الصفحة 14
حتّى صار يقيم الحواجز دون روايتها!

وأعجب من ذلك قوله: " الذنب فيه لغيرك " فإنّ رجال سند الحديث كلّهم من كبار علماء القوم وثقاتهم!(1).

وما أدري ما الذي أنكره من هذا الحديث؟! وهو لم يدلّ إلاّ على فضيلة مسـلَّمة مشهورة، من أيسر فضائل أمير المؤمنين.

ولعلّه أنكر تمام الحديث، وهو: " مَن أحبّك فقد أحبّني، ومَن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك [بعدي] "!

وذلك لأنّهم يجدون من أنفسهم بُغْضَ إمامِ المتّقين، ويعسوب الدِين(2)، وهم يزعمون أنّهم لا يبغضون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

____________

1- وهم: أحمد بن الأزهر النيسابوري الحافظ، عبـد الرزّاق بن همّام بن نافع الحميري، معمر بن راشد الأزدي، محمّـد بن مسلم بن عبيـد الله القرشي الزهري، عبيـد الله بن عبـد الله بن أبي ثور القرشي، وعبـد الله بن عبّـاس بن عبـد المطّلب القرشي الهاشمي ; ذكرهم جميعاً ابن حبّان في " الثقات "، وورد تعديلهم في أُمّهات المصادر الرجالية عندهم.

2- ورد وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه: سـيّد المسلمين، وإمام المتّـقين، ويعسوب المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، في أحاديث كثيرة وبألفاظ مختلفة ; انظـر:

المعجم الكبير 6 / 269 ح 6184، المعجم الصغير 2 / 88، المستدرك على الصحيحين 3 / 148 ح 4668، حلية الأولياء 1 / 63 و 66، تاريخ بغـداد 11 / 113 و ج 13 / 123، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 106 ح 93 و ص 131 ح 146 و 147، منـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام) ـ لـلـخـوارزمـي ـ: 85 ح 75 و ص 113 ح 123 و ص 295 ح 287 و ص 328 ح 340، تاريـخ دمشـق 42 / 41 ـ 43 ح 8368 و 8370 و 8371 و 8373 و ص 302 ـ 304 ح 8833 ـ 8838 و ص 326 ح 8886 و ص 327 ح 8887 و ص 386 ح 8994، أُسد الغابة 3 / 70، كفاية الطالب: 187 و 216، الرياض النضرة 3 / 107 و 138، ذخائر العقبى: 108 و 130، مختصر تاريخ دمشق 17 / 306 ـ 307 و 375 و 376 و 382 و ج 18 / 13، مجمع الزوائد 9 / 102 و 121، الإصـابـة 4 / 6 و ج 7 / 354، كـنـز العـمّـال 11 / 604 ح 32918 و ص 619 ـ 620 ح 33009 ـ 33011، درّ السحابة: 229.


الصفحة 15
كما يعلمون بُـغْـضَ معاوية وسائر البغاة لأمير المؤمنين، وأنّهم أشدُّ أعدائه، والبغيضون له، وهم يَرَوْنهم أولياء الله وأحبّاءه!

ولذا، لمّا أشار الذهبي في (الميزان) إلى الحديث قال: " يشهد القلب بأنّه باطل "!(1).

وأنا أشهد له بشهادة قلبه ببطلانه، إذ لم يخالط قلبَه حبّ ذلك الإمامِ الأعظم، فكيف يُصدِّق بصحّته؟! ـ وإن استفاضت بمضمونه الرواية ـ حتّى روى مسلم أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " والذي فلق الحبّة وبَرَأَ النَسَـمة(2) [إنّـه] لَعهـدُ النبيّ الأُمّـيّ إليَّ أنّـه لا يُحبّـني إلاّ مـؤمـن، ولا يُبغضني إلاّ منـافق "(3).

____________

1- ميزان الاعتدال 1 / 213.

2- النَسَمة: الإنسان، وكلّ ذي روح أو نَفَس، والجمع: نَسَمٌ ونَسَماتٌ ; انظر: النهاية 5 / 49، لسان العرب 14 / 130، تاج العروس 17 / 684، مادّة "نَسَمَ".

3- صحيح مسلم [1 / 61] كتاب الإيمـان، باب الدليـل على أنّ حبّ الأنصار وعليّ من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق. منه (قدس سره).

وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة وأسانيد عديدة في مصادر كثيرة، منها:

مسـند الحميدي 1 / 31 ح 58، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 503 ح 51، مسـند أحمـد 1 / 95، سـنن ابن ماجـة 1 / 42 ح 114، سـنن الترمذي 5 / 594 ح 3717 و ص 601 ح 3736، أنساب الأشراف 2 / 350 و 383، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 340 ح 760 و ص 583 ح 1319 و ص 584 ح 1325، مسند البزّار 2 / 182 ح 560، سنن النسائي 8 / 116 و 117، خصائص الإمام عليّ (عليه السلام): 83 ح 95 ـ 97، فضائل الصحابة ـ للنسائي ـ: 17 ح 50، مسند أبي يعلى 12 / 331 ح 6904 و ص 362 ح 6931، المعجم الكبير 23 / 374 ـ 375 ح 885 و 886، الإيمان ـ لابن مندة ـ 1 / 414 ـ 415 ح 261، المستدرك على الصحيحين 3 / 141 ح 4648 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه " ووافقه الذهبي في التلخيص، معرفة علوم الحديث: 180، الاستيعاب 3 / 1100 و 1101، حلية الأوليـاء 4 / 185، تاريـخ بغـداد 8 / 417 و ج 14 / 426، منـاقـب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ لابن المغازلي ـ: 185 ـ 189 ح 225 ـ 233، فردوس الأخبار 2 / 482 ح 8313، مصابيح السُـنّة 4 / 171 ح 4763، الشفا ـ للقاضي عياض ـ 2 / 48، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 69 ح 44 و ص 326 ح 336، تاريخ دمشق 42 / 33 و 60 و 268 ـ 301 ح 8794 ـ 8832، صفة الصفوة 1 / 131، جامع الأُصول 8 / 656 ح 6499 و 6500، الرياض النضرة 3 / 189 ـ 190، ذخائر العقبى: 164، مختصر تاريخ دمشق 17 / 368 ـ 369 و 375، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 40 ح 6885، مشكاة المصابيح 3 / 355 ح 6088 و ص 359 ح 6100، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ: 385، البداية والنهاية 7 / 282، جامع المسانيد والسنن 19 / 26 ـ 28 و ص 205 ـ 206 ح 228 ـ 230، فتح الباري 7 / 90، مجمع الزوائد 9 / 133، الصواعق المحرقة: 188 ح 8، كنز العمّال 11 / 598 ح 32878 و ص 599 ح 32884 و ص 622 ح 33026 ـ 33029، ينابيع المودّة 2 / 155 ح 434 و 435 و ص 179 ح 516، نور الأبصار: 88 و 89.


