثه في مسند المناقب ومرسلها إنشاء الله تعالى.
وعنه صلى الله عليه وآله: إن آدم افتخر بي، وأنا أفتخر برجل من أمتي اسمه نعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي.
أسلفنا الروايتين مع جملة مما اختلقته يد الغلو في الفضائل لأبي حنيفة في الجزء الخامس ص 239 - 241 وذكرنا هنالك إن أمة من الحنفية بلغت مغالاتها فيه حدا ذهبت إلى أعلميته من رسول الله صلى الله عليه وآله في القضاء.
وذكر الحريفيش في الروض الفائق ص 215: إن من ورع أبي حنيفة رضي الله عنه إن شاة سرقت في عهده فلم يأكل لحم شاة مدة تعيش الشاة فيها.
لا أدري لأي خرافة أضحك؟ الفخر النبي صلى الله عليه وآله برجل استتيب من الكفر مرتين (1) والنبي مفخرة العالمين جميعا صلى الله عليه وآله وفي أمته من باهى به الله كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ليلة مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله (2)؟
أم لكون الرجل أعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقضاء؟ أنا لا أدري من أين جاء أبو حنيفة بهذا العلم والفقه؟ أهو فقه إسلامي والنبي صلى الله عليه وآله مستقاه ومنبثق أنواره؟
أم هو مما اتخذه من غير المسلمين من رجال كابل أو بابل أو ترمذ (3) فأحر به أن يضرب عرض الجدار، وأي حاجة للمسلمين إلى فقه غيرهم وقد أنعم الله عليهم بقضاء الاسلام وفقهه؟ وفيهما القول الحاسم وفصل الخطاب.
أم لورع الرجل الموصول بفقهه الناجع في قصة الشاة المسروقة الذي لا يصافقه عليه فيه أي فقيه متورع، وقد أباح الاسلام أكل لحم الشياه في جميع الأحيان، وفي كلها أفراد منها مسروقة في الحواضر الإسلامية وأوساطها، لكن هذا الفقيه لا يعرف
____________
(1) راجع الجزء الخامس ص 280 ط 2.
(2) أسلفنا حديثه في الجزء الثاني 48 ط 2.
(3) إيعاز إلى محتد أبي حنيفة،، قال الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين وغيره: أصله من كابل.
وقال أبو عبد الرحمن المقري: إنه من أهل بابل وقال الحارث بن إدريس: أصله من ترمذ.
فقلت: اقرأ علي هذه الأحاديث التي معي، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذاءه فقال لي:
أين الشرطي؟ فقلت له: إنما قلت: تريد. لم أقل لك: أجئ به فقال: انظروا أنا أحتال للناس منذ كذا وكذا وقد احتال علي هذا الصبي (1).
أراد الإمام الأعظم بالقصة التظاهر بالورع ونصبها فخا لاصطياد الدهماء كقصته الأخرى المحرابية التي حكاها حفص بن عبد الرحمن قال: صليت خلفه فلما صلى وجلس في المحراب فقال له رجل: أيحل أن تصلي وفيه تصاوير؟ قال: أصلي فيه منذ خمس وأربعين سنة فما علمت إن فيه تصاوير، ثم أمر بالصور فطمست. وقال له رجل: ما أحسن سقف هذا المسجد؟ قال: ما رأيته وأنا فيه أكثر من أربعين سنة (2).
ولعل رأيه في الشاة مما يوقف القارئ على سر عدم دخول آرائه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله قال محمد بن مسلمة المديني وقيل له: إن رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلها ولم يدخل المدينة. قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: على كل ثقب من أثقابها ملك يمنع الدجال من دخولها. وكلام هذا من كلام الدجالين، فمن ثم لم يدخلها (3).
وفي فقه أبي حنيفة شذوذ تقصر عنها قصة الشاة، قد خالف فيها السنة الثابتة حتى قال وكيع بن الجراح (4): وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) غير أن عبد الله بن داود الحريبي المغالى في حب إمامه يقول: ينبغي للناس
____________
(1) أخبار الظراف لابن الجوزي ص 103.
