وأقـول:
هـذا كلّه من كلام " المواقف " وشرحها إلى قوله: " تسمّى بـ: الإلهية "(1)، فكأنّه جاء ناقلا لكلامهما بلا فائدة تتعلّق بالجواب عن أبي هاشم وغيره من مثبتي الأحوال.
وقوله: " هو من المعتزلة " لا ينفعه ; لأنّ بعض مثبتي الأحوال من الأشاعرة(2)، وهم قائلون بمقالة أبي هاشم! على أنّ المصنّف بصدد الردّ على الجمهور مطلقاً من دون خصوصية للأشاعرة.
ثمّ إنّ الأشعري يقول: إنّ الاشتراك بالأحكام يستلزم الاشتراك بالذات والذاتيّات(3) ; فما معنى حكمه بالمخالفة بين الموجودات في الذات مع اشـتراكها في الأحكام؟! اللّهـمّ إلاّ أنْ يريد بـ " الأحكام " الأُمور الاعتباريـة لا الحقيقية.
هـذا، واستدلّ ـ أيضاً ـ أصحابنا وغيرهم على المخالفة، بأنّه تعالى لو شـاركه غيره في الذات والحقيقـة لخالفه بالتعيـين، لضـرورة التعـدّد، ولا ريب أنّ ما به الافتراق غير ما به الاتّفاق(4)، فيلزم التركيب في هويّة الواجب تعالى، وهو باطل.
____________
(1) المواقف: 269، شرح المواقف 8 / 14 ـ 15.
(2) كالقاضي أبي بكر محمّـد بن الطيّب الباقلاّني، المتوفّى سنة 403 هـ.
انظر: الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 / 82.
(3) انظر: الأربعين في أُصول الدين ـ للفخر الرازي ـ 1 / 140 ـ 141.
(4) انظر: المراسلات بين القونوي والطوسي: 99 وما بعدها، نهاية الحكمة: 18.
واستدلّ أبو هاشم وأتباعه على المساواة، بأنّ الذات تنقسم إلى: الواجب والممكن، ومحلّ القسمة مشترك بين أقسامه(2).
ورُدَّ بأنّ " المشترك " هو مفهوم الذات، وهو اعتباري، فلا ينفع الاشتراك فيه في إثبات الاشتراك بالحقيقة والماهيّـة.
____________
(1) سورة الشورى 42: 11.
(2) تقدّم في الصفحة 171.
إنّه تعالى ليس بجسـم
قال المصنّـف ـ ضاعف الله ثوابه ـ(1):
المبحـث الثـالث
في أنّه تعالى ليس بجسـم
أطبق العقلاء على ذلك، إلاّ أهل الظاهر كداود(2)، والحنابلة كلّهم، فإنّهم قالوا: إنّ الله تعالى جسمٌ يجلس على العرش، ويفضل عنه من كلّ جانب سـتّة أشـبار بشـبره(3)!!
وإنّه ينزل في كلّ [ليلة] جمعة على حمار [و] ينادي إلى الصباح:
____________
(1) نهج الحقّ: 55 ـ 56.
(2) هو: داود بن علي بن خلف الكوفي، أبو سليمان الأصفهاني، المعروف بالظاهري، ولد سنة 202، وتوفّي سنة 270 هـ، وهو إمام أهل الظاهر.
رحل إلى نيسابور، ثمّ قدم بغداد فسكنها وصنّف كتبه بها، ومنها: إبطال التقليد، إبطال القياس، كتاب المتعة، كتاب مسألتين خالف فيهما الشافعي.
انظر: تاريخ بغداد 8 / 369 ـ 375 رقم 4473، وفيات الأعيان 2 / 255 رقم 223، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ 2 / 284 رقم 62، هديّة العارفين 5 / 359.
أو هو: داود الجَوَارِبي، الذي هو رأس في التجسـيم.
انظر: لسان الميزان 2 / 427 رقم 1757.
