الصفحة 27
لضرورة الدين، لا يصبغون بالمداد ثياب الأقلام، إلاّ لقِصارة(1) الدنـس الواقع على جيوب حُلل الإسـلام.

ولمّا اطّلعتُ على مضامين ذلك الكتاب، وتأمّلت في ما سنح في الزمان من ظهور بدعة الفرقة الإمامية، وعلوّهم في البلاد، حتّى قصدوا محو آثار كتب السُـنّة وغسلها وتحريفها(2)، بل تمزيقها وتحريقها..

حدّثتني نفسي بأنّ فساد الزمان ربّما ينجرّ إلى أنّ أئمّة الضلال يبالغون بعدها في تشهير هذا الكتاب، وربّما يجعلونه مسـتنداً لمذهبهم الفاسد، ويحصّلون من قدح أهل السُـنّة ـ بذلك الكتاب ـ جُلَّ المقاصد، ويظهِرون على الناس ما ضمّن ذلك الرجل ذلك الكتاب من ضعف آراء الأئمّة الأشاعرة، من أهل السُـنّة والجماعة، ويُصحّحون على العوامّ والجهلة أنّهم كالسوفسطائية، فلا يصحّ الاقتداء بهم، وربّما يصير هذا سبباً لوهن قواعد السُـنّة.

فهنالك تحتّم علَيَّ، ورأيت المفروض علَيَّ، أنْ أنتقد كلام ذلك الرجل في ذلك الكتاب، وأُقابل في كلّ مسألة من العلوم الثلاثة المذكورة فيه ما يكون تحقيقاً لحقيقة تلك المسألة، وأُبيّن فيه حقّيّة مذهب أهل السُـنّة والجماعة في تلك المسألة، أو أردّ عليه ما يكون باطلا، وعن حلية الحقّ الصريح عاطلا، على وجه التحقيق والإنصاف، لا على وجه التعصّب والاعتساف.

____________

(1) قَصَرَ الثوبَ قِصَارةً: بَـيَّضَ الثوب وحَوَّرَه ودَقّه بالقَصَرَة التي هي القِطعة من الخشب ; انظر: الصحاح 2 / 794، لسان العرب 11 / 189، تاج العروس 7 / 397، مادّة " قَصَرَ ".

والمقصود هنا هو إزالة الدنس عن الثوب وتنظيفه منه.

(2) في إبطال نهج الباطل: " تخريقها ".


الصفحة 28
وقد أردت أوّلا أنْ أذكر حاصل كلامه في كلّ مسألة، بعبارة موجزة خالية عن التطويل المملّ الفارغ عن الجدوى، وليسهل على المطالع أخذه وفهمه، ولا يذهب إلى أباطيله ذهنه ووهمه.

ثمّ بدا لي أنْ أذكر كلامه بعينه وبعباراته الركيكة، لوجهين:

أحدهما: إنّ الفرقة المبتدعة لا يأتمنون علماء السُـنّة، وربّما يتمسّك بعض أصحاب التعصّب بأنّ المذكور ليس من كلام ابن المطهّر، ليدفع بهذا الإلزامَ عنه.

والثاني: إنّ آثار التعصّب والغَرَض في تطويلات عباراته ظاهرة، فأردت نقل كلامه بعينـه ليظهـر على أرباب الفطنـة أنّه كان من المتعصّبين، لا من قاصدي تحقيق مسائل الدين.

وهذان الوجهان حدأاني إلى ذِكر كلامه في ذلك الكتاب بعينه.

والله تعالى أسأل أن يجعل سعيي مشكوراً، وعملي لوجهه خالصاً مبروراً، وأنْ يزيد بهذا تحقيقاً في ديني، ورجحاناً في يقيني، ويثقل به يوم القيامة عند الحساب موازيني، وأن يوفّقني للتجنّب عن التعصّب، والتأدّب في إظهار الحقّ أحسن التأدّب، إنّه وليُّ التوفيق، وبيده أزمّة التحقيق.

وها أنا أشرع في المقصود، متوكّـلا على الله الودود، وأُريد أنْ أُسمّيه بعد الإتمام ـ إن شاء الله ـ بكتاب: " إبطال نهج الباطل، وإهمال كشف العاطل ".

*    *    *


الصفحة 29

ردّ الشيخ المظفّر

أقـول:

قد ذكر الفضل هذا في كلامه أنّهم " الفرقة الناجية "، وهي دعوىً يبطلها الكتاب والسُـنّة والعقل ـ كما ستعرفها إنْ شاء الله تعالى ـ.

لكن ينبغي هنا أنْ نشـير إلى بعض الآيات، وبعض الأخبار..

