وهل الأَوْلى أن نقول: إنّه تعالى مرئي يوم القيامة لعباده، ليزداد بذلك شغفه في عبادة ربّه، رجاء أن ينظر إليه يوم القيامة، ولكن هذه الرؤية بلا كيفية كما سترى وتعلم..
أو يقال له: هذا الربّ لا يُنظر إليه في الدنيا ولا في الآخرة؟!
وهل الأَوْلى أن يقال: إنّ أنبياء الله تعالى مكرّمون معصومون من الكذب والكبائر، ولكنّهم بشر لا يأمنون من إمكان وقوع الصغائر عنهم، فلا تيأس أنت من عفو الله وكرمه، إن صدر عنك معصية فإنّهم أُسوة الناس، ويمكن أن يقع منهم الذنب، فأنت لا تقنط من الرحمة..
أو يقال له: الأنبياء كالملائكة يستحيل عليهم الذنب، فإذا سمع بشيء من ذنوب الأنبياء، كما جاء في القرآن: ( وعصى آدمُ ربّه )(1) يتردّد في نبوّة آدم ; لأنّه وقع منه المعصية فلا يكون نبيّـاً؟!
وهل الأَوْلى أن يقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا بُعث إلى الناس تابعه جماعة من أصحابه، وأقاموا في خدمته وصحبته طول أعمارهم، وقاسوا الشدائد والبلايا في إقامة الدين ودفع الكفرة، وذكرهم الله في القرآن وأثنى عليهم بكلّ خير ورضي عنهم..
ثمّ بعده قاموا بوظائف الخلافة، ونشروا الدين، وفتحوا البلاد، وأظهروا أحكام الشريعة، وأحكموا قواعد الحدود، حتّى بقي منهم الدين، وانحفظت من سعيهم الشريعة إلى يوم الدين..
أو يقال له: إنّ هؤلاء الأصحاب بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خالفوه، ورجعوا إلى الكفر، ولم يهدِ محمّـد (صلى الله عليه وآله) إلاّ سبعة عشر نفراً؟!
____________
(1) سورة طـه 20: 121.
وأمّـا ما ذكر أنّه ليـس في التوحيـد دليل ولا جواب شبهة إلاّ ومن أمير المؤمنين عليّ ; فإنّ هذا لا يختصّون به دوننا، بل كلّ ما نأخذه من العقائد، ونتلقّى من الأدلّة، فإنّها مأخوذة من تلك الحضرة ومن غيره من أكابر الصحـابة كالخلفـاء الراشـدين سـواء، وككبار الصحابة الّذين شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعلمهم واجتهادهم وأمانتهم.
وهم يذكرون الأشياء من الأئمّة ويمزجون كلّ ما ينقلون عنهم بألف كذبة كالكهنة السامعة لأخبار الغيب، ونحن لا نرويه ولا ننقله إلاّ بالأسانيد الصحيحة المعتبرة المعتمدة، والحمد لله على ذلك التوفيق.
____________
(1) سورة هود 11: 24.
(2) سورة العنكبوت 29: 63.
وأقـول:
لا يخفى أنّه قد دلّس في مذهب قومه، وموَّه ما شاء ولبَّس في مذهب الإمامية، وافترى من غير حياء ـ كما ستعرفه إن شاء الله تعالى ـ، فخالف ما اشترطه من الصدق والإنصاف، اتّباعاً للهوى، وتعصّباً لدين الأسـلاف.
ونحن بعون الله تعالى نكشف عن وجه الحقيقة غشاءها، ونعيد إلى مرآة الحقّ صفاءها.
أمّا ما ذكره أوّلا في تقرير مذهب الأشاعرة بقوله: " خالق كلّ الأشـياء "..
فهو أوّل تمويه ; لأنّ مورد النزاع هو أفعال العباد، وأنّها مفعولة لله سبحانه أو للعبد، فكان اللازم النصّ عليها ليتّضح حال المذهبين، ولم يكفِ ذِكر ما ينصرف لغيرها، فينبغي أن يقال للمشرك المتحيّر: إنّه تعالى خالق كلّ الأشياء، حتّى الزنا، واللواط، والكذب، والظلم، والنهب، والسرقة، والقتل، ونحوها.
ولا ريب أنّه حينئذ يستنكره ويستكرهه ويعدّه من منافيات وجدانه لأنّه يجد أنّه فاعل فعله.
ولو ذُكر له الشرك الذي هو عليه وقيل: إنّه مخلوق لله تعالى، لقال هذا دليـل رضـاه بـه ; لأنّ الفعـل بالاخـتيار لا يصدر بـدون رضا الفاعـل فلا داعي للعدول عنه.