(3) انظر: التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: 107، الكامل في التاريخ 7 / 114 في ذكر فتنة الحنابلة سنة 323 هـ.
وحَملوا آيات التشبيه على ظواهرها.
والسبب في ذلك قلّة تمييزهم، وعدم تفطّنهم بالمناقضة التي تلزمهم، وإنكار الضروريات التي تُبطل مقالتهم.
فإنّ الضرورة قاضية بأنّ كلّ جسم لا ينفكّ عن الحركة والسكون، وقد ثبت في علم الكلام أنّهما حادثان، والضرورة قاضية بأنّ ما لا ينفكّ عن المُحدَث فإنّه يكون مُحدَثاً، فيلزم حدوثُ الله تعالى.
والضرورة [الثانية] قاضية بأنّ كلّ مُحدَث فله مُحدِث، فيكون واجب الوجود مفتقراً إلى مؤثِّر، ويكون ممكناً، فلا يكون واجباً [وقد فُرض أنّه واجب]، وهذا خُلـف.
وقد تمادى أكثرهم فقال: إنّه تعالى يجوز عليه المصافحة، وإنّ المخلصين (في الدنيا)(2) يعانقونه في الدنيا(3).
وقال داود(4): أُعفوني عن الفَرْج واللحية، واسألوني عمّا وراء ذلك!!(5).
____________
(1) انظر: شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 3 / 227، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: 126، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ 2 / 196.
(2) ليس في المصدر.
(3) مقالات الإسلاميّين: 214، شرح المواقف 8 / 399.
(4) هو داود الجواربي، وقد تقدّمت الإشارة إليه في الصفحة السابقة هـ 2.
(5) الـفَرق بيـن الفِـرق: 216، التبصير في الدين ـ للإسفرايني ـ: 120، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 / 93، الأنساب ـ للسمعاني ـ 5 / 643 (الهشامي)، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 3 / 224 ; وانظر: شرح المواقف 8 / 399 ولم يصرّح باسم القائل، بل نسبه إلى: " بعضهم ".
وإنّه بكى على طوفان نوح حتّى رمدت عيناه ; وعادته الملائكة لمّا اشـتكت عينـاه!!(2).
فلينصف العاقل [المقلّد] من نفسه، هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء [في شيء]؟!
وهل للعقل مجال في تصديقهم في هذه المقالات الرديّـة(3)، والاعتقادات الفاسدة؟!
وهل تثق النفس بإصابة هؤلاء في شيء ألبتّـة؟!
____________
(1) مقالات الإسلاميّين: 209، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 / 94، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 3 / 224.
(2) الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 / 96.
(3) في المصدر: الكاذبة.
وقال الفضـل(1):
ما ذكره من مذهب المشبّهة والمجسّمة، وهم على الباطل، وليسوا من الأشاعرة وأهل السُـنّة والجماعة.
وأمّـا ما نسبه إلى الحنابلة فهو افتراء عليهم، فإنّ مذهب الإمام أحمد ابن حنبل في المتشابهات: تركُ التأويل، وتوكيل العلم إلى الله تعالى.
ولأهل السُـنّة والجماعة ها هنا طريقان:
أحدهما: ترك التأويل ; وهو ما اختاره أحمد [ابن حنبل]..
وتوكيل العلم إلى الله تعالى(2)، كما قال الله تعالى: ( والرّاسخُونَ في العِلم يقُولُون آمَنّا بهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا )(3)، فهؤلاء يتركون آيات التشـبيه على ظواهرها، مع نفي الكيفية والنقص عن ذاته وصفاته تعـالى، لا أنّهم يقولون بالجسمية المشاركة للأجسام، كما ذهب إليه المشبّهة.
فلِمَ لا يجوز تقليد هؤلاء؟!
وأيُّ فساد يلزم من هذا الطريق؟! مع أنّ نصّ القرآن يوافقهم في توكيل العلم إلى الله تعالى!