فمن الآيات:

قوله عزّ من قائل مخاطباً للصحابة بعد واقعة أُحد:

( وما محمّـدٌ إلاّ رَسولٌ قَد خَلَتْ مِن قَبلِهِ الرُسُلُ أَفإن ماتَ أو قُتِلَ انقَلَـبْـتُمْ على أعقابِكِم ).. الآية(1).

فإنّها دالّة على عروض الانقلاب للصحابة بعد موت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)..

إذ ليس الاستفهام منه سبحانه على حقيقته ; لاسـتلزامه الجهل.. بل هو للإنكار أو التوبيخ، وهما يقتضيان الوقوع، ولذا قال: ( انْـقَـلَـبْـتُـمْ )بلفظ الماضي، تنبيهاً على تحقّقه، لعلمه تعالى بعاقبة أمرهم.

ولا يصحّ أنْ يُراد بالآية خصوص الأعراب، الّذين زعم أهلُ السُـنّة ارتـدادهم، كمالك بن نويرة(2) وقومه ; لأنّ الآية متعلّقة بالمنهزمين في

____________

(1) سورة آل عمران 3: 144.. وتمامها: (ومَن يَـنْـقَلِبْ على عَقِبَـيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَـيئاً وسَـيَجْزي اللهُ الشاكِرينَ).

(2) هو: مالك بن نويرة بن جمرة بن شدّاد بن عبيـد بن ثعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي، يكنّى أبا حنظلة، كان شاعراً شريفاً فارساً معدوداً في فرسان بني يربوع في الجاهلية وأشـرافهم، وكان من أرداف الملوك، قدم على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسلم، وأسلم بنو يربوع بإسلامه، وولاّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على صدقات قومه ثقةً به واعتماداً عليه، قتله خالد بن الوليد مسلماً! وجعل رأسه أثفية لقِدر! ثمّ نزا على امرأته من ليلته فزنى بها وكانت جميلة!!

انظر: فتوح البلدان: 107، تاريخ الطبري 2 / 272 حوادث سنة 11 هـ، أُسد الغابة 4 / 276 رقم 4648، شرح نهج البلاغة 1 / 179، الإصابة في تمييز الصحابة 5 / 754 رقم 7702، تاريخ الخميس 2 / 209.


الصفحة 30

الصفحة 31
أُحـد، وهم المهاجرون والأنصار(1).

فإنْ قلت: لعلّ المراد الإنكار على ما يعلمه منهم من إرادة الانقلاب في وقعة أُحد، كما رُوي عن بعضهم من إرادة التنصّر والتهوّد ـ كما ستعرفه في محلّه ـ فلا تدلّ على الانقلاب بعد موت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

قلـت: لو سُلِّم، فهو كاف في المقصود ; لأنّ القوم أُولئك القوم، ولم يخـرج منهم إلاّ القليـل المتّـفق على عدم انقلابهم، لا الكثير الغالـب، وإلاّ لَما حسـن الإنكار على المنهـزمين بوجه العمـوم، ولو بالعمـوم العـرفي.

وللكلام في الآية تـتمّة تأتي في أوّل مبـاحث الإمامـة إنْ شـاء الله تعـالى.

وأمّـا الأخبـار:

فمنهـا: أخبار الحوض، الدالّة على ارتداد الصحابة، إلاّ القليل

____________

(1) تنوير المقباس: 74، تفسير الطبري 3 / 455 ـ 458 ح 7939 ـ 7952، أسباب النزول ـ للواحدي ـ: 70، البحر المحيط 3 / 68 ـ 69، النهر المادّ 1 / 566، تفسير البغوي 1 / 281، الكشّاف 1 / 468، تفسير الفخر الرازي 9 / 22 المسألة 1، تفسير القرطبي 4 / 143، تفسير البيضاوي 1 / 182، تفسير ابن جزي الكلبي 1 / 119، تفسير ابن كثير 1 / 386، فتح القدير 1 / 385، روح المعاني 3 / 114.


الصفحة 32
النادر، كالـذي رواه البخـاري في " كتـاب الحـوض " عـن أبي هـريـرة، أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " بينا أنا قائم فإذا زمرة، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ ; فقلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله ; قلت: ما شأنهم؟! قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القَهْقَرى.

ثمّ إذا زمرةٌ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ ; قلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله ; قلت: ما شأنهم؟! قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القَهْقَرى.

فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثلُ هَمَل النَعَم "(1).

____________

(1) صحيح البخاري 8 / 217 ح 166.