ولو اجتهدوا في ترغيبه وإقناعه لقال: ما لكم خرجتم عن مذهبكم؟!
وكذا الكلام في بقية الفقرات التي أراد بها أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وموّه فيها بإظهار ما ينصرف إلى غيرها.
ويزيد إشكالا قوله: " هو الفاعل المختار " ; لأنّ الله سبحانه عندهم موجب لصفاته فلا يكون مختاراً على الإطلاق.
وبالجملة: هذه الفقرات بالنظر إلى ما عدا أفعال العباد مشتركة بين المذهبين، وبالنظر إلى أفعال العباد قد موَّه بها، فلا معنى لذِكرها في مقام التفاضـل.
وأمّا قوله: " دبّر أُمور الكائنات في أزل الآزال "..
فإن أراد به أنّه أجراها على موازينها وقام بشؤونها، فهو ليس في الأزل، بل حين خلقها وأوجدها، وإن أراد أنّه تروّى بها ورتّب كيفية خلقها، فهو باطل ; لأنّه غني عن التروّي، عالم بكلّ شيء في الأزل، فإذا أراد شيئاً قال له: ( كن فيكون )(1)، بلا إجالة فكر.
وأمّا قوله: " ثمّ خلقهم وأمرهم ونهاهم ".
فهو من الفضول في مقام التفاضل ; لاشتراك القول به بين الجميع.
وأمّا قوله: " وأفعاله حكمة وصواب، ولا قبيح في فعله ".
فهو ممّا أُريد به خلاف ظاهره، فإنّ ظاهره تنزيه وخير، ولكنّه تأبّط شرّاً ; لأنّه لو صرّح للمشرك بأنّ من أفعاله الزنا، واللواط، وظلم الناس بعضهم بعضاً، والإفساد في الأرض، وجميع الفتن، لجزم بأنّها ليست
____________
(1) سورة البقرة 2: 117، سورة آل عمران 3: 47 و 59، سورة الأنعام 6: 73، سورة النحل 16: 40، سورة مريم 19: 35، سورة يس 36: 82، سورة غافر 40: 68.
وكذا قوله: " لا يجب عليه شيء ".
فإنّه لو فهم أنّ المقصود منه أنّه لا يجب عليه الرحمة وجزاء عبده بالطاعة وفعل الجميل، وأنّه يجوز أن يعذّب المطيع المحسن بلا ذنب، لأنكر صلاحيّته للربوبية، وحكم بعدم عدله وحكمته، ولم ير بالدخول بالإسلام على تقدير أحقّيّته فائدة تقتضي إتعاب النفس في اتّباع أحكامه.
وكذا قوله: " وكلّ ما يفعله في العباد من إعطاء الثواب وإجراء العقاب، فهو تصرّف في ملكه، ولا يتصوّر منه ظلم، لا يُسـأل عمّا يفعـل ".
فإنّه لو علم أنّ المراد أنّه يجوز عقاب من آمن به وعبده طول عمره ولم يذنب قطّ، وثواب من كفر به وسبّه مدّة حياته، وأنّه لا يُسأل عن ذلك، لحكم بأنّ تجويز ذلك تجويز للجور والسفه عليه سبحانه، وبادر إلى الاعتراض والسؤال عن هذا العمل الوحشي.
ومعنى قوله تعالى: ( لا يُسأل عمّا يفعل )(1) على مذهب أهل العـدل، أنّه لمّا علمت حكمته وعدله فلا يسأل عن فعله إذا خفي وجهه، لا أنّه لا يُسأل عن فعله وإن نافى الرحمة والعدل والحكمة(2).
وأمّا قول الخصم: " وهم يُسـألون ".
فممّا يزيد المتحيّر حيرة ; لأنّه بعدما ذكر له أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لا يتصوّر وجهاً لمسؤولـيّـتهم عن شيء لا تأثير لهم فيه أصلا.
____________
(1) سورة الأنبياء 21: 23.
(2) انظر: تفسير الكشّاف 2 / 568، مجمع البيان 7 / 70، تفسير الفخر الرازي 22 / 157 ـ 158.
إذ كيف لا يقبح فعل القبيح في حقّه وهو أحقّ من تنزَّه عن القبيح.
وأمّا قوله: " ونحن نرضى بقضائه ".
فهو ـ لو صحّ ـ ممّا يشترك به الفريقان، إلاّ إنّه بإضافة قوله: " والقضاء غير المقضي " يترك السامع متعجّباً من إرادته به وجوب الرضا بالقضاء دون المقضي، والحال أنّ الرضا بأحدهما لا ينفكّ عن الرضا بالآخـر.
