" ثمّ ما ذكر... من المبالغات والتقعقعات الشنيعة، والكلمات الهائلة المرعدة المبرقة، التي يميل بها خواطر القلندرية والعوامّ إلى مذهبه الباطل، ورأيه الكاسد الفاسد "(1).
" هذا غاية الجهل والتعصّب، وهو رجلٌ يريد ترويج طامّاته ليعتقده القلندرية والأوباش ورعاع الحلّة من الرفضة والمبتدعة "(2).
" هذا الرجل الطامّاتي الذي يصنّف الكتاب ويردّ على أهل الحقّ، ويبالغ في إنكار العلماء والأولياء، طلباً لرضا السلطان محمّـد خدا بنده، ليعطيه إدراراً ويفيض عليه مدراراً "(3).
" هذا غاية التعصّب والخروج عن قواعد الإسلام، نعوذ بالله من عقائده الفاسدة الكاسدة "(4).
" هذا غاية الجهل والعناد والخروج عن قاعدة البحث، بحيث لو نسـب هذا الكلام إلى العوامّ استنكفوا منه "(5).
" والطامّات والخرافات التي يريد أنْ يميل بها خواطر السفهة إلى مذهبه غير ملتفت إليها "(6).
" إنّ الرجل كَـوْدَن طامّاتي متعصّب، فتعصّب لنفسه لا لله ورسوله، والعجب أنّه كان لا يأمل أن العقلاء ربّما ينظرون في هذا الكتاب فيفتضح
____________
1- دلائل الصدق 1 / 171.
2- دلائل الصدق 1 / 218.
3- دلائل الصدق 1 / 246.
4- دلائل الصدق 1 / 247.
5- دلائل الصدق 1 / 276.
6- دلائل الصدق 1 / 308.
" وهذه الطامّات المميلة لقلوب العوامّ لا تنفع ذلك الرجل، وكلّ ما بثّه من الطامّات افتراء "(2).
" ولا عجب من هذه الشيعة، فإنّ الكذب والافتراء طبيعتهم وبه خلقت غريزتهم "(3).
" يذكرون الأشياء عن الأئمّة، ويمزجون كلّ ما ينقلون عنهم بألف كذبة كالكهنة السامعة لأخبار الغيب "(4).
" ما ذكره من الطامّات والتنفير فهو الجري على عادته في المزخرفات والترّهات "(5).
" هذا الرجل أصمّ أُطروش لا يسمع نداء المنادي، وصوّر لنفسه مذهباً وافترى أنّه مذهب الأشاعرة ويورد عليه الاعتراضات... والعجب أنّه لا يخاف أنْ يلقى الله بهذه العقيدة الباطلة التي هو إثبات الشركاء لله تعالى في الخلق مثل المجوس، وذلك المذهب أردأ من مذهب المجوس بوجه ; لأنّ المجوس لا يثبتون إلاّ شريكاً واحداً يسمّونه: أهرمن، وهؤلاء يثبتون شركاء لا تحصر ولا تحصى، إنّهم إذا قيل لهم: لا إله إلاّ الله يسـتـكبرون "(6).
____________
1- دلائل الصدق 1 / 317.
2- دلائل الصدق 1 / 331.
3- دلائل الصدق 1 / 334.
4- دلائل الصدق 1 / 349.
5- دلائل الصدق 1 / 381.
6- دلائل الصدق 1 / 383.
" فعُلم أنّ هذا الرجل مفـتر كـودن كذاب، مثل كوادن حلّة وبغـداد، لا أفلح من رجل سوء "(2).
" والعجب أنّ هؤلاء لا يفرّقون بين هذين المعنيين، ثمّ من العجب كلّ العجب أنّهم لا يرجعون إلى أنفسهم ولا يتأمّلون... فإذا بلغ أمر الخلق إلى الفعل رقدوا كالحمار في الوحل ونسبوا إلى أنفسهم الأفعال، وفيه خطر الشرك "(3).
" وهذا يدلّ على غاية حمق الرجل وحيلته وتعصّبه وعدم فهمه، أما كان يسـتحي من ناظر في كتابه؟! "(4).
" نعم، ربّما فهم ذلك الأعرابي الجافي، الحلّي الوطن، ذلك المعنى من كلام الله تعالى "(5).
" ورأينا المعتزلة ومن تابعهم من الشيعة كاليهود، يخفون مذهبهم ويسمّونه التقيّة، ويهربون من كل شاهق إلى شاهق، ولو نسب إليهم أنّهم معتزليّون أو شيعة يسـتنكفون عن هذه النسـبة "(6).