الصفحة 16
فإذا كان هذا حال ملوكهم وعلمائهم وعوامّهم في عصر العبّاسـيّين، فكيف ترى الحال في عصر الأُمويّين، الذي صار فيه سـبُّ أخِ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)ونفسِـهِ شـعاراً ودِينـاً لهم، والتسـمية باسـمه الشـريف ذنبـاً موبقـاً عنـدهم؟!

قال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " بترجمة عليّ بن رباح: " قال المقرئ: كان بنو أُميّة إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِيّ قتلوه! فبلغ ذلك رباحاً فقال: هو عُلَيٌّ ـ مصغَّراً(1) ـ، وكان يغضب مِن (عَلِيّ) ويُحرِّج على مَن سـمّاه به.

____________

1- كلمة " مصغَّراً " ليست في المصدر، وهي إضافة توضيحية منه (قدس سره).


الصفحة 17
وقال الليث: قال عليّ بن رباح: لا أجعل في حلّ مَن سمّاني عُلَيّ(1)، فإنّ اسمي: عَلِيّ "(2). انتهى.

ونقل ابن أبي الحديد، عن أبي الحسن عليّ بن محمّـد بن أبي سيف المدائني في " كتاب الأحداث " أنّ معاوية كتب نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة، أنْ: برئتِ الذمّةُ ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيـته!(3).

إلى أن قال ما حاصله: وكتب إلى عمّاله أنْ يدعوا الناس إلى الرواية في فضل عثمان والصحابة والخلفاء الأوّلين! وأنْ لا يتركوا خبراً يُروى في عليّ إلاّ وأتوه بمناقض له في الصحابة!

وقُرئت كـتُـبُه على الناس، وبَذَلَ الأموال، فرُويت أخبارٌ كثيرة في منـاقبهم مفتعَلـة، فعلّموا صبيـانهم وغلمانهم من ذلك الكثيـر الواسـع، حتّى تعلّموه كما يتعلّمـون القرآن، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والـولاة.

وكـان أعظـم النـاس ـ في ذلـك ـ بـلـيّـةً: الـقـرّاء الـمـراؤون، والمسـتـضعَفون، الّـذين يُظهـرون الخشـوع والنُسـك، فيفتـعلـون الأحـاديث ليحظـوا عند ولاتهـم، ويصيـبوا الأمـوال، حتّـى انتـقلت تلـك الأخبـار إلى أيـدي الديّـانين الّذين لا يسـتحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووهـا.

____________

1- كذا في المصدر، والصحيح لغةً: عُـلَـيّـاً.

2- تهذيب التهذيب 5 / 683.

3- ج 3 ص 15 من شرح النهج. منه (قدس سره). [شرح نهج البلاغة 11 / 44].


الصفحة 18
ثمّ قال: وقد روى ابن عرفة ـ المعروف بـ: نِفْطَوَيْه، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم(1) ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر(2).

ولهذه الأُمور ونحوها خَفِيَ جُلُّ فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنْ جَلَّ الباقي عن الإحصاء، ونأى عن العدّ والاسـتقصاء، وليس بقاؤه إلاّ عنايةً من الله تعالى بوليّه والدينِ الحنيف.

ويشهد لإخفائهم فضائله ما رواه البخاري، عن أبي إسحاق، قال: " سأل رجل البَراء ـ وأنا أسمع ـ: أَشَهِدَ عليٌّ بدراً؟ قال: بارَزَ وظاهَرَ "(3).

أترى أنّه يمكن أنْ يخفى في الصدر الأوّل محلُّ أمير المؤمنين (عليه السلام)ببدر، حتّى يحتاج إلى السؤال عن مشهده بها؟! وهي إنّما قامت بسـيفه، لولا اجتهاد الناس في كتمان فضائله!(4).

____________

1- هو الإمام الحافظ، النحوي العلاّمة، الأخباري، أبو عبـد الله إبراهيم بن محمّـد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة العتكي الأزدي الواسطي، عالم بالعربية واللغة والحديث، وُلد بواسط سنة 244 هـ، وسكن بغداد ومات فيها في صفر من عام 323 هـ، أخذ عن ثعلب والمبرّد وغيرهما، من مؤلّفاته: غريب القرآن، تاريخ الخلفاء، المصادر، القوافي، المقنع في النحو.

انظر: تاريخ بغداد 6 / 159 ـ 162 رقم 3205، سير أعلام النبلاء 15 / 75 رقم 42، لسان الميزان 1 / 109 رقم 327، معجم المؤلّفين 1 / 67 رقم 498.

2- شرح نهج البلاغة 11 / 44 ـ 46.

3- صحيح البخاري، ج 3 باب قتل أبي جهل من كتاب المغازي [5 / 184 ح 22]. منـه (قدس سره).

4- اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الرجل لم يستطع أن يصرّح بفضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) أو أن يدافع عنه، فلجأ إلى اسـتدرار الدفاع من الصحابي البَراء بن عازب ـ الذي شهد مع الإمام عليّ (عليه السلام) وقعتَي الجمل وصِفّين ـ، فإن أجاب بالإيجاب ـ كما وقع فعلا ـ تمكّن من الاسـتدلال بالحديث الوارد عندهم من أنّ الله تعالى قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ليسـتنكر ما يقال في الإمام عليّ (عليه السلام).

وانظر الحديث ـ مثلا ـ في: صحيح البخاري 4 / 144 ذ ح 211 و ص 173 ح 276 و ج 5 / 188 ذ ح 32 و ص 298 ذ ح 283 و ج 6 / 263 ذ ح 383 و ج 8 / 105 ذ ح 32 و ج 9 / 34 ذ ح 21، صحيح مسلم 7 / 168، سنن أبي داود 3 / 48 ذ ح 2650، سنن الترمذي 5 / 383 ذ ح 3305، مسند أحمد 1 / 80 و 105 و ج 3 / 350، مسـند الحميدي 1 / 28 ذ ح 49، مسـند أبي يعلى 1 / 316 ـ 321 ح 394 ـ 398.


الصفحة 19
وإذا رووا شيئاً منها فلا يروونه على وجهه وبتمامه، كما تدلّ عليه روايتهم لخطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغـدير!(1).