وأمّا ما ذكره في تقرير مذهب الإمامية من أنّ: " الإله الذي ندعوك إليه له شركاء في الخلق "..
فتلبيس ظاهر ; لأنّ إسناد أفعال العباد إليهم لا يستلزم الشركة، كإسناد الملكية والقدرة لهم، بل ذلك من مظاهر القدرة الربّانية وتوابع العبودية ; لأنّه تعالى أعطانا قدرة على أفعالنا ومكّـننا من الاختيار، ولا قدرة لنا من عند أنفسنا ففعلناها بإرادتنا مع احتياجنا في كلّ آن إليه.
وهذا هو الصنع العجيب، حيث خلق ما يؤثّر الآثار بلا مباشرة منه تعالى للأثر، ولا حاجة له إلى المؤثّر، بل لنزاهته عن إتيان فواحش الأعمال وحكمته في جعل القدرة والاختيار للعبد، ففي هذا إطراء لقدرته تعالى وتنزيه له عن القبـيح.
وأمّا قوله: " وهو الموجب الذي لا تصرّف له في الكائنات بالإرادة والاختيار "..
فهو من أظهر الكذب ; لأنّ كلّ أحد يعلم أنّ مذهب أهل العدل أنّ الله تعـالى متـصرّف بأفعاله من خلق السماوات والأرض والأجسام
وأمّـا قوله: " وإذا عمل سـيّـئةً يجب عليه عقابها وليـس له أن يتفضّـل "..
فأكذب من الأوّل، كما سـتعرف.
قال نصير الدين (قدس سره) في (التجريد): " والعفو واقع ; لأنّه حقّه تعالى... ولا ضرر عليه في تركه... ولأنّه إحسان، وللسمع والإجماع على الشفاعة "(1).
وقال القوشجي في شرحه: " اتّفقت الأُمّة على أنّه تعالى يعفو عن الأُمّة وعن الصغائر مطلقاً، وعن الكبائر بعد التوبة، ولا يعفو عن الكفر قطعاً، واختلفوا في جواز العفو عن الكبائر بدون التوبة، فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّه جائز عقلا غير جائز سمعاً، وذهب الباقون إلى وقوعه عقلا وسمعاً، واختاره المصنّف "(2).
فأين ما اشترطه الفضل من الصدق والإنصاف؟!
وأمّا قوله: " وإنّه خلق العالم ولم يجر له قضاء سابق ولا علم متقدّم، بل يحدث الأشياء على سبيل الاتّفاق "..
فأكذب من الأوّلين ; لأنّا نقول: إنّه تعالى عالم لذاته في الأزل وهو
____________
(1) تجريد الاعتقاد: 304 ـ 305.
(2) شرح التجريد: 501.
نعـم، لم يكن بالأزل القضاء ببعض معانيه كالخلق والإعلام والتكليف، ومجرّد قولنا بعدم زيادة صفاته تعالى على ذاته لا يستلزم عدم علمه في الأزل بالأشياء، كيف؟! وعلمه عين ذاته!
وأمّا قوله في تقرير مذهبه ثانياً: " وهل الأَوْلى أن يقال له: من ديننا أنّه تعالى حاكم قادر مختار "..
فهو لا يختصّ بمذهبه، بل هم يرونه سبحانه موجباً لصفاته.
وأمّا قوله: " يكلّف الناس كيف ما يشاء " إلى تمام ما ذكره في بيان جواز التكليف بما لايطاق..
ففيـه: إنّه لو سمعه المشرك لقال: على هذا يكون الإله الذي تدعون إليه غير منزّه عن السفه والجهل، ولا مأمون الجور، ولا يؤمنه دعوى عدم الوقوع، ولا ضمان أن لا يقع.
وأمّا قوله في تقرير مذهب الإمامية: " أو يقال: إنّه يجب عليه أن يكلّف الناس حسب طاقتهم "..
فلا ريب أنّه أنسب بالحكمة والعلم والعدل، وأقوى في رغبة السامع من القول بأنّه يجوز أن يكلِّف بما لا يطاق.
وأمّا قوله: " ليس له التصرّف فيهم "..
فـظاهره كـذب صريـح، وقد أراد به أنّـه يمتنـع عليه أن يكلّف بما لا يطاق، كما ذكره بعبارته بعدها، لكن قال فيها: " ويمتنع عليه التكليف حسبما أراد ".. وهو كذب صريح ; لأنّ التكليف بما لا يطاق ليس من مراده، وهو ممتنع الفعل والإرادة بالغير، أعني الحكمة والعدل.