" وكأنّ هذا الرجل لم يمارس قطّ شيئاً من المعقولات، والحقّ أنّه ليس أهلا لأنْ يباحَث، لدناءة رتبته في العلم، ولكنْ ابتليت بهذا مرّةً فصبرت... وكلّ هذه الاستدلالات خرافات وهذيانات لا يتفوّه بها إلاّ
____________
1- دلائل الصدق 1 / 400.
2- دلائل الصدق 1 / 401.
3- دلائل الصدق 1 / 454.
4- دلائل الصدق 1 / 456.
5- دلائل الصدق 1 / 462.
6- دلائل الصدق 1 / 476.
" لكنّ المعتزلة ومن تابعهم يناسب حالهم ما قال الله تعالى: ( وإذا ذُكر الله وحده اشمأزّت قلوب الّذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذُكر الّذين من دونه إذا هم يسـتبشـرون )(2) "(3).
" انظروا معاشر المسلمين إلى هذا السارق الحلّي الذي اعتاد سرقة الحطب من شاطئ الفرات، حسب أنّ هذا الكلام حطب يسرق؟! كيف أتى بالدليل وجعله اعتراضاً؟! والحمد لله الذي فضحه في آخر الزمان وأظهر جهله وتعصّبه على أهل الإيمان "(4).
" ومَثله مع المعتزلة في لحس فضلاتهم كمثل الزبّال يمرّ على نجاسة رجل أكل بالليل بعض الأطعمة الرقيقة كماء الحمّص، فجرى في الطريق، فجاء الزبّال وأخذ من نجاسته وجعل يلحسه ويتلذّذ به.
فهذا ابن المطهّر النجس كالزبّال يمرّ على فضلات المعتزلة ويأخذ منها الاعتراضات، ويكفّر بها سادات العلماء، ينسبهم إلى أقبح أنواع الكفر، يحسب أنّه يحسن صنعاً، نعوذ بالله من الضلال، والله الهادي "(5).
" فانظر إلى هذا الحلّي الجاهل، كيف افترى في معنى الكسب وخلط المذاهب والأقوال، كالحمار الراتع في جنّة عالية قطوفها دانية، والله تعالى يجازيه "(6).
____________
1- دلائل الصدق 1 / 484.
2- سورة الزمر 39: 45.
3- دلائل الصدق 1 / 508.
4- دلائل الصدق 1 / 519.
5- دلائل الصدق 1 / 533.
6- دلائل الصدق 1 / 537.
" هذا الرجل السوء الفحّاش، وكأنّه حسب أنّ الأنبياء أمثاله من رعاع الحلّة الّذين يفسدون على شاطئ الفرات بكلّ ما ذكره، نعوذ بالله من التعصّب فإنّه أورده النار "(2).
" فهذا كذب أظهر وأبين من كذب مسيلمة الكذّاب "(3).
" فكيف هذا الرجل الجاهل بالحديث والأخبار، بل بكلّ شيء، حتّى أنّي ندمت من معارضة كتابه وخرافاته بالجواب، لسقوطه عن مرتبة المعارضة، لانحطاط درجته في سائر العلوم، معقولها ومنقولها، أُصولها وفروعها، لكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت "(4).
" والعجب من هذا الرجل أنّه يبالغ في احتراز الأنبياء عن الكذب وينسب الكذب الصراح إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، نعوذ بالله من هذا "(5).
" هذا الرجل لا يعرف ما يقول، وهو كالناقة العشواء يرتعي كلّ حشـيـش "(6).
" أيّها الجاهل العامّي، الضالّ العاصي، الشيعة ينسبون أنفسهم إلى
____________
1- دلائل الصدق 1 / 577.
2- دلائل الصدق 1 / 695.
3- دلائل الصدق 2 / 322.
4- دلائل الصدق 2 / 350.
5- دلائل الصدق 2 / 447.
6- دلائل الصدق 2 / 526.
" ثمّ جاء ابن المطهّر الأعرابي، البوّال على عقبيه، ويضع لهم المطاعن، قاتله الله من رجل سوء بطّاط "(2).