وما ذكره من الطامّات والترّهات فليـس من مذهب أهل الحقّ ; والرجل معتاد بالطامّات.
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 1 / 174.
(2) وهذا هو ثاني الطريقين.
(3) سورة آل عمران 3: 7.
وأقـول:
المفهوم من كلامه: إنّ اسم أهل السُـنّة والجماعة مخصوصٌ بالأشاعرة، وهو غير مسلّم عند المعتزلة والمجسّمة وغيرهم، فهم في هذا الاسم سـواء.
وكيف يختصّ هذا الاسم بالأشاعرة وهو قد حدث قبل شيخهم الأشعري، في أيّام معاوية؟!(1).
ونسب الشهرستاني في " الملل والنحل " القول بالجسـمية إلى الكَـرّامية وعدّهم من الصفاتية، وهم من أهل السُـنّة(2).
____________
(1) فقد أُطلقت هذه التسمية بعد صلح الإمام السبط الحسن بن عليّ عليهما السلام مع معاوية ابن أبي سفيان في سنة 41 هـ، فسمّيت هذه السنة بـ: عام الجماعة، وهي السنة التي سُنّ فيها لعن الإمام عليّ (عليه السلام) على المنابر! ومن ذلك انتزع اسم أهل السُـنّة والجماعة لمخالفي أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام)، المتّبعين لمعاوية، المجتمعين على سُـنّته!
انظر: العبر في خبر من غبر 1 / 36 حوادث سنة 41 هـ، البداية والنهاية 8 / 18 حوادث سنة 41 هـ، تطهير الجَنان واللسان ـ المطبوع مع الصواعق المحرقة ـ: 22.
(2) الملل والنحل 1 / 99.
والكَـرّامية ـ بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة ـ: أصحاب أبي عبـد الله محمّـد ابن كَـرّام النيسابوري، كان والده يحفظ الكَـرْم، فقيل له: الكَـرَّام، وقيل: إنّه من بني تراب.
وُلد بقرية من قُرى زَرنْـج، ونشأ بسجستان، ثمّ دخل بلاد خراسان بعد المجاورة بمكّة خمس سنين، وانصرف إلى سجستان، ثمّ إلى نيسابور، فلمّا شاعت بدعته ـ وهي أنّ الإيمان باللسان، فهو مؤمن وإن اعتقد الكفر بقلبه! ـ حبسه طاهر بن عبـد الله بن طاهر، ولمّا أُفرج عنه خرج إلى ثغور الشام، وعنـد عودته إلى نيسابور سجنه محمّـد بن طاهر بن عبـد الله ثمانية أعوام لأجل بدعتـه.
وخرج من نيسابور سنة 251 هـ متوجّهاً إلى بيت المقدس، وتوفّي فيها سنة 255 هـ، وقيل سنة 256 هـ، ودفن بباب أريحا، وقيل أيضاً: إنّه مات بالشام سنة 255 هـ.
انظر: الأنساب ـ للسمعاني ـ 5 / 43 " الكَرّامي "، ميزان الاعتدال 6 / 314 رقم 8109، لسان الميزان 5 / 353 رقم 1158، البداية والنهاية 11 / 18 حوادث سنة 255 هـ.
____________
(1) المواقف: 273، وانظر: شرح المواقف 8 / 25 المقصد الثاني.
(2) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني، أبو الحسن البلخي، صاحب التفسير، وقال العسقلاني: قال ابن حبّان: كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان مشبّهاً يشبّه الربّ سبحانه وتعالى بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك في الحديث، أصله من بلخ، وانتقل إلى البصرة فمات بها عام 150 هـ.
انظر: ميزان الاعتدال 6 / 505 رقم 8747، تهذيب التهذيب 8 / 320 ـ 325 رقم 7146، وفيات الأعيان 5 / 255 رقم 733، شذرات الذهب 1 / 227 حوادث سنة 150 هـ.
