الصفحة 104

وقال ابن حجر الحافظ ـ بترجمة ثمامة بن الأشرس، بعد قصّة ـ: " دلّـت هذه القصّـة على إنّ ابن الجوزي حاطب ليل لا ينـقد ما يحدّث بـه "(1).

وقال السيوطي: " قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجـوزي بالحفـظ عندنا باعـتبار الصنعة، بل باعـتبار كثرة اطّـلاعه وجمعـه "(2).

وقال السيوطي: " واعلم أنّه جرت عادة الحفّاظ ـ كالحاكم وابن حبّان والعقيلي وغيرهم ـ أنّهم يحكمون على حديث بالبطلان من حيثية سند مخصوص، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفاً من وجه آخر، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به، فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع مطلقاً، ويورده في كتاب الموضوعات، وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر "(3).

وقال السيوطي بشرح النواوي مازجاً بالمتن: " وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين، أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر في كتابه كثيراً ممّا لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف، بل وفيه الحسن والصحيح، وأغرب من ذلك أنّ فيها حديثاً من صحيح مسلم! قال الذهبي: ربّما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قويّة "(4).

____________

1- لسان الميزان 2 / 83.

2- طبقات الحفّاظ: 480.

3- التعقيبات على الموضوعات ـ مقدّمة الكتاب / طبعة الهند.

4- تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي 1 / 278.


الصفحة 105

أقـول:

فهل كان ابن روزبهان جاهلا بحال ابن الجوزي وكتابه؟!

سادساً ـ نقل المطلب عن كتاب وليس فيه، ونفي وجوده في كـتاب وهو فيه:

ثمّ إنّه قد ينقل الحديث أو غيره من كتاب من الكتب، ويظهر بعد المراجعة عدم وجوده فيه.. وبالعكس، عندما يستدل العلاّمة بحديث أو ينسب إلى القوم عقيدةً أو قولا، فينفي وجوده أو ما يفيده في الكتاب أو شيء من الكتب.. وهذه موارد من ذلك:

  • ذكر العلاّمة أقوالا للأشاعرة في الجواب عمّا أورد عليهم في مسألة الكسب، فقال الفضل:

    " وأمّا هذه الأقوال التي نقلها عن الأصحاب فما رأيناها في كتبهم ".

    فذكر الشيخ المظفّر أنّها موجودة في شرح المقاصد.

    والعجيب أنّه مع قوله: " فما رأيناها في كتبهم " يقول بالنسبة إلى القول الثاني من تلك الأقوال: " هو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاّني من الأشاعرة "(1).

  • وذكر الفضل قصّة زنا المغيرة ودرء عمر الحدّ عنه، بنحو ينزّه فيه المغيرة عن ذلك الفعل الشنيع وعمر عن تعطيل حدّ الله فيه، فقال:

    ____________

    1- دلائل الصدق 1 / 540 و 541 و 547.


    الصفحة 106
    " هذا رواية الثقات، ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة، وذكره البخاري في تاريخه، وابن الجوزي، وابن خلّكان، وابن كثير، وسائر المحدّثين، وأرباب التاريخ في كتبهم "..

    قال: " وعلى هذا الوجه هل يلزم طعن؟! "(1).

    فقال الشيخ المظـفّر في الجـواب: " قبـح الكذب عقلي وشـرعي، ولا سيّما في مقام تحقيق المذهب الحقّ الذي يسأل الله العبد عنه، وأقبح منه عدم المبالاة به وعدم الحياء ممّن يطّلع عليه.

    أنت ترى هذا الرجل يفتعل قصّةً وينسبها إلى كتب معروفة، وما رأيناه منها خال عن أكثر هذه القصّة، كتاريخ الطبري ووفيات الأعيان... ولنذكر ما في تاريخ الطبري ووفيات الأعيان لتعلم كذبه في ما نسبه إليهما، ونسـتدلّ به على كذبه في ما نسبه إلى غيرهما... "(2).

  • وقال الفضل ـ في الدفاع عن عثمان في إيوائه الحكم بن أبي العاص وأهله ـ:

    " روى أرباب الصحاح أنّ عثمان لمّا قيل له: لِمَ أدخلت الحكم بن أبي العاص؟! قال: استأذنت رسول الله في إدخاله فأذن لي، وذكرت ذلك لأبي بكر وعمر فلم يصدّقاني، فلمّا صرت والياً عملت بعلمي في إعادتهم إلى المدينة. وهذا مذكور في الصحاح، وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة إنكار باطل لا يوافقه نقل الصحاح... "(3).

    ____________

    1- دلائل الصدق 3 / 149.

    2- دلائل الصدق 3 / 149 ـ 150.

    3- دلائل الصدق 3 / 258.


    الصفحة 107

    أقـول:

    قد ادّعى هذا قاضي القضاة عبـد الجبّار المعتزلي، واعترض عليه السيّد المرتضى علم الهدى ـ كما نقل العلاّمة عنه ـ بأنّ هذا ـ قول قاضي القضاة ـ لم يُسمع من أحد، ولا نُقل في كتاب، ولا يُعلم من أين نقله القاضي؟! أو في أيّ كتاب وجده؟!(1).

