الصفحة 128
اليوم شيخ المهاجرين وصاحب رايتهم... "(1).

أقـول:

هنا مطالب:

1 ـ إنّ أبا بكر قد عان المسلمين في ذلك اليوم، وإنّ ما ذكره العلاّمة موجود في غير واحد من التفاسير، بتفسير قوله تعالى: ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم... )(2)(3).

2 ـ إنّ الراية كانت بيد أبي بكر؟!.. من قال هذا؟!

3 ـ بل إنّ من خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) كون الراية بيده في جميع الحروب والغزوات، وهذا ما نصّ عليه غير واحد من أعلام أهل السُـنّة(4).

فمن الكاذب إذاً؟!

  • ومن خصائصه (عليه السلام) أنّه أوّل من أسلم، وإليك عبارة الفضل في ذلك:

    " ما ذُكر أنّ عليّـاً أوّل الناس إسلاماً، فهذا أمر مختلف فيه، وأكثر العلماء على إنّ أوّل الناس إسلاماً هو خديجة، وقال بعضهم: أبو بكر، وقال بعضهم: زيد بن حارثة... "(5).

  • وقال في آية التطهير: " أكثر المفسّرين على إنّ الآية نزلت في شأن

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 551.

    2- سورة التوبة 9: 25.

    3- راجع منها مثلا: الكشّاف 2 / 182، تفسير الرازي 16 / 23.

    4- انظر: الاستيعاب 3 / 1090 رقم 1855، أُسد الغابة 3 / 594 رقم 3783، فرائد السمطين 1 / 362 ح 289.

    5- دلائل الصدق 2 / 511.


    الصفحة 129
    الأزواج "(1).

    أقـول:

    نصّ عبارة ابن حجر المكّي: " أكثر المفسّرين على إنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسـن والحسـين "(2).

  • وقال في الآية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله....)(3):

    " اختلف المفسّرون في الآية نزلت في من؟ قال كثير منهم: نزلت في صهيب الرومي... وأكثر المفسّرين على إنّها نزلت في الزبير بن العوّام ومقداد بن الأسود...

    ولو كان نازلا في شأن أمير المؤمنين عليّ... ليس هو بنصّ في إمامته "(4).

    أقـول:

    فكثير من المفسّرين يقولون: " صهيب "، وأكثر المفسّرين يقولون: " الزبير والمقداد ".

    أمّا أمير المؤمنين " لو كان نازلا في شأنه... "..

    لكنّك تجد القول بنزول الآية المباركة في أمير المؤمنين (عليه السلام) في

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 103.

    2- الصواعق المحرقة: 220.

    3- سورة البقرة 2: 207.

    4- دلائل الصدق 2 / 127 ـ 128.


    الصفحة 130
    ذيلها، لأنّه بات في مكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الهجرة، في كثير من التفاسير المشهورة لأهل السُـنّة، كتفاسير: الرازي والقرطبي والثعلبي وأبي حيّان الأندلسي والنيسابوري والآلوسي(1)، بل في شرح النهج عن أبي جعفر الإسكافي: " وقد روى المفسّرون كلّهم أنّ قول الله تعالى: ( ومن الناس من يشري ) الآية، نزلت في عليّ ليلة المبيت على الفراش "(2).

    وتجد الخبر بترجمة الإمام (عليه السلام)، من تاريخ ابن عساكر وأُسد الغابة وتاريخ الخميس، وغيرها من كتب التواريخ والسـير(3).

    وتجـده في باب الإيثـار من كـتاب إحيـاء علوم الدين للغـزّالي 4 / 37.

    وتجد الإيعاز إليه في حديث عمرو بن ميمون عن ابن عبّـاس، المشتمل على الفضائل العشر، التي هي خصائص لأمير المؤمنين، والصحيح سنداً بالقطع واليقين، وهو في مسند أحمد بن حنبل 1 / 330 ـ 331، والخصائص ـ للنسائي ـ: 34 ح 23، والمستدرك على الصحيحين 3 / 143 ح 4652.