(3) مثل: مُعاذ العنبري (208 ـ 288 هـ)، الذي سأله أحدهم عن الله: أله وجه؟
فقال: نعم!
حتّى سأله عن جميع الأعضاء، من أنف وفم وصدر وبطن...، فأثبتها جميعـاً!
قال السائل: فاسـتحييت أن أذكر الفرْج ; فأومأت بيدي إلى فَرْجي..
فقال: نعم!
فقلت: أذكر أم أُنثى؟
فقال: ذكر!
وسئل عن أُمور كهذه، فأجاب بما تقشعرّ منه الأبدان! تعالى الله عن ذلك علوّاً كبـيـراً.
انظر: شرح نهج البـلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 3 / 224 ـ 225، طبقات الحنابلة ـ لابن أبي يعلى ـ 1 / 312 رقم 489.
وأمّـا ما ذكره من أنّ مذهب أحمد بن حنبل ليس كذلك..
ففيه ما قاله السـيّد السعيد (رحمه الله) أنّه كذلك بشهادة فخر الدين الرازي، حيث قال في رسالته المعمولة لتفضيل مذهب الشافعي: إنّ أحمد بن حنبل كان في نهاية الإنكار على المتكلّمين في التنزيه، ولمّا كان في غاية المحبّة للشافعي، ادّعت المشبّهة أنّه [كان] على مذهبهم(2).
ولو سُلّم سلامةُ أحمدَ من القول بالتشبيه، فالمصنّف (رحمه الله) إنّما نقل القول بالجسمية عن الحنابلة، ولا ملازمة بينهم وبينه في المسائل الأُصولية، بل وبعض الفرعية، كغيره من مذاهبهم مع أتباعه.
ثـمّ ما ذكره من أنّ أحمد يترك آيات التشبيه على ظواهرها مع نفي الكيفية والنقص، تناقض ظاهر، فإنّ إبقاءها على ظواهرها يقتضي الجسمية، وإثبات كيفية ما، وذلك نقص.
على أنّ أقلّ ما يقتضيه ترك التأويل: التوقّف في نفي التشبيه
____________
(1) المواقف: 273 و 429، الملل والنحل 1 / 92 ـ 100، وانظر: شرح المواقف 8 / 25 ـ 26 و 399.
(2) إحقاق الحقّ 1 / 176، وانظر: مناقب الإمام الشافعي ـ للرازي ـ: 138.
أي أنّ الفخر الرازي جعل قول أحمد بالتجسيم من المسلّمات ; لأنّ المشبّهة قد ادّعت أنّ الشافعي على مذهبهم ; لأنّ أحمد ـ القائل بالتجسيم ـ كان في نهاية المحبّة والتعظيم للشافعي، وكان ـ كذلك ـ في غاية الإنكار لمذاهب المتكلّمين في التـنزيه!
وأمّـا ما ذكره من أنّ نصّ القرآن يوافقهم..
فحاصله: إنّ الآية الكريمة نصٌّ في أنّ الراسخين في العلم جاهلون بالمتشابهات، ويكِلون علمها إلى الله تعالى، بدعوى أنّ قوله تعالى: ( والرّاسِخُون في العلم يقُولُون )(1) جملة مستأنفة، ولا أظنُّ عارفاً يرضى به ويُنكر أنْ يكون ( الراسخون ) عطفاً على لفظ الجلالة.
كيف؟! وذلك يستلزم ـ بعد مخالفة الظاهر ـ أنْ يكون علم التأويل مختصّاً بالله تعالى، فيكون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مرسَلا بما يجهله وما يخلو عن الفائدة له ولأُمّته! ومخطئاً في قوله بحقّ أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّه عالمُ عِلمِ الكـتاب(2).