وقد تضافرت الأحاديث وصحّت في اختلاج أكثر الصحابة عن الحوض يوم القيامة، لارتدادهم عن الدين ; فانظر ذلك ـ مثلا ـ في:

صحيح البخاري 4 / 277 ح 151 و ج 6 / 108 ح 147 و ج 8 / 214 ح 157 و ص 216 ـ 218 ح 163 و 164 و 165 و 171، صحيح مسلم 1 / 150 ـ 151 و ج 2 / 12 ـ 13 و ج 7 / 66 ـ 68 و ص 71 و ج 8 / 157، سنن ابن ماجة 2 / 1439 ح 4306، مـسـنـد أحـمـد 1 / 257 و 384 و 406 و 425 و 439 و 453 و 455 و ج 2 / 300 و 408 و ج 5 / 48 و 50 و 333 و 339 و 393، مصنّف عبـد الرزّاق 11 / 406 ـ 407 ح 20854 و 20855، ما روي في الحـوض والكوثر ـ لبقيّ بن مخلد ـ: 98 ح 35، تأويل مختلف الحديث: 30، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 340 ـ 346 ح 761 ـ 776، المعجم الكبير 6 / 143 ح 5783 و ص 156 ح 5834 و ص 171 ح 5894 و ص 200 ح 5996 و ج 11 / 28 ح 10953 و ج 17 / 201 ح 538، المعجم الأوسط 3 / 263 ح 2895، السنن الكبرى 4 / 78، فردوس الأخبار 1 / 45 ح 131، الذيل على جزء بقيّ بن مخلد ـ لابن بشكوال ـ: 119 ـ 120 ح 54 و 55، مصابيح السُـنّة 3 / 537 ح 4315، الترغيب والترهيب 4 / 192 ح 75 ـ 77، مجمع الزوائد 10 / 364 ـ 365، جامع الأحاديث الكبير 2 / 191 ـ 192 ح 4776 و 4777 و ج 3 / 283 ح 8653 و 8654، الجامع الصغير: 463 ح 7561، كنز العمّال 11 / 176 ـ 177 ح 31112 ـ 31115 و ج 13 / 94 ح 36321 و ج 14 / 417 ـ 419 ح 39124 ـ 39131 و ص 420 ح 39135 و ص 421 ح 39137.


الصفحة 33

الصفحة 34
فهل ترى هذا الخبر ونحوه يجامع مذهب القوم، والبناء على سلامة الصحابة المخالفين لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟!

فكيف يكونون هم الفرقـة الناجيـة؟!

ومنهـا: ما رواه الحاكم وصحّحه على شرط البخاري ومسلم، عن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " سـتفترق أُمّتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمهم فرقة [قوم] يقيسـون الأُمور برأيهم، فيحرّمون الحلال، ويحلّلون الحرام "(1).

وأنت تعلم أنّ أهل القياس عمدة أهل السُـنّة، فكيف يكونون الفرقة الناجيـة؟!

ومنهـا: ما رواه الذهبي في " ميزان الاعتدال " بترجمة زيد بن وهب الجهني ـ وصحّحه بظاهر كلامه، واعتبره جدّاً ـ عن حذيفة: " إنْ خرج الدجّال تبعه مَن كان يحبّ عثمان "(2).

.. إلى غيرها ممّا لا يحصى من الأخبـار، وسـيمرّ عليك الكثير منها إنْ شاء الله تعالى.

وممّا يدلّ على أنّنا نحن الفرقة الناجية: الأحاديث المسـتفيضة ; كحديث السـفينة، وباب حطّة، وحديث الثقلين ـ ونحوها ممّا سـيمرّ عليك ـ فإنّا تعلّقنا بسـفينة النجاة، ودخلنا باب حطّة، وتمسّـكنا بعترة

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 4 / 430 [4 / 477 ح 8325] كتاب الفتن. منـه (قدس سره).

(2) ميزان الاعتدال 3 / 158 رقم 3034.


الصفحة 35
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثقله، الذي مَن تمسّك به لا يضلُّ أبداً(1).

بخلاف أهل السُـنّة، فإنّهم بالضرورة لم يتمسّـكوا بهم، ولم يأخذوا منهم علماً وعملا، بل نابذوهم يداً ولساناً.

وأمّا ما رواه الخصم من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا تزال طائفة من أُمّتي منصورين لا يضرّهم مَن خذلهم "(2).

فهو أدلّ على أنّ الشـيعة هم الفرقة الناجية ; للتعبير بالطائفة الظاهرة بالقلّـة.

والمراد بالـ " منصورين... " إلى آخره، هو: النصرة الدينية القائمة بالأدلّة الجليّة وقوّة البرهان، وهي مختصّة بمذهب قُـرَناء القرآن المجيد، والثقل الذي خلّفه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأُمّتـه.