    وأخرج الحاكم في المستدرك بسند ـ وافقه عليه الذهبي ـ عن عليّ ابن الحسـين (عليه السلام) قال: " إنّ أوّل من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله عليّ بن

    ____________

    1- تفسير الفخر الرازي 5 / 222، تفسير القرطبي 3 / 16، البحر المحيط 2 / 118، روح المعاني 2 / 146، وانظر: أُسد الغابة 3 / 600 رقم 3783، وكفاية الطالب: 239 كلاهما نقلا عن الثعلبي.

    2- شرح نهج البلاغة 13 / 261.

    3- تاريخ دمشق 42 / 67، أُسد الغابة 3 / 600 رقم 3783، تاريخ الخميس 1 / 325، تاريخ الطبري 1 / 567، الطبقات الكبرى 1 / 176، تاريخ اليعقوبي 1 / 358، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ 3 / 8، السيرة الحلبية 2 / 191.


    الصفحة 131
    أبي طالب. وقال عليٌّ عند مبيته على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) [من الطويل]:


    وقيتُ بنفسي خيرَ مَن وطئ الحَصاومَن طافَ بالبيتِ العتيقِ وبالحِجْرِ
    رسول إله خافَ أن يمكروا بهفنجّاه ذو الطَوْلِ الإلهُ مِن المَكرِ
    وباتَ رسولُ الله في الغارِ آمناًمُوقّىً وفي حفظِ الإلهِ وفي سِتْرِ
    وبِتُّ أُراعيهم ولم يَتْهَمُوننيوقد وطّنتُ نفسي على القتلِ والأَسرِ "(1)

  • وقال العلاّمة في أدلّة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من الآيات الشـريفة:

    " الثامنة: قوله تعالى: ( إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذرّيّتي )(2)..

    روى الجمهور عن ابن عبّـاس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): انتهت الدعوة إليَّ وإلى عليّ، لم يسجد أحدنا لصنم قطّ، فاتّخذني نبيّاً واتّخذ عليّـاً وصيّـاً "(3).

    ____________

    1- المستدرك على الصحيحين 3 / 5 ح 4264.

    2- سورة البقرة 2: 124.

    3- نهج الحقّ: 179 ـ 180، وانظر: دلائل الصدق 2 / 139.


    الصفحة 132
    فقال الفضل: " هذه الرواية ليسـت في كـتب أهل السُـنّة والجماعة... "(1).

    أقـول:

    هذه الرواية رواها الحافظ ابن المغازلي في كتابه مناقب الإمام عليّ ابن أبي طالب بسند له عن ابن مسعود(2).

    وقد استدلّ بها العلاّمة في كتابه منهاج الكرامة فلم ينكرها ابن تيميّة في ردّه عليه(3)، لكنّ الفضل ينكر أصل وجودها في كتبهم، وكأنّه هنا أشدّ تعصّباً من ابن تيميّة المعروف بالنصب!!

  • وقال العلاّمة: " العاشرة: قوله تعالى: ( إنّما أنت منـذر ولكلّ قوم هاد )(4)..

    نقل الجمهور عن ابن عبّـاس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا المنذر وعليٌّ الهادي، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون "(5).

    فقال الفضل: " ليس هذا في تفاسير أهل السُـنّة، ولو صحّ دلّ على أنّ عليّـاً هادي، وهو مسلّم ; وكذا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله]وسلّم هداة، لقوله: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. ولا دلالة فيه على النصّ "(6).

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 139.

    2- مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): 239 ح 322.

    3- انظر: منهاج السُـنّة 7 / 132.

    4- سورة الرعد 13: 7.

    5- نهج الحقّ: 180، وانظر: دلائل الصدق 2 / 145.

    6- دلائل الصدق 2 / 145.


    الصفحة 133

    أقـول:

    وفي مثل هذا الموضع يمكن للباحث أنْ يطّلع على حال الفضل عقيدةً وعلماً وعدالةً!!

    أمّا أوّلا: فلأنّه أنكر أن يكون تفسير " الهادي " في الآية المباركة في شيء من تفاسير السُـنّة، مع إنّ الأقوال بذلك عندهم كثيرة، والروايات به معتبرة، فلاحظ:

    مسند أحمد 1 / 126، تفسير الطبري 7 / 343 ح 20160 و 20161، المستدرك على الصحيحين 3 / 140 ح 4646، المعجم الصغير 1 / 261، مجمع الزوائد 7 / 41، تاريخ بغداد 12 / 372 رقم 6816، تاريخ دمشق 42 / 359، الدرّ المنثور 4 / 608، وغيرها(1).