وظنّي أنّ الداعي لهم إلى مخالفة الظاهر، والتزام هذه المحاذير، هو إنكار فضل آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّهم لو أقرّوا بأنّ قوله: ( والراسخون )عطفٌ على لفظ الجلالة، لم يُمكنهم إنكار أنّ العترة من الراسخين في العلم، العالمين بمتشابه القرآن، بعد أنْ أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّهم قرناء
____________
(1) سورة آل عمران 3: 7.
(2) هذا إشارة إلى تفسير قوله تعالى: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علمُ الكتاب) سورة الرعد 13: 43.
انظر: منـاقب الإمـام عليّ (عليه السلام) ـ للمغـازلي ـ: 262 ح 258، شـواهد التـنـزيـل ـ للحسكاني ـ: 1 / 307 ـ 310 ح 422 ـ 427، زاد المسـير 4 / 261، تفسير القرطبي 9 / 220، مجمع البيان 6 / 50، وانظر: ينابيـع المودّة 1 / 305 ـ 308 ح 1 ـ 13.
____________
(1) إشارة إلى الحديث الشريف المتواتر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلّوا ما إن تمسّـكتم بهما، ولن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض "، المرويّ في أُمّهات مصادر الجمهور، فانظر مثلا:
صحيح مسلم 7 / 122 ـ 123، سنن الترمذي 5 / 621 ح 3786 و ص 622 ح 3788، مسـنـد أحـمـد 3 / 14 و 17 و 26 و 59 و ج 4 / 367 و 371 و ج 5 / 182 و 189، فضائل أحمد: 76 ح 114، الطبقات الكبرى 2 / 150، سنن الدارمي 2 / 292 ح 3311، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 628 ـ 631 ح 1548 ـ 1558، أنساب الأشراف 2 / 357، خصائص الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للنسائي ـ: 69 ـ 70 ح 74، مسند أبي يعلى 2 / 297 ح 1021 و ص 303 ح 1027 و ص 376 ح 1140، المعـجم الصغيـر ـ للطبـراني ـ 1 / 131 و 135، المعجـم الأوسـط 4 / 81 ح 3439 و ص 155 ح 3542، الـمـعـجـم الـكـبــيـر 3 / 65 ح 2678 و ج 5 / 153 و 154 ح 4921 ـ 4923 و ص 166 ح 4969 و ص 169 ـ 170 ح 4980 و 4981 و ص 182 ح 5025 و 5026 و ص 183 ح 5028 و ص 186 ح 5040، المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و 4577 و ص 160 ـ 161 ح 4711 ووافقه الذهبي فـي التـلخيـص، حلـيـة الأولـيـاء 1 / 355 رقـم 57 و ج 9 / 64، السـنـن الكـبـرى ـ للبيهقي ـ 2 / 148 و ج 7 / 30 ـ 31 و ج 10 / 114، تاريخ بغداد 8 / 442 رقم 4551 وقد بتر الحديث فلم يذكر إلاّ الثقل الأوّل فقـط!!، منـاقب الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ للمغازلي ـ: 214 ـ 215 ح 281 ـ 284، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 154 ح 182، تاريخ دمشق 42 / 216 ح 8702 و ص 220 ح 8714، فردوس الأخبار 1 / 53 ح 197، تفسير الفخر الرازي 8 / 179، كفاية الطالب: 53، ذخائر العقبى: 47 ـ 48، مختصر تاريخ دمشق 17 / 120، تفسير الخازن 1 / 257 وقد ذكر الثقل الأوّل فقط ولم يتمّ الحديث!!، فرائد السمطين 2 / 142 ـ 147 ح 436 ـ 441، مجمع الزوائد 9 / 163 ـ 165، الدرّ المنثور 2 / 285، الجامع الصغير: 157 ح 2631، كنز العمّال 1 / 172 ـ 173 ح 870 ـ 873 و ص 178 ح 898.
هذا، وقد توسّـع العلاّمة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة هذا الحديث الشريف من كلّ جوانبه ـ ألفاظه وطرقه وأسانيده ودلالته ـ في الأجزاء 1 ـ 3 من موسوعته " نفحات الأزهار "، فجزاه الله خيراً ; فراجـع.