وليس المراد النصرة الدنيوية كما تخيّله الخصم، فإنّه ينتقض عليه بأمر عثمان، وكثير من الأوقات كأيّام البويهيّـين، والحمدانيّـين، والعلويّـين، وأيّام المصنّف، والسلطان محمّـد خدا بنده، وأيّام الصفويّين، التي هي أيّام الخصم نفسه التي تذمّر منها في خطبته لاسـتيلاء الشـيعة على البـلاد.

وأمّا ما وسموا به أنفسهم من أنّهم أهل السُـنّة والجماعة فخطأ آخر ; لِما رواه يحيى بن عبـد الله بن الحسـن، عن أبيه، قال: " كان عليٌّ (عليه السلام)يخطب، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني مَن أهل الجماعة؟ ومَن أهل الفُرقة؟ ومَن أهل السُـنّة؟ ومَن أهل البدعة؟

____________

(1) سـيأتي تخريج كلّ واحد منها في محلّه إن شاء الله تعالى.

(2) مـرّ تخريجه في الصفحة 12.


الصفحة 36
فقال: ويحك! أما إذ سألتني فافهم عنّي، ولا عليك أنْ [لا] تسألَ عنها أحداً بعدي.

فأمّا أهل الجماعة: فأنا ومن اتّبعني وإنْ قلّوا، وذلك الحقّ عن أمر الله وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأمّا أهل الفُرقة: فالمخالفون لي ولمن اتّبعني وإنْ كثروا.

وأمّا أهل السُـنّة: فالمتمسّـكون بما سـنّه الله لهم ورسولُه (صلى الله عليه وآله وسلم)وإنْ قلّوا [وإنْ قلّوا].

وأمّا أهل البدعة: فالمخالفون لأمر الله، ولكتابه، ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، العاملون برأيهم وأهوائهم، وإنْ كثروا، وقد مضى منهم الفوج الأوّل، وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها واسـتئصالها عن حَـدَبَة(1) الأرض "(2).. الحـديث.

وهو كما ترى لا ينطبق على أهل السُـنّة إلاّ أنْ يتعلّقوا بالمكابرة، ويتجنّوا في الدعوى.

إذ كيف يكونون من أهل جماعـة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومتّبعيه؟! وهم لا يتّبعونه بكلّ ما يخالف به مشايخهم، بل بكلّ أمر!

وكيف يكونون من أهل السُـنّة؟! وهم يعملون بالقيـاس، والاسـتحسان، ويحلّلون الحرام، ويحرّمون الحلال بآرائهم، كما ذمّهم به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الحاكم السابق!

____________

(1) الحَدَبَة: ما أشرف وغَلُظ وارتفع من الأرض ; انظر: الصحاح 1 / 108، لسان العرب 3 / 73، تاج العروس 1 / 407، مادّة " حَدَبَ ".

(2) كنز العمّال 8 / 215 [16 / 183 ـ 184 ح 44216] كتاب المواعظ. منـه (قدس سره).


الصفحة 37
نعم، هم أهل جماعة معاوية وأضرابه، وهم أهل السُـنّة، أي المخالفون لأمير المؤمنين (عليه السلام) كما عرفتَ في بعض رجال المقدّمة أنّهم يصفون العثماني العدوّ لأمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه صاحب سُـنّة!(1).

فلو لم يسـتحسـنوا طريقة العثماني، ولم يرتضوها، لوصفوه بأنّه صاحب بدعة وضلالة ونفاق، لِما اسـتفاض أنّ بغض عليّ (عليه السلام) علامة النفـاق(2).

فيكون أهل السُـنّة عبارة عن العثمانيّين الأعداء لأمير المؤمنين، المبغضين له.

ويشـهد لعـداوتهـم لـه أنّهـم إلى الآن لا يأنسـون بذِكـر فضـائلـه، ولا يحبّون الاسـتماع إليها، لا سـيّما فضائله العظمى، ومناقبه الكبرى، التي يعرفون منها الامتياز على مشايخهم، حتّى إنّهم يحتالون لإنكارها أو تأويلها بكـلّ طريـق، وإنْ لم يمكن لأحدهم نـكران فضله، وترك ذِكر فضائله كلّـيّة!

وتراهم إذا ذكروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفردوه بالصلاة عليه، وهي الصلاة البتراء المنهيّ عنها(3)، مع أنّه قد اسـتفاض عندهم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)جعل الصلاة على آله من كيفيّة الصلاة عليه، كما رواه البخاري ومسلم

____________

(1) انظر مثلا:

إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، مرّت ترجمته في ج 1 / 63 ـ 64 رقم 6.

وعثمان بن عاصم، مرّت ترجمته في ج 1 / 187 ـ 188 رقم 216.