    ثمّ إنّ من رواته: ابن أبي حاتم، في تفسيره الخالي عن الموضوعات، كما ذكر ابن تيميّة(2)، وأيضاً فإنّ الهيثمي قال: رجال المسند ثقات(3)، وكذلك فقد صحّحه الحاكم، وأخرجه الضياء في المختارة، وبعض أسانيد ابن عساكر صحيح بلا كلام.

    ____________

    1- انظر مثلا: تفسير الحبري: 281، شواهد التنزيل 1 / 293 ـ 303 ح 398 ـ 416، فرائد السمطين 1 / 148 ح 111 و 112، تفسير ابن كثير 2 / 483، جامع الأحاديث ـ للسيوطي ـ 3 / 281 ح 8644، كنز العمّال 11 / 620 ح 33012، ينابيع المودّة 1 / 296 ـ 297.

    وراجع ما فصّلناه حول الآية في الجزء الثاني من كتابنا " تشـييد المراجعات وتفنيد المكابرات "، ص: 104 ـ 182.

    2- منهاج السُـنّة 7 / 13.

    3- مجمع الزوائد 7 / 41.


    الصفحة 134
    هـذا، وقد رَووا هذا الحديث عن جمع من الصحابة، منهم: عليٌّ عليه السلام، عبـد الله بن العبّـاس، عبـد الله بن مسعود، جابر بن عبـد الله، بريدة، سعد بن معاذ، أبو برزة الأسلمي... وغيرهم.

    وأمّا ثانياً: فلأنّه ادّعى التساوي في الهداية بين " أمير المؤمنين " عليه الصلاة والسلام وبين سائر " أصحاب رسول الله " (صلى الله عليه وآله وسلم)، على الإطلاق، وهذا ما لا يدّعيه أدنى الناس إنصافاً وأقلّهم عقلا.

    وأمّا ثالثاً: فلأنّه عارض الأحاديث الواردة في تفسير الآية المباركة بحديث " أصحابي كالنجوم "، وهي معارضة باطلة لا يزعمها إلاّ جاهل أو متعصّب، وذلك لوجهين.

    الأوّل: إنّ أحاديث تفسير الآية بأمير المؤمنين (عليه السلام) متّفق عليها بين الطرفين، معتبرة عند الفريقين، كثيرة عدداً، وصحيحة سنداً... وحديث " أصحابي كالنجوم " خبر واحد انفرد به أهل السُـنّة، ولا يكون حجّةً على الإماميّة حتّى لو كان صحيحاً سنداً عندهم.

    والثاني: إنّ حديث " أصحابي كالنجوم " باطلٌ موضوعٌ عند كبار أئمّة القوم، فهل يجهل الفضل ذلك أو يتجاهل؟!

    قال أحمد بن حنبل: حديثٌ غيرُ صحيح(1).

    وقال ابن حزم: خبر مكذوب، موضوع، باطل، لم يصحّ قطّ(2).

    وقال أبو حيّان: حديث موضوع، لا يصحّ بوجه عن رسول الله(3).

    وقال ابن القيّم عن طرق الحديث: لا يثبت شيء منها... فهذا كلام

    ____________

    1- التيسير في شرح التحرير 3 / 243.

    2- رسائل ابن حزم 3 / 96، وانظر: البحر المحيط ـ لأبي حيّان ـ 5 / 528.

    3- البحر المحيط 5 / 528.


    الصفحة 135
    لا يصحّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

    وقال ابن الهمّام: حديث لم يُعرف(2).

    وقال الشوكاني: فيه مقال معروف(3).

    وأورده الألباني المعاصر في الأحاديث الموضوعة والضعيفة(4).

  • وقال العلاّمة: " الثانية عشرة ـ قوله تعالى: ( ولتعرفنّهم في لحن القول )(5).. روى الجمهور عن أبي سعيد الخدري، قال: ببغضهم عليّـاً عليه السلام "(6).

    فقال الفضل: " ليس في تفسير أهل السُـنّة. وإنْ صـحّ دلّ على فضيلته لا نصّ على إمامته "(7).