    وهنا أيضاً يقول الشيخ المظفّر: " لا أثر لهذا الخبر في صحاحهم بحسب التتبّع، ولم أجد من نقله عنها، ولو كان موجوداً فيها فلِمَ لمْ يعيّن الكتاب ومحلّ ذِكره منه بعد إنكار المرتضى (رحمه الله)... "(2).

  • وذكر الفضل مطلباً ـ في مقام الدفاع عن عثمان وتبرئته عن تعطيل حدّ الله في عبيـد الله بن عمر ـ ونسبه إلى التواريخ قائلا:

    " هذا ما كان من أمر الهرمزان على ما ذكره أرباب صحاح التواريخ، ونقله الطبري وغيره... "(3).

    فقال الشيخ المظفّر: " عجباً لهذا الرجل من عدم حيائه من الكذب وعدم مبالاته به، فإنّه نسب ما ذكره في قصّة الهرمزان إلى الطبري وغيره، وقد نظرت تاريخ الطبري وغيره ممّا حضرني من كتبهم، فلم أجد بها... "(4).

    ____________

    1- نهج الحقّ: 292، وانظر: دلائل الصدق 3 / 256.

    2- دلائل الصدق 3 / 259.

    3- دلائل الصدق 3 / 310.

    4- دلائل الصدق 3 / 310.


    الصفحة 108

    سابعاً ـ التحريفات في الروايات والكلمات:

    وما أكثر تحريفات الفضل في الأخبار والروايات وكلمات العلماء، بزيادة أو نقيصة، وهو في نفس الوقت يتّهم العلاّمة والشيعة بالاختلاق والافتراء، ونحن نذكر من ذلك موارد، ليزداد الباحث المنصف بصيرةً واطّلاعاً على واقع حال الفضل وقومه:

  • قال العلاّمة ـ في مبحث أنّ الأنبياء معصومون، في ذكر ما في كتب القوم من الإهانة والقدح في الأنبياء ـ: " وفي الصحيحين، عن عبـد الله بن عمر: أنّه كان يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أنّه دعا زيد بن عمرو بن نفيل، وذلك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله، فقدّم إليه رسول الله سفرةً فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثمّ قال: إنّي لا آكل ما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل ممّا لم يذكر اسم الله عليه ".

    قال العلاّمة: " فلينظر العاقل: هل يجوز له أنْ ينسب نبيّه إلى عبادة الأصنام والذبح على الأنصاب ويأكل منه، وأنّ زيد بن عمرو بن نفيل كان أعرف بالله منه وأتمّ حفظاً ورعاية لجانب الله تعالى ; نعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة "(1).

    فقال الفضل:

    " من غرائب ما يستدلّ به على ترك أمانة هذا الرجل وعدم الاعتماد والوثوق على نقله: رواية هذا الحديث. فقد روى بعض الحديث ليستدلّ به على مطلوبه، وهو الطعن في رواية الصحاح، وما ذكر تمامه، وتمام

    ____________

    1- نهج الحقّ: 155، وانظر: دلائل الصدق 1 / 662.


    الصفحة 109
    الحديث: أنّ رسول الله لمّا قال زيد بن عمرو بن نفيل هذا الكلام قال: وأنا أيضاً لا آكل من ذبيحتهم وممّا لم يُذكر اسم الله عليه ; فأكلا معاً.

    وهذا الرجل لم يذكر هذه التتمّة من الطعن في الرواية، نسأل الله العصمة من التعصّب، فإنّه بئس الضجيع "(1).

    أقـول:

    قد ذكر العلاّمة الحديث عن " الصحيحين "، أمّا الفضل فادّعى وجود التتمّة ولم ينسبها إلى كتاب! وجعل يتّهم العلاّمة! وقد قال الشيخ المظفّر: " قد راجعنا صحيح البخاري، فوجدنا الحديث أثر أبواب المناقب، وفي باب ما ذُبح على النصب والأصنام من كتاب الذبائح، وما رأينا لهذه التتمّة أثـراً(2).

    وقد رواه أحمد في مسنده، ولم يذكر ما أضافه الخصم(3).

    وليست هذه أوّل كلمة وضعها، بل سبق له مثلها قريباً في روايات اللهو، وسيأتي له أمثالها.

    ولا عجب، فإنّها سُـنّة لهم في غالب أخبارهم، ومنها أصل هذا الحديث، ولكنّي أعجب من إرعاده وإبراقه وسؤاله العصمة عن التعصّب، ونسبته إلى المصنّف عدم الأمانة! وكأنّه يريد بذلك أن يدعو قومه إلى

    ____________

    1- دلائل الصدق 1 / 662.

    2- صحيح البخاري 5 / 124 ح 312 و ج 7 / 165 ح 31، ولم نجده في صحيح مسلم، وانظر: السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 55 ح 8189، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ 2 / 121 ـ 122، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ 2 / 275 ح 1424.

    3- انظر: مسند أحمد 1 / 189 و ج 2 / 69 و 89 و 127.


    الصفحة 110
    إضافة هذه التتمّة "(1).