ومحمّـد بن عبيـد الطنافسي، مرّت ترجمته في ج 1 / 242 رقم 293.

(2) مرّت الإشارة إلى ذلك في الجزء الأوّل من الكتاب، صفحة 15 ; فـراجـع.

(3) انظر: جواهر العقدين: 217، الصواعق المحرقة: 225، كشف الغمّة عن جميع الأُمّة ـ للشعراني ـ 1 / 342.


الصفحة 38
وغيرهما(1)، وسـتعرفه إن شاء الله في الآية الخامسة والعشرين من الآيات التي اسـتدلّ بها المصنّف (رحمه الله) على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام).

نعم، ربّما يصلّون على آل النبيّ معه في أوائل مصنّفاتهم وأواخرها، ولكن لا بُـدّ أن يشركوا معهم الصحابة، كراهة لتمييز آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)على غيرهم كما ميّزهم الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصّهم بالأمر بالصلاة عليهم معه.

ومع ذلك، إذا جاء أحدهم إلى تفسير آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: المراد بهم مطلق عشـيرته وأقاربه!(2) خلافاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث فسّرهم بعليّ وفاطمة والحسـن والحسـين كما تواتر في أخبارهم، التي منها ما اسـتفاض في نزول آية التطهير(3).

فليت شعري كيف يُـفَـضَّل بمشاركة سـيّد النبـيّـين بالصلاة عليه مَن لا يشاركه بالفضل والقرب من الله سبحانه، ولا يختصّ معه بالطهارة من الرجـس؟!

وأمّا ما أشار فيه إلى مدح الصحابة المرضيّين، فأكثره حقّ بلا مراء،

____________

(1) صحيح البخاري 6 / 217 ـ 218 ح 291 ـ 293، صحيح مسلم 2 / 16، سنن ابن ماجة 1 / 292 ـ 293 ح 903 و 904 و 906، سنن أبي داود 1 / 255 ـ 256 ح 976 ـ 981، سنن الترمذي 5 / 334 ـ 335 ح 3220، سنن النسائي 3 / 45 ـ 49، مسند أحمد 4 / 243 و 244 و ج 5 / 274، الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لابن أبي عاصم ـ: 12 ـ 16 ح 1 ـ 7 و ص 17 ـ 25 ح 10 ـ 22.

وسـيأتي إن شاء الله تعالى مزيد تفصيل في موضعه من الآية الكريمة المشار إليها في المتن لاحقاً.

(2) انظر: تفسير القرطبي 14 / 119، شرح الزرقاني على المواهب اللدنّية 4 / 342 ـ 343.

(3) مرّ تخريج ذلك في الجزء الأوّل، صفحة 162 ـ 164 هـ 4 ; فـراجـع.


الصفحة 39
وهم الأحقّون بالمدح والثناء.

كيف لا؟! وهم أركان الدين، وأنصار سـيّد المرسـلين (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولكنّ الكلام في مَن انقلبوا بعده، وارتدّوا على أدبارهم القَهْقَرى.

ثمّ إنّ من المشكِل قول الفضل: " وجعل مناط أُمور الدين مرجوعةً إليهم ".

فإنّه إنْ أراد بالدين: فروعه، وبرجوعه إليهم: صحّة اجتهادهم تبعاً للدليل ; فهذا لا يخصّهم.

وإنْ أراد صحّة اجتهادهم، وحكمهم بالاسـتحسان والهوى، كما في تحريم المتعتَين، وإمضاء الطلاق ثلاثاً، ونحوها ; فبـاطل.

لأنّ الأحكام بيد الله تعالى، وليس لأحد أن يتحكّم في دينه، ويشرّع خلاف ما أنزل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وإنّ أراد بالدين: الإمامة، وبرجوع أُمورها إليهم: جعلهم أئمّة ; فهو باطل أيضاً على مذهبهم، لإنكارهم النصّ على إمام.

وما أحسن قوله: " والناس على دين ملوكهم "، فإنّه من أصدق الكـلام!

ولذا ترى الناس اجتنوا من الشجرة الملعونة في القرآن طعامَ الأثيم، وهو بغضهم وعداوتهم لمن أُمروا بمودّتهم، وتركوا التمسّك بالشجرة الطيّبة، وأحد الثقلين اللذَين أُمروا بالتمسّك بهما، وأخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّهم سفينة النجاة، وأنّهم من بيوت أذِن الله أنْ تُرفَع.

فعافوا مذهب هؤلاء الأطيبين، واتّبعوا مذهب أُولئك الظالمين، وهم يشاهدون أحوالهم في الفسق والجور، يسهرون لياليهم بالخمر والزنا، ويقضون أيّامهم بالظلم والخنا، لا يعرفون لله حرمة، ولا يرقبون في مؤمن

الصفحة 40
إلاًّ(1) ولا ذمّـة.

