الصفحة 80
224(1)، روى في كتاب الأموال قال: " حدّثني سعيد بن عفير، قال: حدّثني علوان بن داود ـ مولى أبي زرعة بن عمرو بن جرير ـ، عن حميد ابن عبـد الرحمن بن حميد بن عبـد الرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبـد الرحمن بن عوف، عن أبيه عبـد الرحمن، قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه، فسلّمت عليه، وقلت: ما أرى بك بأساً والحمد لله، ولا تأس على الدنيا، فوالله إنْ علمناك إلاّ كنت صالحاً مصلحاً.

فقال: أما إنّي لا آسى على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهم وددت أنّي لم أفعلهم، وثلاث لم أفعلهم وددت أنّي فعلتهم، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله عنهم.

فأمّا التي فعلتها ووددت أنّي لم أفعلها: فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا ـ لخلّة ذكرها، قال أبو عبيـد: لا أُريد ذِكرها(2) ـ... "(3).

أقـول:

لو كان ما فعله أبو بكر حقّـاً، لَما أعرض أبو عبـيد عن ذِكره، ولو كان الخبر كذباً لكـذّب الخبر قبل أنْ يكتم تلك الخلّة ولا يذكرها!!

6 ـ وإنّ ابن تيميّة ـ المعروف بنصبه وعناده لأهل البيت (عليهم السلام) ـ يعترف بالقضيّة ثمّ يقول بلا حياء: " إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من

____________

1- سير أعلام النبلاء 10 / 490 رقم 164.

2- قال محقّقه هنا: وقد ذكرها الذهبي في الميزان وهي قوله: " وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإنْ أُغلق على الحرب ".

3- كتاب الأموال: 174.


الصفحة 81
مال الله الذي يقسّمه وأنْ يعطيه لمستحقّه، ثمّ رأى أنّه لو تركه لهم لجاز، فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء "(1).

4 ـ تحريم عمر المغالاة في المهر:

وقال الفضل: " شأن أئمّة الإسلام وخلفاء النبوّة أن يحفظوا صورة سُـنّة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في الأُمّة، فأمرهم بترك المغـالاة، والإجمـاع عـلى أنّ الإمـام لـه أنْ يأمـر بالسُـنّة أن يحفـظوهـا، ولا يخـتصّ أمره بالواجـبات، بل له الأمر بإشـاعة المـندوبات، وهذا ممّـا لا نزاع فيه، كما أجاب قاضي القضاة بأنّه طلب الاستحباب في ترك المغالاة والتواضع في قوله، وأمّا تخطئة قاضي القضاة في جوابه، فخطأ بيّن، لأنّه لم يرتكب المحرّم، بل هدّد به... "(2).

أقـول:

لقد حرّم عمر المغالاة بالمهر، وهذا ما فهمه الناس من كلامه، وهو ما رواه وفهمه كذلك أئمّة القوم من قوله.

أمّا أصل خطبته في ذلك، فقد أخرجه أحمد في المسند(3)، والدارمي والترمذي وابن ماجة والنسائي والبيهقي في سننهم في كتاب النكاح(4)، وقال الحاكم بعد أن روى الحديث ببعض طرقه: " فقد تواترت

____________

1- منهاج السُـنّة 8 / 291.

2- دلائل الصدق 3 / 133 ـ 134.

3- مسند أحمد 1 / 40 ـ 41 و 48.

4- مسند الدارمي 2 / 99 ح 2196، سنن الترمذي 3 / 422 ح 1114، سنن ابن ماجة 1 / 607 ح 1887، سنن النسائي 6 / 117، سنن البيهقي 7 / 233.


الصفحة 82
الأسانيد الصحيحة بصحّة خطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب. وهذا الباب لي مجموع في جزء كبير، ولم يخرّجاه ".

فقد نصّ على تواتر الخبر، ووافقه الذهبي(1). ولكنْ لم يذكر اعتراض المرأة، ولا كلام عمر، ثمّ عدوله عمّا قاله!..

قال السيوطي: " وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى ـ بسند جيّد ـ عن مسروق، قال: ركب عمر بن الخطّاب المنبر ثمّ قال: أيّها الناس! ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله وأصحابه وإنّما الصدقات في ما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها ; فلا أعرفنّ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. ثمّ نزل.

فاعترضته امرأة من قريش فقالت له: يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهنّ على أربعمائة درهم؟! قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل الله، يقول: ( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً )(2) فقال: اللّهمّ غفرانك، كلّ الناس أفقه من عمر.

ثمّ رجع، فركب المنبر فقال: يا أيّها الناس! إنّي كنت قد نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهنّ على أربعمئة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحبّ.