إنّه تعالى ليس في جهة
قال المصنّـف ـ شرّف الله منزلته ـ(1):
المبحـث الرابـع
في أنّه تعالى ليس في جهة
العقلاء كافّة على ذلك، خلافاً للكرّامية، حيث قالوا: " إنّه تعالى في جهة الفوق "(2).
ولم يعلموا أنّ الضرورة قضت بأنّ كلّ ما هو في جهة، فإمّا أنْ يكون لابثـاً فيهـا، أو متحـرّكاً عنها، فهو [إذاً] لا ينفـكّ عن الحـوادث، وكلّ ما لا ينفكّ عن الحوادث فهو حادث، كما تقدّم.
____________
(1) نهج الحقّ: 56 ـ 57.
(2) الملل والنحل 1 / 99، المواقف: 429، شرح المواقف 8 / 19.
وقال الفضـل(1):
هذا القول للكـرّامية ; لأنّهم من جملة من يقول: إنّه جسم ; ولكن قالوا: غرضنا من الجسم أنّه موجود، لا أنّه متّصف بصفات الجسم.
فعلى هـذا، لا نـزاع معهـم إلاّ في التسـمية، ومأخـذها التوقيـف، ولا توقيف ها هنا(2).
وكونه تعالى في جهة الفوق ـ على وجه الجسمية ـ باطل بلا خلاف، لكن جرت العادة في الدعاء بالتوجّه إلى جهة الفوق ; وذلك لأنّ البركات الإلهية إنّما تنزل من السماء إلى الأرض.
وقـد جـاء في الحـديث أنّ امرأة بكمـاء أُتي بها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فقـال لهـا رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَـن إلهـك؟ فأشارت إلى السماء، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إيمانها(3).
وذلك لجريان العادة بالتوجّه إلى السماء عند ذِكر الإله، وهذا يمكن أنْ يكون مبنياً على إرادة العلوّ والتفوّق، فيعبّرون عن العلوّ العقلي بالعلوّ
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 1 / 177 ـ 178.
(2) ورد مؤدّاه في: الملل والنحل 1 / 100، المواقف: 273، شرح المواقف 8 / 25 و 26.
(3) انظر: صحيح مسلم 2 / 71، مسند أحمد 2 / 291، الموطّـأ: 678 ح 8، المعجم الكبير 19 / 398 ح 937 و ج 22 / 116 ح 297، مجمع الزوائد 4 / 244، إتحاف السادة المتّقين 2 / 105، كنز العمّال 1 / 411 ح 1744 و ص 412 ح 1746، المواقف: 272 ; وفيها: " أين الله؟ " بدل " من إلهك؟ ".
فإنْ أراد الكرّامية هذا المعنى فهو صحيح، وإنْ أرادوا ما يلزم الأجسام من الكون في الجهة والحيّز، فهو باطل.
وأقـول:
ذكر الشهرستاني في " الملل والنحل " الكرّامية، وعدّهم من الصفاتية وأهل السُـنّة، وقال: هم أصحاب أبي عبـد الله محمّـد بن كرّام، وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة.
ثمّ قال: نصّ أبو عبـد الله على أنّ لمعبوده على العرش استقراراً، وعلى أنّه بجهة فوق ذاتاً، وأطلق عليه اسم " الجوهر "، فقال في كتابه المسمّى " عذاب القبر ": إنّه أحديُّ الذات، أحديُّ الجوهر، وإنّه مماسّ للعرش من الصفحة العليا، ويجوز عليه الانتقال والتحوّل والنزول!
ومنهم من قال: إنّه على بعض أجزاء العرش! وقال بعضهم: امتلأ العرش به! وصار المتأخّرون منهم إلى أنّه تعالى بجهة فوق ومحـاذ للعـرش.