نعـم، ربّما يتّـفق أنّ الملوك والناس يتّبعون النبيّـين والعلماء والبراهين، كما اتّفق في زمن الإمام العلاّمة المصنّف أعلى الله مقامه، فإنّ سلطان زمانه السديد لمّا رأى الخلل في مذاهب السُـنّة، طلب المصنّفَ (رحمه الله)من الحلّة الفيحاء، وجمع له الجمّ الغفير من أكابر علمائهم، وأمرهم بالمناظرة بحضرته، ليتّضح الحقّ عياناً.

فتناظَروا، وبانَ الوهن والانقطاع في أُولئك العلماء على رؤوس الأشهاد، وظهر بطلان دينهم في جميع البلاد، فاسـتبصر السلطان وكلّ من سلك لمعرفة الحقّ فجاجاً، وجاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.

ولم يكن لهذا السلطان العظيم الشأن داع للعدول عن مذهبه، وخلاف ما كان عليه عامّة أهل مملكته، غير حبّ الحقّ والحقيقة، إذ ليس سلطانه محتاجاً إلى ما فعل، بل كان منه على خطر، بخلاف ملوك السُـنّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ سلطانهم موقوف على ردّ نصّ الغدير، وجحد الأئمّة الاثني عشر، الّذِين هم أحد الثقلين المسـتمرَّين، اللذَين لا يفترقان حتّى يرِدا على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الحوض.

  • وأمّـا ما نقله عن " كشف الغمّة " من حديث " حلية سيف أبي بكر " فهو وإنْ كان مذكوراً في أواخر أحوال إمامنا أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، إلاّ أنّه قد نقله عن أبي الفرج ابن الجوزي في كتاب " صفوة الصفوة " عن عروة

    ____________

    (1) الإلُّ: كلّ ما له حُرمة وحقّ، كالحِلْف والعَهد والقَرابة والرحِم والجِوار، انظر: الصحاح 4 / 1626، لسان العرب 1 / 186، تاج العروس 14 / 26، مادّة " أَلَلَ".


    الصفحة 41
    ابن عبـد الله(1).

    فهو عن كتب السُـنّة وأخبارهم لا الشـيعة، كما هو طريقة " كشف الغمّة "، فإنّ غالب ما فيه منقول عن كتب الجمهور، يعرفه كلُّ من رأى هذا الكتاب ولحظ طرفاً منه.

    وقد صرّح مؤلّفه بذلك في خطبة الكتاب، فقال: " واعتمدت في الغالب النقلَ من كتب الجمهور ; ليكون أدعى لتلقّيه بالقبول، ووفق رأي الجميع متى رجعوا إلى الأُصول، ولأنّ الحجّة متى قام الخصم بتشـييدها، والفضيلة متى نهض المخالف بإثباتها وتقيـيدها، كانت أقوى يداً... " إلى آخر كلامـه(2).

  • كمـا إنّ ما نقله الخصم عن كتاب " كشف الغمّة " من قول إمامنا الصـادق (عليه السلام): " وَلَدني أبو بكر مرّتين " إنّما هو من كتب القوم، على أنّ لفظ " الصدّيق " زيادة من الفضل!

    وظاهرٌ أنّه لم يرَ " كشف الغمّة " ولذا جهل ولادة الصادق (عليه السلام) الثانية، فقال: " وكذا كانت إحدى جدّاته [الأُخرى] من أولاد أبي بكر " مع أنّها مذكورة في الكتاب!

    فإنّه ـ بعدما نقل في أوّل ترجمة الصادق (عليه السلام) كلاماً طويلا لمحمّـد ابن طلحة الشافعي ـ قال: " وقال الحافظ عبـد العـزيز الأخضـر الجنـابـذي: أبو عبـد الله جعفر بن محمّـد بن عليّ بن الحسـين بن عليّ بن أبي طالب الصـادق، أُمّه أُمّ فروة، واسمها قريبة بنت القاسم بن محمّـد بن أبي بكر الصدّيق، وأُمّها أسماء بنت عبـد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق، ولذا قال

    ____________

    (1) صفوة الصفوة 1 / 399، وانظر: حلية الأولياء 3 / 185.

    (2) كشف الغمّة 1 / 4.


    الصفحة 42
    جعفر: ولدني أبو بكر مرّتين "(1).

    فهـذا ـ مع أنّه عن كتب الجمهور ـ خال عن وصف الصـادق (عليه السلام)لأبي بكر بـ: الصدّيق.