    أقـول:

    أليس كتاب الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور من تفاسير السُـنّة، ومؤلّفه الحافظ جلال الدين عبـد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي، صاحب المؤلّفات الكثيرة الشهيرة، رواه فيه بتفسير الآية عن غير واحد من

    ____________

    1- إعلام الموقّعين 2 / 242.

    2- التحرير في أُصول الفقه ـ بشرح أمير بادشاه ـ 3 / 243.

    3- إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأُصول: 127.

    4- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 / 78.

    5- سورة محمّـد 47: 30.

    6- نهج الحقّ: 181، وانظر: دلائل الصدق 2 / 153.

    7- دلائل الصدق 2 / 154.


    الصفحة 136
    أئمّة الحديث والتفسير(1)؟!

    فإنْ كان الفضل جاهلا بهذا فما الذي يحمله على الإنكار إلاّ العناد لأهل بيت النبيّ الأطهار؟!

  • وقال العلاّمة: " روى ابن عبـد البرّ وغيره من السُـنّة في قوله تعالى: ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا )(2)، قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ليلة أُسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ثمّ قال له: سلهم يا محمّـد على ماذا بُعثتم؟ قالوا: بُعثنا على شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، وعلى الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب "(3).

    فقال الفضل: " ليس هذا من رواية أهل السُـنّة... "(4).

    أقـول:

    وهذا الإنكار كسابقه.. ومن رواة هذا الخبر من أعلام السُـنّة:

    الحاكم النيسابوري، في كتاب معرفة علوم الحديث: 96.

    أبو إسحاق الثعلبي، في تفسيره الكبير، المخطوط.

    أبو نعيم الحافظ، في كتاب ما نزل في عليّ، كما ذكر غير واحد من الحفّـاظ(5).

    ____________

    1- الدرّ المنثور 7 / 504.

    2- سورة الزخرف 43: 45.

    3- نهج الحقّ: 183، وانظر: دلائل الصدق 2 / 167.

    4- دلائل الصدق 2 / 167.

    5- انظر: ينابيع المودّة 1 / 243 ح 19 و ج 2 / 246 ح 692، تنزيه الشريعة المرفوعة ـ لابن عَراق ـ 1 / 397 ح 147.


    الصفحة 137
    الديلمي، صاحب فردوس الأخبار(1).

    والحافظ ابن حجر في زهرة الفردوس، كما ذكر ابن عَراق(2).

    ورواه الحاكم الحسكاني، والخطيب الخوارزمي، وشيخ الإسلام الحمويني، والحافظ أبو عبـد الله الكنجي، وغيرهم(3).

    رووه عن أمير المؤمنين، وعن عبـد الله بن مسعود، وابن عبّـاس، وأبي هريرة... وبعض أسانيدهم صحيح بلا ريب...

  • وقال العلاّمة: " الثامنة عشرة ـ سورة ( هل أتى )(4).. روى الجمهور: إنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله... "(5).

    فقال الفضل: " ذكر بعض المفسّرين في شأن نزول السورة ما ذكره ; ولكن أنكر على هذه الرواية كثير من المحدّثين وأهل التفسير، وتكلّموا في أنّه يجوز أنْ يبالغ الإنسان في الصدقة إلى هذا الحدّ، ويجوّع نفسه وأهله حتّى يشرف على الهلاك؟... وإنْ صحّ، الرواية لا تدلّ على النصّ كما علمته "(6).

    ____________

    1- انظر: ينابيع المودّة 1 / 244 ذ ح 19.

    2- تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 397 ح 147.

    3- شواهد التنزيل 2 / 156 ـ 158 ح 855 ـ 858، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام): 312 ح 312، فرائد السمطين 1 / 81 ح 62، كفاية الطالب: 75، تاريخ دمشق 42 / 241.

    4- سورة الإنسان (الدهر) 76: 1.

    5- نهج الحقّ: 184، وانظر: دلائل الصدق 2 / 172.

    6- دلائل الصدق 2 / 173.