  • وقال العلاّمة: " من مسند أحمد..: لمّا نزل ( وأنذر عشيرتك الأقربين )(2) جمع النبيّ من أهل بيته ثلاثين، فأكلوا وشربوا ثلاثاً، ثمّ قال لهم: من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون خليفتي، ويكون معي في الجنّة؟ فقال عليٌّ: أنا ; فقال: أنت "(3).

    فقال الفضل: " وفي مسند أحمد بن حنبل (ويكون خليفتي) غير موجود، بل هو من إلحاقات الرافضة. وهذان الكتابان اليوم موجودان وهم لا يبالون من خجلة الكذب والافتراء "(4).

    أقـول:

    الحديث رواه العلاّمة عن مسند أحمد والكتابان موجودان ـ كما ذكر الفضل ـ، وقد قال الشيخ المظـفّر في جوابه: " من أعجب العجب أن يكذب هذا الرجل وينسب الكذب إلى آية الله المصنّف (رحمه الله)، وشدّد النكير عليه وعلى علمائنا أهل الصدق والأمانة.

    وإذا أردت أنْ تعرف كذبه فراجع المسند ص 111 من الجزء الأوّل، تجد الحديث مشتملا على لفظ (خليفتي).

    وهكذا نقله في الكنز عن المسند، وعن ابن جرير، قال: وصحّحه،

    ____________

    1- دلائل الصدق 1 / 662 ـ 663.

    2- سورة الشعراء 26: 214.

    3- نهج الحقّ: 213، وانظر: دلائل الصدق 2 / 359.

    4- دلائل الصدق 2 / 359.


    الصفحة 111
    وعن الطحاوي والضياء في المختارة(1)... "(2).

  • وقال العلاّمة في حديث تزويج أمير المؤمنين بالزهراء عليهما السلام: " في مسند أحمد بن حنبل: إنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاطمة عليها السلام، فقال: إنّها صغيرة ; فخطبها عليٌّ فزوّجها منه(3) "(4).

    فقال الفضل: " صحّ في الأخبار أنّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمة فقال رسول الله: إنّي أنتظر أمر الله فيها، ولم يقل: إنّها صغيرة، وهذا افتراء على أحمد بن حنبل، وكلّ من قال هذا فهو مفتر على رسول الله وناسباً(5)للكذب إليه... "(6).

    فقال الشيخ المظفّر: " ما نقله المصنّف (رحمه الله) عن المسند قد رواه بعينه النسائي في أوائل كتاب النكاح من سننه، في باب تزويج المرأة مثلها في السـنّ(7)، ورواه الحاكم وصحّحه على شرط الشيخين ولم يتعقّبه الذهبي(8)... "(9).

    ____________

    1- كنز العمّال 13 / 128 ح 36408.

    2- دلائل الصدق 2 / 360.

    3- فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 761 ح 1051.

    4- نهج الحقّ: 222، وانظر: دلائل الصدق 2 / 447.

    5- كـذا في الأصل، والصحيح: " ناسـبٌ " بالرفع.

    6- دلائل الصدق 2 / 447.

    7- سنن النسائي 6 / 62، السنن الكبرى ـ للنسائي أيضاً ـ 3 / 265 ح 5329 و ج 5 / 143 ح 8508.

    8- المستدرك على الصحيحين 2 / 181 ح 2705، ورواه ابن حبّـان في صحيحه 9 / 51 ح 6909.

    9- دلائل الصدق 2 / 447 ـ 448.


    الصفحة 112

  • وقال العلاّمة ـ في اعتراضات عمر على النبيّ بسوء أدب ـ: " وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي، في مسند عبـد الله بن عمر بن الخطّاب: إنّه لمّا توفّي عبـد الله بن أبي سلول، جاء ابنه عبـد الله إلى رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فسأله أن يصلّي عليه، فقام رسول الله ليصلّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يا رسول الله! أتصلّي عليه وقد نهاك ربّك أنْ تصلّي عليه؟! فقال رسول الله: إنّما خيّرني الله تعالى(1)... "(2).

    فقال الفضل: " غيَّر الحديث عن صورته، والصواب ـ من رواية الصحاح ـ أنّ عمر قال لرسول الله: أتصلّي عليه وهو قال كذا وكذا؟! وطفق يعدّ مثالبه وما ظهر عليه من نفاقه، فقال رسول الله: دعني! فأنا مأمور ومخيَّر ; فصلّى عليه، فأنزل الله تصديقاً لفعل عمر ونهيه عن الصلاة عليه قوله: ( ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره... )(3) الآية ; وهذا من مناقب عمر حيث وافقه الله على فعله وأنزل على تصديق قوله القرآن... "(4).

    فقال الشيخ المظفّر في جوابه: " قد روى البخاري هذا الحديث بألفاظه التي ذكرها المصنّـف (رحمه الله)(5)، وكذلك مسلم في فضائل عمر(6)، وفي أوّل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم(7).. فما نسبه الفضل إلى

    ____________

    1- الجمع بين الصحيحين 2 / 219 ح 1335.

    2- نهج الحقّ: 338، وانظر: دلائل الصدق 3 / 503.

    3- سورة التوبة 9: 84.

    4- دلائل الصدق 3 / 503.

    5- صحيح البخاري 6 / 129 ح 190 و 192.