ففيـه: إنّه لو صرّح بأنّ من جملة ما جرى بتقديره وإرادته أفعال الإنسان، حسنها وقبيحها، لَعدّه السامع مكابرة لوجدانه، واستنكر من نسبة القبيح إلى من يريد معرفة ربوبيّته، وحكم بمناقضة نسبة الأفعال إليه مع الحكم بأنّه لا يرضى بالمعصية ; لأنّ فعل المختار يستلزم رضاه..
على إنّـا أَوْلى بأن نـقول: الطـاعة برضـاه والمعصيـة بغيـر رضـاه، فلا وجه لتخصيص الأشاعرة به.
وأمّا ما نسبه إلى الإمامية من أنّهم يقولون: إنّه سبحانه مغلول اليـد..
فكذب بجرأة عظيمة على جلال الله وقدسه، فإنّ غَلّ اليد إنّما يناسـب القصور عن الفعل لا التنزّه عنه، أو كونه جوراً وظلماً كعذاب من لا ذنب له والتكليف بما لا يطاق، فيكون ممتنعاً بالغير، وإنْ كان سبحانه أقدر كلّ قادر عليه.
فعلى رأي الخصم: إنّه سبحانه لمّا وصف نفسه بأنّه ليس بظلاّم للعبيد، كان معناه أنّه سبحانه مغلول اليد، ولا موجب لهذا الكذب علينا على الوجه الأشنع إلاّ الانتصار لدين الأسلاف.
وأمّا قوله: " فيجب عليه أن يحبّ الخير وهو فاعله، ولا يخلق الشرّ، فللشرّ فواعل غيره... " إلى آخره..
فهو من الجهل الفاضح، لأنّـا نقول: إنّـا فاعلون لأفعالنا خيراً وشرّاً، فلا وجه للتفصيل.
وأمّا قوله: " وهل الأَوْلى أن يقال: إنّه تعالى لا يشبه الأشياء، ولكن
فـفيـه: مع أنّ القول بعـدم المشـابهة مشـتركٌ ظاهراً بين الفريقيـن، لا يجتمع مع القول بأخذ صفاته من صفات البشر ; لأنّ أخذ معرفة صفة من صفة يقتضي المشابهة بينهما ويلزمه أن يكون الموصوفان متشابهَين ; لأنّ اقتضاء الذاتيَن للأمرَين المتشابهَين، دليل على تشابه الذاتين، فلا معنى لقوله: " لا يشبه الأشياء ".
وأمّا قوله: " أو نقول: إنّه لا صفات له "..
فإنْ أراد به أنّه لا صفات له زائدة على ذاته، مغايرة له في الوجود، فهو قولنا، وهو الحقّ الصريح.
وإنْ أراد به انتفاء العلم عنه، أي انكشاف الأشياء له وحضورها عنده، وانتفاء القدرة وباقي الصفات عنه فهو باطل، بعد أن تكون ذاته تعالى بنفسها مصدراً لآثار العلم، والقدرة، والإرادة، وغيرها من الصفات، بلا حاجة منه إلى الصفات المغايرة له، فلا يشبه مخلوقاته في الحاجة إلى غيرها في صدور الآثار عنها.
نعم، لمّا كانت ذاته المقدّسة مصدراً لآثار الصفات، صحّ أن ينتزع له وصفُ الحيّ القادر العالم.. إلى غيرها من صفاته، فهو سبحانه حيٌّ قادر عالم أزلا وأبداً، وهذا معنىً جليٌّ لا يحير فيه إلاّ من لا إدراك له.
وأمّا قوله: " وهل الأَوْلى أن يقال: إنّ الله تعالى كان في الأزل متكلّماً بكلام نفسي صفة ذاته "..
ففيـه: إنّ هذا لا يكفي في البيان، بل ينبغي أن يضاف إليه أنّه صفة مغايرة لسـائر الصفات، فعنده يحيـر ذلك الطالب للمعرفـة في فهم معناه ولا يجـده معـقولا، ويـرى الطـلب في الأزل والأبـد حيـث لا مطلـوب،
وأمّا قوله: " أو يقال: إنّه خلق الكلام وليس هو بمتكلّم ; لأنّ خالق الكلام لا يسمّى متكلّماً "..
فغير صحيح ; لصحّة انتزاع وصف المتكلّم له تعالى من خلقه للكلام، لاختلاف أنحاء تلبّـس الذات بالمبدأ ـ كما مرّ ـ على أنّ ذلك مناقشة لفظية في كلمة لم تثبت في الكتاب، ولم يلزم الحكم بصحّة إطلاقها عليه تعالى، إلى غير ذلك ممّا عرفته سابقاً(1).