" إنّ هذا الرجل السوء يذكر لمثل هذا الرجل [يعني أبا بكر]المطاعن، لعن الله كلّ مخالف طاعن، وكنت حين بلغت باب المطاعن أردت أن أطوي عنه كشحاً، ولا أذكر منه شيئاً، لأنّها تؤلم خاطر المؤمن ويفرح بها المنافق الفاسد الدين، لأنّ من المعلوم أنّ هذا الدين قام في خلافة هؤلاء الخلفاء الراشدين، ولمّا سمع المنافق أنّ هؤلاء مطعونون فرح بأنّ الدين المحمّـدي لا اعتداد به، لأنّ هؤلاء المطعونين ـ حاشاهم ـ كانوا مؤسّـسي هذا الدين، وهذا ثلمة عظيمة في الإسلام، وتقوية كاملة للكفر أقدم به الروافض لا أفلحوا... "(3).
" ثمّ جاء البوّال الذي استوى قوله وبوله، فيجعله [أي: عثمان]كالكفّار، ولا يقبل دفنه مع المسلمين، أُفّ له وتُفّ، والصفع على رقبته بكلّ كَـفّ "(4).
____________
1- دلائل الصدق 2 / 589.
2- دلائل الصدق 2 / 593.
3- دلائل الصدق 2 / 594.
4- دلائل الصدق 3 / 316.
ثانياً ـ التعاطف مع بني أُميّة ومناوئي أمير المؤمنين:
والفضل وإنْ كان يتظاهر في كتابه بحبّ أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، ويعترف ببعض مناقبهم وفضائلهم، لكنّه يحاول الدفاع عن خصومهم وتبرئة مناوئيهم عن المثالب، وتبرير أو تهوين ما صدر عنهم تجاه النبيّ وأهل بيته الأطهار، ولا بأس بإيراد طرف من نصوص عباراته في ذلك:
1 ـ عائشـة:
فمثلا نجده يقول عن خروج عائشة ضدّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، تقود الجيوش لحربه في البصرة، ما هذا لفظه:
" إنّها خرجت محتسبةً، لأنّ قتلة عثمان قتلوا الإمام وهتكوا حرمة الإسلام، فخرجت تريد الاحتساب وأخطأت في هذا الخروج مع الاجتهاد، فيكون الحقّ مع عليّ، وهي لم تكن عاصيةً، للاجتهاد... بل ذكر أرباب الأخبار أنّ بعد الفراغ من وقعة الجمل، دخل عليٌّ على عائشة، فقالت عائشة: ما كان بيني وبينك إلاّ ما يكون بين المرأة وأحمائها! فقال أمير المؤمنين: والله ما كان إلاّ هذا. وهذا يدلّ على نفي العداوة... "(1).
فاقرأ واحكم في دين هذا الرجل وعقله بما يقتضيه العلم بالقرآن والأحكام الشرعية ومجريات الأُمور.
____________
1- دلائل الصدق 3 / 614 ـ 615.
2 ـ أُمراء بني أُميّة:
ويقول عن الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبـد الله بن سعد بن أبي سرح، وأمثالهم، ما نصّه:
" معظم ما يطعنون على عثمان هو تولية بني أُميّة على الممالك، وذلك لأنّه رأى أُمراء بني أُميّة أُولي رشد ونجابة وعلم بالسياسات... وكان بنو أُميّة على هذه النعوت "(1).
3 ـ معاويـة:
قال العلاّمة تحت عنوان " مطاعن معاوية ": " وقد روى الجمهور منها أشياء كثيرة، وهي أكثر من أن تحصى، منها: ما روى الحميدي، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية بصفّين، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار(2) ; فقتله معاوية ; ولمّا سمع معاوية اعتذر فقال: قتله من جاء به. فقال ابن عبّـاس: فقد قتل رسول الله حمزة لأنّه جاء به إلى الكفّار! "(3).
فقال الفضل: " قول أهل السُـنّة والجماعة في معاوية: إنّه رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وصحبته ثابتة، لا ينكره الموافق والمخالف، وكان كاتبَ وحي رسول الله صلّى الله عليه [وآله]وسلّم.
وبعد أنْ توفّي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم... ولاّه عمر
____________
1- دلائل الصدق 3 / 244.
2- الجمع بين الصحيحين 2 / 461 ح 1794، وانظر: صحيح البخاري 1 / 194 ح 107.
3- نهج الحقّ: 306، وانظر: دلائل الصدق 3 / 351.