وأخرج عبـد الرزّاق وابن المنذر، عن أبي عبـد الرحمن السلمي،

____________

1- المستدرك على الصحيحين 2 / 191 ـ 193 ح 2725 ـ 2728.

2- سورة النساء 4: 20.


الصفحة 83
قال: قال عمر بن الخطّاب: لا تغالوا في مهور النساء. فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر، إنّ الله يقول: ( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً ) ـ من ذهب. قال: وكذلك هي في قراءة ابن مسعود ـ، فقال عمر: إنّ امرأة خاصمت عمر فخصمته.

وأخرج الزبير بن بكّار في الموفّقيات، عن عبـد الله بن مصعب، قال: قال عمر: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة: ما ذاك لك! قال: ولِمَ؟! قالت: لأنّ الله يقول: ( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً ). فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطـأ "(1).

وتلـخّـص:

1 ـ إنّ عمر حرّم.

2 ـ وهدّد بإلقاء الزيادة في بيت المال.

3 ـ وإنّ الناس فهموا من كلامه التحريم، فاعترضته المرأة القرشية.

4 ـ وخصمته بالقرآن، فرجع عن تحريمه.

5 ـ وظهرت جرأته على الله تعالى، أو جهله بالأحكام الشـرعية.

وهذا الموضع أيضاً من جملة المواضع التي يظهر فيها الفرق بين ابن روزبهان وابن تيميّة، فإنّ ابن تيميّة يصرّح بكون قوله مخالفاً للنصّ، وإنّه قد أخطأ فيه، إلاّ أنّه كان مجتهداً، وهو لم ينفّذ اجتهاده لمّا علم ببطلانه(2).

____________

1- الدرّ المنثور 2 / 466، وانظر: الأخبار الموفّقيات: 507 رقم 430.

2- منهاج السُـنّة 6 / 76.


الصفحة 84

5 ـ ابتداع عمر صلاة التراويح:

وقال الفضل: " قد ثبت في الصحاح عن زيد بن ثابت أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم اتّخذ حجرةً في المسجد...، وعن أبي هريرة: كان رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يرغب في قيام رمضان من غير أنْ يأمرهم فيه بعزيمة... ثمّ كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر، وعن أبي ذرّ...

وهذه الأخبار كلّها في الصحاح، وهذا يدلّ على إنّ رسول الله كان يصلّي التراويح بالجماعة أحياناً ولم يداوم عليها مخافة أنْ تُفرض على المسلمين فلم يطيقوا..

فلمّا انتهى هذه المخافة جمعهم عمر وصلّى التراويح... فقال عمر: بدعة ونعمت البدعة! أراد به أنّه لم يتقرّر أمرها في زمان رسول الله، وهذا لا ينافي كونها معمولة في بعض الأوقات... "(1).

أقـول:

ذكر الحافظ السيوطي في رسالته المصابيح في صلاة التراويح ما ملخّصه:

" سئلت مرّات: هل صلّى النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم التراويح وهي العشرون ركعة المعهودة الآن؟ وأنا أُجيب بلا، ولا يقنع منّي بذلك، فأردت تحرير القول فيها ; فأقول: الذي وردت به الأحاديث الصحيحة

____________

1- دلائل الصدق 3 / 213 ـ 214.


الصفحة 85
والحسان والضعيفة: الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه، من غير تخصيص بعدد، وإنّه لم يثبت أنّه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم صلّى عشرين ركعة، وإنّما صلّى ليالي صلاةً لم يذكر عددها، ثمّ تأخّر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها.

وقد تمسّك بعض من أثبت ذلك بحديث ورد فيه، لا يصلح الاحتجاج به، وأنا أُورده و أُبيّن وهاءه، ثمّ أُبيّن ما ثبت بخلافه:

روى ابن أبي شيبة في مسنده، قال: حدّثنا يزيد، أنا إبراهيم بن عثمان، عن الحكم بن مقسم، عن ابن عبّـاس: أنّ رسول الله كان يصلّي في رمضان عشرين ركعة والوتر...

قلت: هذا الحديث ضعيف جدّاً لا تقوم به حجّة. قال الذهبي في الميزان: إبراهيم بن عثمان، أبو شيبة الكوفي، قاضي واسط... (فذكر الكلمات في تجريحه). قال الذهبي: ومن مناكيره ما رواه عن الحكم بن مقسم عن ابن عبّـاس، قال: كان رسول الله يصلّي في رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر...

الوجه الثاني: إنّه قد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عائشة: سـئلت عن قيـام رسـول الله في رمضـان فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.