وأمّا قوله: " وإنّه أحدث الأمر والنهي... بلا تقدير وإرادة سابقة "..
فكذب ظاهر ; لأنّـا لا ننكر التقدير والإرادة في السابق، وقولنا بعدم زيادة صفاته تعالى لا يستدعي عدم الإرادة الأزلية المنتزعة من ذاته تعالى، كالعلم والقدرة والحياة الأزليّات، وإنّما يتأخّر المراد لوقته، كما هو كذلك على قولهم.
وأمّا قوله: " وهل الأَوْلى أن نقول: إنّه تعالى مرئي يوم القيامة " إلى قوله: " ولكن هذه الرؤية بلا كيفية، كما سـترى وتعلم "..
ففيـه: إنّه يسـتلزم إنكار السامع من وجهين:
الأوّل: إنّه تعالى لو كان صالحاً لتعلّق الرؤية به، فلِمَ لا يُرى في الدنيا، والرؤية فيها أَوْلى، ليحصل اليقين به وجداناً، فيطلبها السامع حينئذ فيقع القائل في الحيرة.
الثاني: إنّه لا يتصوّر معنىً معقولا للرؤية بلا كيفية، فينفر المتحيّر عن الدِين المشتمل على ما لا يعقل، فيقع بدل ما أرادوا من الشغف في
____________
(1) راجع ردّ الشيخ المظفّر (قدس سره) في الصفحة 229 من هذا الجزء.
وأمّا قوله: " وهل الأَوْلى أن يقال: إنّ أنبياء الله مكرّمون معصومون من الكذب والكبائر "..
ففيـه:
أوّلا: إنّه لا معنى للعصمة عن الكذب في دعوى الرسالة كما هو مراده، وقد سبق.
وثانياً: إنّـهم لا ينـزّهون الأنبـياء عن الكبـائر قبل النبـوّة، وبعضـهم لا ينزّههم حتّى عن الكفر قبلها! وأمّا بعد النبوّة فلا ينزّهونهم عن الكبائر سهواً، بل عمداً عند بعضهم، كما ستسمع إن شاء الله تعالى.
وأمّا قوله: " ولكنّهم بشر لا يأمنون من إمكان وقوع الصغائر "..
ففيـه: إنّ هذا موجب للنفرة منهم ; لأنّ من جاء لتأسيس شرع أو تقوية شرع سابق، لا يحسن أن يخالفه، ولا يكون مع المخالفة محلاًّ للوثوق والاتّباع.
فكيف يسكن إليه الحائر وقد قرعوا سمعه ـ قبل الإيمان به ـ بأنّه يفعل المعاصي ويخالف ما جاء به؟!
ولا يخفى أنّ لفظ " الإمكان " في كلامه فضلة لا محلّ لها!
وأمّا قوله: " فلا تيأس أنت من عفو الله وكرمه، إن صدر منك ذنب "..
ففيـه: إنّ هذا قبل السؤال إغراء بالمعصية ودعوة إليها!
وقوله: " فإنّهم أُسوة الناس، ويمكن أن يقع منهم الذنب "..
وأمّا قوله في تقرير مذهب الإمامية، أنّ: " الأنبياء كالملائكة، يسـتحيل عليهم الذنب "..
فهو افتراء عليهم ; لأنّ العصمة عندهم عن الذنب لا تنافي القدرة عليه، وإلاّ لم يصحّ التكليف ; على أنّه منقوض بالعصمة عن الكبائر عندهم، فإنّهم يقولون بها كما زعم.
وأمّا ما ذكره من أنّه: " إذا سمع المتحيّر بشيء من ذنوب الأنبياء، كما جاء في القرآن: ( وعصى آدمُ ربَّـه فغوى )(1)، يتردّد في نبـوّة آدم "..
ففيـه: إنّه إذا تردّد قيل له: إنّ المراد بالمعصية ترك الأَوْلى(2)، وإرادة خلاف الظاهر غير عزيزة في كلام العرب، وإلاّ لم يمكن أن يذكر له أنّ الله ليس بجسم ; لأنّه يتردّد في ربوبيّته إذا سمع قوله تعالى: ( الرحمن على العرش اسـتوى )(3)، ونحوه.
وأمّا قوله: " وهل الأَوْلى أن يقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا بُعث إلى الناس تابعه جماعة من أصحابه... " إلى آخره..