    6- صحيح مسلم 7 / 116.

    7- صحيح مسلم 8 / 120.


    الصفحة 113
    المصنّف (رحمه الله) من تغيير صورة الحديث جهل وتحامل.

    بل الفضل هو الذي غيّر صورة الحديث الذي صوّبه... "(1).

  • وقال العلاّمة ـ في زيادة عمر في الأذان: الصلاة خير من النوم ـ: " روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في حديث أبي محذورة سمرة ابن مِعْيَر لمّا علّمه الأذان(2)... "(3) فلم يذكر فيه: " الصلاة خير من النوم ".

    فقال الفضل: " روى مسلم في صحيحه، وكذا الترمذي والنسائي في صحيحهما، عن أبي محذورة، قال: قلت: يا رسول الله! علّمني الأذان، فذكر الأذان وقال بعد (حيّ على الفلاح): فإنْ كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم "(4).

    فقال الشيخ المظفّر: " ما أصلف وجهه وأقلّ حيائه، كيف افترى في حـديث أبي محذورة هذه الزيادة على صحيح مسلم وهو بأيدي الناس، ولا أثر لها فيه(5)، كما إنّه لا وجود لهذا الحديث في صحيح الترمذي حتّى بدون الزيادة، وإنّما أشار إليه إشارة(6).

    نعم، هو موجود بالزيادة في صحيح النسائي، في الأذان في السفر، من طريق واحد ضعيف(7)، ورواه قبله من طرق بدون هذه الزيادة(8)... "(9).

    ____________

    1- دلائل الصدق 3 / 504.

    2- الجمع بين الصحيحين 3 / 503 ح 3061.

    3- نهج الحقّ: 351، وانظر: دلائل الصدق 3 / 554.

    4- دلائل الصدق 3 / 555.

    5- صحيح مسلم 2 / 3 الحديث الأوّل من باب صفة الأذان.

    6- سنن الترمذي 1 / 366 ح 191 و 192.

    7- سنن النسائي 2 / 7.

    8- سنن النسائي 2 / 4 ـ 6.

    9- دلائل الصدق 3 / 555.


    الصفحة 114

  • وقال العلاّمة: " روى البخاري ومسلم في صحيحهما: قال عمر للعبّـاس وعليّ: فلمّا توفّي رسول الله قال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله، فجئتما أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيـها.. فقال أبو بكر: قال رسول الله: لا نورّث ما تركنا صدقة.

    فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ; والله يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحـقّ.

    ثمّ توفّي أبو بكر فقلتُ: أنا وليّ رسول الله ووليّ أبي بكر ; فرأيتـماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحـقّ... ".

    قال العلاّمة: "... إنّه وصف اعتقاد عليّ والعبّـاس في حقّه وحقّ أبي بكر بأنّهما كاذبان آثمان غادران خائنان.. فإنْ كان اعتقاده فيهما حقّـاً وكان قولهما صدقاً، لزم تطرّق الذمّ إلى أبي بكر وعمر، وأنّهما لا يصلحان للخلافة.. وإنْ لم يكن كذلك، لزم أن يكون قد قال عنهما بهتاناً وزوراً إنْ كان اعتقاده مخطئاً، وإنْ كان مصيباً لزم تطـرّق الذمّ إلى عليّ والعبّـاس حيث اعتقدا في أبي بكر وعمر ما ليس فيهما(1)... "(2).

    أقـول:

    هذا ما نقله العلاّمة من الصحيحين وعلّق عليه بأُمور منها ما ذكرناه.

    فقال الفضل: " هذا كلام أدخله هذا الكاذب في الحديث الصحيح من رواية البخاري... وليس فيه ما قال: (فرأيتماه كاذباً غادراً خائناً) حتّى

    ____________

    1- صحيح مسلم 5 / 152، وسيأتي ما في صحيح البخاري.

    2- نهج الحقّ: 364 ـ 366، وانظر: دلائل الصدق 3 / 600.


    الصفحة 115
    يحتاج إلى الاعتذار "(1).

    أقـول:

    قال العلاّمة: " روى البخاري ومسلم في صحيحهما... " فذكر القصّة عنهما، ونحن نذكر لك واقع حال اللفظ الذي أنكره الفضل ونسب إدخاله في الحديث إلى العلاّمة، كي تعرف الحقيقة، وأنّ العلاّمة لم يُدخِل في الحديث، وإنّما الخيانة من البخاري ومن لفّ لفّه!!

    أخرج مسلم في صحيحه عن مالك بن أوس: إنّ عمر قال مخاطباً لعليّ والعبّـاس:

    " فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال أبو بكر: أنا وليُّ رسول الله ; فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول الله: ما نورّث ما تركنا صدقة ; فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ. ثمّ توفّي أبو بكر، وأنا وليّ رسول الله ووليّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ "(2).

    هذا نصُّ الحديث في صحيح مسلم.

    وقد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، ولكنّه في كلّ موضع بلفظ يختلف عن غيره!

  • فأخرجه في باب فرض الخمس باللفظ التالي: "... فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، والله

    ____________

    1- دلائل الصدق 3 / 603.