    وعليـه، فقد كذب الخصم مرّتين:

    الأُولى: في دعوى أنّ ما ذكره فى " كشف الغمّة " كان نقلا عن كتب الشـيعة.

    والثانية: في النقل عن الصادق (عليه السلام) أنّه وصف أبا بكر بـ " الصدّيق " بقوله: ولدني أبو بكر مرّتين.

    وهذا ونحوه هو الذي أوجب أنْ لا نأتمن القوم في نقلهم!

  • وأمّـا ما حكاه عن الحاكم، فلو صـحّ عنه لم يكن حجّة علينا ; لأنّ الحاكم ورجال حديثه من الجمهور، ومجرّد كونه ممّن يميل إلى التشـيّع ـ أي أنّه ليس ناصبَ العداوةِ لأمير المؤمنين ـ وأنّ له إنصافاً في الجملة، لا يقضي بإلزامنا بما يرويه بإسناد من قومه.

  • وأمّـا ما ذكره من الوجهين لِتركِ علمائهم الردّ على المصنّف (رحمه الله)، فالحقّ كما ذكره في الوجه الثاني، مِن أنّ تتبّع ذلك الكلام وإشـاعته ينجرُّ(2) إلى اتّساع الخرق، إذ به تنكشف الحقيقة وتزول الغفلة عن بعض الغافلين.

    ولذا قالوا: إذا جاء ذِكر ما وقع بين الصحابة فاسـكتوا!(3).

    ____________

    (1) كشف الغمّة 2 / 161.

    (2) في المخطوط والمصدر: " ينجرُّ "، والمثبت من المطبوعتين هو الصواب معنىً.

    (3) وقد رووا في ذلك حديثاً موضوعاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: إذا ذُكِر أصحابي فأَمسِـكوا.

    انظر: المعجم الكبير 2 / 96 ح 1427 و ج 10 / 198 ح 10448، تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة: 183 رقم 174، حلية الأولياء 4 / 108، مجمـع الزوائد 7 / 202 و 223، كنز العمّال 1 / 178 ح 901.


    الصفحة 43

    الصفحة 44
    فإنّهم لو بحثوا لَما خفي الحقّ، ولزالت الغشاوة عن أعين الأفئدة، ولكن قنعوا بالظنّ والتخمين، ولم ينظروا بعين التدبّر والإنصاف إلى ما أرشدهم إليه علماء الإمامية، كأنّهم لم يسمعوا ما ذمّ الله سبحانه به الأوّلين، حيث قال تعالى: ( إنْ يَتّبِعونَ إلاّ الظنَّ وإنْ هُم إلاّ يَخْرُصون )(1).

    فاللازم على كلّ مكلَّف أن يبحث عن الحقّ بحثاً تامّاً، ويرعى الأدلّة رعاية مَن يطلب خلاص نفسه يوم العرض، لا مجرّد الحصول على صورة الردّ والنقض.

    وما أعجب نسبة الخصم التعصّبَ إلى المصنّف (رحمه الله)! والإنصافَ والتأدّبَ إلى نفسه! مع ما رأيت من كلامه، من ضروب الشتم، وتعمّد الكـذب.

    وأعجب منه نسبة الركاكة وشَين الرطانة إلى كلام المصنّف (رحمه الله)! وهو لم يعرف العلوم العربية، فضلا عن أن يرقى إلى رتبة البلاغة، فإنّ كلامه قد اشـتمل على أنواع الغلط!

    فوصف السـنن بـ " الميتـاء " ولا يقال ـ في ما أعلم ـ: " ميتـاء ".

    وأعاد ضمير الجمع المذكّر إلى الموصول المفرد المؤنّث، فقال: " التي يسـخطون العصبة الرضية ".

    واسـتعمل في شِعره " سارعة " بمقام " مُسرعة ".

    ____________

    (1) سورة الأنعام 6: 116.


    الصفحة 45
    وجاء بيته الأخير مختلّ الوزن.

    وأعاد ضمير المفرد على المثنّى، فقال: " الوجهان حداني ".

    .. إلى غير ذلك ممّا في كلامه من الغلط، فضلا عن الركاكة!

    ونحن وإنْ لم نُرِد أن نؤاخذه بمثل ذلك ; لأنّ المقصود غيره، إلاّ أنّا أردنا هنا أنْ نشير إلى أنّه ركض في غير ميدانه، وأحلّ نفسه بغيرِ مكانه!

    *    *    *


    الصفحة 46


    المحسوسـات
    أصـل الاعـتـقـادات





    الصفحة 47

    الصفحة 48

    المحسوسات أصل الاعتقادات

    قال المصنّـف ـ قدّس الله روحه ـ(1):

    المسـألة الأُولـى
    في الإدراك

    وفيه مباحث:

    [المبحـث] الأوّل
    [الإدراك أعرف الأشياء]

    لمّا كان الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها ـ على ما يأتي ـ وبه تُعرف الأشياء، وحصل فيه من مقالاتهم أشياء عجيبة غريبة، وجب الـبَدأةُ به، فلهذا قدّمناه.