ومذهب أهل السُـنّة والجماعة: إنّ الإمام الحقّ بعد عثمان كان عليّ ابن أبي طالب، ولا نزاع لأحد من أهل السُـنّة في هذا، وإنّ كلّ من خرج على عليّ كانوا بغاةً، على الباطل، ولكن كانوا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ينبغي أن يُحفظ اللسان عنهم، ويُكَـفّ عن ذِكرهم وما جرى بين الصحابة، لأنّه يورث الشحناء ويثير البغضاء، ولا فائدة في ذِكره.
وأمّا ما ذكره من مطاعن معاوية فلا اهتمام لنا أصلا بالذبّ عنه، فإنّه لم يكن من الخلفاء الراشدين حتّى يكون الذبّ عنه موجباً لإقامة سُـنّة الخلفاء وذبّ الطعن عن حريمهم، ليقتدوا بهم الناس، ولا يشكّوا في كونهم الأئمّة، لأنّ معظم الإسلام منوط بآرائهم، فإنّهم كانوا خلفاء النبوّة ووارثي العلم والولاية.
وأمّـا معاوية فإنّـه كـان مـن ملـوك الإسـلام، والملـوك في أعمالهـم لا يخلون عن المطاعن، ولكن كـفّ اللسان عنهم أَوْلى، لأنّ ذِكـر مطاعنـه لا تتعلّق به فائدة ما أصلا... وقد قال رسول الله: لا تذكروا موتاكم إلاّ بالخير... "(1).
____________
1- دلائل الصدق 3 / 351 ـ 353.
أقـول:
في هذا الكلام، ينـصّ الفضل على عدم اهتمامهم بالذبّ عن معاوية، لكنّ أبناء تيميّة وحجر وكثير والعربي وأمثالهم يهتمّون الاهتمام البالغ بالذبّ عنه، ولو سلّمنا صدق الفضل ـ ولو في حقّ نفسه في الأقلّ ـ في عدم الاهتمام بالذبّ عن معاوية والجواب عن مطاعنه، فقد وجدنا في كلامه المذكور:
1 ـ يصف معاوية بـ " كاتب وحي رسول الله "، وهو ما يزعمه أولياؤه له، وهو ممّا لا أساس له من الصحّة، ولا نصيب له من الحقيقة..
2 ـ يدعو إلى الكفّ وحفظ اللسان عنه، بل يرى أولوية ذِكره بالخير، ولذا قال ـ في جواب رواية العلاّمة " إنّ معاوية قتل أربعين ألفاً من المهاجرين والأنصار وأولادهم.. "(1)، وروايته دخول أروى بنت الحارث ابن عبـد المطّلب على معاوية وقولها له: " لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك... "(2) ـ: " إنّ هذه الحكايات والأخبار التي لم تصحّ بها رواية، ولم يقم بصحّتها برهان، ترك ذِكرها أَوْلى وأليق، سيّما أنّها متضمّنة لنشر الفواحش وعظام هذه الجماعة رميمة، ولم يبق لهم آثار... "(3).
3 ـ ويقول بأنّه رجل من الصحابة وصحبته ثابتة، مشيراً إلى ما كرّره في كتابه من وجوب تعظيم الصحابة كلّهم! ومن ذلك قوله: " مذهب عامّة العلماء أنّه يجب تعظيم الصحابة كلّهم، والكفّ عن القدح فيهم، لأنّ الله عظّمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه... والرسول قد أحبّهم وأثنى
____________
1- دلائل الصدق 3 / 393.
2- دلائل الصدق 3 / 393 ـ 394.
3- دلائل الصدق 3 / 395.
أقـول:
لكنّ المنصف إذا تأمّل في هذه الكلمات ومناقشاته في استدلالات العـلاّمة، حصل له الشكّ والتردّد في صدق الفضل في مقاله بأن لا اهتمام له بالذبّ عن معاوية، لا سيّما بالنظر إلى قوله بالنسبة إلى الأخبار والحكايات التي اسـتدلّ بها العلاّمة: " لم تصحّ بها رواية، ولم يقم بصحّتها برهان "..
بل قوله في قضيّة سبّ معاوية لأمير المؤمنين (عليه السلام): " أمّا سـبّ أمير المؤمنين ـ نعوذ بالله من هذا ـ فلم يثبت عند أرباب الثقة، وبالغ العلماء في إنكار وقوعه، حتّى إنّ المغاربة وضعوا كتباً ورسائل، وبالغوا فيه كمال المبالغة... "(2) يدلّ بوضوح على كونه في مقام الدفاع عن معاوية بكلّ اهتمام! وذلك لوجود أخبار سـبّ معاوية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وحثّ الناس على ذلك، في كثير من الكتب المعتمدة عند القوم، حتّى في الصحاح!..