الثالث: قد ثبت في صحيح البخاري عن عمر أنّه قال في التراويح: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل. فسمّاها بدعة، يعني بدعة حسنة. وذلك صريح في أنّها لم تكن في عهد رسول الله. وقد نصّ على ذلك الإمام الشافعي وصرّح به جماعات من الأئمّة، منهم الشيخ عزّ الدين ابن عبـد السلام حيث قسّم البدعة إلى خسمة أقسام وقال: ومثال المندوبة

الصفحة 86
صلاة التراويح، ونقله عنه النووي في تهذيب الأسماء واللغات. ثمّ قال: وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي... وقد قال عمر في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه. يعني: إنّها محدثة لم تكن. هذا آخر كلام الشافعي.

الرابع: إنّ العلماء اختلفوا في عددها، ولو ثبت ذلك من فعل النبيّ لم يُختلف فيه.

وفي الأوائل للعسكري: أوّل من سنّ قيام رمضان عمر، سنة أربع عشرة ; وأخرج البيهقي وغيره من طريق هشام بن عروة عن أبيه، قال: إنّ عمر بن الخطّاب أوّل من جمع الناس على قيام شهر رمضان، الرجال على أُبيّ بن كعب، والنساء على سليمان بن أبي حثمة. وأخرج ابن سعد عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، نحوه...

وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يرغّب في قيام رمضان ولم يكن رسول الله جمع الناس على القيام(1).

هذه خلاصة ما ذكره السيوطي في رسالته.

فالحاصل:

أوّلا: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يصلّ الركعات المعهودة عندهم في شهر رمضان، أصلا.

وثانياً: إنّه لم يصلّ تلك الركعات جماعةً.

وثالثاً: إنّ القيام بهذه الصلاة جماعة من أوّليّات عمر وبدعه، وإنّ ذلك رأي الشافعي وجماعات كبيرة من الأئمّة الأعلام.

____________

1- المصابيـح في صلاة التراويح ـ المطبوعة ضمن كتاب " الحاوي للفتاوي " ـ 1 / 349 ـ 350.


الصفحة 87

6 ـ حكم عمر برجم الحامل والمجنونة:

وقال الفضل: " الأئمّة المجتهدون قد يعرض لهم الخطأ في الأحكام...

وإنْ صحّ ما ذكر من حكم عمر في الحامل والمجنونة، فربّما كان لشيء ممّا ذكرناه، ولا يكون هذا طعناً.

وكيف يصحّ لأحد أنْ يطعن في علم عمر وقد شاركه النبيّ في علمه كما ورد في الصحاح عن ابن عمر؟!... "(1).

أقـول:

قد ثبت جهل عمر بآيات الكتاب والأحكام الشرعية، في موارد كثيرة، فإنْ أصرّ أولياؤه على كونه عالماً بالكتاب والأحكام، لزمهم القول بجرأته على الله والرسول في تلك المواضع، ومخالفته للنصوص عن علم وعمد..

ومن ذلك هذان الموضعان وقد ثبت في المصادر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي منعه من رجمها، وتشكيك ابن روزبهان في صحّة الخبر مكابرة واضحة، تبع فيها ابن تيميّة الحرّاني(2).

أمّا قضيّة المرأة الحامل التي ولدت لسـتّة أشهر فهمّ عمر برجمها، فقد أخرجها:

____________

1- دلائل الصدق 3 / 130.

2- منهاج السُـنّة 6 / 41 و 45.


الصفحة 88
عبـد الرزّاق بن همّام الصنعاني(1)..

وعبـد بن حميد(2)..

وابن المنذر(3)..

وابن أبي حاتم(4)..

والبيهقي(5)..

وابن عبـد البرّ(6)..

والمحبّ الطبري(7)..

والمتّقي الهندي(8)..

قال ابن عبـد البرّ: فكان عمر يقول: لولا عليٌّ لهلك عمر(9).

وأمّا قضية المرأة المجنونة التي زنت، فقد أخرجها:

عبـد الرزّاق بن همّام(10)..

والبخاري(11)..

____________

1- المصنّف 7 / 350 ح 13444.

2 و 3- انظر: الدرّ المنثور 7 / 441 ـ 442.

4- كما في كنز العمّال 5 / 457 ح 13598.

5- السـنن الكبرى 7 / 442.

6- مختصر جامع بيان العلم وفضله: 265.

7- الرياض النضرة 3 / 161.

8- كنز العمّال 5 / 457 ح 13598.

9- الاستيعاب 3 / 1103.

10- المصنّف 7 / 80 ح 12288.

11- صحيح البخاري 8 / 295.

وفيه في " كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة / باب لا يُرجم المجنون والمجنونة " قول أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) لعمر: " أما علمتَ أنّ القلم رُفع عن المجنون حتّى يفيق... "..