ففيـه: إنّ هذا خارج عمّا نحن بصدده ; لأنّ الكلام في ما هو أقرب إلى العقل المتحيّر من الأُمور العقليّة، لا في الأُمور التاريخية التي تتبع
____________
(1) سورة طـه 20: 121.
(2) انـظر: تـنزيه الأنبـياء ـ للشـريف المرتضى ـ: 25، عصمة الأنبـياء ـ للفخر الرازي ـ: 29 ـ 30.
(3) سورة طـه 20: 5.
هل الأَوْلى أن يقال له: إنّ أئمّتنا معصومون مطهّرون من الذنوب، عالمون بكلّ ما جاء به النبيّ من عند الله، حافظون لكلّ حكم أراده الله، منصوص عليهم كأوصياء الأنبياء، قادرون على سياسة الأُمّة على حسب القانون الإلهي، لا يخطئون ولا يجهلون..
أو يقال له: إنّ أئـمّتنا ممّن يختارهم الأُمّـة، ولو واحد، حتّى إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك أُمّته سُدىً، وأوكل الأمر إلى اختيارهم مع قرب عهدهم بالكفر، وإنْ أدّى الحال إلى اختيار مثل: معاوية، ويزيد، وعبـد الملك، والوليد، والمنصور، والرشيد، وأشباههم من ملوك الجور والضلال والجهل والفساد، فهم أئمّتنا ويجب علينا اتّباعهم وتعظيمهم؟!
ولو سُلّم أنّ للأُمور التاريخية دخلا في ما نحن فيه، بلحاظ أنّ منها ما يستقرّ به العقل، ومنها ما يستبعده، فاللازم أن نذكر في مذهب الإمامية كما ذكر في مذهبه شيئاً من التفصيل..
فنقـول:
لمّا بعث الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدع بأمره، تبعه الناس اختياراً واضطراراً، وكان فيمن صحبه أُناس أخبرهم الرهبان والكهنة بعلوّ أمره، وبعـد صيتـه، فصحبـوه طلباً للدنيـا، وصحبـه آخرون للخوف، ولكثير منهم تِرات(1) عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن عمّه ووزيره، فلمّا أراد الله تعالى
____________
(1) التِّـرات، جمع التِّـرة: وهي الثـأر ; انظر: لسان العرب 5 / 27 ـ 28 مادّة " ذحل " و ج 15 / 205 مادّة " وتر ".
ولمّا قبضه الله إليه وجد أُولئك المتصنّعون فرصة الأطماع والثارات، واغتنم بعضهم مشغولية الوصي بجهاز النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فبادروا لعقد البيعة لواحد منهم، وأعانهم أهل المكر والخداع، واتّبعهم الرعاع!
فكان الأمر كما قال تعالى منكِـراً عليهم: ( أفإن مات أو قُتل انـقلبتم... )(1)، وكما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّهم يرتدّون على أدبارهم القهقرى(2)، وأنّه يكون في هذه الأُمّة مثل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل(3)، الذي من جملته مخالفة أخيه وإرادة قتله، ولم يبق مع وصيّه إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان.. ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )(4).
فلمّا تمّ الأمر لأُولئك القوم وقد كانوا سمعوا من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوع الفتح بعده لبلاد كسرى وقيصر، والنفس أمّارة بالإمارة، ساروا لفتح تلك البلاد، ووقع الفتح على أيديهم، فساسوا البلاد على حسب أهوائهم، وغـيّروا الأحكام بآرائهم، واستأثر ثالثهم بالفيء حتّى كبت به بطنته، ولو تركوا الأمر لأهله لَعمّ الإسلامُ والعدلُ وفتحوا الدنيا بأسرها.
فهل ترى أنّ هذا التاريخ أقرب إلى الاعتبار، أو التأريخ الذي ذكره الخصم؟!
____________
(1) سورة آل عمران 3: 144.
(2) انظر مثلا: صحيح البخاري 8 / 216 ـ 217 ح 164 ـ 166.
(3) انظر: المستدرك على الصحيحين 1 / 218 ح 444، تاريخ دمشق 13 / 98، مختصر تاريخ دمشق 6 / 337، كنز العمّال 1 / 211 ح 1060.
(4) سورة يوسف 12: 103.
وأمّا ما زعمه من أنّهم أخذوا أيضاً العقائد من الخلفاء وأكابر الصحابة ; فنحن لم نسمع لمن عناهم شـيئاً من المعارف، ولم نعلم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) شهد لأحد منهم بالعلم والاجتهاد والأمانة! ولكن روى لهم بعض أوليائهم شيئاً من ذلك كذباً على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(1)..