أخرج مسلم في صحيحه: " أمر معاوية سعداً فقال: ما منعك أن
____________
1- دلائل الصدق 3 / 398 ـ 400.
2- دلائل الصدق 3 / 385.
فهذا الحديث في كتاب التزموا بصحّة رواياته، ودلالته واضحة.
هـذا، ولفظاعة صنع معاوية، ولأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: " من سـبّ عليّـاً فقد سـبّني "(3).. ومن سـبّ رسول الله فهو كافر بالإجماع، ولأنّ ثبوت كفر معاوية بهذا وغيره يؤدّي إلى الطعن في من نصبه وفي من سبقه، تحيّر القوم واضطربوا!!..
أمّا تكذيب الخبر ـ كما فعل الفضل ـ فمردود بأنّه في الصحيح..
وأمّا الالتزام به لصحّته فيترتّب عليه ما ذكرناه، وهو هادم لأساس مذهبهم، فكأنّهم لم يجدوا بُـدّاً من التلاعب في متن الحديث:
فرواه بعضهم بلفظ: " قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل على سعد، فذكروا عليّـاً، فنال منه، فغضب سعد... "(4).
____________
1- سورة آل عمران 3: 61.
2- صحيح مسلم 7 / 120.
3- أخرجه الحاكم وصحّحه، وأقرّه الذهبي في التلخيص ; انظر: المستدرك على الصحيحين 3 / 130 ح 4615.
4- سنن ابن ماجة 1 / 45 ح 121، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 496 ح 15.
ورواه أحمد في المناقب باللفظ التالي: " ذُكر عليٌّ عند رجل وعنده سعد بن أبي وقّاص، فقال له سعد: أتذكر عليّـاً؟!... "(2).
ورواه النسائي في الخصائص بلفظ آخر، هو: " عن سعد، قال: كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالب، فقلت: لقد سمعت رسول الله... "(3).
وأبو نعيم الأصفهاني أراح نفسه من المشكلة، فأسقط القصّة من أصلها! فلم يذكر إلاّ: " عن سعد بن أبي وقّاص، قال: قال رسول الله في عليّ ثلاث خلال... "(4).
4 ـ عبـد الله بن الزبير:
ومن ذا الذي يشكّ في عداء عبـد الله بن الزبير لأمير المؤمنين عليه السلام؟! ومع ذلك يعدّه الفضل في الخلفاء الراشدين بزعمه! فيقول في معنى حديث الاثني عشر خليفة: " ثمّ ما ذكر من عدد اثـني عشر خليفة، فقد اختلف العلماء في معناه، فقال بعضهم: هم الخلفاء بعد رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وكان اثنا عشر منهم ولاة الأمر إلى ثلاثمائة سنة، وبعدها وقعت الفتن والحوادث، فيكون المعنى أنّ أمر الدين عزيز في مدّة خلافة اثني عشر، كلّهم من قريش.
وقال بعضهم: إنّ عدد الصلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر، وهم:
____________
1- البداية والنهاية 8 / 63.
2- فضائل الصحابة 2 / 797 ح 1093.
3- تهذيب خصائص الإمام عليّ (عليه السلام): 24 ح 10.
4- حلية الأولياء 4 / 356.
وإذا كان من " الخلفاء الراشدين " فما هو الأصل في أعمالهم بنظره؟! قال: " الأصل أن تحمل أعمال الخلفاء الراشدين على الصواب "(2)!
5 ـ أنس بن مالك:
وقال الفضل ـ وهو في الحقيقة يقصد الدفاع عن أنس بن مالك ـ: " وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك، فاعتذر بالنسيان، فدعا عليه ; فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض... "(3).
وأقـول:
ذكر هذا الخبر: ابن السائب الكلبي في جمهرة النسـب، والبلاذري في أنساب الأشراف، وابن قتيبة في المعارف، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن حجر في الصواعق، وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ(4).
____________
1- دلائل الصدق 2 / 486.
2- دلائل الصدق 3 / 262.
3- دلائل الصدق 2 / 540.
4- انظر: جمهرة النسب 2 / 395، أنساب الأشراف 2 / 386، المعارف: 320، شرح نهج البلاغة 19 / 218 وورد الخبر كذلك في ج 4 / 74 و ج 19 / 217، تاريخ دمشق 9 / 375 ـ 376، الصواعق المحرقة: 198.