    2- صحيح مسلم 5 / 152، كتاب الجهاد، باب حكم الفيء.


    الصفحة 116
    يعلم أنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ; ثمّ توفّى الله أبا بكر، فكنت أنا وليّ أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمله رسول الله وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ "(1).

    فحـذف البخـاري مـن الحـديـث كلـتا الـفـقرتيـن: " فـرأيتمـاه... " و " فرأيتماني... ".

  • وأخرجه في كتاب المغازي في حديث بني النضير: " فقبضه أبو بكر، فعمل فيه بما عمل رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وأنتم حينئذ ـ فأقبل على عليّ وعبّـاس وقال: ـ تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان، والله يعلم أنّه فيه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ. ثمّ توفّى اللهُ أبا بكر، فقلت: أنا وليّ رسول الله وأبي بكر، فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه بما عمل فيه رسول الله وأبو بكر، والله يعلم أنّي فيه صادق بارّ راشد تابع للحقّ... "(2).

    فأسقط فقرة: " فرأيتماه... " وجعل مكانها " تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان "، وحذف الفقرة الثانية.

  • وأخرجه في كتاب النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سـنته:

    " فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وأنتما حينئذ ـ وأقبل على عليّ وعبّـاس ـ تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا ; والله يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ ; ثمّ توفّى الله أبا بكر فقلتُ: أنا وليّ رسول الله وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما

    ____________

    1- صحيح البخاري 4 / 180 ضمن ح 3.

    2- صحيح البخاري 5 / 207 ضمن ح 78.


    الصفحة 117
    عمل رسول الله وأبو بكر... "(1).

    فأسقط الفقرة الأُولى وجعل مكانها: " تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا " وأسقط الفقرة الثانية.

  • وأخرجه في كتاب الفرائض، باب قول النبيّ: لا نورّث ما تركنا صدقة:

    " فتوفّى الله نبيّه فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله، فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله، ثمّ توفّى الله أبا بكر فقلت: أنا وليّ وليّ رسول الله، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر... "(2).

    فحذف الفقرتين معاً، ولم يجعل شيئاً مكانهما!

  • وأخرجه في كتاب الاعتصام، باب ما يكره من التعمّق والتنازع:

    " ثمّ توفّى الله نبيّه فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله، وأنتما حينئذ ـ وأقبل على عليّ وعبّـاس فقال: ـ تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا، والله يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ ; ثمّ توفّى الله أبا بكر فقلت: أنا وليّ رسول الله وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله وأبو بكر... "(3).

    فحذف الفقرة الأُولى، ووضع مكانها " تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا "، أمّا الفقرة الثانية فقد حذفها!

    فممّن هذا التلاعب بالأخبار؟! وهل الفضل يجهل هذا أو يتجاهل؟! ولماذا يتّهم العلاّمة والإماميّة؟!

    ____________

    1- صحيح البخاري 7 / 114 ضمن ح 93.

    2- صحيح البخاري 8 / 267 ضمن ح 5.

    3- صحيح البخاري 9 / 178 ضمن ح 76.


    الصفحة 118

  • وقال العلاّمة ـ في مبحث عصمة الأنبياء ـ: " وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، قالت عائشة: رأيت النبيّ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر(1).

    وروى الحميدي عن عائشة، قالت: دخل علَيَّ رسول الله وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبيّ. فأقبل عليه رسول الله وقال: دعها. فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا(2)... "(3).

    فقال الفضل: " وأمّا منع أبي بكر عنه، فإنّه كان يعلم جوازه في أيّام العيد، وتتمّة الحديث: أنّ النبيّ قال لأبي بكر: (دعهما، فإنّها أيّام عيد) فلذلك منعه أبو بكر، فعلّمه رسول الله أنّ ضرب الدفّ والغناء ليس بحرام في أيّام العيد "(4).

    أقـول:

    أين هذه التتمّة؟! ومن أين جاء بها الفضل؟!

    قال الشيخ المظفّر: " وأمّا ما ذكره من تتمّة الحديث، فمن إضافاته، على إنّها لا تنفعه بالنظر إلى تلك الأُمور السابقة، ومن أحبّ الاطّلاع على كذبه في هذه الإضافة ـ أعني قوله: (فإنّها أيّام عيد) ـ تعليلا لقوله لأبي بكر: " دعها " فليراجع الباب الثاني من كتاب العيدين من صحيح البخاري(5)،

    ____________

    1- الجمع بين الصحيحين 4 / 52 ح 3168.

    2- الجمع بين الصحيحين 4 / 53 ضمن ح 3168.

    3- نهج الحقّ: 149، وانظر: دلائل الصدق 1 / 631.

    4- دلائل الصدق 1 / 632.

    5- صحيح البخاري 2 / 54 ح 2.


    الصفحة 119
    وآخر كتاب العيدين من صحيح مسلم(1) "(2).

  • وآخر تحريف من الفضل نذكره: تحريفه كلام الحافظ القاضي عياض، وتفصيل ذلك:

    إنّ العلاّمة (رحمه الله) ذكر ـ في معرض ما في كتب القوم من الصحاح وغيرها من الهتك لنبيّنا وسائر الأنبياء (عليهم السلام) ـ قصّة " الغرانيق "(3).