    الصفحة 138

    أقـول:

    الرواة لنزول السورة في أهل البيت (عليهم السلام) من السُـنّة كثيرون جدّاً، ومنهم:

    أبو جعفر الطبري، وابن عبـد ربّه القرطبي، وأبو القاسم الطبراني، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه الأصبهاني، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو إسحاق الثعلبي، والحاكم الحسكاني، وابن المغازلي الشافعي، وأبو الحسن الواحدي، وأبو عبـد الله الحميدي، والبغوي، والزمخشري، والخوارزمي، وأبو موسى المديني، والفخر الرازي، وابن الأثير، وأبو عمرو ابن الصلاح، وابن طلحة الشافعي، والقاضي البيضاوي، والمحبّ الطبري، والنسفي، والحمويني، والخازن، والقاضي الإيجي، وابن حجر العسقلاني، والجلال السيوطي، وأبو السعود العمادي، والشوكاني، والآلوسي... وغيرهم من أئمّـة الحديث والتفسير.

    رووه عن: أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعن ابن عبّـاس، وزيد بن أرقم، وسعيد بن جبير، والأصبغ بن نباتة، وقنبر، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبي صالح، وقتادة، والضحّاك... وغيرهم من الصحابة وأعلام التابعين، العلماء في علوم القرآن.

    قال القرطبي: " وقال أهل التفسير: نزلت في عليّ وفاطمة... "(1).

    وقال سبط ابن الجوزي: " قال علماء التأويل: فيهم نزل... "(2).

    وقال الآلوسي: " والخبر مشهور "(3).

    ____________

    1- تفسير القرطبي 19 / 85.

    2- تذكرة خواصّ الأُمّة: 281.

    3- روح المعاني 29 / 270.


    الصفحة 139
    وكان هذا الخبر ممّا احتجّ به المأمون على علماء بغداد في أفضليّة عليّ وأهل البيت (عليهم السلام)، في خبر طويل رواه ابن عبـد ربّه القرطبي الأندلسي(1)...

    وورد في أشعار السيّد الحميري وغيره في عداد فضائل الإمام عليّ عليه الصلاة والسلام(2).

    وذكر غير واحد من العلماء: إنّ السؤّال كانوا ملائكةً من عند ربّ العالمين، أراد بذلك اختبار أهل البيت (عليهم السلام)(3).

    وإذا كان هذا اختباراً من الله، وفضيلةً من فضائلهم (عليهم السلام) عند قاطبة العلماء، فأيّ قيمة لقول من يقول بعدم جواز فعلهم؟!

    وبه أسانيد معتبرة من طرقهم...

    فقول الفضل: " إنْ صحّ " ومناقشته في القضيّة ـ نقلا عن كثير من المحدّثين وأهل التفسير كما زعم ـ الظاهرة في تكذيبه للخبر أو تشكيكه، دليلٌ آخر على جهله أو تعصّبه!

    وأمّا المناقشة المذكورة فقد أجاب عنها علماؤنا.. ويكفي في الردّ على الفضل ما قاله الشيخ المظفّر: كيف استشكل من جواز تلك الصدقة وهو قد ذكر في مبحث الحلول أنّ أبا يزيد البسطامي ترك شرب الماء سنةً تأديباً لنفسه(4)، وعدّه منقبةً له(5)؟!

    ____________

    1- العقد الفريد 4 / 77.

    2- انظر: شواهد التنزيل 2 / 145 الهامش.

    3- تفسير النيسابوري ـ هامش تفسير الطبري ـ 29 / 112، كفاية الطالب: 348 عن الحافظ أبي عمرو ابن الصلاح وشيخ الحرم بشير التبريزي وغيرهما.

    4- دلائل الصدق 1 / 246.

    5- دلائل الصدق 2 / 177.


    الصفحة 140

  • وقال العلاّمة: " قوله تعالى: ( إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البريّة )(1).. روى الجمهور عن ابن عبّـاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هم أنت يا عليّ وشيعتك... "(2).

    فقال الفضل: " هذا غير مذكور في التفاسير، بل الظاهر العموم. وإن سُلّم فلا نصّ "(3).

    أقـول:

    أليس الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور من كتب التفاسير؟! رواه فيه عن ابن عديّ عن ابن عبّـاس. وعن ابن مردويه عن عليّ (عليه السلام). وعن ابن عساكر عن جابر بن عبـد الله الأنصاري. وعن ابن عديّ وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري(4).

    فهم يروونه عن جماعة من الأصحاب، بأسانيدهم، في الكتب قبل زمان الفضل وبعده... وابن مردويه ـ بالخصوص ـ من أشهر أئمّتهم في التفسير والحديث.