وإنّما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينـة العِلم وعليٌّ بابُهـا "(2)،
____________
(1) انظر مثلا: الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ 1 / 303 ـ 335.
(2) ورد هذا الحديث الصحيح في كثير من كتب الجمهور، فانظر مثلا:
معرفـة الرجـال ـ ليحيـى بـن معيـن ـ 1 / 79 رقـم 231 و ج 2 / 242 رقم 831 و 832 وصحّحه، سنن الترمذي 5 / 596 ح 3723، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 11 / 54 ح 11061، المستدرك على الصحيحين 3 / 137 ح 4637 وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه " و ح 4638 و ص 138 ح 4639، حلية الأولياء 1 / 64، تاريخ بغداد 2 / 337 و ج 4 / 348 و ج 7 / 173 و ج 11 / 48 ـ 50، الاستيعاب 3 / 1102، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للمغازلي ـ: 115 ـ 120 ح 120 ـ 129، مصابيح السُـنّة 4 / 174 ح 4772، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 83 ح 69، تاريخ دمشق 42 / 378 ـ 384 ح 8974 ـ 8987، أُسد الغابة 3 / 597، جامع الأُصول 8 / 657 ح 6501، تذكرة الخواصّ: 52، كفاية الطالب: 220 ـ 222، الرياض النضرة 3 / 159، ذخائر العقبى: 141 ـ 142، مختصر تاريخ دمشق 18 / 16 ـ 17، البداية والنهاية 7 / 286، مشكاة المصابيح 3 / 357 ح 6096، مـجمـع الزوائـد 9 / 114، لسـان الميـزان 1 / 432 رقـم 1342، الجامـع الصـغيـر ـ للسيوطي ـ 1 / 161 ح 2704 و 2705، جامع الأحاديث ـ للسيوطي ـ 3 / 282 ح 8649، تاريخ الخلفاء: 202، كنز العمّال 11 / 600 ح 32889 و 32890 و ص 614 ح 32978 و 32979 و ج 13 / 147 ـ 148 ح 36463، إتحاف السادة المتّقين 6 / 244.
وقد صنّف الحافظ أحمد بن محمّـد بن الصدّيق الغماري الحسني كتاب " فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي " جمع فيه طرقه، وسلك فيه مسلكاً مبتكراً أثبت فيه صحّة الحديث بتسعة مسالك، وأبطل جميع الأكاذيب والادّعاءات بعدم صحّة سند الحديث ; فراجـع.
وأمّا ما ادّعاه من أنّـا نمزج ما ننقله بألف كذبة، وأنّهم ينقلون بالأسانيد الصحيحة ; فيكفي المنصف في ردّه ما ذكرناه في مقدّمة الكتاب.
والحمد لله الذي جعلنا ممّن يأخذ عن نبـيّه وباب مدينة علمه، وجعلنا ممّن تمسّك بالثقلين، ونسأله جوارهم في الدارين.
إثبات الحسن والقبح العقلـيَّـين
قال المصنّـف ـ قدّس سرّه ـ(1):
المطلب الثاني
في إثبات الحسن والقبح العقلـيَّـين
ذهب الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل، كعلمنا بحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضارّ.
فإنّ كلّ عاقل لا يشكّ في ذلك، وليس جزمه بهذا الحكم بأدونَ من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب، وإنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.
ومنها: ما هو معلوم بالاكتساب أنّه حسن أو قبيح، كحسن الصدق الضارّ، وقبح الكذب النافع.
ومنها: ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه، كالعبادات(2).
____________
(1) نهج الحقّ: 82.
(2) شرح جمل العلم والعمل: 85 ـ 89، تقريب المعارف: 97 ـ 99، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد: 84 ـ 87، المنقذ من التقليد 1 / 161 وما بعدها، تجريد الاعتقاد: 197، شرح الأُصول الخمسة: 302 وما بعدها، المحيط بالتكليف: 234.
____________
(1) الفصـل في المـلل والأهـواء والنحـل 2 / 98 ـ 99، الإرشـاد ـ للجويني ـ: 228 و 234، نهاية الإقدام في علم الكلام: 370، الأربعين في أُصول الدين ـ للفخر الرازي ـ 1 / 346، شرح المقاصد 4 / 282 ـ 283، شرح المواقف 8 / 181.
وقال الفضـل(1):
قد سـبق أنّ الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة(2):
الأوّل: صفة الكمال والنقص، يقال: العلم حسن، والجهل قبيح، ولا نـزاع في أنّ هذا أمر ثابت للصفـات في أنفسـها، وأنّ مدركه العقل، ولا تعلّق له بالشرع.