____________

1- وحديث الغـدير صحيح متواتر، بل في أعلى درجات التواتر، قطعيّ الصدور، واضح الدلالة جليُّها على إمامة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بالرغم من محاولات التعتيم عليه، وطمس معالمه، وكتم الكاتمين!! فقد قاله النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من مرّة، وأشهرها وآخرها ما قاله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند منصرفه من حجّة الوداع، في 18 ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة، ورواه عنه أكثر من مائة صحابيّ ; ثمّ كانت مناشـدات أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) الصحابةَ به لإثبات حقّه بالخلافة مشـهورة.

وقد نزل قبل خطبة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم غدير خُـمّ قوله تعالى: ( يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته واللهُ يعصمك من الناس ) [سورة المائدة 5: 67] ونزل بعدها قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) [سورة المائدة 5: 3].

وسَلّمَ الشيخان وبقيّةُ الصحابة ـ بعد الخطبة ـ على الإمام عليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، وهنّأوه بها.

ولمّا اعتُرِض على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) تنصيبه الإمام عليّـاً (عليه السلام) خليفة له نزل قوله تعالى: ( سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع *... ) [سورة المعارج 70: 1 و 2 وما بعدهما].

ويكاد أن لا يخلو مصدر من مصادر الجمهور ـ في الحديث والتفسير والتاريخ والفضائل وغيرها ـ من ذِكر واقعة الغـدير، ولو بإيراد جانب منها واقتطاع جوانب أُخـرى!

=>


الصفحة 20

____________

<=

  • وعلى سبيل المثال: فقد روي الحديث ـ بألفاظ متقاربة ـ في:

    مـصـنّـف ابـن أبي شـيبة 7 / 503 ح 55، مسـند أحـمـد 1 / 152 و ج 4 / 368 و 370 و 372 و 373 و ج 5 / 419، وورد مؤدّاه في الأخبار الموفّقيات: 260 ح 171، سنن ابن ماجة 1 / 43 ح 116 و ص 45 ح 121، سنن الترمذي 5 / 591 ح 3713 وقال: " هذا حديث حسن صحيح "، العقد الفريد 3 / 312، مسند الشاشي 1 / 127 و 165 ـ 166 ح 106، المعجم الكبير 3 / 179 ح 3049 و ص 180 ح 3052 و ج 4 / 173 ح 4052 و ج 5 / 165 و 166 ح 4968 و 4969 و ص 170 ح 4983 و ص 171 ح 4985 و 4986 و ص 193 ح 5065 و ص 194 ح 5066 و ص 195 ح 5068 ـ 5071 و ص 212 ح 5128 و ج 12 / 77 ذ ح 12593 و ج 13 / 291 ح 646، تاريخ أصبهان 1 / 162 ذيل رقم 142، المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و 4577 وقال الحاكم عن كلّ منهما: " حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه " ولم يتعقّب الذهبيُّ الحديثَ الأوّلَ في التلخيص، و ص 119 ح 4578 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه " ولم يتعقّبه الذهبي في التلخيص أيضاً، و ص 126 ح 4601، تاريخ بغداد 7 / 377 و ج 12 / 344، مصابيح السُـنّة 4 / 172 ح 4767، تـاريـخ دمـشـق 42 / 187 ـ 188 ح 8634 ـ 8641 و ص 191 ـ 194 ح 8648 ـ 8656 و ص 213 ـ 214 ح 8693 ـ 8696 و 8698 و ص 215 ـ 220 ح 8699 ـ 8714 و ص 223 ـ 232 ح 8719 ـ 8738 و ص 234 ـ 238 ح 8740 ـ 8745، الشفا ـ للقاضي عياض ـ 2 / 48، نزهة الحفّاظ: 60 و 102، صفة الصفوة 1 / 131، كفاية الطالب: 50 ـ 55 و ص 64 ـ 66، ذخائر العقبى: 158، مشكاة المصابيح 3 / 356 ح 6091، فرائد السمطين 1 / 62 ـ 63 ح 29 و ص 66 ـ 70 ح 32 ـ 37، البداية والنهاية 5 / 159 و 162، جامع المسانيد والسـنن 20 / 315 ح 1040، مجمع الزوائد 7 / 17 و ج 9 / 104 ـ 108، موارد الظمآن: 543 ـ 544 ح 2204 و 2205، المواعظ والاعتبار ـ للمقريزي ـ 1 / 388، الجامع الصغير: 542 ح 9000 و 9001، الدرّ المنثور 3 / 19 في تفسـير الآية 3 من سـورة المائـدة، الصواعق المحرقة: 64 و 66 و 187 ح 4.

  • وروي التسليم على الإمام عليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين وتهنئـته بها في: مسند أحمد 4 / 281، تاريخ بغداد 8 / 290، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 69 ح 24، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 155 ح 184 و 185، تاريخ دمشق 42 / 220 ـ 222 ح 8715 ـ 8719 و ص 233 ـ 234 ح 8739، الرياض النضرة 3 / 126 ـ 127، ذخائر العقبى: 125، مختصر تاريخ دمشق 17 / 352، مشكاة المصابيح 3 / 360 ح 6103، فرائد السمطين 1 / 64 ـ 65 ح 30 و 31 و ص 71 ح 38، البداية والنهاية 7 / 278 ـ 279، الصواعق المحرقة: 67.

  • كما رويت المناشـدة في: مسـند أحمـد 1 / 84 و 88 و 118 ـ 119 و ج 5 / 366، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 499 ح 28، أنساب الأشراف 2 / 355 و 386، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 593 ح 1372 ـ 1374، مسند البزّار 3 / 171 ح 958، خصائص الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للنسائي ـ: 78 ح 88 و ص 81 و 82 ح 93 و 94، المعجم الكبير 5 / 171 ح 4985 و ص 175 ح 4996 و ص 191 ح 5058، المعجم الصغير 1 / 64، حلية الأولياء 5 / 26 ـ 27، تاريخ أصبهان 1 / 142 رقم 92، تاريخ بغداد 14 / 236، تاريخ دمشق 42 / 204 ـ 212 ح 8678 ـ 8691 و ص 214 ح 8697، أُسد الغابة 3 / 605، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 6 / 167 ـ 168، كفاية الطالب: 56 و 63، الرياض النضرة 3 / 127 وورد مؤدّاه في ص 156 أيضاً، ذخائر العقبى: 125 ـ 126 وورد مؤدّاه في ص 122 أيضاً، مختصر تاريخ دمشق 17 / 354 و ص 358 ـ 359، البداية والنهاية 5 / 160 ـ 161 و ج 7 / 276 ـ 277، جامع المسـانيد والسـنن 19 / 29 ـ 30 و ج 20 / 105 ح 601 و ص 116 ح 628، مجمع الزوائد 9 / 104 ـ 108، الإصابة في تمييز الصحابة 4 / 359 رقم 5201، درّ السحابة: 208 ـ 212.