    فأنكر الفضل وجود القصّة في الصحاح.. ثمّ قال في آخر كلامه: " وذكر الشيخ الإمام القاضي أبو الفضل موسى بن عياض(4) اليحصبي المغربي في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى أنّ هذا من مفتريات الملاحدة ولا أصل له، وبالغ في هذا كلّ المبالغة "(5).

    فقال الشيخ المظفّر: " وأمّا ما نسبه إلى القاضي عياض في كتاب الشـفا فافتراء عليه ; لأنّه إنّما قال: " صدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بُلي الناس ببعض الأهواء والتفسير وتعلّق بذلك الملحدون(6) "(7).

    ____________

    1- صحيح مسلم 3 / 22.

    2- دلائل الصدق 1 / 637.

    نـقول: إنّ جملة " فإنّها أيّام عيد " غير موجودة في الحديثين المشار إليهما، والتي ادّعى الفضل أنّها موجودة فيهما ; ولذلك تمسّك الشيخ المظفّر (قدس سره) بتكذيبه.. إلاّ أنّ هذه الجملة مذكورة بعينها في حديث آخر من صحيح البخاري هو غير محلّ النزاع، فانظر: صحيح البخاري 2 / 68 ح 34 ; فـلاحـظ!

    3- نهج الحقّ: 143، دلائل الصدق 1 / 598.

    4- كـذا! والصواب: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض.

    5- دلائل الصدق 1 / 604.

    6- الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 125.

    7- دلائل الصدق 1 / 604.


    الصفحة 120

    ثامنـاً ـ التـناقض:

    وكم من مورد ناقض الفضل فيه نفسه.. نكتفي من ذلك بذِكر موردين:

  • قال العلاّمة طاب ثراه في مباحث أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام)المستلزمة لإمامته: " المطلب الثاني: العِلم. والناس كلّهم ـ بلا خلاف ـ عيال عليه في المعارف الحقيقية والعلوم اليقينية والأحكام الشرعية والقضايا النقلية... وروى الترمذي في صحيحه: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها(1)... "(2).

    فقال الفضل في جوابه: " ما ذكره من علم أمير المؤمنين، فلا شكّ أنّه من علماء الأُمّة، والناس محتاجون إليه فيه، وكيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف، فلا نزاع لأحد فيه.

    وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي، فصحيح(3)... "(4).

    ____________

    1- اللفظ الموجود فعلا في سنن الترمذي هو: " أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها " وجاء في ذيله: " وفي الباب عن ابن عبّـاس ".. ومن المعروف أنّ حديث ابن عبّاس هو: " أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها " كما في مصادر الحديث، وقد ذكر ابن حجر هذا الحديث نقلا عن الترمذي وغيره.

    انظر: سنن الترمذي 5 / 596 ح 3723، الصواعق المحرقة: 189.

    2- نهج الحقّ: 235 ـ 236، وانظر: دلائل الصدق 2 / 515.

    3- نقل غير واحد من علماء الشـيعة والسُـنّة حديث: " أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها " من صحيح الترمذي وصرّحوا وأقـرّوا بوجوده فيه وبصحّته، لكنّ هذا الحديث غير موجود في نسخ صحيح الترمذي المتداولة اليوم، فهو من الأحاديث الصحيحة التي أسقطتها يد الخيانة والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) من الصحاح والمسانيد والسـنن!

    وقد تقدّم تخريج الحديث في الصفحة 39 هـ 6 والصفحة 40 هـ 1 ; فراجـع.

    4- دلائل الصدق 2 / 515.


    الصفحة 121

    وأقـول:

    قال الفضل في حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه " من علماء الأُمّة ".. فإنْ أراد أنّه " من علماء الأُمّة " بمعنى أنّ في الأُمّة من يسـاويه في العلم، فهـذا لا يجتمع مع كونه " وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف "، فيحصل التناقض.

    وإنْ أراد أنّه " من علماء الأُمّة " لكنْ لا يساويه غيره فيه، لكونه " وصيّ النبي... " فقد اعترف بأعلمية الإمام (عليه السلام) بالنسبة إلى غيره، وهذا هو المطلوب، ولكـنّه لا يعترف به مكابرة وعناداً للحقّ.

  • واستدلّ العلاّمة (رحمه الله) برواية أبي جعفر محمّـد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير المشهورَين، في قضيّة إقدام عمر على إحراق بيت أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)(2).

    فأجاب الفضل قائلا: " من أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر، وهو إحراق عمر بيت فاطمة.

    وما ذكر أنّ الطبري ذكره في التاريخ، فالطبري من الروافض، مشهور بالتشيّع، مع إنّ علماء بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصّب، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره، وكلّ من نقل هذا الخبر فلا يشكّ أنّه رافضي متعصّب، يريد إبداء القدح والطعن على الأصحاب، لأنّ العاقل المؤمن

    ____________

    1- تاريخ الطبري 2 / 233.

    2- نهج الحقّ: 271، وانظر: دلائل الصدق 3 / 78.