  • وقال العلاّمة: " الرابعة والثلاثون ـ قوله تعالى: ( وصالح المؤمنين )(5).. أجمع المفسّرون وروى الجمهور أنّه عليٌّ (عليه السلام) "(6).

    فقال الفضل: " اتّفق المفسّرون أنّ المراد من صالح المؤمنين أبو بكر

    ____________

    1- سورة البيّنة 98: 7.

    2- نهج الحقّ: 189، وانظر: دلائل الصدق 2 / 210.

    3- دلائل الصدق 2 / 210.

    4- الدرّ المنثور 8 / 589.

    5- سورة التحريم 66: 4.

    6- نهج الحقّ: 191 ـ 192، وانظر: دلائل الصدق 2 / 227.


    الصفحة 141
    وعمر... وإنْ صحّ نزوله في أمير المؤمنين فلا شكّ أنّه صالح المؤمنين، ولكن لا يدلّ على النصّ المدّعى "(1).

    أقـول:

    أخرجه الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن أبي حاتم عن عليّ (عليه السلام). وعن ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عبّـاس. وعن ابن مردويه عن أسماء بنت عميس(2).

    ورواه الثعلبي في التفسير الكبير عن أسماء(3).

    وكذا الحافظ أبو نعيم عنها، في كـتابه في ما نزل في عليّ من القرآن(4).

    ولعلّ العمدة هنا رواية ابن أبي حاتم هذا الخبر في تفسيره، فقد نصّ ابن تيميّة على إنّ تفسيره خال من الموضوعات كما مرّ بنا سابقاً.

    هـذا، بالاضافة إلى روايات أصحابنا الإمامية.. فيكون الخبر متّـفقاً عليه بين الفريقين. فما الحامل للفضل على الإنكار؟!

  • وقال العلاّمة: " الخامسة والثلاثون ـ قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي... )(5)..

    روى الجمهور عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ صلّى الله عليه

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 228.

    2- الدرّ المنثور 8 / 224.

    3- كما في: مطالب السؤول: 81، وينابيع المودّة 1 / 278 ح 2.

    4- انظر: ينابيع المودّة 1 / 278 ح 2.

    5- سورة المائدة 5: 3.


    الصفحة 142
    [وآله] وسلّم دعا الناس إلى عليّ عليه السلام في يوم غدير خمّ... "(1).

    فقال الفضل: "... الذي ذكره من مفتريات الشـيعة... "(2).

    أقـول:

    وماذا تقول للفضل إذا علمت أنّ من رواة هذا الحديث ـ نزول الآية في أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير ـ من أهل السُـنّة هم:

    أبو جعفر الطبري..

    وأبو الحسن الدارقطني..

    وأبو حفص ابن شاهين، كما في شواهد التنزيل 1 / 156 ح 210..

    والحاكم النيسابوري، في المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576..

    وابن مردويه الأصفهاني، كما في الدرّ المنثور 3 / 19..

    وأبو نعيم الأصفهاني..

    وأبو بكر البيهقي..

    والخطيب البغدادي، كما في تاريخ بغـداد 8 / 290 رقم 4392..

    وأبو سعيد السجستاني..

    وابن المغازلي، كما في مناقب الإمام عليّ (عليه السلام): 69 ح 24..

    والحاكم الحسكاني، كما في شواهد التنزيل 1 / 156 ـ 160 ح 210 ـ 215..

    ____________

    1- نهج الحقّ: 192، وانظر: دلائل الصدق 2 / 231.

    2- دلائل الصدق 2 / 232.


    الصفحة 143
    وأبو القاسم ابن السمرقندي..

    وأبو منصور الديلمي، كما في مناقب الإمـام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)ـ للخوارزمي ـ: 135 ح 152..

    وابن عساكر الدمشقي، كما في تاريخ دمشـق 42 / 237..

    وابن كثير الدمشقي، كما في البداية والنهاية 7 / 279..

    وجلال الدين السيوطي، كما في الدرّ المنثور 3 / 19(1).

    وغيرهم من أئمّة الحديث والتفسير.. فكيف يقول: إنّه من مفتريات الشـيعة؟!