    الصفحة 21
    أمـن الجـائز عقلا أن يأمر رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بِقَـمِّ(1) ما تحت الدوح(2)، ويجمع المسلمين ـ وكانوا نحو مائة ألف ـ ويقوم في حرّ الظهيرة تحت وهج الشمس، على منبر يقام له من الأحداج، ويصعد خطيباً ـ وهو بذلك الاهتمام ـ رافعاً بعضد عليّ (عليه السلام)، ثمّ لا يقول إلاّ: " مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه "؟!

    لا أرى عاقلا يرتضي ذلك، ولا سيّما إذا حُمل (المولى) على الناصر

    ____________

    1- قَـمَّ البيت: كنسه. انظر: الصحاح 5 / 2015، لسان العرب 11 / 308، مادّة " قَمَمَ ".

    2- الدَوْحَة: الشجرة العظيمة المتّسعة من أيّ الشجر كانت، والجمع: دَوْحٌ. انظر: الصحاح 1 / 361، لسان العرب 4 / 437، مادّة " دَوَحَ ".


    الصفحة 22
    أو نحوه!(1).

    فلا بُـدّ أن تكون الواقعة كما رواها الشـيعة، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب تلك الخطبة الطويلة البليغة الجليلة، التي أبان فيها عن قرب موته، وحضور أجله، ونَـصَّ على خلفائه، وولاة الأمر من بعده، وأنّه مخلّفٌ في أُمّته الثَـقَلين، آمراً بالتمسّك بهما لئلاّ يَضِلُّوا، وببـيعة عليّ (عليه السلام)، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين.

    لكنّ القوم بين مَن لمْ يروِ أصل الواقعة ـ إضاعةً لذِكرها ـ وبين مَن روى اليسـيرَ منها بعد الطلب من أمير المؤمنين (عليه السلام)! فكان لها بعده نوعُ ظهور، وإن اجتهدَ علماءُ الدنيا في درس أمرها، والتزهيد بأثرها.

    ولو رأيت كيف يُسرع علماؤهم في رمي الشخص بالتشـيّع، الذي يجعله هدفاً للبلاء، ومحلاّ للطعن، لعلمتَ كيف كان اهتمامهم في درس فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)! وكيف كان ذلك الشخص في الإنصاف والوثاقة

    ____________

    1- ولخطورة الحديث في تاريخ الإسلام فقد تناوله المؤلّفون عبر القرون ـ على اختلاف مذاهبهم وتخصّصاتهم ولغاتهم ـ بتخريج طرقه وألفاظه، والبحث فيه سنداً ودلالة، ونظم الواقعة شِعراً، وقد أحصى من ذلك المحقّق السيّد عبـد العزيز الطباطبائي (قدس سره) في كتابه: " الغـدير في التراث الإسلامي " ما يقرب من مئتَي كتاب ورسالة، مرتّبة حسب القرون.

    ولمعرفة معنى كلمة " المولى " ومشـتقّاتها والمراد منها في الحديث، والتوسّع فيه سنداً ودلالة، وما يتعلّق برواته ومخرّجيه وطرقه وألفاظه، وما يرتبط به من بحوث علمية وتاريخية، وما نُظم فيه من شِعر على مرّ القرون، فقد استوفى ذلك العلاّمة الشيخ عبـد الحسـين الأميني (قدس سره) في موسوعته " الغـدير "، والعلاّمة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في الأجزاء 6 ـ 9 من موسوعته " نفحـات الأزهـار ".

    فللّه درّهم وعليه أجـرهم.


    الصفحة 23
    بتلك الرواية التي رواها، حتّى إنّهم رموا النسـائي بالتشـيّع كما ذكره في " وفيات الأعيان "(1).

    وما ذلك إلاّ لتأليفـه كتاب: " خصـائص أميـر المؤمنـين (عليه السلام) " وقولـه: لا أعرف لمعاوية فضيلة إلاّ " لا أشبع الله بطنه " مع استفاضة هذا الحديث حتّى رواه مسلم في صحيحه(2) كما ستعرف.

    وكـذا رمـوا بالتـشـيّع:

    أبـا عبـد الله الحـاكم محـمّـد بـن عبـد الله(3)..

    وأبا نُعَـيْم الفضل بن دُكين(4)..

    وعبـد الرزّاق(5)..

    ____________

    1- وفيات الأعيان 1 / 77 رقم 29 ; وانظر: سير أعلام النبلاء 14 / 133.

    2- صحيح مسلم 8 / 27 ; وقد تقدّم تخريجه في ص 10 هـ 1.

    3- وهو: الإمام الحافظ أبو عبـد الله محمّـد بن عبـد الله بن محمّـد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبّي النيسابوري، المعروف بـ: ابن البَـيِّـع (321 ـ 405 هـ).

    تجد نسـبته إلى التشـيّع في: تاريخ بغداد 5 / 474، الأنساب ـ للسمعاني ـ 1 / 433، المنـتظم 9 / 141، العبر 2 / 211، سـير أعلام النبلاء 17 / 165 و 168 و 174، تذكرة الحفّاظ 3 / 1042 و 1045، ميزان الاعتدال 6 / 216 رقم 7810، طبقات الشافعية ـ للسُـبكي ـ 4 / 161، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ 1 / 195 رقم 365، لسان الميزان 5 / 233، شذرات الذهب 3 / 177.

    4- وهو: الحافظ الكبير، الفضل بن عمرو ـ ودُكين لقب له ـ بن حمّـاد بن زهير بن درهم، مولى آل طلحة بن عبيـد الله التيمي، توفّي سنة 219 هـ.

    انظر رميه بالتشـيّع في: تاريخ بغداد 12 / 351، سير أعلام النبلاء 10 / 151.

    5- وهو: الحافظ الكبير، صاحب التصانيف، أبو بكر عبـد الرزّاق بن همّام بن نافع الحميري، مولاهم الصنعاني (126 ـ 211 هـ).

    تجد اتّهامه بالتشـيّع في: تذكرة الحفّاظ 1 / 364 رقم 357، سير أعلام النبلاء 9 / 566، ميزان الاعتدال 4 / 343 و 344، شذرات الذهب 2 / 27.


    الصفحة 24
    وأبا حـاتم الرازي(1)..

    وابنه عبـد الرحمن(2)..