الثاني: ملاءمة الغرض ومنافرته، وقد يعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة والمفسـدة، وذلك أيضاً عقلي، أي يدركه العقل، كالمعنى الأوّل.
الثالث: تعلّق المدح والثواب بالفعل، عاجلا وآجلا، والذمّ والعقاب كذلك، فما تعلّق به المدح في العاجل والثواب في الآجل يُسمّى حسناً، وما تعلّق به الذمّ في العاجل والعقاب في الآجل يُسمّى قبيحاً.
وهذا المعنى الثالث محلّ النزاع، فهو عند الأشاعرة شرعي ; وذلك لأنّ أفعال العبـاد كلّها ليـس شيء منها بحيث يقـتضي مدح فاعلـه وثوابه ولا ذمّ فاعله وعقابه، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنهـا.
وعند المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية عقلي، كما ذكر هذا الرجل.
____________
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 1 / 341.
(2) انظر: محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 293، شرح المواقف 8 / 182 ـ 183.
وأقـول:
ضاق على القوم طريق الاعتذار، واتّسع عليهم سبيل الانتقاد، فأقرّوا بالحُسن والقُبح العقليّين في الأفعال بالتزامهم بالمعنى الأوّل على إطلاقه وهم لا يشعرون ; لأنّ العلم ـ ونحوه ممّا جعلوه صفة ـ هو في الحقيقة من الأفعال، ولذا يكلّف الإنسان بالعلم ومعرفة الأحكام.
لكن إذا ثبت للإنسان قيل: إنّه صفة له، وكذا كلّ ما هو من نحوه من الأفعال ; كالصدق، والكذب، والإحسان، والإساءة، والعدل، والظلم، ونحوها.
وحينئذ فيكون معنى حُسنها: إنّه ممّا ينبغي فعلها، ويستحقّ فاعلها المدح عند العقلاء، ومعنى قُبحها: إنّها ممّا ينبغي تركها، ويستحقّ فاعلها الذمّ عند العقلاء.
وأمّا ما ذكروه من المعنى الثاني، فغير متّجه ; لأنّ دعوى أنّ الحسن والقبح عقليّان بهذا المعنى غير صحيحة، إذ إنّ الملاءمة والمنافرة إنّما يستلزمان الحبّ والبغض، والتحسين والتقبيح الطبعيّين، لا الحسن والقبح العقليّين، كما هو ظاهر.
هـذا، وقد أطلق القوم على ملاءمة الغرض ومنافرته: المصلحة والمفسدة، والظاهر إرادة المصلحة والمفسدة عند الفاعل باعتبار ميله وعدمـه، ولا يمكـن أن يريـدوا بهما المصلحة والمفسدة الواقعيّتيـن، فإنّه لا يصحّ جعلهما تعبيراً آخر عن الملاءمة والمنافرة.
وأمّا المعنى الثالث، فإنّ معنى الحسن فيه: إنّه ما يستحقّ فاعله
فالحقّ أنّ النزاع بيننا وبينهم في أنّ الفعل هل فيه جهة تُحسّنه أو تُقبّحه عقلا، أو لا؟ بل يتبع في حسنه وقبحه أمر الشارع ونهيه، ولا حكم للعقل في حسن الأفعال وقبحها، فما نُهي عنه شرعاً قبيح، وما لم يُنه عنه حسن، كالواجب والمندوب، وكالمباح عند أكثرهم، وكفعل الله سبحانه ; لأنّها جميعاً لم يُنه عنها شرعاً.
وأمّا فعل الصبي فقد قال في " شرح المواقف ": " مختلف فيه "(1).
وأمّا فعل البهائم فقد قال: " قيل: إنّه لا يوصف بحسن ولا قبح باتّفاق الخصوم "(2).
وكيف كان! فقد اختار الأشاعرة الثاني(3).
والحقّ عندنا: الأوّل ; ضرورة أنّه ـ مع قطع النظر عن الشرع ـ نرى الفرق الواضح بين السجود والتعظيم للملك القهّار، والسجود والتعظيم لخسيس الأحجار، وبين الصدق النافع والكذب الضارّ.
وعلى رأي الأشاعرة لا فرق بينهما عقلا، مع قطع النظر عن الشرع(4)، وهو حقيق بالعجب.
____________
(1 ـ 3) شرح المواقف 8 / 181.
(4) الإرشاد ـ للجويني ـ: 230، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 294، شرح المواقف 8 / 182.