ثمّ اختلفوا، فقال العابدية منهم: إنّ بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قُدّر مشغولا بالجواهر لاتّصلت به(1).
.. إلى غير ذلك ممّا ذكره من خرافاتهم وضلالاتهم التي صاروا إليها بمجرّد الهوى وعدم المبالاة بالله سبحانه.
وقال في " المواقف " وشرحها: ذهـب أبو عبـد الله محمّـد بن كرّام إلى أنّه تعالى في الجهة ككون الأجسام فيها، وهو أنْ يكون بحيث يشار إليه أنّه ها هنا أو هناك، وهو مماسّ للصفحة العليا من العرش، ويجوز عليه
____________
(1) الملل والنحل 1 / 99 ـ 100.
فعلى هذا، كيف يقول الفضل: كونه تعالى في جهة الفوق ـ على جهة الجسمية ـ باطل بلا خلاف؟!
ثمّ بعد هذا ناقض نفسه وردّد في مرادهم، فإنّه لا يناسب الحكم بعدم الخلاف!
ثمّ إنّ اللازم ـ بمقتضى التصريح بأنّه تعالى جوهر، وإثباتهم الجهة والحيّز والمماسّة لله تعالى، وتجويزهم الحركة والانتقال عليه سبحانه ـ أنْ يكون مرادهم بالجسم هو الجسم الحقيقي، لا الموجود.
لكن قال في " المواقف " وشرحها: " الكرّامية ـ أي بعضهم ـ قالوا: هو جسم ـ أي: موجود ـ، وقوم آخرون منهم قالوا: هو جسم ـ أي: قائم بنفسه ـ ; فلا نزاع معهم على التفسيرين إلاّ في التسمية [أي: إطلاق لفظ الجسم عليه]، ومأخذها التوقيف، ولا توقيف ها هنا "(2).
فلاحـظ وتدبّـر!
وأمّا حديث " البكماء "، ففي " المواقف " أنّ السؤال وقع فيه بـ: " أين الله؟ " لا: " مَن إلهُك؟ (3)" كما ذكره الخصم! وذلك أنسب في مقام الاسـتـشهاد لو صحّ الحديث!
____________
(1) المواقف: 271، شرح المواقف 8 / 19.
(2) المواقف: 273، شرح المواقف 8 / 25.
(3) المواقف: 272، شرح المواقف 8 / 24.
إنّه تعالى لا يتّحـد بغيره
قال المصنّـف ـ أعلى الله مقامه ـ(1):
المبحـث الخامـس
في أنّه تعالى لا يتّحـد بغيره
الضرورة قاضية ببطلان الاتّحاد، فإنّه لا يعقل صيرورة الشـيئين شـيئاً واحـداً.
وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور، فحكموا بأنّه تعالى يتّحد بأبدان العارفين(2)، حتّى تمادى بعضهم وقال: إنّه تعالى نفس الوجود، وكلّ موجود هو الله تعالى!
وهذا عين الكفر والإلحاد.
الحمد لله الذي فضّلنا باتّباع أهل البيت، دون اتّباع أهل الأهواء الباطلـة.
____________
(1) نهج الحقّ: 57.
(2) انـظر: كتاب التجلّـيات ـ لابن عربي ـ: 13، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحـديد ـ 3 / 232، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ: 425.
وقال الفضـل(1):
مذهب الأشاعرة: إنّه تعـالى لا يتّحـد بغيره ; لامتـناع اتّـحاد الاثنيـن(2).
وأمّـا ما نسبه إلى الصوفية من القول بالاتّحاد، فإنْ أراد به محقّقي الصوفية، كـ:
أبي يزيد البسـطامي(3)، وسهل بن عبـد الله التسـتري(4)،
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 1 / 179 ـ 181.
(2) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 225، المواقف: 274، شرح المواقف 4 / 60 ـ 62 و ج 8 / 28.