قال العلاّمة الأميني (قدس سره): " أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه، غير إنّه لمّا وجد فيه مسّةً بكرامة الخليفة حذف صدره تحفّظاً عليها، ولم يرقه إيقـاف الأُمّة على قضية تُعرب عن جهله بالسُـنّة الشائعة أو ذهوله عنها عند القضاء... ".

هـذا، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني هذا الخبر من عدّة طرق عند شرحه إيّـاه!

راجع: الغـدير 6 / 131، فتح الباري 12 / 145.


الصفحة 89
وأحمـد(1)..

والدارقطني(2)..

وغيرهم من الأئمّة الأعلام(3).. قال المناوي: " فقال عمر: لولا عليٌّ هلك عمر "(4).

فكيف يكون عمر مشاركاً للنبيّ في علمه والحال هذه؟!

ألا تكذّب هذه الواقعة الثابتة مثل تلك الأخبار، لا سيّما وأنّها مروية عن ابن عمر؟!

7 ـ ضرب عثمان عبـد الله بن مسعود:

وقال الفضل: " ضرب عثمان عبـد الله بن مسعود ممّا لا رواية فيه أصلا إلاّ لأهل الرفض، وأجمع الرواة من أهل السُـنّة أنّ هذا كذب وافـتراء، وكيف يضرب عثمان عبـد الله بن مسعود وهو من أخصّ

____________

1- مسند أحمد 1 / 140.

2- سنن الدارقطني 3 / 90 ح 3240.

3- انظر مثلا: سنن أبي داود 4 / 137 ح 4399 و 4402.

4- فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 4 / 470 ح 5594.


الصفحة 90
أصحاب رسول الله ومن علمائهم؟!... "(1).

أقـول:

قال ابن قتيبة: " وكان ممّا نقموا على عثمان أنّه... طلب إليه عبـد الله ابن خالد بن أسيد صلةً، فأعطاه أربعمئة ألف درهم من بيت مال المسلمين، فقال عبـد الله بن مسعود في ذلك، فضربه إلى أنْ دقّ له ضلعين "(2).

وتجد ما كان بينه وبين ابن مسعود في:

تاريخ الطبري 2 / 595 ـ 596..

العقد الفريد 3 / 308..

الأوائل ـ لأبي هلال العسكري ـ: 129..

الكامل في التاريخ 2 / 477..

أُسد الغابة 3 / 285 رقم 3177..

الرياض النضرة 3 / 84..

تاريخ الخلفاء: 185..

تاريخ الخميس 2 / 261..

ومصادر كثيرة غيرها في التاريخ والسير ومباحث الإمامة(3).

فهل هؤلاء من أهل الرفض؟!

____________

1- دلائل الصدق 3 / 273.

2- انظر: المعارف: 112 ـ 113.

3- انظر مثلا: أنساب الأشراف 6 / 146.


الصفحة 91

8 ـ ضرب عثمان عمّـار بن ياسـر:

وقال الفضل: " وضرب عمّار بن ياسر ممّا لا رواية به في كتاب من الكتب، ونحن نقول في جملته: إنّ هذه الأخبار وقائع عظيمة تتوفّر الدواعي على نقلها وروايتها، أترى جميع أرباب الروايات سكتوا عنه إلاّ شرذمة يسيرة من الروافض؟! ولقد صدق مأمون الخليفة حيث قال: أربعة في أربعة... والكذب في الروافض... "(1).

أقـول:

إنْ كان هذا الخبر كذباً، فالقوم أكذب من غيرهم ; لأنّهم يكذبون على الخلفاء الراشدين عندهم!!

إنّ خبر ضرب عثمان عمّار بن ياسر رضي الله عنه موجود في أشهر كتب القوم في التواريخ والسير، وغيرها..

قال ابن عبـد ربّه: " ومن حديث الأعمش ـ يرويه أبو بكر بن أبي شيبة ـ قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه، في صحيفة، فقالوا من يذهب بها إليه؟ فقال عمار: أنا. فذهب بها إليه، فلمّا قرأها قال: أرغم الله أنفك. قال: وأنف أبي بكر وعمر. قال: فقام إليه فوطئه حتّى غشي عليه. ثمّ ندم عثمان وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: اختر إحدى ثـلاث، إمّا أن تعفو، وإمّا أن تـأخذ الأرش، وإمّا أن تـقتصّ. فـقال: والله لا قبلت واحدة منها حتّى ألقى الله. قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث

____________

1- دلائل الصدق 3 / 287.


الصفحة 92
للحسن بن صالح، فقال: ما كان على عثمان أكثر ممّا صنع "(1).