(2) مناقب أبي حنيفة تأليف الحافظ الكردري 1: 251.
(3) أخبار الظراف لابن الجوزي ص 35.
(4) أبو سفيان الكوفي الحافظ كان ثقة حافظا متقنا مأمونا عاليا رفيع القدر كثير الحديث وكان يفتي، توفي سنة مائة وست وتسعين.
(5) الانتقاء لابن عبد البر صاحب الاستيعاب ص 150.
وقال صاحب [مفتاح السعادة] 2: 70: سمعت من أثق به يروي عن بعض الكتب إن ثابتا - والد أبي حنيفة - توفي وتزوج أم الإمام أبي حنيفة رحمه الله الإمام جعفر الصادق، وكان أبو حنيفة رحمه الله صغيرا، وتربى في حجر جعفر الصادق، وأخذ علومه منه، وهذه إن ثبتت فمنقبة عظيمة لأبي حنيفة.
عقبه الحسن النعماني في تعليق (المفتاح) فقال: كيف يتجه إن الإمام كان صغيرا و تربى في حجر الإمام الصادق لأن جعفر الصادق توفي سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة، والإمام أبو حنيفة توفي سنة خمسين ومائة وولد على قول الأكثر (2) سنة ثمانين، فتكون سنة ولادتهما واحدة، وبين وفاتيهما سنتان، فثبت إنهما من الاقران لا إن الإمام صغير، والإمام جعفر الصادق كبير.
وفي غضون ما الفه الموفق بن أحمد، والحافظ الكردري في مناقب أبي حنيفة، وما ذكره بعض الحنفية في معاجم التراجم لدى ترجمته حرافات وسفاسف جمة تشوه سمعة الاسلام المقدس، ولا يسوغه العقل والمنطق إن لم يشفعهما الغلو في الفضائل، ومن أعجب ما رأيت ما ذكره الإمام أبو الحسين الهمداني في آخر [خزانة المفتين] من إن الإمام أبو حنيفة لما حج حجة الوداع أعطى بسدنة الكعبة مالا عظيما حتى أخلوا له البيت، فدخل وشرع للصلاة، وافتتح القرائة كما هو دأبه على رجله اليمنى حتى قرأ نصف القرآن، ثم ركع، وقام في الثانية على رجله اليسرى حتى ختم القرآن ثم قال: إلهي عرفتك حق المعرفة لكن ما قمت بكمال الطاعة، فهب نقصان الخدمة بكمال المعرفة، فنودي من زاوية البيت: عرفت فأحسنت المعرفة، وخدمت فأخلصت الخدمة، غفرنا لك ولمن اتبعك، ولمن كان على مذهبك إلى قيام الساعة (3).
قال الأميني: ليت شعر أي كمية من الزمن استوعبها الإمام حتى ختم الكتاب العزيز في ركعتيه، وقد أخلي له البيت في يوم من أيام الموسم والناس عندئذ مزدلفون
____________
(1) تاريخ ابن كثير 10: 107.
(2) وقال بعض: إنه ولد سنة إحدى وستين.
(3) مفتاح السعادة 2: 82.
ثم ما هذا الدؤب من الإمام على قرائة نصف القرآن الأول على رجله اليمنى، ونصفه الآخر على رجله اليسرى؟ أهو حكم متخذ من الكتاب؟ أم سنة متبعة صدع بها النبي الأعظم؟ أم بدعة لم نسمعها من غير الإمام؟ وهل في الألعاب الرياضية المجعولة لحفظ الصحة والابقاء على قوة البدن ونشاطه مثل ذلك؟ أنا لا أدري.