    وغيـرهم ممّن لا ريب بتسـنّنه من علمـائهم(3) ; لروايتهم بعض فضائل آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعنايتهم بها في الجملة.

    وما ذلك إلاّ ليحصل الردع بحسب الإمكان عن رواية مناقبهم وتدوينها، وإنْ كان قصد الراوي بيان سعة اطّلاعه، وطول باعه.

    وإذا صحّح قسماً منها زاد طعنُهم فيه وفي روايته! مع أنّ طريقتهم التساهل في باب الفضائل، لكنْ في فضائل أعداء أهل البيت (عليهم السلام)!

    ____________

    1- وهو: الإمام الحافظ، أبو حاتم محمّـد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي الرازي (195 ـ 277 هـ).

    نُسـب إلى التشـيّع في تهذيب التهذيب 7 / 30.

    2- هو: العلم الحافظ، أبو محمّـد عبـد الرحمن بن أبي حاتم محمّـد بن إدريس بن المنذر ـ الحنظلي الرازي (240 ـ 327 هـ).

    اتّهم بالتشـيّع في لسان الميزان 3 / 433.

    3- مثل: محمّـد بن إدريس الشافعي، إمام المذهب (150 ـ 204 هـ)، انظر رميه بالتشـيّع في: الفهرسـت ـ للنديم ـ: 352، سير أعلام النبلاء 10 / 58.

    ومحمّـد بن جرير الطبري (224 ـ 310 هـ) صاحب التاريخ والتفسير ; تجـد اتّهامه بالتشـيّع في البداية والنهاية 11 / 124.

    وأبـو الـفـرج الأصـفـهـاني (284 ـ 356 هـ) صـاحـب " مـقـاتـل الطـالبـيّـيـن " و " الأغاني " ; تجد نسـبته إلى التشـيّع في: المنتظم 8 / 349، وفيات الأعيان 3 / 307 رقم 440، ميزان الاعتدال 5 / 151 رقم 5831، لسان الميزان 4 / 221 رقم 584، شذرات الذهب 3 / 19.

    وعبيـد الله بن عبـد الله الحسكاني، الحاكم الحافظ المحدّث، المتوفّى نحو سنة 470 هـ، صاحب " شواهد التنزيل " ; تجد رميه بالتشـيّع في تذكرة الحفّاظ 3 / 1200 رقم 1032.


    الصفحة 25
    فظهـر ـ ممّـا ذكرنـا ـ لكـلّ متـدبّـر: أنّ جميـع ما رُوي في منـاقب آل محـمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا مثالب أعدائهم، حـقٌّ لا مِريـةَ فيـه، ولا سـيّما مع روايته عندنا، وتواتر الكثير منه ; فيكون ممّا اتّفق عليه الفريقان، وقام به الإسـنادان.

    بخلاف ما رُوي في فضائل مخالفي أهل البيت، فإنّه من رواية المتّهَمين بأنواع التهم! ولو كان له أقلّ أصل لتواتر ألبتّة ; لوجود المقتضي وعدم المانع، بعكس فضائل آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا سيّما مع طلبهم مقابلة ما جاء في فضل أهل البيت (عليهم السلام) ; فيكون كذباً جزماً!

    ولولا خوف الملال، لأطنبنا في المقال، وفي ما ذكرناه كفاية لمن أنصف وطلب الحقّ.

    *    *    *


    الصفحة 26

    الصفحة 27

    المطلـب الثـاني
    لا قيمة لمناقشة أهل السُـنّة في السـند

    في بيـان أنّ تضعيـفهم للروايـة ومنـاقشـتهم في السـند لا قيمـة لها ولا عبرة بها ; لأمرين:

    [الأمر] الأوّل:

    إنّ علماء الجرح والتعديل، مطعون فيهم عندهم، فلا يصحّ اعتبار أقوالهم، كما يدلّ عليه ما في " ميزان الاعتدال " بترجمة عبـد الله بن ذكوان، المعروف بأبي الزناد، قال: " قال ربيعة [فيه]: ليس بثقة ولا رضيّ ".

    ثمّ قال: " لا يُسمع قول ربيعة فيه ; فإنّه كان بينهما عداوة ظاهرة "(1).

    وفي (الميزان) أيضاً بترجمة الحافظ أبي نعيم الأصبهاني أحمد بن عبـد الله، قال: هو " أحد الأعلام، صدوق، تُكُلِّم فيه بلا حجّة، ولكنْ هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن مندة بهوىً ".

    ثمّ قال: " وكلام ابن مندة في أبي نعيم فظيع، لا أُحبّ حكايته ".

    ثمّ قال: " كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لا سيّما إذا لاح لك أنّـه لعـداوة أو لمذهـب أو لحسـد، ما ينجـو منـه إلاّ من عصـم الله، وما علمت أنّ عصراً من الأعصار سَلِم أهلُه من ذلك سوى الأنبياء والصدّيقين، ولو شئتُ لسردتُ من ذلك كراريس "!(2).

    ____________

    1- ميزان الاعتدال 4 / 95.

    2- ميزان الاعتدال 1 / 251.


    الصفحة 28
    فإنّ هذه الكلمات ونحوها دالّة على أنّ الطعن للحسد والهوى والعداوة فاش بينهم، وعادةٌ لهم، فلا يجوز الاعتبار بأقوالهم في مقام الجرح والتعديل حتّى مع اختلاف العصر، أو عدم ظهور الحسد والعداوة ; لارتفاع الثقة بهم، وزوال عدالتهم، وصدور الكذب منهم.

    وأسخف من ذلك ما في " تهذيب التهذيب " بترجمة عبيـد الله بن سعيد أبي قدامة السرخسي، قال: قال الحاكم: روى عنه محمّـد بن يحيى ثمّ ضرب على حديثه... وسبب ذلك أنّ محمّـداً دخل عليه فلم يقم لـه!(1).

    فإنّ مَن هذا فِعله كيف يُعتمد عليه في التوثيق والتضعيف، ويُجعل عدم روايته عن شخص دليل الضعف؟!

    وقريب منه ما ذكروه في ترجمة النسائي، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في " المطلب الثالث "(2).

    وأعظم من ذلك ما في " تهذيب التهذيب " بترجمة سعد بن إبراهيم ابن عبـد الرحمن بن عوف، قال: إنّ مالكاً لم يكتب عنه.

    قال الساجي: يقال: إنّه(3) وعظ مالكاً فوَجَدَ عليه فلمْ يروِ عنه!(4).

    فإنّ من يترك الرواية عن شخص لموعظته له، حقيق بأن لا يُجعل

    ____________

    1- تهذيب التهذيب 5 / 379 باختلاف يسير، وكان في الأصل: " عبيـد الله بن سعد... " وما أثبتـناه من المصدر.