وفـي الاسـتيعاب: " فاجتمعـت بنو مخـزوم وقالوا: والله لـئن مـات لا قتلنا به أحداً غير عثمان "(2).

وروى الطبري وابن الأثير ـ في خبر ـ: قال مسروق بن الأجدع لعمّار: " يا أبا اليقظان، على ما قتلتم عثمان؟! قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا. فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لكان خيراً للصابرين "(3).

وحتّى أئمّة اللغة أوردوا القصّة، ففي مادّة " صبر " ما نصّه عن ابن الأثير وابن منظور والزبيدي: " وفي حديث عمّار حين ضربه عثمان، فلمّا عوتب في ضربه إيّاه قال: هذه يدي لعمّار فليصطبر. معناه: فليقتصّ "(4).

9 ـ سـبّ معاوية أمير المؤمنين (عليه السلام):

وقال الفضل: " أمّا سبّ أمير المؤمنين ـ نعوذ بالله من هذا ـ فلم يثبت عند أرباب الثقة، وبالغ العلماء في إنكار وقوعه، حتّى إنّ المغاربة وضعوا كتباً ورسائل وبالغوا فيه كمال المبالغة. وأنا أقول شعراً... "(5).

____________

1- العقد الفريد 3 / 308.

2- الاستيعاب 3 / 1136 رقم 1863.

3- تاريخ الطبري 3 / 26، الكامل في التاريخ 3 / 119.

4- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 / 8، لسان العرب 7 / 277، تاج العروس 7 / 75.

5- دلائل الصدق 3 / 385.


الصفحة 93

أقـول:

لا يدافع عن معاوية ـ رئيس الفرقة الباغية ـ إلاّ النواصب، بل إنّ أكثرهم وقاحة وأشدّهم نصباً لا يجرأ على تكذيب سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه السلام، لأنّ ذلك من ضروريات التاريخ..

وقوله: " فلم يثبت عند أرباب الثقة " يكفي في كذبه ما أخرجه مسلم في صحيحه: " قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسـبّ أبا التراب؟! فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله فلن أسـبّه... "(1).

وقال السيوطي: " كان بنو أُميّة يسبّون عليّ بن أبي طالب في الخطبة، فلمّا ولّي عمر بن عبـد العزيز أبطله وكتب إلى نوّابه بإبطاله وقرأ مكانه ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان )(2) الآية. فاستمرّت قراءتها إلى الآن "(3).

وقال الجاحظ: " إنّ قوماً من بني أُميّة قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنيـن! إنّـك قد بلغت ما أمّـلت، فلو كـفـفت عن هذا الرجل؟ فقال: لا والله حتّى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضـلا "(4).

هذا، وابن تيميّة لم ينكر سـبّ معاوية لأمير المؤمنين وأمره بذلك،

____________

1- صحيح مسلم 7 / 120 باب فضائل عليّ بن أبي طالب.

2- سورة النحل 16: 90.

3- تاريخ الخلفاء: 290.

4- شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 4 / 57، النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية: 126، كلاهما عن كتاب الجاحظ في الدفاع عن النواصب.


الصفحة 94
وإنّما جَعَلَ يدافع عن ذلك! وكان ممّا صرّح به قوله: " ومعاوية رضي الله عنه وأصحابه ما كانوا يكـفّرون عليّـاً... ومن سـبّ أبا بكر وعمر وعثمان فهو أعظم إثماً ممّن سـبّ عليّـاً وإنْ كان متأوِّلا "(1) فاقرأ واحكم!!

10 ـ قراءة الشافعي على محمّـد بن الحسن الشـيباني:

وقال الفضل ـ بجواب بيان العلاّمة كيفية استناد العلوم الإسلامية كلّها ورجوعها إلى أمير المؤمنين عليه السلام ـ: " وأمّا قوله: إنّ الشافعي قرأ على محمّـد بن الحسن، فهو كذبٌ باطل "(2).

أقـول:

قال المزّي بترجمة الشافعي: " روى عن: إبراهيم بن سعد الزهري... ومحمّـد بن الحسن الشيباني، ومحمّـد بن خالد الجندي... "(3).

وقال الخطيب: " سمع من مالك بن أنس... ومحمّـد بن الحسن الشيباني، وعبـد الوهّاب بن عبـد المجيد الثقفي... "(4).

بل قال الذهبي: " وأخذ باليمن عن... وببغداد عن: محمّـد بن الحسن فقيه العراق، ولازمه، وحمل عنه وقر بعير... "(5).

____________

1- منهاج السُـنّة 4 / 468.

2- دلائل الصدق 2 / 522.

3- تهذيب الكمال 16 / 39 رقم 5636.

4- تاريخ بغداد 2 / 56 رقم 454.