    الصفحة 122
    الخبير بأخبار السلف ظاهر عليه أنّ هذا الخبر كذب صراح وافتراء بيّن... "(1).

    فهنا يطعن في الطبري صاحب التاريخ وفي كتابه، ويسقطه عن الاعتبار.

    لكنّه في بعض الموارد الأُخرى يعتمد عليه ويحتجّ بروايته..

    فمثلا: عندما يريد الدفاع عن عمر في قضيّة تعطيله حدّ المغيرة بن شعبة في الزنا، يقول بعد نقل الخبر: " هذا رواية الثقات، ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة "(2)(3).

    ومثلا: عندما يريد الدفاع عن عثمان في تعطيله حدّ عبيـد الله بن عمر في قتل الهرمزان، يأتي بخبر فيقول:

    " هذا ما كان من أمر الهرمزان على ما ذكره أرباب صحاح التواريخ، ونقله الطبري وغيره(4) "(5).

    فاعتماده على الطبري بعد كلامه المذكور في جرحه تناقض.

    بل نقل في مورد آخر عنه وعن ابن الجوزي مع النصّ على كونهما " من أرباب صحّة الخبر "! وهذا لفظه:

    " خروج أبي ذرّ ـ على ما ذكره أرباب الصحاح، وذكره الطبري(6) وابن

    ____________

    1- دلائل الصدق 3 / 79.

    2- ولا يخفى أنّ الخبر الذي أورده غير موجود في تاريخ الطبري، وإنّما ذُكرت القصّة باختلاف ; راجع: تاريخ الطبري 2 / 492 ـ 494.

    3- دلائل الصدق 3 / 149.

    4- ولا يخفى أنّ الخبر الذي أورده غير موجود في تاريخ الطبري.

    5- دلائل الصدق 3 / 310.

    6- انظر: تاريخ الطبري 2 / 615.


    الصفحة 123
    الجوزي من أرباب صحّة الخبر ـ أنّه ذهب إلى الشام، وكان مذهب أبي ذرّ أنّ قوله تعالى: ( والّذين يكنزون الذهب والفضّة )(1) محكم غير منسوخ، وكنز الذهب والفضّة حرام وإنْ أخرجوا زكاته، ومذهب عامة الصحابة والعلماء أنّها منسوخة بالزكاة... "(2).

  • ومن تناقضاته: إنّه عدّ عمر بن عبـد العزيز في الخلفاء الراشدين، في معنى حديث الأئمّة بعدي اثنا عشر...(3).

    وهو مع ذلك ذكر نزول الآية ( والشجرة الملعونة في القرآن )(4)في أولاد مروان.. وهذا كلامه في الدفاع عن معاوية، حين قال العلاّمة: " إنّه نزل في حقّه وحقّ أنسابه ( والشجرة الملعونة في القرآن ) "(5) قال:

    " هذه الآية اختُلف في شأن نزولها، قال بعضهم: نزلت في رؤيا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وأنّه رأى في الرؤيا أولاد مروان ينزون على منبره ; ولم يذكر أحد من علماء السُـنّة أنّه نزل في معاوية(6) "(7).

  • ومن تناقضاته: إنّه منع من لعن معاوية وذكر مساوئه، وقال بأنّ ذِكر مطاعنه محض الغِـيبة الضارّة وقد قال رسـول الله: لا تـذكروا موتـاكم

    ____________

    1- سورة التوبة 9: 34.

    2- دلائل الصدق 3 / 298.

    3- دلائل الصدق 2 / 486.

    4- سورة الإسراء 17: 60.

    5- نهج الحقّ: 312، وانظر: دلائل الصدق 3 / 390.

    6- وهذا منه مغالطة، فالعلاّمة لم يذكر نزولها في معاوية خصوصاً، بل مراده أنّها نزلت في بني أُميّة، ومعاوية منهم.

    7- دلائل الصدق 3 / 390.


    الصفحة 124
    إلاّ بالخير. وهو يقـرّ بصحة حديث " ويح عمّار تقتله الفئة الباغية " ويعترف بأنّ أصحاب معاوية قتلوا عمّاراً، وهم الفئة الباغية(1).

  • ومن تناقضاته قوله: " مذهب عامّة العلماء أنّه يجب تعظيم الصحابة كلّهم والكفّ عن القدح فيهم، لأنّ الله تعالى عظّمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه "(2) ثمّ قوله عن سورة الجمعة: " فأنزل الله الآية في شأن من يذهب ويترك رسول الله قائماً، وفي كلّ طائفة يكون عوامّ وخواصّ، ولا يبعد هذا عن الإنسان "(3).

    أقـول:

    فهل يرى وجوب تعظيم هؤلاء أيضاً؟!

    تاسعاً ـ الخروج عن البحث، والإباء عن الإقرار بالحقّ:

    وهذا أيضاً ممّا يلوح للناظر في كتابه بكثرة:

  • فمثلا: قال العلاّمة طاب ثراه: " الرابع عشر ـ من مسند أحمد بن حنبل، وفي الصحاح السـتّة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من عدّة طرق: إنّ عليّـاً منّي وأنا من عليّ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ... "(4).