    2- يأتي في صفحة 42 من هذا الجزء.

    3- أي: سعد بن إبراهيم.

    4- تهذيب التهذيب 3 / 276 باختلاف يسير.

    ووَجَدَ عليه وَجْداً: أي غضب عليه. انظر: الصحاح 2 / 547، لسان العرب 15 / 219، مادّة " وَجَدَ ".


    الصفحة 29
    عدم روايته عن الأشخاص علامة الضعف، وأَوْلى بأنْ لا يُعتمد على توثيقه وتضعيفه.

    نعم، ذكر في " تهذيب التهذيب " أيضاً عن ابن معين، أنّ سعداً تكلّم في نسب مالك فترك الرواية عنه(1).

    فحينـئذ يمكن أن يكـون بهـذا وجه لتـرك مالك الروايـة عنـه!

    لكنْ لا لومَ على سعد، إذ لا يمكن لعاقل أن يرى أحداً وُلِد بعد أبيه بثلاث سـنين(2) زاعماً أنّه حُمِل في هذه المدّة، ويُصدَّق نَسَـبُه!

    وذكر في " تهذيب التهذيب " بترجمة محمّـد بن إسحاق ـ صاحب " السيرة " ـ أنّ مالكاً قال في حقّه: " دجّال من الدجاجلة "(3).

    ثمّ ذكر في الجواب عنه قول محمّـد بن فليح: " نهاني مالك عن شخصين من قريش، وقد أكثر عنهما في (الموطّـأ)! وهما ممّن يُحتجّ بهمـا "(4).

    وحاصلـه:

    أنّ قدح مالك لا عبرة به ; لأنّ فِعله ينقض قوله!

    وإليك جملة من علماء الجرح والتعديل، لتنكشف لك الحقيقة تماماً!

    ____________

    1- تهذيب التهذيب 3 / 277.

    2- انظر في ذلك: الأعلاق النفيسـة: 226، الفهرسـت ـ للنديم ـ: 338 المقالة السادسة، ترتيب المدارك 1 / 111 ـ 112، صفة الصفوة 1 / 437 رقم 189، وفيات الأعيان 4 / 137، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 79 ذيل رقم 100، تهذيب الكمال 17 / 388، سير أعلام النبلاء 8 / 132، العبر 1 / 210 رقم 179، شذرات الذهب 1 / 292.

    3- تهذيب التهذيب 7 / 36.

    4- تهذيب التهذيب 7 / 37.


    الصفحة 30
    ولنذكر أشهرهم وأعظمهم بيسـير من أحوالهم التي تيسّر لي فعلا بيـانهـا..

    فمنهم:

    أحمد بن حنبل:

    ذكر في " تهذيب التهذيب " بترجمة عليّ بن عاصم بن صهيب الواسطي، أنّ [ابن] أبي خيثمة(1) قال: " قلت(2) لابن معين: إنّ أحمد يقول: (ليـس هـو)(3) بكـذّاب، قـال: لا والله ما كـان [عليٌّ] عنـده قـطُّ ثقـة، ولا حدّث عنه بشيء، فكيف صار اليوم عنده ثقة؟! "(4).

    فإنّه صريح في اتّهام ابن معين لأحمد وتكذيبه له.

    ونقل السـيّد العلوي الجليل محمّـد بن عقيل(5) في كتابه: " العتب

    ____________

    1- كان في الأصل: أبا خيثمة ; وما أثبتـناه من المصدر.

    2- كذا في الأصل، وفي المصدر: قيـل.

    3- في المصدر بدل ما بين القوسين: إنّ عليّ بن عاصم ليس.

    4- تهذيب التهذيب 5 / 708.

    5- هو: محمّـد بن عقيل بن عبـد الله بن عمر العلوي الصادقي الحسـيني الحضرمي.

    وُلد ببلدة " مسيلة آل شيخ " قرب " تريم " من بلاد حضرموت سنة 1279 هـ.

    رحل إلى سنغافورة واشتغل بالتجارة، وترأّس فيها المجلس الإسلامي الاسـتشاري، وأسّـس فيها جمعية إسلامية ومجلّة وجريدة عربيّتين ومدرسة عربية دينيـة.

    سافر إلى الهند مراراً، ورحل إلى الصين واليابان وروسيا، ومنها وصل إلى برلين ففرنسا فالعراق فسورية فمصر.

    توفّي بالحُدَيْدية من أعمال اليمن في عام 1350 هـ.

    ومن مؤلّفاته: النصائح الكافية لمن تولّى معاوية، تقوية الإيمان، العتب الجميل على علماء الجرح والتعديل، فصل الحاكم في النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميّة وبني هاشم، وغيرها.

    انظر: معجم المؤلّفين 3 / 491 رقم 14568.


    الصفحة 31
    الجميل "، عن المَـقْبِلي(1) في " العَلَم الشامخ "، أنّ أحمد لمّا تكلّم في مسألة خلق القرآن وابتُليَ بسـببها، جعلها عدل التوحيد أو زاد!

    ثمّ ذكر المَـقْبِلي، أنّ أحمد كان يردّ رواية كلّ من خالفه في هذه المسألة، تعصّباً منه ; قال: وفي ذلك خيانةٌ للسـند(2).

    ثمّ قال: بل زاد فصار يردّ الواقف، ويقول: فلان واقفيٌّ مشؤوم.

    بل غلا وزاد، وقال: لا أُحبُّ الرواية عمّن أجاب في المحنة كيحيى ابن معيـن(3).

    أقـول:

    صدق المَـقْبِلي، فإنّ من سبر " تهذيب التهذيب " و " ميزان الاعتدال "

    ____________

    1- هو: صالح بن مهدي بن علي بن عبـد الله بن سليمان بن محمّـد المَـقْبِلي الصنعاني الزيدي.

    وُلد في قرية " المَـقْبِل " من أعمال كَـوْكَبان ـ وهو جبل قرب صنعاء ـ سنة 1040 / 1047 هـ، وانتقل إلى صنعاء، ثمّ سكن مكّة المكرّمة وتوفّي بها سنة 1108 أو 1110 هـ.

    عالم مشارك في مختلف العلوم، له مؤلّفات كثيرة، منها: العلم الشامخ في إيثار الحقّ على الآباء والمشايخ، حاشية على كتاب البحر الزخّار، حاشية على الكشّاف، وغيرها.

    انظر: هديّة العارفين 5 / 424، معجم المؤلّفين 1 / 835 رقم 6176.

    2- كذا في الأصل والمصدر، ولعلّه تصحيف " للسُـنّة ".