  • وقال العلاّمة: " السادسة والستّون ـ ( وأُولو الأرحام بعضهم أَوْلى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين )(2).. هو عليٌّ، لأنّه كان مؤمناً مهاجراً ذا رحم "(3).

    فقال الفضل: " ظاهر الآية العموم، ولم يذكر المفسّرون تخصيصاً بأحد، ولو خصّ فلا دلالة له على النصّ، والاستدلال بأنّه مؤمن مهاجر ذو رحم لا يوجب التخصيص، لشمول الأوصاف المذكورة لغيره "(4).

    أقـول:

    لماذا هذه المكابرة الواضحة الفاضحة؟!

    ____________

    1- وللتفصيل راجع كتاب: تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 2 / 267 ـ 290.

    2- سورة الأحزاب 33: 6.

    3- نهج الحقّ: 203، وانظر: دلائل الصدق 2 / 287.

    4- دلائل الصدق 2 / 287.


    الصفحة 144
    أوّلا: البحث يدور بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين أبي بكر، والآية المباركة تثبت الأولوية لمن جمع الأوصاف الثلاثة، وأبو بكر غير جامع لها كما لا يخفى على الفضل، ولعلّه لذا قال: " لغيره " ولم يقل: أبو بكر.

    وثانياً: وإذا كان " الغير " ليس ابن أبي قحافة، فمن يقصد الفضل بـه؟!

    ثمّ لماذا يدّعي الحبّ لأمير المؤمنين عليه السلام ويسعى لإنكار فضائله ومناقبه حتّى بالأكاذيب والأباطيل؟!

  • وقال العلاّمة: " وأمّا السُـنّة، فالأخبار المتواترة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الدالّة على إمامته، وهي أكثر من أن تحصى، وقد صنّف الجمهور وأصحابنا في ذلك وأكثروا "(1).

    فقال الفضل: " وأمّا ما ذكر من أنّ الأخبار متواترة عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على إمامة عليّ، فنسأله أوّلا عن معنى التواتر؟!

    فإن قال: أن يبلغ عدد الرواة حدّاً لا يمكن للعقل أن يحكم بتواطئهم على الكذب.

    فنقول: اتّفق جميع المحدّثين أنّه ليس لنا حديث متواتر إلاّ قوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: من كذب علَيَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار.

    فهذا الحديث في كلّ عصر رواه جماعة، يحكم العقل على امتناع تواطئهم على الكذب. وبعضهم ألحق حديث: " البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر " بالتواتر.

    ____________

    1- نهج الحقّ: 212، وانظر: دلائل الصدق 2 / 249.


    الصفحة 145
    فكيف هذا الرجل الجاهل بالحديث والأخبار، بل بكلّ شيء حتّى إنّي ندمت من معارضة كتابه وخرافاته بالجواب، لسقوطه عن مرتبة المعارضة، لانحطاط درجته في سائر العلوم، معقولها ومنقولها، أُصولها وفروعها، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت... "(1).

    أقـول:

    يقال لهذا الشيخ العالم بالحديث والأخبار، بل بكلّ شيء!! وبغضّ النظر عمّا ادّعاه من الاتّفاق على انحصار التواتر بما ذكره: من أين لك القطع بأنّ العلاّمة كان يقصد من " التواتر " خصوص التواتر " اللفظي "؟!

    أليس التواتر ينقسم إلى: " لفظي " و " معنوي " و " إجمالي "؟!

    لماذا هذا التهجّم وهذه السباب والشتائم؟!

    فما الذي قاله العلاّمة حتّى استحقّ كلّ ذلك وأمثاله، بل الأشدّ والأقبح منه، كما ذكرنا في فصل " السـباب والشتائم "؟! هذا أوّلا..

    وثانياً: فإنّ جملةً من الأخبار الدالّة على إمامته متواترة يقيناً، وقد أقرّ كبار علماء القوم بذلك، وابن روزبهان جاهل أو يتجاهل لتعصّبه!

    وسنذكر مناقشات الفضل في بعض استدلالات العلاّمة من السُـنّة، ليرى الباحث المنصف مدى التزام الرجل بالآداب الدينية ورعايته لجانب الصدق والإنصاف، وليجد الفرق الواضح بين طريقة العلاّمة وعلماء الإمامية، وبين طريقة الفضل وعلماء العامة في النظر والبحث والاستدلال.