وراجع: فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 1 / 663 ح 900، حلية الأولياء 5 / 26 ـ 27، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 74 ح 33، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 378 ح 396، مجمع الزوائد 9 / 106.
ثالثاً ـ التكذيب بقضايا ثابتة:
وكم من قضيّـة ثابتة لا تقبل الجدل والتشكيك كذّبها الفضل وأنكرها! وجعل يسـبُّ ويشـتم العلاّمة لذِكرها!!
وقد رأينا أن نذكر عشرة موارد من هذا القبيل، تاركين الحكم للباحث المنصف الحـرّ:
1 ـ كون أبي بكر في جيش أُسامة:
قال الفضل: " قد صحّ أنّ أبا بكر لم يكن في جيش أُسامة، وقد قال الجزيري: من ادّعى أنّ أبا بكر كان في جيش أُسامة فقد أخطأ، لأنّ النبيّ بعد أن أنفذ جيش أُسامة قال: مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس ; ولو كان مأموراً بالرواح مع أُسامة لم يكن رسول الله يأمره بالصلاة بالأُمّة "(1).
أقـول:
هـذا كلامه!
ونحن للاختصار نكتفي بكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري، فإنّه يقول ما ملخّصه:
" كان تجهيز أُسامة يوم السبت، قبل موت النبيّ بيومين... فبدأ
____________
1- دلائل الصدق 3 / 11.
وقد روي ذلك عن: الواقدي، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن الجوزي، وابن عساكر... "(1).
2 ـ تفرّد أبي بكر برواية حديث " نحن معاشر الأنبياء... ":
وقال الفضل: " وأمّا ما ذكر أنّ أبا بكر تفرّد برواية هذا الحديث من بين سائر المسلمين، فهذا كذب صراح... فكيف يقول هذا الفاجر الكاذب إنّ أبا بكر تفرّد برواية حديث عدم توريث رسول الله صلّى الله عليه [وآله]وسلّم؟! "(2).
أقـول:
هذا كلامه، ونحن نذكر أسماء بعض كبار أئمّة أهل السُـنّة ممّن نصّ على تفرّد أبي بكر بالحديث المزبور، ونشير إلى محالّ كلماتهم في ذلك:
____________
1- فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 192 ذ ح 4469.
وانظر: المغازي ـ للواقدي ـ 3 / 1118، الطبقات الكبير 2 / 146 و ج 4 / 49، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ 6 / 12 عن ابن إسحاق، المنتظم 2 / 458، تاريخ دمشق 8 / 60 و 63.
2- دلائل الصدق 3 / 43 ـ 44.
الفخر الرازي(2)..
أبو حامد الغزّالي(3)..
سيف الدين الآمدي(4)..
علاء الدين البخاري(5)..
سعد الدين التفتازاني(6)..
جلال الدين السيوطي عن: البغوي وأبي بكر الشافعي وابن عساكر(7).
المتّقي الهندي، عن: أحمد ومسلم وأبي داود وابن جرير والبيهقي(8)..
ابن حجر المكّي(9).
____________
1- شرح مختصر ابن الحاجب في علم الأُصول 2 / 59 في مبحث خبر الواحد.
2- المحصول في علم الأُصول 2 / 180 ـ 181 في مبحث خبر الواحد.
3- المستصفى في علم الأُصول 2 / 121 ـ 122 في مبحث خبر الواحد.
4- الإحكام في أُصول الأحكام 2 / 298 و 525 في مبحث خبر الواحد ومبحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد ـ في التخصيص بالأدلّة المنفصلة ـ المسألة الخامسة.
5- كشف الأسرار في شرح أُصول البزدوي 2 / 688.
6- فواتح الرحموت في شرح مسألة الثبوت ـ هامش المستصفى ـ 2 / 132.
7- تاريخ الخلفاء: 86.
8- كنز العمّال 5 / 605 ح 14071.
9- الصواعق المحرقة: 25 و 53.
3 ـ كشف أبي بكر بيت فاطمـة (عليها السلام):
وقال الفضل: " وأمّا ما ذكره من كشف بيت فاطمة، فلم يصحّ بهذا رواية قطعاً "(1).
أقـول:
خبر كشف بيت فاطمة الزهراء عليها السلام من أصدق الأخبار وأثبتها، وقد رواه جمع كثير من الأئمّة الأعلام من أهل السُـنّة في كتبهم المعروفة المشهورة، فمنهم من رواه بالإسناد، ومنهم من أرسله إرسال المسلّمات، وتنتهي أسانيدهم إلى أبي بكر نفسه، في خبر يبدي فيه أبو بكر أسفه على أُمور فعلها ودّ لو تركها، في كلام طويل، ونحن نذكر القدر المحتاج إليه هنا، وذلك قوله: " وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإنْ غلّقوه على الحرب ".