    3- العتب الجميل: 102 [94]. منه (قدس سره).

    وانظر: العلم الشامخ: 370 ـ 371، تهذيب التهذيب 9 / 302، ميزان الاعتدال 7 / 222 رقم 9644، تهذيب الكمال 20 / 233.


    الصفحة 32
    رأى ذلك نصب عينه.

    ومنهم:

    يحيى بن سعيد القطّان:

    ذكر في " تهذيب التهذيب " بترجمة همّام بن يحيى بن دينار، أنّ أحمد بن حنبل قال: " شهدَ يحيى بن سعيد شهادةً في حداثته، فلم يُعدّله همّام، فنقم عليه "(1).

    وفي " ميزان الاعتدال ": " قال أحمد: ما رأيت [يحيى] بن سعيد أسوأ رأياً [في أحد] منه في حجّاج وابن إسحاق وهمّام، لا يستطيع أحدٌ [في] أن يراجعه فيهم "(2).

    وبالضرورة: أنّ تفسيق المسلم والحقد عليه مستمرّاً ـ لأمر معذور فيه ظاهراً ـ أعظم ذنب، مسقِط لفاعله، ومانع من الاعتبار بقوله في الجرح والتعـديل.

    ومنهم:

    يحيى بن معين:

    ذكر ابن حجر في " تهذيب التهذيب " والذهبي في " ميزان الاعتدال " كلاهما بترجمة ابن معين، أنّ أبا داود كان يقع فيه، وأنّ أحمد بن حنبل قال: " أكره الكتابة عنه "(3).

    وقال ابن حجر أيضاً: " قال أبو زُرْعة: لا(4) ينتفع به ; لأنّه [كان]

    ____________

    1- تهذيب التهذيب 9 / 76.

    2- ميزان الاعتدال 7 / 92 رقم 9261.

    3- تهذيب التهذيب 9 / 302، ميزان الاعتدال 7 / 222 رقم 9644.

    وانظر: تهذيب الكمال 20 / 233.

    4- في المصدر: ولم.


    الصفحة 33
    يتكلّم في الناس!

    ويُروى هذا عن عليّ بن المديني(1) من وجوه "(2).

    وقال أيضاً في ترجمة شجاع بن الوليد: قال أحمد بن حنبل: لقيَ ابن معين شجاعاً، فقال له: يا كذّاب! فقال له شجاع: إنْ كنتُ كذّاباً وإلاّ فهتكك الله، وقال أحمد: أظنّ أنّ دعوة الشيخ أدركته(3).

    ونحوه في " ميزان الاعتدال " أيضاً(4).

    وقد تقدّم تناقض كلامه في قضيّـة أبي الأزهر، فإنّه نسبه إلى الكذب أوّلا، ثمّ ما برح حتّى صدّقه ونسب الكذب إلى ثقات علمائهم!(5).

    ومنهم:

    ابن المديني، أبو الحسن عليّ بن عبـد الله بن جعفر:

    فإنّ أحمد بن حنبل كذّبه كما ذكره ابن حجر والذهبي في الكتابين المذكورَين، بترجمة ابن المديني(6).

    وقال ابن حجر: " قيل لإبراهيم الحربي: أكان ابن المديني يُتّهم بالكـذب؟

    قال: لا، إنّما حدّث بحديث [فزاد] فيه كلمة ليرضى ابن أبي دؤاد(7).

    ____________

    1- لم ترد "بن المديني " في المصدر، وهي إضافة توضيحية منه (قدس سره).

    2- تهذيب التهذيب 9 / 299.

    3- تهذيب التهذيب 3 / 602 باختلاف يسير في الألفاظ.

    4- ميزان الاعتدال 3 / 365.

    5- انظر صفحة 12 ـ 13.

    6- تهذيب التهذيب 5 / 714، وميزان الاعتدال 5 / 169.

    7- وابن أبي دُؤاد هو: القاضي أبو عبـد الله أحمد بن فرج الإيادي البصري البغدادي الجهمي (160 ـ 240 هـ) معاصر لابن المديني (161 ـ 234 هـ)، ولي قضاء القضاة للمعتصم والواثق وبعض أيّام المتوكّل، كان يمتحن الناس في القرآن، ويضرب ويقتل عليه!

    انظر: أخبار القضاة 3 / 294، تاريخ بغداد 4 / 141 رقم 1825، وفيات الأعيان 1 / 81 رقم 32، سير أعلام النبلاء 11 / 169 رقم 71.


    الصفحة 34
    قيل له: فهل كان يتكلّم في أحمد؟

    قال: لا، إنّما كان إذا رأى في كتابه حديثاً عن أحمد قال: اضْرِب عليه، ليرضى ابنُ أبي دؤاد "!(1).

    وليت شعري كيف لا يُتّهم بالكذب، وقد زعم أنّه زاد في الحديث إرضاءً لصاحبه؟!

    وهل يُتصوّر عدم كلامه في أحمد، وقد فعل معه ما هو أشدّ من الكلام ومن فروعه، وهو الضرب على حديثه؟!

    وبالضرورة: إنّ من يزيد في الحديث كذباً، ويضرب على ما هو معتبر، ويبطل الصحيح المقبول عندهم، طلباً للدنيا ورضا أهلها، لا يُؤْمَن أنْ يوافق الهوى في توثيق الرجال وتضعيفهم!

    وإنْ شئت قلت: إنّ ضربه على أحاديث أحمد طعنٌ في أحدهما، وهو من المطلوب.

    ومنهم:

    الترمـذي:

    ذكر الذهبي في (الميزان) بترجمة إسماعيل بن رافع، أنّ جماعة من علمائهم ضعّفوا إسماعيل، وجماعة قالوا: متروك [الحديث].

    ____________

    1- تهذيب التهذيب 5 / 714.


    الصفحة 35
    ثّم قال: " ومن تلبيس الترمذي، قال: ضعّفه بعضُ أهل العلم "(1).

    وذكر أيضاً بترجمة يحيى بن يمان حديثاً وقال: " حسّـنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يُغْترُّ بتحسين الترمذي، فعند المحاقّة غالبها ضعـاف "(2).

    وقال أيضاً بترجمة كثير بن عبـد الله المزني: " لا يعتمد العلماءُ على تصحيح الترمذي "(3).

    ومنهم:

    الجوزجاني، إبراهيم بن يعقوب السعدي:

    فإنّهم ذكروا أنّه ناصبيٌّ معلن به(4)، كما ستعرفه في ترجمته بالمطلب الثالث إنْ شاء الله تعالى(5).