    إعلـم أنّ الله تعالى خلق النفس الإنسانية ـ في مبدأ الفطرة ـ خالية عن جميع العلوم بالضرورة، وقابلة لها [بالضرورة]، وذلك مُشاهَد في حال الأطفـال.

    ____________

    (1) نهج الحقّ: 39 ـ 40.


    الصفحة 49
    ثمّ إنّ الله تعالى خلق للنفس آلات بها يحصل الإدراك، وهي القوى الحاسّة، فيحسّ الطفل ـ في أوّل ولادته ـ بحسّ اللمس ما يدركه من الملموسات.

    ويميّز بواسطة الإدراك البصَري ـ على سبيل التدرّج ـ بين أبويه وغيرهمـا.

    وكذا يتدرّج في الطعوم، وباقي المحسوسات، إلى إدراك ما يتعلّق بتلك الآلات.

    ثمّ يزداد تفطّـنُه فيدرك بواسطة إحساسه بالأُمور الجزئية، الأُمورَ الكلّـيّة، من المشارَكة والمبايَنة(1)، ويَعقل الأُمورَ الكلّـيّة الضرورية بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية.

    ثمّ إذا اسـتكمل الاسـتدلال(2)، وتفطّن بمواضع الجدال، أدرك بواسطة العلوم الضرورية، العلومَ الكسـبية.

    فقد ظهر من هذا أنّ العلوم الكسـبيّة فرعٌ على العلوم الضرورية الكلّـيّة، والعلوم الضرورية الكلّـيّة فرعٌ على المحسوسات الجزئية.

    فالمحسوسات إذاً: هي أصل الاعتقادات، ولا يصحّ الفرع إلاّ بعد

    ____________

    (1) المشاركة: هي معرفة الأشياء بأمثالها ; والمشترك: هو اللفظ الواحد الذي تعدّد معناه وقد وُضع للجميع كلاّ على حدة، ككلمة " عين " الموضوعة لحاسّة النظر وينبوع الماء ومعدن الذهب وغيرها.

    والمباينة: هي معرفة الأشياء بأضدادها ; والتباين: هو أن تكون معاني الألفاظ متكـثّرة بتكـثّر الألفاظ، وإنْ كانت المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو كلّها، مثل " السيف " و " الصارم " فإنّ الصارم خصوص القاطع من السيوف، فهما متباينان معنىً وإنْ كانا يلتقيان في الأفراد.

    انظر: المنطق 1 / 41 و 45.

    (2) كان في الأصل: " العلوم " ; وما أثبتـناه من نهج الحقّ.


    الصفحة 50
    صحّة أصله، فالطعنُ في الأصل طعنٌ في الفرع.

    وجماعة الأشـاعرة ـ الّذين هم اليوم كلّ الجمهور، من: الحنفـيّة، والشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة ـ إلاّ اليسـير من فقهاء ما وراء النهر(1)، أنكروا قضايا محسـوسة ـ على ما يأتي بيانه ـ فلزمهم إنكارُ المعقولات الكلّـيّة ـ التي هي فرعُ المحسوسات ـ ويلزمهم إنكار الكسـبيّات ; وذلك [هو] عينُ السـفسـطة.

    *    *    *

    ____________

    (1) وهم أتباع المتكلّم الأُصولي أبي منصور محمّـد بن محمّـد بن محمود الماتُرِيدي الحنفي، وُلِد بـ " ماتُرِيد " أحد أحياء سمرقند، وتوفّي بها سنة 333 هـ، له كتب، منها: تأويلات أهل السُـنّة، تأويلات القرآن، بيان وهم المعتزلة، الدرر في أُصول الدين، عقيدة الماتُرِيدية، شرح الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة.

    انظر في ترجمته: الجواهر المضيّة 3 / 360 رقم 1532، تاج التراجم: 249 رقم 217، مفتاح السعادة 2 / 133، كشف الظنون 1 / 262، معجم المؤلّفين 3 / 692 رقم 15849، هديّـة العارفيـن 6 / 36، الأعـلام ـ للزركلي ـ 7 / 19.

    وبين هذه الفرقة وبين بقية الأشاعرة خلاف في عدّة مسائل كلامية.

    انظر ذلك في: شرح العقائد النسفية: 116، شرح المواقف 8 / 129، المطالب الوفية شرح العقيدة النسفية: 80 و 83 و 96 و 98.