ومن رواته:
أبو جعفر الطبري، في التاريخ 2 / 353..
وأبو عبيـد القاسم بن سلاّم، في كتاب الأموال: 174..
وابن عبـد ربّه القرطبي، في العقد الفريد 3 / 279..
والمسعودي، في مروج الذهب 2 / 301..
وابن قتيبة، في الإمامة والسياسة 1 / 36..
وسعيد بن منصور..
والطبراني، في المعجم الكبير 1 / 62 ح 43..
____________
1- دلائل الصدق 3 / 32.
وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي..
والمتّقي الهندي، عن الأربعة الأواخر، في كنز العمّال 5 / 631 ح 14113.
ولقد رواه الطبري قائلا: " حدّثنا يونس بن عبـد الأعلى، قال: حدّثنا يحيى بن عبـد الله بن بكير، قال: حدّثنا الليث بن سعد، قال: حدّثنا علوان، عن صالح بن كيسان، عن عمر بن عبـد الرحمن بن عوف، عن أبيه، أنّه دخل على أبي بكر... " فأورد الخبر بطوله، وفيه: " فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإنْ كانوا قد غلّقوه على الحرب " ثمّ قال بعد الخبر:
" قال لي يونس: قال لنا يحيى: ثمّ قدم علينا علوان بعد وفاة الليث، فسألته عن هذا الحديث، فحدّثني به كما حدّثني الليث بن سعد حرفاً حرفاً، وأخبرني أنّه هو حدّث به الليث بن سعد، وسألته عن اسم أبيه فأخبرني أنّه علوان بن داود ".
ثمّ قال الطبري: " وحدّثني محمّـد بن إسماعيل المرادي، قال: حدّثنا عبـد الله بن صالح المصري، قال: حدّثني الليث، عن علوان بن صالح، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبـد الرحمن بن عوف، أنّ أبا بكر الصدّيق قال... ثمّ ذكر نحوه ولم يقل فيه: (عن أبيه) "(1).
____________
1- تاريخ الطبري 2 / 353 ـ 354.
صحّـة السـند:
أقـول: ورجال السند كلّهم ثقات، وأكثرهم من الأئمّة الأعلام:
وابن أبي حاتم ذكره بعنوان " علوان بن إسماعيل "، قال: " علوان بن
____________
1- سير أعلام النبلاء 12 / 348 رقم 144.
2- سير أعلام النبلاء 10 / 612 رقم 210.
3- سير أعلام النبلاء 8 / 136 رقم 12.
4- كتاب الثقات 8 / 526.
وقيل: علوان بن صالح(2)، وهكذا ورد في الإسناد الثاني للطبري(3)، وفي بعض الكتب أنّه توفّي سنة 180(4).
وتلخّص:
صحّة الحديث على ضوء كلمات علماء القوم، مضافاً إلى:
1 ـ إنّ الحاكم النيسابوري أخرج قطعةً منه، في كتاب الفرائض، من المستدرك على الصحيحين، بإسناده عن علوان بن داود، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبـد الرحمن بن عوف، عن أبيه ; وهي قوله: " وددت أنّي سألت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ميراث العمّة والخالة، فإنّ في نفسي منها حاجة "(7).
____________
1- الجرح والتعديل 7 / 38 رقم 206.
2- الضعفاء الكبير 3 / 419 رقم 1461، لسان الميزان 4 / 188 رقم 502.
3- تاريخ الطبري 2 / 354.
4- ميزان الاعتدال 5 / 135 رقم 5769.
5- سير أعلام النبلاء 5 / 454 رقم 203.
6- تقريب التهذيب 1 / 722 رقم 4952.
7- المستدرك على الصحيحين 4 / 381 ح 7999.
وسعيد بن منصور الذي حسّن الحديث من أعلام الأئمّة في الحديث والرجال، ومن رجال الصحاح السـتّة.
فعن أحمد بن حنبل: كان سعيد من أهل الفضل والصدق.
وعن أبي حاتم الرازي: هو ثقة، من المتقنين الأثبات، ممّن جمع وصنّف.
وقال الذهبي: الحافظ الإمام، شيخ الحرم، مؤلّف كتاب السنن(2)(3).