5- سير أعلام النبلاء 10 / 7 رقم 1.


الصفحة 95
فإنْ كان ابن روزبهان جاهلا بمثل هذه الأُمور، فكيف يتكلّم في القضايا العقلية والمسائل العلمية، وإنْ كان عالِماً متعمّداً في تكذيبه للعلاّمة، فالله حسـيبه!

رابعاً ـ الطعن في علماء أهل السُـنّة:

ثمّ إنّه عندما يستدلُّ العلاّمة برواية من كتب علماء أهل السُـنّة وينقل عنها الأخبار في مقام الاحتجاج بها، يضطرّ الفضل إلى الطعن فيهم أو في الكتب أو إلى إنكار كونهم من أهل السُـنّة، ليردّ بذلك الحديث الذي اسـتدلّ به العلاّمة وأراد إلزام القوم به، ومن ذلك:

  • قوله: " وأحمد بن حنبل قد جمع في مسنده الضعيف والمنكر، لأنّه مسند لا صحيح، وهو لا يعرف المسند من الصحيح ولا يفرّق بين الغثّ والسمين "(1).

    أقـول:

    بل الفضل لا يعرف المسند من الصحيح، وكأنّه توهّم أنّ من سمّى كتابه بـ المسـند فلا يكون ملتزماً بالصحّة كما التزم البخاري مثلا في كتابه الموسوم بـ الصحيـح، والحال أنّ جماعةً من كبار أئمّة أهل السُـنّة كالحافظ أبي موسى المديني، والحافظ عبـد المغيث بن زهير الحنبلي البغدادي، وغيرهما يصرّحون بالتزام أحمد بن حنبل في مسنده بـ " الصحّة "(2)، وقد

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 351.

    2- انظر: خصائص المسند ـ لأبي موسى المديني ـ: 12 و 14.


    الصفحة 96
    فصّلنا الكلام في ذلك في بعض كـتبنا(1).

  • وقوله: " فنحن لا نعرف ابن المغازلي وأشباهه ممّن يذكر عنهم المناكير والشواذّ "(2).

    وقال أيضاً في ابن المغازلي: " رجل مجهول، لا يعرفه أحد من العلماء، من جملة المصنّفين والمحدّثين "(3).

    أقـول:

    ونحن نذكر بعض من يعرفه من العلماء ليتبيّن صدق الفضل من كـذبه!

    قال السمعاني في (الجُـلاّبي): " بضم الجيم وتشديد اللام وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة. هذه النسبة إلى الجُلاّب. والمشهور بهذه النسـبة:

    أبو الحسـن علي بن محمّـد بن محمّـد بن الطـيّب الجُـلاّبي، المعروف بابن المغازلي، من أهل واسط العراق، كان فاضلا عارفاً برجالات واسط وحديثهم، وكان حريصاً على سماع الحديث وطلبه، رأيت له ذيل التاريخ لواسط، وطالعته وانتخبت منه.

    سمع أبا الحسن علي بن عبـد الصمد الهاشمي، وأبا بكر أحمد بن محمّـد الخطيب، وأبا الحسن أحمد بن مظفّر العطّار، وغيرهم.

    ____________

    1- انظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 2 / 10 ـ 16.

    2- دلائل الصدق 3 / 474.

    3- دلائل الصدق 2 / 351.


    الصفحة 97
    روى لنا عنه ابنه بواسط، وأبو القاسم علي بن طرّاد، الوزير ببغداد.

    وغرق ببغداد في الدجلة، في صفر سنة 483، وحمل ميّـتاً إلى واسط، فدفن بها.

    وابنه: أبو عبـد الله، محمّـد بن علي بن محمّـد الجُـلاّبي، كان ولي القضاء والحكومة بواسط، نيابةً عن أبي العبّـاس أحمد بن بختيار الماندائي. وكان شيخاً فاضلا عالماً، سمع أباه، وأبا الحسن محمّـد بن محمّد بن مخلّد الأزدي، وأبا علي إسماعيل بن أحمد بن كماري القاضي، وغيرهم.

    سمعت منه الكثير بواسط في النوبتين جميعاً، وكنت أُلازمه مدّة مقامي بواسط، وقرأت عليه الكثير بالإجازة له عن أبي غالب محمّـد بن أحمد بن بشران النحوي الواسطي "(1).

  • وقوله: " أكثر ما ذكر من مناقب الخوارزمي موضوعات "(2).

    وقال: " هذا حديث موضوع منكَر لا يرتضيه العلماء. وأكثر ما ذكر من مناقب الخوارزمي فكذلك. وهذا الخوارزمي رجل كأنّه شيعي مجهول لا يعـرف بحـال، ولا يعـدّه العلمـاء من أهـل العلم، بل لا يعرفه أحـد، ولا اعتداد برواياته وأخباره "(3).