(3) هو: طَيْفُور بن عيسى بن سَرْوَشان البِسطامي، الصوفي الزاهد، كان جدّه مجوسياً فأسلم، وُلد في بِسطام ـ وهي بلدة من أعمال خراسان، بين دامغان ونيسابور ـ وتوفّي سنة 261 وقيل: 264 هـ.
انظر: طبقات الصوفية: 67 رقم 8، معجم البلدان 1 / 500 رقم 1901، وفيات الأعيان 2 / 531 رقم 312، سير أعلام النبلاء 13 / 86 رقم 49، شذرات الذهب 2 / 143 وفيات سنة 261 هـ.
(4) هو: أبو محمّـد، سهل بن عبـد الله بن يونس بن عيسى التستري، الصوفي الزاهد، ولد سنة 200 أو 201 هـ في مدينة تُسْتَر ـ وهي تعريب شوشتر ـ من كور الأهواز في إقليم خوزستان بإيران، له مصنّفات عديدة، منها: دقائق المحبّين، ومواعظ العارفين، وجوابات أهل اليقين ; توفّي بالبصرة سنة 283 هـ.
انظر: الفهرست ـ للنديم ـ: 322 المقالة الخامسة / الفنّ الخامس، طبقات الصوفية: 206 رقم 10، معجم البلدان 2 / 34 رقم 2517، وفيات الأعيان 2 / 429 رقم 281، سير أعلام النبلاء 13 / 330 رقم 151، شذرات الذهب 2 / 182 وفيات سـنة 283 هـ.
فهذا نسبة باطلة، وافتراء محض، وحاشاهم عن ذلك!
بل صرّحوا كلّهم في عقائدهم ببطلان الاتّحاد ; فإنّه مناف للعقل والشـرع.
بل هم أهلُ محضِ التوحيد، وحقيقة الإسلام ناشئة من أقوالهم، ظاهرة على أعمالهم وعقائدهم، وهم أهل التوحيد والتمجيد.
وفي الحقيقة: هم الفرقة الناجية، ولهم في مصطلحاتهم عبارات تقصر عنها أفهام غيرهم، وفي اصطلاحاتهم البقاء والفناء.
____________
(1) هو: الجنيد بن محمّـد بن الجنيد الخزّاز البغدادي القواريري الصوفي، أصله من نهاوند، ومولده ومنشؤه بالعراق، كان شيخ وقته في الصوفية، ولد سنة بضع وعشرين ومائتين، وتفقّه على يد أبي ثور ـ صاحب الشافعي ـ، وقيل: كان على مذهب سفيان الثوري ; توفّي ببغداد سنة 298 هـ.
انظر: طبقات الصوفية: 155 رقم 1، وفيات الأعيان 1 / 373 رقم 144، سير أعلام النبلاء 14 / 66 رقم 34، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ 2 / 260 رقم 60، شذرات الذهب 2 / 228 وفيات سنة 298 هـ.
(2) هو: شهاب الدين عمر بن محمّـد بن عبـد الله التيمي السُهروردي، يرجع نسبه إلى محمّـد بن أبي بكر، وُلد سنة 539 في سُهْرَوَرْد ـ وهي قرية قريبة من زنجان ـ قدم بغداد وهو شابّ وسمع فيها الحديث، وكانت له صحبة مع الشيخ عبـد القادر، كان شافعي المذهب، وكان شيخ شيوخ الصوفية ببغداد، له عدّة تصانيف، منها: " عوارف المعارف " في بيان طريقة الصوفية، حكمة الإشراق، النفحات السماوية ; توفّي ببغـداد سنة 632 هـ.
انظر: معجم البلدان 3 / 329 رقم 6811، وفيات الأعيان 3 / 446 رقم 496، سير أعلام النبلاء 22 / 373 رقم 239، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ 8 / 338 رقم 1232، شذرات الذهب 5 / 153 وفيات سنة 632 هـ، الكواكب الدرّيـة 3 / 144 رقم 574.