ثم كيف وسعت الإمام تلك الدعوى الباهظة العظيمة أمام رب العالمين سبحانه، وهو الواقف على السرائر والضمائر؟ وما أجرأه على دعوى لم يدعها نبي من الأنبياء حتى خاتمهم صلى الله عليه وآله وعليهم على سعة معرفتهم؟ ولا شك إن معرفته صلى الله عليه وآله أوسع، وقد أغرق فيها نزعا، ومع ذلك لم يؤثر عنه صلى الله عليه وآله تقحم الإمام في مناجات أو دعاء، ولا يصدر مثل هذا إلا عن إنسان معجب بنفسه، مغتر بعلمه، غير عارف بالله حق المعرفة.
والمغفل صاحب الرواية يحسب إن الإمام ادعاها في عالم الشهود فصدقه عليها هاتف عالم الغيب، وليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الأثيمة إلا دعاية على الإمام وعلى مذهبه الذي هو أتفه المذاهب الاسلامية فقها، ولو كانت الأمة تصدق هذه البشارة لمعتنقي ذلك المذهب، ويراها من رب البيت لا من الأساطير المزورة لوجب عليها أن يكونوا حنفيين جمعاء، غير إن الأمة لا تصافق على صحتها، رضي بذلك الإمام أم لم يرض.
وأعجب من هذا ما ذكره العلامة البرزنجي قال:
ذهب بعض الحنفية إلى أن كلا من عيسى والمهدي يقلدان مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذكره بعض مشايخ الطريقة ببلاد الهند في تصنيف له بالفارسية شاع في تلك الديار، وكان بعض من يتوسم بالعلم من الحنفية، ويتصدر للتدريس يشهر هذا القول ويفتخر به ويقرره في مجلس درسه بالروضة النبوية.
وحكى الشيخ علي القاري عن بعضهم أنه قال: إعلم أن الله قد خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة، ومن كراماته: إن الخضر عليه السلام كان يجئ إليه كل يوم وقت الصبح ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين، فلما توفي أبو حنيفة ناجى الخضر ربه
يا إلهي ماذا أصنع فنودي: أن اذهب إلى صعالك واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري إلى أن قال له: اذهب إلى البقعة الفلانية وعلم فلانا علم الشريعة ففعل الخضر عليه السلام ما أمر، ثم بعد مدة ظهر في مدينة ما وراء النهر شاب وكان اسمه أبا القاسم القشيري وكان يخدم أمه ويحترمها إلى أن قال: فأمر الله الخضر أن اذهب إلى القشيري وعلمه ما تعلمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه أرضى أمه فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال:
أنت أردت السفر لأجل طلب العلم وقد تركته لرضا أمك وقد أمرني الله تعالى أن أجئ إليك كل يوم على الدوام وأعلمك فكل يوم يجئ إليه الخضر حتى ثلاث سنين و علمه العلوم التي تعلم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة، حتى علمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتى صنف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه، فكان له مريد كبير متدين لا يفارق الشيخ فعد له الشيخ ألف كتاب من مصنفاته ووضعه في الصندوق وأعطى لذلك المريد وقال: قد بدا لي أمر فاذهب وارم هذا الصندوق في جيحون، فحمل المريد الصندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه: كيف أرى مصنفات الشيخ في الماء؟ لكن أذهب وأحفظ الكتب و أقول للشيخ: رميتها. وحفظ الكتب وجاء وقال للشيخ: رميت الصندوق في الماء: قال الشيخ: وما رأيت في تلك الساعة من العلامات؟ قال: ما رأيت شيئا قال الشيخ: اذهب وارم الصندوق. فذهب المريد إلى الصندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلى الشيخ مثل الأول وقال: رميته؟ قال: نعم قال: وما رأيت؟ قال: لم أر شيئا. قال الشيخ:
ما رميته فاذهب وارمه فإن لي فيها سرا مع الله ولا ترد أمري. فذهب المريد ورمى الصندوق فخرج من الماء يد وأخذ الصندوق قال المريد له من أنت؟ فنادى في الماء: إني وكلت أن أحفظ أمانة الشيخ، فرجع المريد وجاء إلى الشيخ فقال: رميت؟ قال: نعم.