    ____________

    1- الأنساب 2 / 137 ـ 138.

    2- دلائل الصدق 2 / 499.

    3- دلائل الصدق 2 / 584.


    الصفحة 98

    أقـول:

    ونحن نذكر طرفاً ممّا قال العلماء بترجمة (الخوارزمي) ليتبيّن صدق الفضل من كذبه كذلك!..

    1 ـ قال الحافظ تقي الدين الفاسي: " الموفّق بن أحمد بن محمّـد بن محمّـد المكّي، أبو المؤيّد، العلاّمة، خطيب خوارزم، كان أديباً فصيحاً مفوَّهاً، خطب بخوارزم دهراً، وأنشأ الخطب، وأقرأ الناس، وتخرَّج به جماعة، وتوفّي بخوارزم في صفر سنة 568..

    وذكره الذهبي هكذا في تاريخ الإسلام "(1).

    وذكره الشيخ محيي الدين ابن أبي الوفاء عبـد القادر القرشي الحنفي في طبقات الحنفية، وقال: " الموفّق بن أحمد بن محمّـد المكّي، خطيب خوارزم، أُستاذ ناصر بن عبـد السيّد، صاحب المغرب، أبو المؤيّد، مولده في حدود سنة 484. ذكره القفطي في أخبار النحاة، أديب فاضل، له معرفة بالفقه والأدب. وروى مصنّفات محمّـد بن الحسن عن عمر بن محمّـد بن أحمد النسفي، ومات سنة 568. فأخذ علم العربية عن الزمخشري "(2).

    2 ـ وقال الحافظ السيوطي: "الموفّق بن أحمد بن... المعروف بأخطب خوارزم، قال الصفدي: كان متمكّناً في العربية، غزير العلم، فقيهاً، فاضلا، أديباً، شاعراً، قرأ على الزمخشري، وله خطب وشعر. قال

    ____________

    1- العقد الثمين في أخبار البلد الأمين 7 / 310.

    2- الجواهر المضية في طبقات الحنفية 3 / 523 رقم 1718.


    الصفحة 99
    القفطي: وقرأ عليه ناصر المطرزي، وُلد في حدود سنة 484، ومات سنة 568 "(1).

    هـذا، وقد اعتمد على الخطيب الخوارزمي ونقل عنه كبار العلماء، مع وصفه بالأوصاف الحميدة والألقاب الجميلة، كالشيخ الإمام أبي المؤيّد محمّـد بن محمود الخوارزمي، صاحب جامع مسانيد أبي حنيفة، فقد روى عنه في الكتاب المذكور في مواضع عديدة، مع وصفه بـ " العلاّمة، أخطب خطباء خوارزم، صدر الأئمّة " ونحو ذلك(2).

  • قوله: " فالطبري من الروافض مشهور بالتشيّع، مع إنّ علماء بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصّب، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره "(3).

    أقـول:

    لقد ناقض الفضل نفسه، فاعتمد على الطبري في كلام له، كما ستعرف في فصل " التناقضات "... ولنذكر جملةً من كلمات علماء قومه في شأن الطبري ليتبيّن صدق الفضل من كذبه!

    قال الذهبي: " محمّـد بن جرير بن يزيد بن كثير، الإمام العلم المجتهد، عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان، مولده سنة 224، وطلب العلم بعد 240، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علماً وذكاءً وكثرة تصانيف، قلّ أنْ ترى العيون مثله... واستقرّ في أواخر أمره ببغداد، وكان

    ____________

    1- بغية الوعاة في أخبار اللغويّين والنحاة: 358.

    2- جامع مسانيد أبي حنيفة 1 / 14 و 30 و 31.

    3- دلائل الصدق 3 / 79.


    الصفحة 100
    من كبار أئمّة الاجتهاد...

    وقال الخطيب: كان أحد أئمّة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في أخبار الأُمم وتأريخهم، وله كتاب التفسير لم يصنّف مثله، وكتاب سمّاه لم أر سواه في معناه، لكن لم يتمّه...

    قلت: كان ثقة صادقاً حافظاً، رأساً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف، علاّمة في التاريخ وأيّام الناس، عارفاً بالقراءات وباللغة وغير ذلك...

    قال الحاكم: سمعت حسينك بن علي يقول: أوّل ما سألني ابن خزيمة فقال لي: كتبتَ عن محمّـد بن جرير الطبري؟ قلت: لا. قال: ولم؟! قلت: لأنّه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه. قال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كلّ من كتبت عنهم وسمعت من أبي جعفر "(1).