    ومن المعلوم أنّ الناصبَ: فاسقٌ منافقٌ ; لِما سبق في رواية مسلم أنّ مبغضَ عليّ (عليه السلام) منافقٌ(6)، ولا ريب أنّ النفاق أعظم الفسق، وقد قال تعالى: (إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبـإ فَـتَـبَـيَّـنُوا...)(7).

    بل النفاق نوعٌ من الكفر، بل أشدّه، فلا يُقبل قولُ مثله في الرجال، وشهادته فيهم مردودة، وتوثيقه وتضعيفه غير مسموع.

    ____________

    1- ميزان الاعتدال 1 / 384.

    2- ميزان الاعتدال 7 / 231.

    3- ميزان الاعتدال 5 / 493.

    4- تهذيب التهذيب 1 / 199، ميزان الاعتدال 1 / 205 رقم 256.

    5- انظر: صفحة 63 رقم 6.

    6- تقدّم في صفحة 15.

    7- سورة الحجرات 49: 6.


    الصفحة 36

    ومنهم:

    محمّـد بن حبّـان:

    قـال في (الميـزان) بترجمتـه: " قال الإمـام أبو عمـرو ابن الصـلاح [وذكره في طبقات الشافعية]: غلطَ الغلطَ الفاحشَ في تصرّفه(1) ; وصدق أبو عمرو.

    وله أوهام يتبع بعضُها بعضاً(2) ".

    ثمّ قـال: " قـال أبو إسـماعيل الأنصاري شـيخ الإسـلام: سـمعت عبـد الصمد بن محمّـد [بن محمّـد] يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبّان قوله: النبوّة العلم والعمل ; وحكموا عليه بالزندقة، وهجروه وكتبوا فيه إلى الخليفة، فأمر بقتله.

    وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سألت يحيى بن عمّار عنه فقال: رأيته، ونحن أخرجناه من خراسان(3)، كان له علمٌ كثير، ولم يكن له كبير دِيـن! "(4).

    ومنهم:

    ابن حزم، وهو: عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم:

    قال ابن خلّكان في ترجمته من " وفيات الأعيان ": كان كثير الوقوع في العلماء المتقدّمين، لا يكاد أحدٌ يسلم من لسانه، فنفرت منه القلوب،

    ____________

    1- طبقات الفقهاء الشافعية ـ لابن الصلاح ـ 1 / 116 رقم 14.

    2- كذا في الأصل ; وفي ميزان الاعتدال 6 / 99 ولسان الميزان 5 / 113 هكذا:

    " وله أوهام كثيرة تـتـبّع بعضَها الحافظُ ضياء الدين... ".

    3- في المصدر: سجستان.

    4- ميزان الاعتدال 6 / 99.


    الصفحة 37
    واستُهدف لفقهاء وقته، فتمالأوا على بغضه، وردّوا قوله، واجتمعوا على تضليله، وشنّعوا عليه.

    إلى أن قال: وفيه قال أبو العبّـاس بن العريف: لسان ابن حزم، وسيف الحجّاج بن يوسف شـقيقان(1).

    مـضـافـاً إلى أنّـه كـان شـبيـهـاً بابـن تـيـمـيّـة في شـدّة النصـب لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

    ولذا كان يُسـتـشـهَد بأقواله في نقص أميـر المؤمنين (عليه السلام) وإمام المتّقين، كما يَعرف شدّة نصبه مَن له إلمام بكتابه المسمّى بـ: " الفصل في الملل والأهواء والنحل " الذي ملأه بالجهل والهذيان، وأخلاه من العلم والإيمان!(2).

    ومنهم:

    الذهبي ـ صاحب كتاب " ميزان الاعتدال " ـ محمّـد بن أحمد بن عثمان:

    فإنّه كان ناصبياً ظاهر النصب لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! بيّن التعصّب على من احتمل فيه ولاء أهل البيت (عليهم السلام)، كما يشهد به كتابه المذكور، فإنّه ما زال يتحامل فيه على كلّ رواية في فضل آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى رواتها، وكلّ من أحسّ منه حبّهم!

    وقد ذكر هو في " تذكرة الحفّاظ " الحافظ ابن خِراش وأطراه في

    ____________

    1- وفيات الأعيان 3 / 327 ـ 328 ; وانظر أيضاً: وفيات الأعيان 1 / 169 رقم 68 ترجمة ابن العريف.

    2- انظر منه مثلا: 3 / 12 ـ 19 و 48 و 57 ـ 77 وغيرها.


    الصفحة 38
    الحفظ والمعرفة، ثمّ وصفه بالتشـيّع، واتّهمه بالرواية في مثالب الشـيخين، ثمّ قال مخاطبـاً له وسـابّـاً إيّـاه بما لفظـه: " فأنت زنـديق معانـد للحـقّ، فلا رضيَ الله عنك ; مات ابن خِراش إلى غير رحمة الله سنة ثلاث وثمانين بعد المائتين "!(1).

    وما رأيناه قال بعضَ هذا فيمن(2) سـبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ومرق عن الدين، بل رأيناه يُسـدّد أمره، ويرفع قدره، ويدفع القدح عنه بما تمكّن، كما هو ظاهر لمن يرى يسيراً من " ميزان الاعتدال "!

    وقد نقل السـيّد الأجل السـيّد محمّـد بن عقيل في كتابه العتب الجميل: 113، عن السبكي ـ تلميذ الذهبي ـ أنّه وصف شيخه الذهبي بالنصـب(3).

    ونقل أيضاً عن المَـقْبِلي قوله من قصيدة [من البسـيط]:


    وشاهِدي كُتْبُ أهلِ الرَفْضِ أجْمَعِهِمْوالناصِبِيْنَ كأهلِ الشامِ كالذَهَبي(4)

    ولنكتف بهذا القدر من ذِكر علماء الجرح والتعديل، المطعون فيهم بالنصب واتّبـاع الهوى ونحوهمـا، فالعجب ممّن يسـتمع لأقوالهم، ويُصغي لآرائهم، ويجعلهم الحجّة بينه وبين الله تعالى في ثبوت سُـنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

    ____________

    1- تذكرة الحفّاظ 2 / 684 ـ 685 رقم 705.

    2- كان في الأصل: " ممّن " وما أثبتـناه هو الصواب لغةً.

    3- العتب الجميل: 102.

    4- العتب الجميل: 101، عن العلم الشامخ: 395.

    والبيت من قصيدة مطلعها:


    قُلْ لِلْمُـلَـقَّبِ سُـنّياً سَـعِدْتَ بِماعَرَفْتَ مِنْ حَقِّ أصحابِ النَبيْ العَربي