    فانظر إلى كلام الفضل في جوابه: " اتّصال النبيّ بعليّ في النسب،

    ____________

    1- دلائل الصدق 3 / 353.

    2- دلائل الصدق 3 / 398.

    3- دلائل الصدق 3 / 423 ـ 424.

    4- نهج الحقّ: 218، وانظر: دلائل الصدق 2 / 420.


    الصفحة 125
    وأُخوّة الإسلام، والنصرة والمؤازرة، غير خفيّ على أحد، ولا دلالة على النصّ بخلافته، لأنّ مثل هذا الكلام قال رسول الله لغير عليّ، كما ذُكر أنّه قال: الأشعريّون إذا قحطوا أرملوا، أنا منهم وهم منّي ; ولا شكّ أنّ الأشعريّين بهذا الكلام لم يصيروا خلفاء، فلا يكون هذا نصّـاً "(1).

    أقـول:

    وهكذا عارض الفضل حديث الصحاح السـتّة وغيرها بحديث رووه في الأشعريّين..

    ألا يعلم الفضل عدم ورود جملة " وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي " في حقّ أحد غير عليّ (عليه السلام)؟!

    ألا يعلم عدم ورود جملة " لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ " في حقّ أحد سـواه؟!

    هذا، وقد جاءت جملة: " إنّ عليّـاً منّي وأنا من عليّ " متعقَّبةً بهاتين الجملتين، لتدلّ على معنىً غير المعنى المراد منها في حديث الاشعريّين إنْ صـحّ...

    وكلّ هذه الأُمور يعلمها الفضل، لكنّه يخرج عن البحث فراراً من الإقرار بالحقّ!

  • وكذلك تجده يأبى الإقرار بالحقّ في مسألة أشجعية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالعلاّمة (رحمه الله) يقول: " أجمع الناس كافّة على إنّ عليّـاً (عليه السلام)كان أشجع الناس بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)... "(2).

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 420.

    2- نهج الحقّ: 244، وانظر: دلائل الصدق 2 / 535.


    الصفحة 126
    وهل في هذا كلام لأحد حتّى لا يعترف الفضل بالأشجعية، بل يقول: " شجاعة أمير المؤمنين أمر لا ينكره إلاّ من أنكر وجود الرمح السماك في السماء... "(1).

  • وكذلك في آية التطهير وحديث الكساء، فالعلاّمة (رحمه الله) ينقل عن مسند أحمد والجمع بين الصحاح السـتّة عن أُمّ سلمة... ثمّ يقول: " وقد روي نحو هذا المعنى من صحيـح أبي داود وموطّـأ مالك وصحيح مسلم في عدّة مواضع وعدّة طرق "(2).

    فإنْ كان العلاّمة كاذباً ـ والعياذ بالله ـ فليردّ عليه الفضل بعدم وجود الحديث في الصحاح، وإنْ كان صادقاً في النقل فليعترف بالحقّ.. لكنّه يقـول:

    " إنّ الأُمّة اختلفت فيها أنّها في من نزلت، وظاهر القرآن يدلّ على إنّها نزلت في أزواج النبيّ ; وإنْ صدقَ في النقل عن الصحاح فكانت نازلة في آل العبا، وهي من فضائلهم، ولا تدلّ على النصّ بالإمامة "(3).

    فلماذا هذا العناد؟!

    عاشراً ـ إنكار فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام):

    وهو بالإضافة إلى مناقشته في دلالات أحاديث مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، فقد أنكر جملةً من الأحاديث والقضايا الواضحة الدلالة على أفضليّته عليه السلام، ومنها ما هو من خصائصه التي لا يشاركه فيها أحد

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 535.

    2- نهج الحقّ: 228 ـ 229، وانظر: دلائل الصدق 2 / 480.

    3- دلائل الصدق 2 / 480.


    الصفحة 127
    أصـلا!

  • فقد أنكر ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة المعظّمة، وهذه عبـارته:

    " المشهور بين الشـيعة أنّ أمير المؤمنين وُلد في الكعبة، ولم يصحّـحه علماء التواريخ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام وُلد في الكعبة ولم يولد فيها غيره "(1).

    أقـول:

    ليس هذا مشهوراً بين الشيعة فحسب، بل هو مشهور عند الآخرين كذلك، بل الخبر به متواتر عندهم وكذا عند غيرهم كما نصّ عليه الحاكم النيسابوري(2).

  • وأنكر أن تكون الراية يوم حنين بيد أمير المؤمنين عليه السلام، وادّعى كونها بيد أبي بكر!

    قال العلاّمة (قدس سره): " وفي غزاة حنين حين استظهر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكثرة، فخرج بعشرة آلاف من المسلمين، فعانهم أبو بكر وقال: لن نُغلب اليوم من قلّة ; فانهزموا بأجمعهم... "(3).

    فأجاب الفضل بقوله: " وأمّا ما ذكر من أمر حنين وأنّ أبا بكر عانهم، فهذا من أكاذيبه، وكيف يعين أبو بكر أصحاب رسول الله، وكان هو ذلك

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 507.

    2- المستدرك على الصحيحين 3 / 550 ذ ح 6044.

    3- نهج الحقّ: 251، وانظر: دلائل الصدق 2 / 549.