    إذاً، كان بينه وبين الحنابلة فقط شيء، لا بينه وبين " علماء بغداد "، وإنّهم كانوا يمنعون من الدخول عليه، لا أنّ العلماء " هجروه "!

    وكم فرق بين كلام ابن روزبهان، وبين الحقيقة والواقع؟!

    وأمّا رمي الطبري بالتشيّع أو الرفض، فلروايته حديث الغدير،

    ____________

    1- سير أعلام النبلاء 14 / 267 ـ 272 رقم 175، وانظر قول الخطيب في تاريخ بغـداد 2 / 163 رقم 589.


    الصفحة 101
    واحتجاجه لتصحيحه، ردّاً على ابن أبي داود!

    وأيضاً: لقوله بجواز مسح الرجلين في الوضوء..

    وقد قال الذهبي: " وكان ممّن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات، من جاهل وحاسد وملحد، فأمّا أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها وقناعته بما كان يرد عليه من حصّة من ضيعة خلّفها له أبوه بطبرستان يسيرة "(1).

    أقـول:

    فليلاحظ حال ابن روزبهان على ضوء كلام الذهبي!

    خامساً ـ النقل والاعتماد على المتعصّبين:

    هـذا، وفي المقابل نراه يعتمد على مَن هو موصوف عندهم بالتعصّب، ويدافع عمّن ذكروا له القوادح الكثيرة المسقطة عن الاعتبار ; ومن ذلك:

  • دفاعه عن الجاحظ:

    لقد نقل العلاّمة (رحمه الله) عن الجاحظ مطلباً في مقام الاحتجاج والإلزام قائلا: " قال الجاحظ، وهو من أعظم الناس عداوةً لأمير المؤمنين عليه السلام "(2).

    فقال الفضل: " وأمّا ما ذكر أنّ الجاحظ كان من أعدائه، فهذا

    ____________

    1- سير أعلام النبلاء 14 / 274.

    2- نهج الحقّ: 253، وانظر: دلائل الصدق 2 / 564.


    الصفحة 102
    كذب "(1).

    أقـول:

    قال ابن تيميّة في كلام له: " نعم، مع معاوية طائفة كـثيرة من المروانية وغيرهم، كالّذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم، يقولون: إنّه كان في قتاله على الحقّ مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّـاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنّفات، مثل المروانية الذي صنّفه الجاحظ "(2).

    فانظر مَن الكاذب؟! وهل الفضل أكثر تعنّتاً من ابن تيميّة؟!

    وإن شئت التفصيل فارجع إلى الجزء السادس من كتابنا الكبير(3).

  • اعتماده على ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات ":

    لقد حكم الفضل على كثير من أحاديث مناقب أمير المؤمنين عليه السلام بالبطلان والوضع، ولمّا لم يكن عنده أيّ دليل على مدّعاه، ذكر كلام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه الموضوعات!

    فمن ذلك ردّه على استدلال العلاّمة بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: " كنت أنا وعليٌّ بن أبي طالب نوراً بين يدي الله... " بقوله: " ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتاب الموضوعات من طريقين، وقال: هذا

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 565.

    2- منهاج السُـنّة 4 / 399.

    3- نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 6 / 260 ـ 310.


    الصفحة 103
    حديث موضوع على رسول الله... "(1).

    كما إنّه طعن في بعض الرواة الّذين نقل عنهم العلاّمة، ولم يذكر دليلا على طعنه إلاّ كلام ابن الجوزي في كتاب الموضوعات..

    ومن ذلك قوله في الكلبي: " قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات: " وكان من كبار الكذّابين: وهب بن وهب القاضي، ومحمّـد بن السائب الكلبي، و... " قال: " والغرض أنّ محمّـد بن السائب الكلبي من الكذّابين الوضّاعين "(2).

    أقـول:

    ونحن مضطرّون هنا إلى ذِكر بعض كلمات أئمّة القوم في ابن الجوزي وفي خصوص كتاب الموضوعات، ليتبيّن السبب الحقيقي لاعتماد الفضل عليه وعلى كتابه في مقابلة العلاّمة في مثل هذه المواضع، ولكي تعرف حقيقة حال الفضل أيضاً!

    قال الذهبي ـ بترجمة أبان بن يزيد العطّار ـ: " قد أورده العلاّمة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه. وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق "(3).

    وقال بترجمة ابن الجوزي: " كان كثير الغلط في ما يصنّفه... له وهم كثير في تواليفه... "(4).

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 349.

    2- دلائل الصدق 3 / 572.

    3- ميزان الاعتدال 1 / 130 رقم 20.

    4- تذكرة الحفّاظ 4 / 1347 رقم 1098.