    ____________

    1- دلائل الصدق 2 / 350.


    الصفحة 146

  • قال العلاّمة: " الثاني: من مسند أحمد ـ: " لمّا نزل ( وأنذِر عشيرتك الأقربين )(1) جمع النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من أهل بيته ثلاثين، فأكلوا وشربوا ثلاثاً، ثمّ قال لهم: من يضمن عنّي دَيني ومواعيدي ويكون خليفتي ويكون معي في الجنّة؟ فقال عليٌّ: أنا. فقال: أنت... "(2).

    فقال الفضل: " هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات في قصّة طويلة، وليس فيه (ويكون خليفتي)، وهذا من وضعه أو من وضع مشايخه من شيوخ الرفض وأهل التهمة والافتراء.

    وفي مسند أحمد بن حنبل: (ويكون خليفتي) غير موجود، بل هو من إلحاقات الرفضة.

    وهذان الكتابان اليوم موجودان، وهم لا يبالون من خجلة الكذب والافتراء... "(3).

    أقـول:

    ماذا لو وجد الباحث " ويكون خليفتي " في " مسند أحمد "؟! وماذا لو وجد في الموضوعات حديثين في أوّلهما " وخليفتي من أهلي " وفي الثاني " وخليفتي في أهلي "؟! هل يبالي الفضل وأمثاله من خجلة الكذب؟! وهل يبقى مناص لهم من قبول الحديث ودلالته على الإمامة

    ____________

    1- سورة الشعراء 26: 214.

    2- نهج الحقّ: 213، وانظر: دلائل الصدق 2 / 359.

    3- دلائل الصدق 2 / 359.


    الصفحة 147
    والخلافة لأمير المؤمنين بعد النبيّ بلا فصل؟! وهل يبقى لهم من عذر في القول بإمامة غيـره؟!

    ولفظ الحديث في مسند أحمد كما يلي:

    " عن الأسود بن عامر، عن شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبّاد بن عبـد الله الأسدي، عن عليّ (رضي الله عنه)، قال: لمّا نزلت هذه الآية: ( وأنذِر عشيرتك الأقربين ) قال: جمع النبيّ (صلى الله عليه وسلم) من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا ; قال: فقال لهم: من يضمن عنّي دَيني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة، ويكون خليفتي في أهلي؟

    فقال رجل ـ لم يسمّه شريك ـ: يا رسول الله! أنت كنت بحراً، مَن يقوم بهذا؟!

    قال: ثمّ قال الآخر...

    قال: فعرض ذلك على أهل بيته.

    فقال عليٌّ (رضي الله عنه): أنـا "(1).

    أقـول:

    ولو كان ثمّة إلحاقٌ فهو في كلمة " في أهلي "، فإنّها وإنْ كانت لا تضرّ بالاستدلال ; لعدم الفرق بين أهله وغيرهم من المسلمين، إلاّ أنّها غير موجودة في بعض المصادر..

    وفي بعضها الآخر كلمة " فيكم " بدل " في أهلي ".. روى ذلك ابن

    ____________

    1- مسند أحمد 1 / 111، وانظر: الموضوعات 1 / 347 ح 8 و ص 374 ح 24.


    الصفحة 148
    إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي، قال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: " يا بني عبـد المطّلب! إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخـرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ; فأيّـكم يؤازرني على أمري هـذا؟

    [قال عليٌّ]: فقلت ـ وأنا أحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً ـ: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه.

    فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا!

    فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ "(1).

    وفي تفسير البغوي بعد: فأيّكم يؤازرني على أمري هذا: " ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم "(2).

    وفي لفظ ابن مردويه: " من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليّـكم من بعدي "(3).

    وفي لفظ آخرجه أحمد وابن جرير والضياء المقدسي: " فأيّـكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ "(4).

    وليس هذا الحديث في مسند أحمد فقط.. فقد أخرجه باللفظ

    ____________

    1- كنز العمّال 13 / 131 ـ 133 ح 36419.

    2- تفسير البغوي 3 / 342.

    3- كنز العمّال 13 / 149 ح 36465.

    4- كنز العمّال 13 / 174 ح 36520.