3 ـ إنّ سعيد بن عفير، الراوي الآخر للحديث عن علوان بن داود، وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري، وينسب إلى جدّه، من رجال الصحيحيـن وغيـرهما..
وقال ابن عديّ ما ملخّصه: " لم أسمع أحداً ولا بلغني عن أحد من الناس كلام في سعيد بن كثير بن عفير، وهو عند الناس صدوق ثقة، وقد حدّث عن الأئمّة من الناس، ولا أعرف سعيد بن عفير غير المصري، ولم أجد لسعيد بعد استقصائي على حديثه شيئاً ممّا ينكر عليه أنّه أتى بحديث به برأسه إلاّ حديث مالك عن عمّه أبي سهيل، أو أتى بحديث زاد في
____________
1- كنز العمّال 5 / 631 ذ ح 14113.
2- قسم الفضائل من كتاب " السـنن " مفقود، فلم يُطبع مع ما طُبع منه.
3- سير أعلام النبلاء 10 / 586 رقم 207، تهذيب الكمال 7 / 305 رقم 2343.
وذكر الذهبي كلام ابن عديّ وتعقّبه: " بلى، لسعيد حديث منكَر من رواية عبـد الله بن حمّاد الآملي، عن سعيد بن عفير، عن يحيى بن أيّوب، عن عبيـد الله بن عمر، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً، في عدم وجوب العمرة... "(2).
وتلـخّص:
إنّ الرجل من أصدق الناس وأوثقهم، وإنّ حديثه عن " علوان " ليس حديثاً منكَراً.
هذا، وقد رواه عن علوان بن داود رجل آخر أيضاً، اسمه الوليد بن الزبير، كما سيأتي في رواية ابن عساكر.
4 ـ إنّ ابن عساكر أخرج هذا الحديث وليس فيه " علوان "، قال:
أخبرنا أبو البركات عبـد الله بن محمّـد بن الفضل الفراوي وأُمّ المؤيّد نازيين المعروفة بجمعة بنت أبي حرب محمّـد بن الفضل بن أبي حرب، قالا: أنا أبو القاسم الفضل بن أبي حرب الجرجاني، أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسن، نا أبو العبّـاس أحمد بن يعقوب، نا الحسن بن مكرم بن حسّان البزّار أبو علي ببغداد، حدّثني أبو الهيثم خالد بن القاسم، قال: حدّثنا ليث ابن سعد، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبـد الرحمن بن عوف، عن أبيه، أنّه دخل على أبي بكر... ".
قال ابن عساكر: " كذا رواه خالد بن القاسم المدائني عن الليث،
____________
1- الكامل في الضعفاء 3 / 411 رقم 839.
2- ميزان الاعتدال 3 / 224 رقم 3260.
وقد وقع لي عالياً من حديث الليث، وفيه ذكر علوان، أخبرناه... ".
ثمّ قال: " ورواه غير الليث عن علوان، فزاد في إسناده رجلا بينه وبين صالح بن كيسان، أخبرناه أبو القاسم بن السوسي وأبو طالب الحسيني، قالا: أنا علي بن محمّـد، أنا أبو محمّـد بن أبي نصر، أنا أبو الحسـن خيثـمة بـن سـليمان(1)، أنـا أبـو محمّـد عبـد الله بـن زيـد بـن عبـد الرحمن النهراني، نا الوليد بن الزبير، ثنا علوان بن داود البجلي، عن أبي محمّـد المدني، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبـد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: دخلت على أبي بكر... "(2).
قلـت:
والظاهر وقوع السهو في هذا السند، فإنّ " أبو محمّـد المدني " هو " صالح بن كيسان " لا غيره، و " الوليد بن الزبير " كأنّه الذي ذكره ابن أبي حاتم، قال: " سمع منه أبي بحمص وروى عنه... سئل أبي عنه فقال: صـدوق "(3).
5 ـ إنّ أبا عبـيد... وهو القاسم بن سلاّم، الإمام الحافظ، المجتهد، ذو الفنون، المقبول عند الكلّ، قال إسحاق بن راهويه: إنّ الله لا يستحيي من الحقّ، أبو عبـيد أعلم منّي ومن ابن حنبل والشافعي... توفّي سنة
____________
1- هو الأطرابلسي، صاحب " فضائل الصحابة ".
2- تاريخ دمشق 30 / 417 ـ 420.
3- الجرح والتعديل 9 / 5 رقم 19.